الطلبة والسياسة في مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الطلبة والسياسة في مصر


الطلبة-والسياسة.jpg

د. أحمد عبد الله

ترجمة : إكرام يوسف


الإهداء

إهداء الطبعة الإنجليزية:

إلى أهالى مصر القديمة . .

الأميين الذين علمونى . .

والفقراء الذين أغنوا ضميرى .

إهداء الطبعة العربية:

إلى روح أحد مناضلى جيلنا ..

الدكتور/ عبد الحميد العليمى سعد الله

الذى رحل عن عالمنا مبكراً ..

بينما زوجته تعكف على ترجمة هذا الكتاب !


مقدمة المؤلف

بين يدى القارىء الكريم نتاج جهد استغرق سنين عددا .

إذ كان فى الأصل بحثا علميا للحصول على درجة الدكتوراه فى العلوم السياسية من جامعة كمبردج بانجلترا .

وهو ما تم بحمد الله وبعون زملاء وأصدقاء مصريين وأجانب لا أجد بداً من تكرار شكرهم فى هذه الطبعة العربية دون أن أعدد أسماءهم .

إذ فعلت ذلك سلفاً فى مقدمة الرسالة الجامعية , كما ذكرت أكثرهم استحقاقاً للعرفان فى مقدمة الكتاب الذى صدر فى إنجلترا باللغة الإنجليزية عام 1985 حاوياً هذه الرسالة تحت عنوان : Ahmed abdalla, The student movement and national politics in Egypt, al-saqi books, London, 1985 . ولما كانت الطبعة الإنجليزية قد حققت شيئاً من النجاح , حيث تم توزيع الكتاب فى مختلف دول العالم , كما حظى بعشرات العروض الأكاديمية والصحفية فى دوريات عديدة بلغات مختلفة , فقد أصبح من باب أولى أن يقدم الكتاب باللغة العربية إلى القراء الأقرب إلى موضوعه .

وأهم هؤلاء القراء هم جمهور الطلاب والقيادات الطلابية التى تنشط فى الحياة السياسية وتعتد بتاريخ طويل من النشاط الطلابى الوطنى دون أن تكون على علم واسع بتفاصيل هذا التاريخ .

وقد كان هذا هو إدراك أبناء جيلى من العناصر الطلابية النشطة , حيث كنا نلملم القصاصات بحثاً عن معرفة بتاريخ حركة الطلاب تلهمنا فى حركتنا الخاصة .

وكان هذا هو الدافع وراء اختيار هذا الموضوع لإعداد بحث الدكتوراه .

صحيح أن هناك أعمالاً متفرقة مرتبطة بهذا الجانب أو ذاك من الحركة الطلابية يجدر بنا أن نشكر أصحابها على جهودهم , إلا أن وجود عمل جامع عن التاريخ الوطنى للطلاب كان دائماً أملاً منشوداً . فلعل القارىء يجد فى هذا الكتاب إشباعاً لتلك الرغبة .

وليس لنا مع ذلك أن نفترض من الاشباع تشبعاً . فباب العلم دائماً مفتوح لمن يريد الولوج فيه .

وما بحوثنا ودرساتنا سوى حلقات فى سلسلة أو طبقات فى تربة العلم ستعلوها طبقات أخرى بجهد اللاحقين .

وهذا هو السبيل لمعالجة ما قد يراه القارىء فى هذا البحث من ثغرات .

سواء ما كان منها من الأصل أو ما جاز استدراكه عند إعداد الطبعة العربية .

فقد ارتأيت ألا تكون هذه الطبعة بحثاً جديداً فى الموضوع , وإنما ترجمة ( مع إضافات طفيفة ) للبحث الأصلى الذى أفترض أنه يقدم صورة متكاملة عن الموضوع دون أن افترض فيه الكمال .

خاصة وأن المادة التى أتيحت لإعداده قد تأثرت ولاشك بالمكان والزمان اللذين أعد فيهما البحث .

على أن هذا لا ينكر على حق الإدعاء بأن هذا البحث قد أضنانى على عدة مستويات لا أجد حرجاً فى التصريح للقارىء بأهمها ليتفهم السياق الذى تم فيه هذا العمل .

فمن ناحية أولى أجرى هذا البحث بالتوازى مع السعى لتدبير لقمة العيش ومصاريف الدراسة المرتفعة بالنسبة لدارس اختار طريق الاعتماد على نفسه بالكامل دون الوقوع فى هوة الارتزاق باسم النضال السياسى التى اختار أن يقع فيها بعض من كان حوله ممن سبق لهم مثله الانخراط فى معمعان النضال السياسى فى مصر ولذلك تم تمويل هذا العمل من جهد الاشتغال فى المطاعم والمصانع والمستشفيات قبل أن يتسنى لصاحبه العمل فى مجال تخصصه .

ومن ناحية ثانية فقد ساعد الباحث على إنجازه لهذا البحث توافر حس الاقتراب من موضوع البحث بحكم مشاركته الفعلية فى مرحلة من مراحل النشاط الطلابى .

لكن الحد الآخر لهذا السلاح كان هو احتمال تحزبه ككاتب للطريق السياسى الذى انتمى إليه فى خضم النشاط , ألاوهو اليسار الطلابى والحركة الإشتراكية العامة فى المجتمع .

لكن الباحث قد اختار بدلاً من ذلك قبول تحدى الكتابة الموضوعية للتاريخ السياسى بأكبر قدر من الأمانة والدقة وبأقل قدر من العواطف المتحيزة .

ولم تكن تلك بالمهمة السهلة فى ظل ما اعتدنا عليه فى بلدنا من تحيزات صارخة عند كتابة تاريخ الفرق السياسية المختلفة والذى تحول إلى مباراة بين الملائكة والشياطين تهدر إمكانيات الكتابة الموضوعية للتاريخ الوطنى وتضرب بمنهج العلم عرض الحائط .

ولم يزل هذا أحد الهموم التى يعانيها كاتب هذه السطور والتى حاول عمل شىء بخصوصها من خلال تنظيمه لندوة " الالتزام والموضوعية فى كتابة تاريخ مصر المعاصر " ( القاهرة 31\8 – 3\9\1987 ) وتحريره لأعمالها فى كتاب : " تاريخ مصر بين المنهج العلمى والصراع الحزبى " , دار شهدى , القاهرة , 1988 .

ولكى أحرر نفسى من تهمة التحيز على المستوى الشكلى , ولكى أحرر القراء من ممارسة التحيز بأنفسهم , ارتأيت أن يصدر هذا الكتاب عن دار نشر عادية بدلاً من صدوره ضمن سلسلة " كتاب الأهالى " حسبما كانت الفكرة أصلاً , لكن يبقى هنا أن أشكر الأستاذ صلاح عيسى الذى بادر بالفكرة مما عجل بقيام الأساتذة إكرام يوسف بترجمة الكتاب فى ظل ظرف إنسانى عصيب .

ويبقى أخيراً أن أكرر شكرى لكل من كان له ذرة من الفضل على هذا العمل وصاحبه .

وأخص بالذكر أهلى وأصدقائى فى حى عين الصيرة بمصر القديمة الذين سيتسنى لهم الآن قراءة الإهداء الذى كتبته لهم على البعد فى الطبعة الإنجليزية , كما أترحم على روح أخى الدكتور عبد الحميد العليمى سعد الله الذى أهدى من خلاله هذا العمل لكل المناضلين والجنود المجهولين الذين صنعوا هذا التاريخ فجعلوا كتابته ممكنة .

وأخص بالذكر ذلك النفر من القيادات الطلابية الذين رحلوا عن عالمنا وهم بعد فى ريعان العمر أو الذين بقيت أسماؤهم رموزاً للنشاط الطلابى وهم متقدمون فى العمر .

وأذكر من هؤلاء الراحلين فى السنوات الأخيرة فاطمة الشافعي وأسامة شلبي ومصطفى موسى وعبد الرؤوف أبو علم وسيد البكار وهشام داوود وصفائي الميرغني وأحمد عبد التواب وأحمد عبد اللطيف وفؤاد محيي الدين وماجد إدريس ومحمد بلال ومحمد فريد زعلوك .

وأمل فى النهاية أن تجد الأجيال الراهنة والمقبلة من الطلاب , والمناضلين الطلابين من كل الفرق السياسية , شيئاً من العلم والاعتبار فى هذا العمل لعلها تهتدى بهما فى صناعتها للمستقبل أو التاريخ القادم .

فالتاريخ هداية .. ودون ذلك لا لزوم لصنعه أو كتابته !

أحمد عبد الله

مقدمة المترجم

اعتذار .. وشكر .. وإهداء

عندما سمعت عن صدور الطبعة الإنجليزية من هذا الكتاب , تمنيت لو أتيح لى شرف ترجمة هذا العمل الرائع الذى يعد أول محاولة جادة من نوعها تتعرض لمثل تلك الحقبة الطويلة من تاريخ الحركة الطلابية المصرية بأكبر قدر من الموضوعية و الأمانة .. إلا أن زوجى طالبنى بألا أتمادى فى التمنى , فربما كان مؤلفه قد أعد نسخة عربية بسبيلها إلى النشر .

وعندما سمحت الفرصة لتحقيق أمنيتى فاقت فرحة زوجى بتحقيقها فرحتى ذاتها , وفاق تشجيعه لى كل الحدود .. إلا أن الفرصة لم تكتمل فإذا به يرحل عنا مبكراً فى بداية عملى بهذا الكتاب .. وكانت الصدمة المروعة أقسى من قدرتى على الاحتمال .. فأخرت وصول الطبعة العربية إليك أيها القارىء الكريم , قرابة العام .. فألتمس منك العذر .

وأثناء إعداد الكتاب للنشر فوجئت بالدكتور أحمد عبد الله يهدى الطبعة العربية إلى روح زوجى ـ عبد الحميد العليمي , أحد قادة الحركة الطلابية بكلية الطب البيطرى بجامعة القاهرة ـ فكانت لفتة رقيقة .. رقيقة , لا تصدر عن نفس نبيلة .. أسرتنى بحيث عجزت كل كلمات الشكر عن التعبير عن امتنانى .

.. وإليه .. الرفيق والزوج , الذى رحل قبل أن يرى ثمرة تشجيعه بخروج هذه الترجمة إلى النور .. أهديها .. حباً وعرفاناً .. وعهداً على الوفاء لكل ما آمنا به سوياً معا .

إكرام يوسف


القسم الأول: (1923 ـ 1952 )

(1) مصر ما بعد الإستقلال

النظام السياسى

أ ـ الإنجليز :

فى فبراير 1922 اضطرت بريطانيا إلى الإعلان عن اعترافها بمصر مملكة دستورية مستقلة , كنتيجة مباشرة لثورة 1919 .

ورغم هذا الإعلان , احتفظت بريطانيا بالامتيازات الأربعة المعروفة وهى الدفاع , وتأمين وسائل المواصلات الامبراطورية , واستمر العمل بنظام الامتيازات الأجنبية التى يستثنى الأجانب فى مصر والسودان بمقتضاها من دفع الضرائب ويحق لهم التقاضى أمام المحاكم الخاصة بهم , ووضعها فى السودان .

ونظراً لهذه القيود , اعتبر العديد من المواطنين أن تصريح فبراير قد منح مصر اسقلالا إسمياً فقط , بل وأعتبره البعض " مهزلة قانونية .. لقمة ألقيت إليهم لإسكاتهم " .

(1) وفشل هذا " التصريح " بكل المقاييس فى تحقيق مطلب ثورة 1919 وهو الاستقلال التام , حيث سمح للمؤسسات النيابية المصرية بقدر من المشاركة فقط فى الحكم مع السلطات البريطانية .

وبينما اعتبر البريطانيون التصريح وسيلة لتعزيز وضعهم المهدد فى مصر , رأت أول حكومة دستورية للبلاد بزعامة سعد زغلول , أن التسوية الجديدة مجرد خطوة أولى فى اتجاه الاستقلال التام .

وقد أدى هذان التفسيران المتباعدان إلى أن اتضح أن " الاستقلال الإسمى " ما هو إلا إستقرا مهزوز , كما أنه مثير للمزيد من النزاع .

فمن الناحية العملية , زاد الوضع الجديد من متاعب البريطانيين بدلاً أن ينهيها : حيث قدم للمصريين الحجة لإتهام تصرفات بريطانيا للدفاع عن مصالحها في مصر , بأنها تمثل تدخلاً صريحا في شئون دولة مستقلة.

واستمرت بريطانيا في استخدام الضغط الدبلوماسي الشديد للتأثير في جميع مناحي صنع القرار السياسي في مصر .

كما لم تتردد في استدعاء القوة العسكرية لفرض إرادتها علي حكومة البلاد التي من المفترض أنها مستقلة .

ففي الفترة ما بين تصريح فبراير 1992 , ومعاهدة 1926 , كادت بريطانيا أن تعيد استخدام القوة العسكرية في ثلاث مناسبات: عقب اغتيال سردار الجيش المصري في السودان السيرلي ستاك في نوفمبر 1924 , وإبان تمصير المواقع القيادية في الجيش المصري في مايو 1927 , بسبب مشروع القانون المفرط في الليبرالية بشأن الإجتماعات العامة , والذي قدم الي البرلمان المصري في مارس 1928 .

ولهذا لم يكن غريبا أن يقول سعد باشا زغلول , زعيم الحركة الوطنية المصرية , بعد سنوات قليلة من إعلان الاستقلال : "كانت غلطتنا أننا صدقنا أننا مستقلون ".

(2)وقد اتخذ الاستقلال المصري الإسمي شكل النظام الملكي الدستوري , حيث كان القطبان الرئيسيان لنظام السياسي هما القصر من ناحية , وحزب الوفد ـ قلب الحركة الوطنية ـ من ناحية أخرى .

وقد استضاف استمرار النفوذ البريطانى عنصراً ثالثاً , فكان الصراع على السلطة بين هذه العناصر الثلاثة هو الذى شكل الحياة السياسية المصرية على مدى ثلاثين عاماً .

ومن داخل هذا الإطار , واصلت القوى الوطنية نضالها لتحويل الاستقلال الإسمي لمصر إلى استقلال حقيقى , بينما استمرت رغبة بريطانيا فى إسباغ صفة الشرعية على وجودها فى مصر .

إلا أن جميع المفاوضات المتوالية حول هذه القضية فيما بين أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات قد فشلت .

ومع صعود الفاشية فى أوربا , واشتداد حدة الحركة الوطنية فى مصر , أصبحت رغبة إنجلترا أكثر إلحاحاً فى إنهاء هذه القضية على نحو مستقر .

(3) وهكذا أخرجت معاهدة 1936 إلى الوجود . واعتبرت المعاهدة بمثابة نجاح كبير للدوبلوماسية البريطانية , حيث أوجدت بريطانيا ـ بعد أربعة وخمسين عاماً ـ سنداً شرعياً لاحتلالها مصر .

وبرغم المزايا التى حققتها المعاهدة للجانب المصرى ( إلغاء نظام الامتيازات الأجنبية , إقامة جيش مستقل , الانضمام لعضوية عصبة الأمم , وهلم جرا ) .

إلا أن الشعور بين الوطنيين المصريين كان متضارباً بدرجة ما , لأن المعاهدة سمحت باستمرار وجود عسكرى بريطانى فى مصر .

ومن ثم انتقل الاستقلال الإسمى ليصبح أقرب فى الممارسة الفعلية إلى الاستقلال الجزئى .

وكما حدث مع تصريح 1922 اعتبر الوطنيون المصريون معاهدة 1936 بمثابة خطوة أخرى على طريق الاستقلال التام .

إلا أن المعاهدة لم تغير من وضع النظام السياسى الثلاثى الأركان تغييراً جوهرياً فاستمر البريطانيون فى أداء الدور الذى كانوا يلعبونه منذ تولى أول حكومة دستورية الحكم فى 1924 , وهو حفظ التوازن بين الأغلبية الوفدية , وبين النزعة التسلطية للقصر .

وبرغم أن الوفد كان يهدف لإقرارالحياة الدستورية فى البلاد من خلال تحييد البريطانيين , وبالتالى تقييد أوتوقراطية القصر , إلا أن المعاهدة لم تعينه على تحقيق ذلك الهدف وظلت بريطانيا هى القوة الرئيسية فى النظام السياسى , حيث انحازت للوفد فى الشئون الخارجية , فقد كان يمثل لها ـ بحكومته المستقرة ـ شريكاً يعول عليه بدرجة أكبر , أما فى المسائل الداخلية فقد فضلت القصر , أملاً فى أن تعرقل بذلك السياسة الشعبية للوفد , وأن تتجنب إغضاب القصر .

وهكذا استقر فى اقتناع السياسيين المصريين ـ قبل وبعد معاهدة 1936 ـ أن هناك ثلاثة ثوابت فى السياسة البريطانية إزاء مصر : أولها : أن بريطانيا تساند القصر , وثانيها : أن التزام بريطانيا فى الأساس هو الدفاع عن مصالحها الخاصة , وأى اهتمام بمصالح مصرية كان يحدث بصورة عرضية محضة , وثالثها : أنه لا تبقى أى وزارة مصرية بالحكم إلا للمدة التى يسمح بها المندوب السامى البريطانى .

أو ـ فيما بعد ـ السفير البريطانى . ومن ثم تيقن السياسيون المصريون على إختلاف مشاربهم من نفوذ السفارة البريطانية فى القاهرة .

وقد لعب سيرمليز لامبسون ـ لورد كيليرن فيما بعد ـ دور ملك مصر الفعلى غير المتوج , فلم يشعر الملك فاروق أنه ملك حقاً إلا حين غادر لامبسون مصر فى 1946 بعد أن استمرت خدمته قرابة إثنى عشر عاماً .

وبرغم كراهية المواطنين المصريين العاديين للوجود البريطانى فى بلدهم , إلا إنهم اضطروا على مضض لتقبل التدخل البريطانى فى الشئون المصرية عندما كان ذلك هو البديل الوحيد أمامهم لكبح النزعة الأوتوقراطية للقصر , وإستعادة الحكم الدستورى , كما حدث فى 1926 و 1934 و 1942 .

(4) وعندما مكنت الدبابات البريطانية الوفد من تولى الحكم الدستورى فى 4 فبراير 1942 , كانت هناك جماهير مصرية تحيى لامبسون وتتمنى له طول البقاء , بل وتحمله على الأكتاف .

وأثناء الحرب العالمية الثانية , كان للبريطانيين الكلمة الأخيرة فى شئون مصر الاقتصادية والسياسية , حتى أنهم فكروا ـ إبان انسحابهم أمام هجوم روميل ـ فى إغراق دلتا النيل , إذا لزم الأمر , لوقف تقدم الألمان .

(5) وكانت مساهمة مصر فى المجهود الحربى إلى جانب الحلفاء ضخمة , لذا فقد توقع كثير من المصريين أن تعرب بريطانيا عن عرفانها بسحب قواتها العسكرية من مصر , ومن ثم تضع اللمسات الأخيرة فى إستقلال البلاد .

وفى 14 يونيو 1945 , أرسل الكابتن ج.س ملى تقريراُ عن رد فعل الجمهور الذى شاهد إستعراض القوات البريطانية احتفالا بيوم ميلاد ملك بريطانيا , جاء فيه :

_ كان هناك قدر كبير من المشاعر المعادية للإنجليز بين الجمهور .

_ فوجىء المصريون بأنه لاتزال قوات كثيرة لهذا الحد باقية بمصر .

_ وصل إلى أسماعنا إعراب العديد من المتفرجين عن أملهم فى أن يكون ذلك آخر استعراض عسكرى للبريطانيين .

_ تضمنت التعليقات التى تصادف سماعها : " سنفعل بهم مثلما فعل السوريون بالفرنسيين ".

_ تضمنت تعليقات المواطنين غير المتعلمين : " لم لا يوجد علم مصرى ؟ لماذا نسمح لهم بذلك ؟ .. إنه بلدنا ".

_ علق المصريون الأوفر حظاً من التعليم : " يستطيعون الاحتفال بيوم ميلاد ملكهم فى بلادهم " , " لماذا بقيت كل هذه القوات بمصر , بينما انتهت الحرب فى أوروبا ؟ " , " إن اليوم الذى سننال فيه استقلالنا الحقيقى ليس ببعيد . "

_ قال شابان من الطلاب إن الاستعراض قد نظم بغية ارهاب المصريين .

(7) أما تعليق اللورد " كيليرن " فإنه يصفح عن نفسه : " لم تسمع كلمة عرفان واحدة بشأن الدورالذى لعبته القوات البريطانية عموماً, والقوات المشاركة فى الاستعراض على وجه الخصوص , لحماية مصر من الفناء على أيدى رومل و موسولينى " .

(8) وهكذا استمر البريطانيون فى تجاهلهم لمطالب الوطنيين المصريين . حتى ألغت حكومة الوفد معاهدة 1936 من طرف واحد فى أكتوبر 1951 .

واندلعت هجمات الفدائيين ضد القوات البريطانية فى منطقة قناة السويس , ممهدة الطريق لاستيلاء الجيش على السلطة فى يوليو 1952 , الأمر الذى هدم النظام السياسى الذى كان البريطانيون يعملون من خلاله .

ب ـ الملك :

كان العاهل المصرى فى السنوات القليلة الأولى من الحكم الدستورى , هو الملك فؤاد .

وقد نشأ فى بيئة استبدائية , كما كان شديد الاعجاب بالميكافيلية .

حانقاً على دستور 1923 , واثقاًمن أنه أولى البريطانيون لما كان هناك دستور .

وقد قال لأحد خلصائه إبان صياغة الدستور إنه إذا كان المقصود أن يكون هذا الدستور " بلشفيا " فإنه سيطالب بكل السلطات لينين .

أما إذا كان المقصود أن يكون "ديموقراطياً " فسيطالب بكل سلطات الرئيس الأمريكى .

(9) وقد خول دستور 1923 الملك سلطات واسعة للغاية , فله الحق المطلق فى حل البرلمان وإقالة الوزارة , وإصدار العفو العام , وإلغاء وإرجاء تنفيذ أحكام الإعدام , وكذلك حق تعيين ضباط الجيش , والدبلوماسيين وشيخ الأزهر , وخمسى (2\5) أعضاء مجلس الشورى النواب .

ولم يتردد فؤاد فى استخدام هذه السلطات لأقصى مدى . كما شجع مؤيديه على إنشاء أحزاب سياسية ملكية ( فى 1925 أنشىء حزب الإتحاد , ثم حزب الشعب فى 1930 ) . وقد استمرت سلطاته طيلة بقائه فى منصبه , الأمر الذى أقره كل من البريطانيين والوفد .

وحاول فؤاد مراراً تحويل البرلمان إلى مجرد جهاز استشارى , ولم تكن الوزارات فى عهده تسقط بسبب إقتراع على سحب الثقة , أو لخروجها عن حدود مهامها , بل كانت تقال وفقاً لإرادة ملكية , كما لم تكمل البرلمانات أبداً مدة الأربع سنوات التى تستغرقها الدورة الكاملة , وإنما كانت تحل بطريقة واحدة لا تتغير .. بمرسوم ملكى ! وبلغ متوسط عمر الوزارة ثمانية عشر شهراً , بينما انعقد البرلمان فى فترة عشر سنوات من 1926 ـ 1936 لمدة تبلغ إجمالاً أثنين وعشرين شهراً فقط . وبالإضافة لذلك , كان الملك فؤاد معروفاً بضعف شخصيته (10) , كما كان مشهوراً بالفساد.

(11) وعندما توفى فؤاد فى إبريل 1936 , اعتلى إبنه فاروق العرش فى يوليو 1936 , بعد أن ظل فترة وجيزة تحت ولاية مجلس الوصاية .

واستمر نمط النظام السياسى الذى كان قائماً تحت حكم فؤاد باقياً فى ظل الملك الجديد . وقد أسر أحمد حسنين باشا ـ الرئيس القوى للديوان الملكى ـ إلى صديق له من الصحفيين : " قل لأصحابك الوفديين إنه إذا اضطر مولانا أن يقيل الوزارة مرة واحدة أو يحل البرلمان مرة واحدة , فإنه سوف يستحلى الحكاية .. فنصيحتى أن يمشوا معه بالذوق واللين .. وعليهم أن يقدروا مركزه وشعوره بأنه لايزال غلاماً , وأن أقاربه الأمراء سيسخرون منه إذا أظهر ضعفاً أمام الوفديين ... وعندما يسير فى طريق أبيه فإنه سوف يندفع فيها إلى نهاية الشوط لأنه شاب وعنيد ومعتز بحب الشعب له " .

(12) وأرجع العديد من المعلقين سياسات فاروق إلى ولعه بالملذات فى حياته الخاصة , وفرضه لإرادته بصورة استبدادية فى الحياة العامة .

ووفقاً لما قاله أحد وزراء تلك القترة كان فاروق " ضحية للمرض .. وضحية الخلاف العائلى وضحية والد لا يحب المصريين , وضحية تنصيبة وهو فى طراوة الصبا وضحالة التعليم , وضحية مستشاريه , وكذلك اعتلاؤه العرش فى سن صغيرة " .

(13) إلا أن هذا يعد حكماً جزئياً بالضرورة , إذ أن المسئولية الأساسية تقع بوضوح على النظام السياسى الذى أطلق العنان لمثل هذه الانحرافات .

فبينما حسمت معاهدة 1936 قضية العلاقات الإنجليزية المصرية لفترة قصيرة , اشتد الصراع الداخلى على السلطة بين القصر والوفد حيث دعم الملك شعبيته بإظهار نفسه بمظهر الملك الورع , والملىء بالحيوية .

كما خطط لاستجلاب تأييد شيوخ الأزهر , ورجال السياسة من المستقلين الأقوياء أمثال على ماهر باشا , والجماعات الناشئة من خارج البرلمان مثل مصر الفتاة والإخوان المسلمين .

فعزز بذلك مركزه بالنسبة للوفد , وجعل نفسه ـ كما كان يعتقد ـ أقل اعتماداً على البريطانيين مما كان والده عليه .

وفى الفترة الأولى من الحرب العالمية الثانية أظهر ميلاً تجاه المحور , مما أثار حنق البريطانيين .

وفى فبراير 1942 حاصرت الدبابات البريطانية القصر الملكى , وأجبر فاروق على أن يأمر بتشكيل حكومة وفدية , الأمر الذى دعم من شعبيته كمركز للمقاومة الوطنية .

وفعل فاروق كل ما فى وسعه لتوطيد مركزه وتفويض مركز الوفد . وقد بدأ ذلك بتعيين أحد خصوم الوفد ـ على باشا ماهر ـ رئيساً للديوان الملكى .

فحول على ماهر الصراع بين القصر والوفد من لغة المذكرات والمقالات , إلى لغة المظاهرات ومصادمات الشوارع بين مؤيدى المعسكرين .

وقد شهد عهد فاروق ـ الذى استمر خمسة عشر عاماً ـ أربعاً وعشرين وزارة (14) , وتوسع الملك فى ضم الساسة غير الحزبيين , المعروفين باسم المستقلين , إلى الوزارات التى كان معظمها أداة طيعة فى يد القصر .

كما أحكم قبضته على الأزهر ووجد من بين علمائه , من هم على استعداد لتقديم التبريرات الدينية لتصرفاته .

وكذلك تدخل فى الانتخابات بشكل مباشر , وسمح لمؤيديه برفع شعارات انتخابية من نوعية : " انتخبوا مرشح القصر " و " لاتنتخبوا فلانا .. فملكنا المحبوب غاضب عليه " .

ولم يتردد الملك فى إقاله وزارة الوفد , مقدماً تبريراً مثل : " لما كنت حريصاً على أن تحكم بلادى وزارة ديموقراطية تعمل للوطن وتطبق أحكام الدستور نصاً وروحاً وتسوى بين المصريين جميعاً فى الحقوق والواجبات وتقوم بتوفير الغذاء والكساء لطبقات الشعب فقد رأينا أن نقيلكم من منصبكم . "

(15) وعندما قابل الملك أعضاء إحدى اللجان مجلس شورى النواب , أبلغهم بصراحة بأنه : " ليس يكفى رضاء الأمة عنكم .. بل يجب أن يكون معه رضاء الملك كذلك " .

(16) وكان فاروق يستمتع للغاية ـ أيضاً ـ بالتدخل فى الحركة اليومية للسلطة التنفيذية إلى حد أنه اخترق الإدارات الحكومية من خلال عملاء كانوا يسربون إليه معلومات تفصيلية , وقد ورد فى شهادة كريم ثابت المستشار الصحفى للملك , أثناء محاكمته عقب سقوط العرش :

" الملك كان بيعرف كل شىء .. وكان بيستشار فى كل شىء .. ويطلب إذنه فى كل شىء فى عهد جميع الوزارات .. ماكانش فى عمل بيتعمل فى الحكومة إلا بعد استئذانه أياً كان هذا العمل .

مش بس إنشاء كوبرى أو مستودع أو غيرها من الأعمال الكبيرة إللى طبيعى أنه يعلم بيها , وإنما كان ترشيح مدير التنظيم كان بيعرض عليه , قنصل مصر فى ليفربول عاوز يوم إجازة عشان أمه عيانة .

حركة ترقيات البوليس بموافقته .. ترقيات الجيش بموافقته , تغيير الملابس الشتوية بالصيفية للجيش والبوليس . كيف كان يعرض عليه كل هذا ؟ رول مجلس الوزراء أيام الملك فؤاد كان بييجى إلى السراي قبل الجلسة بأيام وجرت العادة على هذا من سنة 24ـ 1952 وكان بيرفع رول مجلس الوزراء للملك يطلع عليه والمسألة إلى عاوز يأخرها يأخرها , وإللى عاوز ينظرها تنظر , وكان هذا بيحصل فى كل العهود , عهود الأغلبية وغير الأغلبية " !

(17) ووفقا لذلك , فإن الملكية المصرية كانت أبعد ما تكون عن الدستورية , فلم يحظ البرلمان أبدا بالثقل الكافي للقيام بدوره , أو حتي لمواجهة الملك.وبقي الجهاز التنفيذي مجرد ستار تمارس من خلفه قوي الديكتاتورية دورها فعليا.وكما قال محمد التابعي: " أمر كريم مكتوب بخط جميل علي ورق مصقول وممهور بإمضاء "سيد البلاد" فاروق يكفي لشل الدستور وتعطيل نصوصه لفظا ومبني ومعني وطرد الحكومة التي اختارها الشعب لغير ما سبب قوي سوي السبب الذي يفتي به رئيس الديوان علي هواه".

(18) وبالإضافة لذلك كان لدي القصر قواته البوليسية الخاصة والتي لم يكن لها مسوغ.

كما كان لديه جهاز سري بخلاف ما قرره للبرلمان من حراسة لأنشئ للقضاء علي أعداء القصر , عرف باسم الحرس الحديدي.

فليس من لمن يستغرب أن يفقد الملك في النهاية تأييد جهاز أمنه الأساسي – الجيش – ويصبح الهدف الرئيسي لصغار الضباط الذين استولوا علي السلطة في يوليو 1952 .

وقد بدأ البريطانيون أنفسهم يتابعون بقلق تجاوزات الملك. فقد ذكر اللورد كيليرن في تقرير له ما يلي:

(1) إما أنه يتعين عليه أن يذهب

(2) أو أنه يتعين لن تصبح قوانين البلاد محكمة بحيث تمارس رقابة حقيقية علي النزوات الملكية .. اذ إن مصر يحكمها شاب أرعن يتعين كبح جماحه ...

وقد أبلغت سموه, أن عليه أن يعلم أن هذا الموقف العصيب قد شغل أذهاننا باستمرار, الا أننا بصراحه لم نرغب في اثارة أي أزمات داخلية إضافية لمصر .

ومع ذلك, أستطيع أن أؤكد بثقة تامه , أنني قد احترت دوماً في الكيفية التي نستطيع أن نتعامل بها مع هذا الشاب غير المسئول ... في نفس الوقت أنه ليس من عاداتنا عبور جسورنا قبل أن نصل اليها .

كما أنه ليس بمقدوري التنبؤ مقدما بكيفية التصرف في حالة وقوع نزاع دستوري كبير .

الا أن شعوري الخاص , أنه وان كان من المستحسن نظريا أن نظل بعيدين عن السياسة الداخلية في مصر , وأن ندع الملك ورئيس وزرائه يتصارعان معا , الا أنني كلما فكرت مليا في هذا الامر , كلما بدا من الصعب بالنسبة لنا " عمليا " أن نفعل ذلك .

فعلي سبيل المثال , ماذا نفعل اذا ذهب النحاس باشا الي الملك , وأصر ( اذ أنه من الناحية الظاهرية له كل الحق في ان يصر كرئيس وزارة دستوري ) علي أن يلزم جلالته نفسه بحسن معاملة وزارة بلاده المنتخبة , وأيضا بالتصرف اللائق بمكانته كملك ( وأيضا كزعيم للمسلمين في مصر ) .(19)

ج – الوفد :

أنشئ الوفد ابان ذروة ثورة 1919 , ليمثل الامة المصرية في مطالباتها بالإستقلال .

لم يكن الوفد في بداية الامر حزبا سياسيا بالمعني الحرفي للكلمة .

(20) اذ قال زعيمه سعد باشا زغلول : " ان اولئك الذين يقولون اننا حزب يهدف للاستقلال , انما بلمحون الي أن هناك حزبا أخر من بين الشعب لا يهدف للاستقلال " .

(21)وقد أكدت عقيدة حزب لوفد علي أنه " الحارس الذي لايتبدل علي المصلحة العامه " .

كما تبدت رؤيتة لمصر المستقلة في مفاهيم ليبرالية مثل : مصر حيث يتحد الأقباط والمسلمون معا في رابطة الولاء الوطني المقدس , وحيث يكون الحكم دستوريا , وتحترم الحقوق الحرية الفردية , وتحرر المرأة , حيث يسود التعليم الوطني (22) الا ان هذه الرؤية لم تولد مع نشأة الوفد , ولكنها تشكلت تدريجيا علي مدي مسيرة نضاله .

(23)ولم يكن حزب الوفد الذي تولي الحكم في 1924 حزبا برلمانيا نموذجيا .

في أول برلمان سنة 1924 – حيث كان للوفد اغلبيه تقدر ب 195 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة 214 مقعدا ( نسبة أغلبية تزيد علي 90% ) – استخدام سعد زغلول أغلبيته لمنح صحفيي حزب الأحرار الدستوريين المعارضين من حضور جلسة افتتاح البرلمان , وبعد فترة قليلة سلب زعيمة مقعده البرلماني .

الا أنه فيما بين 1926 و 1928 أصبح الوفد أكثر رغبة في التعايش مع الاحزاب الأخري .

وقد ساعد علي تحويل الوفد الي حزب سياسي برلماني عدد من الخطوات العملية : أولاً , خاض الوفد انتخابات 1924 علي أساس دستور 1923 الذي صاغتة لجنة , لم يكن الحزب ممثلا فيها , وهي اللجنة التي أسماها سعد زغلول بانها " لجنة الأشقياء " .

(24) ثانيا , تولي سعد زغلول بنفسه رئاسة الوزارة بعد فوز الوفد في الانتخابات .

وقد أدي تولية المنصب – بدلا من أن يترك ذلك لأحد معاونيه – الي اعتدال مواقفه , اذ تحول من زعيم وطني الي رئيس حزب .

ثالثا , ضمت وزارة سعد زغلول الأولي عددا من الوزراء لم يكونوا وفديين و ولا مناضلين وطنيين .

وأخيرا , ادي اغتيال السير لي ستاك في السنة نفسها الي اسقاط وزارة سعد زغلول بشكل مهين تحت ضغط بريطاني , وشكل ذلك قوة دفع اضافية لتحويل الوفد الي حزب برلماني يصارع من أجل السلطة السياسية .

وباعتباره حزبا سياسيا , أصبح الوفد هو الحارس للدستور بحيث أصبح دستور " لجنة الأشقياء " هو دستور الامة الذي يدافع عنه الوفد .

ولم تعدل الاغلبية الوفدية في برلمانات تلك الفترة من الدستور نفسه , بل دافعت عنه كماه هو , وذلك باستثناء تعديل قانون الانتخابات لتوسع نطاق المشاركة فيها , هذا بالاضافة الي أن الاحترام الضئيل الذي أبداه القصر ازاء الحياة الدستورية , قد شجع الوفد علي تأكيد التزامه بالدستور .

والأكثر من ذلك , أن المسألة الدستورية قد شغلت اهتمام الوفد بما يفوق اهتمامه السابق بالعلاقات الانجليزية المصرية , فبدا ان حرمان الوفد من السلطة ,وسيلة فعالة لإجبارة علي عقد تسوية مع بريطانيا , وتحويل انتباهه الي المعارضة الداخلية .

ومع منتصف الثلاثنيات كان علي الوفد الذي اصبح منهكاً , أن يرضي نفسه بالقليل الذي يستطيع الحصول عليه من البريطانيين وهو ماحدث بالضبط في معاهدة 1936 , التي أسماها الوفد معاهدة " الشرف والاستقلال" .

وقد عبر سكرتيره العام مكرم عبيد باشا ,في حديث له أثناء حكومة صدقي التي ألغت دستور 1923 , عن السمه الجديدة للوفد بقوله :

" كيف تتخلص البلاد الأخرى من حكومة غير شعبية ؟ .. بالتصويت البرلمانى ؟ .. إن البرلمان فى مصر اليوم أداه فى يد الحكومة , ولا يضم ممثلين عن الشعب , لأن المعارضة لم تقوم بأى دور فى الانتخابات .

ما هو الطريق الآخر المفتوح أمام الأمة لتحقيق التغيير المطلوب فى الحكومة ؟ .. الثورة ؟ .. ولكن الثورة مستحيلة فى مصر مع وجود القوات البريطانية , حيث أنه وبدعوى حماية أرواح ومصالح الاجانب ستندفع هذه القوات لمساعدة الحكومة عند أول علامات المتاعب " .

(25) وقد لاحظ أحد معلقى تلك الفترة من الأجانب عجز الوفد منذ أوائل العهد الليبرالى عن قيادة جماهير مؤيديه لفرض الحكم الدستورى , فكتب يقول : " برغم أن الاغلبية العظمى من الناخبين استمرت على ولائها للوفد إلا أنه يبدوا أن المصريين بدأوا يسأمون اسلوب الإثارة الذى ظل قائماً لمدة عشر سنوات ... فليس بمقدور المدافعين عن الدستور الاعتماد على الانتفاضة الشعبية لإعادتهم إلى الحكم " . (26)

وإبان فترات حكم الوفد القليلة والتى بلغت إجمالا ست سنوات وشهرين وتسعة وعشرين يوماً فى غضون ثلاثين عاما من الديموقراطة البرلمانية لم يحترم الوفد مبادئه بشكل دائم .

فقد عرفت فى ظل حكمه بعض ظواهر الفساد والاختلاسات والمحسوبية . وعندما بدأ معارضوه فى اتباع أساليب شبه فاشيه فى الاثارة السياسية مثل تكوين فرق القمصان الخضراء لمصر الفتاة , وصدامات الشوارع مع مؤيدى الوفد والتى كانت تحت إشراف القصر , وما إلى ذلك ـ قابل الوفد تلك الاساليب بمثلها , فقام إبنشاء فرق القمصان الزرقاء التابعة له ( 1935 ـ 1938 ) (27)

كما أن وزارة الوفد التى حكمت البلاد فى غضون الفترة من 1942 إلى 1944مع رصد بعض الاساليب الديكتاتورية .

وبرغم أن ذلك النمط من الحكم قد أوجدته حالة الحرب , إلا أنه أضعف من صورة الوفد كممثل للأمة وحارس الدستور , بل إنه زاد من السخط العام على النظام السياسى ككل حيث أصبح هدف الوفد ـ بإعتباره حزباً ضمن أحزاب أخرى هو أن يحل محل منافسية كحزب الاغلبية , دون أن يعنى ذلك تغييراً جزرياً للنظام السياسى .

وكانت هناك اسباب متعددة لهذا التراجع فى مكانه الوفد .

إذ خفف توقيع معاهدة 1936 من إلحاح القضية الوطنية التى كان الوفد يتيتع بموقع الصدارة فى الدفاع عنها .

كما دفع إلى المقدمة المشكلات الداخلية للبلاد .

ومن ثم , اصبح من الطبيعى أن تعتمد شعبية الوفد بدرجة أكبر على قدرته على حكم البلاد بكفاءة , وعلى حل مشاكلها الداخلية بنجاح .

وبرغم أن الوفد كان يتمتع فى هذا الصدد بسجل أفضل من سجل معارضيه , إلا أن ذلك قد ظل بصفة عامة أحد المجالات التى فشل فيها الوفد , نظراً للمشكلات الاجتماعية الخطيرة التى كان معظم المصريين يواجهونها .

ومع ذلك فإن صعود الحركة الوطنية مرة أخرى قد أتاح للوفد الاحتفاظ بمركزة القيادى كما ضمن له ولاء الأغلبية الساحقة من المواطنيين .

ومن ناحية أخرى تكفلت مناصرة الحزب الحكم الدستورى بضمان قدر من الشعبية له إذا تمتع معظم المصريين بقدر أكبر من الحرية السياسية فى ظل حكم الوفد .

وقد لاحظ سير ولتر سمارت ـ من السفارة البريطانية بالقاهرة ـ أفول نجح الوفد بشكل عام , حيث ورد فى تقرير له : " عندما خرج الوفد من الحكم 1944, كان من المتفق عليه بشكل عام أن الأغلبية التى يتمتع بها فى البلاد قد نتافصت بدرجة كبيرة .

إلا أنه ـ ختى فى ذلك الحين ـ أثبتت التقديرلت أنه فى حالة إجراء انتخابات حرة تماماً , ربما أمكنه الاعتماد على أغلبية تبلغ 60 % (28) ومع ذلك , فقد حصل الوفد فى انتخابات يناير 1950 على 228 مقعدا برلمانيا من إجمالى 319 مقعد بنسبة حضور للناخبين بلغت 61% " (29) , وهى أعلى قليلا من الانتخابات السابقة ( 54% ) .

(30) وكان فشل الحكومات الاقلية حتى فى تحقيق مثل الانجازات المتواضعة التى انجزها الوفد عاملا مهما فى احتفاظ الوفد بأغلبيته كما كانت هجمات القصر على الحزب أكثر حزما فى هذا الصدد :

" أثبت قرارالقصر بإبعاد الحزب عن الحكم ,أنه كان فى حقيقة الامر نعمة بالنسبة للوفد حيث اتاح له ذلك فرصه التهرب من مسئولية حل مشكلات ما بعد الحرب فى مصر والتى لم يكن يقدرلها حلها دونما تغيير جزرى فى رؤيته " .

(31) ولم يكن الوفد باعتباره حزبا جيدا من حيث التنظيم .

إذ ظلت المجموعة البرلمانية , هى الرابطة الاساسية بين القيادة والجماهير التابعة لها ووفقا لما يرى صلاح عيسى : " كان الوفد راية فضفاضة ترفرف على زحام لاتعنى جيدا بتنظيمه ".

(32)بل إن بعض النقاد قد ارتأوا أن الوفد لم يكن حزبا بالمرة .

(33) ولكن آخرين اعتبروه نموذجا للحزب الشبيه بالمؤتمر , حيث العضوية الواسعة والتنظيم الهلامى .

(34)وكذلك فكانت التشكيلات القيادية للوفد تعين من قبل المستوى الأعلى للقيادة , بدلا من ان تنتخب بواسطة القواعد .

وقد أثر النهج الملتوى فى حل المسألة الوطنية , بالإضافة إلى اختلاف المصالح الاجتماعية , وتفاقم مشكلات مصر الاجتماعية والاقتصادية , على حزب الوفد بمختلف العناصر المكونة له , حيث عانى الحزب من الانشقاقات , فبداية من عام 1921\1922 انسحب من الحزب عدد من الشخصيات القيادية البارزة إبان المفاوضات مع بريطانيا , ليقيموا لأنفسهم حزب الأحرار الدستوريين , ومن ثم هيأوا الساحة لقيام التعددية الحزبية فى مصر .

كما نجحوا فى التوصل لاتفاق مع بريطانيا , ثم قاموا بصياغة دستور 1923 .

وبرغم أن تلك المجموعة قد تألفت من العناصر الأساسية للوفد الأصلى , الذى أصبح بعد ذلك نواة لحزب الوفد , إلا أن الغالبية الساحقة من المصريين قد اتبعت " وفد " سعد زغلول , حيث كان ينظر إلى الأحرار الدستوريين باعتبارهم مدافعين عن مصالح ملاك الأراضى , الذين تلقوا إنذار مما حدث من تخريب شامل إبان مشاركة الفلاحين فى ثورة 1919 .

وحدث انسحاب آخر فى 1937 , أدى إلى تشكيل حزب " حزب السعديين " , بقيادة زعماء وفديين سابقين يتمتعون بالشعبية , وترجع انتماءاتهم إلى طبقة رجال الأعمال فى المدن .

وقد حدث ذلك فى الوقت الذى كانت فيه مكانة الوفد كممثل للأمة كلها آخذة فى الاضمحلال , عقب توقيع معاهدة 1936 .

إلا أن السعديين أنفسهم عوضوا الوفد عن الضرر الذى ألحقوه بشعبيته , وذلك بتحالفهم مع القصر , وإجراءاتهم القمعية إثر توليهم الوزرة .

ولنفس السبب كان انسحاب " الكتلة الوفدية " فى 1942 1943 بقيادة السكرتير العام للوفد , مكرم عبيد باشا (35) , لا يمثل سوى تهديد محدود , ومع ذلك فقد كان له أثر نفسى خطير من حيث مصداقية الوفد فى نظر المواطنين , وذلك بسبب التفاصيل التى نشرها مكرم عبيد عن فساد الحزب فى " الكتاب الأسود " , وبصرف النظر عن مدى صحة إدعاءاته .

كانت هذه الانشقاقات فى الصفوف العليا للحزب , أقل أهمية بالقياس إلى تلك الانشقاقات التى أثرت على مؤيدى الوفد والمتعاطفين معه , من القطاع الأكثر فعالية سياسياً ألا وهو الطبقة المتوسطة من سكان المدن والمثقفين , الذين بدأوا فى إيجاد منابر جديدة للتعبير السياسى .

والثانى هو تزايد حدة الانقسامات داخل صفوف حزب الوفد نفسه .

فقرب نهاية الحرب العالمية الثانية , كانت العناصر الحزبية الأكثر فعالية قد بدأت تستقطب إلى تجمعات يمينية وأخرى يسارية , لكل منها رؤى مختلفة حول القضية الوطنية , والعلاقات مع القصر , والسياسة الاجتماعية والاقتصادية , وقد اضطر كل من المعسكرين إلى الوقوف بجانب بعضهما البعض نتيجة لسياسة القمع التى أعقبت إنتهاء الحرب .

وقد استمرت قوى اليمين فى السيطرة على قيادة الحزب ,(36) وفرضت على الشخصيات اليسارية البارزة مثل الدكتور محمد مندور , والدكتور عزيز فهمى أن تقبع فى المستوى الثانى للقيادة الحزبية .

وعندما تولى الوفد الحكم فى 1950 , كان الاستقطاب قد اكتمل بالفعل على صعيد كل من الحزب , والوزارة .

فكانت الوزارة تضم ثلاث مجموعات على الأقل , ولم تتردد هذه المجموعات فى الإعلان عما بينهما من خلافات سياسية وشخصية .

ومع عام 1950 كان الوفد قد أصبح تنظيماً متعدد العناصر إلى الحد الذى أصبح فيه لا يحمل ملامح كثيرة من ذلك الحزب الذى شكل حكومته الأولى فى 1924 .

وإستمرت الانقسامات الداخلية فيه حتى استيلاء الجيش على السلطة فى يوليو 1952 , حين اتضح عجز الحزب عن أن يقاوم حل النظام الجديد له .

كان القصر يمثل عقبة فى طريق محاولات الوفد إقامة حياة دستوريه مستقرة فى النظام السياسى المصرى .

بينما آمن الوفد ـ منذ بادىء الأمر ـ بسيادة الأمة , وهدف إلى إقامة نظام ملكى دستورى , الأمر الذى اصطدم بالنزعة الأوتوقراطية للملك فؤاد .

