البيان الختامي للمؤتمر السابع لحركة النهضة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
البيان الختامي للمؤتمر السابع لحركة النهضة


المؤتمر السابع لحركة النهضة

شعار حركة النهضة

"وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد"( الحج 24)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وعلى آله الطيبين وصحبه الميامين وعلى من حمل لواءهم ودعا بدعوتهم إلى يوم الدين.

بمناسبة انعقاد مؤتمرها السابع تهنيء حركة النهضة شعب تونس وأبناءها في الداخل والخارج وأصدقاءها. وترفع تحية إكبار وتقدير إلى شهداء وأبطال انتفاضة الأقصى المبارك يتقدمهم الفتى الشهيد محمد الدرة وإلى شهداء وأبطال معارك الحق والعدل والحرية في كل مكان وفي تونس الحبيبة، يتقدمهم إن شاء الله الشهيد عثمان بن محمود والشيخ مبروك الزرن والأستاذ عبد الرؤوف العريبي والمناضل الحقوقي سحنون الجوهري، وكذلك الشهيدان اللذان قضيا نحبهما تحت الحصار علي نوير والأزهر نعمان والشهيد المنصف زروق وغيرهم من شهداء تونس الأبرار.

وتترحم على أرواح السادة علمائنا ومشايخنا الذين مثّلوا جسر التواصل بين حركة الإصلاح الإسلامي والحركة الإسلامية المعاصرة يتقدمهم الإمام الشهيد حسن البنا ومولانا أبو الأعلى المودودي، والإمام الخميني ومالك بن نبي والشيخ محمد الطاهر بن عاشور والشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ البشير الإبراهيمي والشيخ عبد العزيز جعيط والشيخ أحمد بن ميلاد والشيخ محمد الصالح النيفر والشيخ عبد القادر سلامة والشيخ محمد الاخوة والشيخ عمر العداسي والشيخ عبد الرحمن خليف.

وترفع تحية وفاء لإخواننا المساجين الصامدين في شموخ ويقين منذ عشر سنوات، ترنو عيونهم إلى الفجر يبزغ من مشكاة بذل وعطاء شعبهم وإخوانهم في الداخل والخارج يتقدمهم الاخوة القياديون: السادة الحبيب اللوز ومحمد العكروت والصادق شورو وزياد الدولاتلي وحمادي الجبالي وعلي العريض وعبد الله الزواري، وكل من هو معهم من الصامدين في السجون من أبطال الإسلام الميامين.

التحية والتقدير كذلك إلى عشرات الآلاف من أحرار تونس الذين غادروا السجن المضيق إلى السجن الموسع تطاردهم الزبانية وقد اجتمع عليهم جوع وخوف وهم صامدون كالجبال الرواسي، نذكر منهم الاخوة الأحبة القاضي صالح بن عبد الله، والبروفسور منصف بن سالم والمحامي علي الغرسلي والسيد عبد المجيد الزار والأستاذ عبد الكريم المطوي والمناضل الأسعد الجوهري.

وتعبر حركة النهضة عن اعترافها بالجميل لكل من وقفوا مع تونس في محنتها: السادة العلماء والدعاة وفي طليعتهم العلامة المجاهد الإمام يوسف القرضاوي والشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله والشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله والعلامة الإمام محمد الغزالي رحمه الله والشيخ مصطفى مشهور المرشد العام للإخوان المسلمين والشيخ عصام العطار والدكتور الشهيد فتحي الشقاقي والشيخ المجاهد قائد الانتفاضة أحمد يس والأستاذ مصطفى الطحان وآية الله العظمى السيد حسين فضل الله، والشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، والمستشار الشيخ فيصل مولوي والمفكر المجدد الدكتور حسن الترابي والسجين المظلوم د. أنور إبراهيم والمفكر الإسلامي منير شفيق وشيوخ الحركة الإسلامية في المغرب العربي: عبد السلام ياسين ود. أحمد الريسوني وعبد الله جابالله وعباسي مدني وعلي بلحاج فرج الله كربهما ومحفوظ نحناح.

