إسماعيل الفيومي حارس الرؤساء

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إسماعيل الفيومي حارس الرؤساء

مقدمة

الحارس الشخصي هو رجل محترف في حراسة الأشخاص الذين قد يكونوا مهددين، فتوكل لهم مسؤولية حراستهم؛ وغالبا ما يكون شخصية سياسية أو من مشاهير الفن أو من رموز المجتمع أو كبار الشخصيات ورجال الأعمال، ويكون الحارس الشخصي في العادة ذا بنية جسدية قوية ويكون مسلح ومدرب على الفنون القتالية المختلفة مثل الكاراتيه أو الجودو أو الملاكمة وغيرها.

ويتدرب الحرس الخاص على جميع أنواع الهجومات المحتملة على الشخصية المحمية، بالسلاح الناري أو بالسكين أو مواد تحمل فيروسات قاتلة توضع مثلا في باقة ورد أو غيرها. تكون التدريبات منسقة مع الفرقة الخاصة للحراسة، لكل فرد من أفراد الفرقة عمل مخصص، كما يجب أن يكون صاحب ردة فعل عالية جدا وسريع الاستيعاب والتعلم.

ويرجع تاريخ الحراسة الخاصة حسب الروايات إلى ما قبل عام (1758-1853) في اليابان من قِبل الساموراي. وهكذا كان الشهيد إسماعيل الفيومي الذي اختير كحارس شخصي لجمال عبدالناصر، وظل سنوات في هذه المهنة قبل أن يكتشفوا أنه من الإخوان فتملكهم الرعب وزجوا به في السجن الحربي ليلقى حتفه تحت ألسنة السياط والتعذيب.

النشأة

الشهيد إسماعيل محمد عبد المجيد الفيومي من مواليد أكتوبر 1933م،بعرب الحصن التابعة للمطرية بالقاهرة، متزوج وله ستة أبناء (محمد وسمية وفاطمة وآمنة وزينب وخديجة).

عرف بالتقوى وشدة تدينه والتحق بعد أدائه للخدمة العسكرية بوزارة الداخلية حيث عمل في قسم الخليفة لمدة ثمانية أشهر، بعدها رشحوه للعمل في رئاسة الجمهورية ضمن الحرس الخاص للرئيس عبد الناصر، وهناك أمضى الفيومي سبع سنوات كاملة في خدمة عبد الناصر قبل القبض عليه.

تنظيم 1965م وموجة جديدة

عمل عبد الناصر ونظامه منذ أن وجهة ضربة قوية للإخوان عام 1954م فأعدم من أعدم وسجن من سجن، عمل على تغيب الإخوان في ذاكرة المصريين خلال سنوات حكمه، وقد انحى الإخوان لهذه العاصفة حتى لا تكسرهم، غير أن البعض حاول لم شمل الجماعة من جديد وربطها تربويا

غير أن النظام كان يبدو أنه تكون على عجل ودون تثبت فكانت منهم بعض القيادات التي أودت بأرواح كثير من رجالات ونساء الصف في سبيل إنقاذ روحه مثل علي عشماوي الذي ما إن انكشف ما سمى بتنظيم 1965م حتى أدلى بمعلومات كثيرة حقيقية وغير حقيقية، حيث استخدمه رجال عبد الناصر في الاعتراف على كثير من الإخوان بمعلومات لم تكون معظمها صحيحة لكنهم استخدموها في انتزاع الاعترافات من الأفراد بالقوة أو قتل كل من يصمد ويرفض الاستجابة.

من خلال مذكرات على عشماوي يتضح أن قادة تنظيم 1965م كانوا يفكرون في شيء وهو كان يفكر في شيء أخر، بل سعى لتنفيذ ما كان يفكر فيه دون الرجوع لقادة التنظيم مثل الاغتيالات والتي رفضها الشهيد سيد قطب مستندا أنها غير مجدية وأنها ستجلب على الإخوان أضرار أكثر من نفعها كمقتل النقراشي والخازندار. (1)

اعتقال وتعذيب

ظل إسماعيل الفيومي يعمل كحارس شخصي لعبد الناصر ما يقرب من ثماني سنوات – ولو صدقت رواية نظام عبد الناصر أن الإخوان كانوا يريدون اغتيال عبد الناصر فكان من السهل تكليف إسماعيل الفيومي منذ اللحظة الأولى وعدم انتظار هذه السنوات – ولم يفكر يوما في الاقدام على عمل مشين كالذي ذكره علي عشماوي في الاعترافات ولذا ظل صامدا تحت التعذيب الشديد لرفضه الاعتراف بشيء لم يفكر فيه وهو اغتيال عبد الناصر.