هذا , وقد تخيل الوفد أنه بدون التوصل لاتفاق مع الملك , أو المشاركة فى صياغة الدستور , يمكنه إرساء نمط من الحكم قد يزيد من احتمالات إقامة نظام ملكى دستورى .

فاصطدم الجانبان ببعضهما لأول مرة بصورة علنية فى 1924 , عندما نازعت حكومة سعد باشا زغلول الملك فؤاد سلطاته فى القضايا المخولة له مثل تعيين أعضاء مجلس شورى النواب , ومنح الأوسمة , وتعيين مستخدمى القصر , والاتصال بالدول الأجنبية والبعثات الدبلوماسية المصرية بالخارج , وأصرت الوزارة على أن كل تلك المهام من صميم عمل الحكومة .

وبعد التحكيم القانونى , وتهديد سعد زغلول بالاستقالة , اضطر فؤاد للتنازل , إلا إنه استعاد نفوذه مباشرة عقب خروج وزارة سعد فى نفس السنة .

وحاول الوفد بزعامة النحاس باشا أن يخوض الصراع من خلال إعداد مشروعات القوانين البرلمانية التى تمنع الملك من انتهاك الدستور .

ومع ذلك لم تستطع حكومة الوفد إنجاز مثل هذه المشروعات فى شكلها النهائى .

واختارت القيادة الوفدية ـ عملياً ـ تحقيق تسوية مع الملك . فكانت تعلن ولائها للعرش بينما تستمر فى الكفاح من أجل تقليص نفوذه .

(37) ولم تكن تتخيل إمكانية قيام نظام جمهورى فى مصر , إذ كانت تعتبر النظام الملكى من الأمور المسلم بيها .

(38) وظنت قيادات الوفد أن وفاة الملك فؤاد عام 1936 , قد تزيد من الفرص المتاحة أمامهم .

فلم يبذلوا جهد لحماية أنفسهم فى مواجهة الأوضاع الجديدة داخل القصر أثناء قترة الوصاية على العرش .

وقد أسر مكرم عبيد إلى أحمد حسنين , المسئول البارز بالقصر , أن الحزب قد وارى الماضى التراب بوفاة الملك فؤلد , وأنه يتطلع إلى فرص أفضل فى ظل حكم فاروق , وأن حكومة الوفد قد رفضت أقتراحاً برفع سن إعتلاء العرش من ثمانية عشر عاملً إلى خمسة وعشرين .

(39) ومع ذلك تحولت الظروف فى عهد فاروق إلى الأسوأ بالنسبة للوفد , وعانى مركز الحزب من اضمحلال مأساوى , إذ كان الملك الشباب المللىء بالحيوية يتمتع بقدر من الشعبية فى الفترة الأولى من عهده , ونجح فى إضعاف مركز الوفد بحيث أصبح النحاس باشا فى الثلاثينيات عاجزاً عن تحدى سلطة الملك كما كان يفعل عند سعد زغلول فى العشرينيات , وظلت كل من سلطات الملك الدستورية , وميوله الأوتوقراطية ثابتة , فيما عدا تلك الأحيان التى كان البريطانيون فيها يرغبون فى تقييد سلطاته وممارسة نفوذهم .

وفشلت حكومة الوفد التى فرضها الإنجليز عام 1942 فى انتهاز الفرصة للقضاء على سلطات الملك , بل أنها اتخذت نحوه بالفعل اتجاها أقل عداء .

كما حرض القصر ـ فى هذه الفترة أيضا ـ مكرم عبيد على الانسحاب من الوفد . (40)

وفى 1944أبعد الوفد عن الحكم . وعاد إلى السلطة فى يناير 1950 , متطلعا إلى صد تيار انهيار النظام السياسى بعد سنوات من الحكم القمعى , والأزمات الاقتصادية والاغتيالات السياسية , وإزاء احتدام الكفاح الوطنى إثر هزيمة الجيش فى فلسطين .

وكانت مكانة الملك قد تضاءلت فى ذلك الحين إلى الحد الذى اضطر فيه إلى إقرار تسوية مع الوفد لإنقاذ عرشه المتداعى .

وبدلا من أن ينتهز الوفد الفرصة ليحرر نفسه من ربقة فاروق مرة واحدة وإلى الأبد , اتبع سياسة المصالحة مع القصر .

وكانت حجة الحزب فى هذا المسلك أنه كان ينوى إلغاء معاهدة 1936 , ومن ثم كان يرغب فى تحجيم أى معارضة محتملة من جانب الملك .

وكانت العملية ببساطة هى استمرار سيطرة الملك على الوفد , وإطلاق العنان له لإشباع نزواته كما كان الأمر من قبل , كما لم يؤد أسلوب المصالحة الوفدية مع الملك إلى تغيير مواز فى مسلك الأخير إزاء الوفد .

ويعتب سكرتير عام الوفد ـ فؤاد باشا سراج الدين فى ذلك الحين ـ هو المسئول عن اختيار هذه السياسة , حيث كان يعتقد أنه برغم أن ااتأييد الشعبى كان كافيا للوصول بالحزب إلى الحكم , إلا أن هذا التأييد لم يكن ليكفل بقاءه فى السلطة فى مواجهة معارضة الملك . وكان سراج الدين عرضة للانتقادات بشكل كبير بسبب تغاضيه عن تجاوزات الملك .

(41) كما قدمت حكومة الوفد تنازلا خطيرا ـ استجابة لضغط الملكى ـ ألا وهو اعداد سلسلة من القوانين المقيدة لحرية الصحف فى تغطية شئون القصر , وكان نائب وفدى قد تقدم باقتراح هذه القوانين , إلا إنه اضطر لسحبها إزاء ما أثارته من إستياء شعبى .

(42) وقد حدد محمد التابعى ـ وهو أحد المتعاطفين مع الوفد ـ مجال الخلاف بين الوفد والقصر فيما يلى : " كانت وزارة الوفد تعارض فاروق فى مسائل صغيرة بعناد بينما تتساهل فى أمور خطيرة ... فضعفت هيبتها وارتفع مقام القصر " .

(43) كما أوضح فؤاد سراج الدين بجلاء اتجاه الوفد على النحو التالى : " ليس من المفروض أن أية حكومة فى العالم تخاصم رئيس الدولة أو تسعى للخلاف مع رأس الدولة دون مبرر لمجرد إظهار العضلات أو الفتونة .. مش ممكن .. وإلافإن العمل لا يسير " .

(44) وكانت نتيجة استهانة الوفد بالإنتقاد الشعبى المتنامى للنظام الملكى سقوط الوفد نفسهمع سقوط النظام الملكى .

لقد كان انهيار التوازن المتأرجح بين القوى الثلاث الرئيسية فى النظام السياسى محتوما إن عاجلاً أو آجلاً .

فقد أوضحت الأوضاع أبان الحرب العالمية الثانية أن مصر لم تعد أقرب إلى الاسقلال مما كانت عليه فى أعقاب ثورة 1919 .

ولم يكن لدى المصريين أى تعاطف حقيقى مع أى الجانبين فى حرب ليس لهم فيها ناقة ولاجمل .

ولو اضطروا لتأييد أحدهما , فربما اختاروا الألمان , بأمل ضرب السيطرة البريطانية التى حولت استقلال بلادهم إلى صورة ممسوخة .

وعلى حد قول أحد السياسيين : " إننا شعب مستعبد .. فأين هى الوزارة التى تستطيع أن تودع الإنجليز وتستقبل الألمان ؟ وتقول للإنجليز وداعا يا أسيادى ثم تقول للألمان أهلاً وسهلاً يا أسيادى " .

(46) وبينما كان المحور والحلفاء يتقاتلون فى العلمين , كان المصريون يناقشون الخلاف بين النحاس باشا و مكرم عبيد , ويطلقون النكات على المتحاربين البريطانيين والألمان .

وكان نفوذ الإنجليز قد تجلى بوضوح تام فى حادث فبراير 1942 .

وبرغم أن ذلك الحادث قد فرضته ظروف الحرب , كما أنه تسبب فى تولية حكومة وفدية تحظى بالتأييد الشعبى , إلا أنه أصبح واضحاً فيما بعد الحرب أن الحادث قد ترك تأثيراً أكثر عمقا على مصداقية القوى الثلاث فى الساحة السياسية المصرية : -

" ففقد الوفد بريقه الوطنى , لأنه تولى الحكم على أسنة الرماح البريطانية , وفقد الملك اعتباره بخوضه للابتزاز البريطانى , كما خسر البريطانيون البقية الباقية من مصداقيتهم أمام المصريين , إذ أن الحدث قد أوضح أن الاستقلال الممنوح بموجب معاهدة 1936 , كان مجرد خديعة ".

(47) وفى السنوات التى تلت الحرب , كانت مصر تموج باضطراب سياسى عارم , حيث أدى إلى ظهور جماعات سياسية جديدة إلى احتدام الصراع السياسى .

فأنهت موجة من الاغتيالات السياسية حياة أثنين من رؤساء الوزارات , واضطرت وزارتان إلى الاستقالة نتيجة لعجزهما عن إقرار الأمن العام .

وحتى المدافعون المخلصون عن النظام السياسى بدأوا يفقدون ثقتهم فى جدواه .

وكانت وزارة الوفد الأخيرة قد استدعيت للقيام بدور المنقذ فى هذه الظروف , وللسيطرة على تزايد الاستياء الشعبى العارم , وعلى أمل أن تقوم بتهدئة الشعب بدلاً من أن تتزعمه , وفى ظل تلك الحكومة تفاقم كل من السخط الشعبى , وسوء التصرفات الملكية , وبقى الوفد وسطهما عاجزاً تماماً عن اتخاذ إجراءات واضحة لحل المشكلة .

ولم تود مصادرة الصحف والمجلات إلى خفض مستوى الإثارة الصحفية , كما منيت بالفشل محاولة وضع تشريع أكثر إحكاما لتنظيم الصحافة , بل إنه حتى القوانين القائمة كانت تنفذ دونما صرامة . وكانت الأحكام بالبراءة تصدر دائما لصالح المواطنين المتهمين بالعيب فى الذات الملكية .

وتحت الضغط الشعبى , ألغت حكومة الوفد معاهدة 1936 , معلنة بهذا استنفاد أساليب الحزب التقليدية فى النضال الوطنى , ومشروعية استخدام القوة ضد البريطانيين , الأمر الذى كان يعنى تقويض أساس النظام ذاته , وتلا ذلك مباشرة الهجمات الفدائية على القوات البريطانية فى منطقة قناة السويس .

وكانت الحكومة عاجزة عن منع هذه الهجمات أو السيطرة على أصدائها داخل الطبقة المتوسطة فى الريف والحضر بحيث فاقت آثار الحركة الفدائية توقعات سراج الدين الذى رأى فى السماح بها إقناعا للبريطانيين بأن " قاعدتهم فى القنال لا جدوى منها , مادامت مصر معادية لهم " .

(48) وبدأ الحكم يفقد سيطرته على سلاحيه الأخرين : البوليس , والجيش .

حيث تزايد السخط بين صفوف البوليس منذ استخدام الجيش لقمع إضراب رجال الشرطة المطالبين بزيادة رواتبهم فى إبريل 1948 .

وفى منطقة القناة إبان معاركها وجد رجال الشرطة أنفسهم أبطالا قوميين لأنهم كانوا يواجهون الإنجليز , فو حين كانوا فى القاهرة بقمع المظاهرات .

إلا أنهم مع ذلك , حظوا بقدر من التعاطف فى 26 يناير 1952 , عندما وقفوا إلى جانب المتظاهرين قبيل حريق القاهرة بساعات قليلة , إذ إنه فى الليلة السابقة كانت فرقة من زملائهم فى منطقة القناة قد حاصرتها القوات البريطانية داخل مقرها , وسقط من بينهم عدد من القتلى .

أما الجيش , الذى كان يعمل بصورة واضحة كدرع واق للنظام الملكى (49) , فقد تزايد شعوره بالسخط إثر هزيمته فى فلسطين , وفضيحة صفقة الأسلحة الفاسدة , التى كان الملك نفسه متورط فيها . وكان بعض الضباط الصغار قد شاركوا فى الكفاح المسلح بمنطقة القناة .

وكانت مجموعة سرية صغيرة ـ عرفت بإسم الضباط الأحرار ـ قد بدأت فى توسيع دائرة تأثيرها , ونجحت فى توزيع المنشورات فى مختلف أنحاء البلاد .

وكانت أولى حركاتهم المعلنة للتحدى , هى فرض مرشح القصر لرئاسة ناديهم , وانتخابهم للشخص الذى اختاروه بأنفسهم .

وإزاء عجز وزير الداخلية والدفاع عن إحكام قبضته على كل من البوليس والجيش , اقترح تشكيل قوة تتوسطها على مثال " الكاربنييرى " الإيطالية (50) [ وهى قوات ذات تسليح خفيف تحمل بنادق صغيرة ] .

إلا أن ذلك الاقتراح جاء متأخرا للغاية .

وقد كتب قادة المعارضة فى مذكرة مقدمة منهم إلى الملك ـ أثناء الحكومة الأخيرة للوفد ـ مايلى :

" يا صاحب الجلالة .. إن احتمال الشعب مهما يطل فهو لابد منته إلى حد . وإننا لنخشى أن تقوم فى البلاد فتنة لا تصيبن الذين ظلموا وحدهم , بل تتعرض فيها البلاد إلى إفلاس مالى وسياسى وخلقى , فتنتشر فيها المذاهب الهدامة , بعد أن مهدت لها آفة استغلال الحكم أسوأ تمهيد ... " (51) هذا , وقد اتضح أن لمخاوف هؤلاء الساسة ما يبررها , حيث استولى الضباط الأحرار على الحكم فى 23 يوليو 1952 .

بروز قوى جديدة

أدى ضعف النظام السياسى المصرى المطرد إلى تمهيد الطريق أمام بروز قوى سياسية جديدة تنشط فى الشارع وخارج نطاق البرلمان وكان نمو حجم ونفوذ الطبقة الوسطى ـ ذات الفعالية سياسيا ـ قد أوجد أرضية ملائمة لظهور هذه القوة الجديدة .

ويرجع تاريخ الدور السياسى الذى لعبته الطبقة الوسطى إلى قترة ثورة 1919 التى فتحت الطريق لإقامة نظام برلمانى ليبرالى فى مصر حيث لعب جناح الطبقة الوسطى فى المدينة من مثقفين ومهنين , مع جناحها الريفى من الأعيان , دوراً فعالاً فى الثورة , كما شكلا قياداتها المحلية فى مختلف المدن والمناطق الريفية .

وإلى حد كبير يرجع السبب فى قيام نظام لبرالى برلمانى فى مصر إلى وجود طبقة وسطى صغيرة ـ ولكنها ذات فعالية ـ تتبنى بقوة الأفكار الليبرالية , وقد راعى سعد زغلول هذه الطبقة عندما ضم إلى حكومة الشعب الأولى عام 1924 أثنين من الأفندية , هما واصف غالى ونجيب الغرابلى , وذلك لأول مرة فى تاريخ الوزارات المصرية وكانت قيادات حزب الوفد بالأقاليم ـ فى غضون الثلاثين عاماً للنظام الليبرالى ـ تخرج أساساً من هذه الطبقة , وإن لم تكن تحظى بتمثيل مناسب فى قيادته العليا .

كما كان الوفد يحظى بولاء معظم شرائح الطبقة الوسطى فى الريف والمدن : الأفنديات , والمهنين , وصغار البرجوازيين من الباعة والتجار , وأعيان الريف ذوى الثروات المتوسطة , وكذلك قطاع البرجوازية الصناعية والتجارية الناشئة .

ومن بين المحاولات الأولى للقضاء على ولاء الأفندية للوفد محاولة حكومة محمد محمود باشا التى أصدرت عام 1928 قرارات حكومية تحظر على موظفى الحكومة الاشتغال بالأنشطة السياسية .

وبرغم القاعدة الضيقة لقوة الطبقة الوسطى اقتصاديا , وكونها عموماً طبقة أصحاب الحرف الحرة أو الموظفين أكثر منها طبقة أصحاب الأعمال , فإن النفوذ السياسى لهذه الطبقة فى مصر قد عكس حقيقة أنها ـ وإن كانت قليلة من حيث العدد ـ قد مثلت أكبر تجمع مترابط ومتبلور فى المجتمع .

أضف لهذا أن موظفى الدولة ـ وهم أحد المكونات الأساسية للطبقة الوسطى كانوا قريبين من مركز السلطة على مستوى كل من الحكم المركزى والمحلى .

ودعم التوسع فى الصناعة المصرية إبان الحرب العالمية الثانية تطور الطبقة الوسطى فى المدن , وذلك بتوسيع قاعدة البرجوازية المحلية وزيادة أعداد الموظفين المكتبيين .

كما تزايد عدد رجال الدين , الذين يصنفون عادة بإعتبارهم من بين المهنيين , من 52400 فى 1937 إلى 53000 فقط فى 1947 ( بمقدار زيادة يبلغ 2,7% ) . (52) بما يؤكد أن اتساع حجم الجماعات المهنية كان بالأساس علمانى السمات .

وكانت للزيادة الهائلة فى عدد الكتاب والصحفيين أيضا أهمية سياسية كبيرة .

ومنذ الثلاثينيات دفعت أسباب متعددة بالأعداد المتزايدة من أبناء الطبقة الوسطى إلى التعبير عن سخطهم على النظام السياسى .

من ذلك الإفلاس المعنوى لنظام كان من المفترض أنه ديموقراطى , ولكنه كان فى الواقع مفرطا فى الديكتاتورية , حيث يعد نظام صدقي باشا القمعى ( 19301933 ) مثالا واضحا على ذلك .

وكذلك عجز النظام فعليا عن مواجهة الأزمة الاقتصادية فى الثلاثينيات , وتأثيرها الحاد على الطبقة الوسطى , ومن ثم انتشار البطالة بين المتعلمين .

وأيضا معاهدة " الشرف والاستقلال " فى 1936 , والتى قضى عليها حين فرض البريطانيون على البلاد حكومة من اختيارهم فى 1942 بالقوة , وكذلك خسائر مصر فى الحرب العالمية الثانية , والرفض البريطانى للاستجابة لآمال المصريين فى أعقابها , بالإضافة إلى أحوال البلاد المتردية اجتماعيا واقتصاديا , وهلم جرا .

وقد لاحظ أرنولد سميث , وهو عالم بريطانى كان يقوم بالتدريس فى مصر , مايلى : " فى غضون السنتين الأخيرتين , حيث كنت ألقى المحاضرات على طلبة السنتين الثالثة والرابعة فى الجامعة المصرية , كنت موقناً من وجود وعى متنام واسع الانتشار ـ بين شباب المتعلمين ـ بتخلف الوضع الاجتماعى والاقتصادى الحالى فى مصر , وبأن هذا التخلف ميئوس منه تقريباً .. فالطلاب , وشباب المهنيين , وصغار ضباط الجيش .. إلخ , يتزايد سخطهم على وضعهم الراهن ـ ومن ذا الذى لا يستطيع أن يلومهم ؟ " . (53)

وفى فترة قبيل الحرب العالمية الثانية , بدأ المناخ السياسى فى مصر يعيد إلى الأذهان مرة أخرى مناخ 1919 , من تزايد فعالية الطبقة الوسطى , ووجود تنظيمات من خارج البرلمان كانت تمثل فى الثلاثينيات تحدياً شكلياً للنظام فحسب , لكنها بدأت فى الأربعينيات تشكل تهديداً خطيراً له .

وكان المغزى السياسى المتوقع لتزايد أعداد المتعلمين من أبناء الطبقة الوسطى واضحا على النحو الذى لخصه تقرير لوزارة الخارجية البريطانية : " يبدو أن الأفندية ( وأعنى بهم مجمل خريجى المدارس والجامعات الشرقية من متعلمين وأنصاف متعلمين ) يتطورون بسرعة فى الواقع , بحيث يشكلون طبقة وسطى مهنية فى طريقها إلى أن تدعى لنفسها وصعاً متميزاً فى النظام الاجتماعى للعالم العربى , وأن تلعب دوراً متزايد الأهمية فى تشكيل المقدرات السياسية فى الشرق الأوسط ... ففى حقيقة الأمر ـ بسبب تعليمهم وانطلاقاً من خبرات من سبقوهم ـ فإنهم يتبنون إحساساً بالسخط يزيد من تعليمهم وانطلاقاً من خبرات من سبقوهم ـ فإنهم سوف يتبنون إحساساً بالسخط يزيد من حدته بلا شك إدراكهم المتزايد للتفاوت الاجتماعى فى المجتمع الذى يعيشون فيه , وحيث فرص الحصول على الناصب أو مجلات العمل المتاحة أمامهم فى هذا المجتمع مازات ضيقة للغاية , وليس من المستغرب فى مثل تلك الظروف أن يكون لدى السواد الأعظم من " الأفندية " شعور قوى بالظلم الاجتماعى ... إن مسألة الأهمية المتزايدة للأفندية , ودورهم المستقبلى المحتمل , يبدو أنها تستحق بالفعل دراسة متأنية ... " (54)

وقد اتجهت العناصر الساخطة ذات الفعالية السياسية من بين أبناء الطبقة الوسطى إلى التجمعات السياسية الناشئة خارج البرلمان , والتى شكل ثلاثة منها ( الإخوان المسلمون , مصر الفتاة, الحركة الشيوعية ) التحدى الرئيسى الذى واجهه النظام .

وكانت هذه التجمعات أيضاً هى التى أمدت الحركة الطلابية بعناصرها النشطة .

إلا أنه لم يكن لدى أى من القوى الجديدة التى ظهرت لتتحدى النظام الليبرالى المريض القوة المنفردة لتحويل الوضع السياسى لصالحها , لكن التأثير المشترك لتك القوى ـ بالرغم من انقساماتها ـ قد أدى إلى تقويض مصداقية ذلك النظام والتعجيل بإنهياره النهائى .

وفى السنوات الأخيرة من النظام الليبرالى , بدأ خصومه هؤلاء فى تحديد مدى أوسع من الاتفاق فيما بينهم حول المواقف العملية , الأمر الذى غطى على خلافاتهم الأيديولوجية إلى حد ما بحيث بدأ أعضاء التجمعات السياسية لهذه القوى الجديدة فى الدعوة لتشكيل جبهة وطنية .

إلا أنه لم تشكل فى الواقع مثل هذه الجبهة , بل أنه حتى لم تجر مناقشة جدية لأية صيغة تنظيمية مطروحة بوضوح من أجل تشكيلها .

ولايمكن لمثل هذه الجهود المحدودة أن تبرر القول بوجود مثل هذه الجبهة حسبما ذهب أنور عبد الملك , وغيره من الكتاب (55) لقد قدمت المنظمة الوحيدة التى ضمت معظم القوى الجديدة ـ أنصار السلام ـ (56) بعض الإسهامات فى مناقشة القضايا المحلية , إلا أن أهتمامها كان ينصب أساساً على القضايا الدولية , وليس المطالبة ببرنامج سياسى محلى يصلح أساساً لتكوين جبهة وطنية .

ولم تكن الخلافات الأيدولوجية هى العقبة الوحيدة فى طريق خلق مثل هذه الجبهة , بقدر ما كانت غياب حركة جماهيرية أو نقابية منظمة تشكل ضغطاً قاعدياً كافياً لإقامة الجبهة .

كذلك فإن القوى المرشحة لتكوينها لم تبد ميلاً كافياً للاستيلاء على السلطة .

وكان استمرار وجود حزب الوفد كقوة رئيسية فى النظام السياسى أحد العوامل الحاسمة المعوقة لتكوين الجبهة .

فلم تفشل التجمعات السياسية خارج البرلمان فى الاتفاق على سياسة موحدة تجاه الوفد فحسب , بل إن الواقع الفعلى يؤكد أن الوفد قد احتفظ إلى آخر لحظة بولاء غالبية المواطنين بالرغم من فتور حماسهم نحوه .

هذا الولاء الذى حال دون تفكير تلك التجمعات إلى التسابق إلى تأييد الوفد كلما كانت مسألة " السلطة السياسية " محل نزاع مباشر , مثلما حدث فى انتخابات يناير 1950 التى دفعت بالوفد إلى الحكم بأغلبية هائلة وقد تراجعت مكانة الوفد بصورة أبطأ مما حدث لمكونات النظام الأخرى ـ القصر وأحزاب الأقلية ـ حيث يرجع السبب فى ذلك جزئياً إلى أن أحزاب الأقلية ـ وليس الوفد هى التى تكلفت بقمع هذه التجمعات السياسية الجديدة نفسها .

وهكذا اتيح للوفد أن يتولى الحكم من خلال انتخابات برلمانية فى 1950 ولم تبذل أية محاولة لاستغلال الاضطراب المؤقت الذى حدث فى 26 يناير 1952 ـ يوم حرق القاهرة ـ فى الاستيلاء على السلطة .

ولم يكن لدى التجمعات الجديدة أية فرصة حقيقية للإطاحة بالنظام إلا من خلال صلتها بالقوات المسلحة عبر الضباط الأحرار , حيث كان هؤلاء الرجال الذين يحملون صفة " ضابط " نتاج خطوة مصر الثانية عن طريق الاستقلال ( فبعد توقيع معاهدة 1936 , تم توسيع فرص الالتحاق بالكلية الحربية بحيث تسمح بقبول أبناء الطبقة الوسطى ) .

أما اختيارهم لصفة " الأحرار " فقد كان دليلاً على استياء طبقتهم المتزايد من فشل بلدهم فى استكمال استقلالها وضمان استقرار الحكم فيها .

وكان حادث فبراير 1942 ـ على وجه الخصوص ـ قد جرح كبريائهم الوطنى والمهنى , وأدى إلى ابتعادهم عن الوفد .

كما أدت هزيمتهم فى فلسطين وفضيحة الأسلحة الفاسدة إلى ابتعادهم عن القصر .

وكان وعيهم السياسى " قد تعمق بفعل دعاية التجمعات السياسية الجديدة , التى كانت لهم بها فى بعض الحالات صلات تنظيمية مباشرة .

وبينما شارك الضباط الأحرار هذه التجمعات فى أفكارها الاجتماعية والسياسية العريضة , تميزوا عنها بكفاءتهم التنظيمية التى تمكنهم من التحرك كوحدة واحدة بالرغم من الخلافات السياسية بين صفوفهم .

(57) وبذلك يكون الضباط الأحرار قد نجحوا فى الاستيلاء على السلطة نيابة عن القوى السياسية الجديدة , لكنهم قد اختاروا فى نهاية الأمر الاحتفاظ بها لأنفسهم .

الهوامش

  • كافة الهوامش مترجمة عن الكتاب الإنجليزى . وهى أقل عدداً من الهوامش التفصيلية الواردة بالبحث الأصلى لرسالة الدكتوراه .

حيث قام محرر نشر الطبعة الإنجليزية بالتقليل من عدد الهوامش تسهيلاً على القارىء .

ولذلك تغيب هنا بعض الإحالات المرجعية .

وإن قام المؤلف بإضافة أسماء بعض المراجع الصادرة بعد نشر الطبعة الإنجليزية وحتى لحظة طبع هذه الطبعة العربية .

1- Afaf Lutfi al – Sayyid marsot, Egypts Liberal Experimen 19221936 ( Uiniversity CaliFornia Press

2- أحمد بهاء الدين , أيام لها تاريخ , الطبعة الثانية ( كتب للجميع القاهرة , 1959 ) ص 139 .

3- كان أحد القرارات التى فكرت فيها بريطانيا جدياً هو ضم مصر نهائياً إلى الامبراطورية البريطانية .

ووصف " أنتونى ايدن " ذلك بأنه " الحل الأساسى الوحيد " وذلك فى حديث دار بينه وبين " مايلز لامبسون " المعتمد البريطانى فى مصر .

وكان الرأى الأكثر حكمة للثانى هو التحرك ببطء ولكن باطراد فى محاولة لربط المصالح المادية للبلدين (( Marsot,P174

4- يونان لبيب رزق , تاريخ الوزارت المصرية .

( مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام , القاهرة 1975 ) , ص – 474 , 481 .

وعبد العظيم رمضان , تطور الحركة الوطنية فى مصر 1937 -1948 , ( الوطن العربى ـ بيروت , 1973 ) , الجزء الثانى ص206 .

5- محمد التابعى , من أسرار الساسة والسياسة مصر ما قبل الثورة ( كتاب الهلال , القاهرة , 1970 ) , ص 350 , 352 , ويشير التابعى إلى أن " موسولينى " كان قد خطط لموكبه الظافر فى الأسكندرية والقاهرة وحتى إعداد قائمة أول عشاء له فى فندق ميناهاوس بالقاهرة ! ( ص 368 – 369 ) .

6- وضعت هيئة المستشارين برئاسة مجلس الوزراء المصرى تقريراً بعنوان " خدمات مصر للحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية " فى 1947 كوثيقة يعرضها الوفد المصرى للأمم المتحدة بمناسبة عرض قضية مصر على مجلس الأمن .

ومن بين ما اشتملت عليه : سياسياً : أعلنت مصر الأحكام العرفية وقطعت علاقاتها مع دول المحور " وعسكرياً : أصبحت مصر قاعدة استراتيجية ومركزاً للعمليات والمناورات , وساعدت بريطانيا على إبقاء قناة السويس مفتوحة , وقام الجيش المصرى بأعمال المدفعية المضادة للطائرات وحماية السواحل والطرق والمخازن للحلفاء واستخدمت السفن المصرية لنقل الجنود البريطانيين .

وقامت بإعداد الخرائط والمساحة , وأخلت أحياء مدنية , وأنشأت 1000كم من خطوط السكة الحديد و351 خط " تليفونيا ورصف وإنشاء 1735 كم طرق برية .

وأجريت إصلاحات بالموانى التى استخدمها الحلفاء , والذين شغلوا الأرض والمبانى بالمجان أو بأجر زهيد , وتسلموا 597 فداناً من الأرض الزراعية و 639 من الصحراوية , وحوالى 17 مليون متر مربع داخل المدن .

ومن الناحية الاقتصادية : أعطى الحلفاء أولوية فى السلع بدءأ بالقمح , انتهاء ب 70% من إنتاج الأسمنت .

وتم التغاضى عن الشروط الصحية اللازمة لإنشاء مصانع تخدم الحلفاء أثناء الحرب .

وأهم الخدمات كانت بقاء مصر فى منطقة الاسترلينى واتباعها تريباتها أثناء الحرب , حيث كانت تسلم بريطانيا نصف ما تحصل عليه من عملات أجنبية غير استرلينية مقابل أذونات على الخزانة البريطانية .

كذلك حصلت على إعفاءات جمركية تبلغ حوالى 62 مليون جنيه من سبتمبر 1939 إلى ديسمبر 1945 .

أى مبلغ إجمالى خسائر مصر فى الحرب سواء نتيجة للغازات أو نتيجة لزيادة أعباء الميزانية 200 مليون جنيه مصرى تقريباً .

المصدر : عاصم الدسوقى , مصر فى الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945 , معهد البحوث والدراسات العربية , القاهرة 1976 , ص 345 – 350 .

7- The Kings Birthday Barade , . FO ( forign office ) 141 ,1063 ( 1945 ) Public Record Office, London . ( من ملفات دار المحفوظات البريطانية )

8- نفس المرجع .

9- عاصم الدسوقى , كبار ملاك الأراضى الزراعية ودورهم فى المجتمع المصرى 1914–1952 , دار الثقافة الجديدة , القاهرة , 1975 ص 248 .

10- ذكر اللورد لويد المندوب السامى البريطانى أن الملك فؤلد اعتاد أن يبكى أمامه كلما ذكره بواجباته كملك ( التابعى , من أسرار الساسة والسياسة , ص 127 – 128 ) .

انظر أيضا قصيدة بيرم التونسى الهجائية :

لما عدمنا الملوك

جابوك الانجليز يا فؤاد قعدوك

تمثل على العرش دور الملوك

وفين يلقوا مجرم نظيرك ودون .

11- ورث الملك فؤاد 80 فدان من الأراضى الزراعية عن والده , وعند وفاة فؤاد كانت قد زادت فبلغت 3900 فدان ( محمود زايد , من أحمد عرابى إلى جمال عبد الناصر ـ الحركة الوطنية المصرية الحديثة , الدار المتحدة للنشر , بيروت , 1973 , ص 40 )

12- التابعى ص 96 , 194 .

13- أحمد مرتضى المراغى , غرائب من عهد فاروق , دار النهار للنشر , بيروت 1976 , ص 6 , 35 – 42 .

14- يونان رزق ., تاريخ الوزارت المصرية , ص 383 – 527 .

15- محمد زكي عبد القادر , محنة الدستور , كتاب روزاليوسف , عدد 6 , القاهرة , 1955 , ص 125 .

16- عبد العظيم رمضان , الحركة الوطنية جزء1 ص 253 .

17- جمال سليم , البوليس السياسى يحكم مصر1910 -1952 , دار القاهرة للثقافة العربية , 1975 , ص 74

18- التابعى ص 200 .

19- FO 141,951 ( 1944) ,the Young Egypt Barty .

20- فؤاد سراج الدين , لماذا الحزب الجديد ؟ , دار الشروق , القاهرة , سبتمبر 1977 , ص 74.

21- Zaheer Masood Quraishi, Liberal Nationalism in Egypt – Rise and Fall of the Wafd Barty, (Kitab Mahal, Delhi, 1967 ) , P, 83 – 4.

22-Albert Houra, Arabic Though in the Liberal Age 1798 – 193 ( Oxford University press, London, 1962) , P. 221.

23- L . Cantori,The Organisational Basis of an Elite Political Party : The Egyptian Wafd, Unpublished ph.D dissertation , University of Chicago 1966, P. 220-1.

24- Marius Deeb, Party Politics in Egypt : the Wafd and its Rivals 19191939 ( I thaca Press, London,1979 ), P .326.

25- نفس المرجع .

26- P . Arminjon " L`Expe `rience Constitutionelle de L `Egypt`Revue de Paris, no. 3 (1929) , P . 597 . ورد فى George Kirt, The Corruption of the Wafd, Middle Eastern Affairs, ( Dec. 1963 ), P. 300.

27- FO141 , 543 ( 1936 ) , Students : Political Activities and Strikes : James p. Jankowski, The Egyption Blue Shirts and the Egyption Wafd 19351938 , Middle Eastern Studies, Vol. 6, no. 1 ( Jan. 1970 ) .

28- FO 141, 1007 ( 1946 ), "Political situation " .

29- M.F.el-Khatib, " The Working of Parliamentary Institutions in Egypt 19241952 ", Unpublished PhD dissertation, University of Edinburgh, 1954, P. 486, Table 1 .

30- نفس المرجع .

31- Quraishi, Liberal Nationalism. P. 158 .

32- صلاح عيسي , البرجوازية المصرية وأسلوب الفوضة , الطبعة الثانية , مطبوعات الثقافة الوطنية , القاهرة , 1980 , ص120.

33- عاصم الدسوقي , مصر فى الحرب العالمية الثانية , ص34 .

34-Deep, Party Politics …, Passim

35- كان مكرم عبيد باشا أبرز الأقباط فى حزب الوفد .

وعندما خرج خشى الوفد ـ الذى كان من المفترض أنه حزب علمانى ـ من أن يؤدى ذلك إلى ابتعاد الأقباط عنه , ومن ثم اختار قبطياً آخر ليخلفه كوزير للمالية ( رزق , تاريخ الوزارات المصرية ص 451 ) .

36- كان فؤاد باشا سراج الدين الذى جاء من أسرة ثرية من ملاك الأراضى , يعتبر زعيم الجناح اليمينى للحزب .

وقد انضم للوفد عام 1936 وسرعان ما أصبح سكرتيره العام فى 1942 ( انظر مايو 12 يونيه 1982 , وطارق البشري , الحركة السياسية فى مصر 1945– 1952 , الهيئة المصرية العامة للكتاب , القاهرة 1974 , ص 305 -356 ) .

وأيضا : محمد زكى عبد القادر , منحة الدستور , ص 163 – 164 و FO. 141 , 1433 ( 1901 ) Polictical Stuation انظر أيضا : لويس عوض , الأيدولوجية والليبرالية , المصور , 30 ديسمبر 1983 .

37- عاصم الدسوقى , مصر فى الحرب العالمية الثانية ص 111 ويرى رفعت السعيد أن مواجهة السراى كانت موقفاً للزعيم الوفدى مصطفى النحاس أكثر مما كانت موقفاً للحزب ككل حيث كان النحاس أكثر ليبرالية وأكثر تمسكاً بالحقوق الدستورية من بقية قيادات الوفد ( رفعت السعيد , [[تاريخ المنظمات اليسارية فى مصر1940 –1950]], دار الثقافة الجديدة , القاهرة , 1976 , ص 82 , إلا أنه يحكى أن النحاس باشا قد أقسم على المصحف على ولائه للملك أثناء لقاء معه فى 1941 ( التابعى , الساسة والسياسة , ص 224 ) .

38- Quraishi, Liberal Nationalism, P . 141. عندما قال العقاد أمام البرلمان عام 1930 أن المجلس على استعداد لسحق " أكبر رأس فى البلاد " دفاعاً عن الدستور , اعترض رئيس المجلس على لهجته , وأمر برفع هذه الكلمات من المضبطة .

وعندما ذكر أحمد ماهر , فى حديث له مع فتح الله بركات , أنه إذا اضطرت الظروف الوفد إلى مواجهة الملك فإن الوفد سيطالب بعزل الملك , , ووضع بركات يده على فم أحمد ماهر . ( Marsot, Liberal Experiment, p . 134 )

39- التابعى , الساسة والسياسة , ص 60 .

40- المرجع السابق , ص 261 – 267 .

عند بداية الخلاف اتهم النحاس باشا مكرم عبيد بأنه يتملق الملك فى " لهجة عبيد " وعندما قال مكرم عبيد إن النحاس نفسه يستخدم نفس اللهجة رد الآخر بأنه يستخدمها لكسب موافقة الملك على إجراءات معينة لصالح الأمة !

41- على سبيل المثال , اتهم سراج الدين بأنه تنازل أمام رغبة الملك فى الحصول على راتبه بالاسترلينى لعام كامل . كما وافق على صرف مليون جنيه من مخصصات الحكومة لإصلاح اليخت الخاص للملك . ( مايو , 1 يونيو 1981 ) .

42- شهدى عطية الشافعى , تطور الحركة الوطنية المصرية 1982 – 1956 , الطبعة الأولى , الدار المصرية للكتب , القاهرة , 1957 , ص111 وقد دافع سراج الدين حديثاً عن موقفه فى تلك الفترة , بالتأكيد على أن القوانين المقترحة كانت بمبادرة فردية من النائب المذكور وأنها لم تلق موافقة الوفد , كما ضرب أمثلة مختلفة تتعلق بمقاومة الوفد لرغبات الملك ـ مثل رفض طلب الملك بنقل ضابط من وظيفته , ورفض إلغاء تصريح أحد الكازينوهات وفقاً لرغبة الملك , وما إلى ذلك ( سراج الدين , لماذا الحزب الجديد . ص 42 -53 و 62 -63 ) .

43- التابعى , ص 198 .

44- سراج الدين , لماذا الحزب الجديد , ص 40 .

45- التابعى , ص 254 . 255 .

46- المرجع السابق , ص 312.

47- M. S. Agwani, Communism in the Arab East, Asia Publishing House, London, 1969, p . 32 .

48- سراج الدين , لماذا الحزب الجديد , ص91 .

49- ظل الملك واثقاً من تأييد الجيش له .

وكان اهتمامه بالجيش قوياً للدرجة التى جعلته يقول عن اعتقاد " إن أى ضابط يلتحق بالجيش أعرف عنه ما لا يعرفه أبوه وأمه عنه " ( المراغى , غرائب .., ص16 ) .

كما اعتاد زيارة نادى الضباط وتجاذب أطراف الحديث مع أعضائه ( محمد حسين هيكل ) , مذكرات فى السياسة المصرية الجزء الثانى , مطبعة مصر , القاهرة , 1953 , ص 373 ) .

50- المراغى ص 159 – 162 . اقترح المراغى على الحكومة الأمريكية إمدادة بالأسلحة .

وقد وافق الأمريكيون بعد أن سحبوا شرط دخول مصر فى تحالف رسمى معهم , واشترطوا بدلاً منه ألا تستخدم هذه الأسلحة ضد دولة أخرى ( إسرائيل ) .

51- هيكل , مذكرات ..., ج2 , ص 395 .

52- Jean Jacques wardenburg, les Univer;ites dans le Monde Arabe Actuet Mouton co, la Haye " vol,2,p.81 table 110.

53- FO141, 842 ( 1943) Education & student Employment .

54- FO 141, 1223 ( 1947 ), British Propaganda : Effendi Class ( CW. Austin to Sir Ronald Campbell

55- انظر على سبيل المثال : أنور عبد الملك , الفكر العربى فى معركة النهضة , دار الآداب , بيروت , 1974 , وعبد المنعم الغزالي , موقع 21 فبراير 1946 فى التاريخ , الطليعة , فبراير 1966 .

56- عن أنشطة وقيادة أنصار السلام , انظر : FO 141, 1434 ( 1951 ) Communism , Egypt.

57- تجنب الضباط الأحرار وضع برنامج محدد لحركتهم خشية أن يفاقم ذلك الخلافات بينهم ويمزق وحدة حركتهم .

فحصروا أنفسهم فى التأكيد على الشعارات العامة للتحرير والتغيير .

وعندما استولوا على السلطة فى 23 يوليو 1952 أعلنوا برنامجاً بسيطاُ للغاية يتكوم من ست نقاط .

( انظر : " شهادة عبداللطيف بغدادي " , صبرى أبو المجد , سنوات الغضب التى سبقت ثورة 23 يوليو 1952 , المصور , 5\11\1982 ) .

( 2 ) الأوضاع التعليمية الاجتماعية

نظام التعليم

كان النظام التعليمى المصرى إبان الحكم الليبرالى مصمماً بحيث يلبى متطلبات الطبقة المسيطرة من كبار ملاكى الأراضى , التى كانت بحاجة إلى زيادة موظفى الحكومة وتزويد الأغلبية الريفية من السكان بحد أدنى من التعليم . وقد ناضلت البرجوازية الصناعية الناشئة حديثاً لتحقيق التغيرات التعليمية التى كانت لازمة للوفاء باحتياجاتها المختلفة من محاسبين , ومهندسين , وفنيين وإداريين . إلا أن رؤيتها إزاء تعليم الطبقة العاملة فى المدن ( مجرد تزويدها بالمبادىء الأولية للقراءة والكتابة ) كانت تتفق لدرجة كبيرة مع رؤية ملاك الأراضى إزاء سكان الريف . لكن حكومات الأغلبية الوفدية عموماً كانت أكثر استجابة لضغط الجماهير من أجل الحصول على فرص تعليمية أفضل , فحققت بعض الإنجازات خلال الفترات القصيرة من تواجدها فى الحكم على مدى الثلاثين عاماً من الحكم الليبرالى .

وتقدم الموازنة العامة للدولة , وهى المصدر الرئيسى لتمويل التعليم , مؤشراً على التطور التعليمى إبان تلك الفترة :

جدول (2 – 1)
التوسع فى التعليم طبقاً للموازنة العامة للدولة(1925 \19261951 \1952 )
السنة الموازنة العامة للدولة بالجنيه المصرى ميزانية وزارة المعارف بالجنيه % ميزانيةالجامعات بالجنيه المصرى %
25 \1926 36.288.2660 2.336.477 6.4 110.287 4.70
30 \ 1931 44.915.000 3.301.299 7.3 298.599 9.04
35 \ 1936 32.846.000 3.350.257 10.1 578.706 17.20
40 \ 1941 47.718.000 4.643.201 9.7 849.300 18.20
45 \ 1946 89.968.000 11.635.657 12.9 1.455.700 12.50
50 \ 1951 205.988.900 22.335.336 10.8 3.257.722 14.50
51 \ 1952 231.447.30 28.030.472 12.1 3.982.462 14.20


جدول (2 – 2)

نسبة الطلاب إلى السكان فى مصر(25\1926 – 51\1952 )

السنة الدراسية عدد طلاب المدارس الحكومية لكل 1000 من السكان عدد طلاب الجامعات لكل 1000 من السكان
25\1926 15 24.ـ
35\1936 45 48.ـ
40\1941 69 51.ـ
45\1946 56 75.ـ
50\1951 55 1.54
51\1952 66 1.64
المصدر : Waardenburg , Table 109


جدول (2 – 3)

إجمالى القيد فى مؤسسات التعليم العالى (19301952 )

السنة القيد النسبة المئوية للبنات
1930 4247 0.5%
1935 7515 2.0%
1940 85.7 4.0%
1945 13927 5.0%
1950 31744 7.0%
1952 42494 8.0%

المصدر: Waardenbur , Table 108 .


من البيانات المذكوة فى جدول 2 – 1 , يتضح أن نسبة ميزانية وزارة المعارف إلى الموازنة العامة قد تضاعفت خلال فترة ستة وعشرين عاماً , بينما زادت النسبة فى التعليم العالى على ثلاثة أمثال فى نفس الفترة . كما زادت نسبة عدد الطلاب لإجمالى عدد السكان على مدى نفس الفترة , وخصوصاً طلاب الجامعات الذين زادت نسبتهم باطراد لتصل لأكثر من الضعف خلال خمس سنوات فيما بين 1945 و 1951 ( جدول 2 -2 ) . وبرغم أن عدد الفتيات المقيدات فى التعليم العالى قد تزايد , إلا أنهن ظللن أقل تمثيلا فى التعليم العالى إبان هذه الفترة ( جدول 2 -3 ) . ويوضح جدول 2 – 4 توزيع طلاب التعليم العالى ما بين مجالى الدراسة النظرية والدراسة العملية : حيث زاد عدد طلبة الكليات النظرية ليلاً عن طلبة الكليات العملية معظم سنوات الفترة .


جدول (2 – 4)
عدد طلاب الكليات النظرية والعملية (19251952 )
السنة الكليات النظرية (العلوم الانسانية والاجتماعية) الكليات العملية (العلوم التطبيقية)
25\1926 1810 1558
30\1931 2066 2181
35\1936 4041 3474
40\1941 4544 3963
45\1946 6244 7683
50\1951 16492 13910
51\1952 19671 15174

المصدر : لويس عوض , الجامعة والمجتمع الجديد , الدارالقومية للطباعة والنشر ,

القاهرة , 1963 , ص 85, جدول ( 5 ) .

  • تختلف أرقام هاتين السنتين بعض الشىء عن مجموع الأرقام فى جدول 2 – 3 .


ولم ينعكس التكافؤ العددى التقريبى بين الفريقين النظرى والعملى للتعليم العالى داخل المدارس الثانوية العامة . حيث وقع التركيز الأكبر على دراسة المواد النظرية , وتبين بيانات السنة الأخيرة بالمدارس الثانوية العامة ( التوجيهية ) , التى ينتقل منها الطلبة إلى الجامعة , تركيزاً واضحاً على المواد النظرية فحسبما يبين جدول 2 – 5 , كان التركيز على اللغات بصفة خاصة (1) . حيث كان على طالب القسم الأدبى أن يقضى 59% من فترة دراسته فى دراسة اللغات . وحتى طلاب القسم العلمى أو الرياضيات كان عليهم أن يمضوا 44% من فترة دراستهم فى دراسة هذه اللغات .


جدول (2 – 5)

مواد السنة التوجيهية بالمدارس الثانوية (45\1946 )

المادة عدد الحصص إسبوعياً القسم الأدبى القسم العلمى
اللغة العربية 6 6 6
اللغة الأوروبية الأولى 7 6 6
اللغة الأوروبية الثانية 7 3 3
التاريخ 5 - -
الجغرافيا 4 - -
الفلسفة أو الرياضيات 3 - -
المكتبة 2 - -
الأحياء - 6 -
الكيمياء - 9 3
الفيزياء - 4 4
الرياضيات البحتة والتطبيقية - - 10
رسم , أو فزياء أو إحياء إضافية - - 2

المصدر: Roderic O.Matthews And Matta Akrawi, Education In Arab Counties Of TheNear East , American Council On Education , Washington D.C , 1950,p6, Table 12.