ويسّر حركة النهضة بهذه المناسبة أن توجه عبارات الشكر للسادة الزعماء من رجال الحركة الوطنية المغاربية الذين وقفوا معها في محنتها: المجاهد الكبير أحمد بن بلة والزعيم الفقيه محمد البصري والدكتور المجاهد عبد الكريم الخطيب والزعيمين حسين التريكي والحبيب عاشور والشيخ محمد البدوي رئيس جمعية صوت الطالب الزيتوني والأستاذ عبد الحميد مهري ود. عبد الحميد الإبراهيمي.

تحية إكبار وتقدير أيضا للصحافة الإسلامية وفي مقدمتها جريدة الشعب ومؤسسها المجاهد المفكر عادل حسين رحمه الله، وكذا مجلة المجتمع ورائدها العلامة الشيخ عبد الله علي المطوع، ومجلة العالم ورئيس تحريرها البحريني الدكتور سعيد الشهابي وجريدة الأمان ورئيس تحريرها الأستاذ إبراهيم المصري، وجريدة التجديد المغربية، ومجلة فلسطين المسلمة. ونخص بالذكر والشكر من الصحافيين الأفذاذ ياسر الزعاترة، وفهمي هويدي، وحافظ الشيخ وجمال خاشقجي وجمال سلطان وإمام محمد إمام. ومن اليوميات نخص بالذكر صحيفة الحياة والشرق الأوسط والقدس العربي. ولا شك أن التونسيين مدينون إلى حد كبير في هتك سجف التعتيم عن تونس لقناة الجزيرة وصحفييها الأبطال بشكل خاص، ولقناة المنار الغراء وكذلك مجلة الجرأة التي كانت سباقة إلى تعرية الفساد والمفسدين.

وتنوه الحركة بالجهود العلمية لعدد من المفكرين والباحثين والناشرين التي أسهمت في تجلية صورة النهضة وإزالة ما ألصق بها من زيف، ونخصّ بالذكر منهم الدكتور خير الدين حسيب (مركز دراسات الوحدة العربية) والمحامي الأستاذ سعد جبار، ود. عبد اللطيف الهرماسي ود. هشام جعيط ود. عبد الوهاب الأفندي ود. بشير نافع والفرنسي د.فرانسوا بورقا والأمريكيين البروفيسور جون سبوزيتو والأستاذ جون أنتلاس والأستاذة سوزان ولتز والأستاذ جون فول، والفلسطيني الدكتور عزام التميمي، والأرجنتيني بيدرو بريقيير، والكندية الأستاذة ليز قارون والصحفية الأمريكية روبن ورايت والمركز المغاربي للبحوث والترجمة.

الشكر الموصول للمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان نذكر منهم الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمجلس الوطني للحريات وعمادة المحامين ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، والمنظمة الدولية للمحامين، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، واللجنة العربية لنشطاء حقوق الإنسان، والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب، ومنظمة الفصل 19، وهيئة الناشرين الدولية، كما نحيي عشرات من المناضلين الوطنيين في المجالات الحقوقية والسياسية، نخص بالذكر منهم: د. محمد مواعدة رئيس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين والمناضل الحقوقي والسياسي د. المنصف المرزوقي والمناضل الحقوقي الدولي الأستاذ خميس الشماري ود. مصطفى بن جعفر الأمين العام للتكتل الديمقراطي للحريات، والسيدة سهام بن سدرين الناطقة باسم المجلس الوطني للحريات والأستاذ عمر المستيري والمؤرخ محمد الطالبي والأستاذ أحمد نجيب الشابي أمين عام التجمع الاشتراكي التقدمي والأستاذ أحمد المناعي والأستاذ حمة الهمامي، والسادة المحامين أبطال الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان ومنهم الأستاذ نجيب الحسني، والعميد محمد شقرون والمناضل الحقوقي والسياسي الأستاذ البشير الصيد، والأستاذة راضية النصراوي.

لقد انعقد مؤتمرنا هذا في ظل غربة عن الوطن وما ذاك لعلة في الحركة فهي قد ولدت ولادة طبيعية في نهاية الستينيات، بعد أن تجلى سافرا انحراف الرئيس السابق وحزبه عن مشروع الإصلاح والتحديث الذي عرفته تونس منذ أواسط القرن التاسع عشر في إطار الثقافة العربية الإسلامية وفي خدمتها بما يعز الوطن ويدرأ عنه أخطار الاحتلال. وكان من رواده الشيخ بيرم الخامس والشيخ سالم بوحاجب وخير الدين التونسي.