سقط تنظيم 1965م وانفرط عقد الجميع بعد اعترافات علي عشماوي على الجميع، حيث أدلى بما يعرف من معلومات وبما لا يعرف كي يبرهن على إخلاصه الشديد في الاعترافات، وكان من ضمن من اعترف أنهم من الإخوان كان الشهيد إسماعيل الفيومي والذي تفاجأ نظام عبد الناصر من كونه أحد أعضاء الإخوان.

اعتقل الشهيد في 19/8/1965م هو وثلاثة من رفاقه بعدما أدوا صلاة المغرب في بلدتهم، وزج به في السجن الحربي حيث استقبلوه بالركلات وأفظع الشتائم واللعنات وأحطها والكرابيج من أيدي وأفواه وحوش آدمية قبل أن يوضعوه في الزنزانة رقم 144.

ظل تحت التعذيب اليومي وعندما تعبت أيدي وألسنة جلاديه من نهش جسده أطلقت عليه الكلاب البوليسية لتنهش لحمه ولترغمه على الاعتراف بجريمة ملفقة لم تقع إلا في خيال صاحبها الشيطاني... وطالبوا الفيومي بالاعتراف على شركاء له فيها.. وصمد الفيومي لكل صنوف العذاب الذي يتعرض له ضحايا باستيل مصر الحربي، وخاصة من يكون في مثل تهمة إسماعيل الفيومي.. من كي بالنار إلى طفى سجاير في جسده.. إلى نتف شعر صدره وذقنه أو حرقه .. وغير ذلك من وسائل غير إنسانية. (2)

بلغ الجنون بشمس بدران لعدن اعتراف إسماعيل الفيومي بما يريد من تهم ملفقه فنادى على صفوت الروبي قائلا:

هات الحشرة إسماعيل الفيومي ما دام حضراتك مش عرفين تخلوه يعترف لغاية دلوقتي، وعايزكم تجهزوه قبل ما تجيبوه قدامي بضربه 300 كرباج، وبعد أن تم ما أراد أتى به اثنان منهما يجران خلفهما جثة إنسان تدل الأنات الخافقة الصادرة منه على أن الحياة ما تزال تنبض به ولكن في خفوت.
وحاول بدران أن يجبره على الاعتراف فرفض الفيومي مما دفع ببدران أن يأمر الروبي وزبانيته بضربه من الصباح حتى العصر وتحت التعذيب صعدت روحه لله، فسارعوا بوضعه في زنزانته. (3)

ويذكر الأستاذ جابر رزق شهادات زملائه فيقول:

" قال لي زميل للشهيد واسمه عبد المنعم وكان يعمل معه في حرس جمال عبد الناصر منذ عام 1958م حتى يوم القبض عليه: أنا زميل الشهيد إسماعيل الفيومي.. كان تجنيدنا واحدًا، وبعد أن قضينا فترة الجيش، التحقنا بالبوليس وخدمنا معًا في قسم الخليفة لمدة ثمانية أشهر، ثم طلبنا إلى رئاسة الجمهورية، وأُجري لنا اختبار مع أكثر من 150 فردًا ونجحنا مع عشرين، وكان إسماعيل الفيومي الأول وكنت أنا الثاني، دربونا ستة أشهر على ضرب النار.
وكان إسماعيل الفيومي ممتازًا فعينوه معلمًا في مدرسة ضرب النار، وأخذوني أنا حراسة في داخل منزل عبد الناصر، وكانت أي سفرية للرئيس نطلع أنا وإسماعيل، وأثناء وجود الرئيس عبد الناصر في الإسكندرية نبقى معه والشهيد إسماعيل طوال الشهر، وكنتُ أزامل إسماعيل لأنه كان رجلاً ممتازًا في خلقه، فطرته طيبة.. مؤمنًا.. متدينًا
وكنا طوال النهار نقرأ القرآن ونتدارسه، قبل القبض على إسماعيل الفيومي بيومين كنا في القطار الخصوصي في عربة الرئيس عبد الناصر، وكان في القطار جميع الوزراء.. ثاني يوم قالوا قبضوا على إسماعيل الفيومي، لأنه من الإخوان المسلمين، وعجبتُ كيف خَفِيَ عنهم أنه من الإخوان المسلمين طوال السنوات الثماني التي كان يعمل فيها حارسًا خاصًا لعبد الناصر
والمفروض أن المخابرات تكتب عن كل واحد من الحرس تقريرًا كل ستة أشهر، حتى أن الصحف نشرت أن إسماعيل الفيومي كان سيغتال عبد الناصر، قلتُ في نفسي لو أن إسماعيل الفيومي كان ينوي قتل جمال عبد الناصر لقتله قبل القبض عليه بيومين فقط؛ حيث كنت أنا وهو في القطار المخصوص، وكان معي طبنجة، وكان مع إسماعيل طبنجة، وكان بالقطار جميع الوزراء، وكان بالإمكان القضاء على جمال عبد الناصر وجميع مَن معه!!

