إلى أصحاب المعالي وزير الأوقاف ووزير المالية ووزير الداخلية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إلى أصحاب المعالي وزير الأوقاف ووزير المالية ووزير الداخلية

بقلم / الإمام حسن البنا

فى رمضان مضى نقلت الجرائد نبأ إفطار وزير من وزراء مصر السابقين فى رمضان، فأخذ هذا النبأ من كل نفس مؤمنة، ونال من كل قلب مسلم، وحمل كل فؤاد عبئًا ثقيلاً من الهم والألم لما وصلت إليه الحال من استهتار بتعاليم الإسلام حتى بين كبار الرجال.

ونقلت هذه الجرائد فى رمضان نفسه نبأ قيام سعادة وزير الأفغان المفوض بإحياء شعائر الإسلام مع جمهور المسلمين بمسجد فى جزيرة الروضة، حتى كان يؤمهم بنفسه، ويتلو عليهم من كلام الله ما تلين له القلوب وتخشع له النفوس، فكان لهذا النبأ الثانى فى نفسى أثران: أثر الغبطة والسرور بموقف السيد المجددى إزاء تعاليم دينه. وأثر مضاعفة الأسى والألم لحظ مصر زعيمة الشرق الإسلامى، وقائدة الحركة الفكرية، ونحن نترقب أن تسعد الأيام مصر بوقت يفىء فيه كبارها إلى أمر الله.

ومرت الأيام تباعًا وجاء هذا الشهر من عام 1352 الهجرية فكان هلاله فاتحة خيرات، وبشير بركات، وقرة لأعين المسلمين، وطمأنينة لأفئدتهم وأرواحهم.

يعلن معالى وزير الأوقاف أن المساجد العظيمة تفتح بعد صلاة العشاء وتتوالى فيها الدروس، وما أجمل هذه الخطة المثلى التى تفيد الناس فائدتين، وتعود عليهم بنعمتين، فهى بينما تقدم إليهم العلم سائغًا شهيًا تعصمهم عن قضاء الأوقات فى اللهو والعبث، وهى محمدة تلقاها الناس بالشكران، وثواب الله عليها كريم -إن شاء الله.

ويعلن معالى وزير الداخلية مصادرته لأفلام تلك الروايات الهازلة الخلاعية، فينقذ الأرواح والنفوس من سموم قتالة ومفاسد عظيمة كان فيها القضاء على البقية الباقية من الطهر والعفاف والفضيلة، وهو عمل لهج الناس بفضله، وكتبه الله لمعالى الوزير فى صحف الإحسان -إن شاء الله.

وأعلن وزير المالية حظر القهوة والدخان فى مكاتب العمل فى نهار رمضان احترامًا للشهر وتعظيمًا لشعائر الله، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[الحج: 32]. قرأت ذلك فيما قرأت، وعلمته فيما علمت، وحدثتنى نفسى فى ذلك الحين أن أقوم كمسلم بواجب الشكر لأصحاب المعالى الوزراء الثلاثة على هذه المواقف المشرفة لمصر المسلمة، والتى هى قبس من نور غيرة جلالة الملك على دينه ورعيته، وأن تقوم جمعية الإخوان المسلمين بهذا الواجب نفسه ممثلة فى مكتب الإرشاد العام، ثم أحجمت عن ذلك لأمرين:

أولهما: الاكتفاء بثواب الله تبارك وتعالى.

وثانيهما: اقتناعى بأن ذلك من واجب معاليهم للإسلام وللأمة المصرية المسلمة.

وأنا الليلة بين يدى مظهر من مظاهر التقوى والبر والصلاح والهدى أعاد إلى ذاكرتى هذه الحسنات الثلاث وحملنى على أن أكتب ما كتبت بدافع الوجدان والعاطفة المتأثرة العميقة.

معالى وزير المالية يزور مسجد السيدة زينب بعد صلاة العشاء من كل ليلة فيترجل من سيارته، ويجلس إلى المدرس فى درسه، ويمتزج بهذا الجمهور من صالحى المسلمين الذين آثروا العلم على اللهو، والمسجد على البار، وطاعة الله ومرضاته على معصيته وسخطه، وينصت للمدرس، ويستوقفه فى كثير من المسائل، ويستملى منه بعض أحاديث رسول الله .

هذا مظهر رائع حقًّا، وعمل جدير بالتقدير والإعجاب من كل من عرفه أو علم به، وهكذا يجب أن يكون وزراء مصر وكبراؤها، وهى دعوة عملية يوجهها معالى الوزير إلى الناس فى صمت وهدوء، ومن دعا إلى هدى فله أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا.

لم أتمالك نفسى حين علمت من ذلك ما علمت أن أعلن على صحيفة "جريدة الإخوان المسلمين" شدة تأثرى بذلك تأثرًا أجرى من عينى دموع الفرح، وأحيى فى قلبى ميت الأمل، وجعل كل جارحة من جوارحى لسان شكر لمعالى وزير المالية، تقديرًا لعمله الجليل، ولست أقصد من وراء ذلك إلا أن يعلم معاليه أنه بعمله هذا قد أدخل السرور على قلوب الألوف من المسلمين، وأسعد نفوسًا كثيرة طال عليها الشقاء بما ترى من مظاهر الاستهتار بدين الله.

ولقد ذكرت بعمل وزيرنا الجليل عمل وزير الأفغان الصالح بالأمس فخيل لى أن الوقت الذى تسعد فيه مصر بأن يفىء كبراؤها إلى أمر الله قد قرب أو كاد، فقلت من أعماق قلبى: الحمد لله.

المصدر: جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (25)، السنة الأولى، 18رمضان 1352ه/ 4يناير 1934م