وكان صغار التلاميذ يدرسون فى نوعين من المدارس : المدارس الابتدائية فى المناطق الحضرية , والمدارس الأولية فى المناطق الريفية . وبرغم تزايد عدد المدارس الأولية بدرجة كبيرة فيما بين 1925 و 1945 , إلا أنها كانت من نوعية فقيرة للغاية , وعلى درجة كبيرة من الازدحام , بحيث كانت البيانات الاحصائية اللافتة للنظر حول زيادة مستوى القيد تعتبر بلا مغزى من الناحية الكيفية . وقد ضمت المدارس الأولية حوالى 80 % من إجمالى أطفال المدارس , بينما كان يعمل بها نحو 57% من المعلمين فى تلك المرحلة . أما النسبة الباقية من المدرسين وهى 43% فكانت تقوم بالتدريس لنحو 20% فقط فى هذه المرحلة . وعلى هذا , كان لدى المدرس بالمدرسة الأولية إثنان وأربعون تلميذا فى المتوسط لكل فصل , فى حين كان المدرس بالمدارس الابتدائية أربعة عشر تلميذاً فقط . والأكثر من ذلك أن تركز المدرسون الحاصلون على التعليم الأفضل فى القطاع الابتدائى بالحضر . وحتى بعد دمج نوعى التعليم الأساسى فى 1951 , بقيت المدارس التى كانت أولية فيما سبق مجهزة بشكل سىء , خصوصاً بالنسبة لدراسة اللغات الأجنبية , كما ظل الطريق إلى التعليم العالى مسدوداً تقريباً أمام طلبتها .

وفى التعليم الثانوى , استمرت المدارس الثانوية العامة فى اجتذاب الغالبية العظمى من الطلاب . وعقب قانون 1950 الذى جعل التعليم الثانوى متاحاً مجاناً للجميع , اندفع فيض من خريجى المدارس الابتدائية إلى مدارس الثانوية العامة . ومن ناحية أخرى , شهدت المدارس الثانوية الفنية والتجارية ـ والتى كانت قد توسعت بدرجة ما خلال الأربعينيات ـ انخفاضاً فى نسبة الالتحاق بها . حيث كانت المدارس الثانوية الفنية تدار بصورة سيئة , وكانت مجهزة بمعدات غير كافية , كما كانت نوعية هيئة التدريس بها متدنية أيضاً . ولم يسع معظم خريجى هذه المدارس إلى وظيفة فى المجالات الصناعية , وإنما إلى الوظائف الكتابية فى الجهاز البيروقراطى . (2)

وبقى الأزهر مؤسسة تعليمية منفصلة كلية , لها مستويات تعليمية توازى مستويات النظام التعليمى المدنى . إلا أن عدد تلاميذه قد تزايد ببطء نسبياً منذ منتصف القرن . فكما هو موضح فى جدول 2 – 6 , ارتفع عدد طلاب الأزهر فيما بين 1928 \1929 و 1948 \1949 بنحو 66,5% وبالمقارنة , نجد أن عدد التلاميذ الذين يتلقون تعليماً مدنياً حكومياً فيما بين 30\1931 و 50\1951 قد تزايد بنحو 18,3% (3)

وفى 1945 \1946 على سبيل المثال كان هناك 14402 من الطلاب بالأزهر , موزعين فيما بين المستويات المختلفة من التعليم , كما هو موضح بجدول 2 – 7 .


جدول(2 – 6)
اجمالى القيد فى الأزهر ـ فى سنوات مختارة
السنة القيد
1898 \1899 8246
1908\1909 9000
1918 \1919 15826
1928 \1929 11157
1938 \1939 13162
1948 \1949 18582
المصدر: Waardenburg , Table 195


جدول (2 – 7)
سجل القيد بالمعاهد الأزهرية (1945 \1946 )
القسم عدد المقيدين
شعبة التعليم الابتدائى 5729
شعبة التعليم الثانوى 4678
الشعبة العامة 1422
كلية اللغة العربية 1162
كلية الشريعة الإسلامية 873
كلية أصول الدين 538
إجمالى 14402
المصدر: Matthews & Akrawi, p 103 .

الاتجاهات الفكرية لتطوير التعليم

حتى عام 1951 كانت السمة الأساسية للنظام التعليمى هى الثنائية فى التعليم الأساسى كانت المدارس الابتدائية تؤدى إلى المدرسة الثانوية ومن ثم إلى الجامعة , أو إلى الوظائف المكتبية فى الجهاز الإدارى . وعلى العكس من ذلك كانت المدارس الأولية هى المخصصة لاستيعاب غالبية الأطفال فى سن المدرسة فى المناطق الريفية . وقد اتخذ المفكرون الليبراليون موفقا نقدياً إزاء هذه الثنائية فى التعليم الأساسى . وبتعبير أحدهم :

" ليس من الديموقراطية أن يكون لدينا نظامان للتعليم : برنامج أرقى وأكثر شمولاً لهؤلاء الذين يمكنهم تحمل دفع نسبة من نفقات تعليمهم , وبرنامج أدنى وباب الترقى بعده موصد دون أولئك الذين لا يستطيعون تحمل دفع مثل تلك النسبة .. إن ذلك يؤدى بلاشك إلى استمرار الفوارق بين الطبقات الاجتماعية , وذلك بخلق نخبة فكرية تحتكر الوظائف الحكومية , والمهن ذات الدخل المرتفع " (4)

وقد رأى اسماعيل القبانى ـ أحد زعماء المدرسة التربوية ـ أن هناك نتيجة سياسية حتمية لهذا التمييز " كان من المتوقع أن ينتج عن ذلك على المدى البعيد نتائج اجتماعية ضارة , لأن الجماهير قد تصبح ناقمة فعلاً على معاملتها بإجحاف اجتماعياً وتعليمياً " . (5)

وقد ظهرت الثنائية أيضاً فى وجود نظامين منفصلين فى التعليم . نظام التعليم المدنى الحكومى , والتعليم الدينى بالأزهر . فقد استمر الأزهر كهيئة تعليمية مستقلة , ولم تتحول معاهدة التقليدية وهى الكتاتيب التى ظلت قائمة على مدى قرون ـ إلى مدارس إلا فى الثلاثينيات من هذا القرن فقط .

وكان للدكتور طه حسين قصب السبق فى النقد الليبرالى لهذا الوضع . ففى كتابه المثير للجدل " مستقبل الثقافة فى مصر " والذى نشر فى 1938 , دعا إلى عدم السماح للأزهر بأن " يظل دولة داخل الدولة وسلطاناً خاصاً يستطيع أن يطاول السلطان العام ويناوئه .. وهناك شىء يجعل حاجة الأزهر إلى إشراف الدولة على تعليمه الأولى ضرورة ماسة فى هذا الطور من أطوار الحياة المصرية وهو : أن الأزهر بحكم تاريخه وتقاليده وواجباته الدينية بيئة محافظة تمثل العهد القديم أكثر مما تمثل العهد الجديث والتفكير الحديث " . (6)

ولقى هذا الاتجاه معارضة نفر من الأصوليين الإسلاميين . فكتب الشيخ حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين عن ازدواجية النظام التعليمى فى مصر : " هذا التقسيم لا نظير له فى أى بلد من بلدان العالم المتحضر , ولا يمكن معه أن تتوحد ثقافة شعب أو تجتمع مشاعره على هدف أسمى وهو أخطر ما يكون على وحدتنا ونهضتنا .. لذلك يجب صبغ المدرسة بالصبغة الاسلامية , لا اقصائها عن هذه الصبغة , ثم توحيد هاتين السلسلتين فى سلسلة واحدة لحساب الفكرة الإسلامية لا على حسابها " (7) .

ومع ذلك فقد تلقى طه حسين تأييداً من مدرسة أخرى أكثر ليبرالية تنتمى للفكر الإسلامى . حيث أيد سيد قطب (8) فكرته فى ضرورة إشراف الدولة على كل أنواع التعليم باستثناء التعليم العالى الذى : " يتمتع بالاستقلال ويكون حراً فى اختيار طريقه إلى المعرفة فى حدود القانون العام " . (9) وقد أكد على أنه برغم أن الأزهر يمكنه أن يكرس نفسه للكليات الدينية البحتة التابعة له , إلا أنه " ليس له أن يستقل فى الكلية التى تخرج المدرسين لمدارس الوزارة ( كلية اللغة العربية ) " . (10)

وقد أقر اسماعيل القبانى هذا الرأى من على أرضية المدرسة التربوية حيث رأى أنه يجب أن يكون فى مصر نظام واحد للتعليم الابتدائى , ونظام واحد للتعليم الثانوى , وذلك لإعداد الجيل الجديد للحياة فى مجتمع مصرى , قبل إعدادهم ليكونوا أطباء أو مهندسين أو مفكرين دينين أو مدرسين , إذ أن مكان التخصص أو الاعداد المهنى هو المعاهد التعليمية العليا . (11)

وقد عبر أبو الفتوح أحمد رضوان عن الاهتمامات الأكثر عملية للبرجوازية الصاعدة . فقال إن مصر لاتحتاج إلى مثل هذه الآلاف العديدة من علماء الدين واللغويين .. إذ يحتاج العهد الجديد إلى قيادة مهنية أكثر تنوعاً ـ مهندسين , علماء , زراعيين , أطباء , علماء فى الاجتماع والعلوم الانسانية , كما يحتاج إلى علماء الدين . ويجب أن تعكس المناهج الدراسية احتياجات الأمة هذه .. وأن يكون الحل الوسط الذى يخدم مصالح البلاد هو أن يقتصر دور الأزهر على الدراسات العليا فى الدين واللغة (12) .

وقد اهتم العديد من المعلقين بعجز نظام التعليم عن التكيف مع احتياجات سوق العمل . إذ كان هناك فائض دائم من المتسربين من المدارس والخريجين من أفرع معينة من التعليم الثانوى والعالى . (13) وظلت الأجهزة الحكومية مكتظة بنسبة كبيرة من الخريجين كما كان الحال منذ عهد محمد على . كما اتاح قطاع الأعمال الحرة أمام القوى البشرية المتعلمة سوق عمل ضيقة للغاية وقد أرجع دعاة الإصلاح التعليمى هذه المشكلة جزئياً إلى التقدير الشائع بين الناس للوظائف الحكومية . فكما لاحظ رضوان : " أنه لأمر غير صحى ذلك الوضع الذى يبحث فيه الشباب فى مصر عن الأمان فى الوظائف الحكومية برغم ضآلة المرتبات ونمط العمل المكتبى الروتينى " . (14)

وقد أدى التوسع فى المدارس الثانوية العامة على حساب التعليم الثانوى الفنى إلى زيادة سوء هذه الأوضاع . ومثلما لاحظ رضوان أيضاً : " إن الأمة تعانى من سوء التوافق المهنى . وبرغم أن الوظئف ذات المستقبل المرموق والتى تحتاجها البلاد أكثر هى تلك التى فى ميدان الصناعة , فمازالت المدارس الحقيقية الوحيدة فى نظر الناس هى المدارس الثانوية العامة " (15) . وحتى فى المدارس الثانوية العامة القائمة , كانت المواد الدراسية تقدم بطرقة مغرقة فى التجريد , ليس لها أية علاقة كبيرة بخبرات الطلاب خارج جدران المدرسة : " فالطالب يعلم أين يوجد الحديد فى انجلتراولكنه لا يعلم شيئاً عن الحديد فى مصر " (16) وقبل 1952 , كما يذكر مالكوم كير : " كان من المثير للدهشة أن الطالب المصرى فى المدرسة الثانوية أو الجامعة لم يكن يتعلم إلا القليل جداً عن مشكلات بلده السياسية والاجتماعية والاقتصادية . " (17)

وفى كتابه " سياسة الغد " الذى نشر فى 1951 قدم مريت بطرس غالى عددا من الاقتراحات لحل هذه المشكلة , فكتب يقول : " ويجب التنبه , والإلحاح فى التنبه , إلى أن تقدم الشئون الاقتصادية لا يسمح باستخدام هؤلاء الشبان فى مختلف مظاهر النشاط القومى , ومن الضرورى أن يقتنع أولو الأمر بهذه الحقيقة المرة , وأن يسعوا بكافة الوسائل الموجودة لديهم فى نشر التعليم العالى والخاص بحساب , وجعله مطابقاً لظروفنا الاقتصادية . ومن بين هذه الوسائل إقفال بعض المدارس إقفالاً مؤقتاً على الأقل , مثل مدرستى التجارة المتوسطة والزراعة المتوسطة وبعض المدارس الحديثة , وغيرها من المدارس التى قد لا يظهر لزومها بجلاء, وتحديد عدد الطلبة الذين يلحقون بكل مدرسة أو كلية , والتشديد فى الامتحانات العليا , كى يرتفع مستوى الثقافة عند المتعلمين على مر الأيام , ويقل عدد المتخرجين كل عام إلى حد ما " . (18)

إلا أن طه حسين قد نظر إلى المسألة فى اطار أوسع , فرأى أنه لن يتم تصحيح هذا الوضع بتقييد التعليم أو خلق نظام للطبقات , أو جعل التعليم حكراً على فئة قليلة , وإنما إصلاح النظام الاجتماعى الذى خلق ذلك الوضع (19) . ومن بين الإصلاحات التى اقترحها إصلاح النظام الوظيفى ذاته , حيث يرى أنه قد تكون الوظائف المدنية مكتظة حقاً . " ولكن لأن نظام التوظيف عندنا ردىء يحتاج إلى كثير من الإصلاح . والشىء الذى لا شك فيه أن إعادة النظر فى أمر المناصب والموظفين خليقة إذا أخذت بالحزم أن تقتصد للدولة كثيراً من المال , وأن نفتح للشباب كثيراً من أبواب العمل . فما أكثر الموظفين الذين يتقاضون الأجور الضخمة ولا يعملون شيئاً , وما أكثر الشباب الذين لا يجدون ما يعملون وهم قادرون على العمل بأيسر الأجر وأقله .. ولا أعرف أمة واحدة فكرت فى أن تعالج البطالة بتضييق التعليم , وقصره على فريق من الناس دون فريق .. ولكنها تعالج هذه الأزمة بتحقيق الصلة بين التعليم النظرى والحياة العملية . (20)

كما انتقد طه حسين الامتحانات , برغم أنه كان أقل تقييداً من النظام الذى فرضه على مصر اللورد كرومر , إلا أنه كان يكرس استمرار استخدام المناهج البالية فى التعليم . حيث رأى طه حسين أن الجميع ينتظرون نهاية العام والورقة التى ستصل من المدرسة أو الوزارة لإعلان النتيجة , وبالتالى ينصرف التلاميذ فى المدارس عن أى شىء عدا ذلك ـ فطالما كانت الامتحانات هدفاً فى ذاتها , فسيكون اجتيازها هدف الأهداف .(21)

وأكد أبو الفتوح رضوان أيضاً العواقب التعليمية الوخيمة لهذا التركيز على الامتحانات : " عندما يكون على المدرس أن يغطى منهجاً دراسياً طويلاً فى أشهر قليلة مدركاً أن الامتحان فيما يحتويه المنهج من معلومات هو مقياس نجاحه , يضطر إلى اتباع النمط التقليدى فى التلقين . فهو يشرح المادة مجزأة , بينما يحاول التلاميذ حفظها وراءه عن ظهر قلب " . (22)

كما لاحظ نجيب باشا الهلالى ( وزير تعليم ورئيس وزراء خلال الفترة ) نفس الأثر السيىء لهذا الوضع حيث لجأ الطلاب أو أجبروا إلى حفظ المعلومات , حتى الرياضيات وبذلك أصبحت المعرفة ضحلة ومبهمة , لا تتجاوز مجرد التعريفات , والتصنيفات , والمصطلحات الفنية , وتواريخ الأحداث أو الأمثلة المعطاة فى الكتب , بحيث تحول الطالب إلى ببغاء ذكى .(23)

وقد بقيت الإدارة التعليمية فى بيروقراطيتها طوال تلك الفترة . وتعرضت وزارة المعارف للانتقاد بسبب تركيز السلطات التنفيذية وإعاقة كل حقوق المبادرة على الصعيد المدرسى , حيث شغلت نفسها بالتفاصيل على حساب إعداد سياسة تعليمية واضحة .

كما تم الاعتراف بأن إصلاح تعليم المرأة مسألة لها أهميتها الخاصة , حيث واكب التطور فى حركة تحرير المرأة الحركة الوطنية الأوسع نطاقاً , إثر الدور الفعال الذى لعبته النساء فى ثورة 1919 , فنالت حقوق المرأة تدريجياً تأييد قطاعات عريضة من المثقفين . والتحقت البنات بالجامعة منذ 1928 . ومع نهاية الحرب العالمية الثانية , قبلت قطاعات واسعة من المواطنين مسألة منح البنات فرصة مساوية للبنين فى التعليم .

ويتضح من ذلك أن دعوة الإصلاح التعليمى لم تثر الجدل فى صفوف التقليديين والإسلاميين الأصوليين فقط , ولكن بين صفوف الليبراليين أيضاً , حيث دافع الجناج الشعبى منهم عن " ديموقراطية التعليم " وذلك بتعميم التعليم العام والحد من القيود على الالتحاق بالتعليم العالى , بينما أصر القطاع المحافظ على شعار " نوعية " التعليم بالمفهوم التربوى المحض , وقد تمثل التناقض بين هذين التيارين الفكريين فى المناظرة بين طه حسين واسماعيل القبانى حول مسألة إعداد المعلمين , فبينما كان الأول يرغب فى أن يسمح لخريجى الجامعة بالعمل فى التدريس , دعا الثانى إلى أن يسمح بالتدريس فقط لأولئك الذين تلقوا تدريباً تربوياً فى معاهد خاصة بذلك .

الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لطلاب الجامعات

برغم الافتقار إلى وجود إحصاءات حول الأصول الاجتماعية لطلاب الجامعة فى مصر منذ العشرينيات وحتى الخمسينيات , اتفق معظم الباحثين على أن غالبية هؤلاء الطلاب قد أتت من أسر الشريحة الدنيا للطبقة الوسطى فى الحضر , خاصة أبناء الأفندية , وأسر الشريحة الوسطى من ملاك الأراضى فى المناطق الريفية . (24)

كما اتفق الباحثون أيضاً على أن العديد من الطلاب كانوا يعيشون فى ظروف اقتصادية صعبة . وبعضهم بالفعل كان يعيش على حافة الجوع من أجل أن يكمل دراسته . ويورد الباحث البريطانى " أ.ج. كريج " ـ الذى عاش فترة فى مصر ـ مثلاً معبراً : " فى حجرة ضيقة بنيت فوق سطح منزلنا , كان جزء من أسرة ريفية يقيم طوال الشتاء لقد جاءوا إلى القاهرة من أجل تعليم ولدين , وقد كان أفراد الأسرة هم الولد الأكبر الذى يدرس بجامعة القاهرة , والأصغر بالمدرسة الثانويية , والجدة التى جاءت لترعاهما , واختهما الصغيرة التى أرسلت بغرض تلبية طلباتهم من خارج المنزل , وحتى تجنب قدمى العجوز الضعيفين عناء المشاوير . وكانوا جميعاً يعيشون على الفول والخبز , وغيره من الطعام البسيط ويقوم بتمويلهم الأب الذى يعمل بعيداً كفلاح يكد فى حقله " . (25)

كما لاحظ أيضاً أنه " فى مصر , وبرغم الجهود الجديرة بالثناء والتى بذلت فى مجال التعليم , مازال الصبى يذهب إلى المدرسة حين يستطيع , وبعد ذلك قد لا يجد الفرصة حتى يكبر تماماً ويكون باستطاعته أن يترك قريته ويذهب إلى القاهرة " . (26)

ومع ذلك , فلم يكن فقراء الجامعة هم فقراء البلاد . حيث كانت رسوم الدراسة (27) بالإضافة إلى التكلفة الباهظة للإقامة فى المدن قد حدت للغاية من أعداد الطلاب , وقصرت معظم فرص التعليم العالى على العائلات ذات الموارد الكافية , كما وضعت حواجز مستحيلة فى طريق أبناء وبنات الأسر الريفية الأفقر . إلا أنه الأزهر بمعاهده الدينيه وجامعته قد قدم لأبناء الأسر الفقيرة فرصة بديلة , حيث كان يتيح لهم التعليم المجانى , وكذلك المأكل والإقامة طوال فترة الدراسة . وكان من بين طلابه عدد كبير ممن جاءوا من أسر ريفية فقيرة نسبياً .

وكان الطلاب المصريين شديدى الحساسية لما يتعلق بالفرص الاقتصادية , حيث كان التعليم بالنسبة لكثير منهم هو جوازهم الوحيد للمرور إلى مستقبل أفضل . ولذا كانوا مهتمين للغاية بأثر الأوضاع الاقتصادية على الامكانات المستقبلية المتاحة أمامهم , حيث انعكس ذلك على نشاطهم .

ففى 1936 مثلاً اندلعت سلسلة من اضرابات طلاب المدارس والجامعة بسبب مشاكل العمل والتوظيف بعد التخرج . حيث قام طلاب كلية التجارة بإضراب لمدة يوم واحد فى 10 نوفمبر , ونشروا مقالاً فى جريدة " المصرى " تحت عنوان " خريجو كلية التجارة ... ومستقبلهم " (28) . وتلا ذلك لإضراب كلية الحقوق فى 23 نوفمبر من أجل تعديل لائحة منح الدرجات العملية . وكانت هناك أيضاً مظاهرات طلاب مدرسة الفنون والصنائع , التى تلتها موجة من إضرابات طلاب المدارس الفنية الأخرى الذين شكلوا لجنة لعرض مطالبهم حول المستقبل الوظيفى والتعليم العالى على البرلمان . (29)

وفى تقرير حول الانتفاضة الطلابية عام 1935 \1936 , اعتبر " بشتلى أفندى " من ( وزارة الداخلية ) أن هذه الانتفاضة ترجع أساسا إلى الإمكانات الوظيفية الضئيلة المتاحة أمام الطلاب : " كانت هناك حالة من الاستياء تضرم بين طلاب الجامعة لمدة كبيرة . نظراً للمستقبل غير المأمول المتاح أمامهم , فهم يرون عدداً ضخماً من الطلاب الذين أنهوا دراستهم بالجامعة , وقد ظلوا بدون وظيفة , بينما تم ربط أولئك الذين كانوا محظوظين بدرجة كافية تيح لهم الالتحاق بالمصالح الحكومية على مرتب ابتدائى يبلغ ثمانية جنيهات وخمسين قرشاً شهرياً ( طبقاً للتقرير الدورى لوزارة المالية فى الثامن من أكتوبر 1935 ) . وهو يعتبرون ذلك المبلغ مكافآت هزيلة جداً بالنظر إلى مؤهلهم الدراسى الأسمى " كما يوضح نفس التقرير الدورى أن حاملى شهادة الباكالوريا المصرية ( أى خريجو المدارس الثانوية ) سوف يتلقون مرتباً شهرياً مقداره ستة جنيهات . وخريجى مدرسة التجارة المتوسطة خمسة جنيهات ونصفا , ومنذ سنوات قليلة .. أى قبل أن يتسع التعليم إلى هذا الحد فى مصر , كانت المصالح الحكومية تستوعب معظم الشباب الذين تلقوا تعليمهم فى المدارس الحكومية . ومازال الشعور قائماً ـ إلى درجة كبيرة ـ بأن من تعلمهم الحكومة يجب أن توظفهم الحكومة . وأما مسألة أن ذلك لم يعد ممكناً فترجع إلى خطأ ما فى سياسة الحكومة . لذا فإن الإحساس الحالى بالاستياء يوجه إلى الحكومة . وقد بذل وزير المالية والتعليم أفضل مجهودهما لفتح طرق جديدة للتوظيف حتى يمكن تخفيف الوضع قدر الإمكان .. فقد اتصلا بمديرى البنوك وغيرهما من المؤسسات المالية والتجارية الكبيرة , للتوصية بتعيين خريجى مدارس الحكومة وخريجى الجامعة المصرية , إلا أن دعوتهما قد أخفقت لدرجة كبيرة . ويرجع ذلك بشكل رئيسى إلى حقيقة أن مؤهلات التى تتطلبها تلك " المؤسسات , تمثل روح المبادرة , وحسن المظهر , والمعرفة الجيدة باللغات وبشكل أساسى الفرنسية , يفتقر إليها هؤلاء الطلاب بشكل كبير " . (30)

وكان الأجانب يوظفون فى المؤسسات التجارية والصناعية بصورة واسعة إلى الحد الذى لم يكن فيه المصريون يجدون الفرصة للعمل بهذه المؤسسات وقد اضطرت الحكومة إلى التقييد من ضوابط الهجرة , بحيث لا يسمح لأجنبى بدخول البلاد بغرض العمل مالم يثبت أنه ليس هناك مواطن مصرى يصلح للوظيفة المعنية ,

وفى السنوات التى أعقبت الحرب العالمية الثانية اندلعت إضرابات أخرى . ففى 1947 , على سبيل المثال , لجأ طلاب المدارس الصناعية إلى الإضراب عن الطعام من أجل السماح لهم باستكمال دراسات فنية أعلى حتى يصبحوا مهندسين . كما شارك المدرسون بالجامعة والمدارس فى حالة السخط , مطالبين بأجور أعلى وامتيازات وظيفية .

وكانت مشكلة البطالة بين الخريجين من بين الموضوعات الرئيسية فى الجدل حول الإصلاح التعليمى . كما أبدى المسئولون البريطانيون فى مصر اهتماماً شديداً بالمشكلة وحسبما يوضح أحدهم : " إن مشكلة الأفندية الحقيقية هى الأجور الهزيلة لموظفى الحكومة وكتبة الحسابات , والخريجين المتعطلين (31) فقد كانوا قلقين بشأن الأصداء السياسية لهذه المشكلة وبشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية فى مصر ككل . وقد جاء فى مذكرة حول وضع التعليم وبطالة الخريجين فى مصر , قدمها أرنولد سميث ( مدرس بريطانى بالجامعة ) بناء على طلب السفارة البريطانية : " فى غضون السنتين الأخيرتين , حيث كنت أحاضر طلاب السنتين الثالثة والرابعة بالجامعة المصرية , أصبحت موقناً أن هناك احساسا متزايداً ومتنامياً بين الشباب المتعلم بخيبة الأمل فى الوضع الاجتماعى , والاقتصادى الحالى لمصر , فالطلاب , والمهنيون الشبان , وصغار ضباط الجيش .. إلخ , يتزايد استياؤهم من واقعهم الراهن , ومن ذا الذى يمكنه أن يلومهم ؟ ومن الواضح بالطبع أن هذا الوضع يمكن أن تكون له خطورته من الوجهة السياسية " . وفى ضوء هذا , عارض سميث اتجاه السفارة البريطانية العدائى تجاه إنشاء جامعة أسيوط الجديدة : " إن تقييد التعليم العالى هو علاج سطحى للغاية لمشكلة بطالة الخريجين , فالحل الحقيقى الوحيد قد يكون هو الاجراءات الحاسمة للإصلاح الاجتماعى فيجب تشجيع الحكومة المصرية على القيام بإقامة مراكز صحية أكثر , وحملات تعليمية بين الفلاحين , وإسكان أفضل .. إلخ . وهذا سيوظف خريجى المدارس الفنية , كما سيلزم عدد كبير من الملاحظين , والإداريين , إلى آخر ذلك من خريجى كليات الآداب والتجارة " . (32) .

إن الأوضاع المعيشية للطلاب المصريين , والقيود التى وضعت على طموحاتهم المستقبلية (33) بسبب مشكلة بطالة الخريجين , وكذلك سوء الحالة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد ككل , قد ساعدت على زيادة فعاليتهم السياسية . فكما يوضح مالكوم كير : " إن هذه التركيبة التى تهدد بالانفجار ـ من التطلعات الكبيرة , والإحساس بسمو المكانة الذاتية الذى غرسه التعليم الجامعى , والأوضاع غير المبشرة لسوق العمل ـ هى التى جعلت طلبة الجامعة والخريجين قوة ثورية دائمة طوال نصف القرن الماضى فى مصر " . (34)

لقد تعددت الأسباب التى دفعت بالطلاب المصريين للتحرك السياسى . فقد كانوا يتظاهرون " من أجل تغيير وزارة , وضد تصريح لوزير مصرى أو أجنبى , والنسبة المئوية العالية للراسبين فى الامتحانات العامة , والأجر المنخفض الذى تمنحه الدولة لخريجى معهد معين , وللإعراب عن بهجتهم أو إحباطهم فى كل أنواع المناسبات ـ فى الواقع من أجل أى سبب فى هذه الدنيا , تتحول الكتلة الطلابية إلى دكتاتورية بروليتاريا " (35)

ومع ذلك , فلم تكن شكاوى الطلاب حول الأوضاع التعليمية والاجتماعية تكفى بمفردها لتفسير مدى النشاط السياسى والاضطرابات فى هذه الفترة . ولايفى بالغرض أن يتم تفسيرها بمشكلات فئوية محضة مثل وجود " أزمة خطيرة فى ميزانية الأسرة " (36) كما رأى معلق فرنسى , أو بسبب افتقار الطلاب إلى الأنشطة الرياضية ـ كما اعتقد أحد المعلقين البريطانيين , إذ أن السبب الأساسى لنشاط الطلاب المصريين يجب البحث عنه فى إطار نضال بلدهم من أجل الاستقلال الوطنى وظروف تطوره الاجتماعى والسياسى بشكل عام .


الهوامش

1) كان من المعروف أن مستوى إجادة الطلاب لكل من اللغة العربية واللغات الأجنبية مستوى منخفض . انظر محمد حسين هيكل , مذكرات فى السياسةالمصرية , جزء 2 , مطبعة مصر , القاهرة , 1953 , ص 105 . وكذلك : Malcolm Kerr, " Egypt " , in : James S. Coleman (ed.), Education and Political Development ( Brinceton University Press, 1965), P. 180.

2) Jasaph Szyliowiez, Education and Madernisation in the Middle East (Correll University Bress, 1973), P. 195. وتوضح البيانات المتاحة حول السنوات ـ 1930 إلى 1937 أن الخريجين من مدرسة واحدة للتجارة ( مدرسة التجارة المتوسطة بالأسكندرية )

3) تم تجميعها من البيانات الواردة فى Jean – Jacques Waar denburg, Les Universite dans le Monde Arabe Actuel (Mauton & Co.,) La Haye, 1966, vol.2,p.80,Table 109 .

4) Abu al Futoouh Ahmed Radwan, Old and New Forces in Egyptian Education (Teachers College, Culumbia University ), New York, 1951 , pp. 100 and 110.

5) ذكرت فى المرجع السابق .

6) طه حسين , مستقبل الثقافة فى مصر , مطبعة دار المعارف , القاهرة , 1938 , ص 88 – 91 .

الطبعة الانجليزية

Taha Hussein, TheCovnil of Learned Societies, Washington D.C, 1959) Covnil Future of Culture in Egypt Translated by Sidney Glazer, (American D.C. 1959), PP26 – 7

7) حسن البنا , الإمام الشهيد حسن البنا يتحدث إلى شباب العالم الاسلامى الطبعة الأولى (1974 ) , ( دار القلم , دمشق ـ بيروت ) ص 181 .

8) غنى عن الذكر أن سيد قطب قد بدل تفسيره الليبرالى للإسلام بعد ذلك , حيث اتخذ خطاً محافظاً نسبياً . وقد تولى قيادة جماعة الإخوان المسلمين المنحلة فى الستينيات حتى أعدمه عبد الناصر فى 1965 .

9) سيد قطب , نقد كتاب مستقبل الثقافة فى مصر ( مقالات مجمعة ومعاد طبعها ) , الدار السعودية للنشر , جدة , يوليو 1979 , ص 36 .

10) المرجع السابق , ص 54 .

11) اسماعيل القبانى , دراسات فى تنظيم التعليم فى مصر , طبعة جديدة , مكتبة النهضة المصرية , القاهرة , 1958 , ص 150 .

12) Radwan, p. 113 – 114

13) فى 1937 كان هناك 3500 عاطل من خريجى المدارس الثانوية , و250 عاطلاً من خريجى الجامعات .

Afaf Lutfi al-Sayyid Marsot, op. cit., p. 202.

14) المرجع السابق , ص 118 .

15) Radwan, p. 125

16) المرجع السابق , ص 125 – 126 .

17) Kerr,op cit., p 182.

18) مريت بطرس غالى , سياسة الغد مطبعة الرسالة , القاهرة 1951 , الطبعة الانجليزية .

Mirrit Boutros Ghali, The Policy of Tomorrow Translated by ismail .R. el Farouqi (American Council of Leaned Societies, Washington DC. 1953),P79.

19) طه حسين , ص 117 .

20) المرجع السابق و ص 152 – 153 .

21) المرجع السابق , ص 55 – 56 ( من الطبعة الانجليزية ) .

22) Radwan, p. 125

23) ذكر فى المرجع السابق , ص120 .

24) Walter Laqueur , Communism and Natisnalism in the Middle East (Routledge & kegan paul, London, 1957 ),p. 14:Marius Deeb,Pasty Poli-Rivals 19191939 (Ithaca Press, London, tics in Egypt :the Wafd and its 1979 ), p. 151.

25) A.J. Craig, Egyptian Students, Middle East Journal, vol. 7., no. (1953),p .2.65

26) المرجع السابق , ص293.

27) كانت إدارة الجامعة تضغط على الطلاب لتسديد الرسوم فى مواعيدها , وفى بعض الأحيان كانت الشرطة تستدعى لمنع الطلاب الذين لم يسددوا الرسوم من دخول حرم الجامعة ( لويس عوض , الجامعة والمجتمع الجديد , الدار القومية للطباعة والنشر , القاهرة , 1964 , ص 26 ) .

28) طالب طلاب كلية التجارة بتوفير فرص عمل أفضل ـ أولاً : تمنح الحكومة خريجى مدارس التجارة فرصاً فى التعليم العالى مماثلة لتلك الممنوحة لطلاب المدارس الصناعية , وثانياً جعل اللغة العربية اللغة الرسمية فى البنوك , والشركات التجارية , وثالثاً : دفع وزير المالية لعدم خفض الحد الأدنى للراتب الأساسى الذى يمنح لخريجى المدارس التجارية , وأخيراً منح المساعدات الحكومية للشركات التى تقوم بتوظيف أكبر عدد من المصريين ... (Deeb p. 346)

29) FO 141 ,543 (1936 ),Students:Political Activities and Strikes .

30) FO. 407 \219 , NO. 31 (1936 ), Lampson to Eden

31) FO. 141, 1223 (1947), British Propaganda : Effendi Class

32) FO 141, 892 (1943), Education and Student Employment

33) من الطرائف المروية عن طالب الحقوق أنه فى السنة الأولى بالجامعة كان يطمح إلى أن يصبح رئيس وزراء , وفى السنة الثانية وزيراً فى الحكومة , وفى السنة الثالثة قاضياً , وعند التخرج يأمل فحسب فى أن يجد لنفسه أى عمل !

34) Kerr, p. 187.

35) Laqueur, p . 15

36) Groupe d`Etudes de L Islam L`Egypte Independente ( Paris, 1938 ) , p. 80. Cited in : Raoun Makarrius, La Jeunesse Intellesctuelle d`Egypteau Lendeman lame Deuxie Gjuerre Mandiale (Moutom & Co,Paris, 1960 )p, 40.

37) L.J Coverly, The Egyptian Unde graduate and Politics, Journal of Education, June 1947, pp 334 – 6.


(3) النشاط السياسى للطلاب

انتفاضة (1935 \1936 ) وآثارها

مع انتصاف الثلاثينيات (1) وجد النظام المصرى نفسه وجها لوجه أمام الذرية الساخطة التى خلفها بنفسه إذ وفر انتشار التعليم الليبرالى قوة عددية للطلاب , بينما أحبط المستوى المنخفض للتنمية الاقتصادية فى البلاد طموحاتهم الخاصة بمستقبل حياتهم العملية .

وقد أدى اضطراب الحياة الدستورية فى البلاد إلى تشكك أعداد متزايدة منهم فى كفاءة النظام السياسى . وكان عجز النظام عن التوصل للاستقلال التام الذى ثارت البلاد من أجله فى 1919 هو الدليل الملموس على فشله .

وقد مهد سقوط وزارة إسماعيل باشا صدقي (30- 1933 ) ـ التى استبدلت دستور 1923 بآخر أقل شعبية فى 1930 ـ الطريق لتجدد موجة من الاضطرابات السياسية تهدف إلى إعادة الدستور الأصلى . واعتبر العديد من المصريين أن حكومة توفيق باشا نسيم ( 34 – 1936 ) هى حكومة ملائمة للقيام بتلك المهمة حيث كانت تحظى بالتأييد ـ أو بالأحرى التعاون السلبى ـ من قبل الوفد بالإضافة إلى مساندة بريطانيا . فمن ناحية كان موقف نسيم مهادنا إزاء البريطانيين ـ لكن الأهم من ذلك أن بريطانيا كانت راغبة فى إنهاء التوتر فى مصر حتى تتفرغ لمواجهة الخطر الفاشى الذى يلوح فى الأفق القريب من أرضها فبدأت حكومة نسيم بإلغاء دستور 1923 . وبدلاً من ذلك , فضل نسيم ـ بموافقة بريطانيا ـ صياة دستور جديد يجمع بين عناصر الدستورين السابقين .

وفى 9 نوفمبر 1935 أعلن سير صامويل هور , فى دار بلدية لندن , أنه برغم اعتراف بريطانيا بأن دستور 1930 قد ثبت عدم شعبيته , إلا أنها تنظر إلى دستور 1923 باعتباره غير صالح للتطبيق . وكنتيجة لذلك , وضعت حكومة نسيم ـ نظراً لاعتمادها على تأييد بريطانيا ـ فى موقف حرج فى مواجهة الرفض الشعبى للموقف البريطانى . كما فقدت فى هذا المأزق مساندة الوفد , الذى اتهمها قادته بأنها مجرد مكتب ملحق بدار المندوب السامى . (2)

وقد غير تصريح هور المناخ السياسى فى مصر . إذ إنه جاء كبرهان جديد على السيطرة البريطانية , الأمر الذى أثار حنق طلاب البلاد فأدى إلى إيقاظ ردود أفعالهم بصورة أكبر من أن تفسر فقط بما احتواه التصريح من مفاهيم دستورية محضة . وقد بدأ الطلاب فى تنظيم أنفسهم , وذهبوا إلى مقار الأحزاب السياسية المختلفة لبحث الأمر . وفى 13 نوفمبر 1935 ألقى النحاس باشا خطاباً عاماً دعا فيه إلى عدم التعاون مع البريطانيين , وطالب مرة أخرى باستقالة الوزارة . فشجع تصريح الوفد الطلاب على الخروج إلى شوارع القاهرة .

وفى أول تقرير أمنى يكتب عن الحركة الطلابية فى مصر ـ وإن كان قد كتب باللغة الإنجليزية ـ بواسطة " بشتلى أفندى " من القسم المخصوص بوزارة الداخلية , جاء حول هذه الاحداث ما يلى :

" فى الثالث عشر من نوفمبر سار حوالى 2000 من الطلاب من الجامعة بالجيزة إلى القاهرة مهددين متوعدين ... وأبدى الطلاب روح التشدد , والتهور , والعدوانية , وكان التعامل معهم أكثر صعوبة من ذى قبل " (3)

واستمرت المظاهرات فيما تلا ذلك من أيام , وعلى نطاق أوسع فى القاهرة وغيرها من المدن . ففى 14 نوفمبر اصطدمت مظاهرة من طلاب الجامعة ـ قدر عدد المشتركين فيها بحوالى أربعة آلاف ـ بقوة من البوليس يقودها بعض الكونستابلات البريطانيين , على كوبرى عباس الذى يربط الجامعة بوسط القاهرة . وأصيب محمد عبد المجيد مرسى الطالب بكلية الزراعة برصاص البوليس واستشهد . وأصيب متظاهر ثان وهو طالب بكلية الآداب يدعى محمد عبد الحكم الجراحى (4) إصابة خطيرة , واستشهد فى المستشفى بعدها بأيام قليلة حيث تحولت جنازته إلى مظاهرة وطنية وصفها تقرير ببشتلى أفندى على النحو التالى :

" عندما يموت أحد المتظاهرين , تكون المشكلة الكبرى أمام السلطات هى أن تنتهى الجنازة بأقل قدر ممكن من الاضطرابات . وقد نجح البوليس فى تلافى القلاقل الخطيرة فى كل الحالات عدا حالة واحدة , وكان الاستثناء الوحيد هو حالة محمد عبد الحكم الجراحى , الذى توفى فى 19 نوفمبر . كان الفقيد يمت بصلة قرابة إلى ضابط بالحرس الملكى . وفى بادىء الأمر أخفى طلبة الطب الجثمان فى المستشفى ورفضوا الإفصاح عن مكانه , حتى أعطيت التأكيدات بأنه سوف يسمح بخروج جنازة شعبية . وقد اشترك جمع غفر فى الجنازة , التى خرجت فى مساء نفس اليوم . وعومل الفقيد باعتباره بطلاً وطنياً , ورافق زعماء سياسيون ـ مثل النحاس , وصدقي , ومحمد محمود , وآخرون ـ مسيرة الجنازة لقدر من المسافة " . (5) .

وقد أثارت المظاهرات والإضرابات الطلابية عاصفة من ردود الفعل المتعاطفة معها , من بين النقابات المهنية , والصحف , وأصحاب المحال التجارية , والمدرسين , وحتى القضاة . وفى محاولة لإعاقة انتشار المظاهرات الطلابية , منعت حكومة نسيم باشا الصحف من نشر أخبار هذه المظاهرات , واستدعت الجيش لقمعها , كما أغلقت الجامعة عدة مرات لمدة أسبوع فى كل مرة , ثم اضطرت لإغلاقها إلى أجل غير مسمى فى 8 ديسمبر , ففى اليوم السابق نظم عدة آلاف من الطلاب حشداً فى الحرم الجامعى حيث أقاموا تمثالاً ( قاموا بتهريبه إلى الحرم الجامعى ) لتخليد شهدائهم . وقد حضر رئيس الجامعة مع عدد من الأساتذة الاحتفال وألقوا كلمات أمام الطلاب , وبعد ذلك قام الطلاب بمسيرة إلى العاصمة .

وقد رأى المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى انتفاضة الطلاب فى 35\1936 حدثاً ذا أهمية كبيرة :

" كانت مظاهرات الطلبة فى نوفمبر وديسمبر 1935 مظاهرات سلمية فى تكوينها بريئة فى مقصدها , إذ كانوا مدفوعين بشعور وطنى عام يهدف إلى تحقيق مطالب البلاد , ولم يكن موعزاً إليهم من أحد , بل كانت فيض الوطنية الصادقة , كانوا يهتفون للاستقلال والحرية والدستور . هذا إلى أنهم جنبوا مظاهراتهم روح الاعتداء والإتلاف من أى نوع كان , وكانوا يحولون دون اندساس الغوغاء فى صفوفهم , ومخافة أن يختلط بهم بعض من يتخذون مثل هذه المظاهرات وسيلة للشغب أو الفوضى أو الإعتداء . وفى الجملة كانت مظاهرات نوفمبر وديسمبر سنة 1935 صفحة مجيدة فى تاريخ الشباب , وقد سميناها شبه ثورة , إذ كانت صورة مصغرة من ثورة 1919 " . (6)

وكانت النتيجة المباشرة لهذه الانتفاضة الطلابية هى تكوين جبهة وطنية موحدة من كل الأحزاب السياسية .وقد لعب الطلاب دوراً رئيساً فى هذا الصدد , فكما أشار أحد الزعماء السياسيين المعاصرين ( د. محمد حسين هيكل ) : " جعل الشباب ينتقلون بين أندية الأحزاب زرافات كل مساء , يطلبون إلى زعماء هذه الأحزاب أن يتحدوا , ويلحون فى هذا الطلب إلحاحاً يصحبه شىء من القلق على مصير البلاد " . (7)

وفى محاولة لإغراء الخصوم الوفديين بالتعاون مع حزبه قدم محمد محمود باشا زعيم الأحرار الدستوريين الحجة التالية : " أما وقد قام الشباب بواجبه بهذا الإخلاص الصادق والإيمان المتين , لم يضن بدمه ولم يضن بحياته , فواجب السياسيين وواجب أولى الرأى أن يستجيبوا لصوت الشعب , وأن يتخذوا الوحدة والاستقلال رمزاً لهذا العصر الجديد " . (8)

وكما جاء فى تقرير بشتلى أفندى , فإن هذه الدعوة قد لقيت بعض النجاح : " فى العاشر من ديسمبر , ذهب وفد من الطلاب لزيارة النحاس باشا , وألحوا على أنه لمصلحة البلد ينبغى عليه أن يوافق على التعاون مع الأحزاب الأخرى , وهددوه بأنهم سيتوقفون عن تأييد الوفد إن هو رفض أن يفعل ذلك . وفى نفس اليوم أعلن أن النحاس باشا قد تقبل تشكيل الجيهة الموحدة , هذا على الرغم من أنه كان على خلاف حاد مع الأحرار الدستوريين قبل ذلك بأيام قليلة فقط " (9) .

واستجابة لمناشدة زعماء الجبهة الموحدة , أصدر القصر فى 12 ديسمبر 1935 مرسوماً ملكياً بإعادة دستور 1923 . ومع ذلك استمر الطلاب فى إضراباتهم ضد الإنجليز . وفى 17 ديسمبر تجمع عدد منهم فى كلية الطب وبحثوا كيفية استمرار حركتهم . وقرر البعض تشكيل " لجان للدعاية الوطنية " فى الأقاليم , وهو مالم يحالفه النجاح العملى . وفى 31 ديسمبر قابل آلاف من الطلاب وفود المؤتمر الدولى للجراحة ـ الذى عقد بقاعة الجامعة ـ بهتافات " مصر للمصريين " باذلين جهداً خاصاً للشوشرة على المندوبين البريطانيين . وعند وصول رئيس الوزراء أجبره الطلاب على التوقف , واضطروه فى آخر الأمر إلى العودة من حيث جاء . ودخل عدد من الطلاب قاعة المؤتمر , وأعاقوا انعقاده لفترة قصيرة .

وبجانب دفع زعماء الأحزاب السياسية إلى تشكيل الجبهة الموحدة , وإعادة الحكم الدستورى , وتمهيد الطريق لتوقيع المعاهدة الانجليزية ـ المصرية سنة 1936 , فإن الانتفاضة الطلابية 35\36 قد سجلت بداية ظهور الحركة الطلابية كقوة متميزة فى السياسة المصرية . وقد استحقت السنوات التى جاءت فى أعقابها أن تسمى " سنوات الشباب " , فقد كانت سنوات تحرر الشباب من أسر الساسة المحترفين الذين أظهر الطلاب استقلالا نسبياً عنهم فى كل من الفكر والحركة , وفى تقييم للأحداث بواسطة أحد المسئولين بدار المندوب السامى البريطانى قال : " إن الطلاب ـ الذين يعتبرون أنفسهم الآن مسئولين عن النصر الوطنى , وإقامة الجبهة الموحدة ليسوا تحت السيطرة التامة للزعماء , وقد يتصرفون باستقلالية عنهم " (10) .

وتحدد انتفاضة الطلاب فى 35\1936 بداية المرحلة التى بدأ الوفد فيها يرخى قبضته عن الطلاب , الذين انضموا بأعداد متزايدة إلى التنظيمات السياسية الناشئة خارج الأحزاب التقليدية . ويوضح الدور الذى لعبته القيادات النشطة فى حركة مصر الفتاة خلال تلك الفترة هذه الحقيقة بشكل خاص . (11) وفى محاولة من الوفد لإستعادة مؤيديه من الطلاب, اضطر إلى إتباع أسلوب خصومه فى تنظيم الطلاب فى تشكيلات شبه عسكرية ( القمصان الزرق ) (12) . ومنذ 35\1936 بدأت التجمعات الطلابية المختلفة والمعسكرات المتميزة تظهر داخل الحركة الطلابية , وبدأ الاستقطاب يظهر فيما بينها بشكل حاد فى السنوات التى تلت الحرب العالمية الثانية .