واستؤنف هذا المشروع الإصلاحي في بداية القرن العشرين بحركة الشباب التونسي حاملة نفس الهاجس الإصلاحي القائم على مبدأ: "الاقتباس" من التمدن الغربي في إطار الإسلام وفي خدمته، وكان من روادها الأخوان علي ومحمد باش حانبة والشيخ المجاهد عبد العزيز الثعالبي مؤسس الحركة الوطنية ذات التأثر المباشر بأفكار الجامعة الإسلامية التي كان من روادها أيضا الشيخ الخضر حسين والشيخان محمد الطاهر والفاضل بن عاشور، إلى جانب رموز الحركة الوطنية من أمثال الشيخ محي الدين القليبي والشهيد فرحات حشاد والشهيد الحبيب ثامر. وفي سياق هذا المشروع الذي اتصلت أواصره بقوة مع كبار المصلحين في المشرق: جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وشكيب أرسلان، ولدت الحركة الوطنية في رحاب جامع الزيتونة المعمور، والشبان خريجي المدرسة الصادقية ممن تتلمذ على أيادي المشايخ المتأثرين بفكر الإصلاح. وكان يمكن لتونس أن يمضي مشروعها الإصلاحي على نفس الأسس كما هو الحال في معظم بلاد الإسلام ومنها المغرب الأقصى حيث تم الكفاح الوطني على أرضية السلفية التجديدية تواصلا مع الأسس الأولى للمشروع الإصلاحي، لولا التدخل الاستعماري من جهة لإجهاض مشروع الإصلاح الإسلامي وتهميش أهله ومؤسساته لصالح "المشروع التغريبي" من جهة أخرى. هذا إلى جانب عجز التيار الغالب في المؤسسة الدينية عن مواكبة المستجدات، رغم ما شهدته من تطور كان كفيلا بتحديث تونس على أرضية الثقافة العربية الإسلامية وليس على أرضية التغريب، فكان انتصار الاستقلال في جانبه الأعظم تنكرا للذاتية العربية الإسلامية لتونس أكثر مما هو انتصار على الاحتلال وثقافته. وكان مفهوما من أجل تفكيك المجتمع القديم وفرض النموذج التغريبي، أن تُعزّز سلطة الدولة على حساب سلطة الفرد والمجتمع لشل كل مقاومة لمبضع الجرّاح التحديثي. وهكذا تمت محاصرة المجتمع من طرف الدولة وحزبها الواحد وفوض مصير البلاد لـ "المجاهد الأكبر".

كان من الطبيعي وقد تم تهميش المجتمع وتقويض قيمه ومؤسساته أن يتعثر المشروع التنموي وقد أخذت الدولة طريقها إلى التحول إلى ملك خاص للزعيم ولحزبه، كما كان من الطبيعي أن يستشعر المجتمع مرارة الخداع والخطر على هويته وقد أفاق من هول الصدمة في نهاية الستينات. فكان ميلاد الحركة الإسلامية استجابة للطلب الظمآن على الهوية في حياة اشتد تغربها، وهو ما يفسر انتشارها السريع، فخلال عشر سنوات فقط عادت الحياة إلى المساجد، وامتدت دعوة الإسلام الهادئة تجادل بالحسنى عن المشروع الإصلاحي الإسلامي التحديثي مبشرة بعدالة الإسلام ورحمته ملتزمة بنهج الحوار وآدابه داعية إلى عز الوطن وتضامن أبنائه وإن اختلفوا، نابذة التعانف في الفكر والقول والعمل من أي كان سبيلا لحسم اختلافات الفكر والسياسة، منادية أهل الوطن إلى تعاقد جديد يؤسس الدولة لا على القوة واستئثار الزعيم الأوحد والحزب القائد بالدولة والمجتمع والقرار والثروة والمصير، وإنما على الوفاق الذي لا يقصي أحدا بله أن يعمل على استئصاله، موقنة أن المفتاح الأوحد لمعضلة التنمية والإصلاح هو الحرية وتكريم الإنسان ودعم سلطان المجتمع المدني واستقلاله عن الدولة وتضامنه والمجتمع السياسي التعددي المعارض. من هنا ارتبطت حركة الإصلاح بالحرب ضد الاستبداد وحكم الفرد المطلق والدعوة إلى سيادة حكم القانون والشورى عبر حرية الرأي والتنظيم والفصل بين السلطات والمشاركة في الحكم تعبيرا منظما عن إرادة الأمة في مؤسسات نيابية منتخبة دوريا انتخابا نزيها. وكل هذه آليات تسعد بها الشورى وتنقلها من مستوى الموعظة والشعار إلى مؤسسة للحكم وإدارة الاختلاف بشكل سلمي لا يقصي صاحب رأي. وهي عند التحقيق العلمي لا علاقة لها ضرورية بفلسفات محددة كالمادية والعلمانية والقومية. فقد توجد هذه ولا توجد تلك والعكس صحيح كذلك. فالدكتاتور يمكن أن يكون في حياته الدينية مؤمنا أو ملحدا والعادل يمكن أن يكون علمانيا أو متدينا. والله سبحانه، كما نص على ذلك علماء الإسلام، ينصر الدولة العادلة وإن تكن كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن تكن مسلمة. فما ينبغي الخلط بين الفلسفات والوسائل، بين الديمقراطية والعلمانية مثلا كما يفعل البسطاء أو الخبثاء.

