أنا رأيت الجني الأبيض

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
نا رأيت الجني الأبيض

أ.د/جابر قميحة

مقدمة

علي الهاتف دار الحديث بيني وبين الإعلامي اللامع الأستاذ راضي سعيد - مدير مكتب قناة «اقرأ» الفضائية ب القاهرة, ومقدم برنامج «فتاوي علي الهواء» - وكان موضوع حديثنا الحلقات الهادفة الناجحة التي تقدمها «بسمة وهبة» عن «الجن والسحر والشعوذة» في برنامجها الأسبوعي المتفوق " قبل أن تحاسبوا ", وقد شهدت ثلاث حلقات استضيف فيها عدد من علماء الدين والمفكرين والمشعوذين وضحاياهم, مما أضفي علي هذه الحلقات الواقعية والمصداقية, زيادة علي براعة العرض والمناقشة الجادة البعيدة عن الشطط والتهريج.

سألني الأستاذ راضي: ولماذا لا تدلي بدلوك في هذا الموضوع?

- سيكون ذلك - إن شاء اللّه - قريبًا , وهأنذا أفي بالوعد..

وفي إيجاز شديد أقول: إن هناك حقيقتين ترتبطان بمنطق الإيمان, وعلينا - نحن المسلمين - أن نؤمن بهما:

الحقيقة الأولي: أن هناك عالمًا آخر غير مرئي هو عالم الجن, ويقطع بذلك القرآن الكريم في عدد من الآيات منها علي سبيل المثال:

- فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جانً} [الرحمن: 39].

-ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه} [سبأ: 12].

- وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56].

- ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرونّ} [الصافات: 158].

كما أن هناك أحاديث نبوية متعددة تقطع بوجود الجن ولا يتسع المقام للاستشهاد بها.

أما الحقيقة الثابتة فهي أن هناك ركامًا من الخرافات والأساطير نسجت - علي مدار التاريخ - حول الجن, وهذا لا ينفي وجودها, بل يؤكده.

نصيحة.. وتحذير

وكنت من صغري أسمع أن فلانًا «ملبوس», وأن فلانة عليها «أسياد», وأسمع حكايات عن «شمهورش» ملك الجن الأحمر, كما كنت أسمع شهادات الناس بمقدرة الجن الأزرق, فيقال «فلان خبّأ فلوسه في مكان خفي لا يستطيع مخلوق أن يكشفه حتي الجن الأزرق». ولم أسمع أبدًا من يقول: الجن البني, أو الأخضر, أو الأصفر... ولم أدٍر حتي الآن السرّ في اختصاص الجن بهذين اللونين: الأحمر والأزرق.

وفي «المنزلة» مسقط رأسي «كنا أسرة كبيرة العدد تعيش في بيت كبير", وكان والدي - من صغري - يحذرني دائمًا:

- احذر يا ولدي... لا تمش أمام منزل " أبو سْلِمان " بعد منتصف الليل.

- ليه.. يا والدي?

- اسمع كلامي .. وخلاص.

وسمعت بعد ذلك أن هذا البيت «مسكون», أي فيه عفاريت لا تظهر إلا بعد منتصف الليل. وعجبت كيف يقيم فيه أبو سلمان بمفرده.. فهو عزب.. لا زوجة, ولا أولاد, وهو «صائغ» يبيع المشغولات الذهبية في دكان صغير له وسط البلد.

وكان من عادته أن يجمع بضاعته من المشغولات الذهبية, ويضعها في حقيبة, ويعود بها إلي بيته بعد كل غروب, ليحفظها فيه خوفًا من اللصوص. فلم تكن أبواب الدكاكين في قوة أبواب اليوم. ثم يحمل حقيبته كل صباح, ويذهب إلي دكانه ليعرضها من جديد.

