" الشباب العربي بين الواقع والتحديات"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
" الشباب العربي بين الواقع والتحديات"

بقلم : يوسف احمد

ورقة عمل مقدمة للقاء اليساري العربي الاستثنائي بيروت 18- 19 شباط 2011

الشباب العربي بين الواقع والتحديات، موضوع شائك يعج بإشكاليات متنوعة وتتفرع منها اسئلة مصيرية تتعلق ب " الهوية" حيناً، والتنوع الحضاري حيناً آخر، وبالخلل الداخلي تارة والمخاطر الخارجية طوراً، وبالتبعية مرة وبالمقاومة مراراً، بالنهوض والتحدي حيناً، وباليأس والاحباط احياناً.

قائمة كبيرة من التناقضات، تخلق في عقلية الشباب العربي ما يمكن اعتباره " ازدواجية سيكولوجية" .... او صراعاً داخلياً في غمرة عالم تسكنه التناقضات.

تلك التناقضات التي تمكننا من توجيه قائمة من الاسئلة: ترى اين موقعنا اليوم في الخارطة الدولية؟ وهل صحيح بأن اليأس تغلغل الى واقعنا؟ أم ان هناك نقاط مضيئة يمكن الاستناد اليها؟

لا شك ان الشباب يمثل شريحة اجتماعية هامة ومتميزة في مختلف المجتمعات لما يتمتعون به من قوة وحيوية، ويشكلون مصدراً هاماً للازدهار والتطور والرقي والتنمية وديمومتها في المجتمع، وحينما يغيب دور الشباب عن ساحـة المجتمع، تتسارع إليه بوادر الركود والتراجع والانهيار وتتوقف عجلة التقدم...

ولعل أهم ما يميز الشباب كقوة تغيير مجتمعية بأنهم الفئة الأكثر طموحاً في المجتمع، وهذا يعني أن عملية التغيير والتقدم لديهم لا تقف عند حدود، والحزب السياسي أو المنظمة الشبابية أو أية مجموعة اجتماعية تسعى للتغيير السياسي أو الاجتماعي يجب أن تضع في سلم أولوياتها استقطاب طاقات الشباب وتوظيف هذه الطاقات باتجاه أهدافها المحددة.

وثمة اجماع على اعتبار الشباب سلاحا ذو حدين، فهم قوة مبدعة خلاقة ومورد انتاجي فعال اذا تم استثمارهم، وتوجيه طاقاتهم على نحو صحيح، وقد يتحولون الى شريحة غير منتجة، اذا لم يحسن توظيفها، واذا اخفق المجتمع في التعاطي مع مشاكلها ولم يفلح في ايجاد الحلول الفعالة لها.

وعليه فإن تنظيم الشباب كمورد، يرتهن في المقام الاول والاخير بمدى استعداد المجتمع بكل مكوناته لتمكينهم، على مختلف الصعد اقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً، وثقافياً وفكرياً.... الخ.

ويعتبر الشباب قوة اجتماعية هامة بصفته قطاعا اجتماعيا رئيسيا في المجتمع، وكسب هذا القطاع يعني كسب معركة التغيير، وهنالك الكثير من الأمثلة الدالة على هذه المعادلة.

وقد استشعر العالم أهمية الشباب والطلبة منذ عشرات السنين ففي بلدان العالم النامي شكل الشباب الطليعة الثورية في حركات التحرر الوطني التي قادت بلدانها إلى التحرر من الاستعمار.

حيث لعبت الحركات الشبابية والطلابية أدواراً مميزة وهامة في العديد من الدول ولاسيما في اندونيسيا وكوريا والصين وكوبا وغيرها اضافة للعديد من الدول الأوروبية التي شهدت حراكا ملموساً قاده الشباب في تلك المجتمعات واثبتوا قدرتهم على لعب أدورا هامة ومحورية ساهمت في رسم الصورة المستقبلية في تلك البلدان.

وعلى الصعيد العربي فتاريخ المنطقة العربية حافل بالشواهد على أن جيل الشباب كان الطلائع المتقدمة في حركات التحرر الوطني من اجل الاستقلال وفي مواجهة الاحتلال والعدوان وفي الثورة على التبعية، وخاض صراعا طويلا مع الأنظمة الحاكمة وسياستها القمعية ونهجها في الحكم القائم على الفساد وتغييب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية .

ولعل ما تشهده المنطقة العربية حالياً من تغييرات اجتماعية وسياسية سريعة وواسعة النطاق من حيث عمقها واتجاهاتها ونتائجها، مثل محورها الرئيسي كلا من تونس ومصر وامتد الى دول عربية اخرى كالبحرين واليمن وغيرها.

حيث انتفض الشباب التونسي واستطاع أن يحرك كل قوى المجتمع ضد الاستبداد والدكتاتورية والقمع والفساد، محققاً بانتفاضته الشعبية مكتسبات هامة على صعيد الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وإنهاء نظام السلطة الاستبدادي.

ومن ثم انتقلت الانتفاضة الشبابية الشعبية إلى شباب مصر أبطال مقاومة العدوان الثلاثي 1956، أبطال حرب أكتوبر/ تشرين أول 1973، حيث توحدت كل المجموعات الشبابية في اطار قيادة موحدة، وفي المقدمة القوى الثلاث " شباب من اجل التغيير، شباب 6 ابريل، كلنا خالد سعيد" مطلقين انتفاضتهم الشبابية المليونية

ورافعين خلالها راية الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، من أجل دستور ديمقراطي جديد يضمن التداول الديمقراطي للسلطة وبناء الدولة المدنية دولة المساواة في المواطنة، ذات النهج السياسي الديمقراطي، الذي يضمن للجميع فرصاً متكافئة من العيش، تتيح لهم تفجير طاقاتهم، وإظهار إبداعاتهم في جميع المجالات، حيث ينمو الإبداع ويتطور في ظل الأجواء المتحررة، وهذا ما سعى من اجله الشباب المصري وقبله التونسي، وحرصوا على تحقيقه، ونجحوا عبر نضالاتهم وتضحياتهم ان يحققوا مكتسبات هامة ومصيرية.

وقد شكلت هاتين الانتفاضتين وما تشهده الدول العربية الاخرى من حالة حراك شعبي وجماهيري عماده الرئيسي هم الشباب نقطة تحول هامة على صعيد المنطقة العربية فتحت الأفق من اجل تحولات ديمقراطية شاملة، تكسر "الانسداد" في التغيير والتقدم، والانتقال إلى مجتمعات وأنظمة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

لا شك أن هذا الحراك الشبابي الذي شهدته تونس ومصر قد أعاد للشباب العربي ثقته بنفسه وبقدرته على التغيير وكسر جدران القمع والإقصاء والتهميش الذي مورس بحقه طيلة السنوات الماضية، حيث راوحت اتجاهات الأنظمة العربية في التعاطي مع الشباب ما بين التهميش والتغييب تارة، أو السعي للاحتواء والاستقطاب تارة أخرى، وفي كلا الحالتين كان سيف القمع مسلطاً بشكل دائم على رؤوس الشباب لمنعهم من تحشيد طاقاتهم وتنظيم قواهم .

وفلسطينيا، كان للحركة الشبابية والطلابية دور هام في سياق الفعل الفلسطيني الوطني وأتبث الشباب الفلسطيني على مدار التاريخ أنه قادر على العطاء الغير محدود، حيث سجل الشباب حضورا بارزاً منذ السنوات الأولى للنكبة وما قبلها وصولا إلى انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة ومن بعدها الانتفاضتين الأولى والثانية.

وقد جاءت الظروف والتحديات السياسية التي تمر بها القضية الفلسطينية لتطرح جملة من الأسئلة حول دور هذه الفئة في عملية النضال الوطني والبناء المجتمعي، وحول توجهاتها وأفكارها ومعاناتها ومشكلاتها واستشراف آفاق دورها المستقبلي.

ولا شك في أن الحاجة إلى مراجعة متسمة بالتعبير عن حجم المشكلات التي يواجهها جيل الشباب، لا بد من أن تمتلك لغتها الخاصة، وإمكانية فعلها الميداني، إذ أن تقويض الصيغ السابقة في المعالجات الجزئية أو المبتورة للقلق المشروع للشباب في البحث عن الهوية والدور واستشراف المستقبل يتطلب بالمقابل وضوحا في الرؤية ومعالجات جذرية وحاسمة.