هذه مبادئنا التي جاهدنا من أجلها جهادا سلميا ناصبا ولا نزال وليس فيها ما يدعو إلى السرية داخل البلاد وخارجها ومع ذلك فإن كل مؤتمرات الحركة منذ 79 انعقدت في نطاق السرية والسبب واضح وليس هو غير استمرار رفض الدولة التونسية مذ ولدت وحتى اليوم لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان واستقلال المجتمع المدني وشفافية التسيير وقواعد المحاسبة وإصرارها على حكم الفرد وتسويغ الفساد.

وفي طريق المقاومة لهذا النمط المتخلف من الحكم ونشرا لثقافة التحرر والانعتاق تواصلا مع مشروع الإصلاح المجهض عرفت حركتنا الابتلاء بالسجن والتشريد منذ 1981 وحتى يوم الناس هذا. وكانت المحنة الأولى قد جاءت عقب تقدم الحركة بطلب اعتمادها حزبا سياسيا يعمل في نطاق القانون فكان الجواب سنة 1981 اعتقال حوالي 500 من قيادات وأعضاء الحركة حلوا محل سجناء اليسار والنقابيين وما إن أفرج عنهم بعد أربع سنوات على إثر انتفاضة الخبز حتى عقدنا مؤتمرنا الثالث الذي قرر طرق باب القانون مجددا سنة 85 غير أن الجواب هذه المرة كان مدروسا بشكل أدق على يد وزير الداخلية الذي أعد نفسه لخلافة الدكتاتور العجوز فاتخذ من تفجير الأزمة مع الإسلاميين سبيلا للانقضاض على السلطة فهوّل من خطرها وفتح أبواب السجون لاستقبال حوالي عشرة آلاف مناضل إسلامي. ولقد أنضجت انتفاضة الشارع بقيادة الحركة سنة 87 الثمرة ليلتقطها ابن علي الذي كان يتابعها بدقة، معلنا يوم انقلابه أنه لا ظلم بعد اليوم وأن رئاسة مؤبدة لم تعد تليق بتونس مستوليا على كل شعارات المعارضة في الديمقراطية والعروبة والإسلام.

فاستبشر به الناس ومنهم الحركة الإسلامية لا سيما وقد أفرغ السجون مما شحنها به من المناضلين واستقبل زعماء المعارضة بكل اتجاهاتها، بما شاعت معه أجواء التفاؤل. غير أنه سرعان ما جاء الاختبار الأول سنة 1989 مخيبا للآمال. إذ نجح الرئيس بالرقم السحري 99,99% واستأثر حزبه بكل المقاعد. ولأن الفائز الحقيقي فيها كان قوائم المستقلين التي دعمتها حركة النهضة فإن دولة البوليس لم تكتف بتزييف النتائج بل قررت معاقبة الفائزين بالاستئصال وبتجفيف ينابيع الإسلام.

