الأخوات المسلمات بين صناعة التاريخ وبعث المستقبل (1)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأخوات المسلمات بين صناعة التاريخ وبعث المستقبل (1)

إعداد: استشهاد عز الدين

حنان يوقد جذوة الثبات

الأخوات.png

"إنَّ مَن تهدهد المهد بيمناها تهز العروش بيسراها" كلمة قالها أحد الحكماء وصدقها العقلاء وأقرها الواقع والتاريخ، فعبْر صفحاته على اختلاف ألوانها ولغاتها لم يكن دور المرأة هينًا بحالٍ من الأحوال، وما يعنينا من بين صفحات التاريخ في هذا المقام صفحة ناصعة البياض خطت سطورها بنور النبوة لتكن منهاجًا لمن يتخذ الله تعالى غاية، والرسول- صلى الله عليه وسلم- زعيمًا والقرآن دستورًا والجهاد سبيلاً والشهادة أسمى الأماني.

لم يبدأ الدور الرائع للمرأة في تاريخ الدعوة الإسلامية يتألق منذ نزول الوحي فقط على المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وإنما بدأ قبل ذلك بكثير، منذ وُلد الهدى وأخذ الله يصنعه على عينه، ويهيئ له الأسباب ليعده لتبليغ الرسالة وحمل الأمانة ومواجهة مشاق الطريق، فكان للمرأة دور كبير في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- منذ مات أبوه فعنيت به أمه آمنة بنت وهب ومرضعته حليمة السعدية ومربيته أم أيمن ثم زوجه خديجة وحبيبته فاطمة الزهراء وقرة عينه عائشة ومستشارته أم سلمة، وغيرهن كثيرات وكثيرات كان لهن في حياة الرسالة وصاحبها عظيم الأثر نخص بالذكر منهن واحدة من أربع نساء هنَّ أكمل نساء العالمين إنها الطاهرة خديجة التي تزوجته في فقره فراعته بمالها وحنانها خمسة عشر عامًا قبل نزول الوحي، تُلاحظه، وقد بدأت معالم النبوة تخط سماتها على حياته، وبدا أنه يستعد لأمرٍ كبيرٍ فيعتكف شهورًا في صحراء مكة يُناجي ربًا ويعبد إلهًا لم ينزل عليه وحيًا بعد ولا تكليفًا لعبادته، فلا تمتعض لغيابه ولا تضيق بغرابة أحواله، وإنما ترسل من غلمانها مَن يطمئن عليه ويرقبه في خلوته من بعيد فلا يعكر عليه صفو مناجاته، حتى إذا تمَّ الأمرُ واكتمل الإعداد ونزل الوحي لم يجد النبي- صلى الله عليه وسلم- قلبًا أكبر من قلب خديجة ليحتوي هذا الحدث العظيم، ولا مكانًا على وجه الأرض أكثر أمنًا من صدر خديجة يلقي فيه بخوفه بحثًا عن مرفأ الأمان، فكانت أول مَن صدق، ولم تكتف بذلك بل راحت تعينه بجهدها وعلاقاتها بسادة قريش ونسائها فكانت- وهي المرأة- نعم المجير لرسول الله- صلى الله عليه وسلم، ربت له أبناءه ومواليه وأنفقت مالها لنصرته وتأييد دعوته فكانت بحنانها ورقتها وقوة شخصيتها وقودًا يشعل جذوة الثبات في قلب النبي- صلى الله عليه وسلم- وأخيرًا توجت هذا الدور العظيم بمشاركتها النبي وأصحابه السجن والعزل والجوع في شعب أبي طالب ثلاث سنوات رغم مرضها وتقدم سنها ورغم ما عرضته عليها قريش من البقاء كريمة عزيزة في دارها، ولكنها أبت إلا أن تتم لنا لوحتها الجميلة ورسالتها المسطورة بالأفعال لا الأقوال.