وبما أن الشباب شريحة هامة في المجتمع فهم يعانون من مشكلاته العامة ويواجهون أيضاً مشكلات خاصة به على كافة الصعد الوطنية، و السياسية، والاجتماعية، و الديمقراطية، لدرجة أصبح معها من الصعب تخيل التغيير المنشود دون تحرير وإطلاق طاقات الشباب المكبلة بقيود سياسية واقتصادية واجتماعية ....

ومن هذا المنطلق يأتي السؤال اليوم عن دور القوى اليسارية والتقدمية العربية في النهوض بواقع الشباب وكيفية الاستفادة مما حققته ثورتي تونس ومصر في الدفع باتجاه فعل شبابي عربي ناشط يمتلك القدرة والرؤية الواضحة والسليمة للتعاطي مع مجمل التحديات التي تواجهنا على صعيد المنطقة العربية .

وما تحمله الامبريالية العالمية من مخاطر على شعوب المنطقة، وسياساتها الرامية الى الهيمنة والسيطرة على ثروات الشعوب ومقدراتها ومحاولات تقسيم العالم العربي الى دويلات متصارعة خدمة للاهداف الاستعمارية، الى جانب الاحتلالات والعدوان الاسرائيلي المستمر في الاراضي الفلسطينية، حيث ارتفاع وتيرة الاستيطان والتهويد في الضفة الفلسطينية الى جانب حصار قطاع غزة، واستمرار احتلال الجولان السورية ومزارع شبعا وكفرشوبا اللبنانية ...

وهنا يقع على عاتق الاحزاب مسؤولية كبيرة وهي مطالبة بالعمل على اجراء مراجعة لسياساتها التنظيمية وطرق عملها مع الشباب، حيث نلحظ تراجع ملموس وابتعاد الشباب او استنكافهم الى حد كبير عن النشاط السياسي من خلال الاحزاب أو ضعف وجودهم فيها، وهذا بدون شك له اسبابه المرتبطة بطبيعة بعض الاحزاب

وبرامجها الموجهة للشباب والتي اما انها لا تعطي الاهتمام المطلوب للشباب، او ان خطابها السياسي لا يشكل عامل جذب لهم، وعدم مواكبتها لمتطلبات الشباب العصرية واحتياجاتها الراهنة. ونجد اليوم الكثير من الاحزاب تتعاطى من الشباب بطريقة تقيد حركتهم وتغلق امامهم فرص المبادرة والابداع والمشاركة الحقيقية.

وبالتالي المطلوب من الاحزاب البحث الجدي في المعوقات التي تحول دون المشاركة الحزبية والسياسية الفاعلة للشباب، والتوجه إليهم من منطلقات تنموية تستند إلى القناعة بإهمية دور الشباب وضرورة اشراكهم والاستفادة من طاقاتهم وامكاناتهم.

وهذا يفرض وبالضرورة العمل على اعادة صياغة العلاقة بين الاحزاب والاطر الشبابية والطلابية عبر تمكين هذه الاطر من مخاطبة القاعدة الشبابية والطلابية ببرامج عمل شاملة تستطيع جذب الشباب وتحاكي اهتماماتهم وتدافع عن حقوقهم ومصالحهم الاقتصادية والصحية والتعليمية....، وتصقل وعيهم وتنمي قدراتهم وتجعلهم قادرين على تحمل المسؤولية ومواجهة كل الصعاب التي تعترض مستقبلهم، وهذا بطبيعة الحال سيكون له بالغ الاثر في تطوير اداء الشباب ومشاركتهم السياسية والحزبية .

ومن اجل بلوغ هذا الهدف لا بد للاحزاب من تعزيز المناخات الديمقراطية داخل اطرها وهيئاتها، بما يوفر للشباب مجالات الحوار والمناقشة وابداء الراي، وان تعمل على تشجيع الشباب وادماجهم بمختلف الفعاليات، واتاحة الفرصة امامهم للمبادرة وممارسة الدور الريادي والمتقدم بشكل تنمى فيه قدراتهم وخبراتهم وتزداد ثقتهم بأنفسهم ويحرزون مكانة افضل في الحزب.