وفي مناخات التخويف من الخطر الأصولي وبسبب بعض الأخطاء في إدارة الصراع من طرف الحركة من مثل عدم التشاور مع المعارضة في طريقة الرد على هجمة السلطة وضعف قراءة الأوضاع الإقليمية ولا سيما ما أدخلته حرب الخليج من إعادة تشكيل المعطى المحلي والإقليمي والدولي -وهي أخطاء قد اعترفت بها الحركة وبغيرها في نقدها الذاتي الذي أقره المؤتمر السابق وصدر في بيان شامل- وبسبب أطماع ومخاوف هنا وهناك كانت فرصة السلطة لفتح أبواب الجحيم على الإسلاميين والمجتمع كله إذ تجاوز عدد من مسهم الاعتقال 30 ألفا. وقد امتدت آلة القمع لاحقا لتشمل قطاعات واسعة من السياسيين والحقوقيين والنقابيين بما في ذلك المرأة التي نالت نصيبا غير يسير من الاضطهاد والتنكيل طال حقوقها المدنية والسياسية والاجتماعية في مفارقة صارخة لدعاوى السلطة المزيفة في تحرير المرأة.

غير أن عقلاء تونس، مع هول الكارثة وتغول السلطة ونهمها المسعور إلى التهام المجتمع كله وسحق كل من يرفع رأسا، بدأت تدركهم صحوة تفتح أعينهم على هول الكارثة فينضمون إلى القلة القليلة التي ظلت صاحية تصدر بين حين وآخر عريضة احتجاج يضيع صداها وسط ضجيج أصوات التأييد. تنامى منذ النصف الثاني من التسعينات الوعي بهول الكارثة التي أصابت المجتمع والتي إنما كان هدفها عبر قمع واستئصال الإسلاميين كسر العمود الفقري لقوة المجتمع للسيطرة على كل الجسم الاجتماعي لاحقا. تنامى الإدراك واليقين بأن الديمقراطية والإقصاء لا يجتمعان في وعي عاقل حتى ولو كانت ضحية الإقصاء أقلية فكيف إذا كانت الأغلبية؟

ولقد كان ترشح الدكتور المنصف المرزوقي والأستاذ عبد الرحمان الهاني رغم رمزيته حجرا كبيرا قذف به في بركة راكدة لا سيما مع رد فعل السلطة المجنون باعتقال الرجلين، ثم كانت رسالة الدكتور محمد مواعدة سنة 95 إلى رئيس الدولة يكشف له فيها حقيقة الأوضاع واتجاهها إلى الانسداد والكارثة ورد فعل الرئيس باعتقال الرجل وشق حزبه وهو أهم حزب في المعارضة القانونية هزة أخرى أقوى في وعي النخبة إلى جانب قصة الصراع مع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومحاولاته المتكررة لاحتوائها حتى انتهى أخيرا إلى مصادرتها للمرة الثانية، فضلا عن رفض الاعتراف أصلا بالمنظمة الشقيقة لها: "المجلس الوطني للحريات" واضطهاد مناضليه ومناضلاته، إضافة إلى ملاحقة سلطة القمع بالاعتقال قيادات وأعضاء حزب العمال الشيوعي وعلى رأسهم السيد حمة الهمامي. وفي هذا السياق جاء إضراب الصحافي توفيق بن بريك عن الطعام ليفتح ثغرة مهمة في جدار التعتيم.

بالتوازي مع القمع السياسي الموسع، كانت تجري حالة نهب منظم للثروة العامة وثراء سريع في دوائرالرئيس، فتنامت التجارة الموازية واحتكار السوق وانتشرت ظاهرة الرشوة والفساد المالي مما أدى إلى ارتفاع ظاهرة البطالة واستفحال الفقر وانكماش الرأسمال الوطني، بما يسفه مقولة "المعجزة الاقتصادية التونسية" وبما يؤكد فشل خيار الفصل بين التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية.