إطلالة سريعة على دورها

إذا كانت هذه إطلالة سريعة على دور المرأة في حياة صاحب الرسالة- صلى الله عليه وسلم- فإنَّ إشراقاتها في حياة الدعوة الإسلامية منذ عهد النبوة وعلى مدار أربعة عشر قرنًا بداية تأريخ جديد للحياة لم ير الكون لها مثيلاً من قبل، ولا يكفي لحصرها وتأملها واستلهام العبر منها مئات المجلدات والمؤلفات، ومن ثمَّ فلا بأس من جهد المقل بأن نستشرف بعض المواقف الوضاءة التي رسمت بها المرأة ورسم بها النبي- صلى الله عليه وسلم- دورها في حمل الدعوة.


ثبات يفوز بالشهادة

أحيانًا ما يبرر البعض ممن يدعون إلى تحجيم دور المرأة ومشاركتها في العمل الدعوي بشتى مجالاته ذلك بخوفهم وإشفاقهم عليها في ظل ما يواجهه الدعاة من أخطار وملاحقة أمنية وربما عدم قدرتها على تحمل الآلام والثبات مما قد يعرضها للفتنة في دينها، وعلى هؤلاء ينطق التاريخ شاهدًا على أروع مثل لثبات المرأة المسلمة حتى نالت الشهادة في سبيل الله، فلقد اجتمعت قريش بقدها وقديدها وأباطرة الشر فيها يرأسهم أبو جهل في بطحاء مكة الحارقة في يوم بدا وكأن السماء تتنفس نارًا ليقوموا على تعذيب أسرة ياسر، ذلك الرجل البسيط من عامة الناس بمكة والذي تبع دين محمد- صلى الله عليه وسلم- هو وزوجه العجوز سمية وابنه الفتى عمار، ودارت رحى العذاب تطحن بين شقيها أجسادًا يمزقها الألم ويفنيها التراب، ولكنها أبدًا لا تنال من أرواحٍ تحلق في السماء وترى مقعدها من الجنة، أيامًا تمر والعذاب يزداد وتتأجج ناره والضحايا العظماء يبتسمون في وجه العذاب فيرتد كيد المعذبين إلى نحورهم ويطيش صوابهم فلا يجد الجهول أبو جهل بدًا لإطفاء هذه البسمة في وجه سمية سوى أن يغرس حربته في فرجها لترتقي بثباتها إلى الشهادة في سبيل الله لتصبح أول مَن نال الشهادة في تاريخ الإسلام من الرجال والنساء على السواء.... وإنه لشرف للمرأة المسلمة.... وأي شرف!!


