السلطة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
السلطة



تشكل السلطة العنصر الثالث من عناصر الدولة الحديثة، وهي العنصر الذي انتقل بالحياة الإنسانية من حالتها البدائية إلى حالة الحياة الجماعية المنظمة.


السلطة: الحق والمشروعية

لابد أن نعلن قناعتنا المبدئية بمجموعة من الحقائق :


الحقيقة الأولى: الأمة هي مصدر الولايات

أن الأمة دائماً هي مصدر الولايات، ومنها يستمد صاحب الولاية شرعيته، ولقد كانت الكلمة الأولى لخليفة المسلمين الأول غاية في الإيجاز (أيها الناس وليت عليكم ولست بخيركم..) فلم ير فيها حقاً مكتسباً، ولم ير في نفسه فذاً مميزاً على العالمين.


الحقيقة الثانية: أن الفطرة السوية هي ميزان الحق الأولي

أن الفطرة السوية هي ميزان الحق الأولي (بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره) (استفت قلبك ولو أفتاك وأفتوك..).


ولكن لما كانت النفس الإنسانية عرضة للزيغ والميل والانحراف، فقد تأكدت معالم (الحق) و(الباطل) في شرعة الإسلام بالنص الشرعي على هذه المعاني، وكان هذا التأكيد بمثابة قطع لأي شكل من أشكال النزاع حول قيم الوجود الأساسية.


وفي إطار هذا الفهم يتبدى هذا الحق الأصيل في منظومة من القيم المطلقة التي لا يمس جوهرها زمان ولا مكان، ولا يعدو عليها إنسان إلا وقد ارتكس وانتكس في إنسانيته، وهو معنى (أسفل سافلين) الذي أشار إليه القرآن الكريم (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ) ولكن لابد للحقائق المجردة المطلقة دائماً من لبوسها (الزماني) (المكاني)، الذي تتجلى فيه حقائق ملموسة حية، وهذه الملابسة بالزمان والمكان، هي التي تجسد الفرق بين جوهر القيم المجرد المطلق، وبين صورها العملية في حياة الناس. وهذه الصور هي التي أطلق عليها القرآن الكريم مصطلح (المعروف، والمنكر). بينما أطلق الفقهاء على غايات الأحكام وعللها النهائية مصطلح (مقاصد الشريعة). فمقاصد الشريعة علة الكثير من الأحكام، وعليها دورانها.


وإذا كان الفقهاء قد اجتمعوا (على أنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان)، فإن المقاصد الشرعية تعتبر الأصل الذي تدور عليه هذه الأحكام.

وقد انتظمت مقاصد الشريعة عند سلف الأمة في كليات خمس رئيسية هي: حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال. وهي منظومة مفتوحة غير مغلقة، قابلة للزيادة، كما أنها قابلة للتشعيب والتطوير.


وخلاصة ما نريد التأكيد عليه في هذا المقام هو أن السلطة في تصورنا الإسلامي، لا تتحرك في فراغ بل إنها تتحرك في دائرة من الثوابت التي تعتبر الأساس لأي حياة إنسانية رشيدة وقويمة. وأن دعاوى (الفردية) و(الحرية) عندما تخرج عن مرتسماتها الإيجابية، تقود إلى الفوضى والاضطراب والضياع.


وعلى أساس من مقاصد الشريعة العامة، تستطيع السلطة أن تتحرك في سن التشريعات أو القوانين في إطار المصلحة العامة للأمة، وبهدي النصوص الشرعية التي جاءت عامة ومجملة حيث اقتضى المقام العموم، وجزئية مفصلة حيث احتمل المقام ذلك.


الحقيقة الثالثة: مواصفات الفرد القائم بمهمة التمثيل الاجتماعي والسياسي

في مواصفات الفرد القائم بمهمة التمثيل الاجتماعي والسياسي، حيث إن مقام الممثل، هو مقام النيابة عن الأمة والمجتمع في حماية مصالحها، وتحقيق أهدافها، وإدراك المصالح والمفاسد في سيرورة حياتها، وهي مهمة ليست تشريفية، ولا بروتوكولية، ولا تظاهرية. إن قوانين جائرة اعتمدت في بناء المؤسسات البرلمانية كانت ترمي إلى أنواع من الدعاية السياسية أو الحزبية أكثر من حرصها على مصلحة الوطن، وخير أبنائه العام. إن نظرة سريعة على جداول أعمال بعض المجالس التمثيلية وقراراتها، ومداخلات بعض أعضائها مما يدخل في باب المضحكات المبكيات.