وفي طريق المقاومة لهذا النمط من الحكم البوليسي الفاسد تداولت على السجون بدل التداول على السلطة ومنذ بداية الاستقلال وحتى يومنا هذه أجيال من المعارضين ذات مرجعيات فكرية مختلفة من قوميين واشتراكيين ونقابيين وشيوعيين ولبراليين وإسلاميين.. هم اليوم وبعد أن ضرّستهم الدكتاتورية بأنيابها ووطأتهم بمناسمها قد انتشر الوعي فيهم أن الديمقراطية إما أن تكون للجميع وإلا فلن تكون لأحد. فأخذت أواصر القربى والحوار والتفكير في المشترك الجامع وغض الطرف عن المختلف تمتد بين أنصار الحرية إسلاميين وعلمانيين، فتعددت اللقاءات والحوارات، وتنامت في البلاد الأصوات المرتفعة بنفس المطالب: مطلب العفو التشريعي العام وإطلاق سراح المساجين وشجب التعذيب وتغول البوليس والدعوة إلى احترام آليات الديموقراطية واستقلال المجتمع المدني مما يؤكد حيوية المجتمع التونسي وتأهّله لحياة ديموقراطية حقيقية واستشرافه لفرض التغيير لا سيما بعد تجربته المريرة التي يشتد خناقها يوما بعد يوم.

المؤكد اليوم أن تونس تشهد بداية جادة لتحقيق توازن جديد مع الدولة يجعل من التغيير فرضا لازما، والتغيير هو نقطة التقاء القوى الوطنية إسلامية وليبيرالية ويسارية مع قوى المجتمع المدني، مع حركة الشارع، مع تخلي الخارج عن دعمه اللامشروط للسلطة. ولقد مثل البيان المشترك بين حركة الديموقراطيين الاشتراكيين وحركة النهضة في 19 مارس 2001 بمناسبة عيد الاستقلال حدثا مهما جاء استجابة لطموحات مناضلي الحركتين ولطموحات قوى التغيير في تونس كلبنة أولى لوضع حد لحالة التشرذم التي عاشتها المعارضة خلال العشرية الماضية واستغلال السلطة لهذه الوضعية لضرب بعضها ببعض. الثابت أن سلطة بن علي هي بسبيلها إلى أن تفقد ثقة الخارج في قدرتها على استيعاب هذا الواقع الجديد وحسن التعامل معه.

في ظل هذه الظروف انعقد على بركة الله المؤتمر السابع للحركة وبعد التداول في التقريرين الأدبي والمالي وإقرارهما مع تقرير عمل مجلس الشورى، انتهى المؤتمر إلى خلاصات في خيارات وتوجهات الحركة الثقافية والسياسية والهيكيلية نفصلها فيما يلي:


الهوية الإسلامية

باعتبارها هوية البلاد والإطار المرجعي للحركة ومضمون مشروعها الإصلاحي في مواجهة سياسات الدّولة التسلطية الحديثة في بلادنا ومنذ نشأتها في محاربة الإسلام. إنّ حركتنا تشارك في هذا المجهود الحضاري من منطلق تبنّيها لتصور للإسلام يشكل الأرضية العقائدية التّي منها تنبثق مختلف الرؤى الفكرية والاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التّي تحدّد هوية هذه الحركة وتضبط توجهاتها الاستراتيجية ومواقفها الظرفية.

إلاّ أنّ تأكيد الحركة على هويتها الإسلامية وحرصها على أن تلتزم في مشروعها بذلك لا يعني بأي حال من الأحوال احتكارها الصّفة الإسلامية أو توظيفها بأي شكل من الأشكال في صراعها السياسي، فلم تكن الحركة يوما في موقع الناطق الرسمي باسم الحقيقة الإسلامية ولا هي تطمح إلى ذلك.

النّضال من أجل الحرّية : لقد ثبّتت حركتنا في مجمل أدبياتها مطلب الحرّية من منطلق مبدئي وعقائدي واعتبرت النّضال من أجله تكليفا من الوجهة الإسلامية ومهمّة حضارية وجب أن تتحمّل أعباءها مع سائر الأطراف المؤمنة بذلك. فمن المهام التّي تتطلع الحركة لتحقيقها هي أن تستعيد الجماهير حقّها المشروع في تقرير مصيرها بعيدا عن كلّ وصاية داخلية أو هيمنة خارجية ورفض مبدأ الانفراد بالسلطة، وفي المقابل إقرار حقّ كلّ القوى الشّعبية في ممارسة حرّية التّعبير والتّجمع وسائر الحقوق الشّرعية والتّعاون في ذلك مع كلّ القوى الوطنية.