ولما نشرت الجرائد أن إسماعيل كان سيضرب عبد الناصر من الخلف أنا كنت في ذهول؛ لأن عبد الناصر كان أمامنا قبل يومين من القبض عليه، وكان إسماعيل يستطيع أن يقتله ببساطة، لقد كنت أنا وإسماعيل ملازمين لجمال عبد الناصر في الحراسة، وكنا نجلس في الصف الثاني ونقف منه على بعد خطوات!!

وبعد القبض على إسماعيل انتظرت القبض عليَّ أنا أيضًا؛ لأني كنتُ أقرب الناس لإسماعيل، وأول مَن يقبض عليه بعد القبض على إسماعيل، نزلتُ مصر وذهبت إلى الرئاسة، وجدت الجوَّ متغيرًا ورأيت وجوهًا غريبة تتعقبني، عرفتُ أنهم من المخابرات، كان لي زميل اسمه (حجازي) يردد دائمًا أن إسماعيل لن يعترف على أحد غيري، بعد أيام قُبض على حجازي هذا ولم يُقبض عليَّ، في هذه الفترة أشيعَ أن إسماعيل هرب من السجن الحربي، لم أصدق كيف يهرب إسماعيل من السجن الحربي، أنا قلتُ إسماعيل لم يهرب، إسماعيل مات من التعذيب، كل زملائي الذين أثق فيهم آمنوا على كلامي، وقالوا إنه مستحيل أن يهرب أحدٌ من السجن الحربي!!

وفي يوم جاء أمر بالقبض على كل واحد في الحرس الجمهوري اسمه "عبد المنعم" أخذوا كل مَن اسمه "عبد المنعم"، وجمعونا في عربة، وأمرونا أن نرتدي الملابس المدنية ثم ذهبوا بنا إلى السجن الحربي، وعرضونا على أحد بلديات إسماعيل المقبوض عليهم في السجن الحربي، كنتُ أظن أني أنا المقصود والمطلوب التعرف عليه.. ولكن لم يتعرف على أحد منا.. وفي اليوم التالي أحضرونا أيضًا، ولكن بالملابس الرسمية وحققوا معي:

أنت تعرف إسماعيل الفيومي؟

قلتُ: الله يرحمه!! ولم أكمل العبارة حتى انهالوا عليَّ بالضرب، وقالوا لي: كيف عرفتَ أنه مات؟!

قلتُ: كل الناس يقولون إنه مات.

حذروني من التحدث بهذا الكلام.. وقتها أيقنت أن إسماعيل قد مات!!

سألوني: هل إسماعيل كان من الإخوان المسلمين؟!

