البغاء الرسمي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
البغاء الرسمي
"مذكرة جمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية"

بقلم / الإمام حسن البنا

مقدمة

حضرة صاحب السعادة محمد شاهين باشا رئيس لجنة بحث موضوع البغاء الرسمى أيد الله به الحق وأجرى على يديه الخير للبلاد والعباد آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد، فإن مجلس إدارة جمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية -ومن ورائه جمعيتها العمومية- يتشرفون برفع هذه المذكرة فى الإجابة على أسئلة سعادتكم الخاصة بموضوع البغاء الرسمى، معتقدين أنهم بذلك يقومون بواجبهم الإسلامى وأنهم سيرون من سعادتكم أفضل من يصغى إلى الآراء الحقة الناضجة ويعمل بها، وما توفيقنا إلا بالله عليه توكلنا وإليه ننيب.

تمهيد: تقدير الفكرة

كلنا -يا صاحب السعادة- سرور وغبطة وتقدير لأولئك الذين فكروا فى ناحية الإصلاح الاجتماعية للأمة، تلك الناحية التى أهملت طويلاً، وأغفلها الناس على اختلاف طبقاتهم، واشتغلوا عنها بما هو فرع لها، وإننا نتقدم إليهم بأجزل الشكر وأجمل الثناء؛ لأنهم بدءوا إصلاحهم بعلاج رأس الأدواء وهو البغاء الرسمى؛ ولأنهم أعطوا القوس باريها.، واختاروا لعلاج هذه الآفة أبا بجدتها.، وخير نطاسيها.، وأبرع من يقدر على علاجها، مع سلامة دين وصحة يقين وسداد رأى، ونشكر لكم من كل قلوبنا انتدابكم الشعب لإبداء رأيه لما فى ذلك من إظهار الحقيقة جلية واضحة، والإهابة بكل طبقات الأمة إلى الاشتراك فى الإصلاح المنشود.

وإننا نرجو أن تكون هذه باكورة يتوالى بعدها ثمر الإصلاح جنيًا إن شاء الله.

الإجابة على السؤالين: الأول والخامس

هل ترون إلغاء البغاء الرسمى أو إبقاءه، وما هى الأسباب التى تبنون عليها رأيكم؟.

نرى إلغاء البغاء الرسمى دفعة واحدة بمنع الترخيص، وسحب الرخص من المشتغلات بالبغاء حالاً، للأسباب الآتية:

‌أ- إن البغاء الرسمى وصمة عار فى جبين الأمة المصرية الكريمة التى ينص دستورها على أن دينها الرسمى الإسلام، ويحمل جلالة مليكها المفدى علم حماية هذا الدين القويم، وتتولى هى زعامته بين شعوب العالم، وسعادتكم وحضرات أعضاء اللجنة الكريمة أعلم الناس بما قال الله تبارك وتعالى فى تحريم الزنا والتنفير منه واعتباره فاحشة وساء سبيلاً.

‌ب- إنه سبب فى انتشار الأمراض السرية بين شبان الأمة، وهم زهرة رجالها، ومعقد آمالها، ولسنا نقول ذلك من أنفسنا، بل إن تقارير حضرات الأطباء الاختصاصيين ناطقة بأن ثمانين فى المائة من المرضى بهذا المرض إنما جاءهم عن طريق البغاء، ولا نفيض فى هذا المعنى اكتفاء بما تعلمونه سعادتكم من ذلك.

‌ج- إن البغاء سبب فى فساد الأسر وانحلالها؛ فإن المرأة متى علمت بأن زوجها يتردد على مواخير. البغاء التهبت الغيرة فى نفسها ودبت البغضاء إلى قلبها، وأداها ذلك إلى احتقاره، وربما إلى خيانته، ويكون عن ذلك انحلال الأسرة وتفككها والطلاق.

‌د- إنه سبب فى إضراب الشبان عن الزواج؛ فإن الشاب متى رأى أنه يتمكن من قضاء مآربه بدريهمات، ويتنقل بين مواطن الهوى من امرأة إلى امرأة مع قلة التبعة وعدم التقيد والكلفة آثر ذلك عن حياة الزوجية وقيودها، ولاسيما وما فى الزواج من معان شريفة وأغراض سامية نبيلة لا يدركها إلا أولياء البصائر والفهم، وهم فى عامة الشعوب قليل، ومتى أضرب الشبان عن الزواج قل النسل وضعفت بذلك الأمة، وأغرى الفتيات على التبرج والتهتك والخلاعة، ثم المخادنة والفساد، ثم الزنا السرى وحمل السفاح، وما يتبع ذلك من فضائح وجرائم ومنكرات.

ه- إن إقرار الحكومة للبغاء وحمايتها له وترخيصها به سبب فى تهوينه على الشبان والشابات، وكأنها ترفع بذلك عنه وصف الإثم وتبرزه للناس فى صورة الأمور المقبولة المشروعة وتشجع بذلك الدعوة وتزيد الإقبال عليه، وفى ذلك ما فيه من إبراز الباطل فى صورة الحق وإلباس الضار ثوب النافع.