وإذا كانت معادلة التمثيل محكومة دائماً بالوعي العام لأبناء الوطن، فإن هذا يعود بنا تلقائياً إلى ما قدمناه في بناء الفرد والمجتمع القادر على تحمل مسئوليته الوطنية، من خلال اختيار حرّ وبناء يقوم على عنصري الكفاءة والأمانة، بعيداً عن كثير من الولاءات الموروثة أو المستحدثة التي لا تقدم المصلحة العامة، ولا تكاد تعترف بها، فإن (القوي الأمين) عماد كل إصلاح.


السلطات الثلاث ومكانتها في بناء الدولة

في مسيرة الفكر السياسي الإنساني، استقر بناء الدولة على دعامات ثلاث: السلطة التشريعية والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، واعتبرت هذه السلطات وحدات مستقلة، وتعمل بشكل متواز، على تحقيق العدل ومنع الظلم، وفتح سبل التطور أمام المجتمع، كما أشير إلى الصحافة بأنها سلطة رابعة، كما أشير إلى المجتمع المدني بمؤسساته السياسية والاجتماعية والثقافية على أنه سلطة خامسة، وتعدد السلطات يعين على توزيع المسئولية وكسر حدة احتكارها من قبل سلطة واحدة.


في فصل السلطات

اعتبر مفهوم فصل السلطات، ركيزة من ركائز بناء السلطة في الدولة الحديثة، وهو مفهوم ليس غريباً عن إرثنا السياسي، حيث عرف في تاريخنا الإسلامي خضوع الخلفاء والولاة لقضاء القضاة، ونزولهم على أحكامهم، وفي تميز أولي الرأي (السلطة التشريعية) عن أولي الأمر (السلطة التنفيذية)، كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.


أولاً ـ السلطة التشريعية

في رؤيتنا لبناء السلطة التشريعية، وحركتها سنتوقف عند مشكلتين رئيسيتين:

المشكلة الأولى: ما يثار من تنازع حول مفهوم (الحاكمية) و (التشريع) حيث يخلط الكثيرون بين المفهومين فيصادر البعض حق التشريع على الأمة بدعوى (الحاكمية) ويرفض آخرون (الحاكمية) لأنها تتلبس في أذهانهم بالتشريع.

والمشكلة الثانية: ما يثار حول التصويت الديمقراطي من اعتبار آراء كل عضو في المجلس التمثيلي بغض النظر عن اختصاصه، ينما يرى آخرون أن الشورى في القضايا التخصصية تتطلب استشارة أهل الاختصاص والخبرة دون غيرهم.


في مفهوم الحاكمية :

يعلم المسلم أن الله سبحانه وتعالى قد قصر أمر الحكم عليه وحده (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) ولكن جملة الأحكام الربانية، تتمثل في قواعد عامة مجملة، ترك للمسلمين أمر الاجتهاد من خلالها، والبناء عليها، إلى جانب منظومة من الأحكام التفصيلة كانت دائماً أساساً لبناء فقهي، يعطيها صيغتها الزمانية والمكانية، ومن هنا كان هذا البناء الفقهي الضخم في التراث الإسلامي.

وبالتالي فقد تحدد دور المجتهد المسلم على مر العصور في البناء على القواعد الأساسية للأحكام الربانية لوضع الصيغ القانونية التي تحقق المقاصد العامة للشريعة أولاً، وفي صوغ الأحكام التفصيلية مثل أحكام الأسرة أو الميراث أو الجنايات أو البيوع، وصوغ القوانين الضابطة للأطر والجزئيات التي تحقق المصالح.


في معادلة التمثيلية والاختصاص :

اعتبرت المجالس التمثيلية الصيغة الأمثل للتعبير عن الإرادة العامة للأمة تحت عنوان عريض حمل عنوان (الديمقراطية) وعُني بها أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، من خلال المجالس التمثيلية، ولكن التمثيلية تخضع في جميع المجتمعات والشعوب لمعطيات متعددة، تتجاوز معاني الكفاءة في كثير من الأحيان، لتخضع لمنطق الرأي العام المحكوم بسلسلة من المؤثرات، وفي مقدمتها الدعاية الانتخابية وفي نهايتها سلسلة من العلاقات الشخصية والاجتماعية والظرفية.