وبجانب بيت " أبو سلمان " ضريح أو مقام لولي من أولياء اللّه يردد الناس اسمه دائمًا «سيدي سلامة», ويتبركون به. وباسمه سُمي الشارع. وحتي أصل إلي بيتنا كان عليّ أن أسلك هذا الشارع حيث يقع بيتنا علي مسافة مائة متر تقريبًا, أو شارعًا أبعد هو «شارع القفاصين», وكنت أتفادي الشارع الأول ليلاً بسبب بيت " أبوسلمان " استجابة لتحذير الوالد.

ورأيت الجني الأبيض!!

وفي مساء «خميس» في شهر أغسطس .. في ليلة قمراء في منتصف شهر عربي, طال بنا المسار أنا وبعض زملائي في المدرسة الثانوية - في منطقة انحصر ماء بحيرة المنزلة عنها, وخلّف وراءه جُزرًا من الماء منفصلة, وكان البدر ينعكس علي مرآة هذه الرقع المائية, فكأنه عشرات من البدور لا بدرًا واحدًا.

وسرقنا الوقت.. ياه.. الساعة الآن الواحدة من صباح الجمعة... وتفرقنا.. واتجه كل منا إلي منزله... كانت نزهة طيبة.. وشغلتني استعادة صورة البدر المنعكس علي الرقع المائية عن نفسي.. لأجدني أسلك «الطريق المحظور» وأجدني بمحاذاة ضريح "سيدي سلامة" وبجواره منزل «أبو سلمان » لا يبعد عني أكثر من خمسة أمتار. توقفت.. أخذتني رعشة خفيفة, وأنا أستيعد نصيحة والدي...:

- احذر يا ولدي.. لا تمش أمام منزل "أبو سلمان " بعد منتصف الليل..

ماذا أفعل؟. هل أعود.. وأقطع مسافة طويلة لأسلك إلي بيتنا.. الشارع الآمن.. شارع القفاصين؟ دار هذا الخاطر, أو هذا التساؤل في نفسي.. وعينايَ علي باب المنزل الرهيب.. منزل "أبو سلمان" .

وفجأة طار هذا الخاطر, وتسمرت قدماي, في الأرض, وشعرت أن جلدة رأسي قد شُدت بملاقط الحديد, حتي التصقت بعنقي, وأن كل شعرة في رأسي تحولت إلي شوكة حارقة.. لقد رأيت باب بيت " أبو سلمان " يُفتح ببطء شديد, وعلي ضوء البدر رأيت مخلوقًا غريبًا جدًا يخرج منه.. لم أر مثله من قبل.. المخلوق الغريب طوله قرابة مترين ونصف المتر, وعرضه قرابة مترين, ولونه أبيض ما عدا جنبيه, فلونهما داكن, ويخرج من كل جانب ذراع طويلة, وضعهما المخلوق خلف ظهره, والأغرب من ذلك أن له أربع أرجل.. رجلين في كل جنب, وكل رجل تمشي أمام الأخري. والأرجل الأربع تقطع الطريق المؤدي إلي بيتنا في بطء وانتظام. ولم أر له رأسًا أو وجهًا.

شعرت برأسي أثقل من أن يحمله جسمي, وأن قدميّ قد تخلتا عني.. إنه جني.. جني أبيض.. وأعتقد أن أحدًا لم يره قبلي.. وحاولت أن أشعر نفسي بشيء من الطمأنينة والجني يبتعد عني في بطء شديد.. وبصعوبة بدأت أحرك لساني الذي جف عليه حلقي.. وأنادي بصوت خافت لا يسمعه غيري:

-يا شاويش.. ياشاويش..

وبدأت أرفع صوتي شيئًا فشيئًا وأنا أري الجني يبتعد عني... فلما رأيته يبدأ اختفاءه مائلاً إلي شارع جانبي في اليسار... استجمعت كل قوايَ وصرخت بأعلي صوتي:

- يا شاويش.. يا شاويش... يا شاويش.