‌و- هذا البغاء سبب فى قيام تجارات غير مشروعة إلى جانبه منها تجارة الرقيق الأبيض، التى يشترك فيها الصائد والسمسار والمستوردة والفريسة التى تذهب ضحية الجميع، وفى ذلك ما فيه من إغراء بالفجور وجر الأطهار الأبرياء والغافلات إلى بؤر الفساد.

‌ز- إن البغاء من المساعدات على السكر والعربدة وتعاطى المخدرات ونحوها؛ لأن سلسلة الشر واحدة تأخذ حلقاتها بحجز. بعض، فإذا أمسك الشرير بحلقة جرته إلى أختها وهكذا حتى يصل إلى قرارة الهوة، والواقع المشاهد كفيل بتبيان ذلك وشرحه.

ح‌- إنه سبب عظيم فى كثرة الإجرام والمجرمين لما يكون حينذاك من التنافس بين الأقران والتحريش من الإخوان، ولأمر ما أكثرت الحكومة من الشرطة ونقط البوليس فى أماكن البغاء.

ط‌- إذا كانت الحكومات الراقية المدنية قد حرمته على نفسها ومنعته فى بلادها، فأحر بحكومة مصر وهى المدنية الإسلامية أن تقضى عليها وتمنع منه أشد المنع.

هذا ما يحضرنا من ذكر الأسباب الهامة التى توجب إلغاء البغاء فى أقرب وقت ممكن دفعة واحدة، ولو أردنا الاستقصاء لطال بنا القول وفيما ذكر الكفاية.

الجواب على السؤال الثانى

فى حالة الإلغاء ما هى الطرق التى تشيرون بها لمعاملة البغايا المرخص لهن الآن؟

الطرق التى نراها لمعاملة البغايا المرخص لهن هى:

‌أ- أن يحاط إلغاء البغاء الرسمى بجو من الدعاية الطيبة تجعل الشعب ينظر إلى هؤلاء البغايا كبائسات أوقعهن الحظ السيئ فى هذا الإثم، لا فاجرات يتاجرن بأعراضهن، ويأكلن بثديهن ليكون ذلك مدعاة إلى عطف الشعب عليهن رحمة لهن.

‌ب- أن تقوم الحكومة بعمل ملاجئ لهن فهن فى حاجة إلى الرعاية كالأيتام فى ملاجئهم والأحداث فى إصلاحيتهم.

‌ج- استصدار الفتاوى من كبار العلماء التى تبين ثواب الله تعالى فى زواجهن، وتكليف الوعاظ والأئمة بث هذه الروح فى نفوس الناس، وتشجيع كل من يؤوى إحداهن إليه كزوجة شرعية بالثناء عليه فى الصحف والمكافأة له من الحكومة ماليًا وأدبيًا.

‌د- تأليف لجان من أهل الخير فى كل منطقة بغاء لمعاونة البغايا بعد التوبة والنظر فى شأنهن، وذلك يسير لو أعارته الحكومة جانبًا من عنايتها، وأبدت للجمهور الرغبة الصادقة فيه.

الجواب على السؤال الثالث

ما الوسائل التى تقترحونها لمكافحة البغاء السرى؟

أما لمكافحة البغاء السرى الذى انتشر الآن بكثرة وينتشر بكثرة كذلك فنقترح ما يأتى:

‌أ- تعديل مواد القانون التى تبيح الزنا فى سن خاصة بتحريمه قطعًا، ووضع عقوبة شديدة لكل من يضبط متلبسًا بجريمة الزنا، سواء فى ذلك المرأة والرجل، وحبذا لو رجعت الحكومة فى ذلك إلى الحد الشرعى إذن يبطل الزنا كل البطلان، وترتاح الحكومة كل الراحة من جرائمه، مع أن هذا الحد سوف لا يوقع إلا مرات بعدد الأصابع ثم يقلع الناس بعد ذلك عن هذا الإثم العظيم، ودواء الله تبارك وتعالى أفضل دواء.

‌ب- التشديد على رجال البوليس فى المراقبة والشدة على الأشخاص الذين يضبطون متلبسين بجريمة الزنا.

‌ج- تكليف الجمعيات الإسلامية الموثوق بها مساعدة البوليس فى مهمته بلجان خاصة بذلك وإخطار البوليس بما يرون، وعليه أن يحترم آراءهم ويقصدهم فى المراقبة ونحوها حتى تحقق الغاية بذلك.

الجواب على السؤال الرابع

ما الوسائل التى تقترحونها لتلافى أضرار الأمراض السرية؟

الوسائل التى نراها لاتقاء الأمراض السرية هى:

‌أ- إصدار نشرات مزينة بالصور تبين للناس خطر هذه الأمراض وخطر العدوى الفظيع فيها وينفرونهم منها، وقد اتبعت مصلحة الصحة هذه الطريقة فى مكافحة الأمراض الطفيلية فأفادت فائدة لا بأس بها.

‌ب- الإكثار من شرائط السينما التى تبين للناس فظائع هذه الأمراض.