ومع كل السلبيات التي يمكن أن تقال عن التمثيلية، فإنها تبقى الصيغة الأمثل للتعبير عن رأي المجموع، ولكنها لا تؤدي بالنتيجة إلى الصيغة الأمثل في دراسة القرار الصحيح، وتوظيفه في مصلحة المجموع. ومن هنا فإننا في مشروعنا الحضاري، مع تمسكنا بالصيغة التمثيلية للتعبير عن رأي المجموع، والحد من سيطرة مجموعة من المتنفذين على القرار العام. نلح دائماً على ضرورة أن يكون هناك في دراسة أي قرار، مجال لمداخلة شورية من أصحاب الاختصاص، وفي كل فن برجاله، بحيث لا تكون هناك مجموعة من القرارات المتضاربة التي لا تقدر مصلحة الأمة حق قدرها، ويمكن في هذا أن يصبح تمثيل الأمة في مجلسين، أحدهما للشورى والتشريع، وثانيهما لتحقيق مصالح الشعب من خلال ممثليه، كما هو قائم في عدد من الدول العريقة في الديمقراطية.


ومن الضروري أن نؤكد، أن حرية الاختيار، ونزاهة عمليات الترشيح والانتخاب، هي الكفيلة بالحد من سلبيات التمثيل العام، وبتقديم المخلصين القادرين على تقديم مصلحة الأمة على مصالحهم الذاتية. إن المجالس الصورية التي تعتبر في المجالس التمثيلية تبادل المصالح مع الحاكم في خلال سياسات الملق والمداهنة مقابل بعض المكاسب الصغيرة، قد وأدت كل أمل للأمة في الخلاص والنهوض.


ثانياً ـ السلطة القضائية

تعتبر السلطة القضائية مرجع الأمة الأساس في تحقيق العدل، وملاذها من كل أشكال البغي والظلم. والظلم ليس فقط ما يمارسه قوي على ضعيف، أو غني على فقير؛ بل إن للظلم أشكاله المعنوية التي تتجاوز في كثير من الأحيان أشكاله المادية. كما أن الظلم الذي تمارسه المؤسسات العامة، ضد الأفراد أو الجماعات، هو الذي يشيع الفساد، ويحاصر الناس في زوايا القهر والشعور بالمهانة، ويدفعهم إلى حالات من السلبية واللامبالاة.

فلا سلطان على القاضي إلا القانون، وهذه السلطة القضائية المستقلة هي الركن الذي يأوي إليه القاضي في انحيازه دائماً إلى جانب الحق والعدل، ورفضه لكل أشكال الضغوط المادية والمعنوية التي يمكن أن تمارس عليه بمعطيات الترغيب والترهيب، ولقد حفل تاريخنا الإسلامي بأمثلة نيرة لقضاة حاكموا الخلفاء الذين أسندوا إليهم مهمتهم، وحكموا عليهم لا لهم، وكانت مرجعيتهم الأولى، قوة (الحق) الذي يمثلون، دون أن يأخذوا باعتبارهم أن سلطة فوق سلطتهم، وأن مستعلياً يمكن أن يخرج على حكمهم.


في مبدأ (فصل السلطات ) اعتبر القضاء سلطة مستقلة قائمة بذاتها. ولكن حين تذوب هذه السلطات في سلطة ، وهذه السلطة في (فرد)، لا يبقى للشعوب ولا للمظلومين أو المحرومين من عاصم سوى ضمير القاضي وتساميه فوق كل الصغائر الذي تسعى لارتهان الصغار من بني الإنسان.

في عالمنا اليوم حيث تردى كل شيء، نشهد ساحات قضاء غاب عنها : الحق والعدل وغاب عنها القانون والضمير ، وغدا القاضي دميةً مشدودةً بخيط مهمته أن يقرأ أحكاماً كتبت له بخط رديء !!

إن نقطة الإسناد الأولى في إصلاح القضاء إنما تكمن في تحديد مرجعية القاضي، ومصدر سلطانه، وقوته. ويبقى استقلال القضاء بدونها شعاراً يردد، دون مضمون.


إصلاح القانون

إن حديثنا عن إصلاح القانون ينبغي أن يقع في إطاره العام من التشريع القائم على العدل والإنصاف والمساواة بين الناس، كما ينبغي أن يقع في إطاره من سياسة (الردع) التي تتبعها الدول لكف بأسها بعضها عن بعض، ثم تتغافل عنها في كف بأس المجرمين عن المجتمع. إن مشروعنا النهضوي يركز في إصلاح القضاء على التشريع الجنائي الرادع، الذي يطبق في أطره الشرعية العامة. وفي دائرة التطبيق التكاملي لأحكام الشرع كلها: مدنية واجتماعية وسياسية. إننا مع إيماننا المطلق بربانية التشريع الجنائي الإسلامي، وكفاءته المطلقة في تأمين الحياة الآمنة لأبناء المجتمعات، نعتقد أيضاً أن لهذا التشريع أجواءه من الصيانة والكفاية والحذر التي يمكن أن يطبق فيها، ويبقى التشريع الرادع مطلبنا الأساس في كل مرحلة من مراحل الطريق إلى مجتمع العدل والتكافل والطهر والنقاء، بعيداً عن مجتمع الجريمة والخوف الذي يهدد حياة الناس. فالإسلام قبل أن يأمر بإقامة حد السرقة: أمر بإيتاء الزكاة، وإقامة العدل والتكافل في المجتمع. وقبل أن يأمر بإقامة حد الزنا: أمر بتزويج الأيامى، وتيسير الارتباط بالحلال.