الأحزاب والتيارات السياسية الفعالة فى صفوف الطلاب

أ – الطلاب الوفديون :

يرجع تاريخ النشاط الطلابى تحت راية الوفد إلى أيام ثورة 1919 . إذ كانت الثورة التى اندلعت تلقائياً قد بدأت شرارتها فى مدرسة الحقوق بجامعة القاهرة . وقد اكتسب تدريجياً قدراً من التنظيم حول المنبر المتمثل فى " نادى المدارس العليا " الذى أنشىء قبل الحرب العالمية الأولى كمنتدى اجتماعى وثقافى للطلبة والخريجين .

وكان عبدالرحمن فهمى سكرتير الوفد يعتمد على الطلبة فى نقل وتنفيذ توجيهاته فى المناطق المختلفة من البلاد وقد أكد لهم فى إحدى نشرلت التعليمات أنه : " عليكم أيها الطلاب , تعتمد الأمة والوفد " (13) . وكان الطلاب أيضاً يشكلون غالبية أعضاء خلايا الجهاز السرى فى الوفد الذى كان يتزعمه فهمى نفسه . وعندما عاد سعد باشا زغلول من المنفى , وجد أن طلاب الوفد قد أنشأوا بالفعل لجنة تنفيذية لتنظيم نشاطهم فى المدن والأقاليم المختلفة . فأقر هذا التطور , وسمح للجنة أن تجتمع مرتين أسبوعياً فى منزله الخاص " بيت الأمة " , ووعد بأن يضع زعيمها حسن ياسين على قائمة الوفد كمرشح فى الانتخابات النيابية . وهو ما حدث فعلاً حيث فاز ياسين بمقعد فى البرلمان وأصبح أول طالب يدخل البرلمان عام 1924 .

وفى أول انتخابات نيابية فى 1924 , شكلت لجنة انتخابية من طلاب الوفد , تتكون من 52 طالباً , انتخبوا بدورهم عشرة منهم لتشكيل اللجنة التنفيذية للطلاب , وقد أثنى سعد زغلول على جهود الطلاب فى شرح تعقيدات النظام الانتخابى للناخبين وإرشادهم خاصة فى المناطق الريفية . ومنذ ذلك الوقت عرف الطلاب بإسم " جيش الوفد "

وكانت مشاركة الطلاب فى الأنشطة السياسية للوفد مصدراً دائماً للإزعاج بالنسبة لحكومات الأقلية المناوئة للوفد . وأثناء الأزمة الدستورية عام 1928 قام الوفد بتعبئة لجانه الطلابية لتنظيم الاحتجاجات ضد الحكومة , فاتهمتها إحدى الصحف المعادية للوفد بأنها " لجان سوفيتية وليست لجاناً طلابية " (14) . وفى نفس العام أصدرت حكومة محمد محمود باشا قانون " حفظ النظام فى معاهد التعليم " , والذى يحظر على الطلاب الانشغال بنشاط سياسى , وعضوية الأحزاب السياسية .

ومع منتصف الثلاثينيات بدأ العديد من الطلاب يفقدون حماسهم للوفد , وبدأت الاتجاهات السياسية الأخرى تحظى بتأييد نسبة كبيرة من الطلاب (15) . وكان أول تجمع غير وفدى يفوز بتأييد طلابى واضح هو جمعية " مصر الفتاة " وبرغم أن العصر الذهبى لسيطرة الوفد على الطلاب فى العشرينيات ـ عندما كان يحتكر تأييدهم فعلياً ـ كاد يصل لنهايته , إلا أن الوفديين ظلوا هم التجمع الأكبر فى التجمع الطلابى . وكما لاحظ مسئول بالسفارة البريطانية : " برغم أن الأحزاب الأخرى تستطيع إحداث بعض المتاعب , إلا أن الوفد وحده هو الذى بمقدوره خلق اضطراب خطير حقاً " (16) .

وقد تميز عام 1937 بالصدامات بين الطلاب الوفديين وغير الوفديين حول مسائل مثل تدريس الدين , والفصل بين الجنسين فى الجامعة . واستخدمت حكومة الوفد فى ذلك الوقت القوة ضد مظاهرات الطلاب , وحلت اللجنة التنفيذة للطلاب , وطبقت مرسوم حفظ النظام فى معاهد التعليم الذى كان الوفد وهو فى المعارضة يعتبره باطلاً (17) .

وفى محاولة من القيادة الوفدية لتأكيد سلطتها على الشباب المتمرد , ورداً على التحدى الذى فرضته الفرق شبه العسكرية لمصر الفتاة ( القمصان الخضر ) , شجعت تشكيل فرق " ذوى القمصان الزرق " (18) ووفقاً لما ذكر السفير البريطانى وقتئذ : " لاشك أن قرار الوفد بتشجيع هذه الحركة يرجع جزئياً إلى انزعاجه من التقدم الذى أحرزته أحزاب الأقلية فى كسب مساندة الطلاب , بل وتنظيمهم فى تشكيلات شبه فاشية " (19) .

وقد شعر البريطانيون بعدم الارتياح إزاء هذا التطور . حيث كتب أنتونى إيدن إلى لامبسون " يجب أن تحثه ( يقصد النحاس باشا ) بكل ما تملك من حجة على إتخاذ إجراءات مبكرة للسيطرة على الحركة , والحد من أنشطتها , وتوجيه هذه الأنشطة ـ إن أمكن ـ إلى قنوات غير ضارة , إن الأمر يعد واحداً من أكثر الأمور أهمية بالنسبة لمستقبل مصر " (20) .

وقبيل إنشاء فرق " القمصان الزرق " ( المكونة أساساً من الطلاب ) بقليل , أنشأ الحزب " لجان شباب الوفد ", التى تكونت أساساً من العمال الشبان فى المدن . وقد تجمعت هذه اللجان فى اتحادعام اتخذ موقفاً عدائياً من القمصان الزرق . وقد تكشف العداء المستتر بين الجماعتين عندما اصطدمتا علناً . ودفع هذا الأمر ـ بالإضافة إلى الضغط البريطانى ـ القيادة الوفدية , إلى إحكام السيطرة على فرق القمصان الزرق حتى تم حلها فى 1938 .

وفى عدد من المواقف انعكست الخلافات داخل صفوف الطلاب الوفديين عن التكتلات المختلفة داخل الوفد نفسه . فعندما حاول النقراشى باشا والدكتور أحمد ماهر الاحتفاظ بمنصبى وزير الحربية ووزير التعليم , اتهمهما النحاس باشا بمحاولة فرض سيطرتهما على الجيش والطلاب . وفى 1924 حاول الزعيم الناشىء للجناح اليمينى فى الوفد فؤاد باشا سراج الدين تنصيب أخيه ياسين سراج الدين زعيماً للطلبة الوفدين (21) , وبرغم فشل المحاولة , إلا أن نتيجها كانت انقسام الطلبة الوفديين إلى معسكرات متنافسة وهو الوضع الذى وصف بأنه : " معركة الوفد ضد الوفد " (22) . وساعد هذا التنافس على خلق تكتل راديكالى بين الطلاب الوفديين حيث شهد مؤتمر الحزب سنة 1943 نمو تأثير الشباب الوفدى . وفيما بعد شكلت العناصر الراديكالية داخل الحزب منبراً منفصلاً عرف بإسم " الطليعة الوفدية " وقد تكون أساساً من الطلاب والمثقفين الذين كانوا يتوقون إلى صياغة برنامج راديكالى لحل مشكلات مصر المستعصية , والذين أصبحوا أكثر وعياً بالإطار الدولى للأزمة الوطنية المصرية ويتزايد الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط . وقد حظيت الطليعة الوفدية بتأييد كبير بين الطلاب , كما تم تمثيلها فى لجنتهم التنفيذية .

وقد أدى حادث 4 فبراير سنة 1942 إلى إضعاف جاذبية الوفد بين الطلاب . ومع نهاية الحرب العالمية الثانية : " أصبح مركزه فى الجامعات والمدارس ضعيفاً بفعل الدعاية الناجحة للقصر بين صفوف الوطنيين والقائمة بشكل أساسى على اتهام الوفد بأنه مسئول عن التدخل البريطانى فى 1942 وبأنه جهاز فاسد " (23) .

وقد أثبت الطلاب الوفديون على أية حال أنهم أكثر حساسية من باقى أعضاء الحزب بالنسبة للمشكلات الاجتماعية لبلادهم , وحاولوا بأقصى ما استطاععوا ـ خصوصاً من خلال " رابطة الشباب الوفديين " ـ حث حزبهم على الاهتمام بهذه المشكلات جدياً . ومع ذلك , فقد فشلوا عملياً فى تغيير سياسته وممارساته التقليدية التى كانت تعكس المصالح الاجتماعية الثابتة للقيادة الوفدية أكثر مما تعكس ضغوط شباب الحزب .

ب – الإخوان المسلمين :

اعتبر الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين أن الطلاب هم " القوة الضاربة " لمنظمته, ومن ثم أولاهم اهتماماً خاصاً . حيث كان يقضى ليلة كاملة كل أسبوع مجتمعاً بمجموعة مختلفة من بينهم بحيث يغطى مجمل عضوية الإخوان من الطلاب على مدار السنة . وكانت علاقته بعديد من الطلاب قائمة على أساس أنه الأب الروحى لهم حيث كان يحتفظ بصلات شخصية معهم , ويعرف بالتفصيل إهتماماتهم وأنشطتهم , وحتى حياتهم الشخصية , وكان يهتم بتقدمهم العلمى بشكل خاص ويشجعهم على قصر جهودهم على الدراسة فقط أثناء فترة الامتحانات . وكان الطلاب الأعضاء فى الإخوان منتظمين فى أسر تجتمع بانتظام أسبوعياً فى منزل أحدهم لدراسة مقرر تعليمى إسلامى موضوع بشكل خاص بحيث يلائم المجموعة من حيث العمر والمستوى الدراسى . وكان معظم هؤلاء الطلاب , إن لم يكن جميعهم , أعضاء أيضاً فى فرق الجوالة التابعة للإخوان المسلمين.(24)

ولم يجند الإخوان المسلمون فى السنوات الأولى من إنشاء تنظيمهم أعداداً كبيرة من الطلاب وقبيل نشوب الحرب العالمية الثانية بلغت عضوية الجماعة من الطلاب حوالى خمسمائة طالب كان معظمهم من الأزهر (25) . وعندما حدث خلاف فى 1937 بين طلاب كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر ونظرائهم فى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة , انحاز الإخوان المسلمون إلى طلاب الأزهر . ونتيجة لذلك نجحوا فى جذب عدد من طلاب الأزهر , وكذلك العديد من علمائه .

وبعد حادث فبراير 1942 , بذل الإخوان كل الجهود لإحتواء أولئك الطلاب الذين أصابهم موقف الوفد بالإحباط , فأعطت مجلتهم مساحة أكبر لشئون الطلاب , وتم إعداد محاضرات منتظمة للطلاب كل خميس , وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية استمر الإخوان المسلمون فى الاهتمام بالكتلة الطلابية , فأنشأوا قسماً خاصاً بالطلاب فى مقر الجماعة كما شجعوا الطلاب على الكتابة حول جوانب الإسلام المرتبطة بدراستهم وحول الموضوعات الإسلامية الأخرى وقد اختير ضابط اتصال من بين طلاب كل كلية , وكانت اللجان الطلابية تخضع لإشراف أحد قيادات الجماعة .

ونتيجة لهذه الجهود نجح الإخوان المسلمون فى كسب تأييد أعداد متزايدة من الطلاب , فقد لاحظ سير والتر سميث ـ الذى يعمل بالسفارة البريطانية فى 1946  : " إن ظهور الإخوان المسلمين قد أضعف الوفد , خصوصاً فى الجامعة والمدارس , حيث أصبحوا مؤخراً أقوى من الوفد من حيث كونهم أحد عناصر الاضطراب " (26) . وقد طغى تغلغل الإخوان المسلمين فى الجامعة المدنية حتى على نجاحهم المبكر فى الأزهر . (27) حيث خلقوا ما كان يعتبر ظاهرة جديدة تماماُ هى " إسلام الأفندية " . (28) ومع ذلك , فقد كان هذا انجازا سياسياً ولم يكن تأصيلاً فكرياً حيث كرروا فى كتاباتهم وأحاديثهم أن حركتهم حركة محافظة , وليست مدرسة فلسفية , ووفقاً لذلك فقد تجنبوا توريط أنفسهم فى تلك المشكلات التى تشغل عقول المتعلمين , ولم يتغير ذلك الأمر باشتراك عدد من المتعلمين ـ طلاب الجامعة , ورجال الدين والقانون ـ فى حركتهم , حيث يمكن أن يعزى هذا الاشتراك إلى الاتفاق مع المذهب السياسى وليس مع الاجتهاد الفكرى الدينى . (29)

وقد تزايد نشاط الإخوان فى الحركة الطلابية فيما بعد الحرب (30) , بحيث إن أى عرض أمين للحركة الطلابية المصرية فى ذلك الوقت يجب أن يقر بالدور الذى لعبه طلاب الإخوان داخل هذه الحركة , وبينما اعتبرت جماعة الإخوان نفسها " القوة المهيمنة " على الحركة الطلابية فى تلك الفترة , فربما كان من الأصوب اعتبارها واحدة من القوى الرئيسية فيها , حيث كان عليها أن تتنافس على كسب تأييد الطلاب مع الكتلة العريضة من الطلاب الوفديين, والأهم من ذلك أن نسبة الإخوان المسلمين فى المجتمع الطلابى ككل ظلت غير محددة , حيث احتفظ بعضهم بعلاقته مع التنظيم سراً حتى على أسرهم إلا أن بعض التقديرات تعطى فكرة تقريبية عن هذه النسبة :

  • مع نهاية الحرب قدر عدد أعضاء فرق الجوالة ـ المكونة أساساً من الطلاب ـ بما بين عشرين ألفاً (32) , وخمسة وأربعين ألفاً (33) .
  • بعد خظر نشاط الإخوان المسلمين فى ديسمبر 1948 , تم طرد عدد من أعضاء الجماعة النشطين من المدارس الثانوية والجامعات يقدر بحوالى ألف طالب (34) .

عند قيام ثورة 1952 , ادعى أحد قادة الإخوان أن طلابهم يشكلون 30% من الطلاب (35) ويتضح تأثير الإخوان المسلمين بين الطلاب من أنهم قد تمكنوا من اكتساح انتخابات اتحاد طلاب جامعة القاهرة فى نوفمبر 1951 , حيث فازوا بالنسب التالية من المقاعد التى جرت عليها الإنتخابات :

11 : 11 فى اتحاد طلاب كلية الزراعة .

11 : 11 فى اتحاد طلاب كلية العلوم .

7 : 10 فى اتحاد طلاب كلية الهندسة .

11 : 16 فى اتحاد طلاب كلية الآداب .

9 : 10 فى اتحاد طلاب كلية الحقوق .

9 : 13 فى اتحاد طلاب كلية التجارة . (36) .

وكان لفوزهم الانتخابى فى كلية الحقوق أهمية خاصة , حيث كانت هذه الكلية معروفة بأنها معقل الطلاب الوفديين . إلا أن مدى نجاحهم فى هذه السنة بالذات يرجع أساساً إلى مبادرتهم بتقديم التدريب العسكرى للطلاب للمشاركة فى الأنشطة الفدائية ضد البريطانيين فى منطقة القناة , حيث فقدوا الشهيدين عمر شاهين وأحمد المنيسى .

وكان طلاب الإخوان المسلمين معروفين بدقة تنظيمهم (37) , حيث اكتسب العديد منهم خبرته التنظيمية خلال عضويته لفرق الجوالة شبه العسكرية , . وهى المجموعة الوحيدة التى استثنيت من قرار سنة 1938 والخاص بحظر كل المنظمات شبه العسكرية . وكان بعض الطلاب أيضاً أعضاء فى الجهاز الخاص السرى للجماعة , كما كان عدد منهم من بين المتطوعين فى حرب فلسطين .

وكان أبرز قادة الإخوان المسلمين من بين الطلاب مصطفى مؤمن (38) الذى كان محرضاً دؤوباً , كما كان قادراً دائماً على إثارة حماس الطلاب . بينما اشتهر قادة آخرون مثل حسان حتحوت وعزالدين إبراهيم باعتبارهما منظمين مهرة . ويعرف مصطفى مؤمن بصفة خاصة بأنه الذى نقل " صوت مصر " (39) إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة سنة 1947 , حيث سافر بجانب الوفد المصرى الرسمى , وهو يحمل التماساً مكتوباً بدم الطلاب يطالبون فيه باستقلال بلادهم . كما أنه اشتهر بخطابه الشهير سنة 1946 , الذى إستشهد فيه بالقرآن الكريم لتكريم شخص رئيس الوزراء اسماعيل صدقي الذى كان على وفاق معه وهو الاستشهاد الذى ما فتىء خصوم الإخوان يجترونه حتى اليوم , برغم أن مصطفى مؤمن بدوره ما فتىء يؤكد أن استشهاده بالآية الكريمة لم يكن ينصب على شخص إسماعيل صدقي باشا بقدر انصبابه على الأمل فى أن يتمثل رئيس الوزراء سيرة النبى إسماعيل .

ج – الشيوعيون :

قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت الحركة الشيوعية الناشئة تحاول التأثير على الحركة الطلابية من داخلها بدلاً من التأثير عليها من الخارج . فشهد العام الدراسى 45\1946 درجة عالية من النشاط الشيوعى بين الطلاب خصوصاً فى كليات العلوم والطب بجامعتى القاهرة والأسكندرية , وفى كليتى التجارة والحقوق بالقاهرة . وقد لقبت كلية الحقوق بالأسكندرية على وجه الخصوص باسم " الكلية الحمراء " (40) .

وقد شكل الشيوعيون مجموعة منظمة بين الطلاب, كما ضمت كل من المنظمات الشيوعية المختلفة نسبة عالية من الطلاب , وخصصت كل منها قسماً طلابياً منفصلاً . وكانت المنظمات الأكثر نشاطاً بين الطلاب هى إيسكرا , والحركة المصرية للتحرر الوطنى ( حمتو ) , وبدرجة أقل مجموعتى القلعة والفجر الجديد .

وكان القسم الطلابى من " إيسكرا " يضم حوالى ثلاثمائة كادر تنتمى نسبة كبيرة منهم إلى أسر موسرة . وحيث أن تلك المنظمة كانت بالغة السرية فقد كان أعضاؤها من الطلاب ينتمون إسمياً إلى دار الأبحاث العلمية , وهو منتدى ثقافى أقامته المنظمة فى القاهرة كمنبر للمناقشة والحوار حول القضايا العامة وبعد ذلك أقاموا منبراً طلابياً مفتوحاً هو عصبة الطلاب المصريين , التى كان يتزعم انشطتها عدد من الكوادر النشطة مثل جمال غالى . وعبد المنعم الغزالى, وسعد زهران , ومحمد الخفيف , وجمال شلبى (41) . وقد مثل غالى العصبة فى المؤتمر التأسيسى لاتحاد الطلاب العالمى . وقد أصدرت العصبة ثلاث أعداد من مجلة سميت " صوت الطالب " , وقد صدرت الطبعة فى حوالى خمسة إلى ستة آلاف نسخة قبل أن يصادرالبوليس المجلة . فصدرت بعد ذلك مرة واحدة فى سرية . وأصدرت العصبة أيضاً سلسلة من المنشورات , مثل المنشور الذى كتبه الغزالى بعنوان " نريد أن نتعلم " والذى انتقد فيه سياسة الحكومة التعليمية .

وكان للحركة المصرية للتحرر الوطنى ( حمتو ) أيضاً قسم طلابى عريض نسبياً . وكان له نشاط فى المعاهد التعليمية خارج جامعتى القاهرة والأسكندرية خصوصاً فى الأزهر , وكلية الفنون الجميلة التى كانت كلية مستقلة . وبالإضافة إلى ذلك جند القسم عدداً من الطلاب السودانيين الذين كانوا بمصر فى ذلك الوقت (42) . وبعكس " إيسكرا " كان أعضاء " حمتو " من الطلاب ينتمون فى الغالب إلى أسر فقيرة .

وفى سنة 1942 تكون تنظيم صغير عرف بإسم " القلعة " , من مجموعة صغيرة ـ ولكنها نشطة ـ من الكوادر الطلابية فى جامعة القاهرة . أما تأثير مجموعة " الفجر الجديد " على الطلاب فقد ارتكز على تعاونها مع الوفد الذى سيطر على اللجنة التنفيذية للطلاب .

وقبيل نهاية سنة 1945 بذلت المنظمات الشيوعية محاولة لتنسيق أنشتطها بين الطلاب وعقدت لقاءات منتظمة بين " إيسكرا " و " حمتو " لهذا الغرض , وهو الجهد الذى انعكس فى الدور البارز الذى لعبه الطلاب الشيوعيون فى انتفاضة 1946 .

وكانت تكتيكات الطلاب الشيوعيين تتميز بالجرأة والاندفاع فى أغلب الأحيان (43) . ففى إحدى المرات نجحت مجموعة منهم فى الهتاف بشعارات ضد الملك عبر راديوا القاهرة أثناء إذاعته المعتادة على الهواء لدقات ساعة الجامعة . كما أنهم نجحوا إلى حد ما فى تشجيع الطالبات على المشاركة فى الأنشطة السياسية . (44) . وكانت أحوال الطلاب الشيوعيين تعكس حالات صعود وهبوط الحركة الشيوعية فى البلاد على وجه العموم , كما كانت تكتيكاتهم ترتبط غالباً بالصراعات العقائدية الحادة داخل الحركة الشيوعية . ففى أكتوبر 1945 توقعت " حمتو " قيام انتفاضة طلابية مع أول أيام العام الدراسى , فوزعت منشوراً يدعو رجال الشرطة إلى عدم قمع إخوانهم المواطنين . وعندما فشلت المظاهرات فى الخروج فى ذلك اليوم ( قامت المظاهرات بعد ذلك بأربعة أشهر ) أدى هذا الخطأ فى التقدير بإحدى التكتلات فى داخل الحركة إلى الانسحاب وإقامة تنظيم جديد خاص به .

وقد ضغط الطلاب الأعضاء فى كل من تنظيمى " إيسكرا " والحركة المصرية للتحرر الوطنى على زعمائهم من أجل الوحدة (45) . وعنما تحققت الوحدة فعلياً , شارك الطلاب فى نشاط المنظمة الموحدة " الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى " ( حدتو ) , وحرروا القسم الطلابى من مجلتها " الجماهير " كما لعبوا أيضاً دوراً فى الصراعات الأيديولوجية داخل الحركة والانقسامات التنظيمية اللاحقة وقد تضمن تقرير هنرى كورييل السكرتير العام للمنظمة المسمى " خط القوى الوطنية الديموقراطية " أن الطلاب بمقدورهم أن يلعبوا دوراً ثورياً بأهمية دور الطبقة العاملة فى النضال الوطنى , والتحول نحو الإشتراكية . ويعترف أحد قادة " حدتو " فيما بعد قائلاً :

" كنت أعتقد أن الطلبة يستطيعون القيام بدور كبير فى المستعمرات , وقد تأثرت بهذه الفكرة لدرجة أننى اعتبرت أن العمال فى مصر ليسوا هم العمال الذين قال عنهم ماركس . وأن الطلبة يلعبون الدور الأساسى " (46) .

وأدى تعدد الانقسامات داخل الحركة بالإضافة إلى موقفها الذى لم يكن متفقاً مع الموقف الشعبى فى حرب فلسطين 1948 , إلى انحسار نفوذها داخل الحركة الطلابية من 1948 إلى 1950 (47) . إلا أنه مع انتعاش الحركة الوطنية فى بداية الخمسينيات , بدأت الحركة الشيوعية تستعيد قوتها . وفى إبريل 1952 حاولت "حدتو" إقامة اتحاد طلاب ديموقراطى , فشكلت لجنة تمهيدية , وبدأت حملة فى مجلتيها "الملايين" و "الواجب" , وتم عقد اجتماع فى جامعة القاهرة تحت عنوان " مؤتمر الميثاق" بمشاركة فعالة من حدتو التى طرح ممثلوها فى المؤتمر عددا من المطالب الديمقراطية ودعوا إلى تشكيل لجان للميثاق الوطنى وبعد إلغاء معاهدة 1936 , شارك بعض الطلاب الشيوعيين فى الأعمال الفدائية ضد البريطانيين فى منطقة القناة . وكان بعض ضباط الجيش الذين قادوا ثورة 1952 قد تأثروا بالحركة الشيوعية من خلال وجودهم بالجامعة كطلبة منتسبين (48) .

د – مصر الفتاة:

كانت مصر الفتاة أول تنظيم سياسى وطنى يقيمه ويتزعمه طلاب وخريجون شباب . وكانت دعوته السياسية الرئيسية تتعلق بالدور الذى ينبغى أن يقوم به جيل الشباب فى استعادة مجد البلاد وتحقيق استقلالها . ويرجع أحمد حسين فى مذكراته محاولة جماعته الأولى للمشاركة فى النشاط الطلابى إلى 1930 , عندما تم ترشيح زميله فتحى رضوان فى انتخابات اتحاد طلاب كلية الحقوق , حيث : كانت دعايتنا تعتبر شيئاً غير مألوف فى ذلك الوقت . لم يكن حديثنا عن النحاس والوفد , أو عن محمد محمود والمعاهدة , بل حتى لم يكن عن الدستور وتطبيقه .. بل كان حديثاً كله تغن بمصر ومجدها وضرورة إبتعاث هذا المجد .. وقد اعتبر ذلك كله نشازاً " (49) .

وعندما بدأ أحمد حسين وزملاؤه مشروع القرش ( جمع التبرعات من المواطنين ) لمساندة الصناعة المحلية , اتهمهم الوفد بمحاولة صرف انتباه الطلاب عن السياسة , وكان الطلبة الوفديون فى العديد من المدارس يمنعون زملاءهم الطلاب من التطوع للعمل فى المشروع (50) .

ومع ذلك كانت مصر الفتاة منظمة " سياسية " واضحة منذ أن أنشئت فى 1933 , ففى فترة زمنية قصيرة للغاية نجحت فى أن تجتذب عدداً من طلاب الجامعة والمدارس الحكومية والخاصة والأزهر . وفى 1934 كان الطلاب يشكلون 40.8% من عضويتها , وأصبحت بصورة سريعة مركزاً لحشد الشباب . فكما لاحظ مسئول بريطانى كان يعمل بمصر فى ذلك الوقت " أن هذه المنظمة الناشئة قد جلبت على نفسها عداوة الوفد , الذى كان بالطبع حريصاً على ألا يرى جماهير الطلاب تفلت من سيطرته " (51) . كما كانت فرق " ذوى القمصان الخضر " التابعة لمصر الفتاة ـ والتى تكونت أساساً من الطلاب ـ مسئولة بصورة كبيرة عن تحريض الوفد على إنشاء فرق " ذوى القمصان الزرق " الخاصة به .

وقد لعب طلاب مصر الفتاة دوراً رئيسياً فى الانتفاضة الطلابية عام 35\1936 , حيث ساعدت الدعايا المبكرة لحركة مصر الفتاة على خلق مناخ الاستياء العام الذى أدى إلى الانتفاضة , الأمر الذى اعتبره أحمد حسين " انتصار لروح مصر الفتاة " (52) . وكان طلاب مصر الفتاة ـ بقيادة نور الدين طراف (53) , وإبراهيم شكرى وآخرين (54) ـ فى طليعة المعارضة الطلابية للوفد . وفى تقرير لوزارة الداخلية جاء أنه " من المحتمل أن يؤدى ارتباط طلاب الجامعة بأعضاء مصر الفتاة بهذا الشكل , إلى أن يضم عدد كبير من هؤلاء الطلاب إلى الجماعة" (55) .

وشارك الطلاب أعضاء مصر الفتاة فى أول حملة دولية لأحمد حسين , حيث طبع الطلاب من كلية الطب كتيباً من خمسين صفحة يضم صوراً فوتوغرافية لقتلى وجرحى الاضرابات , وقد أرسلت نسخة من هذا الكتيب إلى رئيس المنظمة فى لندن لاستخدامها فى التشهير ببريطانيا التى سافر إليها وزميله فتحى رضوان .

وفى 1937 خاض مرشحو مصر الفتاة انتخابات اتحاد الطلاب بنجاح ونالوا أغلبية المقاعد فى كل من معقلى الوفد فى كليتى الحقوق والآداب , ولكن انتصارهم لم يعمر طويلاً , حيث استعاد الوفد تفوقه فى السنة التالية وبعد حل مصر الفتاة فى 1941 , ارتبطت أنشطتها القليلة المسجلة فى تلك الفترة بالطلاب بشكل أساسى . فقد جاء فى مذكرة وردت إلى السفارة البريطانية من القسم المخصوص بوزارة الداخلية أن أعضاء مصر الفتاة بالأزهر قد وزعوا منشورات تحت عنوان " إلى الشباب الأزهرى " يتهم النحاس باشا بحكم البلاد كديكتاتور ويطالب باطلاق سراح أحمد حسين وآخرين (56) . وكان أعضاء مصر الفتاة المفرج عنهم والذين اعتبرهم القسم المخصوص " خطراً على الأمن العام " عبارة عن محامين إثنين . وطباع , وستة من طلاب الجامعة .

وبعد الحرب العالمية الثانية , استأنف أحمد حسين نشاطه عقب خروجه من السجن مركزاً اهتمامه على الطلاب . وقد نقل تقرير من بوليس القاهرة إلى السفارة البريطانية , أن خطبه أصبحت " معادية للبريطانيين بصورة أوضح " وأنه كان يطالب الطلبة " بمضاعفة جهودهم والاستعداد للعام الدراسى " (57) . وفى مقال له بعنوان " الثورة .. الثورة " نادى بأن " الثورة آتية لا ريب فيها , وموعدنا نوفمبر أو ديسمبر حين تفتح الجامعات ويعود الطلاب , وتتكتل هذه الجموع الممثلة للشعب , جيوش من الطلبة هم الذين سيشعلون نيران الثورة كما أشعلوها فى كل تارخ مصر " (58) .

وقد لعب طلاب مصر الفتاة دوراً بارزاً فى تغطية الجدران فى المدن الرئيسية بشعارات مناهضة للإنجليز (59) . كما شاركوا فى حملة العداء لكل ما هو أجنبى , حيث كانوا يقومون علناً بحرق الكتب المطبوعة بلغات أوربية . وبرغم صغر حجم تنظيمهم الطلابى إلا أنه كان بمقدوره احداث قدر من الإضرابات يفوق حجمه التنظيمى .

ومع منتصف الأربعينيات كانت مصر الفتاة قد فقدت الصلة إلى حد كبير بالتيار العام فى الحركة الطلابية , ولم تستعد بعض قواتها إلا فى أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات بعد أن أصبحت " الحزب الاشتراكى " إلا أنها لم تكن بأى شكل قوة مهملة داخل الحركة الطلابية .

ه – التجمعات الأخرى :

لا تعنى أن حقيقة أن الجامعة كانت تشكل معقلاً لكل من الوفد والقوى السياسية الناشئة غير الممثلة فى البرلمان , إن الأحزاب البرلمانية المعارضة للوفد لم تكن ممثلة أيضاً داخل الحركة الطلابية , لكن الأحزاب السياسية الرئيسية الأخرى قد خرجت إلى الوجود نتيجة للإنقسامات داخل قيادة الوفد , وهذه الانقسامات لم يكن لها تأثير كبير على الجماهير الموالية للحزب . بما فى ذلك الطلاب . فبينما انضم العديد من الطلاب إلى المنظمات الجديدة , لم يخرج من الوفد لينضم إلى الأحزاب المنشقة عنه إلا نفر قليل .

فقد انشقت أقلية صغيرة للغاية من الطلاب عن الوفد لتنضم إلى حزب الأحرار الدستوريين فى 21 – 1922 , هذا برغم أن قيادة الأحرار كانت تضم عدداً من المثقفين البارزين ومن أساتذة الجامعات وبرغم شعبية زعيمهم محمد محمود باشا بين بعض الطلاب إبان انتفاضة 35\1936 . فالوفد كان ما يزال قوياً كممثل للأمة وللوحدة الوطنية قبل حصول مصر على الاستقلال الإسمى . ويبدو أن الانشقاق السعدى سنة 37\1938 قد اجتذب منشقين أكثر , وربما يكون ذلك بسبب انتماء قيادته إلى الطبقة الوسطى فى المدن , فبينما كان الأحرار الدستوريون يعتبرون ممثلين لكبار ملاك الأراضى , كان من السهل على السعديين التأثير على أعضاء من طبقتهم بما فى ذلك الطلاب . وبالإضافة إلى ذلك فإن الحزب السعدى كان يقوده زعماء سابقون للوفد كانوا يتمتعون بالشعبية , وكانت لديهم صلات مع بعض العناصر فى الحركة الطلابية . وربما جذب انشقاق عام 42\1943 ـ الذى نشأ عنه حزب " الكتلة الوفدية " ـ عدداً قليلاً من المنشقين بسبب النفوذ الشخصى لزعيمه وسكرتير عام الوفد السابق مكرم عبيد باشا .

أما الحزب البرلمانى الوحيد الذى لا يرجع وجوده إلى انشقاق عن الوفد فكان هو الحزب الوطني الذى سبق وجوده وجود الوفد نفسه . وكان دور الحزب الوطني فى الحركة الطلابية يتضاءل بما يعكس إطراء ضعف الحزب نفسه. فبرغم أن منحاه الوطنى المتشدد (60) قد اجتذب عدداً من الطلاب ومنهم عدد من الطالبات (61) , إلا أن الحزب لم يحقق انتشاراً واسعاً بين الطلاب . ومع ذلك كان تأثيره بينهم أقوى مما يوحى به حجمه كحزب , وهو ما يرجع بالأساس إلى صلابة موقفه الوطنى المتمثل بشعار " لا مفاوضة إلا بعد الجلاء" (62) . ونظراً لعداء الحزب التقليدى للوفد وعدم ثقته نسبياً فى النظام البرلمانى ككل فقد شكل جزءاً من المعسكر المعادى للوفد داخل صفوف الحركة الطلابية .

كما كان هناك العديد من التجمعات الثانوية الأخرى فى الجامعات التى كان بعضها منظماً فى أشكال سياسية (63) , بينما انشغل البعض الآخر باهتمامات نوعية متعددة ( دينية (64) , وفنية , ورياضية .. وهلم جرا ) . كما كان هناك أيضاً عدد من الجمعيات الإقليمية مثل جمعيات الطلبة أبناء الصعيد وأبناء محافظة المنوفية ... إلخ وقد لعبت كل هذه التجمعات أدواراً تابعة لواحد أو أكثر من التيارات الرئيسية داخل الحركة الطلابية بالإضافة للدفاع عن مصالحها النوعية الخاصة .

وبالإضافة لذلك , كان هناك تجمعان متميزان آخران داخل الحركة الطلابية , وهما طلاب المدارس الثانوية من ناحية وطلاب الأزهر من ناحية أخرى وهذان لم يكونا فى حد ذاتهما تجمعين سياسيين بالتحديد , ولكن تغلغل كل التيارات السياسية داخلهما جعلهما يمثلان تربة تمد كل من المعسكرات الرئيسية داخل الحركة الطلابية بالمجندين.

وطلاب المدارس الثانوية هم الذين بدأوا النشاط الطلابى السياسى فى مصر . فكما يذكر فون جرونباوم : " كان طلبة المدارس الثانوية فى أغلب الأحيان هم مصدر الإضرابات منذ ما قبل إنشاء الجامعة . وكان أول أعمال شغب ضخمة من هذا النوع هو تدمير مبنى هيئة تحرير جريدة المقطم , والذى قام بتنفيذه طلاب تحت توجيه الزعيم الوطنى مصطفى كامل ( 1874 – 1908 ) فى 1893 " . (65)

كما ساند طلبة المدارس الثانوية أيضاً حملة الحزب الوطني لإقامة برلمان فى مصر عند بداية القرن . وعندما أعلن البريطانيون من طرف واحد وضع مصر تحت الحماية فى 1914 " تحولت كلا مدرسة فى القطر إلى مركز للدعاية المعادية لبريطانيا " (66)

وأصبحت المدارس الثانوية مسرحاً للسياسة الحزبية أيضاً , وكانت بعض المدارس مثل مدرستى الخديوية والخديو إسماعيل معروفة بأنها مراكز للنشاط الطلابى فى القاهرة . وقد شكا أحد رجال التعليم من أنه قد : " انقلب الوضع , فأصبح تلاميذ المدارس هم الذين يتحكمون بالقوة فى كثير من أمورها من جراء تدخل السياسة والحزبية بين جدرانها , حتى صرنا نسمع صوت التلميذ فيما يتعلق بالتعديلات والتغييرات أكثر من صوت المدرس والناظر ! " . (67)

وكان طلاب المدارس الثانوية يمثلون المصدر الأساسى خارج الجامعات لتجنيد أعضاء الأحزاب الشباب . إلا أن حماس أغلبية هؤلاء الطلاب لحزب الوفد ( وإليهم يرجع صك شعار " يحيا الوفد .. ولوفيها رفد " ) كان يحد منه نفوذ أساتذتهم وناظرى مدارسهم سواء من كانت لهم ميول سياسية مختلفة , أو من اختاروا إطاعة أوامر الحزب الموجود فى الحكم . وتكمن أهمية الدور الذى لعبه طلاب المدارس الثانوية داخل الحركة الطلابية أيضاً فيما لهم من وزن عددى كان يمنح الإضرابات والمظاهرات التى يشاركون فيها مظهر الضخامة والقوة . (68)

وكان لطلاب المدارس الثانوية أهمية أيضاً فى منح الحركة الطلابية قاعدة جغرافية أوسع . فبينما تركز طلاب الجامعات فى القاهرة والأسكندرية , كان طلاب المدارس الثانوية منتشرين فى شتى أنحاء البلاد (69) , ففى 1947 أرسل الوكيل القنصلى البريطانى فى الفيوم تقريراً إلى السفارة جاء فيه : " إن كل المظاهرات التى حدثت فى الفيوم قام بها تلاميذ المدارس وحدهم وهم غافلون ومضللون تماماً , وفى قيامهم بالتظاهر إنما يقلدون فقط طلاب القاهرة " (70) . كما توقع الوكيل القنصلى فى سوهاج أنه : " إذا حدثت أية اضطرابات فستجىء من تلاميذ المدارس , ومعظمهم لا يعرف السبب الذى يتظاهر من أجله " (71) .

وعندما طرح اقتراح بأن تقوم الحكومة بمنح طلاب المدارس الثانوية تدريباً عسكرياً اعتبرت دوائر السفارة البريطانية : " فكرة تدريب طلاب المدارس الثانوية على حمل السلاح فكرة خطرة , حيث أنها تعد عقول الطلاب الصغار لاستخدام الأسلحة التى تدربوا عليها فى الأوقات الحرجة " (72) . وقد حدث فعلاً أن شارك عدد من طلاب المدارس الثانوية فى الأعمال الفدائية فى منطقة القنال , وهاجمت مجموعات متفرقة منهم الجنود البريطانيين للاستيلاء على السلاح .

أما المجموعة الثانية المتميزة داخل الحركة الطلابية فكانت تتكون من طلاب مدارس ومعاهد وكليات الأزهر . وكانت الأحزاب السياسية المختلفة قد نفذت إلى الأزهر , خاصة تلك التنظيمات ذات التوجه الدينى مثل مصر الفتاة والإخوان المسلمين . ولكن تأثير هذه التنظيمات فى الأزهر كان أضعف منه فى المؤسسات التعليمية المدنية , حيث بقى الأزهر بالأساس معقلاً للاتجاهات الدينية والسياسية المحافظة .

وعندما حاول " ذوو القمصان الخضر " من مصر الفتاة , " وذوو القمصان الزرق " من الوفد مد تنظيماتهم إلى الأزهر قوبلوا برفض من معظم الطلاب . حتى إن طلاب الأزهر وجهوا احتجاجاً إلى الملك ضد ذوى القمصان الزرق , ووقعت صدامات عنيفة بين الفريقين فى أكتوبر 1937 , عندما هاجم حوالى ألف من الطلاب الأزهريين مخيمين لذوى القمصان الزرق بالقرب من الأزهر فأحرقوهما ودمروهما تماماً .

وفى 2 فبراير 1942 شاركت مجموعة من طلاب الأزهر فى مظاهرة كانت تهتف بإسم قائد القوات الألمانية المتقدمة نحو الأسكندرية قائلة " إلى الأمام .. يا رومل " (73) . وبعد أن فرض البريطانيون وزارة وفدية لحكم البلاد بعد ذلك بيومين , تظاهر حوالى ثلاثة آلاف منهم لمعارضتها ووزع المتظاهرون مذكرة على البعثات الدبلوماسية الأجنبية فى القاهرة , أثارت غضب النحاس باشا الذى طلب من شيخ الأزهر تهدئة طلابه . وعندما اعترفت حكومة الوفد بالإتحاد السوفيتى فى 1943 , تظاهر طلاب الأزهر ضد هذا الإجراء . وفى يناير 1944أعلنوا الإضراب احتجاجاً على زيارة لمصر كانت متوقعة فى ذلك الحين من مفتى الإتحاد السوفيتى (74) . وعلى ذلك , فإن موقع طلاب الأزهر داخل الحركة الطلابية كان عموماً فى المعسكر المعارض للوفد , وأقرب إلى صف الملك .


العلاقات الداخلية بين القوى الطلابية

إبان الانتفاضة الطلابية فى 35\1936 صنف تقرير لوزارة الداخلية الطلاب إلى قطاعين :

الأول يتكون من مؤيدى الوفد , والثانى من عناصر وطنية مختلفة (75) . وقد ثبت أن هذا الإنقسام داخل الحركة الطلابية هو نوع من الانقسام الدائم . ففى 1937 كانت هناك صدامات عنيفة بالشوارع بين مؤيدى ومعارضى الوفد . وقرب نهاية الحرب العالمية الثانية استقطبت القوى الطلابية مرة أخرى حول طرفين متنافرين : الطلاب الوفديون بالتحالف مع الشيوعيين حديثى الظهور على الساحة , ومعارضوهم من الإخوان المسلمين الذين أقاموا تحالفاً تكتيكياً مع مصر الفتاة , والحزب الوطني وأحزاب الأقلية الأخرى .

وكان معسكر " اليسار " يتمتع بعدد من عناصر القوة . أولا : كان الوفد تاريخياً يحظى بشعبية ضخمة تتبدى فى اتساع عضويته بين الطلاب , والتى أعيد تنظيم نشاطها تحت الزعامة الراديكالية لمصطفى موسى .

وثانياً : كان اليساريون يتمتعون بميزة القدرات الفكرية والتنظيمية لدى الطلاب الشيوعيين وخاصة كفاءتهم فى صياغة برنامج سياسى يتجاوز الشعارات العامة . وثالثاً : كان هناك احتياطى من تأييد كتلة ضخمة من الطلاب المستقلين الذين وإن كانوا غير متفقين مع تجمعات سياسية محددة , إلا أنهم كانوا فى غالبيتهم متعاطفين مع الأهداف العامة للوفد . أما نقط الضعف الرئيسية لدى اليسار فكانت تكمن فى رفض قيادة حزب الوفد السماح لطلابه بالتصرف بأى درجة من درجات الاستقلالية (76) وكذلك فى الانقسامات الداخلية فى صفوف الشيوعيين . وبشكل عام , فإن خصوم اليسار قد وضعوه موضع الدفاع , مستغلين فقدانه للتماسك التنظيمى الذى توافر لقيادة خصومه ألا وهم الإخوان المسلمون .

وكانت عناصر القوة الأساسية لهؤلاء الخصوم تكمن فى كونهم تحت قيادة هيئة غير برلمانية محكمة التنظيم وذات هدف محدد هو تغيير النظام السياسى فى البلاد ككل . وبرغم أن مصر الفتاة قد كانت لها الريادة فى خلق ذلك التجمع فى منتصف الثلاثينيات إلا أنه كان عند منتصف الأربعينيات تحت قيادة , بل وهيمنة الإخوان المسلمين الذين كانوا يتمتعون بشعبية متزايدة (77) .

وقد كان لدى الإخوان المسلمين ومصر الفتاة والحزب الوطني إتفاق عريض حول عدة قضايا : كراهيتهم للوفد , ومفاهيمهم الإسلامية , بالإضافة إلى موقفهم المناوىء للنظام البرلمانى . لكن عناصر ضعف المعسكر كانت تتمثل فى الانقسامات التى كانت تظهر فيما بينهم (78) , وفى التنافس فيما بينهم على كسب الطلاب غير الوفديين , وفى نزوع الإخوان المسلمين بصفة خاصة إلى العمل بصورة مستقلة وبدون أى اعتبار لحلفائهم .

وقد اصطدم المعسكران سياسياً , كما اصطدما فى بعض الأحيان صدامات بدنية وشهدت سنة 1946 أسوأ صدام بينهما , داخل وخارج الجامعات (79) . وفى تبرير هذا الأمر أفاد محمد فريد عبدالخالق مسئول الطلاب وعضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين وقتها بما يلى : " كان لدى الإخوان الرغبة فى تفادى الاحتكاك المباشر , لكن كانت هناك اعتداءات من الآخرين فاضطررنا للرد .. ودليل ذلك أن الوفد هو الذى كان يخسر , والإخوان هم القوة الجديدة التى تجتذب أنصاره , فكان يعتدى وكنا نرد الاعتداء .. لم تكن علاقة الإخوان بالوفد علاقة تنافس , وإنما علاقة قوية قديمة بقوة جديدة " (80) .

حقيقة إن الوفد كان فى ذلك الوقت قوة متداعية , وكان منهج الإخوان المسلمين بشكل عام رافضاً التورط فى مواجهات سابقة لأوانها . إلا أن هذا لا يعفى الإخوان من المسئولية عن مثل هذه المواجهات , حيث أنه من صميم طبيعة قتال الشوارع إنه لا يمكن التمييز بدقة بين المعتدين والضحايا . كذلك فقد كان الإخوان المسلمون فى أكثر من مناسبة حريصين على استعراض قوتهم العددية بصورة استفزازية .

لكن العلاقة بين الإخوان والشيوعيين تبدوا أسوأ العلاقات جميعها (81) . حيث كانت عبارة عن مواجهة بين قوتين ناشئتين لم تجد أى فرصة للمصالحة . وقد أقر محمد فريد عبد الخالق بأنه : " بالنسبة للشيوعيين .. بطبيعة الفكر الماركسى كان أمر التعاون معهم فى الميدان السياسى غير متقبل للخلاف المبدئى بين الفكر الإسلامى والفكر الشيوعى .. كذلك لم يكن الشيوعيون شركاء أمناء بل كانوا يركبون الموجة " (82) . وطبقاً لما يرى الدكتور حسان حتحوت وهو أحد الطلاب النشطين من الإخوان فى تلك الفترة , فإن الحركة الطلابية المصرية قد فشلت فى أمرين أساسيين : " الأول أنه كان فيها مكان لطائفة من المنتفعين والإنتهازيين ( طلاب الأحزاب ) , الثانى أنها كانت الشباك الذى دخلت منه الشيوعية إلى مصر " (83) . ويؤكد ممثلو الإخوان على الدور المحدود الذى لعبه خصومهم الشيوعيون : " لقد كانت قيادة الجامعة والحركة الطلابية عامة إسلامية .. وإن اشترك فيها قلة من الشيوعيين للتهريج وما يمكن أن يسمى كسباً أو تسجيلاً موقف " (84) .

وقد ندد الشيوعيون أيضاً بالإخوان المسلمين وإعتبروهم فاشيين , ورجعيين وعملاء لبريطانيا , ومراهنين على القصر , وأدوات فى يد حكومات الأقلية , ومتاجرين بالدين كما أتهم الشيوعيون الإخوان بأنهم إرهابيون , وكانت " الجماهير " ( مجلة حدتو ) هى أول من أقترح ضرورة حل تنظيم الإخوان المسلمين . وقد وصف منشور شيوعى سرى صدر باللغة الإنجليزية انتخابات اتحاد الطلاب بجامعة القاهرة فى العام الدراسى 47\1948 بما يلى : " لقد تم خوض المعركة الانتخابية بضراوة . وقد توقعت السلطات فوز الإخوان المسلمين الفاشست , وقد بنى الفاشيون الصغار الحملة الانتخابية على تسجيل أسماء الطلاب المصريين فى الفرق المعادية لليهود , وعلى إبعاد الطالبات من مجلس اتحاد الطلاب ... بينما انصبت حملة الوفديين والتقدميين على النضال ضد الإمبريالية بكل عام بداية من مصر , وعلى تسديد مصروفات الطلاب الفقراء من مخصصات الإتحاد , وإزالة كردون البوليس الواقع حول الجامعة " (85) .

