"البُخَارِي".. أمير أهل الحديث

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
البُخَارِي.. أمير أهل الحديث


مقدمة

2003-09-09

• صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.. ولم يشهد التاريخ مثله في قوة الحفظ.

• كان يقول قبل موته: "كتبت عن 1080 رجلاً ليس فيهم إلا صاحب حديث".

• ما وضع في كتابه الصحيح حديثًا إلا اغتسل وصلى ركعتين!

الإمام الجليل والمحدث العظيم "محمد بن إسماعيل البُخَارِي" أمير أهل الحديث وصاحب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، يقول: "صنفت الصحيح في ست عشرة سنة، وجعلته حجةً فيما بيني وبين الله تعالى".

لم يشهد تاريخ الإسلام مثله في قوة الحفظ ودقة الرواية والصبر على البحث مع قلة الإمكانات، حتى أصبح منارةً في الحديث وفاق تلامذته وشيوخه على السواء.

يقول عنه أحد العلماء: "لا أعلم أني رأيت مثله كأنه لم يخلق إلا للحديث".

نسبه ونشأته

هو: "أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البُخَارِي"، وكلمة بردزبه تعني بلغة بُخارى "الزراع"، وقد لد أبو عبدالله في يوم الجمعة الرابع من شوال سنة أربع وتسعين.

قوة حفظه وذاكرته

وهب الله البُخَارِي منذ طفولته قوةً في الذكاء والحفظ من خلال ذاكرة قوية تحدَّى بها أقوى الاختبارات التي تعرض لها في مواقف عدة، ولما بلغ ست عشرة سنة كان قد حفظ كُتب ابن المبارك ووكيع.

وقال محمد بن أبي حاتم الوراق: "سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان أبو عبدالله البُخَارِي يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما تصنع فقال لنا يومًا بعد ستة عشر يومًا: إنكما قد أكثرتما عليّ وألححتما فاعرضا عليَّ ما كتبتما، فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب، حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه، ثم قال: "أترون أني أختلف هدرًا، وأضيع أيامي"، فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.

طلبه للحديث

تنقل "البُخَارِي" بين بلدان عدة طلبًا للحديث الشريف ولينهل من كبار علماء وشيوخ عصره في بخارى وغيرها، ورُوي عن البُخَارِي أنه كان يقول قبل موته: كتبت عن ألف وثمانين رجلاً ليس فيهم إلا صاحب حديث كانوا يقولون "الإيمان قول وعمل يزيد وينقص".

وبدأ البُخَارِي رحلته من مسقط رأسه بخارى، فقد سمع بها من جماعة ليسوا من كبار شيوخه ثم رحل إلى بلخ وسمع هناك من "مكين بن إبراهيم" وهو من كبار شيوخه، وسمع بمرو، كما سمع بنيسابور من جماعة من العلماء وبالري من "إبراهيم بن موسى".

وفي أواخر سنة 210هـ قدم البُخَارِي العراق وتنقل بين مدنها ليسمع من شيوخها وعلمائها، وقال البُخَارِي: "دخلت بغداد ثمان مرات في كل مرة أجالس أحمد بن حنبل، ثم رحل إلى مكة، وسمع بالمدينة من عبد العزيز الأويسي وأيوب بن سليمان بن بلال وإسماعيل بن أبي أويس، وأكمل رحلته في العالم الإسلامي آنذاك فذهب إلى مصر ثم إلى الشام.

صحيح البُخَارِي

يروي البُخَارِي أنه بدأ التأليف وعمره 18 سنة فيقول: "في ثمان عشرة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر رسول الله في الليالي المقمرة، وكنت أختلف إلى الفقهاء بمرو وأنا صبي فإذا جئت أستحي أن أسلم عليهم فقال لي مؤدب من أهلها كم كتبت اليوم فقلت: اثنين وأردت بذلك حديثين فضحك من حضر المجلس فقال شيخ منهم لا تضحكوا فلعله يضحك منكم يوما".

عدَّ العلماء كتاب الجامع الصحيح المعروف بـ"صحيح البُخَارِي" أصح كتاب بعد كتاب الله، ويقول عنه علماء الحديث:" هو أعلى الكتب الستة سندًا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وذلك لأن أبا عبد الله أسن الجماعة وأقدمهم لقيًا للكبار أخذ عن جماعة يروي الأئمة الخمسة عنهم".