قلتُ: المخابرات أولى منِّي بمعرفة ذلك؛ لأنها تكتب عن كل واحد منا تقريرًا كل ستة أشهر وتعرف عنَّا كل صغيرة وكبيرة!! ويضيف "عبد المنعم" : بعد القبض على إسماعيل الفيومي غيَّر عبد الناصر عددًا كبيرًا من حرسه فعزل 300 عسكري من الحرس؛ لأنهم متدينون.. كل إنسان كان يشعر أنه على قدرٍ من التدين أو حتى مجرد أن يذهب إلى المسجد يعزله". (4)

كيف قتلوه؟

عُلِّق الشهيد إسماعيل الفيومي في "الفلقة"، وأخذ الزبانية يضربون ويستريحون.. اشترك في ضربه أربعة من جزاري السجن الحربي هم:

  1. صفوت الروبي.
  2. محمد رجب محمد بكر.
  3. سعيد بدوي.
  4. نجم الدين مشهور.

اثنان يتبادلان الضرب واثنان يستريحان.. واستمر التعذيب من الصباح.. حتى هتف المؤذن "الله أكبر" لصلاة العصر.. عندها لفظ الشهيد البطل إسماعيل الفيومي آخر أنفاسه، وصعدت روح البطل إلى بارئها وهو معلق على "الفلقة".. وفي هذه الأثناء.. مرَّ اللواء حمزة البسيوني قائد السجن الحربي وكبير الجلادين فيه، ونظر في رأس الضحية ورقبته مدلاة من الفلقة، فقال: الواد مات.. خلاص.. بلغوا عنه فرار.

وجاء عسكريان يحملان جردلين وقطعة من القماش ودخلا زنزانة إسماعيل الفيومي، وبعد فترة خرجا منها وأطفئت أنوار السجن وأنزلوا إسماعيلَ ملفوفًا في بطانية وحملوه في عربة. (5)

شهود على قتل الشهيد بالسجن الحربي

قال سليم العفيفي صديق إسماعيل الفيومي وبلدياته:

"إسماعيل ابن بلدي عشنا حياتنا مع بعض، وعندما قبضوا عليَّ سألوني عن إسماعيل وذهبوا ليحضروه.. ثم التقيت به في السجن الحربي، وكان يرتدي بنطلونا والتعذيب ظاهر عليه وبعد أيام وكان الوقت ليلاً رأيت الأمباشي محمد المراكبي، ورأيتُ معه عسكريين يحملان جردلين وقطعة من القماش ودخلوا زنزانة إسماعيل الفيومي، وبعد فترة خرجوا منها وأطفئت أنوار السجن وأنزلوا إسماعيلَ ملفوفًا في بطانية وحملوه في عربة، وسمعتُ صفوت الروبي بأشجاويش السجن وسفاحه يقول: "جهزوه لأجل نخرجه في العتمة". (6)

ويقول علي عبد الحميد عفيفي بلديات إسماعيل:

"قابلتُ إسماعيل في دورة المياه وسلمتُ عليه، وكان سلامًا أسودَ أخذتُ بسببه علقة ساخنة، وفي اليوم التالي رأيتهم يأخذونه إلى المكاتب للتحقيق، حيث كنتُ أسكن في الزنزانة رقم 140، وفي آخر اليوم أحضروه مضروبًا ممزقًا، ثم تحت جنح الظلام حملوه في عربة وخرجوا به للصحراء، وأيقنت أن إسماعيل الفيومي قد استشهد". (7)

ويذكر والد إسماعيل الفيومي القصة بقوله:

بعد القبض على إسماعيل بخمسة أشهر جاءني اثنان من المخبرين وصحباني إلى القسم وأدخلاني على مفتش مباحث المطرية وقالا لي: " خذ بالك من أولاد إسماعيل .. وإذا أحببت أن تسافر في أي مكان فلا بد أن تخبرنا" . ثم سمعت من الناس خبر موت ابني بعد أن ذاعت إشاعة هروبه من السجن الحربي .. وحتى الآن لم يصرف لي ولا لأولاده الستة ولا لزوجته أي مكافأة أو معاش وقد أرسلنا إلى المسئولين ولكن لم يصلنا رد حتى الآن.

أما علي عبد المجيد الفيومي شقيق إسماعيل فقال:

بعد ما أنهى إسماعيل مدة تجنيده عمل في بوليس الأقسام ولكنه لم يسترح لأن جو الأقسام كان ملوثا بالرشوة والفساد فتمنى أن يعمل في بوليس النجدة أو الحرس الجمهوري وكان حظه أن عمل في الحرس الجمهوري فبدأ فيه منذ سنة 1958 وبقى حتى تاريخ اعتقاله في 18 / 8 / 1965 .. في هذا اليوم جاءه أفراد يستدعونه وذهب معهم وحتى يومنا هذا لم نعرف عنه شيئا إلا ما قراناه في الجرائد عن هروبه وما سمعناه من الناس والإذاعات عن قتله في السجن الحربي، لقد اعتقلت خمس سنوات ونصف بدون سبب إلا لأني شقيق إسماعيل الفيومي، حتى خرجت في 5 فبراير 1971م.