كان الإخوان المسلمون والشيوعيون بلا ريب أكثر التيارات حيوية داخل الحركة الطلابية , بحيث أنهما لو كانا قد اتفقا معاً لكان مسار الحركة الطلابية قد تغير كلية , وبرغم أن الخلافات المبدئية بين الأثنين قد منعت أى تعاون وثيق بينهما , إلا أن المصدر الأساسى لعداوتهما كان ذا طبيعة عملية بدرجة أكبر .

كانت كل من المجموعتين تمثل قوة جديدة تهدف إلى إحداث تغيير جذرى فى النظام السياسى (86) وتتنافس أساساً على اجتذاب نفس القطاع من السكان , وهو بالتحديد الطبقة الوسطى من سكان المدن . وكانت علاقة كل من المجموعتين بالقوى الأخرى على الساحة السياسية لا تقوم بالضرورة على الاتفاق فى المبادىء . إذ أن الإخوان المسلمين لم يترددوا فى التحالف مع أدنى الحكومات شعبية عندما وجدوا أن ذلك يحقق لهم مصلحة تكتيكية . كما أن الشيوعيين بدورهم لم يترددوا فى التحالف مع الوفد إبان فترة انهياره وعندما كان يسيطر عليه كبار ملاك الأراضى الزراعية الرافضين لفكرة إجراء إصلاح اجتماعى . كما لم تكن هناك فروق تذكر بين الإخوان والشيوعيين من حيث الطبقة الاجتماعية المشكلة لمعظم عضويتيهما . ومع تنامى قوة الحركة الوطنية فيما بين 1950 و1952 ألغى قطاع كبير من الحركة الشيوعية تهمة " الفاشية " وطالبوا بجبهة وطنية مع الإخوان المسلمين .

وفى أثناء المواجهة بينهما حافظ طلاب المعسكرين على بعض الجسور المفتوحة فيما بينهما بخصوص عدد من النقاط . (87) فعندما اغتيل رئيس الوزراء السعدى أحمد ماهر باشا فى فبراير 1945 , ألقى القبض على الطلاب النشطين من مختلف الاتجاهات . ومن ثم فقد التقوا فى السجن , حيث تناقشوا فى أمر التنسيق بين أنشطتهم داخل الحركة الطلابية بعد الإفراج عنهم (88) . شهد صيف 1945 استمرار هذه المناقشات بين كل الاتجاهات الطلابية تقريباً . وفى بعض الأحيان كانت هناك علاقات ود قوية بين الوفديين والإخوان (89) , وحتى بين الشيوعيين والإخوان كانت هناك حوارات إبان الدعوة إلى الجبهة الوطنية (90) .

كانت القضية المبدئية التى اجتذبت المعسكرين الطلابيين معاً هى موقفهم المشترك من مسألة الاستقلال الوطنى . (91) حيث كانت المطالب الوطنية مثل إجلاء القوات البريطانية , وإلغاء معاهدة 1936 , هى الأهداف المشتركة بين كل الاتجاهات , ولذلك شارك الجميع فى المظاهرات " حتى بدون ترتيب مسبق " (92) .

وباستثناء هذه المساحة من الاتفاق , فإن الحركة الطلابية قد انقسمت على نفسها فى كل قضية , ولم تحقق وحدة تنظيمية , أوتخلق قيادة موحدة . فادعى كل من التجمعين السياسين بأحقيته فى تزعم الحركة بدلاً من الآخر . وسيطر هذا الصراع على نشاطات الحركة وحتى بعد مرور سنين طويلة لم يبد أحد من القيادات الطلابية فى ذلك الوقت تقديراً يذكر للدور الذى لعبه فى الماضى خصومه السياسيون وبذلك يتأكد ما لاحظه مبكراً السفير البريطانى سير مايلز لامبسون حين قال فى 1936  : " إذا ترك الطلاب وشأنهم , فسوف يقعون مع بعضهم البعض ويتفرقون " ! (93) .


الهوامش

1) حول المرحلة المبكرة من النشاط الطلابى فى مصر انظر على سبيل المثال : محمد أبو الإسعاد , السياسة التعليمية تحت الاحتلال البريطانى فى 18821922 , دار النهضة العربية , القاهرة 1983 , ص 244 – 264 .

2) يونان لبيب رزق , تاريخ الوزارت المصرية , مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام , القاهرة , 1975 , ص 377 .

3) FO(Forign Office) , 407\219, no-31 (1936 ) Lampson to Eden انظر كذلك : شفيق إبراهيم مرشاق , يوميات ثورة 1934 , الوفد , 14\11\1985 .

4) كتب الجراحى خطابا بدمه إلى رئيس الوزراء البريطانى قبل أن يموت . وقد حفظت ذكراه الأغنية الشعبية " عبدالحكم رفع العلم ".( انظر صلاح عيسى , والجروح قصاص , الأهالى , 6 أكتوبر 1982 ) .

كما كان على طه عفيفى الذى توفى فى 15 نوفمبر من الضحايا الطلاب الذين خلدوا أيضاً , حيث كان إحدى الشخصيات الرئيسية فى رواية نجيب محفوظ " القاهرة 30 " والتى تحولت إلى فيلم سينمائى . ( انظر أيضاً : صلاح عيسى , " عبدالحكم رفع العلم " , الشباب عدد (1) , 5 ديسمبر 1972 . وانظر كذلك شهادة الدكتور لويس عوض مشاركة فى مظاهرات نوفمبر 1935  : أدب ونقد : عدد 57 , مايو 1990 , ص 64 – 65 ) .

5) FO407\219 , No .31 (1936 ) .

6) عبد الرحمن الرافعى , فى أعقاب الثورة المصرية (ج2) مكتبة النهضة المصرية , القاهرة 1949 و 1951 , ص 202 . انظر كذلك : حافظ محمود , ثورة شباب سنة 1935 , الجمهورية , 12\11\1987 .

7) محمد حسين هيكل , مذكرات فى السياسة المصرية (ج1) مكتبة النهضة المصرية , القاهرة , 1951 , ص 384 .

8) المرجع السابق , ص 385 .

9) FO407\219 no.31 (1936 )

10) FO141,618 (1935 ) "Students : Political Activities and strike.

11) كان أحمد حسين زعيم مصر الفتاة يعد هذه الانتفاضة الطلابية " انتصاراً لروح مصر الفتاة " ( انظر أحمد حسين , "إيمانى" , مطبعة الرغائب , القاهرة , 1936 , ص 234 ) . وقد أشار إليها حديثاً باعتبارها " الأثر المباشر لجهاد مصر الفتاة " حيث أن العديد من قيادات الانتفاضة , كما أن شهداءها الأوائل , كانوا من بين أعضاء منظمته , ( أحمد حسين , مذكرات الشعب , 18 أغسطس 1981 ) . انظر كذلك : سامى حكيم , مصر الفتاة بين عيد الجهاد عيد الشباب , الشعب , 15\11\1988 .

12) مع انتشار التنظيمات شبه العسكرية بين الطلاب , لاحظ " بشتلى أفندى " أن " الطلاب فى مصر يقرأون الصحف جيداً , ولاشك أن الدعاية الإيطالية فى صحف مثل الأهرام والبلاغ كان لها أثرها عليهم مما شجعهم على تشكيل حماعات على أسس فاشية " .

13) Marius Deeb ,op. cit. , p . 63 – 4

14) صلاح عيسى , حكايات من مصر , الوطن العربى , بيروت , 1973 , ص271 .

15) فى 1936 كان الطلبة المناهضون للوفد يزعمون أنهم يتمتعون بتأييد 70% من الطلاب , بينما كان سير "مايلز لامبسون "يرى أن " نسبة 30% هى الأقرب إلى الصحة " . (FO 141,543 (1936 ), Students : Political Activities and strikes)

16) FO 407\219, no . 31 (1936 )

17) عبد العظيم رمضان , تطور الحركة الوطنية فى مصر37 –1948 (ج1) , الوطن العربى , بيروت 1973 , ص 172 . وقد كتب كيلى إلى إيدن أن " الوفد يحس فعلاً الآن بالحد الآخر للسلاح الذى اصطنعه بنفسه . فالطلاب الذين ظل الوفد يربيهم طويلاً لمعارضة السلطة , يبدو أنهم يسعون الآن حثيثاً لتشكيل معارضة تكون مستعدة لمعارضة الوفد نفسه وهو فى الحكم " (FO407\221, no.107 (1937), Lampson to Eden .) .

18) رمضان , تطور الحركة الوطنية , ص98 : شكل الكتيبة الأولى " محمد بلال " الطالب بكلية الطب من زملائه بالكلية . أنظر : سامى صبرى , مات الدكنور محمد بلال , الوفد , 3\5\88 وإبراهيم يونس , سقط بلال فى ساحة الشرف , الوفد , 4\5\1988 .

19) FO 141,543 (1936 ) .

20) نفس المرجع .

21) مقابلة مع عبدالمنعم الغزالى (إبريل 1979 ) . وشهد الغزالى بأن كل الوسائل ـ بما فيها الأموال , والعنف ـ استخدمت لفرض ياسين سراج الدين كرئيس للطلاب الوفديين بدلاً من حافظ شيحة . وكان الأخير يحظى بمساعدة الزعيم الفعلى للطلاب الوفديين , مصطفى موسى , الذى أصبح بعد ذلك الزعيم الرسمى لعدة سنوات . وكان موسى أشهر زعيم طلابى فى ذلك الوقت , وقد انتخب عضواً بالبرلمان عن دائرة باب الشعرية بالقاهرة بينما كان لا يزال طالباً .

22) مقابلة مع الغزالى .

23) FO 141\1077 (1946 ) , "Polical Sitution"

24) مقابلة مع محمد فريد عبدالخالق (أغسطس 1981) . انظر أيضاً : حسن البنا " الإمام الشهيد حسن البنا يتحدث إلى شباب العالم الإسلامى " , الطبعة الأولى ( دار القلم , دمشق وبيروت 1974 ) .

25) زكريا سليمان بيومى , الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية فى الحياة السياسية المصرية , مكتبة وهبة , القاهرة , 1979 , ص 309 .

26) FO 141, 1077 (1946 )

27) بيومى , الإخوان المسلمين , ص271 و Jean and Simonne Lacouture, Egypt in Transition (Methuen, London, 1958 ), p. 247.

وقد أرجع اسحق موسى الحسينى نجاحهم المحدود نسبياً فى الأزهر إلى فشلهم فى معالجة الأزمة الروحية القائمة ومخاطبة العقل السنى المتعلم . (Ishak Musa Husaini, The Moslem Brethern : The Greatest of Modern Islamic Movements, (Khayat`s College Book Cooperative, Beirut, 1956),p106.

28) مقابلة (كتابية) مع د. حسان حتحوت ( سبتمبر 1979 ) وفى لقاء له مع مجموعة من طلاب الجامعات عام 1937 , تذكر البنا أمام الطلاب " اللحظة المباركة " التى جلس فيها مع ستة من زملائهم منذ أرنع سنوات لمناقشة واجبات طلبة الجامعات تجاه الإسلام وذكر لهم أنه مع نهاية السنة الثانية أصبح هؤلاء الستة أربعين طالباً .. وعند نهاية الثالثة كانوا ثلاثمائة , وفى ذلك العام "1937" وهو الرابع كانوا يتزايدزن ولا يتناقصون . ( حسن البنا , مذكرات الدعوة والداعية , الطبعة الثالثة , المكتب الإسلامى بيروت ص 229 – 230 ) .

29) Husaini , Moslem Brethern, pp. 106-7

30) وفقاً لما يذكر عبدالخالق , فإن انخراط الإخوان المسلمين فى المعارك السياسية فى السنوات التالية للحرب مباشرة , تجاوز ما كان يعتزمونه فى البداية , حيث كانوا ينتوون التريث إلى أن ينجحوا فى خلق جيل جديد يربى على التعاليم الاسلامية . واضطرهم احتدام الصراع الوطنى إلى ذلك الانخراط المتزايد ( مقابلة ) .

31) مقابلة مع الدكتور حسن حتحوت .

32) تقدير صلاح عيسى الذى بناه على دفاع أحمد حسين عن الإخوان المسلمين أمام القضاء بعد حل الجماعة على يد حكومة النقراشى عام 1948 . ( الهدف , 23 يونيو 1977 ) .

33) تقدير عبد العظيم رمضان الذى بناه على تقرير أعده نائب رئيس جماعة الجوالة بالإخوان المسلمين حول الأنشطة الكشفية . ( عبدالعظيم رمضان , تطور الحركة الوطنية , ج 1 ص 127 ) .

34) رفعت السعيد , حسن البنا: متى وكيف ولماذا ؟ مكتبة مدبولى , القاهرة , 1977 , ص 144 .

35) 1 AcOuture, Egypt in Transition, p . 247.

      وقد أشار أستاذ بريطانى يعنل فى مصر إلى أن هذا التقدير يعد " ادعاء مبالغاً " 

A.J. Craig, Egyptian Students, Middle East Jouranl, VO. 7 NO.3 (1953), P . 24.

36) Husini, p . 66. وكانت النتيجة وفقاً لما ورد بعدد 1 ديسمبر من صحيفة " نيويورك تايمز " كالتالى :

11\13 فى كلية العلوم

9\12 فى كلية التجارة

8\15 فى كلية الطب البيطرى

37) مقابلة مع د. حتحوت وعبدالخالق .

38) طبقاً لأحد ملفات السفارة البريطانية "ذكر أحد العملاء أن مؤمن رجل يزيد عمره على ثلاثين عاماً , ورغم أنه كان متخرجاً فى كلية الهندسة , إلا أنه يصنف باعتباره طالباً لأنه طلاب قسم الصحافة بالجامعة " (FO 141, 1187 (1947), Political Situationوقد فصل مؤمن من الإخوان المسلمين مع نهاية عام 1952 بسبب مطالبته بتحويلها إلى منظمة ديموقراطية ( عبدالعظيم رمضان , الهدف , 9 ديسمبر 1980 ) .

39) انظر كتابه : " صوت مصر " , مطبعة الكتاب العربى , القاهرة 1951 .

40) رفعت السعيد , [[تاريخ المنظمات اليسارية فى مصر1940 –1950]] , دار الثقافة الجديدة , القاهرة 1976 , ص 265 . وقد زعم تقرير للسفارة البريطانية أن الشيوعية كانت تنتشر بسرعة فى كلية التجارة حيث كان أحد الأساتذة الماركسيين يقوم بتجنيد الطلاب سراً . كما زعم أيضاً أن الطالبات بكلية الآداب ينزعن نحو الشيوعية ( انظر : د. محمود متولى مصر والحركة الشيوعية خلال الحرب العالمية الثانية , دار الموقف العربى , القاهرة , 1979 , ص 50 ) .

41) رفعت السعيد , المنظمات اليسارية .., ص322 , ومقابلة مع سعد زهران ( سبتمبر 1981 ) والغزالى, وكانت منظمة " إيسكرا" أيضاً تضم عدداً من الطالبات , من بينهن فاطمة زكى وثريا أدهم , ولطيفة الزيات .

42) رفعت السعيد , المنظمات اليسارية , ص 348 – 350 , عندما أغلقت جامعة الخرطوم عام 1946 , سافر العديد من الطلاب السودانيين إلى مصر . وكان من بينهم بعض الذين أصبحوا فيما بعد من القيادات البارزة فى الحزب الشيوعى السودانى , ومنهم سكرتيره العام عبد الخالق محجوب , انظر : Sal,h El Din El Zein El , Tayeb, The Students Movement in the sudan 1940 – 1970, Khartoum University Press, 1971, p. 40 – 1.

43) مقابلة مع د. أحمد شوقى الفنجرى ( يونيو 1978 ) . وورد فى تقرير للسفارة البريطانية " .. إن الحكومة المصرية الآن تفزع فعاً من التهديد الشيوعى فى الجامعة " . (FO 141, 1434 (1951 ), Comimunism: Egypt.

44) فى مقابلة مع سعد زهران , قرر أنه قد تم تنحيه عن موقع ممثل المجموعة اليسارية فى اللجنة التى نظمت إضرابات فبراير 1946 , حتى يمكن لزميلته لطيفة الزيات أن تحل محله , وذلك كتشجيع للطالبات على المساهمة فى الأنشطة السياسية .

45) السعيد , المنظمات اليسارية , ص 376 . تعرضت جماعة الفجر الجديد , التى لم تنضم إلى وحدة " حدتو " عام 1947 , للضغط من قبل أعضائها من الطلاب عام 1951 لتغيير موقفها إزاء الوحدة . وكانت استجابة قيادة الجماعة عنيفة , إذ قامت بحل القطاع الطلابى للمنظمة ( مقابلة مع صادق سعد فى المرجع السايق ) .

46) مقابلة مع مصطفى طيبة فى عبدالعظيم رمضان , عبدالناصر وأزمة مارس 1954 , مطابع روزاليوسف القاهرة 1976 ص 371 .

47) WalterLlaqueur Communis,m and Natinaloism فى عام 1948 دعت " حدتو " إلى مظاهرة فى ذكرى انتفاضة الطلاب عام 1946 ولم يحضر المظاهرة سوى ستين طالباً ( السعيد , المنظمات اليسارية ص 146 ) .

48) كان من أبرزهم خالد محيي الدين الذى كان يدرس فى كلية التجارة جامعة القاهرة , بينما كان ضابطاً ( انظر : أحمد حمروش , قصة ثورة 23 يوليو , المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 1974 , ص 144 ) .

49) أحمد حسين , مذكرات , الشعب , 23 يونيو 1981 .

50) FO 141, 498 (1934), Students : Political Activites and Strikes وصف شباب الوفديين أحمد حسين بأته " حرامى القرش " ( أحمد حسين , مذكرات , الشعب , 28 يوليو 1981 ) .

وقال مكرم عبيد باشا : " إن دعوة الشباب لعدم الاشتغال بالسياسة هى أخطر الدعوات وأخبثها .. إن الذين يسمون أنفسهم لا حزبيون أو قوميون إنما يرددون صيغاً استعمارية , ( ورد فى رفعت السعيد , أحمد حسين .. كلمات ومواقف , العربى للنشر , القاهرة , 1979 , ص59 و 180 ) .

51) FO 141, 498 (1934).

52) أحمد حسين , إيمانى , ص 234 .

53) أصبح فيما بعد وزيراً للصحة وعضواً بمجلس رئاسة الجمهورية العربية المتحدة .

54) يذكر أن إبراهيم شكرى أصيب إصابة بالغة فى المظاهرة ونجا من الموت بأعجوبة . ومن ثم لقب ب " الشهيد الحى " . وفى عام 1950 أصبح أول عضو اشتراكى بالبرلمان , وهو الآن رئيس حزب العمل الإشتراكى . ومن القيادات الطلابية لمصر الفتاة أيضاً محيى الدين عبد الحليم وحمادة النحال ومحمود مكى ومحمود الشافعى وكمال سعد ( انظر : أحمد حسين , إيمانى , ص 235 ) .

55) FO 141, 618 (1935 ) وقد أضاف التقرير أن " صلاح الدين ذهنى , الطالب بمدرسة الحقوق واليد اليمنى للسنهورى , بلغنا أنه قد اتصل سراً بمحمد صبيح أحد قاده مصر الفتاة بخصوص انضمام اللجان الطلابية للوفد إلى جناعة مصر الفتاة " .

56) FO 141, 951 (1945 ), The Youn Egypt Party

57) FO 141, 1005 (1945 ), Political Situation.

58) ورد فى : رفعت السعيد , أحمد حسين : كلمات ومواقف , ص 20 .

59) المرجع السابق , ص 201. وقد تضمنت شعارات مثل : ياشباب 1945 , كن كشباب 1919 .

60) كان الحزب الوطني وفقاً لتعبير أحد قياداته الطلابية " يعتبر الحزب النضالى الصلب المثالى المتشبث بالقيم , وكان مدرسة حقيقية للتربية الوطنية أكثر من للتربية السياسية " ( مقابلة بالنيابة مع ماهر محمد على ـ سبتمبر 1981 ) .

61) من العناصر النسائية النشطة فى الحزب الوطني كانت عائشة راتب ( التى أصبحت وزيرة وسفيرة ) , وليلى تكلا ( التى أصبحت عضوة بالبرلمان ) , وعزيزة هيكل , ونعمت بدر , وناهد رشدى .

62) وفقاً لما ذكر ماهر محمد ( مقابلة ) , لم تحصل عناصر الحزب الوطني على أى امتيازات من خلال عملهم من أجل الحزب حيث إنه على عكس الأحزاب الأخرى , لم يحدث أن وصل الحزب إلى الحكم .

63) من بين هؤلاء كان الطلاب الأعضاء فى " حزب الفلاح " و " حزب العمال " و " جبهة مصر " .. إلخ .

64) من الجماعات الدينية مثلا " جمعية الشبان المسلمين " و " شباب محمد " .

65) G.E. von Grune baum, The Political Role of the University in the Near East as lllustrated by Egypt, in : G. E. von Grunebaum (ed.), Modern Islam: the Search for Cultural Identity (University of California Press, 1962),p.. 195. وانظر أيضاً : أبو الإسعاد , السياسة التعليمية ..

66) ,Groupe d`Etudes de 1`Islam, 1`Egypte Independente in : Raoul Makarius, op. cit. , p. 12. غنى عن الذكر أن طلاب المدارس الثانوية قد أسهموا أيضاً فى ثورة1919 . حيث جاء أول شهداء الثورة ( مصطفى ماهر أمين الطالب بالسعدية الثانوية ) من بين صفوفهم . انظر مثلاً : مصطفى أمين , فكرة , الأخبار , 25\3\1986.

67) عبدالحميد فهمى مطر , التعليم والمتعطلون فى مصر , ص 29 .

68) Craig, Egyptian Students, p . 293 وقد لاحظ كريج أن " العديد من وربما معظم مظاهرات الطلاب المصريين التى تنشر فى الصحف لا تعنى طلاب الجامعات وإنما تلاميذ المدارس الثانوية , فهؤلاء التلاميذ ليسوا بالضرورة أولاداًَ صغاراً .. " كما لاحظ معلق بريطانى آخر أن " كلمة طالب يجب فهمها على أساس أنها تضم الأولاد فى المدارس الثانوية الذين دائماً ما يبرزون عندما تندلع المظاهرات السياسية " . ( H. Deighton, Higher Education in Egypt, TiMES Educational Supplement, 25 Jan. 1947).

69) انظر, على سبيل المثال : فاروق منيب , حادثة لا تنسى , العرب , 6 أكتوبر 1973 .

70) FO 141, 1187 (1947).

71) نفس المرجع

72) FO 141, 961 (1944), Military Training of Egyptian Students.

73) عبدالعظيم رمضان , ج2 , ص 198 .

74) عاصم الدسوقى, مصرفى الحرب العالمية الثانية , ص 140 , وكمثال لنشاط طلاب وشيوخ الأزهر , انظر كذلك : عبدالمنعم النمر , ذكريات مع الشيخ الباقورى , الأخبار, 4\10\1985 .

75) FO 141,543 (1936 )

76) مقابلة مع زهران .

77) مقابلة مع عبد الخالق .

78) فى مرحلة تالية كان هناك خلاف بين الإخوان المسلمين ومصر الفتاة, واتهمت مجلة " مصر الفتاة " ( 17\7\1946 ) حسن البنا بأنه " أداة فى يد الرجعية , وفى يد الرأسمالية اليهودية , وفى يد الانجليز وصدقي باشا " ( وردت فى : أحمد المصرى , الإخوان المسلمون , التضامن , العدد 30 , يوليو ـ أغسطس 1979 . ص 46 ) .

79) رمضان , الهدف , 20 نوفمبر [1980]]. فى بورسعيد , استخدم الرصاص والقنابل فى معركة بين الوفديين والإخوان المسلمين ( طارق البشرى , الحركة السياسية فى مصر , 19451952 ص77 ) .

80) مقابلة مع عبدالخالق .

81) مقابلة مع د. الفنجرى , وزهران . انظر كذلك : سعد زهران , فى أصول السياسة المصرية , دار المستقبل العربى , القاهرة , 1985 , ص 128 – 129 .

82) مقابلة مع عبدالخالق .

83) مقابلة مع الدكتور حتحوت .

84) عبد المتعال الجبرى , لماذا اغتيل الإمام الشهيد حسن البنا ؟ , دار الاعتصام , القاهرة 1977 , ص 99 .

85) Egypt News, Vol. 1, n0.2 (3 Jan. 1948), in : FO 141, 1272 (1948) Arab Sociaties :The Democratic Movement for National Liberation . انظر كذلك رواية الدكتور لويس عوض عن تصدى الشيوعيين والوفديين للإخوان المسلمينفى انتخابات اتحاد طلاب كلية الآداب جامعة القاهرة فى العام الدراسى السابق : أدب ونقد عدد 57 , مايو 1990 , ص71 .

86) كان الشيوعيون والإخوان يعرفون بأنهم " أعداء كل حكومة " ( مقابلة مع د. حتحوت ) .

87) أظهرت انتخابات اتحاد طلاب كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1952 أن الإخوان المسلمين والجبهة الموحدة ( الوفديين – والشيوعيين ) يتساويان فى القوة . Laqueur, Communism and Nationalism, p. 16. نقلاً عن المصرى , 6 يناير 1953 ) .

88) مقابلة مع الغزالى .

89) مقابلة مع عبد الخلق , كما ذكر السكرتير الشرفى للسفارة البريطانية أنه علم أن " الوفد قد جعل الإخوان فى خدمته " FO 141, 951 (1944) .

وقد زار عدد من قيادات الوفد – من بينهم فؤاد باشا سراج الدين – مقر الإخوان المسلمين , حيث ألقوا كلمات ودية , وحيث اعتبروا أعضاء فخريين فى الجماعة ( بيومى , الإخوان المسلمون, ص 227 ) .

90) مقابلة مع عبد الخالق , وفؤاد نصحى , مصر الفتاة– الحزب الاشتراكى , المطبعة العالمية , القاهرة 1978 , ص 16 Quraishi, Liberal Nat:nalism in Egypt., p. 190: Husaini, Moslem Brethern. Pp. 144 – 147.

91) مقابلة مع د. الفنجرى وماهر محمد على .

92) مقابلة مع عبد الخالق , و Jean- Pierre Thieck, La Jouree du 21 Fevrier dans 1`Histoire du Mouvement National Egypten, The se- Aix- en Province, 1975

93) FO 141, 543 (1936 ).


(4) انتفاضة 1946

مسار الإنتفاضة الطلابية الثانية

كان صيف 1945 على الصعيد السياسى حاراً كحرارة الطقس ذاته , حيث كانت الحرب العالمية الثانية قد انتهت رسمياً , وكانت الحركة الوطنية المصرية تنتظر أن تتجاوب بريطانيا مع مطالبها بعدما قدمت مصر من خدمات للحلفاء أثناء الحرب . وعلى النحو التالى لخصت السلطات البريطانية الموقف فى مصر :

- الوفد نشيط , وبصفة خاصة فؤاد سراج الدين الذى ينسق مع مصر الفتاة والإخوان المسلمين .

- بؤرة النشاط , وهى طلاب الجامعات والمدارس , تعد العدة من أجل الاضطرابات فى أكتوبر ونوفمبر 1945 عند بداية العام الدراسى .

- اتحاد خريخى الجامعات نشط تحت قيادة حسين دياب وهو وفدى .

- أصبحت خطب أحمد حسين زعيم مصر الفتاة أكثر وضوحاً فى عدائها للبريطانيين , مع تزايد كلامه عن حقوق الفقراء . وهو يدعو الطلاب إلى مضاعفة جهودهم والاستعداد للعام الدراسى .

- الإخوان المسلمون يزدادون قوة حيث أفصح " البنا " عن وجهه لينغمس مباشرة فى السياسة , وقد ألتقى فى الخامس من هذا الشهر بالطلاب الذين دعوا إلى مؤتمر عام فى الرابع من أكتوبر لمناقشة المطالب الوطنية .

- كما أن عدد الطلاب الشيوعيين فى تزايد مستمر وبعضهم أعضاء فى اتحاد خريجى الجامعات وهم يطالبون بالاستقلال التام والعدالة الاجتماعية , ويشجعهم على ذلك الكتابات الصحفية منذ رفع الرقابة على المطبوعات . ومن المنتظر أن ينشطوا فى الجامعة . (1)

وقد عقدت العناصر الطلابية النشطة اجتماعات مكثفة فى صالة الألعاب الرياضية بكلية الطب جامعة القاهرة . وتراوح عدد الحاضرين فى تلك الاجتماعات ما بين عشرين وخمسين من القيادات الطلابية البارزة داخل الحركة (2) . وتضمنت الموضوعات الرئيسية التى طرحت للمناقشة . الأمبريالية والتحرر الوطنى , والمعاهدات العسكرية والمقترحات الغربية للدفاع الجماعى عن الشرق الأوسط , والديموقراطية والنظام الاجتماعى (3) وكانت كل التيارات السياسية الطلابية تقريباً ممثلة فى هذه اللقاءات . كما كان للجناح اليسارى للحركة ـ وهو الوفديون والشيوعيون وغيرهم من العناصر المستقلة النشطة ـ الفضل فى المبادرة بالدعوة إلى تلك اللقاءات . وكان الهدف منها هو توحيد التيارات السياسية المختلفة للوقوف خلف برنامج مشترك , والإعداد لإنشاء لجنة وطنية لقيادة الحركة .

وعند بداية العام الجامعى 45\1946 دعا الطلاب اليساريون إلى عقد مؤتمر عام فى 7 أكتوبر لمناقشة المواقف الطلابية إزاء المسألة الوطنية فى مواجهة تجدد تبادل المذكرات الانجليزية المصرية . وفى اليوم السابق على المؤتمر عقد الإخوان المسلمون اجتماعاً بدا كمناورة , قدموا من خلاله مذكرة إلى الحكومة بإسم " أرض مصر الخضراء " طرحوا فيها آرائهم فى القضية الوطنية وقد أشار الإخوان إلى أن هذا الاجتماع قد حضره حوالى ستة آلاف طالب . ودعا اجتماع 7 أكتوبر إلى إقامة لجان وطنية للطلاب فى الكليات المختلفة بالجامعة . وقد طالب ممثلو الإخوان أن يقر المؤتمر القرارات التى اتخذوها فى اجتماعهم فى اليوم السابق , لكن المؤتمر لم يستجب لطلبهم , وكانت النتيجة حدوث شرخ فى علاقاتهم بالطلاب اليساريين (4) .

وبعد ذلك بأسابيع قليلة , أعلن عدد من الطلاب الإضراب تضامناً مع عرب فلسطين فى ذكرى وعد بلفور. وقد أرسل حكمدار بوليس القاهرة مذكرة للنقراشى باشا رئيس الوزراء يبلغه فيها بالأحداث كالتالى :

" فى أول نوفمبر سار الطلبة إلى الجامعة بالجيزة بينما كان الإضراب مستمراً . وطرحت فيما بينهم فى الجامعة فكرة التظاهر والذهاب إلى القاهرة , ولكن حوالى الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق تقرر أنه يكفى أنهم قد أعربوا عن تعاطفهم مع فلسطين واندونيسيا , وأنه لم تعد هناك حاجة للتظاهر . وانتخبوا بعض المجموعات لتوزيع البيانات والمنشورات على النقابات العمالية , والغرف التجارية والمحلات , لتحريضهم على الإضراب فى الثانى من نوفمبر حتى يظهروا تعاطفهم مع فلسطين . ثم تفرقوا بعد ذلك فى هدوء" . (5)

وفى ديسمبر عقد اجتماع ضم ممثلى كل من تكتلات الحركة الطلابية فى محاولة لتوحيد الحركة . وتم انتخاب لجنة تنفيذية من مؤيدى الوفد . وفى 26 يناير 1946 ضم الطلاب صفوفهم للقيام بعمل موحد , يدفعهم الغضب من رد بريطانيا المائع على مذكرة الحكومة المصرية . حيث أضرب طلاب اللغة العربية بجامعة الأزهر عن الطعام داخل كليتهم , وأصدر اتحاد خريجى الجامعة بيان احتجاج , وتلا ذلك سلسلة من الاجتماعات فى العديد من الكليات والمعاهد والمدارس . وعقد اجتماع جماهيرى بمقر جمعية الشبان المسلمين , أصدر قراراً بتنظيم مسيرة فى 9 فبراير , وتقديم مذكرة إلى القصر تدعو إلى وقف المفاوضات مع بريطانيا وإلغاء معاهدة 1936 , ورفض أى معاهدة دفاع مع بريطانيا . (6)

وقد أصبح يوم التاسع من فبراير 1946 يوماً بارزاً فى تاريخ الحركة الطلابية المصرية إذ اندفع آلاف من طلاب المدارس الثانوية بالقاهرة إلى الحرم الجامعى , حيث كان هناك حشد ضخم من الطلاب يستعدون للخروج فى مسيرة وألقى فى الحشد عدد من الخطب الحماسية , كما اختيرت مجموعة من الطلاب للحفظ على النظام أثناء المسيرة . واتجه المتظاهرون (7) إلى المدينة عبر الطريق المعتاد , قاصدين عبور النيل بواسطة كوبرى عباس وعندما وصلوا إلى الكوبرى إذ بهم يجدون الكوبرى مفتوحاً , فنجح عدد من الطلاب فى إغلاقه مرة أخرى , وبدأ المتظاهرون فى العبور , إلا أن البوليس (8) أصر على فتحه مرة ثانية بينما كان الطلاب لا يزالون يعبرون الكوبرى , مما شطر المسيرة إلى شطرين , الأمر الذى تسبب فى حالة من الهلع , فسقط عدد من الطلاب فى النهر . وقد تعددت التقديرات حول عدد الجرحى , ويبدو أن أجدر هذه التقديرات بالتصديق هو تقدير المؤرخ عبدالرحمن الرافعى , الذى قدر بعد بحث مستفيض ـ أن أربعة وثمانين قد جرحوا بينما لم يقتل أحد (9).

وخرجت مظاهرات متفرقة فى نفس اليوم فى القاهرة , وفى الأيام التالية فى الأسكندرية ومدن أخرى بالدلتا (10) . واستشهد محمد على محمد ( طالب سودانى ) فأخفى طلبة كلية الطب جثته . وجرت معركة استغرقت يوماً كاملاً مع البوليس عندما حاول منع إقامة جنازة ضخمة للشهيد , وأصبحت كلية الطب فى القاهرة محط الانظار فى ذلك المساء , حيث عقد الطلاب اجتماعات مستمرة داخلها .

وفى 10 فبراير ذهب الملك إلى الجامعة , كما كان مقرراً من قبل , لافتتاح قسم جديد من المدينة الجامعية , وبرغم الاستقبال البارد الذى لقيه (11) , إلا أنه دعا قيادات الطلاب إلى القصر . وفى اليوم التالى خرجت مظاهرة بقيادة مصطفى مؤمن ـ فى حماية البوليس هذه المرة ـ واتجهت إلى القصر . وقد حاول الملك إظهار عدم رضاه عن تصرف الحكومة ضد الطلاب . وألمح إلى اعتزامه عزل النقراشى باشا رئيس الوزراء .

وفى 15 فبراير تم تعيين وزارة جديدة برئاسة اسماعيل باشا صدقي , ولم يكن ذلك الاختيار صائباً فى مثل تلك الظروف حيث كان رئيس الوزراء الجديد الذى كان أيضاً رئيس اتحاد الصناعات ـ مكروهاً من تجمعات سياسية متعددة وواسعة النطاق بسبب إلغائه الشهير لدستور 1923 عندما كان رئيساً للوزراء فى 1930 , وفور تولى صدقي المنصب , أصدرت اللجنة التنفيذية للطلابـ المنتخبة حديثاً ـ بياناً جاء فيه :

" مازال الغرض من نضالنا قائماً ـ إذ ينبغى أن تكون المفاوضات مشروطة بأن يصدر الجانب البريطانى إعلاناً رسمياً يعترف بحقنا الطبيعى فى الجلاء التام ووحدة وادى النيل .. فلم يكن نضالنا والدم الذى أرقناه من أجل البلاد , للإطاحة بحكومة وإبدالها بغيرها , وإنما من أجل " الغرض النبيل الذى مازلنا نتمسك به " . (12)

وفى 17 فبراير أصدرت اللجنة المختلطة للطلاب ميثاقاً وطنياً بالمطالب التالية : أولاً : ضرورة جلاء القوات البريطانية كلية من كافة أراضى ومياه , وأجواء وادى النيل , ثانياً : يجب أن تطرح المسألة المصرية دولياً أمام مجلس الأمن , وثالثاً : يجب أن تحرر البلاد من العبودية الاقتصادية , وفى اليوم التالى , خرجت مظاهرة من كل من جامعة القاهرة والأزهر إلى القصر للتأكيد على المطالب الوطنية للطلاب , وعند عودتهم , عقد اجتماع آخر بالأزهر تقرر فيه تشكيل اتحاد عام للطلاب . (13)

وقد شهدت الفترة 17 – 19 فبراير , لأول مرة محاولة جادة للتنسيق بين حركة الطلاب وحركة الطبقة العاملة . وكان الطلاب اليساريون هم المحركون الأساسيون لهذه المحاولة , حيث اتصل عدد منهم بمجموعة من النقابات العمالية عقب أحداث 9 فبراير مباشرة . ونجحوا فعلياً فى تشكيل جبهة مشتركة من كل من العمال والطلاب , وهى " اللجنة الوطنية للعمال والطلبة " , التى أصبحت أبرز اللجان الطلابية قاطبة , وكان أغلب أعضاء اللجنة من اليساريين , وانتخبت الطالبة ثريا أدهم , والعامل حسين كاظم سكرتيرين لها . وقد رفض الطلاب من الإخوان المسلمين ومعهم مجموعة أخرى الانضمام إلى اللجنة على هذا الأساس , ثم شكلوا بعد قليل لجنة مماثلة تتكون من الطلاب فحسب تحت اسم قريب الشبه , وهى " اللجنة القومية للطلبة " . (14)

دعت " الجنة الوطنية للعمال والطلبة " إلى إعلان يوم الخميس 21 فبراير سنة 1946 يوماً للجلاء , كما دعت إلى الإضراب العام فى البيان التالى :

" قررت نقابات عمال القطر المصرى وطلبة الجامعات المصرية والأزهر , والمعاهد العليا والمدارس الخصوصية والثانوية أن يكون يوم الخميس 21 فبراير 1946 يوم الجلاء يوم إضراب عام لجميع هيئات الشعب وطوائفه .

- يوم استئناف للحركة الوطنية المقدسة التى تشترك فيها عناصر الشعب المصرى ملتفة حول حقها فى الاستقلال التام والحرية الشاملة .. يوم اشعار المستعمر البريطانى والعالم الخارجى أجمع أن الشعب المصرى قد أعد عدته للكفاح الإيجابى حتى ينجلى كابوس الاستعمار الذى ظل جاثماً على صدورنا منذ 64 عاماً .

- يوم وهو وثيقة فى أيدى المفاوضين المصريين يقدمونها دليلاً للمستعمر على أن الشعب المصرى مصمم على ألا يتخلى لحظة واحدة عن الجلاء عن مصر والسودان .

- يوم يقظة عامة للشعب المصرى , يؤكد فيها أنه لن يقبل أى انحراف أو تهاون فى حقه فى الاستقلال والحرية.

- يوم تتعطل فيه المرافق العامة ووسائل النقل , والمحلات التجارية والعامة , ومعاهد العلم والمصانع فى جميع أنحاء القطر .

إن جلال هذا اليوم ليهيب بنا جميعاً ألاننحرف بقضيتنا المقدسة إلى شغب أو تخريب أو إخلال بالأمن العام .

فلنرفع جميعاً لواء الوطن عالياً , ولنثبت وحدتنا التى لا تنفصم , عمالاً وصناعاً , طلبة وتجاراً وموظفين , شعباً متكتلا يرفع عن نفسه وصمة الذل والاستعباد . (15)

وكانت الاستجابة لهذا البيان كبيرة , إذ خرجت مظاهرات ضخمة فى العديد من المدن , ففى الفاهرة تدفق عشرات الأولوف من المواطنين طلاباً وغير طلاب إلى قلب المدينة (16) . وحيث أن كوبرى عباس لم يفتح فى هذه المرة , فقد استطاع الطلاب عبوره وتظاهروا فى قلب العاصمة منشدين أنشودة كتبت خصيصاً من أجل هذه المناسبة (17) .

يا شعب قم خض بحار الدماء

لاتبك فالآن وقت الفداء

هيا نحطم قيود الخضوع

هيا سويا لنيل الجلاء

وعندما وصل المتظاهرون إلى ميدان الإسماعيلية ( التحرير ) قابلتهم الحامية البريطانية فبدأوا فى إحراق أسوار الثكنات , ورداً على ذلك اندفعت نحوهم أربع مركبات حربية بريطانية وفتحت عليهم وبالاً من نيران الرشاشات . ووفقاً لأكثر التقديرات دقة (18) , قتل ثلاثة وعشرون متظاهراً وجرح حوالى مائة وعشرين *.

وقد أبطل هذا النزيف من الدماء الأثر الناتج عن تغيير الحكومة , ونجاح صدقي فى كسب الإخوان المسلمين إلى صفه (19) . وقد تنصلت الحكومة من المسئولية كلها ونحت باللوم على الطلاب لأنهم سمحوا لمظاهرتهم السلمية أن تتحول إلى العنف " بسبب اندساس عناصر الدهماء .. بحيث أختفى عنصر الطلبة والمتعلمين من المظاهرة " (20)

وفى 24 فبراير أصدرت اللجنة التنفيذية للطلاب بياناً يدعو إلى :

1- إعلان الحداد القومى .

2- الموافقة على قرار اللجنة الوطنية للعمال والطلبة بإصدار ميثاق وطنى يوقع عليه زعماء البلاد يلزمهم عدم قبول الحكم إلا على أساس تصريح بريطانى يعترف بالجلاء التام عن وادى النيل كأساس لللمفاوضة .

3- سحب الموظفين الانجليز من البوليس المصرى .

4- استنكار بيان رئيس الحكومة للتفرقة بين طبقات الشعب , ووصف المواطنين الأحرار بالدهماء .

5- مقاطعة اللغة الانجليزية .

6- تكف الجرائد الحزبية عن منازعاتها وإلا تقاطع من الطلبة . (21)

وقد أصدرت اللجنة القومية للعمال والطلبة بدورها بياناً مشابهاً , مع إضافة مطالبة بريطانيا بتحديد موعد نهائى للجلاء , أو أن يعرض النزاع على مجلس الأمن الدولى . كما أحتج البيان أيضاً على الحظر الذى فرضته الحكومة على نشر أنباء الحركة الطلابية فى الصحف وأعلن يوم الرابع من مارس " يوم الشهداء " تخليداً لذكرى الطلاب الذين قتلوا فى 21 فبراير , وذلك باتفاق جميع القوى داخل الحركة ( اللجنة التنفيذية للطلبة , واللجنة الوطنية للعمال والطلبة , واللجنة القومية للطلبة ) , بمبادرة من الإخوان المسلمين . وعند هذا الحد وافق رئيس الوزراء على مقابلة ممثلى اللجنة الوطنية الذين طالبوه بالسماح لموظفى الحكومة ورجال البوليس والجيش بالمشاركة فى الحداد . وقد رفض رئيس الوزراء الاستجابة لذلك المطلب , ونصح الطلاب بعدم التمادى خشية التدخل البريطانى , إلا أن الطلاب أصروا على مطالبهم وطالبوه بأن يمدهم بالسلاح إذا كان البريطانيون ينوون التدخل فعلاً .

وكان إضراب 4 مارس . بما فى ذلك إغلاق المحلات والمصانع ـ سليماً وناجحاً بدرجة ملحوظة (22) . إلا أن المتظاهرين فى الأسكندرية قاموا بإنزال العلم البريطانى من فوق مقر قيادة الاسطول البريطانى , كما هاجموا نقطة حربية بريطانية , فقتل جنديان بريطانيان وثمانية وعشرون مواطناً مصرياً كما جرح 342 مصرياً آخرون . وقد أدى مقتل الجنديين البريطانيين إلى أن أرسلت بريطانيا احتجاجاً رسمياً إلى الحكومة المصرية , ومن السفارة البريطانية أرسل والترسمات برقية إلى الخارجية البريطانية يدعو فيها إلى التدخل القوات البريطانية قائلاً:

" لم يطالب أحد أكثر منى بالاعتراف بالمطالب الوطنية العربية والمصرية , التى أعتقد أنها عادلة إلى حد كبير , إلا أنه ليس مما يمكن احتماله بالنسبة لى أن نسمح للمصريين والعرب بإساءة معاملتنا وإلحاق الإهانة بنا ظلماً كلما شاءوا " . (23)

لقد أوضحت الانتفاضة الطلابية عام 1946 مأزق كل الأطراف المعنية بالمسألة الوطنية المصرية : البريطانيون , والنظام المصرى ذاته , والحركة الوطنية بشكل عام . حيث حثت الانتفاضة جميع هذه الأطراف على البحث عن سبل جديدة لحل المشكلة , كما أكدت على أهمية الحركة الطلابية كمصدر للضغط من أجل إيجاد مخرج من الأزمة القائمة .


الإطار التنظيمى للانتفاضة

حدثت الانتفاضة الطلابية عام 1946 فى مواجهة النظام الليبرالى المتداعى , حيث بدأت سيطرة الأحزاب السياسية على قطاعات متعددة من السكان ـ خصوصاً الطبقة الوسطى ـ تضعف , الأمر الذى أتاح الفرصة لبروز قوى سياسية جديدة , وللانفجارات الوطنية العفوية . ففى 1942 ( 26\1 ) نشرت مجلة " الأثنين والدنيا " الاسبوعية نتائج استفتاء طرح على خمسة آلاف طالب جامعى حول ما إذا كان الزعماء السياسيون أكفاء تماماً لحكم البلاد , فذكر 74.5% أنهم ليسوا أكفاء , بينما أعتقد 23.5% أنهم أكفاء وامتنع 2% فقط عن الإدلاء برأيهم .

عكست الحركة السياسية الطلابية هذه الاتجاهات بوضوح , واتجه الطلاب لخلق إطار تنظيمى خاص بهم خارج الأحزاب السياسية , ولم يكن بمقدور أى من الأقسام الطلابية لهذه الأحزاب أن تدعى ضمان ولاء الكتلة الضخمة من الطلاب المستقلين , مما شجع قادة التيارات السياسية المختلفة فى صفوف الطلاب على الاسراع بخلق إطارتنظيمى مشترك لقيادة حركتهم , وكان تنوع اللجان الطلابية التى خلقت إبان الانتفاضة 1946 معقداً للغاية (24) لدرجة تربك حتى أولئك الذين شاركوا فى الأحداث (25) .

جدول(4 – 1)
اللجان الطلابية (45\1946 )
رقم اسم اللجنة تاريخ إنشائها
1 اللجنة التحضيرية الوطنية للطلبة صيف 1945
2 اللجان الوطنية للطلبة 7 أكتوبر 1945
3 اللجنة التنفيذية للطلبة ديسمبر 1945
4 اللجنة التنفيذية العليا للطلبة ديسمبر 1945
5 اللجنة المختلطة للطلبة 17 فبراير 1946
6 الإتحاد العام للطلبة 18 فبراير 1946
7 اللجنة الوطنية للعمال والطلبة 17-19 فبراير 1946
8 اللجنة القومية للطلبة 28 فبراير 1946
* تختلف عن اللجنة الدائمة للطلاب الوفديين والتى كانت تحمل نفس الاسم .


ويمكن تجميع هذه اللجان الطلابية فى ثلاث فئات :

1- لجان خلقت ارتجالاً لتخدم غرضاً عابراً , غالباً ما كان عبارة عن حدث منفرد ( مثل اللجنة المختلطة للطلبة ) , أو لجان اقترحت أو أقيمت بشكل جزئى ولكن لم يتجسد كيانها بصورة منتظمة ( مثل الإتحاد العام للطلبة ) .