ثقة ووعد بالجنة

من الأسباب التي يسوقها البعض أيضًا ممن يحتجون على اتساع نطاق العمل الدعوي للمرأة عدم قدرتها على حفظ الأسرار تحت ضغط الظروف، ومرة أخرى يدحض النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه الحجة، وفي أخطر مراحل الدعوة الإسلامية يأمن النبي- صلى الله عليه وسلم- امرأة على حياته والتي تمثل حياة الإسلام حينئذ، فها هم أعداء الله أدمى الحقد على الدين الجديد قلوبهم وطمس الكفر على بصيرتهم فراحوا يعدون لقتل النبي- صلى الله عليه وسلم- فيخبره ربه بما أعدوا له ويأمره بالهجرة فيستعد الحبيب للرحيل عن مكة، وقد علم أن كل سيوفها تطارده وتريد النيل منه، وكما علَّمه ربه يأخذ بالأسباب فيعد ما يزيد عن ستة عشر سببًا تضمن- بعد التوكل على الله وإرادته- الوصول إلى المدينة بأمان، ومن بين هذه الأسباب أن تأتي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم ووالدها الصديق بالطعام طوال فترة بقائهما في الغار، والمتأمل لهذا التكليف يتساءل لما لم يكلف النبي صلى- الله عليه وسلم- رجلاً بهذا الأمر، خاصةً وأن أخاها عبد الرحمن كان يأتي ليلاً للنبي وصاحبه بأخبار مكة ويرحل في البكور حتى كأنه بات بمكة فلما لا يأتي بالطعام مع الأخبار، كيف لأسماء الحبلى بالشهور الأخيرة في حملها أن تصعد جبلاً يشق على الرجل الصحيح صعوده وقد حفيت قدما النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يصعده، كيف لها وهي المرأة أن تتخفى من قريش وقد علموا أن أباها بصحبة النبي- صلى الله عليه وسلم-، كيف لها أن تخرج وحدها إلى الصحراء ليلاً؟! إنَّ للأمر حكمةً، فأسماء التي سألها أبو جهل عن أبيها فنهرته فما كان منه إلا أن صفعها على وجهها بقوة أطاحت بقرطها من أذنها، وكان من الممكن أن تتعرض لعذاب أكثر من هذا تستحق هذه المنزلة من الجنة.. أسماء زوج الزبير بن العوام ذلك الزوج الغيور جدًا لم يضن بها زوجها على دينها ولم يخش عليها خطرًا، أسماء التي خطت في منهاج المرأة المسلمة ودورها في حمل الدعوة خطوطًا عدة سواء بموقفها في الهجرة أو موقفها فيما بعد مع ولدها الشهيد عبد الله بن الزبير تستحق أن يبدلها الله بنطاقها نطاقين في الجنة، أسماء التي واجهت باطل قريش وهمجية أبي جهل وحفظت سر الهجرة وهي شابة لم تتعد العشرين عامًا هي ذاتها أسماء التي تحدت طغيان وبطش الحجاج الثقفي وسفهته أمام الناس بالحرم وهي عجوز فوق المائة، إنها أسماء ابنة الصديق وأمينة الهجرة وزوج حواري رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الشهيد الزبير بن العوام وأم شهيد الحق عبد الله بن الزبير.


صحابيات يشهرن السيف

الإستشهادية ريم الرياشي

لم يقتصر دور المرأة المسلمة في عهد النبوة على الدعوة بالكلمة أو بمواجهة الباطل وغيرها من الوسائل المعتادة، وإنما تعدى ذلك إلى حمل السيوف وخوض المعارك، ولم تكن دارين وآيات وريم الرياشي بدعًا من النساء عندما قدمن أرواحهن فداءً لدينهن، وليس لنا أن تعجب عندما نرى المجاهدات الشيشانيات يحملن الكلاشينكوف، ويقمن بعمليات قتالية ضد العدو الروسي، فلهؤلاء المجاهدات جذور تمتد في عمق التاريخ حتى تصل إلى صفية بنت عبد المطلب ونسيبة بنت كعب المازنية وأم سليم.... وغيرهن من المجاهدات.

فقد علا غبار المعركة وبدت هزيمة المسلمين واضحة عند جبل أحد، وانكشف الرجال عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قد أربكهم الفزع وأفزعتهم المفاجأة- إلا القليل- وأشرع الباطل أنيابه لاقتناص نور الحق وإذا بامرأة تشق الصفوف عكس تيار الفارين لتصل إلى قلب الوغى حاملة سيفها تتحرك بخفة يمنة ويسرة تقاتل الفرسان من قريش ركبانًا ومشاة تحول بينهم وبين النيل من النبي صلى الله عليه وسلم لا تراعي بالسيوف التي راحت تتناوشها حتى أصيبت في كتفها بجرح غائر وحتى قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما نظر يمينًا ولا يسارًا يوم أحد إلا وجدها أمامه تدافع عنه، إنها نسيبة بنت كعب المازنية إحدى المرأتين اللتان بايعتا النبي- صلى الله عليه وسلم- في بيعة العقبة الثانية على ما اتسمت به من سرية وخطورة، وهي نفسها التي يأتيها بعد أعوام نبأ استشهاد ولدها حبيب بن زيد على يد مسيلمة الكذاب، وقد مزق جسده قطعة قطعة فلا تزيد على قول: "لمثل هذا اليوم أعددته وعند الله احتسبته، بايع الرسول صغيرًا وأوفى ببيعته كبيرًا".