القضاء العرفي :

يشكل القضاء العرفي (أحكام الطوارئ) بكل تسمياته ومرتسماته شكلاً من أشكال العدوان على حقوق الإنسان الأساسية في الدفاع عن نفسه، وبيان حقيقة موقفه مما ينسب إليه من فعل أو قول، فحق المواطن في محاكمة عادلة، وقاض عادل بوجود هيئة دفاع حقيقية، هي بعض الحقوق العامة التي أقرتها الشرائع والمواثيق الدولية. إننا في مشروعنا الحضاري لسورية المستقبل نقوم تجربة القضاء العرفي (الاستثنائي)، على أنها نافذة للشر، استهانت بحياة الناس وأعراضهم وأموالهم، فقتلت واعتقلت وسلبت، وكان لها أثرها السيئ في إشاعة الخوف والذعر بين المواطنين، إن الرائعة العمرية التي كتبها لأبي موسى الأشعري، في القضاء، والمساواة بين أبناء الوطن الذي مارسه المسلمون حتى ليقول عمر للقبطي الذي جاء محتجاً: خذ السوط واضرب ابن الأكرمين، هو المنهج الذي يجب أن يسود في تأسيس قضاء عادل، يأمن فيه المظلوم ويهابه الظالم. إن إلغاء جميع أشكال القضاء العرفي، مهما تكن دواعيه هي إحدى ركائز مشروعنا الحضاري، لبناء السلطة القضائية القوية والمستقلة. ويلحق بالقضاء العرفي، جميع القوانين والأنظمة ذات الطبيعة العرفية أو الاستعلائية التي ترفع الناس بعضهم فوق بعض، تحت تسميات وهمية ما أنزل الله بها من سلطان، فتبيح دماء الناس بسبب انتمائهم: العرقي أو المذهبي أو السياسي، وتجعل للآخرين الوصاية على الدولة والمجتمع بمثل هذا الانتماء.


المحاماة :

إن دور المحامي الحرّ في صيانة الحريات، والدفاع عن الحقوق العامة للمواطنين، لا تقتصر على ساحات المحاكم، أو على من هم في قفص الاتهام، بل تتعدى ذلك للدفاع عن الحقوق العامة لجمهور الشعب، هذه الحقوق المتمثلة في الحريات العامة بكل أبعادها: العقائدية والسياسية والاقتصادية، وبالتالي فإن من أخص خصوصيات نقابة المحامين، أن تأخذ على عاتقها، مهمة الدفاع عن إنسان الوطن من كل ظلم أو ضيم يقع عليه.


ثالثاً ـ في السلطة التنفيذية

تمثل السلطة التنفيذية، الوجه المادي للدولة، والجهة المباشرة للمجتمع فيها، والمتحملة لعبء الموقف والقرار وتبعاته. وإذا كانت مرجعية السلطة التنفيذية في الأصل، شأنها شأن بقية السلطات. قوة الإنابة العامة التي تحصل عليها من المجموع أو من ممثليه، فإن الواقع الأليم في عالمنا العربي وفي قطرنا بشكل خاص، أن هذه السلطة، قد قفزت على معطى الشرعية التاريخي المقرر نظرياً لتستمد قوتها مباشرة من القوة المادية المتمثلة في الجيش الذي أُسس ابتداء للدفاع عن الوطن والمواطنين، لا لتطويعهم. وهذه القوة العسكرية اشتقت قوة أكثر تخصصاً في تطويع الناس أطلق عليها تجاوزاً لقب (السلطات الأمنية)!! وهي إلى إشاعة الخوف والذعر في قلوب المواطنين أقرب منها إلى إشاعة الأمن.

وإذا كان حديثنا عن السلطة التنفيذية يعني الحديث عن وجه السلطة المادي، فإنه ينطبق على هذه السلطة كل ما قررناه في حديثنا عن الدولة الحديثة بمفاهيمها: التعاقدية، والتداولية، والمؤسساتية.