حماية استقلال البلاد: وتثبيت انتمائها الحضاري وحمايتها من أخطار التّبعية للخارج والارتهان للقوى الدولية. ففي مواجهة هذه المخاطر أكّدت حركتنا ولا تزال على بناء مقومات الاستقلال السياسي والثّقافي والاقتصادي على أرضية مجتمع قوي متماسك بثوابته معافى من ظواهر الاستبداد.

كما أنّ الاستقلال الحقيقي لبلادنا ومناعتها لا يمكن أن يتاحا لها في واقع التّجزئة بل بالتّأكيد على العمق الحضاري والاستراتيجي الذّي تنتمي إليه مغاربيا وعربيا وإسلاميا مع عقد اتفاقيات تضمن مصالح مختلف الأطراف بدل الاتفاقات المنفردة. وذلك في إطار الإقبال على المحيط الدّولي باستراتيجية الانفتاح والمشاركة والإشعاع الحضاري استعادةً لدور بلادنا المفقود في محيطها المتوسطي.


الموجهات الكبرى للمرحلة القادمة

أ. تأصيل الخيار السلمي المدني

أمتنا وشعبنا، وبأولوية المصالحة السياسية الشاملة على قاعدة إصلاح فكري شامل يغلق أبواب العنف السياسي ويسدّ الطريق على أسبابه ومسبّباته مهما كانت.

إن حركتنا مدعوة إلى الالتزام بتطوير ثقافة التعايش السلمي والعمل السياسي السلمي كجزء من استراتيجية الإصلاح والنهضة الحضارية الشاملة وهي استراتيجية ينبغي أن تضع على رأس اهتماماتها وأهدافها مناعة الوطن وصيانة أمن المجتمع وحفظ الكيان الاجتماعي من دواعي التمزق والفرقة وصيانته من الانغلاق والانكماش وكذا سلامة التصالح الاجتماعي من دواعي التطرف ومن منطق الانحيازات الكلية التي تشذ عن سبل التوسّط والتسامح وتغلق باب الحوار وتستبدله بمنطق الغلوّ والإكراه.

ب. العلنية

العلنية خيار أساسي لفعل الحركة وصبغة ثابتة لها تتماشى وطبيعة مشروعها المنفتح على المجتمع بمختلف فعالياته إن في مستوى الخطاب أو التنظيم. إن الإدارة العلنية لشأن الحركة تؤسس لقيم الشورى وتجنب الازدواجية كممارسة سلبية وتجعل من فكر الحركة وكسبها ملكا للمجتمع وفعالياته.

ج. الديمقراطية أو الإطار العام للعملية السياسية

يمثل هذا الإطار تصور الحركة لآليات التعايش السياسي السلمي في بلادنا وما تحتاجه من معالجات تنطلق بها من وضع الانغلاق والاستبداد وهيمنة الدولة على المجتمع إلى وضع يتيح لكل فرد أو جماعة التعبير عن الرأي وممارسة الحقوق الأساسية للمواطنة دون التعرض للقهر أو الإكراه. وحركتنا كانت ولا تزال متمسكة بالديمقراطية كإطار لممارسة الحقوق الأساسية للمواطنة ولإدارة وحل الخلافات بين الأطراف الاجتماعية والسياسية، وكآلية للتداول السلمي على السلطة. وإذا كانت الوقائع السياسية في بلادنا وفي عموم المنطقة لا تشير إلى توفر العوامل الذاتية والموضوعية القوية للانتقال السريع إلى الديمقراطية الكاملة فإن الحركة السياسية في بلادنا تحتاج إلى أن تتأطر حول النضال من أجل تحقيق ديمقراطية متدرجة وفعلية.

التوجه السياسيي

أكد المؤتمر على ثوابتنا السياسية من قبيل العلنية والسلمية والديموقراطية مع مزيد تعميقها وإثرائها بالرجوع إلى الوثائق التأسيسية للحركة:

-البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الإسلامي 1981

-بيان الإعلان عن حركة النهضة سنة 1988

-البيان السياسي الشامل: جوان 1996

-الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة الاتجاه الإسلامي

وخلص المؤتمر إلى تبني هدف تحقيق الانفتاح السياسي عل قاعدة المصالحة الوطنية الشاملة.