وفجأة سمعت فرقعة لم أسمع مثلها من قبل, فأخذتني نوبة من الرعب الشديد, وانطلقت أعدو في الاتجاه العكسي.. قاصدًا شارع القفاصين لأصل إلي بيتنا

وصلت إلي البيت.. بدأت أشعر بالطمأنينة والأمان.. وأخذت أسأل نفسي: ما هذه الفرقعة الشديدة ؟ آه.. تذكرت.. لقد قرأت ذات مرة أن الجني - أي جني - يحدث فرقعة هائلة في حالتين:

حالة الظهور... وحالة الاختفاء و.... فهذه إذن فرقعة الاختفاء. عندما سمع الجني صراخي: يا شاويش.. يا شاويش …..

ألقيت نفسي علي سريري مثقلاً بالإعياء وخوف ممزوج بالشعور بالذنب لأنني خالفت نصيحة والدي. ولكني شعرت بشيء من الزهو؛ فأنا أول من رأي الجني الأبيض . ورحت في نوم عميق, وأنا أستعجل الصباح حتي أروي للناس ولزملائي السبق الذي خصني اللّه به, وهو رؤية الجني الأبيض..

ولم يوقظني إلا صوت أمي:

- اللّه!! ضاعت منك صلاة الفجر, فهل ستضيّع منك صلاة الجمعة أيضًا?!

توجهت إلي مسجد (أبو خُودة) القريب من بيتنا , لم أع كلمة واحدة من خطبة الجمعة.. فالصداع يكاد يحطم رأسي تحطيمًا.. وانتهت الصلاة, وأمام المسجد تجمع عدد كبير من الناس.. دفعني حب الاستطلاع أن أتجه إليهم.. وقلت في نفسي: «إنها فرصة لأتحدث عن السبق الذي حققته برؤية الجني الأبيض», ولكني سمعت أحدهم يقول:

- لكن الحمد للّه.. الشاويش منصور قبض علي اللصين, الخطيرين.. إنهما فلان وفلان من أرباب السوابق.

سألت صاحبنا: إيه الحكاية?

- أبو سلمان كان في القاهرة .. يظهر أن اللصين كانا علي علم بسفره, تسللا إلي البيت بعد منتصف الليل لسرقة «شنطة» المشغولات الذهبية, فتشا البيت كله فلم يعثرا عليها. لم يعد أمامهما إلا دولاب أبيض محكم الإغلاق وضعه أبو سلمان في المطبخ لإيهام اللصوص أنه نملية.. واستنتج اللصان - بسبب القفل الكبير الذي يحكم إغلاق هذا الدولاب - أن شنطة الذهب بداخله, حاولا فتحه.. فلم يوفقا.. فهداهما تفكيرهما إلي حمل هذا الدولاب الأبيض إلي مكان مهجور آمن لفتحه دون أن يشعر أحد. وبعد أن غادرا البيت, وابتعدا عنه سمعا فجأة صوتًا يصرخ:

- يا شاويش.. يا شاويش..

فخافا, وجريا بالدولاب, ولكنهما اصطدما بحائط في الطريق, فسقطا جريحين.. وتحطم الدولاب.. وأحدث فرقعة عالية أيقظت سكان الشارع... وكانت الشنطة فيه فعلاً.. وأسرع «الشاويش منصور», وألقي القبض عليهما.

سألت الراوي:

- لكن مين الشخص الذي كان يصيح.. ياشاويش.. ياشاويش؟ هل عرفوه؟

وجاءني الجواب من الواقفين في نفس واحد:

- جري إيه يافلان؟ هوّ فيه غيره؟ طبعًا «سيدي سلامة» صاحب الضريح المجاور للبيت.. ولي من أولياء اللّه.. سره باتع.. حقيقي سره باتع.

وسحبت قدميّ.. عائدًا إلي البيت وأنا أشعر بخيبة الأمل.. وأردد بيني وبين نفسي..

- صحيح..مفيش غيره.. .إنه سيدي سلامة.. سره باتع.. سره باتع.

المصدر:رابطة أدباء الشام