ويقول في بعض الروايات

- أخرجت هذا الكتاب من زُهاء ست مائة ألف حديث.

- ما وضعت في كتابي الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.

- ما أدخلت في هذا الكتاب إلا ما صح وتركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب.

اجتهاده

يروي أحد تلامذته أنه بات عنده ذات ليلة فأحصى عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة، وقال محمد بن أبي حاتم الوراق كان أبوعبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحيانًا، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارًا ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها.

وروي عن البُخَارِي أنه قال: لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء .. كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث إن كان الرجل فهمًا، فإن لم يكن سألته أن يخرج إلي أصله ونسخته فأما الآخرون لا يبالون ما يكتبون وكيف يكتبون.

ظهر نبوغ البُخَارِي مبكرًا فتفوق على أقرانه، وصاروا يتتلمذون على يديه، ويحتفون به في البلدان، فقد رُوي أن أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه وكان شابًا لم يخرج وجهه.

وروي عن أبي الأزهر أنه قال: كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام وأحبوا مغالطة البُخَارِي فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد اليمن في إسناد الحرمين فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن.

عمله بالتجارة

عمل البُخَارِي بالتجارة فكان مثالاً للتاجر الصدوق الذي لا يغش ولا ينقض نيته مهما كانت المغريات.. رُوي أنه حُملت إلى البُخَارِي بضاعة أنفذها إليه ابنه أحمد فاجتمع بعض التجار إليه فطلبوها بربح خمسة آلاف درهم فقال انصرفوا الليلة فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف فقال إني نويت بيعها للذين أتوا البارحة.

كرمه وسماحته

قال محمد بن أبي حاتم كانت له قطعة أرض يؤجرها كل سنة بسبع مائة درهم فكان ذلك المؤجر ربما حمل منها إلى أبي عبدالله قثاة أو قثاتين لأن أباعبد الله كان معجبًا بالقثاء النضيج وكان يؤثره على البطيخ أحيانًا فكان يهب للرجل مائة درهم كل سنة لحمله القثاء إليه أحيانًا.

وكان يتصدق بالكثير يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد وكان لا يفارقه كيسه.

محنة البُخَارِي

تعرض البُخَارِي للامتحان والابتلاء، وكثيرًا ما تعرض العلماء الصادقون للمحن فصبروا على ما أُوذوا في سبيل الله، ولقد حسد البعض البُخَارِي لما له من مكانة عند العلماء وطلاب العلم وجماهير المسلمين في كل البلاد الإسلامية، فأثاروا حوله الشائعات بأنه يقول بخلق القرآن، فامتحنوه في المجلس فلما حضر الناس مجلس البُخَارِي قام إليه رجل فقال يا أبا عبد الله: ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق هو أم غير مخلوق؛ فأعرض عنه البُخَارِي ولم يجبه، فقال الرجل يا أبا عبد الله فأعاد عليه القول فأعرض عنه، ثم قال في الثالثة فالتفت إليه البُخَارِي وقال: "القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة"، فشغب الرجل وشغب الناس وتفرقوا عنه وقعد البُخَارِي في منزله.

وقالوا له بعد ذلك ترجع عن هذا القول حتى نعود إليك قال لا أفعل إلا أن تجيئوا بحجة فيما تقولون أقوى من حجتي، وكان يقول أما أفعال العباد فمخلوقة فقد حدثنا علي بن عبد الله حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبو مالك عن ربعي عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يصنع كل صانع وصنعته".

وفاته

تُوفي البُخَارِي- رحمه الله- ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين وقد بلغ اثنتين وستين سنة، وروى- في قصة وفاته- محمد بن محمد بن مكي الجرجاني قال: سمعت عبد الواحد بن آدم الطواويسي يقول: رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت ما وقوفك يا رسول الله قال أنتظر محمد بن إسماعيل البُخَارِي فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرت فإذا قد مات في الساعة التي رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- فيها.

رحم الله الإمام البُخَارِي رحمة واسعة وجزاه الله- عن الإسلام والمسلمين وحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خيرًا.

المصدر