2- لجان أنشئت على مدى فترة زمنية أطول نسبياً , لتمثل التيار العام للحركة . وينتمى لهذه الفئة " اللجنة التحضيرية للجنة الوطنية للطلبة " , و " اللجان الوطنية للطلبة " , و " واللجنة التنفيذية للطلبة " , و " واللجنة الوطنية للعمال والطلبة " .

3- لجان أنشئت رداً على لجان المجموعة الثانية ( اللجنة التنفيذية العليا للطلبة , واللجنة القومية للطلبة ) .

ولئن كانت لجان المجموعة الأولى تعبيراً تنظيمياً عن الكتلة الرئيسية من الطلاب التى ليست لها انتماءات سياسية محددة , فإن لجان المجموعتين الثانية والثالثة المعبرة عن الجهود التنظيمية للعناصر الطلابية النشطة تستحق عناية دراسية أكبر .

أنشئت " اللجنة التحضيرية للجنة الوطنية للطلاب " فى صيف عام 1945 بواسطة عناصر نشطة من داخل الحركة . وكانت كل القوى السياسية تقريباً ممثلة فى المناقشات التى أدت إلى إنشاءها , من وفديين , وماركسيين من المنظمات الماركسية الثلاث , وإخوان مسلمين , ومصر الفتاة, والحزب الوطني , وجماعة الشبان المسلمين , وجبهة مصر , وطلاب الأزهر , واتحاد طلاب المدارس الثانوية , والمستقلين . وقد تواكبت محاولة تنسيق جهود القوى الطلابية المختلفة فى تلك الفترة مع محاولات التنسيق بين قوى المعارضة فى البلاد على وجه العموم .

أعلن رسمياً عن إنشاء " اللجنة التحضيرية للجنة الوطنية للطلبة " فى الاجتماع الجماهيرى الطلابى فى 7 أكتوبر , واختار الإخوان المسلمون الانشقاق عنها فى نفس اليوم , وكنتيجة لذلك تشكلت اللجنة كأئتلاف يتكون بالأساس من الوفديين والماركسيين والمستقلين (26) . ودعا نفس الاجتماع أيضاً إلى تشكيل " لجان وطنية " فى الكليات والمعاهد والمدراس .

وكانت " اللجنة التنفيذية للطلبة " هى المعبر الرئيسى عن مختلف اللجان الطلابية , حيث تكونت من قيادات التجمعات المختلفة , وأقامت بناء هرمياً أكثر تعقيداً . إذ كان طلاب كل سنة دراسية ينتخبون إثنين من زملائهم لتمثيلهم فى اللجنة التنفيذية للكلية , وتنتخب لجان هذه الكليات بدورها اللجنة التنفيذية للطلبة . وقد جرى انتخاب اللجنة التنفيذية للطلبة فى ديسمبر 1945 , حيث هزمت قائمة الإخوان المسلمين فى هذه الانتخابات أمام قائمة مرشحين تنتمى أساساً إلى الوفد . (27)

وفى اجتماع عقد فى مقر الإخوان المسلمين , قاموا بالرد على هذه الهزيمة بتشكيل " اللجنة التنفيذية العليا للطلبة " واتهموا اللجنة المنافسة بأنها ذات ميول شيوعية (28) . إلا أن اللجنة التنفيذية للطلبة كانت مجرد رد فعل مؤقت , ولم ترد أى بيانات عن أنشطتها بعد ذلك .

أما " اللجنة الوطنية للعمال والطلبة " فقد كانت أبرز هذه اللجان لعدة أسباب . فأولا كان إنشاؤها تتويجاً لعدة شهور من الإعداد . وثانياً فهى قد دمجت نشاط ثلاث لجان على الأقل فى إطار تنظيمى واحد . وثالثاً فإنها قد ربطت ـ لأول مرة فى تاريخ الحركة الطلابية المصرية ـ بين العمال والطلاب (29) . ورابعاً وأخيراً فقد نظمت إضرابات ومظاهرات 21 فبراير و 4 مارس واستمرت موجودة حتى 1946 .

ومازال تقويم الدور الذى لعبته اللجنة الوطنية للعمال والطلبة مثاراً للخلاف بين الباحثين .

فيرى أنور عبد الملك أنها قد شكلت " كياناً جديداً , خلقه المثقفون الوفديون والوطنيون والشيوعيون إلى جانب النقابات العمالية , وقد أمتد نفوزها المباشر واليومى إلى جامعتى القاهرة والأسكندرية , وإلى تلاميذ المدارس الثانوية والفنية فى جميع أنحاء البلاد , وجميع المثقفين , وإلى قطاعات عريضة من المهنيين , وإلى كل النقابات العمالية المصرية بصرف النظر عن الانتماءات السياسية أو الجغرافية . كما نقل إئتلاف يسار الوفد والشيوعيين فكرة الديموقراطية إلى جماهير المدن , وأعطى الشعب الرغبة فى أن يمتلك زمام البلاد كلها فى يده " (30)

ويفخر ميشل كامل , وهو أحد القيادات النشطة فى تلك الفترة بأن " اللجنة الوطنية للعمال والطلبة عام 1946 احتلت بسرعة خارقة موقع الزعامة غير المنازعة للشارع المصرى (31) كما يشاركه شهدى عطية الشافعى (32) وهو أحد القيادات البارزة فى الحركة الشيوعية المصرية فى ذلك الوقت ـ هذا الحماس , إلا أنه يقدم تقويماً أكثر توازناً فطبقاً لكلماته " لم تعمر اللجنة الوطنية للعمال والطلبة إلا بضعة شهور , لقد وقعت فى أخطاء تدل على عدم نضجها النضج الكافى , فقد استمر نشاطها مقصوراً على المدن فى صفوف الطلبة والعمال , والحرفيين , فلم تمتد إذ ذاك إلى الفلاحين . والفلاحون هم جيش الثورة الوطنية , كما أنها لم تحسن تنظيم صفوفها , فلم تسارع إلى خلق لجان ذات جذور عميقة بين صفوف الشعب , فاستمرت اللجنة الوطنية للعمال والطلبة لجنة عادية ليس لها لجان فى كل مصنع , وشارع وحى , وفى كل كلية ومدرسة , كما أن أهم ما كان يعيب هذه النواة لقيادة شعبية جديدة , وهو انقسامها , فكان عدم التوحيد فى قياداتها من أهم مصادر الضعف فى نشاطها . " (33)

ووجهت " اللجنة التحضيرية لاتحاد نقابات عمال القطر المصرى " انتقادات حادة للجنة الوطنية للعمال والطلبة على الصعيدين السياسى والتنظيمى , وذلك على صفحات مجلة " الفجر الجديد " ( 14 إبريل 1946 ) (34) . حيث أصرت المجلة على أن أحداث 21 فبراير و 4 مارس 1946 كانت عفوية ولم يسبق التحضير لها بواسطة اللجنة الوطنية للعمال والطلبة التى لم تفعل أكثر من أنها حددت توايخ حدوثها كما أنها عجزت عن أن تساير التطورات السياسية لتلك الفترة وعجزت كذلك عن إعلان وجهة نظرها فى الوفد الرسمى المصرى المشكل لغرض التفاوض مع بريطانيا بعد أحداث فبراير ومارس . وعندما حضر وفد سودانى إلى القاهرة لم تنتهز اللجنة الفرصة لإبراز آرائها حول المسألة السودان ية , ولم يكن نجاح إضراب 21 فبراير نتيجة لجهود اللجنة الوطنية للعمال والطلبة بقدر ما كان راجعاً لجهود تنظيمات ديموقراطية متعددة فى كل أنحاء البلاد خاصة النقابات العمالية , واللجان الطلابية فى القاهرة والأسكندرية . وقد أثبتت اللجنة عدم قدرتها على تنفيذ قرارها الخاص بالإضراب فى أول إبريل 1946 . وكانت تجتمع مرتين أسبوعياً لمدة شهر كامل دون أن تصل إلى أية نتائج عملية , كما أن سير تلك الاجتماعات لم يكن ديموقراطياً بشكل كاف حيث كان ممثلو التنظيمات المختلفة المشاركة فى أعمالها يجبرون على عدم تقديم مقترحاتهم بصورة مباشرة وإنما عبر سكرتارية اللجنة , ولم يكن جدول أعمال الاجتماع يبلغ إليهم مقدماً . كما تكرر إغفال اللجنة الوطنية للعمال والطلبة لهذه التنظيمات عند اتخاذ القرارات , خاصة فيما يتعلق بقرار الإضراب .

واقترحت اللجنة التحضيرية لاتحاد نقابات عمال القطر المصرى منهجاً مختلفاً بصورة ملحوظة .

" يجب أن يقتصر عمل اللجنة الوطنية على التوجيه والإرشاد , وهذه ضرورة حتمية , خاصة وأن اللجنة قد فشلت فى الأعمال التنظيمية . وليس هذا الفشل بسبب ضعف الأشخاص الموجودين بها , وإنما يرجع أولاً إلى طبيعة تكوينها من هيئات . لكل تاريخها وتجاربها وطريقة تنظيمها وصلاتها .. إلخ , مما كان يستوجب أن تنصرف اللجنة إلى التوجيه العام , والتنبيه على الهيئات المشتركة فيها كى تستكمل تنظيمها . " (35)

ويبدو أن المعاملة التى تلقاها الأعضاء العمال فى اللجنة الوطنية للعمال والطلبة كانت أحد الدوافع وراء هذا الموقف , إذ أشار بعض المعلقين إلى أن الأعضاء العمال فى اللجنة كانوا مجبرين على القيام بدور ثانوى بالنسبة للطلاب (36) وقد فسر أحد القيادات البارزة فى جماعة " الفجر الجديد " الماركسية الأمر فيما بعد بأن " الناس فى ذلك الوقت كانوا يتخيلون أن اللجنة الوطنية للعمال والطلبة عبارة عن نسخة مصرية من المجالس السوفيتية , بينما رفضت جماعة الفجر الجديد هذه الفكرة لسبب بسيط ألا وهو أن اللجنة كانت بعيدة كل البعد عن الفلاحين .. واعتبرت أن اللجنة تهدف افرض التبعية أكثر منها لإقامة منظمة على غرار جبهة موحدة " (37)

لقد حظى الدور الذى لعبته اللجنة الوطنية للعمال والطلبة بإعجاب كبير لدى أغلبية اليسار المصرى حيث اعتبرها العديد من القيادات اليسارية بمثابة نواة " قيادة شعبية جديدة للنضال الوطنى " و " جبهة وطنية تقديمية " لكن خلاف جماعة " الفجر الجديد " مع اللجنة كان راجعاً فى قدر منه إلى خبرة مباشرة بسير العمل داخل اللجنة , وإلى إدراك أكثر تماسكاً للبيئة السياسية العامة وربما أخطأت جماعة الفجر الجديد فى التعبير عن هذا الموقف بشكل علنى فى خضم الأحداث إلا أن ذلك لا يضعف من حجة منطقها فى تقويم دور اللجنة . ويساعد على تأكيد هذا الرأى قصر حياة اللجنة الوطنية للعمال والطلبة , والمجال المحدود لمنجزاتها , إن الأهمية الرئيسية للجنة الوطنية للعمال والطلبة كانت فى رمزية دورها حيث أنها لم تفك كل الروابط مع القوى التقليدية فى النظام الليبرالى , كما يتضح من استمرار نفوذ الوفد داخلها . ولكنها مع ذلك قد عجلت من نمو الحركات الراديكالية من داخل النظام ( مثل الطليعة الوفدية ) ومن خارجه ( مثل الحركة الشيوعية ) .

أما آخر اللجان الطلابية فكانت " اللجنة القومية للطلبة " وبرغم أنها لم تستمر إلا لبضعة أيام , فإن نشأتها أكثر مغزى من استمرارها . وقد نشأت اللجنة القومية للطلبة تحت رعاية الحكومة وضمت الإخوان المسلمين ـ كمجموعة قائدة ـ مع تجمعات طلابية أصغر مثل مصر الفتاة, وحزب الفلاح الاشتراكى , وجبهة مصر , والحزب الوطني , والكتلة الوفدية والسعديين , والأحرار الدستوريين , وعرب الأنصار (38) وعندما التقى زعماء هذه اللجنة مع رئيس الوزراء فى أول مارس , قام بتعيين وزير التعليم محمد العشماوى كممثل للحكومة فى اللجنة وبينما فرض نوع من التعتيم على أنشطة اللجنة الوطنية للعمال والطلبة , حظيت اللجنة القومية للطلبة بتغطية إعلامية واسعة النطاق . وقد حدثت عدة صدامات بين مؤيدى كل من اللجنتين , وبشكل خاص فى منطقة شبرا الخيمة الصناعية , وفى اجتماع لعمال الشركات الخاصة ـ سيطر عليه اليساريون ـ اتهمت اللجنة القومية بأنها لا تمثل أحداً , وأنها تستخدم أساليب فاشية , بينما وصفت اللجنة الوطنية للعمال والطلبة بأنها الممثل الشرعى للطلاب , والعمال والموظفين (39) .

لقد أنشئت اللجنة القومية للطلبة بسبب رغبة الحكومة فى إيجاد قوة موازنة للجنة الوطنية للعمال والطلبة من ناحية , ومن ناحية أخرى بسبب عدم رغبة الإخوان المسلمين فى العمل تحت قيادة وفدية أويسارية . ويدعى زكريا سليمان بيومى أن الإخوان كانوا يرغبون فى ضم صفوف الطلاب من أجل حركة موحدة (40) , إلا أنه لم يعط أمثلة عن أى جهد بذله الإخوان لتحقيق هذه الغاية بل إن وفداً من اللجنة الوطنية للعمال والطلبة ذهب إلى الشيخ حسن البنا أثناء الإعداد لإضراب 21 فبراير , طالباً منه مساهمه الإخوان المسلملين فى هذا الإعداد , فرفض حسن البنا على أساس أنه " ليس مستعداً " (41) , وهى حجة غير مقنعة بالنظر إلى حشود الإخوان التى حضرت مظاهرة 11 فبراير عند القصر الملكى .

وبرغم أن الطلاب الإخوان قد شاركوا فى إضراب ومظاهرات 21 فبراير , تظل الحقيقة أنهم فعلوا ذلك بمبادرة خاصة منهم , وليس التزاماً بإعداد تنظيمى من أجل توحيد الحركة , وبالمثل , عندما شاركوا بنشاط فى لإضراب 4 مارس , فقد فعلوا ذلك بصفتهم المستقلة وبدون الزام أنفسهم بأى نوع من الاتفاق الاجرائى مع اللجنة الوطنية للعمال والطلبة . وعندما ضغط طلاب مصر الفتاة, والحزب الوطني على الإخوان لمعارضة أسلوب صدقي باشا فى المفاوضات الانجليزية المصرية , انسحب الإخوان من اللجنة بحجة أنها استنفدت الغرض منها بتنظيم إضراب 4 مارس . وبانسحابهم أصبحت اللجنة مجرد جثة هامدة , برغم محاولات شركائهم الآخريين للحفاظ على وجودها .

لقد كتب الطلاب إلى رئيس الوزراء فى 7 فبراير 1946 , ووصفوا له السبب الذى من أجله انشئت اللجان الوطنية للطلبة , باعتباره " تشجيع إجراء مناقشات حرة حول حقوق البلاد بعيداً عن المناورات السياسية والأساليب الحزبية " . (42) لكنهم بذلك كانوا يعدون بشىء لم يكن بمقدورهم تحقيقه . فقد كانوا واقعين بقدر تحت تأثير الزعامات الحزبية , كما كانوا خاضعين للخلافات بين المنظمات السياسية الناشئة ..

فعلى الرغم من أن الطلاب قد رفعوا راية " الوحدة الوطنية " إلا أنهم عجزوا عن تطبيق ذلك الشعار من خلال خلق إطار تنظيمى موحد لحركتهم السياسية , كما أثبتت انتفاضة 1946 .


آثار الانتفاضة

كان إعلان " كلمنت أتلى " رئيس الوزراء البريطانى فى 8 مارس 1946 عزم القوات البريطانية على الانسحاب من القاهرة والدلتا وتمركزها بدلاً من ذلك فى القاعدة البريطانية فى منطقة قناة السويس , أحد الآثار المباشرة لانتفاضة 1946 .

وبعد الانتفاضة كان الطلاب يستعدون لامتحاناتهم فتوقفت حركتهم السياسية , ريثما تستأنف ثانية مع بداية العطلة الصيفية . وفى 8 يوليو نشرت جريدة " الأهرام " نداء من اللجنة الوطنية للعمال والطلبة تدعو فيه إلى قطع المفاوضات المصرية الانجليزية , وإحالة النزاع إلى مجلس الأمن , ودعت إلى اعتبار يوم 11 يوليو ـ ذكرى قصف الأسطول الانجليزى للاسكندرية فى 1882 ـ يوماً لإحياء الكفاح الوطنى . وفى 10 يوليو صدق ممثلو خمس عشرة منظمة على هذا النداء .

فى نفس الليلة بادر صدقي باشا إلى عرقلة إحياء الحركة , بإلقائه القبض على حوالى مائتين من القيادات اليسارية , وحل عدد من الجمعيات يشمل اتحاد خريجى الجامعة , ولجنة نشر الثقافة الجديدة , ودار الأبحاث العلمية , ورابطة فتيات الجامعة , ومؤتمر نقابات عمال القطر المصرى , وإغلاق العديد من المجلات مثل الفجر الجديد , والوفد المصرى والجبهة , والطليعة والوعى .

وقد عرفت هذه الحملة باسم " قضية المبادىء الهدامة " أو " قضية الشيوعية الكبرى " وسعى صدقي لإستصدار تشريع ستثنائى من البرلمان لمكافحة الشيوعية , مستشهداً بمقتطفات من الكتابات اليسارية التى كانت تنشر فى أنحاء البلاد ..

- " إن الحكومة تزيد الأغنياء غنى والفقراء فقراً .. وإن جانباً ضخماً من ثروة مصر تحتكرها حفنة من الباشوات الرأسماليين " .

- " إن جموع الأمة عاقدة العزم على تغيير الأوضاع الاجتماعية " .

- " إن الطبقة الحاكمة دمية فى يد الامبرياليين " .

- "يجب أن توزع الأرض على صغار الفلاحين , كما ينبغى أن تنشأ التعاونيات " . (43)

كما استشهد أيضاً بقصيدة للشاعر كمال عبدالحليم :

هل يجدى مع الأحرار قضبان وسجان

إذا كنا شرارات فنحن اليوم بركان

يأخى تنعم الكلاب لدى القوم

ونشقى فيالها من مضحكات

أطلق الثورة التى تسكر الصدر

وجفف دموعك الماضيات

هى حرب الحياة , إما حياة

وإما ممات يكن معنى الحياة ..

وإلى جانب إثارة رد فعل مثل هذا من جانب الحكومة نفسها , فإن نشاطات اللجنة الوطنية للعمال والطلبة وغيرها من التنظيمات اليسارية الجديدة قد عدلت من أساليب وبرامج الوفد , والإخوان المسلمين وغيرهما من الجماعات السياسية القائمة , حيث تبنت جميعها برامج اجتماعية أكثر راديكالية , كما دعت إلى الإصلاح الاقتصادى .

وكان للجنة الوطنية للعمال والطلبة أيضاً إسهام فى تطوير الشعارات المرتبطة بقضية السودان . حيث كان اليسار المصرى قبل انتفاضة 1946 يدعو إلى " وحدة وادى النيل " الكاملة تحت التاج المصرى , ولكنه تحت ضغط من عناصره من السودانيين بدأ فى الدعوة إلى " الكفاح المشترك " للشعبين المصرى والسودان ى ضد بريطانيا . (44)

وقد استأنفت الحركة الطلابية نشاطها مع بداية العام الدراسى 46\1947 , بالرغم من الاجراءات القمعية التى اتخدتها الحكومة . وفى 16 نوفمبر عقد اجتماع فى جامعة القاهرة أنشأ لجنة وطنية طلابية , وأصدر نداء يدعو إلى قطع المفاوضات مع البريطانيين وإلغاء معاهدة 1936 . وحدثت موجة من الصدامات العنيفة بين الطلبة والبوليس على مدى شهر نوفمبر , اضطرت الحكومة إلى إغلاق جامعتى القاهرة والأسكندرية فى 28 نوفمبر . وبلغ العنف فى هذه المظاهرات حداً لم يسبق له مثيل , ولجأ الطلاب إلى أعمال التخريب , ولأول مرة كان بعضهم مسلحاً بالبنادق الخفيفة والقنابل اليدوية . (45) وجرح عدد من الطلاب ورجال البوليس . كما قتل طالبان .

وساعد فشل الجولة النهائية من المفاوضات المصرية الانجليزية , بالإضافة إلى المعارضة الطلابية لمفترحات صدقي , بيفن لعقد معاهدة جديدة ( والتى وصفها الشاعر بيرم التونسى بأنها " معاهدة غير ذات موضوع .. تمص عود القصب وتفوت لك الزعزوع " ) على إسقاط حكومة صدقي , وفى ديسمبر 1946 تولى النقراشى باشا رئاسة الوزارة مرة ثانية فى ظل انتهاء المفاوضات إلى طريق مسدود وفى مواجهة استمرار الاضطرابات الطلابية . وقرر إحالة النزاع لمجلس الأمن (46) , دون جدوى كبيرة . وحدثت بعض الترتيبات لقيام مظاهرات طلابية أخرى (47) .

استمرت المظاهرات المتفرقة على مدى ما تبقى من العام الدراسى 46\1947 , وازدادت حدتها عند بداية العام الدراسى التالى . ورداً على ذلك تم فرض الحظر على نشر أنباء المظاهرات الطلابية . وتم إقاف عدد من المجلات بسبب خرق قرار الحظر . وقام البوليس بعمل كردون مسلح أحاط بجامعة القاهرة . وفى 27 ديسمبر 1947 حاول نحو ألفى طالب اقتحام الكردون إلا أنهم أجبروا على التراجع , فأحتلوا مكاتب إدارة الجامعة مطالبين رئيسها د . إبراهيم بك شوقى إما بطرد البوليس أو الاستقالة . وتم سحب الكردون فى 3 يناير 1948 . ثم اندلعت الإضرابات ثانية فى جامعة القاهرة عندما ألقت السلطات البريطانية فى السودان القبض على أعضاء وفد سودانى عند عودتهم من القاهرة . وقد داس الطلبة المضروبون صور الملك فاورق بنعالهم وقاموا بالهتاف ضد الملكية . وتبعاً لذلك اغلقت الملكية الجامعة لبعض الوقت , وفى إبريل نظم الطلاب إضراباً لمساندة رجال البوليس الذين كانوا مضربين من أجل زيادة رواتبهم .

ومع ذلك فقد احدثت حرب 1948 فى فلسطين انقساماً فى الحركة الطلابية , حيث رفض اليسار تأييد الحرب ضد اليهود . وقد دعمت الحرب أيضاً من موقف الإخوان المسلمين , وزادت من استعداد الطلاب للجوء إلى العنف (48) . واندلعت معارك ضارية بين الطلبة والبوليس خلال الهدنة فى فلسطين , وقتلت عناصر طلابية مدير أمن القاهرة المكروه سليم زكى بقنبلة . وتم حل الإخوان المسلمين , وألقى القبض على العديد من طلابهم خاصة أولئك الذين تطوعوا فى للحرب فى فلسطين . واستمرت موجة العنف التى أودت بحياة النقراشى باشا رئيس الوزراء ثم الشيخ حسن البنا زعيم الإخوان المسلمين .

أما الأثر الأكثر اهمية لانتفاضة 1946 الطلابية وماتلاها من اضطرابات طلابية , فكان فتح ملف قضية معاهدة 1936 . حيث ظلت المفاوضات المصرية الانجليزية متوقفة وباءت كل المحاولات لحل المشكلة عن طريق مجلس الأمن بالفشل , فكان الطريق الوحيد المتاح أمام الحركة الوطنية المصرية هو الضغط على الحكومة لإلغاء المعاهدة من طرف واحد .

وكان مثل هذا القرار خليقاً بأن ينتج عنه مواجهة دامية مع بريطانيا , لذلك فإنه من الصعب التسليم بأنه كان من الممكن أن تختار أى من الأحزاب السياسية التقليدية الممثلة فى برلمان البلاد ـ والتى قضت معظم حياتها فى المفاوضات مع بريطانيا حول المعاهدة ـ اتخاذ تلك الخطوة , دون ضغط جماهيرى وقد لعبت التنظيمات الناشئة غير الممثلة فى البرلمان ـ بما لها من نفوذ فى الحركة الطلابية على وجه الخصوص ـ دوراً مهماً فى ممارسة هذا الضغط . ومع مقدم 1951 كانت هذه التنظيمات قد بدأت فى تنسق جهودها لدفع حكومة الوفد فى هذا الاتجاه . وعلى الرغم من ممانعة القيادة الوفدية فى بادىء الأمر إلا أنها تراجعت فى النهاية , وأعلن النحاس باشا نفسه فى 8 أكتوبر 1951 أنه " من أجل مصر وقعتها .. ومن أجل مصر ألغيها " (49) وقد قوبل هذا القرار بترحيب حاد من الاغلبية العظمى فى مصر . وانسحب كل العمال والموفين المصريين البالغ عددهم ثمانية آلاف من العمل بالقاعدة البريطانية فى منطقة قناة السويس , وبدأت الاعمال الفدائية ضد القوات البريطانية فى المنطقة .

وقد شهد أكتوبر 1951 تصعيداً فى النشاط الطلابى فكان هناك على الأقل خمسة عشر إضراباً . وفى ديسمبر أنشئت تسع وثلاثون لجنة وطنية طلابية بالقاهرة , وعقد اجتماعان موسعان فى مقر الإخوان المسلمين وفى الجامعة . وأصدر مؤتمر طلابى ميثاقاً وطنياً يطالب ب" دعوة الشعب إلى الكفاح المسلح " . (50)

وتحولت الجامعة نفسها إلى معسكر تدريب عسكرى , يلتقى فيه نحو عشرة آلاف طالب تدريباتهم . وقام الإخوان المسلمون بتوفير السلاح بالإضافة إلى إرسال الكتيبة الأولى من فدائى الجامعة , والتى ذهبت إلى منطقة القناة فى 9 نوفمبر 1951 (51) وساهم الطلاب من كل التيارات السياسية فى الأعمال الفدائية (52) , جنباً إلى جنب مع غيرهم من فلاحى منطقة القنال . والعمال ( الذين كان يعمل منهم سابقاً فى القاعدة البريطانية ) والمثقفين , ومجموعة من صغار الضباط الذين تطوعوا لتدريب الفدائيين على استخدام السلاح .

وتواكبت المصادمات مع الجيش البريطانى فى منطقة القناة , مع موجة من المظاهرت فى شتى أرجاء البلاد , خاصة فى ديسمبر 1951 ويناير 1952 , وتحولت جنازة الطالب عمر شاهين عضو الإخوان المسلمين فى 14 يناير إلى مظاهرة قومية , لم يكن فيها الشهيد رمزاً فقط على احتلال أجنبى وحشى , وإنما أيضاً " دليل خيانة وطنية مزرية " على حد تعبير ريتشارد متشل (53) وانتقد الفدائيون حكومة الوفد لعدم منحهم مساعدة تذكر , بينما هاجمتها بريطانيا بسبب تشجيعها للإرهاب , فاضطرت الحكومة فى النهاية إلى الاستقالة بعد إعلان الأحكام العرفية فى 26 يناير 1952 إثر حريق القاهرة .

وبدأت حكومة على باشا ماهر قصيرة الأجل فى إخلاء منطقة القناة من الفدائيين , الأمر الذى استمر فى عهد خليفته نجيب الهلالى باشا الذى كانت وزارته قصيرة الأجل أيضاً . إلا أن الهلالى باشا أذعن لمطالب الطلاب ووعدهم بالاستمرار فى تدريباتهم العسكرية داخل الجامعة (54) وحتى جاءت فترة الامتحانات فأعادت الهدوء لفترة حتى انهار النظام الليبرالى نفسه فى النهاية فى 23 يوليو 1952 .

ولم يكن الضباط الأحرار الذين تولوا السلطة فى ذلك اليوم بعيدين عن تأثير الحركة الطلابية , فالعديد منهم اكتسب وعيه السياسى فى فترة دراسه الثانوية . وكانت هناك صلات غير مباشرة بين الضباط والطلبة عبر التنظيمات السياسية الناشئة , وكذلك كان بعض الضباط أنفسهم طلبة منتسبيم بالجامعة ولذلك لم يكن غريباً أن جاء برنامجهم السياسى متفقاً فى أسسه مع الاهداف السياسية للحركة الطلابية .

الهوامش

1) FO 141, 1005 (1), (1945 ). Political Situation

2) يقدر الغزالى الحضور بحوالى خمسين شخصاً . بينما ينفى زهران أنهم تجتوزوا العشرين ( مقابلة المؤلف مع عبدالمنعم غزالى إبريل 1979 وسعد زهران سبتمبر 1981 ) .

3) مقابلة مع الغزالى .

4) Richard P. Mitchell, The Society of the Moslem Brethers Oxford University Press, London, 1969, P.44.

وأيضاً زكريا سليمان بيومى : الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية فى الحياة السياسية المصرية 19281948 , مكتبة وهبة القاهرة , 1979 ص 103 . ووفقاً لما يقول سعد زهران ( مقابلة شخصية ) , فإن هذا اللقاء الذى افتتحه فؤاد محيي الدين , حضره حلفاء الأحزاب السياسية الأخرى والحكومة , وذلك بهدف تخريبه , وبالفعل انتهى المؤتمر فى غضون ساعة بالضجيج والصياح .

5) ترجمة عن النص الانجليزى المودع فى ملف  : FO 141,1009 (1946 ), Public Security. استمر الإضراب لليوم التالى فى القاهرة والأسكندرية , ومعه خرجت مظاهرات معادية لليهود ( انظر : أمين سعيد , تاريخ مصر السياسى , دار إحياء الكتب العربية , القاهرة 1959 , ص 283 ) .

6) مقابلة مع الغزالى .

7) بقيادة مصطفى مؤمن من الإخوان المسلمين طبقاً لمتشل : Brothers,(Mitchel, Moslem p.44).

8) كانت قوة البوليس تحت قيادة الضابط البريطانى " فيترباتريك " الذى اغتاله الطلاب ببعد ذلك بسنوات قليلة . انظر : (Jean- Pirre Thieck, "La Journe e du 21,fe vrier 1946 dans Histoire du Mouvement National Egyptien.

ومقابلة مع د. أحمد شوقى الفرنجرى (يونيو 1978 ) . وانظر كذلك : أحمد بهاء الدين , يوميات , الأهرام , 21\2\1986.

9) عبد الحمن الرافعى , فى أعقاب الثورة المصرية ( مكتبة النهضة المصرية , القاهرة 1945 , 1951 ) الجزء الثالث , ص 181 . ويلاحظ أن تقديرات عدد جرحى مظاهرة 9 فبراير الواردة فى كتاب " الحركة السياسية .. " لطارق البشرى وكتاب " مصر مجتمع عسكرى .. " لأنور عبد الملك هى تقديرات مبالغة بدرجة ملفتة .

10) شهدى عطية الشافعى , تطور الحركة الوطنية المصرية 18821956, الطبعة الأولى ( الدار المصرية للكتاب , القاهرة 1957 ) . ص 97 . ويقرر الكاتب أن عدد القتلى فى تلك المظاهرات كان سبعة . وكان النحاس باشا زعيم الوفد قد استقبل عدداً من المصابين فى القاهرة وألقلا عليهم خطبة مؤيدة للطلاب . ( مقابلة مع ماهر محمد على ـ سبتمبر 1981 ) .

11) اقيم الحتفال تحت اجراءات أمن مشددة حيث انتشرت الشائعات عن محاولة لإلقاء قنبلة على موكب الملك . ولم يسمح إلا لقلة من الطلاب الذين يثق بهم المسئولون عن الأمن بالحضور ( محمد حسين هيكل , مذكرات فى السياسة المصرية , المطبعة المصرية , القاهرة , 1953 , الجزء2 ص315 , وطبقاً لما يذكر عبد المنعم الغزالى شمل استقبال الطلاب للملك أشكالاً أكثر حدة للاحتجاج مثل حرق صورته , والهتاف " لا إله إلا الله , وإلقاء الأتربة على مصابيح السيارة الملكية وقطع الأشجار ووضعها فى طريق موكب الملك . ( عبدالمنعم الغزالى , موقع 21 فبراير 1946 فى التاريخ , الطليعة , فبراير 1966 . ص 52 – 53 ) إلا أن حجم المشاركة الطلابية فى تلك الأحداث لا يتضح من خلال وصف الغزالى الذى يبدو مبالغاً والذى لم يمكن التحقق منه فى مصادر أخرى .

12) طارق البشرى , الحركة السياسية فى مصر 19451952 ( الهيئة العامة للكتاب , القاهرة 1974 ) ص 100 .

13) Thieck Journe` e du 21 Fe vriier; p 115-6.

ويقدر عدد المتظاهرين بحوالى خمسة عشر ألفاً من جامعة القاهرة , يرتفع إلى أربعين ألفاً عند انضمامهم إلى طلاب الأزهر .

14) الطليعة فبراير 1976 . اتصل الطلاب بمؤتمر نقابات عمال مصر , واللجنة التحضيرية لاتحاد نقابات عمال القطر المصرى , وغيرهما من النقابات العمالية , خاصة فى شبرا الخيمة , حيث كان العمال قد بدءوا بالفعل فى تشكيل لجانهم الوطنية . ( انظر أيضاً : طارق البشرى , الحركة السياسية , ص 100 ) . وعن الانتخابات لعضوية اللجنة الوطنية للعمال والطلبة انظر : سعد زهران , فى أصول السياسة المصرية , ص 125 .

15) CharlesAnwar Abdel – Malek, Egypt: Military society, Translated by lam Markmann, (Random House, New York, 1968), p. 24.

وأيضاً : مسعد عويس , نحو تنظيم سياسى للشباب , فى : كمال السيد درويش وآخرون , التربة الساسية للشباب , دار المعرف , الأسكندرية 1973 , ص 84 – 85 . وكذلك : شهدى عطية الشافعى , ص 98 – 99 .

16) فى تقدير شهدى عطية الشافعى ص99 , أن المتظاهرين كانوا من أربعين إلى مائة ألف , وقدرهم الغزالى ( موقع 21 فبراير , الطليعة , فبراير 66 , ص55 ) بما يفوق مائة وأربعين ألفاً من بينهم خمسة عشر إلى أربعين ألفاً من العمال , خاصة من شبرا الخيمة . وفى تقدير ثالث ( الطليعة , فبراير1976 ) يرتفع الرقم إلى حوالى مائتين وخمسين ألفاً !

17) هذا مطلع قصيدة كتبها الطالب عبدالواحد بصيلة ( أستاذ جامعى وعميد كلية فيما بعد ) .

18) الرافعى , فى أعقاب , الجزء الثالث ص 186 , ويلاحظ اختلاف تقدير عدد قتلى وجرحى إضراب 21 فبراير باختلاف الباحثين .

19) مع ذلك تشير بعض المصادر إلى أن الإخوان المسلمين قد شاركوا فى مظاهرات 21 فبراير , ووفقاً لما كتب متشل ) moslem Brothers, p . 45)  : " فى يوم الإضراب كان الإخوان المسلمون ـ بالطبع ـ يقفون فى الخارج بكامل قوتهم , مع التركيز الرئيسى على نشاطهم المستقل فى الأسكندرية , وأياً ماكان الذى وعد البنا به صدقي , فمن الواضح أنه لم يكن من الممكن أن يتضمن هذا الوعد تحويل اتجاه الحماس الوطنى لدى أتباعه " . كما اعترف الغزالى ضمنياً بهذه المشاركة , عندما أشار إلى المحاولة المجهضة التى قام بها فريق الجوالة بالإخوان المسلمين لتحويل مجرى المظاهرات فى القاهرة إلى القصر الملكى بغرض تقديم التماس إلى الملك . ( موقع 21 فبراير , الطليعة , فبراير 1966 , ص 56 ) .

20) شهدى عطية الشافعى , ص 100 .

21) نفس المرجع وتبدو دعوة مقاطعة الانجليز استجابة لضغط الإخوان المسلمين . (Thieck, Journee du 21 Fevrier, p. 124)

فبعد ذلك فى 1948 , أوردت السفارة البريطانية فى تقرير لها , " كان الإخوان الميلمون فى المنصورة ـ من خلال أفرادهم الذين يعملون فى مكتب البريد وغيره من المصالح الحكومية يحتجزون البريد الذى يكون عنوانه مكتوباً بلغة أجنبية " (FO 141, 1245 , 1948, Political Situation)

وقام الإخوان أيضاً ـ فى مرحلة من مراحل الحركة الطلابية ـ بإحراق الكتب الانجليزية علناً ( عبد الكتعال الجبرى , لماذا اغتيل الإمام الشهيد حسن البنا ؟ , ص99 )

22) الشافعى , ص 102 – 103 . إلا أن الانقسامات داخل الكتلة الطلابية , كان لها بعض الأثر على تنظيم الإضراب فى القاهرة ( الطليعة فبراير 1976 ) .

23) F0 141, 1009 (1946 )

24) Thiek, Journee du 21 Fe`vrier …

25) مقابلة مع سعد زهران .

26) شكل المستقلون غالبية أعضاء اللجنة طبقاً لتقدير أحمد صادق سعد , انظر : أحمد صادق سعد , صفحات من اليسار المصرى بعد الحرب العالمية الثانية 45\1946 , مكتبة مدبولى , القاهرة , 1976 , ص 136 . ويؤكد سعد زهران " النزوع الاستقلالى الغالب على الحركة الطلابية " ( فى أصول السياسة المصرية , ص 125 ) .

27) Mitchell Moslem Brothers, p. 44

وانضمت اللجنة المنفصلة للطلاب الوفديين ـ والتى كانت تسمى بنفس الاسم ـ إلى اللجنة التنفيذية للطلاب انضماماً جماعياً . ( Thieck, p.97)

28) عبدالعظيم رمضان " الإخوان المسلمون : أخطر الحركات الدينية فى التاريخ الحديث " الهدف , 20 نوفمبر 1980 . اتهم الإخوان خصومهم باستخدام تعبيرات شيوعية فى بيانلتهم مثل " الكفاح التحريرى " " والجلاء الاقتصادى " و " الكفاح الشعبى " و " اتحاد العمال والطلبة " .

29) مقابلة مع سعد زهران .

30) Abdel – Malek, Egypt: Military Society, pp. 23 – 5.

31) ميشيل كامل , تطور حركة النضال الوطنى والاجتماعى فى مصر , دراسات عربية , العدد 11 , السنة 16 , سبتمبر 1980, ص 3 – 13 , وانظر وجهة نظر مشابهة لأحد المشاركين فى الأحداث فى : محمد يوسف الجندى , 21 فبراير ـ توجه جديد للحركة الوطنية , دار الثقافة الجديدة , القاهرة , 1986.

32) أصبح شهدى عطية الشافعى , الذى عذب حتى الموت فى يونيو [[1960 ]], أبرز شهداء الحركة الشيوعية المصرية .

33) الشافعى ص 108 – 109 .

34) بيان من اللجنة التحضيرية لإتحاد نقابات عمال مصر إلى اللجنة الوطنية للعمال والطلبة . ورد : فى طه سعد عثمان , مذكرات ووثائق فى تاريخ الطبقة العاملة , الكاتب , عدد 134 , السنة 12 مايو 1972, ص 153 – 158 .

35) نفس المرجع .

36) L.J. Coverly, The Egyptian Undergraduate and Politics, op. cit., p.336.

37) مقابلة مع أحمد صادق سعد فى : رفعت السعيد , تاريخ المنظمات اليسارية فى مصر 19401950 , ص 276 – 277 .

38)بيومى , الإخوان المسلمون , ص 283 , Thieck, p. 126 ورفعت السعيد , أحمد حسين , كلمات ومواقف , ص 202 . تعرض الإخوان المسلمون لنقد جماعة إسلامية أخرى ( شباب محمد ) على أساس أنهم شكلوا اللجنة القومية بإيعاز من الحكومة بغرض إضعاف الحركة الوطنية . ( بيومى , ص 283 ) .

39) الغزالى , موقع 21 فبراير , ص 59 .

40) بيومى , ص 105 .

41) المرجع السابق , ص 104 – 105 .

42) البشرى , ص 85 و Thieck, p. 97.

43) الشافعى ص 107 – 108 . انظر أيضاً : هيكل , مذكرات .. جزء 2 , ص 221 – 222 .

44) Salah EL DIN EL Zein El Tayeb, op. cit, p. 40 – 41.

45) P.J. Vatikiotis, The Modern History of Egypt ( Weidenfeld & Nicolson, London, 1969), p. 363` Marcel Colombe, Deux Annees d`Histoir de L`Egypte:8Octobre 1944– 9 De`cembre 1946 , Politique Etrangere, vol. 120, part2 (May 1947),p.213.

فى ساعة مبكرة يوم 7 مايو 1946 , ألقيت قنابل على ثكنات مصطفى باشا بالأسكندرية , فأصابت أربعة جنود انجليز . وتم ضبط سلة بها ستون قنبلة يدوية . وفى 17 يوليو ألقيت قنابل أخرى على النادى البريطانى بالأسكندرية , فأصيب ثمانية وعشرون شخصاً . ( انظرأمين سعيد , تاريخ مصر السياسى , ص 293 ) .

46) سافر مصطفى مؤمن إلى اجتماعات مجلس الأمن باسم " الجبهة الطلابية للدعاية لقضية وادى النيل " والتى تشكلت أساساً من طلاب ينتمون إلى الإخوان المسلمين والحزب الوطني , واختير لرئاستها إثنان من رؤساء الجامعات هما د. عبدالوهاب عزام , ومنصور فهمى باشا , وضمت بين أعضائها عدداً من الأساتذة . ( مقابلة مع ماهر محمد على ) .

47) ورد فى تقرير للسفارة البريطانية أبلغنى عميل أن إعادة فتح الجامعات ترتقب بشىء من الاهتمام والقلق , حيث يعتقد أن مصطفى مؤمن , الزعيم الطلابى , قد بدأ لإشعال المظاهرات ضد النقراشى .. أنه هو الذى حاول الهتاف بسقوط النقراشى عند بحيرة ساكسس والطلاب على أية حال يكرهون النقراشى , وذلك يرجع بدرجة كبيرة إلى حادث كوبرى عباس , وهم يقولون الآن إنه ليس برجل الذى يقود الثورة التى تعد لها الأمة " (FO 141,1187, 1947, "oPolitical Situation).

48) ورد فى تقرير للسفارة البريطانية أنه " سوف يعاد فتح الجامعة .. كما سيتم إبعاد العناصر المدرجة فى القوائم السوداء , إلا أن أحزاب المعارضة والشيوعيين , والحزب الوطني , والإخوان , قد قرروا الاتصال بالطلاب لتنظيم اضرابات وأعمال شغب , مهما كانت النتائج , وذلك حتى يسقط النقراشى وحكومته " (FO 141, 127, 1948,Arab Societies: Ikhwan AL-mMuslimene ).

49) بعد ذلك بأربعة أيام أعلن زعيم الوفد أيضاً رفض حكومته لمقترحات الولايات المتحدة من أجل الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط (Abdel – Malek, Egypt: Military Society , p. 31 ) وانظر أيضاً : Dle EastFO 141, 1442 (1951 ),USA – GREAT BRITAIN. MID Policy..

50) البشرى , ص 425 , 436 , LAQUEUR, PP55.7

51) انظر الدعوة , يناير 1977 .

52) لم تكن هناك قيادة موحدة للكتائب حيث كانت كل مجموعة تدين بالطاعة لقائدها – (ABDEL MALEK,EGYPT:MILITARY SOCIETY , P . 31 ) وانظر أيضاً : البشرى , ص 507 .

53) MITCHELL, P . 92

54) MITCHELL, P. 94 – 50.

ويذكر المؤلف أيضاً أنه " كان الطلاب يظهرون انتصارهم على محاولة الحكومة للقضاء على كتائب التحرير , بالطواف بانتظام حول حرم الجامعة فى سيارات جيب , وإطلاق بنادقهم الآلية فى مواجهة مبنى الإدارة بالقرب من قبتها الشهيرة . كما وردت أنباء مماثلة من جامعة الأسكندرية عن طلاب مسلحين يقومون بزرع مفرقعات أو يطلقون النيران بالقرب من حرم الجامعة , وكانت الأغلبية العظمى من الطلاب المشاركين فى ذلك من الإخوان المسلمين .

إلا أنه , فى نفس الوقت , وفيما بدا وكأنه الجانب الآخر من صفقة , تمت السيطرة على مظاهرات الجامعة والرأى العام فيها عموماً . فالهلالى كان بحاجة للهدوء وهو يدفع ببرنامجه للإصلاح , ويحاول ـ أيضاً ـ إعادة فتح باب المفاوضات مع البريطانيين , حيث حصل على مساعدة الإخوان فى الجامعة . فقد كان الإخوان الذين يسيطرون على اتحادات الطلاب , فى وضع يسمح لهم بتوجيه حركة الجامعة " .


( 5 ) الحركة الطلابية والنظام السياسى

الطلاب والقصر الملكى

كانت مؤسسة القصر الأوتوقراطية غالباً ما تبحث عن مساندة الطلاب لها فى صراعها على السلطة مع الوفد . وفى العديد من المناسبات كانت مظاهرات الطلاب لا تعدو كونها تعبيراً ظاهرياً عن الخلاف بين الوفد والقصر . وقد أضرب الطلبة المؤيدون للملك ضد حكومة الوفد برئاسة سعد باشا زغلول عام 1924 , وبرئاسة النحاس باشا عامى 1930 و 1936 . وإبان الأزمة الدستورية عام 1937 , حرض القصر طلاب الأزهر وجامعة القاهرة على التظاهر ضد الوفد , وذهب الطلاب إلى القصر حيث حياهم الملك بنفسه . وعندما اقيلت حكومة الوفد عام 1944حرض القصر الطلاب على إظهار ابتهاجهم (1) . وعندما سمح وزير الداخلية الوفدى فؤاد سراج الدين عام 1952 بخروج مظاهرة من طلاب الهندسة تهتف ضده , اعتبر الملك أن هذه المظاهرة مجرد مقدمة لمظاهرات ضد السراى .

وكان القصر تواقاً بشكل واضح إلى إضعاف التأييد الطلابى للوفد فعندما سعت حكومة الوفد فى محاولة منها لكسب شعبية بين الطلاب ـ إلى استصدار قانون لتخفيض درجات النجاح الصغرى فى الامتحانات , رفض الملك أن يصدق على هذا القانون . وكان القصر يبتكر وسائله الخاصة لكسب الطلاب . فأثناء الانتفاضة الطلابية 35\1936 , أوضح تقرير لوزارة الداخلية أن " البلاط كان متعاطفاً بدرجة كبيرة مع الطلاب , وفى عدد من الحالات أمر مندوبو البلاط بالإفراج عن الطلبة حتى دون تحقيق فى التهم المنسوبة إليهم (2) ." .

وكان الأزهر بمثابة مركز التأييد الطلابى الرئيسى للقصر . ولم يكن ذلك بالأمر المستغرب , بالنظر إلى المفاهيم الإسلامية المحافظة للأزهر , واستعداده لأن يعتبر الملك خليفة , خاصة بعد أن أنهى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية . كما وجد القصر أنه من السهل كسب تأييد الأزهر بكتلته الطلابية التى تتميز بالفقر النسبى عن طريق الإغراءات المالية المباشرة . وفى 1938 اتهمت صحيفة وفدية شيخ الأزهر (3) بأنه يستخدم طلاب الأزهر كأداة سياسية يطوعها بإسم الدين ثم يلقى بها بين يدى القصر . وكانت الالتماسات التى تحوى شكاوى طلاب الأزهر , كثيراً ما ترفع إلى الملك بدلاً من الحكومة . كما كانت تهانى طلاب الأزهر ترسل إلى الملك فى المناسبات , خاصة المناسبات ذات الدلالة السياسية . وفى 1925 ساند القصر الأزهر عندما عارض محاولات الحكومة لدمجه ضمن نظام وزارة التعليم , وساند بعد ذلك مشروع زيادة عدد المعاهد الأزهرية وتحديث معداتها (4) .