ولا شك بأن هذه السياسة التعبوية التي تنمي روح المبادرة لدى الشباب وتغرس في نفوسهم الحماسة والاندفاع الايجابي نحو العمل والتطور،هي من المتطلبات الرئيسية للعمل السياسي.

فالحزب الذي لا يضم في صفوفه الشباب، ولا يجدد عضويته بعناصر شابه ودماء جديدة، سيتحول مع الوقت إلى حزب مترهل وضعيف كمعلم من معالم الشيخوخة، فيما الحزب المتجدد بدماء الشباب في كل هيئاته ومستوياته القيادية والكادرية، سيحافظ على شبابه المتجدد .

إلى جانب ذلك تقع ايضاً على عاتق القوى والاطر الشبابية اليسارية مسؤولية ومهمة تعزيز وتعميق الوعي والثقافة الوطنية الديمقراطية بين صفوف الشباب، واستيعاب أوجه التقدم الحضاري، والدمج بين أبعاد الثقافة الوطنية والقومية والإنسانية والدفاع عن الثقافة الديمقراطية في وجه الثقافة الظلامية والانغلاق والتطرف.

وتوجيه دفة الهوية والانتماء والثقافة باتجاهها الصحيح، الوطني الديمقراطي، الذي يغرس في عقول الشباب الروح الوطنية الديمقراطية المتنورة والمستندة إلى تاريخ ونضال حركات التحرر العربية اليسارية واهدافها التحررية.

الآن مطلوب من قوى اليسار العربي اعادة بناء حركتها الاجتماعية والسياسية، كي لا يكون موقفها انتظارياً، وبما يسمح في تجديد الفكر اليساري الوطني، فكر التطوير والتغيير، الاصلاح والانفتاح، مقرونا ايضا بالافادة من تطور الحركة التقدمية الجديدة على المستوى العالمي، التحولات اليسارية الديمقراطية في العالم الثالث وخاصة في اميركا اللاتينية، الى جانب ما شهدته تونس ومصر من تحول وما حققته من مكتسبات تدفع باتجاه تثبيث قيم ومبادىء الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

ومن نافل القول ان اليسار الثوري، الوطني والاممي قوة التغيير والتطوير،" تحرير العقل والديمقراطية" هو السلاح الفعلي بيد قوى التغيير والاصلاح على طريق النهوض الكبير.

ومن هنا يكتسب هذا اللقاء اهمية كبيرة من اجل الوصول الى رؤية موحدة بين قوى اليسار العربي تدفع بإتجاه بلورة سياسة جديدة تعبر عن طموحات الشباب العربي، وذلك يأتي اولا من خلال البرامج السياسية الموجه للشباب والتي ينبغي ان تشكل عامل جذب لهم وتعبر عن همومهم ومصالحهم وتطلعاتهم والتحديات التي

يواجهونها على المستوى الداخلي او على الصعيد الخارجي، الى جانب الاهتمام بمشكلات الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وتبني قضاياهم الاقتصادية حيث ارتفاع نسبة البطالة بين صفوف الشباب في الوطن العربي الى اكثر من 50% الى جانب القضايا التعليمية ومحو الامية والهموم الصحية وغيرها من العناوين التي ينبغي ان توضع في مقدمة برامج الاحزاب ونضالاتها اليومية.

والى جانب ذلك ينبغي ايجاد آليات تنسيقية تابثة بين مختلف منظمات الشباب اليساري العربي، ونقترح هنا ان يتبنى اللقاء اليساري العربي مشروع تأسيس اللقاء اليساري الشبابي العربي لما له من اهمية في تعزيز الصلة والعلاقة المشتركة بين منظمات الشباب وانعكاس ذلك على تطوير العمل الشبابي اليساري العربي وما يفتحه من افق لتبادل الخبرات وترسيخ حالة شبابية يسارية عربية، تستطيع النهوض بواقع الجماهير الشبابية من اجل تحقيق اهداف التغيير والاصلاح ومواجهة الامبريالية الامريكية الصهيونية والراسمالية المتوحشة.