ويقول زكريا الشقيق التالي لإسماعيل:

بعد ما قبضوا على أخويا إسماعيل .. ومن بعده أخويا على جم وقبضوا عليه أنا الآخر في أواخر شهر 9 عام 1965 .... وقعدت 40 يوم معتقل منهم شهر 30 يوم في السجن الحربي.. طبعا أخدت فيهم نصيبي من الضرب والبهدلة.. وكان فيه عسكري اسمه "سامبو" يوقفني انتباه وينتفلي شنبي بالشعرة.

ويقول الجميع:

علاوة على كل اللي أنت سمعته ده كان المخبرين بييجوا كل يوم البيت ويهددونا ويخوفونا.. ويسألونا .. مين جالكم النهاردة.. وجالكم ليه؟ أنتم عارفين إسماعيل فين؟ فين أصحاب إسماعيل اللي كانوا بيجوا له؟

ويقول الجميع بنبرات جزينة:

وبعدما ما كان بيننا ما بيخلاش من الضيوف والأقارب أصبح الكل بيخاف يسأل علينا أو يفوت من قدام بيتنا .. وبقينا عايشين زي الغرب بين الناس في بلدنا. (8)

تمثيلية أخبار الهروب الملفقة

اتسم عهد عبد الناصر بتزييف الحقائق ومحاولة تغيب الوعي، خاصة المظالم التي كان يرتكبها من اجل تثبيت دائم سلطته، ولذا كان لابد من إيجاد معلومة يرد بها على اختفاء البعض داخل السجون، فكما كان سبيله في خطف الخصوم من الخارج عبر النعوش الطائرة، كان تغطيته على قتل المعتقل عن طريق تزيف أخبار هروبه، وهو ما حدث مع إسماعيل الفيومي بعد استشهاده.

خبران.. أحدهما من مكتب شمس بدران إلى مكتب الرقابة على الصحف المصرية كي يُوزَّع عليها لتنشره، ومفاد الخبر الأول هو أن الشرطي إسماعيل الفيومي قد هرب من السجن الحربي، وكان متهمًا في قضايا الإخوان المسلمين .. والغريب أن خبر هروب الفيومي نُشر بالصحف ومعه الجملة التالية "مكافأة مالية لِمَن يُرشد عنه".

والخبر الثاني: نشرته جريدة الأهرام أيضًا على أنه وارد من جميع وكالات الأنباء مفاده "أن الشرطي إسماعيل الفيومي قد تمكَّن من الهرب إلى سويسرا"، ولم تكتفِ الصحيفة التي كان يرأس تحريرها الصحفي الأوحد محمد حسنين هيكل بهذا الشق من الخبر.. بل أوردت أن الشرطي المصري المسكين عقد مؤتمرًا صحفيًّا "بالفرنسية" في جنيف العاصمة السويسرية، وهاجم في المؤتمر المزعوم نظام الحكم في مصر في ذلك الحين". (9)

والمحزن أن هذا الرجل المسكين الذي خدم الدولة والرئيس الراحل نفسه ما يقرب من ثماني سنوات لم تحصل زوجته ولا أطفاله الأبرياء على أي معاش، ذلك أنه لا يزال حياً من وجهة النظر الرسمية، بل وصدر حكم بالمؤبد عليه غيابيا من محكمة الدجوي.