‌ج- الإكثار من إلقاء المحاضرات بالفانوس السحرى. إذا أمكن عن أضرارها ومهالكها وتحذير الجمهور منها، وتكليف الوعاظ والأئمة والجمعيات الإسلامية والأطباء العناية بذلك.

‌د- نشر المتاحف الخاصة بتمثيل مظاهر هذه الأمراض بين الجمهور فى أمهات المدن حتى يرى الناس بأعينهم ما يستهدفون له من الخطر إذا أهملوا السلاح أو تعرضوا للعدوى، وقد رأينا بأنفسنا أن كثيرًا من الشبان بلغ منهم التأثر مبلغه بزيارة واحدة لمتحف جلالة الملك بعابدين حين نظروا مهالك الأمراض السرية وأخطارها.

ه- عمل مستشفيات خاصة تحجز فيها الأشخاص الذين يثبت مرضهم بهذه الأمراض حتى يتم شفاؤهم.

الخاتمة

إزالة شبهات الذين يعارضون فى إلغاء البغاء الرسمى:

يحسن هنا أن نختم هذه الكلمة بالرد على شبهات الذين يرون عدم إلغاء البغاء الرسمى، معتمدين فى ذلك على البرهان الحسى والدليل القوى وبالله التوفيق.

الشبهة الأولى: يقولون: إن البغاء آفة مستأصلة من القدم فلا تلغى بجرة قلم.

والرد على ذلك أن نقول: ليس زمانة. المرض مستوجبة للسكوت عليه حتى يموت المريض، بل علينا أن نقوم بالعلاج الواجب حتى يتم الشفاء، على أن التجارب وعلم النفس الاجتماعى والفردى يثبتان أن كل عادة مهما تأصلت يمكن أن تقتلع بعادة أخرى متى وجدت العزيمة، وإذن فلا ينقص الحكومة ولا الأمة إلا العزيمة الصادقة، وبالحزم فى التنفيذ والصبر وطول الأناة يصل الجميع إلى الغاية.

ولو سلمنا بهذه القاعدة -وهى قاعدة أن توغل الجريمة فى القدم يبيح السكوت عن محاربتها- لما حاربنا رذيلة من الرذائل؛ فإن كل الجرائم متوغلة فى القدم منذ الخليقة، فالقتل والسرقة والطمع والعدوان كلها جرائم وجدت مع الإنسان يوم وجد، ولم يقل أحد بالسكوت عنها، بل إن المنطق السليم يوجب أن تتضاعف الجهود بقدر انتشار الجرم حتى يتم النصر للفضيلة فى النهاية.

الشبهة الثانية: يقولون: إن البغاء الرسمى ضرورة للعصر الحديث؛ لأن الشبان لا يستغنون عنه. وهذه شبهة أوهى من بيت العنكبوت؛ فإن الأخلاق متى استقامت -ويجب أن نفكر فى طريق استقامتها، وفى أفضل الطرق لتقوية إرادة شباب الأمة- وجد الشاب نفسه فى مأمن من نزغات الشيطان ونزعات النفس، ولاسيما إذا حوربت الخلاعة وقضى على التهتك والتبرج، وأى ضرورة لارتكاب الإثم وفى الحلال مندوحة عن الحرام فليتزوج المضطر، وبذلك تنقضى ضرورته ويستغنى عنه.

الشبهة الثالثة: يقولون: إن القضاء على البغاء الرسمى يكثر البغاء السرى.

والجواب على ذلك من وجهين: أولهما: أن وجود البغاء الرسمى لم يحل دون البغاء السرى؛ فها هو منتشر وينتشر فاستوى الأمران إذًا.

والوجه الثانى: أن القضاء على البغاء الرسمى إعلان وتنفير من الزنا فى جملته فهو يعين على النفور من البغاء السرى.

ودواء انتشار البغاء السرى ليس إبقاء البغاء الرسمى وإنما هو التشديد فى المراقبة، ويقظة البوليس، والدعاية القوية فى التنفير، وما دام القانون لا يحمى نوعًا من أنواع الجريمة تداعت الأنواع الأخرى ووهنت قوتها، وبذلك يقضى على هذا البغاء السرى بتاتًا.

بقيت شبهات أخرى متداعية من نفسها نضرب صفحًا عن الرد عليها إيثارًا للاختصار، واكتفاء بما فيها من الضعف ومخالفة الحق والبرهان.

هذا -يا صاحب السعادة- ما بدا لنا فى موضوع البغاء الرسمى، نبعث به إليكم وكلنا أمل فى أنكم سترضون الله، وتنقذون الأمة، وتقررون إلغاء البغاء الرسمى إلغاء باتًا، وتخلدون هذه المأثرة فى صحيفة مجيدة من تاريخ مصر الإسلامية الناهضة مقرونة باسمكم الكريم، واسم صاحب الجلالة مليك مصر المفدى، وولى عهده المحبوب أعز الله بهما دينه وأيد شريعة نبيهصلى الله عليه وسلم.

عن لجنة الرد على الأسئلة بجمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية

الرئيس : حسن أحمد البنا

المصدر: مجلة الفتح، العدد (304)، السنة السابعة، 2ربيع الثانى 1351ه/ 4أغسطس 1932م