إن التكامل في مشروعنا الحضاري، يجعلنا نؤكد أن صلاح السلطة التنفيذية، إنما هو نتيجة لجملة من المقدمات التي تحدثنا عنها في الأطر السابقة، كما أن صلاح هذه السلطة في القياس المعياري لصلاح الفرد والمجتمع والدولة.. فإذا اعتبرنا السلطة التشريعية الرأس الذي يفكر ويدبر ويقدر، والسلطة القضائية الحارس الذي يحمي ويصون البناء الداخلي من البغي والظلم، فإن السلطة التنفيذية هي القلب الذي يضخ في جميع مرافق الدولة دماء الحياة، ويبقى إغراء (السلطة)، وإغراء (النفوذ) مدخلاً من مداخل الفساد. ولا حماية من ذلك إلا بتقوية الإيمان والأخلاق.


الجيش والقوات المسلحة

يعتبر الجيش حصن الوطن ودرعه، والمدافع عنه أرضاً وثروة وإنساناً، ضد أطماع الغزاة والغاصبين. ولقد كان لجيشنا العربي السوري منذ تأسيسه دوره المشرف في الدفاع عن حياض الوطن، وفي التصدي للمغتصب الصهيوني، طيلة عقد الخمسينات، مما يمكن أن يشكل موضوعاً مستقلاً يجلي بطولات القوات المسلحة السورية ضباطاً وضباط صف، وجنوداً.


وفي فترة تحول غير حميدة، وُضع الجيش السوري أداة للسيطرة والقمع، ووسيلة للانفراد بالحكم.


إن أول معالم الإصلاح في بنية الجيش، أن يعود الجيش إلى مهمته الأساسية المنوطة به: درعا وحصنا وملاذا، ومقدمة تحرير للأرض والإنسان. وحين يصوب الجيش بصره صوب الوطن المحتل، سيجد جماهير الشعب بكل فئاتها وانتماءاتها تتمرس خلفه إسناداً صادقاً ومخلصاً بلا حدود.


إن تسليح الجيش العربي السوري، التسليح اللائق به، والمساعد على تحمل تبعات المسئولية الملقاة على عاتقه، وتعدد مصادر التسليح، والجد والاجتهاد في تحقيق حالة التوازن الاستراتيجي التي أشرنا إليها في مكانها، إلى جانب الاهتمام بالتدريب اللائق، الذي يصنع الجندي العربي السوري المؤهل سلفاً بكل صفات الرجولة والشجاعة والانضباط، كل هذه الأمور، من الأسس العامة لبناء الجيش القوي القادر على القيام بمهامه.


السلطات الأمنية

تعتبر السلطات الأمنية من المؤسسات الأساسية في بناء الدولة، والمحافظة على أمن الوطن والمواطن، وتتركز مهامها الأساسية في جانبها الوقائي، في تعقب جواسيس العدو، وفي التصدي لأشكال الحرب النفسية، كما يناط بها تتبع الثغرات في بنيان العدو، وجمع المعلومات الاستطلاعية عن واقعه العسكري والسياسي، ومبادلته الحرب النفسية بأخرى من نوعها.


ولكن حين تنقلب (العقيدة العسكرية) ويصبح المواطن هو العدو، والتفنن في تعقبه ومراقبته ومحاسبته هو الشغل الشاغل لهذه الأجهزة، تكون المعادلة قد انقلبت رأساً على عقب، ويدخل الوطن في متاهة الخوف والرعب والشك والتوجس.


إنه في أي محاولة نهوض حضاري، لا بد أن يخرج الوطن من أيدي فئة محدودة كائنة من كانت ليعود إلى أيدي أبنائه جميعا بدون أي تمييز أو تسلط. إن تغول السلطات الأمنية على الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي قد تسبب في عملية ارتكاس خطيرة، تتحول فيها الدولة كلها إلى دولة أمنية لا دولة قانون.

روابط ذات صلة

1- منطلقات المشروع السياسي لسورية المستقبل

2- الإسلام المتجدد

3- مرتكزات الدولة الحديثة

4 -الوطن

5- الإنسان

6- المجتمع

7- السلطة

8- النظم والمناهج

9- النظام الإقتصادي

10- المناهج

11- الباب الثامن المشروع المنشود معالم وآفاق

9- الباب التاسع المحاور الداخلية في سياسات المشروع

10- الباب العاشر المحاور الخارجية في سياسات المشروع

12- الخاتمة سورية التي نريد

13- السياسات الإجتماعية والإعلامية والتربوية