ويقول جابر رزق عندما نشرت تحقيقا صحفيا حول استشهاد إسماعيل الفيومي في مجلة الإذاعة والتليفزيون وصلني خطاب من السيد حامد أحمد يوسف مدير إدارة الشئون العامة بشركة مطابع محرم بك وعضو مجلس محلي محافظة الإسكندرية

جاء فيه موجها خطابه للأستاذ ثروت أباظة يوم 14 يناير 1976م:

" بالنسبة لما نشر في العدد رقم 2130 الصادر في 10 / 1 / 1976م بعنوان الحارس الخاص أول ضحايا مذبحة السجن الحربي . . تحقيق جابر رزق رأيتني مشدودا إلى كتابة هذه السطور إليكم لأن عندي معلومات شاءت ظروفي معرفتها بشأن هذا الموضوع حيث كنت ضابطا بشرطة مديرية أمن الإسكندرية منذ سنة 1955 حتى 14 / 9 / 1967 وهو تاريخ اعتقالي بمعتقل القلعة بتهمة كاذبة
وهي الاشتراك في اتفاق جنائي لقلب نظام الحكم مع زملاء لي آخرين بشعبة البحث الجنائي بالإسكندرية التي تشرفت بالعمل بها فترة حوالي عشر سنوات وبرأت ساحتي محكمة أمن الدولة العليا (دائرة عسكرية) ومكثت بالمعتقل فترة حوالي تسعة أشهر كان في الزنزانة المجاورة لي حمزة البسيوني الذي كان قد قبض عليه عقب ما قالوا عنه مؤامرة المشير عبد الحكيم عامر ولمست فيه حبه للإطراء على شخصه وحتى يطمئن إلى كنت أبدي له إعجابي به فترة أن كان بالسلطة
فكان يتباهى دائما بأنه كان الآمر الناهي بالسجن الحربي لا معقب له على ما يراه .. وفي إحدى مرات الحوار معه سألته عن الشهيد إسماعيل الفيومي ذاكرا له بأنني خلال عملي بالمباحث الجنائية بالإسكندرية وردت لنا نشرة عن مصلحة الأمن العام تفيد هروب المذكور من السجن الحربي وبها صورته . . وكنا نعلم أنها مجرد طريقة كانت تلجأ إليها السلطة في ذلك الوقت لينتشر الخبر شعبيا ويؤيد تضليلهم لجماهير الشعب . . فضحك قائلا: هي الجرائد بتاعتكم مش قالت أنه هرب وحتى ظهر في سويسرا ؟ .
فقلت له:
كلنا نعرف أن الجرائد تخضع لإشراف الاتحاد الاشتراكي والسلطة الحاكمة وبالتالي تنشر ما يملئ عليها أنما الحقيقة غير كده . . وأنا مسجون مثلك ولست ضابطا يقوم باستجوابك " بابا اللواء " وكنت دائما أناديه بذلك اللقب!!. فرد بهدوء ودون تفكير: والله الولد ده أنا بريء من دمه . . فأنا كنت أقضي وقتا سعيدا في الإسكندرية ولما رجعت وجدته انتهى فقلت لهم يتصرفوا كالعادة.
فاستفسرت منه عن كيفية التصرف فقال:
"بسيطة في فترة الإظلام بعد المغرب تطلع الجثة في سيارة السجن وتلقى بالجبل الأصفر وتوارى التراب في أمكنة بعيدة عن أعين الناس وترجع . . وأشكل مجلس تحقيق لرجال القوة التي كان منوطا بها حراسة زنزانته وأوقع على التحقيق بخصم 15 يوم من مرتب المستجوب على الورق بس وأركن المحضر ثم أعطيه مكافأة مالية مقابل توقيعه على المحضر" (10)

براءة الفيومي ومحاكمة قاتليه

بعد أكثر من عشرة أعوام، انعقدت محكمة جنايات القاهرة يوم 2 أبريل عام 1977م لمحاكمة المتهمين بتعذيب الإخوان المسلمين بالسجن الحربي عام 1965م.. وكانت القضية الأولى التي نظرتها المحكمة هي قضية تعذيب إسماعيل الفيومي حتى الموت بالسجن الحربي والمتهم فيها:

  1. شمس بدران وزير الحربية السابق.
  2. العقيد متقاعد حسن خليل مدير المباحث الجنائية العسكرية السابق.
  3. الرائد متقاعد حسن كفافي.
  4. العقيد محمد عبد المقصود الجنزوري.
  5. هاني محمد إبراهيم المقدم السابق بالدفاع الشعبي.
  6. الملازم شرف صفوت الروبي.
  7. الملازم محمد رجب بكر.
  8. الملازم شرف سعيد محمود بدوي .
  9. الجندي نجم الدين حلمي مشهور.