وفى تقرير للسفارة البريطانية عام 1943 ورد ما يلى :

" هناك خلاف بين طلبة الأزهر والحكومة نتج عن محاولة الطلبة السير إلى القصر لإظهار ولائهم , بعد بضعة أيام من المناسبة , وذلك بمناسبة عيد ميلاد الملك فاروق . الأمر الذى منعته الحكومةعلى أساس أنه لم يكن هناك فى الموعد الفعلى ما يمنع أى شخص من التصرف على هذا النحو .. وقد حدثت مصادمات مع البوليس .. وأمرت الحكومة بالقبض على بعض شيوخ الأزهر الذين اعتبرتهم مسئولين عن عدم السيطرة على الطلاب (5) ." وقد غضب الملك من هذه الحادثة وطالب الحكومة بتقديم تفسير لموقفها , وإطلاق سراح الشيوخ المقبوض عليهم.

وقد أبرزت زيارة الملك للجامعة إبان إضرابات فبراير 1946 , والبرود النسبى الذى قوبل به , انحساراً تاريخياً لدور العرش كرمز للأمة فى نظر الطلاب . وكانت هتافات الطلاب مثل : " يسقط الطغاة " و " إرادة الشعب فوق الجميع " بمثابة صيحات عداء موجهة للملك . وقد تمادى بعض المتظاهرين إلى حد أن نعتوه بأنه " ملك النساء " وذلك بسبب مغامراته العاطفية الشهيرة (6) وفى عام 1948 داس الطلبة بنعالهم صور الملك , وتضمنت هتافاتهم سباباً شخصياً له . ولكن عداء الطلبة للملكية لم يتفجر بشكل صريح وواسع النطاق حتى السنتين الأخيرتين من العهد الملكى , حين اندلع ذلك العداء فى صورة مظاهرات انتشرت فى كل مكان , وهتافات معادية للنظام الملكى , وحرق صور الملك علانية (7) . وعند هذا الحد توالت احتجاجات البلاط على حكومة الوفد تدعو إلى إعلان الأحكام العرفية . وهو ما حدث ليؤذن بالانفصام الكامل بين الملك ورعيته من الطلاب على عتبات سقوط النظام السياسى ككل .


الطلاب والإدارة الحكومية

فى صيف 1946 بذل رئيس الوزراء صدقي باشا محاولات نشطه للتوصل إلى اتفاق جديد مع بريطانيا لضمان جلاء القوات البريطانية من مصر . وكان أحد أسباب العجلة لديه , هو الرغبة فى إنهاء الأمر قبل بداية العام الدراسى الجديد , وهو تصرف مفهوم من قبل الحكومة المصرية فى مواجهة غليان طلابى فعلى أو محتمل . وقد أقر السفير البريطانى سير مايلز لامبسون هذا النوع من التصرف منذ مرحلة مبكرة إبان الانتفاضة الطلابية فى 35\1936 حين قال  :

" توضح التقارير الضرورة العاجلة للتعامل مع المسألة الطلابية بصورة جذرية . فمالم يفرض على الطلبة أن يقفوا عند حدودهم , فلن يكون من الممكن إيجاد حكومة مستقرة أو إقرار علاقات انجليزية مصرية هادئة (8) ".

وقد ورد فى تقرير بشتلى أفندى وجهة نظر مشابهة : " إن خطر الروح السائدة حالياً بين الشباب غير المسئول فى هذا البلد يتجاوز إلى حد بعيد مزاياها .... وربما كان المطلوب الآن هو وجود وزير قوى للتعليم يحظى بمساعدة صادقة من مجلس الوزراء , لاستعادة أى أثر للنظام فى المدارس . والأمر الأكثر من المحتمل , أن الإجراءات التى قد يضطر إلى اتخاذها ستكون قمعية كما أن آثارها ستكون بعيدة المدى (9) " .

وقد حمل تقرير شامل إلى وزارة الداخلية رؤية مختلفة نوعاً وكماً وأكثر حذراً تجاه المشكلة (10) حيث أشار إلى أن هناك خيارين بديلين فى التعامل مع الحركة الطلابية : إما قمعها أو تسييرها فى قنوات أخرى واعتبر البديل الأول نوعاً من " صب اللعنة على الطوفان " , أما البديل الثانى فهو يوجه الحركة إلى " قنوات مناسبة بواسطة التنظيم , والدعايه , والمعاملة الودية بينما يتم التعامل فى نفس الوقت فى نفس الوقت مع مظاهر الجموح فى هذه الحركة بحزم وفقاً للقانون العادى " .

ورأى أن هذا الخيار الأخير إنما يستلزم عدداً من التدابير مثل :

" خلق لجنه لتنمية الشباب تحت رعاية الحكومة تضطلع بمهمة تحويل طاقات الطلاب إلى قنوات نافعة مثل الرياضة , والثقافة البدنية , والاهتمامات الفكرية ... إلخ . وشن حملة صحفية نشطة .. وعزل الحركة عن السياسات الحزبية .. وإصلاح الجامعة والنظم التعليمية " .

وبرغم أن هذا المنهج يبدو أكثر حكمة من البديل القمعى , إلا أنه كان يتطلب إجراءات فعالة لإبعاد الجامعة عن السياسة , الأمر الذى لم يكن أمامه فرصة للنجاح فى بلد ناقص الاستقلال , ويقوم نظامه السياسى على المنافسة البرلمانية بين أحزاب سياسية بما فى ذلك التنافس للحصول على ولاء الطلبة , لقد ظلت إغراءات الصراعات الحزبية أمام الكتلة الطلابية أقوى من أن يحتويها هذا المنهج .

وقد طبقت الحكومات المصرية ـ عملياً ـ أسلوباً يؤلف بين هذين المنهاجين وسط تدابير أخرى بغرض السيطرة على الكتلة الطلابية من خلال الإدارة الجامعية نفسها . وكانت الجامعة المصرية ـ التى أنشأها عام 1908 بعض مثقى البلاد البارزين كمشروع خاص ـ قد خضعت لسيطرة الحكومة عام 1925  :

أصبح وزبر التعليم ـ بحكم منصبه ـ رئيساً أعلى للجامعة . أما المسئول الإدارى الأعلى , أى رئيس الجامعة فقد كان تابعاً للوزير , ويتم تعيينه بمرسوم ملكى بناء على توصية الوزير وبالإضافة إلى ذلك كان خمسة من بين أعضاء مجلس الجامعة يعينون بناء على تزكية الوزير أيضاً علاوة على أن الأساتذة وهيئة التدريس كانوا موظفين مدنيين يعينون ويفصلون بواسطة الوزير ويخضعون لإجراءات تأديبية صيغت فى لوائح خاصة , تسمح بعقوبات مثل تخفيض الدرجة الوظيفية والإيقاف عن العمل , وكذلك الفصل . وكانت الجامعة تمول من الميزانية العامة للدولة , ومن ثم كانت تحت سيطرة محكمة (11) .

وكان مطلب استقلال الجامعة ـ الذى رفعه كل من الطلاب والأساتذة ـ قد نفذ داخل حدود معينة , عينتها الحكومة , فكما لاحظ طه حسين :

" ليس الاعتداء على استقلال الجامعة مقصوراً على ظلم السلطات لهذا العميد أو ذاك , أو حمل الجامعة بالعنف على مالا تحب , فهذا العدوان يسير أمره لأن الناس جميعاً يحسونه ويشعرون به وينكرونه دائماً ويقاومونه أحياناً . إنما العدوان الخطأ على استقلال الجامعة هو هذا الذى يظهر للناس على أنه شىء مشروع قد صدر من صاحب الحق فيه . هذا العدوان لا حيله لأحد فيه , ولا قدرة لأحد عليه , وهو مع ذلك مصدر فساد عظيم وشر مستطير , هذا التغيير الذى تستبيحه سلطة الدولة لنفسها فى إلغاء الأحكام التى تصدرها مجالس التأديب الجامعية , هو الشر كل الشر وهو الذى يلغى استقلال الجامعة إلغاءً , بل يلغى الجامعة نفسها إلغاءً . وما أظن سلطة الدولة تستطيع أن تنكر أنها اتخذت التشريع الذى لاغبار عليه من الوجهة القانونية ولا من وجهة سيادة الدولة , وسيلة إلى إلغاء استقلال الجامعة وإضاعة حقها المقدس فى الإشراف وحدها على شئون العلم والتعليم (13) " .

وفى هذا الإطار , لم يكن من المستغرب وقوع بعض الأحداث , مثل إكراه الجامعة على منح درجات فخرية إلى بعض السياسة عام 1933 , وعزل طه حسين نفسه من منصبه بالجامعة بسبب آرائه الأدبية والسياسية , وقد استقال رئيس الجامعة أحمد لطفى السيد بسبب إنشاء قوة البوليس داخل الحرم الجامعى للتعامل مع إضرابات الطلاب .

واثبت توقيت الامتحانات أنه أداة إدارية فعالة لتقييد نشاط الطلاب فى كل من المدارس والجامعة , ففى تعليق على موقف طلبة المدارس فى سوهاج عام 1947 , كتب المندوب القنصلى البريطانى يقول " أدرك طلبة مدارسنا المحلية أن العام الدراسى قد أصبح قصيراً . وأن الامتحانات تقترب سريعاً حتى أنهم ينوون منح دروسهم اهتماماً أكبر من السياسية (14) " .

وبالمثل فعند نهاية فترة الاضطراب الواسع عام 51\1952 , خمدت الخطب السياسية , وعاد الطلبة إلى كتبهم ـ بعد عام كامل من الاضطرابات ـ إذ كانت الامتحانات تلوح فى الأفق .

وكانت الحكومة على استعداد للجوء إلى إغلاق المدارس والجامعات لفترات قصيرة , والقيام بعدد من المحاولات لسن تشريعات من أجل إحكام سيطرتها على الكتلة الطلابية . فأصدرت حكومة محمد محمود باشا ـ فى غياب البرلمان ـ القرار بقانون رقم 22 لسنة 1928 من أجل " حفظ النظام فى معاهد التعليم " , الذى حظر الاشتغال بكافة الأنشطة السياسية فى الجامعة والمدارس . ولم تتردد حكومة الوفد عام 1937 فى اللجوء لهذا المرسوم بغرض قمع الاضطرابات الطلابية وبرغم أن برلمان الوفد عام 1930 كان قد أعلن بطلانه .

ومع ذلك فإن بعض مؤسسات الدولة والحكومة كثيراً ما أظهرت تعاطفاً كبيراً مع الطلاب . فإبان انتفاضة 35\1936 ـ على سبيل المثال ـ ذكر بشتلى أفندى فى تقريره : " كانت المحاكم متعاطفة مع الطلاب إلى حد كبير ... وكان القضاة متساهلين بصورة واضحة مع المذنبين . وفى العديد من القضايا كان الحكم يصدر ببراءة المتهمين , وفى أسوأ الحالات توقع عليهم مدد حبس قصيرة للغاية , مع إيقاف التنفيذ فى أغلب الأحوال , أو تفرض عليهم غرامات تافهة . وفى إحدى القضايا اثنى القاضى حسين إدريس ـ فى حكمه الصادر فى 18 نوفمبر ـ بالفعل على الطلاب بسبب إظهارهم لمشاعرهم الوطنية , والتمس لهم العذر فى الهجوم على البوليس على أساس أنهم كانوا مدفوعين بفعل الموقف العدوانى من البوليس ازاءهم (15) " .

وفى المستشفيات كانت إدارة المستشفى تبدى " تمييزاً كبيراً فى معاملة المصابين فى الاضطرابات؛ حيث كان الطلبة المصابون يتم علاجهم فوراً ويحظون بمعاملة كريمة , بينما كان المصابون من البوليس غالباً ما يلقون الإهمال . (16) " . وفى حالات كثيرة كانت سلطات السجون تعامل الطلاب المقبوض عليهم بأفضل مما تعامل غيرهم من النزلاء (17) . وكان جنود البوليس من فرقة قمع المظاهرات [ الذين كانوا يجندون أساساً من أصول شديدة الفقر , ويدربهم ضباطهم على الحقد على الطلبة باعتبارهم أقلية متميزة تنتمى أساساً إلى أبناء الأغنياء ] هم وحدهم الذين يعاملون الطلبة بقسوة تتسق مع مادربوا عليه . وقد شكل سليم زكى حكمدار بوليس القاهرة ـ قبل اغتياله ـ فرقة خاصة , سميت " بفرقة الباشا " , بغرض تفريق المظاهرات (18) . ويتذكر د . أحمد شوقى الفنجرى عندما ضربه أحد الجنود فى مظاهرة عام 1946 , وهو يزأر فى وجهه بقوله " لماذا تتعلمون " بينما يحرم أبناؤنا من التعليم ؟ (19) " .

وفى مناسبات أخرى , خاصة حينما كان الشعور الوطنى عالياً , كان رجال البوليس يبدون تعاطفهم صراحة مع الطلاب ففى 21 فبراير 1946 كان الجنود المصريون يقفون بين المتظاهرين والجيش البريطانى , وقد كتب على بعض مركباتهم نفس الشعارات التى يهتف بها المتظاهرون . وبعد انتهاء المواجهة الدامية فى ذلك اليوم , حاول وفد الطلاب الذى التقى برئيس الوزراء صدقي باشا إقناعه بالسماح لضباط وجنود البوليس بالانضمام إلى الإضراب المقرر تنفيذه صباح يوم 4 مارس . وقد تعرض الطلاب إلى انتقادات حادة عندما اصطدموا بالبوليس فى 20 يناير 1952 , حيث كان جنود الشرطة أنفسهم فى صراع مباشر مع الجيش البريطانى فى منطقة القناة وبعد ذلك بأسبوع واحد تظاهر كل من الطلاب ورجال الشرطة معاً يوم حريق القاهرة .


الطلاب والأحزاب السياسية

عكست التيارات المختلفة داخل الحركة الطلابية , فى المقام الأول , مواقف الأحزاب السياسية المختلفة إزاء قضية استقلال مصر . وكانت الحركة الطلابية ككل بمثابة ساحة مهمة للتنافس الحزبى . وفى إطار انتفاضة 35\1936 , تولدت أول محاولة طلابية للتخلص النسبى من الوصاية الحزبية . وقد ورد فى تقرير من وزارة الداخلية مايلى :

" إن موقف الطلاب هو أخطر ما فى مصر فى هذه الآونة , حيث أنه فى الوقت الذى طالب فيه زعماء الجبهة الوطنية بالتزام الهدوء , حرض محمد محمود باشا عدداً كبيراً منهم على عدم الالتفات إلى هذه النصيحة , وتنظيم أنفسهم بالشكل الذى لا يتيح للوفد السيطرة عليهم ... وبرغم أن عدداً من الطلاب لم يكونوا من بين مؤيدى محمد محمود باشا , إلا أن المؤيدين قد استخدموا كل الوسائل لتنفيذ هذا المخطط .... وحيث أن النحاس باشا يعتمد على عدد من الطلاب كثيرين فى العدد لكنهم محدودو التأثير , فإنه يخشى أن ينجح الطلاب المؤيدون لمحمد محمود باشا (20) " ...

وقد أكد تقرير للبوليس فى 10 يناير 1936 مايلى : " اقترح محمد محمود باشا على عباس حليم من خلال وساطة حسنى الشنتناوى المحامى ـ الوكيل القانونى لاتحاد العمال الذى يرأسه عباس حليم ـ خلق مجموع من الطلاب تعرف بإسم " الطلبة الوطنيون " . ويكون الهدف من هذه المجموعة هو موازنة تأثير الوفد بين الطلاب (21) " .

ونتج عن هذه الاتصالات انقسام داخل الحركة الطلابية , الأمر الذى كان يعكس الصراع بين تيارين سياسيين أساسيين فى الساحة الحزبية الواسعة , الوفد وخصومه من الأحرار الدستوريين . وكما يوضح تقرير من وزارة الداخلية كان الطلاب :

" .. ينقسمون إلى فريقين :

أ) فريق وفدى تحت زعامة فريد زعلوك , وهو أداة فى يد الوفد , وعلى اتصال يومى مباشر مع النحاس ويتلقى التعليمات منه .

ب) الطلبة الوطنيون , وهم تحت رعاية عباس حليم (22)

وقد ظل هذا الانقسام من ناحية الجوهر بلا تغيير كبير حتى أوائل الخمسينيات فيما عدا أن التجمع المعادى للوفد أصبحت تشكل عصبه بعض التنظيمات السياسية الناشئة خارج الأحزاب التقليدية والتى استقطبت المنشقين عن الوفد نفسه .

لكنه عندما بدأت الحركة تضم نسبة أكبر من عناصر التنظيمات غير البرلمانية وتتخذ إطاراً للحركة مستقلا نسبياً , فإنها لم تنجح فى تجنب درجة معينة من درجات التحزب السياسى . وقد قام العديد من المظاهرات الاقليمية إبان انتفاضة 1946 تحت إشراف اللجان المحلية لحزب الوفد وليس اللجنة الوطنية للعمال والطلبة التى كانت قد دعت للإضراب . وكانت قيادة الوفد ـ برغم عدم ارتباطها المباشر بالتحرك المستقل للطلبة ـ واثقة من أنها ستنجح , آجلاً أم عاجلاً فى استعادة سيطرتها عليهم , مثلما فعلت 35\1936 (23) .

وكان الطلاب فى معظم الحالات هم المبادرون بإشعال شرارة المواقف التى تتخذها أحزاب المعارضة ضد الحكومة القائمة (24) , خاصة فى مسألة الجلاء والعلاقات مع بريطانيا . وكانوا أول من ينقل المعارك السياسية إلى الشوارع (25) . ولذا فليس من المستغرب أن الأحزاب السياسية كانت تنظر إلى الطلاب باعتبارهم رصيداً سياسياً ثميناً , ومن ثم كانت تعمل باستمرار على استمالتهم :

" لم يكن زعماء الأحزاب السياسية يقصرون أنشطتهم على الدعاية الخفية , ولكنهم كانوا يتعاطفون علناً مع المخلين بالأمن , فكان الضحايا يعاملون كأبطال وطنيين , وكان الجرحى فى المستشفيات يستقبلون الزيارات , ويتلقون الهدايا وتؤخذ لهم صور تذكارية مع الزعماء (26) " .

وكانت التسهيلات الإدارية عند الالتحاق بالمدارس والجامعات , وفى دفع الرسوم الدراسية , ونظم الامتحانات , تمنح للطلبة على أسس سياسية من كل الأحزاب التى تصل للحكم , بما فى ذلك حزب الوفد , الذى كان تواقاً بصفة خاصة إلى الاحتفاظ بولاء غالبية الطلبة وقد أوضح توفيق الحكيم الضرر الذى أحدثته هذه الممارسات فيما يلى :

" إن الأوضاع الجديدة الديموقراطية كما يساء فهمها فى مصر قد صرفت شباب اليوم عن الجد والعمل . فإن سريان داء الحزبية إلى كتلة الطلاب واستخدام الساسة للطلبة ذلك الاستخدام المعروف قد جعل الطلبة من جانبهم يستخدمون الساسة هم أيضاً للتدخل فى مسائل الدرس والامتحان .. (27) " .

وكانت إضرابات الطلاب الخاصة بالمسائل التعليمية تعالج بواسطة كل من الحكومة والمعارضة على أساس انعكاساتها السياسية وليس على أساس الاعتبارات التعليمية وحدها . ويرى د . هيكل ـ الذى كان وزيراً للتعليم ـ أن أسلوب حكومته فى معالجة النزاع بين طلبة الأزهر والجامعة حول تدريس اللغة العربية قد تحدد على أساس تأثير المشكلة على الموقف السياسى للحكومة (28) .

وكان الطلبة الموالون للأحزاب السياسية محل هجوم من خصومهم باعتبارهم دمى فى أيدى الأحزاب (29) برغم أنه فى عدد من المناسبات كان يبدو أنهم يتحركون باستقلالية . وبعد انتفاضة 35\1936 استنتج بشتلى أفندى أنه:

" لن يقبل الطلبة بعد ذلك أن يكونوا مجرد أدوات فى أيدى حزب سياسى , فلديهم الآن إرادة مستقلة , الأمر الذى سيتدعم بالنجاحات ـ أو ما يتخيلونه النجاحات ـ التى أحرزوها (30) " .

كما ردد السفير لامبسون هذا الرأى أيضاً :

" يتضح إن هناك بعض الخطورة من ناحية أن الطلاب قد يفرضون إرادتهم على كل الأحزاب السياسية (31)".

وأكد مسئول ثان بالسفرة البريطانية , والترسمارت , هذا الاستنتاج :

" إن الطلاب الذين يعتبرون أنفسهم الآن مسئولين عن الانتصار , وإنشاء الجبهة الموحدة , ليسوا تحت سيطرة كاملة من الزعماء , وربما يتحركون بصورة مستقلة عنهم (32) " .

وعندما تولى الوفد الحكم قبل نهاية 1936 , وجد أن الكتلة الطلابية هى التهديد الرئيسى الذى يواجه سلطته . وقد لاحظ لامبسون ما يلى :

" إن الوفد ـ الذى كان مسئولاً وهو خارج الحكم عن إثارة الطلبة واعطائهم دوراً سياسياً حاسماً ـ قد يجد صعوبة الآن فى السيطرة عليهم (33) " .

وفى 1937 , أجبرت حدة الاضطراب الطلابى حكومة الوفد على إحياء قانون كانت قد اعتبرته باطلاً قبل سنوات قليلة سابقة . وكانت المعضلة التى واجهت الحزب واضحة أمام السفارة البريطانية :

" إن الوفد الآن , يشعر فى الواقع بأثر الحد الآخر من السلاح الذى صنعه بنفسه . فالطلاب الذين كان الوفد يحرضهم لمدة طويلة على معارضة السلطة , يبدو أنهم يسيرون بجدية فى طريق الاستعداد لمعارضة الوفد نفسه بعد أن أصبح فى الحكم (34) " .

وبرغم هذه الصعوبات ظلت الحركة الطلابية فى التحليل النهائى تحت السيطرة النسبية للأحزاب السياسية , توجهها الحنكة السياسية لزعماء هذه الاحزاب (35) .

وغالباً ما عكست الانقسامات الداخلية فى الأحزاب السياسية نفسها بين صفوف التابعين لهذه الأحزاب وهو الأمر الذى يفسر عدم رغبة النحاس باشا فى الاستجابة لطلب أحمد ماهر باشا أن يتولى وزارة التعليم ( مع ما سيتيحه ذلك من سيطرة على الطلاب , قبيل قيادة الأخير للانشقاق السعدى عن الوفد فى 1938 . وقد عكس الخلاف فى صفوف الطلبة الوفديين عام 1942 بين انصار ياسين سراج الدين وأنصار حافظ شيحة بدقة جهود فؤاد باشا سراج الدين لتثبيت موقعه داخل قيادة حزب الوفد .

لكن العلاقات بين القيادات الطلابية والقيادة القومية داخل الأحزاب المختلفة لم تكن ودية دائماً . وهناك مثال بارز فى هذا الخصوص :

" كانت قصة النزاع بين فؤاد باشا سراج الدين سكرتير الوفد , ومصطفى موسى زعيم طلاب الوفد , قصة طويلة . فقد بدأت بفؤاد باشا سراج الدين وهو يناور للتخلص من نفوذ الزعيم الطلابى , وذلك عندما بدأ فى إصدار الأوامر المباشرة إلى رؤساء اللجان الطلابية التنفيذية . وأتبع الباشا ذلك بطرد خمسة طلاب من هذه اللجان بدون استشارة زعيم الطلبة . ثالثاً طلب الباشا من طالب ـ مباشرة ـ تشكيل لجنة كلية التجارة . أما الأزمة الرابعة فقد حدثت عندما نشر زعيم الطلبة بياناً فى صحف الوفد يقول فيه إن قرار الباشا بطرد الطلاب الخمسة كان باطلاً . وقد عقد الباشا العزم على التخلص من مصطفى موسى الذى دعا بدوره إلى مؤتمر طلابى انتهى بمظاهرة تهاجم الباشا وسياساته . وأرسل الباشا مندوباً إلى الطلبة من أصدقاء الزعيم الطلابى لإنذاره بأنه قد يفصل من الوفد . وعندما عاد المندوب ليخبر الباشا أن الطلبة هاجموه بصورة عنيفة , قال : " يبدو أنه قد يكون من الضرورى إعادة فتح معتقل الطور (36) " .

كما وجدت نفس عوامل التوتر ـ ربما فى صورة أقل حدة ـ بالنسبة للمنظمات السياسية الناشئة . فمثلاً ضغط الطلاب الأعضاء فى التنظيم الشيوعى " إيسكرا " على قادتهم للتعجيل باتحادهم مع " الحركة المصرية للتحرر الوطنى " , مهددين بأنه إذا لم يحدث ذلك فإنهم سينشقون عن التنظيم . وكان النزاع الداخلى الوحيد الذى عانت منه مجموعة " الفجر الجديد " قد سببه اعضاؤها من الطلاب . وحتى فى حالة الإخوان المسلمين ـ الذين تمتعوا بتنظيم متماسك نسبياً وقائم على الطاعة للقيادة ـ عجز الشيخ حسن البنا عن تهدئة أتباعه من الطلاب ـ فى الفترة السابقة على اغتيال حكمدار بوليس القاهرة سليم زكى ـ عندما كان التنظيم يواجه خطر الحل الإجبارى . كما لقى خليفة البنا حسن الهضيبى أيضاً معارضة من طلاب الجماعة حول الوسيلة الملائمة للتعبير عن مواقفهم الوطنية , إلا أنه تعامل بحزم مع هذا التحدى , مصراً على أن قرارات الطلاب ليست لها قيمة حيث إنها لم تصدر عن مكتب الارشاد بالجماعة (37) .

وكان دور الجامعة كمعقل للتنظيمات الناشئة غير الممثلة فى البرلمان دليلاً كافياً فى حد ذاته على تدهور على تأثير الأحزاب البرلمانية التقليدية على الطلاب . وكما سلف فإن ثلاثة أرباع الطلبة الذين تم استفتاؤهم عام 1942 ـ والبالغ عددهم خمسة آلاف طالب ـ أعربوا عن عدم ثقتهم فى كفاءة الزعماء السياسيين للبلاد (38) . وقد ورد فى تقرير للسفارة البريطانية نفس الرأى : " إن الأمة ساخطة جداً على الروح التى أظهرتها الأحزاب السياسية ... حيث كان الطلاب يهتفون فى مظاهراتهم : " لا حزبية بين الطلبة (39) " .

ونبذت أعداد متزايدة من الطلاب ولاءها للأحزاب السياسية وتبنت بديلاً عن ذلك أهداف التنظيمات الناشئة التى اعتبروها " حاملة الأفكار الجديدة لحل مشكلات البلاد , بخلاف الأحزاب السياسية النهمة إلى الحكم (40) . وقد لاحظ هذا التطور أيضاً سير رونالد كامبل , السفير البريطانى الجديد , عقب محادثة مع جلاد بك الذى وصفه بأنه مصدر " قريب الصلة بالقصر " :

" لقد اتفق معى على أن هناك من بين الشباب , من يعرفون ما هو ضرورى الآن على طريق إصلاح الحياة السياسية والاجتماعية , إلا أنهم لم يمنحوا الفرصة أو التشجيع للظهور , وقد لا يجدون الوسيلة لذلك , فضلاً عن أنهم ليس لديهم أى ثقة فى أية محاولة من هذا النوع , والأحزاب السياسية على ما هى عليه . كما اتفق معى على أن خطورة ذلك تكمن فى أنهم فى حالة الإحباط ربما يبحثون ـ إن آجلاً أو عاجلاً ـ عن مخرج من خلال قنوات غير مرغوب فيها (41) " .

وفى خضم مناخ تبدد الأوهام حول الأحزاب السياسية , وقعت الانتفاضة الطلابية عام 1946 , وشكلت اللجنة الوطنية للعمال والطلبة . وفى خطاب مفتوح إلى رئيس الوزراء فى 7 فبراير 1946 برر الطلبة تأسيس لجانهم الوطنية بقولهم إنها سوف تتيح لهم : " اجراء مناقشة حرة حول حقوق وتطلعات البلاد بعيداً عن الحزبية السياسية (42) " .

إلا أن شعار " الوحدة الوطنية " الذى رفعه الطلبة فى مواجهة الحزبية كان شعاراً مبهماً حيث فهمه بعض الطلبة على أنه يعنى القضاء الكامل على الحزبية , وفهمه آخرون على أنه يستلزم الإتحاد فى ظل الحكومة القائمة , بينما فهمه فريق ثالث على أنه يعنى الوحدة تحت ظل الأغلبية الوفدية , وكان رفع الشعار فى الأساس احتجاجاً وإعلاناً لانقشاع أوهام الطلبة إزاء لأحزاب السياسية . وقد نادى أحد بيانات الطلبة إبان انتفاضة 1946 بوضع ميثاق وطنى يوقعه قادة الاحزاب السياسية ـ بصرف النظر عن سياستهم الخاصة ـ يعلنون فيه التزامهم بعدم قبول تولى الوزارة ما لم توافق بريطانيا على الجلاء التام كأساس للتفاوض , كما طالبوا أيضاً بأن تتوقف الصحف عن المهاترات الحزبية , وإلا فسيقاطعها الطلاب , لكن فشل الطلبة فى خلق إطار للوحدة بين مجموعاتهم المتصارعة كان يعنى أنهم أيضاً ليسوا أقل تحزباً من زعماء الأحزاب السياسية . ومن ثم لم تعد نداءات الطلبة لتحقيق الوحدة الوطنية تؤخذ مأخذ الجد من قبل الزعماء السياسيين بعد انتفاضة 1936 .


دور الطلاب كقوة اجتماعية ـ سياسية فى ظل النظام الليبرالى

فى ظل النظام الليبرالى , بما فيه من أحزاب سياسية وانتخابات , وصراع لا يهدأ بين القصر والوفد , أتيحت للطلبة فرص عديدة للمشاركة فى الحياة السياسية . ولكن دورهم انحصر فى نطاق الحدود الدستورية الصارمة . ففى مجرى الممارسة العملية أخضعت الحركة الطلابية للقوى الرئيسية المتنافسة داخل النظام السياسى , ولم يسمح للأشكال الثورية من نشاط أن تهدد النظام نفسه .

وبينما كان الزعيم الوطنى مصطفى كامل هو أول من شجع الطلبة للقيام بدور فى السياسة المصرية قبل ثورة 1919 بفترة , كان الوفد هو الذى حول الكتلة الطلابية إلى أداة سياسية مؤثرة . ففى اليوم الأول من ثورة 1919 خطب عبدالعزيز باشا فهمى . وهو أحد زعماء الوفد ـ فى مظاهرة طلابية قائلاً : " إنكم تلعبون بالنار .. دعونا نعمل فى هدوء (43) " ولم تمض بضعة أشهر ـ بعدما انطلقت قوى الحركة الثورية ـ حتى كان زعيم وفدى آخر , هو عبدالرحمن فهمى يخطب أمام حشد من الطلبة قائلاً : " عليكم أنتم أيها الطلبة , تعتمد أمتكم والوفد " . (44) وبعد خمسة عشر عاماً وفى ظل النظام الليبرالى رفض النحاس باشا زعيم الوفد أن يسمح لخصميه الأساسيين داخل الحزب ـ النقراشى باشا , وأحمد ماهر باشا ـ أن يتوليا وزارتى الدفاع والمعارف لأنه رأى فى ذلك " لعبة " معناها " أن واحداً يضع يده على الجيش والثاتى على أبنائنا الطلبة ! (45) " .

وأثناء الغليان الوطنى عام 1946 , أكد زعيم المعارضة الوفدية فى مجلس الشيوخ , صبرى أبو علم , أهمية دور الطلبة :

" سيقولون أتريد أن تردنا إلى عام 1918 والظروف قد تغيرت , لا يا سادة .. أنا لا أريد أن أردكم وأرد البلاد إلى عام 1918 , ولكنى أريد أن أرد البلاد إلى عام 1935 .. فرق كبير بين ثورة ويقظة , بين غليان الشعور وإظهار الشعور . فى 1935 أمكن لشباب البلاد المثقف أن يلزم جميع الزعماء باحترام إرادة الأمة , فكانت انتخابات 1936 (46) " .

وعندما بدأ أنصار الوفد من الشباب فى إصدار مجلة " رابطة الشباب " الوفديين رحب بهذه المبادرة , التى " ستوقظ النواب وتحث الحكومة البكماء على أن تنطق (47) " .

وبينما كانت الزعامات السياسية البارزة فى النظام على استعداد لاحتمال المبادرات السياسية للطلبة , حتى عندما كانت تأخذ مساراً ضد القانون , لم يكن هناك من هو على استعداد لتقبل اقامتهم علاقات منتظمة بالفلاحين والعمال , أو نشر مذاهب التغيير الاجتماعى الجذرى بينهم , والتى كانت قد شقت طريقها إلى الجامعة من خلال التنظيمات الناشئة غير البرلمانية (48) . وكان بمقدور الطالب أن يتوقع أن يعامل بطريقة أكثر رأفة مما إذا قدم للمحاكمة بتهمة الاشتراك فى اضطرابات طلابية , أكثر مما يتوقع اذا اتهم بأنه عضو نشط فى تنظيم محظور .

وعندما انضمت أعداد كبيرة من الطبقات الدنيا المدنية إلى مظاهرات الطلبة فى القاهرة عام 1946 , انزعجت حكومات الأقلية التى شهدتها تلك الفترة , لأن الطلبة بذلك كانوا يتيحون الفرصة " لعناصر الدهماء للاندساس فى المظاهرات البريئة والسيطرة عليها (49) " . وبينما أصرت حكومة صدقي على أن يجرى الطلبة مناقشاتهم داخل أسوار الجامعة , دافعت أحزاب المعارضة الأخرى عن حق الطلبة فى التظاهر بصفتهم " الطبقة المستنيرة والمتعلمة فى البلاد (50) " . ودعم الوفد هذا الرأى عندما امتدح زعيمه مصطفى النحاس باشا " أبناءنا الطلبة الابرياء " أثناء زيارته للطلاب الجرحى فى المستشفى (51) . ودافع الجناح اليسارى من الوفد عن الطلبة بمنطق أن " المثقفين يمثلون الطليعة فى أى حركة شعبية بصرف النظر عن محتواها الطبقى (52) " .

وفى الفترة من العشرينيات حتى الأربعينيات , تغير موقف الطلبة من الطبقة العاملة تغيراً كبيراً (53) . إذ رفضوا هجوم حكومة صدقي على " الدهماء " باعتباره شقاً للصفوف لا ضرورة له فى وقت أزمة وطنية . وتجسد هذا التضامن حديث المولد فى بيانات اللجنة التنفيذية للطلبة والشعارات التى أطلقها الطلاب فى وجه وزير المعارف : " الدهماء هم السادة " و " عاشت وحدة العمال والطلبة " وقد مهد ذلك الطريق إلى تشكيل اللجنة الوطنية للعمال والطلبة .

ولكن ينبغى ألا نفترض أن هذا يعكس بالضرورة أى توحد عميق مع الطبقة العاملة أو أى تطلع جاد لممارسة دور قيادى فى إطار حركتها . فالطبقة العاملة بالنسبة لأغلب الطلبة , كانت مجرد حليف تابع , يمكنهم أن يأملوا من خلاله فى تحقيق تأثير أكبر فى البلاد . وكان الطلبة يحتاجون إلى ضمان مساندة قوى سياسية أخرى لهم , من أجل طرح مطالبهم بصورة مؤثرة (54) وهكذا , فالتحالف الطلابى العمالى , بالرغم من أنه أضفى على الحركة الطلابية مظهراً أكثر جذرية , وأدى إلى تبنى مطالب التغيير الاجتماعى فى البرامج السياسية للطلبة , إلا أنه لم يحول حركة الطلبة بأية حال من الأحوال من حركة وطنية أساساً إلى حركة اجتماعية راديكالية .

ويؤكد التعبير التنظيمى الوحيد عن هذا التحالف " اللجنة الوطنية للعمال والطلبة " نقاط الاتفاق العديدة بين العمال والطلبة فى قضية الاستقلال الوطنى , لكنه لا يشكل أى محاولة لتحديد مدى الاتفاق حول البنية الطبقية للمجتمع , أو حول وضع الطبقة العاملة داخل هذا المجتمع وكان التجاهل هو أحد أوجه النقد الأساسية التى أبديت ضد اللجنة الوطنية للعمال والطلبة من جانب المجموعة الماركسية " الفجر الجديد " : إن صلة اللجنة الوطنية بالطبقة العاملة ضعيفى . ولا نخال الجماهير العمالية تتبادل الثقة مع اللجنة لأنها لم تفعل شيئاً لها , لافى الأجور ولا فى البطالة , ولا فى مصادرة الحريات , وهذه الأمور جميعاً من جوهر الحركة الوطنية .... (55) نحن لا نقلل من قدرة الفئات الشعبية الأخرى فى العمل فى الميدان الوطنى ـ وخصوصاً لا نقلل من شأن إخواننا الطلبة ـ ولكن نقول لهم بصراحة , إن مأموريتهم فى الفترة الحالية فى تاريخ مصر ليست فى قيادة الحركة التحريرية فى البلاد , ولكن فى مساعدة الطبقة العاملة على التعبير عما يجول فى خاطرها , وعن أهدافها ومراميها (56) " .

ويبدو أن الأعضاء من العمال فى اللجنة قد أجبروا على ممارسة دور ثانوى تابع لأعضائها من الطلاب : " ـ لم تحتج اللجنة على القبض على زعماء العمال قبل قيامها بزمن قصير ـ ولم تعط اللجنة للطبقة العاملة ونقاباتها القسط العادل فى تكوينها , فساوت الطلبة بالعمال فى عدد اعضائها . ـ إن مشروع البيان السياسى خال من الثقة بالطبقة العاملة ومن تاريخ كفاحها . ـ حتى مواعيد الجلسات تحدد بغير أن يؤخذ من ممثلى الهيئات العمالية موافقة عليها جماعياً " نلاحظ أن العمال ينتجون ويشتغلون وأن ضياع الوقت عندهم معناه ضياع غذاء وحياة ذويهم (57) " .

ولكن بذل المحاولة من جانب الطلبة والعمال لتنسيق نشاطهم السياسى , فكان كافياً لإزعاج حكومة صدقي وتوليد رد فعل قمعى حاد لديها . وهى استجابة شاركت فيها غير الحكومة عناصر أخرى من النظام (58) .

ولم تكن العلاقات السياسية بين الحركة الطلابية والفلاحين علاقات وثيقة , بالرغم من أن نسبة كبيرة من الطلبة تنحدر من أسر تملك مساحات متواضعة من الأراضى . فقد كانت الأغلبية الساحقة من الفلاحين , وبالرغم من مشاركتهم المحدودة فى الحياة السياسية , تدين بالولاء للوفد , وبعيدة نسبياً عن التأثر بأطروحات القوى الجديدة . وكان من الطبيعى أن تؤدى غيبة الارتباط بأغلبية الفلاحين من السكان إلى الحد من تأثير الحركة الطلابية فى البلاد بشكل عام وإلى أن يكون هذا هو أحد الأسباب الأساسية لفشل اللجنة الوطنية للعمال والطلبة .

وفى عام 1936 تلقت السفارة البريطانية تقريراً من " أحد أعيان الريف " ممن شاركوا فى اضطرابات 1919 ( على حد قول السكرتير الشرقى للسفارة ) جاء فيه : " إن الفلاح عضو مسئول فى المجتمع , لديه ما يجعل منه شخصاً يمكن شراؤه . أما الطالب فهو ليس بأى حال عضواً مسئولاً فى المجتمع , ليست لديه أية روابط مثل الروابط القائمة فى حالة الفلاح ( زوجته وأرضه وماشيته , وشيخه ) , ولايمكن لأى حركة فلاحية أن تدوم وقتاً طويلاً , وإنما سيكون عليهم ـ خلال بضعة أيام أن يتخلوا عنها وأن يعودوا إلى قراهم , أما النوع المتمرد الذى سيتبقى , فيمكن ضربه بالنار , وإلقاؤه فى السجن , دون أن يهتم أحد على الإطلاق . أما فى حالة الطالب , فلا يمكن ضربه بالنار أو سجنه بدون التعرض لكافة صنوف التعقيدات . فالفلاح مشغول دائماً , أما الطالب فلا ينشغل أبداً , فليس هناك فلاح بمقدوره أن يتحدث أو يخطط طويلاً , وإلا أغرقت المياه حقله , بينما حديث الطالب وتخطيطه لإضرابات مستقبلية يمكن أن يستمر بلا انقطاع ... والفلاحون لا يتركزون أبداً بأعداد كبيرة . أما الطلاب فيتركزون فى المدن الكبيرة " مثل الجنود فى المعسكر " .. والفلاح عندما يستخدم وسائل النقل العام خلسة يقع فوراً فى مشاكل , ولكن المسئولين يميلون إلى ترك الأفندية المشاكسين يستخدمون النقل العام بالمجان " . (59)

وبالرغم من الفوارق بين الطلبة والفلاحين , وضعف ما بين الطرفين من روابط , إلا أن تأثير النشاط السياسى للطلبة قد امتد إلى الريف , كما تضمنت مطالب الطلبة تحسين ظروف الحياة البائسة للأغلبية الساحقة من الفلاحين . ويسجل أحد المعلقين الأجانب أن الطلبة المصريين فى أوائل الخمسينيات أخبروه أنهم " على استعداد للتضحية حتى بحريتهم السياسية من أجل الفلاحين " (60) ووصلت الدعاية الطلابية إلى الريف حيث يقضى طلبة الجامعات من أبناء الأسر الريفية إجازة الصيف الطويلة فى قراهم الأصلية . كما انتشرت النشاطات الطلابية فى مدن الأقاليم وفى قلب الريف من خلال طلبة المدارس الثانوية والمعاهد الأزهرية . وساعدت روح القلق والسخط (61) . على تمهيد مناخ جعل الفلاحين على الأقل يرحبون بالتغيرات السياسية الوشيكة الوقوع .

وليس من المستغرب أن يتضح أن الطلبة قد أقاموا أوثق علاقاتهم مع الطبقة الوسطى المدنية , التى كانوا يشكلون جزءاً أساسياً منها . وكانت أكثر علاقات الطلبة متانة داخل هذه الطبقة مع أساتذة الجامعة والمدارس ,وكما يشير أحد التقارير البريطانية :

" كان الطلبة يحظون بتشجيع كبير من أساتذتهم , الذين لم يكن موقفهم على ما يرام , حيث إنهم لم يعجزوا فحسب عن نصح طلبتهم بالهدوء والالتفات إلى دراستهم , بل أنهم فى بعض الأحيان كانوا يلومون بالفعل أولئك الذين لم ينضموا للمظاهرات (62) .

وقد اشتهر الدكتور طه حسين أستاذ الأدب والدكتور السهنورى أستاذ القانون بين الأساتذة بتوطيد علاقتهما بالطلبة , وبدرجة تأثيرهما عليهم , سواء فى القضايا الجامعية . أو السياسية فى الثلاثينيات والأربعينيات . وساهم بعض مديرى الجامعة وعمداء الكليات أمثال عبد الوهاب عزام , ومنصور فهمى فى نشاط الطلبة , وفى عام 51\1952 كان الدكتور عبد الوهاب مورو , مدير جامعة القاهرة , يمول التدريب العسكرى للطلبة فى المعسكرات الجامعية ويشرف عليه بنفسه وكان أساتذة من أمثال الدكتور سعيد النجار , يلقون على الطلبة محاضرات إضافية لتعويض مافاتهم من محاضرات أثناء قتالهم فى منطقة القناة .

وتأثر الأساتذة بدورهم بالمزاج العام لطلبتهم . والتقى توقيت اضراباتهم الخاصة من أجل رفع مرتباتهم وتحسين ظروف عملهم مع توقيت الانتفاضات الطلابية أحياناً . ولكن بقى نوع من التباعد بين المجموعتين , لأن الأساتذة كانوا فى نفس الوقت موظفين حكوميين , وكان المطلوب منهم فى بعض الأحيان أن يكبحوا نشاط طلبتهم (63) . وكما يؤكد أحد وزراء المعارف السابقين : " إضراب الطلاب إخلال بالنظام يتعدى حرم الجامعة , فإذا لم تستطع الجامعة التغلب عليه خيف أن تتدخل السلطات غير الجامعية فى شأنه , فخير أن يشترك رئيس الجامعة الأعلى مع مجلس الجامعة لإعادة النظام إلى نصابه من أن تتولى إعادته سلطات الأمن بوسائلها التى قد تؤذى كرامة الجامعة " . (64) .

وكانت للطلبة أيضاً علاقات مباشرة بقطاعات أخرى من الطبقة الوسطى بالمدن , خاصة أصحاب المحلات وصغار التجار الذين كانوا يطلبون منهم دائماً إغلاق محلاتهم كلما كان هناك إضراب عام . وكان الطلبة يوزعون المنشورات بينهم , ويبذلون جهوداً لكسبهم من وقت لآخر ونظراً لأن الطلبة أنفسهم كانوا يعيشون بين الطبقات الوسطى بالمدن . فقد كان هناك احتكاك يومى فيما بينهم .

وكانت العلاقات بين الطلبة والأفندية تتشكل على أساس أن الطلبة أنفسهم هم أفندية المستقبل , حيث كان المواطنون العاديون يحيون الطالب بلقب " الأفندى " حتى قبل أن يتخرج بالفعل . وعندما كان الطلبة يضربون من أجل شروط أفضل لمستقبلهم الخاص كانوا فى واقع الأمر يطالبون بتحسين ظروف الأفندية بشكل عام . (65)

وكان الطلبة ـ كأعضاء مرتقبين فى الطبقة الوسطى المدنية ـ يبدون أهتماماً عميقاً بالنقابات المهنية . وأدى استعداد الطلبة للانضمام إلى التنظيمات الناشئة غير البرلمانية وبأعداد ضخمة إلى تحولهم إلى القوة الضاربة الفعالة للطبقة المتوسطة فى مواجهة بينهما وبين السلطات وفى مطالبتها بنصيب أكبر من السلطة السياسية .

وبالنسبة لقضية إحراز الاستقلال الوطنى , كانت الحركة الطلابية هى المصدر الرئيسى للضغط على الحكومات المتعاقبة وعلى الأحزاب السياسية . ونظراً لإيمان الطلبة بأنه لا يمكن التوصل إلى حل من خلال الوسائل الدبلوماسية , فقد مهدت دعايتهم المثيرة , وما أقدموا عليه من بعض أعمال العنف , الطريق لما أعقب ذلك من كفاح مسلح , كانوا هم فيه الجنود النشطون مرة أخرى .

وقد تسائل بشتلى أفندى ـ متهكما ـ عن نتيجة الانتفاضة الطلابية فى 35 \ 1936  : أوليسوا هم الذين أجبروا زعماء الوفد على الموافقة على تشكيل الجبهة المتحدة ؟ أوليسوا هم الذين اضطروا الحكومة البريطانية إلى الموافقة على إعادة دستور الأمة ؟ " (66) . ودونما تهكم طرح السفير البريطانى الأمر على محمل الجد : " هذه الحركة الطلابية , إذا لم يتم ضبطها على الفور , يمكن أن تسيطر كلية على المسرح السياسى المصرى , حيث يرى العديدون حقاً أنه لا توجد حكومة تجرؤ الآن على انتهاج سياسة غير مقبولة تماماً من الطلبة " (67) .