في العلاقة بالمعارضة

أكد المؤتمرعلى ضرورة التنسيق مع المعارضة الوطنية الجادة والتكامل معها على قاعدة مطلب الحريات وإنضاج البديل الوطني المشترك وأن تكون مطالب الحركة متدرجة ضمن مطالب الحركة السياسية في البلاد. وإدانة كل أصوات الإقصاء والاستئصال سواء داخل السلطة أو خارجها الداعية إلى حرمان أي طرف سياسي من حقه الطبيعي في التعبير والتنظم السياسي.


المعطى الشعبي

كما أكد على دور حركة الشارع كعنصر من عناصر المعادلة السياسية والتعويل عليه كمعطى أساسي في تعديل ميزان القوى بين سلطة الدولة والمجتمع.


المعطى العربي والدولي

  • تأكيد مبدأ التضامن العربي والإسلامي والتصدي لسلبيات العولمة المتوحشة.
  • المطالبة برفع الحصار عن العراق وليبيا والسودان وإيران
  • الخطاب السياسي:الالتزام بقيمة الاعتدال والبحث عن القدر المشترك مع شركائنا السياسيين وقوى المجتمع المدني.


المطالب السياسية

أكد المؤتمرون على النضال من أجل تحقيق المطالب السياسية التالية:

- إطلاق سراح المساجين وسن العفو التشريعي العام

- حرية الممارسة السياسية دون إقصاء وضمان حرية الصحافة والتعبير

- رفع القيود المفروضة على المجتمع المدني

- مقاومة ظاهرة الفساد وسوء التصرف في الثروة الوطنية

- العدالة الاجتماعية والدفاع عن مطالب الشعب

- تحقيق إصلاحات دستورية وقانونية شاملة

- رفع القيود المفروضة على التدين والكف عن وصاية الدولة على الدين ومؤسساته


الانتخابات الرئاسية لسنة 2004

خيب الرئيس السابق أمل التونسيين في حكم ديمقراطي جمهوري حينما حول حكمه إلى رئاسة مدى الحياة، فأفرغ بذلك قرار المجلس القومي التأسيسي- في إعلان الجمهورية وإلغاء النظام الملكي- من أي قيمة فعلية. واليوم يحاول خلفه تنصيب نفسه رئيسا مدى الحياة خارقا بذلك ما قطعه من تعهد للشعب بأن "لا مجال لرئاسة مدى الحياة" وضاربا عرض الحائط بنصوص الدستور التي وضعها بنفسه.

وانطلاقا من اقتناع الحركة بمبدأ التداول السلمي على السلطة- وهي لا ترشح نفسها بديلا للحكم- فإنها تدعو إلى الالتزام بالنصوص الدستورية الواردة في الموضوع وعدم تطويعها للرغبات الخاصة حتى تكون المحطة الانتخابية لسنة 2004 موعدا تاريخيا يمارس الشعب من خلاله حقه الكامل في اختيار رئيس دولته بصورة ديمقراطية حرة ونزيهة.


الإصلاحات الهيكلية

- أكد المؤتمرون على توسيع قاعدة الشورى وتعزيز الممارسة الديمقراطية في تسيير الهياكل والمؤسسات

- أقر المؤتمرون استحداث آلية الاستفتاء لترشيد التوجهات وضمان تمثيل موسع للقاعدة في اتخاذ القرارات.

مكانة المرأة

أكد المؤتمرون على مكانة المرأة في مشروع الحركة التغييري والحضاري وتعزيز حضورها وتمثيلها في مختلف المؤسسات القيادية وإنزالها المنزلة الرفيعة التي خصها بها ديننا الإسلامي، منوها بدورها المتقدم في معركة الكرامة والحرية في تونس وفي الشتات والمهاجر .

وفي الأخير أنهى المؤتمر أشغاله بانتخاب رئيس الحركة وأعضاء مجلس الشورى

وقد تم تجديد رئاسة الحركة للشيخ راشد الغنوشي بنسبة 75،64 % وانتخب السيد وليد البناني رئيسا جديدا لمجلس الشورى.

والله ولي التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل

لندن في 09 محرم 1422 الموافق لـ 3 أبريل 2001

رئيس حركة النهضة بتونس

الشيخ راشد الغنوشي


للمزيد عن الإخوان في تونس

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

.

مقالات متعلقة

.

تابع مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

أهم أعلام الإخوان في تونس

وصلات فيديو

.

تابع وصلات فيديو