مهلاً.... إنَّ أحُدًا لم تنقضِ بعد... ألا ترون تلك المرأة العجوز التي حملت حربتها وأقبلت تخفق في ثوبها كما تخفق النسور إذا رأت مَن يهدد عشها.... إنها عمة النبي- صلى الله عليه وسلم- صفية بنت عبد المطلب وأم الزبير بن العوام، رأت النبي يواجه الخطر وقد تفرق عنه معظم الرجال فأقبلت تدافع عنه، ولكن النبي- صلى الله عليه وسلم- أشفق عليها أن ترى جثمان أخيها سيد الشهداء حمزة، وقد مثل به الكفار فأشار إلى ولدها الزبير ليحول بينها وبين خوض غمار المعركة، ويسرع الزبير نحو أمه صائحًا "إليك يا أمه.. إليك يا أمه" فتنهره المجاهدة بقوة "تنح عني لا أم لك.. إن كان هذا لأخي فهذا في الله وقد احتسبته" فيبتسم النبي- صلى الله عليه وسلم قرير العين بهذه المجاهدة، ويأمر الزبير أن يفسح لها، إنها هي أيضًا صفية بنت عبد المطلب التي لها يوم مشهود في غزوة الأحزاب، فقد وقف النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في مواجهة الأحزاب حول الخندق على حدود المدينة، وتركوا اليهود خلفهم داخل المدينة، وقد عاهدهم النبي- صلى الله عليه وسلم-، ووضعت النساء والأطفال جميعًا في حصنٍ لحسان بن ثابت- رضي الله عنه وأرضاه- داخل المدينة، وترك النبي- صلى الله عليه وسلم- حسان بن ثابت لحماية الحصن، وكعادتهم دائمًا ينقض اليهود عهدهم مع النبي، ويقررون الإغارة على الحصن وسبي النساء والأطفال، ولكنهم يرسلون أحدهم أولاً لاستطلاع عدد الجنود الذين يحمون الحصن، ويتسلل اليهودي ويدخل الحصن الذي لم يكن هناك جنود يحمونه، ولكن صفية كانت هناك متيقظة ترقب حركات اليهودي في صبر وأناة حتى إذا تأكدت من تمكنها من إصابته ارتدت خمارها وأمسكت بقضيب شقت به رأس اليهودي ثم فصلتها عن جسده وصعدت لتلقيها على باقي أصحابه من أعلى الحصن فخافوا وفروا، ثم دعت حسان بن ثابت- رضي الله عنه- ليجرد اليهودي من الغنائم فقد منعها حياؤها من أن تفعل.. هكذا تجتمع في المرأة المسلمة القوة والحياء، لا تفقد رباطة جأشها أمام الشدائد ولكن دون أن تنس أنها امرأة.


على النهج تمضي الرواحل

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس كإبل مائة قلما تجد فيها راحلة".. حقًا الناس كالإبل كثيري العدد والنوع واللون، ولكن لا تجد منهم مَن يصلح لصحبة الطريق وتحمل مشاقه وأهواله سوى أقل القليل، وبعد ثلاثة عشر قرنًا ونصف شهد التاريخ ممن يحملون صفات الرواحل إمامًا ومجددًا وقائدًا أحيا نهج النبوة وأجج روح الأمة وروى شجرة الدعوة بدمائه لتثمر آلافًا بل ملايينًا ممن يحملون صفات الرواحل؛ إنه الإمام الشهيد حسن البنا الذي أسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1348 هجريًا 1928 ميلاديًا، ولأنه أعلن شعار دعوته "الله غايتنا، الرسول زعيمنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا".. فقد سار على خطى النبي- صلى الله عليه وسلم- في رسم مسار المرأة المسلمة ودورها في تحمل أعباء الدعوة وتبعاتها.


  • المصدر : إخوان اون لاين


للمزيد عن الإخوان المسلمون والمرأة

من أعلام الأخوات المسلمات

.

.

أقرأ-أيضًا.png

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

تابع مقالات متعلقة

متعلقات أخرى

وصلات فيديو

.