لأنهم خلال شهر أغسطس عام 1965م بالسجن الحربي بدائرة قسم مدينة نصر، بصفتهم موظفين عموميين، أمر الخمسة الأوائل الضباط بالقوات المسلحة باقي المتهمين من ضباط الصف بتعذيب إسماعيل محمد عبد المجيد الفيومي، بأن شدوا وثاق يديه وقدميه، وكان ذلك بقصد حمله على الاعتراف بارتكاب جناية محاولة تغيير دستور الدولة، وشكل الحكومة بالقوة، والاشتراك مع آخرين في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب هذه الجناية.. وقد مات المجني عليه من شدة التعذيب.

وفي بداية الجلسة قالت النيابة:

إن المتهمين أهدروا كرامة الإنسان المصري، وسلبوه شرفه، وأسقطوا القانون، وأهدروا سيادته، وإن السجن الحربي تحوَّل إلى باستيل جديد، وأضافت النيابة بأن أحد المتهمين في قضايا تعذيب الإخوان المسلمين واسمه محمد علي المراكبي اعترف بأنه قام "بتغسيل" إسماعيل الفيومي قبل دفنه في الجبل بعد موته من التعذيب. وفي الرابع من أبريل .. أي بعد يومين من بداية نظر القضية وقف شاهدا الإثبات ليدليا بشهادتهما.

قال الشاهد الأول مجدي عبد العزيز:

إنه رأى المجني عليه إسماعيل الفيومي ملقى داخل السجن الحربي وجسده كله ينزف دمًا، ولم يكن قادرًا على الحركة.. وإن شمس بدران كان يأمر بتعذيبه.. وإنه بعد ذلك بربع ساعة، سمع بأن واحدًا من الحرس الجمهوري هرب، ولأنه "أي الشاهد" يعرف أنه لا يوجد بالسجن الحربي سوى "إسماعيل الفيومي" من الحرس الجمهوري.. فإنه على حد قوله استعجب الأمر؛ لأن إسماعيل الفيومي كان ملطخًا بالدماء ولا يستطيع التقاط أنفاسه فكيف يهرب؟!

ويقرر الشاهد الثاني علي عبده عفيفي أنه رأى المجني عليه محمولاً على نقالة، وأنهم "المعذبين" وضعوه في عربة ركبها بعض الجنود الذين كانوا يحملون الفؤوس.. وكان صفوت الروبي يستعجلهم، ويستطرد الشاهد قائلاً: إنه عرف بعد ذلك أنهم دفنوا الجثة في صحراء مدينة نصر. (11)

وفاته

لم يطل اعتقال إسماعيل الفيومي حيث استشهد – كما ذكرنا – تحت التعذيب الشديد يوم 12 سبتمبر 1965م الموافق 16 جمادى الأولى 1385هـ حينما أشيع هروبه ودفن بصحراء مدينة نصر.

المراجع

  1. علي عشماوي: مذكرات علي عشماوي آخر قادة التنظيم الخاص، مركز ابن خلدون، 2006م، وأحمد عبد المجيد: الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965م، الزهراء للإعلام العربي، 2009م.
  2. عادل سليمان وعصام سليمان: شهداء وقتلة في ظل الطغيان، الجزء الأول، مطابع دار الشعب، القاهرة، 1977م، نسخة إلكترونية إخوان ويكي
  3. سامي جوهر: الموتى يتكلمون، المكتب المصري الحديث، نسخة إلكترونية
  4. جابر رزق: مذابح الإخوان في سجون ناصر، دار الاعتصام، جـ1، 2- نسخة إلكترونية إخوان ويكي
  5. عادل سليمان وعصام سليمان: مرجع سابق.
  6. جابر رزق: مذابح الإخوان في سجون ناصر، مرجع سابق.
  7. المرجع السابق.
  8. عادل سليمان وعصام سليمان: مرجع سابق.
  9. مصطفى عبيد: هوامش التاريخ من دفاتر مصر المنسية، الرواق للنشر والتوزيع، القاهرة، 2017م،  صـ78
  10. جابر رزق: مرجع سابق.
  11. عادل سليمان وعصام سليمان: مرجع سابق.