ومن الطبيعى تماماً أن يتوافر نفس الشعور بالأهمية لدى أولئك الذين كانوا يوماً من القيادات الطلابية فى تلك الفترة . ففى قول أحدهم : " كانت الجامعة هى الحياة السياسية للبلاد " (68) , وفى قول الآخر : كنا نقول إن فى مصر قبتين : قبه الجامعة , وقبه البرلمان " (69)

وبالإضافة إلى ذلك فقد لعبت العناصر الطلابية النشطة دوراً مهماً فى كشف أمراض النظام الاجتماعى والسياسى والاعداد لتغييره فيما بعد . وقد نصح النحاس باشا المتظاهرين من الطلبة فى القاهرة فى 20 يناير 1952 , بالاعتدال فى مطالبهم قائلاً : " إننا ندخركم للمستقبل القريب ونعدكم لمواجهة الأيام الصعبة , وفضن بكم أن تسيل دماؤكم إلا فى ميدان الشرف والنضال " . (70) إلا أن نداءه لم يلتفت إليه أحد . واتسعت الهوة بين الطلبة والزعماء السياسيين للبلاد , واستمرت فى الاتساع , إلى أن انهار النظام الليبرالى فى يوليو من نفس العام.

فى ذلك الوقت عزا المحللون بروز الحركة الطلابية المصرية كقوة سياسية فى إطار النظام الليبرالى , إلى الدور القيادى للصفوة المثقفة . وكما يقول أوين هولوواى :

" ليست الزيادة السريعة فى أعداد الطلبة وما يعقب ذلك من انتشار البطالة هى السبب الوحيد لهذا الوعى الذاتى السياسى " إن الطبقة الوحيدة التى يرتفع صوتها فى أمة من الأميين , لابد أن تكون مرتفعة الصوت جداً " . (71)

لكنه بالإضافة إلى ذلك , كان هذا البروز الطلابى متاحاً للخصائص المميزة للنظام السياسى نفسه , ولتوازن القوى الاجتماعية فى المجتمع ككل . أى : الاستقلال " الإسمى " الذى كان يعنى من الناحية العمليه تبعية البلاد السياسية والاقتصادية الكاملة وما افترضته هذه التبعية من تولد قوى معادية لها وباحثة عن استقلال حقيقى , ثم السماح بالمشاركة المنظمة فى الحياة السياسية الشرعية جنباً إلى جنب مع الأمراض الاجتماعية المتفشية التى دفعت العديدين إلى فرض شرعية للنظام برمته . ثم حدود تطور النفوذ السياسى للطبقة الوسطى المدينة جنباً إلى جنب مع الدور السياسى المحدود نسبياً للطبقة العاملة الصغيرة الحجم , ولا دور السياسى الأكثر محدودية للأغلبية الفلاحية . وكل هذا أعطى طلاب مصر فى الحقبة الليبرالية من تاريخها وزناً خاصاً .

الهوامش

1) Fo371 45921, no. 3(1944) وكان الملك قد أصيب فى حادث سيارة فتظاهر بعض الطلاب متمنين له الشفاء. FO37\41247 no 207 (1944) .

2) FO 207\219 no 207 (1936 ), Lampson to Eden .

3) الشيخ مصطفى المراغي شيخ الأزهر , وأحد مؤيدى القصر , وصفه د . هيكل بأنه " رجل مؤثر فى شئون البلاد ـ سياستها , وحكومتها , وحكمها " .

4) فخر الدين الأحمدى الظواهرى , السياسة والأزهر , مطبعة الاعتماد , القاهرة , 1945 , ص 22 .

5) FO 141, 874 (1943) AI-Azhar وكتب السفير يقول : " لقد سمحت بأن تصل وجهة نظرى سراً إلى حسين باشا , وهى بالتحديد أن هناك خلافاً بين الحكومة والأزهر , وليس من حسن النصيحة أن يجر القصر إليه , حيث إنه من المحتمل أن يؤدى ذلك فى النهاية إلى حرق أصابعه هو " .

6) فى هذه المرحلة لجأ الملك إلى طلاب المدارس الثانوية لاستعادة شعبيته المتناقضة داخل الجامعة . ففى يوم 15 يوليو 1946 أعلنت كل الصحف تشكيل مجموعات من " حملة المشاغل " فى جميع المدارس المصرية بمناسبة عيد ميلاد الملك فاروق كجزء من الدعاية الملكية . (FO141, 1006 (1946 ), "Political Situation")

7) عبدالرحمن الرافعى , مقدمات ثورة 23 يوليو 1952 , مكتبة النهضة المصرية , الطبعة الثانية 1964 , ص 77,78,88-89 وأيضاً فؤاد سراج الدين , لماذا الحزب الجديد ؟ ص 60 , ويذكر سراج الدين أن بعض طلاب المدارس والجامعات هتفوا بشعارات جمهورية (ص85) .

8) FO 141,543 (1936 ):Students: Political Activitiesand Strikes;

9) ورد فى : FO, 407\219, NO. 31(1936 )

10) ورد فى : FO 141, 543 (1936 )

11) Sylvia G.Haim, "State and University in Egypt in Max, "Horkheimer and Chauncy D.Harris (eds.), Universitat and Moderne Geseellschaft (Frankfurt arn Main Veranstalteten Seminar, 1959),p.108.

12) فى 1937 احتج الطلاب المناوئون للوفد على ما أشيع عن تسرب أسئلة الانتحان إلى مؤيدى الوفد فأمرت حكومة الوفد بإعداد امتحانات جديدة تجنباً لحدوث فضيحة . وبعد إعلان النتائج , تظاهر الطلاب الذين أضيروا مرة ثانية أمام مبنى البرلمان مطالبين بتخفيض درجة النجاح بنسبة 10% من مجموع الدرجات . فقدمت الحكومة بعض التنازلات الثانوية لمواجهة هذه المطالب . (FO 407\221, no 12 and 103 (1937), Lampson to Eden).

13) طه حسين , مستقبل الثقافة فى مصر , ص 449 – 450 .

14) (FO 141, 1187 (1947) "Political Situation"

15) FO407\219, NP. 31 (1936 )

16) نفس المرجع .

17) مقابلة مع ماهر محمد على .

18) عبدالمنعم الغزالى , موقع 21 فبراير 1946 فى التاريخ , الطليعة , فبراير 1966 , ص 52 ورد فى تقرير للسفارة البريطانية أن " فى فى العاشر من ديسمبر 1948 استدعى عبدالهادى السفير ... وترجع إشارة عبدالهادى إلى سليم زكى ( قائد بوليس القاهرة الذى قتل بقنبلة يدوية الاسبوع الماضى ) إلى القصص التى كانت قد تواترت حول أن البوليس هو الذى بدأبإطلاق النيران على الطلاب" . . FO 142, 1271 (1948). وكان إبراهيم عبدالهادي وزيراً للداخلية , ثم رئيساً للوزارة , وقد اشتهر بأنه أول من أدخل إلى مصر أساليب التعذيب الوحشى للمسجونين السياسيين .

19) مقابلة مع د . أحمد شوقى الفنجرى انظر كذلك المقالة الطريفة حول تحول طالب مشاغب لإلى ضابط شرطة : إحسان عبدالقدوس , أيام المظاهرات , الأهرام 14 \ 1 \ 1990 .

20) FO, 141, 618 (1835), (1935 ) Students Political Activities and Strikes">

21) FO 141, 543 (1936 ).

22) نفس المرجع .

23) مقابلة مع سعد زهران .

24) أحمد أمين " الجامعة والسياسة " فى : فيض الخاطر الطبعة الثانية مكتبة النهضة المصرية , القاهرة 1953 , جزء6 , ص 134 , ويورد تقرير للسفارة هذا المثال : " سيعد فتح الجامعة السبت المقدم .. أحزاب المعارضة بدأت الاتصال بالطلاب بغرض تنظيم اضطرابات وأعمال شغب إلى أن يسقط النقراشى وحكومته " . (FO 141, 1271 (1943) Arab Societies: Ikhwan al Musimene).

وعندما ذهب د . هيكل أحد زعماء المعرضة , إلى الجامعة لاجتماع مع رئيسها , وسط اضطراب طلابى حدث أثناء وزارة الوفد التى استمرت من 1936 إلى 1937 , اتهمته صحف الوفد بالذهاب لتحريض الطلاب ضد الحكومة . ( هيكل مذكرات , جزء2 , ص 51 – 52) .

25) هيكل , مذكرات , جزء2 , ص134 , ص187 , وقد كتب هيكل يصف صيف 1945 كالتالى : " لما فرغوا ـ الطلاب من الامتحانات انقلبوا إلى أهليهم فى الريف , وترك كثيرون العاصمة إلى مصايفهم فلن يبق بها من مظاهر النشاط ما تخشى عواقبه " ( مذكرات , جزء2, ص 132 ( .

26) FO 407. 219, no. 31 (1936 ) ورد فى تقرير أن محمد محمود باشا وعد وفداً مكوناً من عشرة طلاب أن يمنحهم مناصب كبيرة فى الحكومة . (FO 141,543 (1936 ).

27) ورد فى : أحمد عبد الرحيم مصطفى , تطور الفكر السياسى فى مصر الحديثة , معهد البحوث والدراسات العربية , القاهرة , 1973 , ص 80 . وانتقد عبدالرحمن الرافعى , المؤرخ الشهير والمعارص لحكومة الوفد , سياسة الوفد فى مواجهة الطلاب انتقاداً حاداً , فكتب يقول : " استشرى الفساد حتى دب إلى الطلبة , فأشاع الوفد فى كثير منهم روح النفعية والانتهازية تسلل دعاته بين صفوف الطلبة يغرونهم بالمنافع المادية العاجلة , وبالآمال فى أن ينالوا بعد تخرجهم من معاهدهم ما ينالون من مزايا الحكم . فالطلبة الذين ينشأون على هذا الطراز هيهات أن يكونوا مواطنين صالحين , بل أغلب الظن أن يظلوا طول حياتهم من الوصوليين الذين لا يرجى منهم لبلادهم خير ولا نفع " ( عبد الرحمن الرافعى , فى أعقاب الثورة المصرية , مكتبة النهضة المصرية , القاهرة 1949 و 1951 , جرء 3 , ص 156 , 157 ) .

انظر أيضاً تعليقات الكاتب أحمد أمين : " من الخطأ المحض أن ينغمس مدير الجامعة أو عميد أو أستاذ فى الحزبية السياسية ويصبغ تصرفاته بهذا اللون فيحابى بعض الطلبة لأنهم من حزبه ويضطهد آخرين لأنهم من غير حزبه , أو سلك هذا المسلك فى ترقيات الأساتذة وحرمانهم .. هذا هدم لاستقلال الجامعة فى التفكير وإفساد لأخلاق الشبان والمدرسين " . ( أحمد أمين , فيض الخاطر , ج6 , ص 134 ) .

وقد نفى العديد من القيادات الطلابية تهمة أنهم قد حصلوا على تسهيلات مقابل نشاطهم السياسى , كما أكدوا أنهم يلتزمون بالنجاح فى دراستهم بغرض كسب احترام زملائهم , وكان اشتغالهم بالسياسة دافعاً لهم على القراءة واكتساب المعرفة السياسية النظرية والعلمية . ( مقابلة مع محمد ماهر على ) . كما كان الزعماء ينصحون العناصر الطلابية فى حزبهم بالاهتمام بدراستهم الأكاديمية ( انظر : روزاليوسف , 5 مارس 1934 , ومقابلة مع محمد فريد عبد الخالق) .

28) هيكل , مذكرات , جزء2 , ص 110 .

29) يذكر د . الفنجرى أنه قد طرح اقتراحاً بأن يتقدم زعماء الأحزاب المظاهرات ضد البريطانيين فرفض أحد طلاب الوفد هذا الاقتراح قائلاً : " نحن نضحى بألف شهيد ولا نضحى بزعيم واحد " ( مقابلة ) .

30) FO 407\219.no.31(1936 ).

31) FO 141, 543 (1936 )

32) FO 141 618 (1936 )

33) FO 141, 543 (1936 ) .

34) FO 141, 543 (1936 )

35) أوردت المصادر الأمثلة التالية :

أثناء انتفاضة 35\1936 حطمت مجموعة من الطلاب نوافذ مكاتب مجلة " روزاليوسف " وفى اليوم التالى ذهبوا إلى مكاتب مجلة " السياسة " التى يصدرها حزب الأحرار الدستوريين. فاعتلى د . هيكل ـ أحد قادة الحزب ـ مائدة ليتحدث إليهم . وعندما وجه إليه أحد الطلاب سؤالاً وعده أن يجيب عنه بشرط واحد , وهو , أن يعترف الطالب أنه مقتنع بالجابة إذا وجدها مقنعة , وعلى أن يعترف د . هيكل نفسه أنه اقتنع برد الطالب إذا كان الآخر كذلك . وبعد أن انهى د . هيكل حديثه صفق الطلاب دون أى جدال ( محمد حسين هيكل , مذكرات فى السياسة المصرية , جزء1 ص387 ) .

  • وفى ديسمبر 1944, قام رئيس الوزراء السعدى د . أحمد ماهر , بزيارة مفاجئة وبلا حراسة للجامعة , ودعا الطلاب علناً إلى إنهاء إضرابهم ( يونان لبيب رزق , تاريخ الوزارات المصرية , ص 467) .
  • وأثناء معركة الفدائيين 51\1952 , اتجه طلاب الهندسة المتظاهرون إلى وزارة الخارجية مرددين الهتافات ضد وزير الداخلية فؤاد باشا سراج الدين , الذى أصدر أوامره للشرطة بعدم التدخل , وفى مساء نفس اليوم عاد أحد الطلاب ليعتذر إلى الوزير بإسم زملائه , الذين أدركوا أنهم كانوا مخطئين فى هتافاتهم ضد الوزير الذى سمح لهم بالتظاهر أمام مكتبه ( سراج الدين لماذا الحزب الجديد ؟ ص 60 – 61 ) .
  • وعن احتواء الزعماء للقيادات الطلابية انظر أيضاً : سعد زهران , فى أصول السياسة المصرية , ص 130 .

36) روزاليوسف , 5 فبراير . ورد فى روزاليوسف , 5 يوليو 1976 .

37) طارق البشرى , الحركة السياسية فى مصر1945 –1952 , ص 374 – 375 , عبد العظيم رمضان , الإخوان المسلمون : أخطر الحركات الدينية فى التاريخ الحديث , الهدف , 4 ديسمبر 1980 .

38) عاصم الدسوقى , مصر فى الحرب العالمية الثانية 1939– 1945 , ص 321 .

39) FO 141, 1271 (1948).

40) مقابلة مع د . الفنجرى .

41) FO 141, 1256 (1948).

42) Thieck, p 79.

43) أحمد بهاء الدين , أيام لها تاريخ , الطبعة الثانية , كتب للجميع , القاهرة , 1959 , ص 84 و L. Cantori, The Organizational Basis of an Elite Political Party- The Egyptian Wafd, p . 190.

44) Marius Deeb, Party Politics in Egypt: The Wafd and its Rivals 1919 1939, p . 63 – 40.

45) عبد العظيم رمضان , تطور الحركة الوطنية فى مصر 19371948 ( العالم العربى , بيروت , 1973 ) جزء 1 , ص 114.

46) ورد فى : البشرى , الحركة السياسية , ص 36 .

47) نفس المرجع .

48) لم تجد سلطات وزارة الداخلية خطورة كبيرة فى المطبوعات الدعائية إذا لم يصل توزيعها لدى أوسع من " الدوائر الطلابية " . انظر مثلاً : FO 141, 842 (1942). Young Egypt.

49) Thieck, Journe`e du 21 fevrier, pp, 109- 110 and 122.

50) المرجع السابق , ص 110 .

51) نفس المرجع .

52) المرجع السابق , ص 92.

53) فى عام 1924 ساعدت لجنة طلابية بالأسكندرية الحكومة على قمع الإضرابات العمالية ( د . رفعت السعيد , [[تاريخ الحركة الإشتراكية فى مصر19001925 , الطبعة الثانية , دار الفارابى , بيروت , 1975, ص 272 ) . ويذكرأيضاً أن الطلاب قد أنشأوا فى العشرينيات " حرساً وطنياً " لمنع " الدهماء " من الاندساس فى مظاهراتهم ( صلاح عيسى , البرجوازية المصرية وأسلوب النفاوضة , الطبعة الثانية مطبوعات الثقافة الوطنية , القاهرة , 1980, ص 96 ) وينبغى أن يذكر فى هذا العداء بين فرق الطلاب الوفديين ذوى القمصان الزرق , ولجان شباب عمال الوفد فى الثلاثينيات . انظر : (James P. Jankowski. The Egyptian Blue Shirts and the Egyptian Wafd 1935 - 1938 , Mibble Eastem Studies. Vol 6. no 1, Jan. 1970, P84).

54) وفقاً لما يقول سعد زهران ساعدت اتصالات الطلاب بالطبقة العاملة أثنا انتفاضة 1946 , على تمكينهم من العمل بصورة مستقلة عن الأحزاب السياسية , ومن ثم لم يتعين عليهم أن يكرروا عام 1946 أسلوبهم فى الحركة عام 1935 , عندما لجأوا إلى الأحزاب السياسية لتشكيل جبهة موحدة . ( مقابلة ) .

55) ورد فى طه سعد عثمان , مذكرات ووثائق فى تاريخ الطبقة العاملة , الكتاب , رقم 134 , السنة الثانية عشر ( مايو 1972) , ص 158 .

56) مفس المرجع .

57) المرجع السابق ص 155 .

58) ذكر زعيم المعارضة الوفدية فى البرلمان , فى دفاعه عن حزبه إزاء اتهامه بتسلل الشيوعيين إليه , أن الوفد لدية أعضاء رأسماليون مثله مثل أى حزب آخر .

59) FO 141, 543 (1936 ).

60) A.J.Craig, Egyptian Students. Middle East Journal, vol. 7, no 3 1953), p .294.

61) زعم رجل الصناعة صدقي باشا ـ فى محاولة منه لجذب تأييد الملاك الزراعيين فى البرلمان لما اقترحه من قوانين لمقاومة الشيوعية ـ أن " الطلبة سيعملون لإفساد العلاقات فى القرى بين الملاك والمزارعين , وهذا أشد ما يكون خطراً على النظام الاجتماعى " ( البشرى , الحركة السياسية , ص 124 , وعاصم الدسوقى , كبار ملاك الأراضى الزراعية ودورهم فى المجتمع المصرى 19141952 , دار الثقافة الجديدة , 1975 , ص 282 - -283 ) .

62) FO 407\219, no (1936 ).

63) انظر حادثة إلقاء القبض على مشايخ الأزهر بسبب " عدم السطرة على طلابهم " . (FO 141, 874 (1943).

64) هيكل , مذكرات جزء 2 ص 131 . كانت توصية هيكل للأساتذة هى نصح طلابهم بحضور المحاضرات وإلا فالاستمرار فى اعطاء المحاضرات بصرف النظر عن محدودية عدد الحضور .

65) ورد فى تقرير لمجلة بريطانية أن : " نسبة كبيرة من طلاب المدارس الثانوية والجامعات من أبناء الجيش الضخم من موظفى الحكومة . وعندما يتظاهرون يعبرون إلى حد ما عن الاستياء الذى يسود بين آباءهم . وحيث أنهم سوف يتبعون آباءهم فى السلك الوظيفى فإن قيمة مؤهلاتهم معبراً عنها بالمرتبات والعلاوات , تعد أمر فى غاية الأهمية بالنسبة لهم " . (Sports Students.. Politics in Egypt", Times Educational Supplement,7Sept. 1951 ).

66) FO 407\219,no.31(1036).

67) FO 407\,543 (1936 ).

68) مقابلة مع د . حسان حتحوت .

69) مقابلة مع ماهر محمد على .

70) البشرى , ص 515 .

71) Owen Holloway. University Students of the Middle East, Journal of the Royal Central Asian Society. Vol 38, Jan 1951 , P.18.

ويؤكد كريج على ما يلى : " إن بلداً مازالت الأمية فيه هى السائدة , يحصل المتعلمون فيه على حقوق لا تتناسب مع أعدادهم " . (Craig, Egyptian Students. P.295) .

وفى رأى عفاف لطفى السيد ـ مارسوت : " أصبح الطلاب جماعة صفوة فى البلاد كما فاقت أهميتهم فى الحياة السياسية والاجتماعية , إسهامهم الحقيقى فيها " . (A.I.. Marsot, Egypt`s Liberal Experiment, p.202).

القسم الثانى: (19521973)

( 6 ) الطلبة فى ظل نظام ثورة 1952

الإطار التعليمى

ورثت ثورة 1952 نظاماً تعليمياً تعرض لنقد حاد منذ ما قبل انهيار النظام السياسى القديم بوقت طويل , وكانت بنيته القائمة على تخرج صفوة متميزة تعكس التميز الطبقى فى داخله , لا تستطيع بأية حال من الأحوال أن تخدم أهداف النظام الجديد فى التنمية الاقتصادية وتوسيع قاعدة قوته فى البنية الاجتماعية لمصر . ولكن سعى النظام الثورى من أجل نظام تعليمى أكثر انسجاماً وشعبية لم يتخمض عن تغيير جذرى فجائى فى النظام الذى ورثه , كما لم يسمح انشغاله بتدعيم سلطته السياسية بأكثر من مواصلة وتطبيق الإصلاحات التى سبق طرحها فى أواخر عهد النظام الليبرالى .

ومع ذلك فقد شهدت السنوات الأولى للثورة توسعاً فى التعليم . فارتفعت نسبة الطلبة بين السكان من 71 تلميذاً فى المدارس الحكومية لكل ألف من السكان فى عام 52-1953 , إلى 102 فى 1958 \1959 , ومن 1,95 إلى 3,07 طالب جامعى لكل ألف من السكان فى نفس الفترة (1) كما تزايدت الاعتمادات المالية المخصصة للتعليم ( انظر الجدول 6 – 1 ) .

جدول (6 – 1)
الإنفاق على التعليم طبقاً للميزانية العامة للدولة (52\1953 – 59\1960 )
السنة الموازنة العامة للدولة ( بالجنيه المصرى ) ميزانية وزارة التعليم ( بالجنيه المصرى ) النسبة المئوية 1 : 2 ميزانية الجامعات ( بالجنيه المصرى ) النسبة المئوية 4 : 2
52 \ 1953 206.000.000 25.317.700 12.3 3.541.400 -.14
55 \ 1956 238.300.000 32.534.500 13.7 6.579.318 20.2
59 \ 1960 318.270.000 41.423.000 .13 8.769.000 21.2
  • ازدادت ميزانية الجامعات من 14.5 مليون جنيه مصرى تقريباً فى 56 \ 1966 إلى 24.21 مليون جنيه فى 70 \ 1971 . انظر :

Sikas Sanyal al, Vniversitl Education and the Labour Market in the Arab Republic gamon Pressof Egypt, UNESCO International Institue of Education Planning Per Oxford, 1982 p.228, table 4.29. المصدر : Jean- Jacques Waardenburg, vol. 2, p. 120, Table 157.


وقد ارتفعت الاستثمارات العامة المخصصة للتعليم عبر عقد من الزمان من 2.5 إلى 33.3 مليون جنيه مصرى (2) . وبلغ إجمالى الانفاق على التعليم على امتداد الثلاثة عشر عاماً التى انقضت منذ بداية الثورة حتى نهاية الخطة الخمسية الأولى ثلاثة أمثال ما أنفق على التعليم طوال سبعين عاماً منذ الاحتلال البريطانى فى عام 1882 حتى قيام الثورة . (3) وبلغ الانفاق على التعليم زروته عندما بلغ 16% من ميزانية الدولة (4) , وإن قابلت الزيادة معدل نمو السكان أكثر مما عبرت عن تضاعف الدخل القومى فى العقد الاول من عمر الثورة . (5)

وفى عام 1965 , كان 78% من الاطفال يلتحقون بالمدارس الابتدائية لمدة 6 سنوات , ثم يتوجه 28% من هذه النسبة لاستكمال تعليمهم الاعدادى لمدة 3 سنوات , ليتجه بعد ذلك 79% ممن أكملوا تعليمهم الإعدادى إلى مختلف أنواع التعليم الثانوى , بحيث لا يتبقى فى النهاية إلا 15% يتوجهون إلى الجامعات والمعاهد العليا (6) .


جدول (6 – 2)
تسجيل الطلاب حسب المستوى التعليمى (53\1954 – 72\1973)
المرحلة والنوع 72 \ 1973 53 \ 1954 65 \ 1966 النسبة المئوية للزيادة
التعليم الابتدائى 1393 3418 145% 3989
الإعدادى العام 249 574 65% 1019
الإعدادى الفنى 3 27 800% 1
الثانوى العام 92 209 127% 132% فى المتوسط
الثانوى الفنى 19 101 432% 297
معاهد المعلمين 24 49 104% 28
الجامعات 54 124 130% 195
إجمالي 1934 4502 132% فى المتوسط 5851
* الجامعات لاتتضمن الأزهر

المصدر : Mahmud A, Faksh, The Consequences of the Jntroduetion and Spread of Modern Education: Education and National Integration in Egypt, Middle Eastern Studies, Vol. 16. May 1980. p. 45. Table 1 ; State In Formation Service. Egyptian Education, 1973.

وتغطى التغيرات التى أدخلت على نظام التعليم فى ظل حكم جمال عبد الناصر مجالات عديدة بدءاً من إلغاء المصروفات إلى الاخذ بأسلوب التخطيط فى التعليم . كما تضمنت أيضاً اجراءا مثل تأميم أغلب المدارس الاجنبية وفرض رقابة الدولة على مالم يؤمم منها . والاهم من ذلك , هو إعادة تنظيم التعليم الثانوى لتوجيه إهتمام أكبر إلى التعليم الفنى والمهنى , حتى أن لوليام بولك قد اعتبر أن التعليم الفنى " قد نشأ فعلياً على يد ثورة 1952 " (7) . والواقع أن نسبة الدارسين فى التعليم غير الفنى على المستوى الثانوى قد انخفضت بسرعة من 85.8% من إجمالى التعليم الثانوى فى عام 54 \1955 إلى 66.6% فى 59 \ 1960 , أى بزيادة مقابلة فى حجم التعليم الفنى من 14.2% إلى 33.4% (8) .

ولا يقل عن ذلك أهمية محاولة نشر التعليم الابتدائى الشامل . فبينما كان 42.5% فقط من الأطفال فى سن المدرسة يحصلون على التعليم الابتدائى فى عام 51\1952 (9) , كان 90% من الأطفال فى المدن و65-75% من أطفال الريف يحصلون على التعليم الابتدائى فى 63 \ 1964 (10) وفى عام 66 \ 1967 كان 78.2% من إجمالى الأطفال فى المدن والريف يحصلون على التعليم الابتدائى (11) . إلا أن تحقيق هدف الاستيعاب الكامل فى التعليم الابتدائى قد تأجل مرتين , إلى عام 1970 فى بادىء الأمر ثم إلى عام 1975 . وفى نفس الوقت ونظراً لارتفاع نسبة المتسربين من الاطفال كان هناك من التقديرات ما يشير إلى أن نسبة الاستيعاب والمشاركة الحقيقية لم تتجاوز 55% (12) وقد حظى تعليم البنات باهتمام أكبر بعد 1952 (13) , ولكن نسبة البنات فى التعليم الابتدائى ظلت حوالى 35% من بدء الثورة حتى نهاية الخطة الخمسية الاولى (14) . وكانت سيطرة الدولة على التعليم غير كاملة فى البداية , لأنه حتى منتصف الستينيات كان 6.1% من تلاميذ المدارس الابتدائية و 29.1% من تلاميذ المدارس الإعدادية و 25.5% (15) من طلبة المدارس الثانوية يتعلمون فى مدارس خاصة (16) .

ولم يمر توسع الدولة فى التعليم فى ظل الثورة دون أن يكون له نقده . وكان أكثر الانتقادات شيوعاً هو أن التوسع الكمى لا يقابله تقدم نوعى , وأن المستويات تدهورت فى بعض الاحوال (17) . وفى محاولة لإعادة شىء من التوازن بين الكم والنوع اصدرت الحكومة عام 1968 قانوناً جديداً للتعليم يقيد انتقال التلاميذ من صف إلى آخر ومن مستوى تعليمى إلى آخر بتحديد امتحانات ودرجات معينه ينبغى حصولهم عليها من اجل هذا الانتقال , وكان القانون الجديد يمثل تخلياً نسبياً عن الشعارات التعليمية التى رفعتها الثورة نفسها , الأمر الذى أدى إلى اندلاع موجة من الاحتجاج الطلابى (18) .

كما وجه النقد أيضاً للتوسع فى التعليم دون أن يتمكن النظام الثورى من تحقيق ما أعلنه من أهداف مثل استيعاب كل الأطفال فى التعليم الابتدائى , وكذلك عجزه عن إحداث زيادة كبيرة فى نسبة التعليم الفنى فى مواجهة الثانوى العام بدرجة ملحوظة عما انجز فى السنوات التى أعقبت الثورة مباشرة . إلا أنه فى كل من الحالتين كانت الظروف هى التى تحدد مستوى الإنجاز . ففى الحالة الأولى كانت الظروف الاجتماعية تجبر أبناء فقراء الفلاحين على العمل فى حقول آبائهم بدلاً من الذهاب إلى المدارس . أما فى الحالة الثانية . فقد فتح الباب أمام تطلع كافة الآباء من الطبقة الوسطى لتعليم أبنائهم حتى المستوى الجامعى من خلال قناة التعليم الثانوى العام المفتوحة , بدلاً من التعليم الفنى الذى يوصد الباب أمامهم بانتهاء المرحلة الثانوية (19) . وتصف " جورجى هايد " هذه الظاهرة على النحو الآتى :

" بلغ التعصب ضد العمل اليدوى الحد الذى كان الآباء معه , إذا خيروا , يدفعون مصاريف عالية لتعليم ابنائهم فى المدارس الخاصة , بدلاً من أن يروهم يلتحقون بما يعتبرونه نوعاً أدنى من التعليم (20) " .

وفى هذا الصدد كان من الصعب على الشاب العادى الزواج من فتاة تنتمى إلى الطبقة الوسطى إذا لم يكن من خريجى الجامعة . هكذا أضعفت الظروف ـ وما زالت تضفى إلى حد كبير ـ قيمة اجتماعية عالية على نجاح الطلبة فى المدارس الثانوية , وعلى الفرص المتاحة لهم بالالتحاق بالجامعة , وكما يقول يوسف إدريس : " إن الانسان يكاد يموت من الضحك وهو يتفرج على أين وصلنا , إذ أصبحت القيمة التربوية الوحيدة المتفق عليها فى مجتمعنا لنجاح التربية أو فشلها هى موقفه فى الثانوية العامة وبالضبط مجموعه " . (21) .

وقد اتخذ تطور التعليم العالى فى عهد عبد الناصر شكلاً متميزاً , ففى الفترة من 1952 حتى 1965 كانت نسبة الزيادة فى عدد طلبة الجامعات تكاد تعادل نسبة الزيادة فى التعليم الابتدائى والثانوى الفنى . (22) ونظراً لزيادة عدد الطلبة فى المعاهد العليا " التى تضاعفت مرتين فى تلك الفترة " وفى عدد طلبة الأزهر التى زادت " بما يعادل خمسة أمثال فى الفترة مابين إصلاح الأزهر فى 1961 و1973 (23). فلابد أن نعتبر التوسع فى التعليم العالى , هو الإنجاز التعليمى الأساسى لثورة 1952 (24) . وهو ما يمثل تطوراً يتعارض مع ارتفاع نسبة الأمية فى مصر (25) ويوضح مدى استجابة النظام لتطلعات الطبقة المتوسطة بالأساس . لكنه مما لاشك فيه أنه فى الفترة ( 19541973 ) قد قفز التعليم العالى قفزات مثيرة .

وقد أجرى عدد من الإصلاحات فى بنية التعليم العالى . فبينما كان الالتحاق بالجامعة قبل الثورة يتم بعد ـ دفع المصروفات ـ بطريقة آلية تقريباً بعد التعليم الثانوى [ بصرف النظر عن الدرجات الحاصل عليها الطالب فى الشهادة الثانوية فى حالة القبول بكليات العلوم الانسانية والاجتماعية , وبحد أدنى 65% لكليات العلوم والطب ] أصبح الالتحاق فى عهد عبد الناصر يجرى وفقاً لنظام طبق لفترة , وكان يستلزم اجتياز سنة توجيهية فى نهاية المرحلة الثانوية , كما أن تحديد الكلية التى يلتحق بها الطالب أصبح يستند إلى نظام " التنسيق " حيث تم تصنيف الجامعات والكليات إلى فئات مختلفة , ويلتحق بها الطلبة وفقاً لما حصلوا عليه من درجات .

وهناك إصلاحات أخرى تم إنجازها فى مجال التعليم العالى , منها خفض الرسوم الدراسية فى 1956, ثم فى 1961 , ثم الإلغاء الكامل للرسوم فى جميع مراحل التعليم فى عام 1962 . وإصلاح الأزهر فى 1961 للسماح بتدريس المواد غير الدينية فى كليات جديدة أنشئت لهذا الغرض , وما نتج عن ذلك من زيادة عدد طلبته ( انظر جدول 6 – 4 ) . وإدخال فروع أكاديمية جديدة وإحداث تعديلات فى المناهج حيث الاهتمام بالمواد العملية " انظر جدول 6 – 5 " وتقديم المعونات المالية للطلبة على شكل مكافآت وقروض (26) . وبناء المدن الجامعية وتخفيض رسوم الإقامة بها . والبدء فى تقديم نظام الانتساب فى عام 1953 " انظر جدول 6 – 5 " . وإنشاء 43 معهداً عالياً وعدد من الجامعات والكليات الإقليمية ابتداء من 1969.

وفى نظر قادة الثورة كانت مجانية التعليم التى بدأت عام 1962 فى جميع المراحل , وجعل الالتحاق بالتعليم العالى وفقاً للدرجات الحاصل عليها الطالب فى الامتحانات العامة , إنجازاً ضخماً يدعوا للفخر . ويتجلى هذا بكل وضوح فى تباهى الرئيس السادات أمام مجموعة من قادة الطلاب عان 1977 بقوله : " أنا أعطيت لكم يا أولادى تكافؤ فرص كاملاً .. بكفاءتكم وجهدكم هو إللى بيدخلكم الجامعة ... وبيحطكم فى الكلية إللى أنتو عاوزينها بكفاءتكم وجهدكم بغض النظر عن ابن الوزير , واللا ابن فلان ... أولاد عبدالناصر وأولادى ماجابوش مجاميع تدخلهم الكليات إللى هم عاوزينها فدخلوا الكليات إللى مجموعها أقل (27) " .

ولكن هذا الانتصار السياسى قد عجز ـ من عدة وجوه ـ عن تغيير البنية التعليمية تغييراً جذرياً . إذ يؤكد تقرير عن التعليم نشرته مجلة " الطليعة " عام 1968 ما يلى : " بالرغم من أن تقرير المجانية الشاملة (28) أحدث أثراً بعيداً وله وزن فى تغيير معالم الصورة , إلا أن سياسة الحواجز الطبقية ما زالت فى جوهرها قائمة , سواء فى القبول فى المرحلة الإعدادية أو فى التوزيع فى أنواع التعليم المختلفة . وذلك لأن نظام الامتحانات والاختبارات القائم ينتهى فى واقع الأمر إلى تمييز طبقى لأن الفيصل فيه ليس القدرات والاستعدادات الحقيقية (29) بقدر ما هى القدرة المالية والوسط الاجتماعى والظروف البيئية المحيطة بالطفل " (30)

وفى هذا الصدد بدأت ظاهرة اللجوء إلى الدروس الخصوصية خارج المدرسة , خصوصاً فى المستوى الثانى ,وسادت بصفة أخص بين أبناء الأسر الموسرة . وظلت الطبقة المتوسطة (31) , هى المصدر الأساسى لطلبة الجامعة حيث يتضح من مسح عينة أجرى فى عام 1964 أن 86.4% من أولياء الأمور المنتمين للطبقة الوسطى , كانوا يتوقعون حصول أبنائهم على التعليم العالى , بينما كانت هذه النسبة 43% بين أولياء الأمور ممن ينتمون إلى الطبقات الأدنى . وترجع هذه النتائج . كما يرى الباحث محمد عماد الدين إسماعيل إلى : " انعدام التوازن الطبقى الاجتماعى فى التعليم العالى " (32) .

كما يكشف مسح أجرى على عينة أخرى قام به محمود شفشق اثناء دراسته المقارنة لطلبة جامعة الأزهر وجامعة القاهرة أن أبناء الطبقة الوسطى كانوا يشكلون نصف عدد الطلبة بالأزهر , بينما يحتكرون جامعة القاهرة من الناحية الفعلية ( انظر جدول رقم 7 ) .

ولكن نسبة كبيرة من أبناء أسر الطبقة المتوسطة لم يكونوا بالضرورة ميسورى الحال إذ تشير نتائج مسحين لعينتين أجريا فى 1969 و 1971 إلى أن حوالى ثلث الطلبة فى الجامعات الكبرى بالقاهرة والأسكندرية وأسيوط كانوا يعيشون فى ظروف معيشية شاقة من أجل مواصلة تعليمهم . (33) أما فى حالة الأزهر فتصل النسبة إلى حوالى النصف . وكان وضع الطلبة فى المعاهد العليا شبيهاً بوضع طلبة الجامعات الثلاث (34) , وفى المقابل كان وضع طلبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة ميسوراً إذ كانت نسبة الذين يعانون من بينهم من الظروف المعيشية حوالى العشر فقط .

وكان التوسع الكمى فى التعليم العالى من طلاب نظام الانتساب فى الكليات النظرية , وإنشاء عشرات من المعاهد العليا , ثم انتشار الكليات والجامعات الٌإقليمية , يعنى أن هذه الأعداد من الطلبة تتلقى تعليمها اعتماداً على موارد وإمكانات ضئيلة , الأمر الذى يعنى بدوره تدهور نوعية التعليم العالى من ناحية ووجود فائض من خريجى الجامعات من ناحية أخرى .

وفى هذا الإطار كان الطلبة المنتسبين وضع خاص (35) حيث كانت نسبة القادرين منهم على اجتياز الامتحانات بنجاح لا تزيد على 12.8% , و 8% . و15% من إجمالى عددهم فى الأعوام الدراسية الثلاثة 95\1960 , و60\1961 , 61\1962 على التوالى .(36) كما أثبت هذا النظام أنه يتعارض مع سياسة الحكم فى تشجيع التعليم الفنى , حيث شجع نظام الانتساب عدداً من خريجى المدارس الثانوية الفنية على أن يتركوا العمل الفنى ليحاولوا بدلاً منه نيل درجة جامعية نظرية .

ويكشف إنشاء بعض المعاهد العليا عن عيوب واضحة فى التخطيط التعليمى . فبالرغم من أنه كان من المفروض أن تكون هذه المعاهد معاهد فنية توفر الكوادر للتنمية الاقتصادية فى البلاد , إلا أنها سرعان ما اكتسبت طبيعة أكاديمية واختفى التمايز بينها وبين الجامعات . وقد لقى هذا التحول قبولاً لدى طلبة هذه المعاهد , حيث كان العديد منهم يتطلع أصلاً إلى الالتحاق بالجامعة .

وفى نفس الوقت أدت غيبة الاتساق بين التوسع فى التعليم العالى واتساق سوق العمل , إلى وجود فائض من خريجى الجامعات , وخاصة من خريجى الكليات النظرية . ووفقاً للخط الذى انتهجته الحكومة فى المجال الاجتماعى اختارت أن تتحمل العبء بنفسها , وملأت مكاتبها بأعداد لا لزوم لها من الخريجين , ويؤكد البحث الذى أجراه مختار حمزة عن تشغيل الخريجين أن نسبة عالية من خريجى الكليات النظرية يشغلون وظائف لم تسهم دراستهم الأكاديمية فيها بأى دور مباشر , وكان يمكن لموظفين آخرين من غير حملة المؤهلات العليا أن يؤدوها على نحو سليم . (37) وكان هؤلاء الخريجون فى وضع وصفه مالكولم كير على النحو التالى :

" يشكل خريجوا الجامعات قوة معطلة متزايدة , ارتفعت تطلعاتهم الاجتماعية والاقتصادية إلى مستويات غير واقعية نتيجة لما حصلوا عليه من تعليم .. وأدى التوسع فى التعليم العالى إلى إعادة توزيع الفقر بإسم المساواة الاجتماعية وعلى نحو يهدد بإحلال طبقة متعلمة وأكثر حدة فى اغترابها محل الطبقة الأمية من البروليتاريا المتعطلة .... ويزداد الإحباط حدة حيث الآلاف من الشباب من ذوى الوظائف غير اللامعة كصغار رجال الدين , والكتبة , ومعلمى المدارس , والصحفيين ـ فى ثيابهم المتواضعة , يمارسون حياة مضنية , وغير آمنة , ليس فيها سوى قدر من المكانة الأدبية ـ معتمدين على عشرة جنيهات شهرياً , بينما تؤكد لهم الصحافة , وكذلك خطب الرئيس من آن لآخر , أنهم " طليعة " تقدم الأمة باعتبارهم متعلمين , بينما هم أعجز حتى من أن يستطيعوا صياغة تقدمهم الذاتى (38) " .

ومن هنا , وبالرغم من تركيز النظام على الدراسات العملية أكثر من الدراسات النظرية , سواء فى التعليم الثانوى العام أو فى التعليم العالى (39) , إلا أن السياسة التى اتبعها للقبول فى الكليات النظرية كانت هى السبب الأساسى للبطالة الحقيقية والمقنعة بين الخريجين , ففى هذه الكليات تجسد تدهور المستويات الأكاديمية بشكل أكثر وضوحاً , كما يتضح من النقد الحاد الذى نلمسه من جانب المهتمين بقضايا التعليم . وحتى لويس عوض الذى كان يشكو من أنه " بإسم التنمية وخططها وبإسم شعار العلم للمجتمع تضطهد العلوم النظرية لحساب العلوم التطبيقية " , (40) يجد نفسه مضطراً لانتقاد هذه السياسة بسبب محتواها الفعلى : " إن بناء سلم الأولويات بين فروع الدراسة على أساس احتياجات التنمية الموقوتة لن يخرج منه إلا تبديد المواهب النادرة على فروع من الدراسة لم تؤهل لها بالطبيعة , أو على فروع من الدراسة لا تحتاج لمواهب خاصة ويكفى فيها الاستعداد العام , ولن يخرج منها إلا شحن الكليات النظرية بالمتخلفين من بين الطلاب , وهو عكس ماسنته الطبيعة , وهو أن أصحاب المواهب النظرية هم فى العادة الصفوة القليلة (42) " .

وكان من الطبيعى أن يؤثر ازدحام الجامعات المصرية الزائد عن الحد على نوعية ما تقدمه من تعليم وما تجربه من امتحانات وابحاث . ومن المعروف فى هذا الصدد أن نسبة الأساتذة إلى الطلبة فى الجامعات المصرية كانت منخفضة للغاية دائماً . فبينما كانت هذه النسبة 1 : 20 فى عام 1950 أصبحت على النحو التالى فى فى عام 1958 \ 1959.

النسبة كانت تتفاوت كثيراً من كلية إلى أخرى . ففى 62\1963 كانت 1 : 15 فى الطب , 1 : 22 فى العلوم , 1 : 32 فى الزراعة , 1 : 43 فى الهندسة , 1 : 45 فى الاقتصاد وطب الأسنان , 1 : 54 فى الآداب , 1 : 92 فى التجارة , 1 : 95 فى الحقوق (43) . وباستثناء كلية الحقوق , تحسنت نسبة الأساتذة إلى الطلبة فى العام 72\1973 لتصبح 1 : 10 فى طب الاسنان 1 : 12 فى الطب , 1 : 13 فى الهندسة , 1 : 15 فى الزراعة والاقتصاد , 1 : 36 فى الآداب , 1 : 80 فى التجارة (44) .

وكان من الطبيعى أن يكون لهذه النسبة المخلة آثارها الضارة على نوعية التعليم وعلى قدرة الطلبة على التكيف مع بنية المؤسسة الأكاديمية وعلى استيعاب نشاطها الأكاديمى والاجتماعى . وتوضح دراسة مقارنة بين أوضاع الطلبة فى جامعة عين شمس [ حيث بلغت نسبة الأساتذة إلى الطلبة 1 : 50 فى عام 1966 ] وأوضاع طلبة الجامعة الأردنية [ حيث بلغت النسبة 1 : 15 ] , (45) أن الطلبة فى الجامعة الأخيرة يتكيفون مع الحياة الجامعية بدرجة أكبر (46) .

ونتيجة لذلك نقل طلبة الجامعات أسلوب التعليم عن طريق الحفظ , وهو السائد بالمدرسة الثانوية , إلى أدائهم بالجامعات , وأصبح الأسلوب المتعارف عيه هو " الصم من أجل الامتحان " , وكما يقول جوزيف سيليوفيتش : " مازال التركيز فى المحاضرة الرسمية , ولا تتاح لطلبة فرصة تذكر للمناقشة والاستفسار أو للقاء مع الاستاذ , علاوة على أن الطالب يتخرج فقط نتيجة نجاحه فى الامتحانات السنوية ... ويلجأ الطلبة إلى حشو رؤوسهم بالمعلومات الواردة فى مذكرة المحاضرات والكتب المقررة وحفظها " . (47) .

ومن هنا نشأ التعلق بالكتب المقررة والتى لم تزد فى عديد من الحالات عن كونها مقتبسات لبعض المؤلفات الغربية . وازاد الوضع سوءاً نتيجة لفقر مكتبات الجامعات . فلم يكن هناك إلا ما يتراوح بين مائتى ألف وثلاثمائة ألف كتاب فى كل مكتبة من مكتبات الجامعات الثلاث الكبرى فى 1958 \ 1959 . زد على ذلك أن الطلبة نادراً ما كانوا يستخدمون هذه المكتبات .

وتدهورت نوعية البحث فى المكتبات المصرية , كما كان يخضع لتوجيه الحكومة . وحسبما يقول لويس عوض: " إذا عرفنا أن متوسط ساعات الدراسة بالنسبة للطالب هو 24 ساعة أسبوعية . وأن متوسط ساعات التدريس بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات هو 20 ساعة أسبوعياً ( وهو يتجتوز نصاب المدرس الثانوى ) أدركنا أن البحث العلمى والاطلاع على المراجع والتفكير والمناقشة لم يعد لها مكان واضح فى حرم الجامعة . فإذا أضفنا إلى هذه الأعباء الروتينية المرهقة أعباء الامتحانات المضنية تجسم أمامنا تدهور حالة البحث العلمى فى جامعاتنا . وجامعات بلا ابحاث علمية أو اطلاع علمى أو تفكير علمى أو مناقشات علمية هى مجرد ورش لتخريج اسطوات على يد معلمين بالمعنى البلدى الكامل " . (48)

ويمكن أن نقرأ هذه العبارة فى السياق الواسع للجدل الفكرى الذى ثار حول التعليم وخاصة حول وظيفة الجامعة فى العالم العربى ككل وفى مصر على وجه الخصوص . فما يسميه لويس عوض " ورشة " كان غيره من المعلقين يطلقون عليه تسميات مثل " معمل تفريغ لموظفى الحكومة ". (49) , و" مصنع تفضى فيه الدرجات الاجتماعية والتطلعات إلى المكانة الاجتماعية على التعليم طابعاً نفعياً , كوسيلة لتحقيق مآرب مادية " . (50) ووفقاً لجان جاك واردنبرج : " إذا كان المثل الأعلى البرجوازى الغربى للجامعة , لا يتلاقى مع المثل الأعلى الماركسى ولا التكنوقراطى , فيمكن أن يكون للعرب أيضاً مثلهم الأعلى حول نوع الجامعة التى يريدونها . ولكن ما لديهم فعلاً لا يمكن وصفه بالجامعة " . (51) فالجامعة كما يراها واردنبرج بكثافتها الطلابية ومحاضراتها المنهكة , لا تزيد على كونها مدرسة ثانوية , وهى ليست بالتأكيد المكان الذى يولد ويربى فيه المثقفون . (52)

وترجع هذه النتيجة فى رأى لويس عوض إلى طريقة اختيار الطلبة للتعليم الجامعى : " مكاتب التنسيق فى جامعاتنا توزع الطلاب على الجامعات بطريقة آلية بحتة بناء على ترتيب مجاميع الدرجات ونظام الأولويات المفتعلة الذى جعل من كل كليات الجامعة " طبقات " كأنها طبقات فى الجنة أو طبقات فى الجحيم . وانتهى الأمر بأن الآلاف المؤلفة من الراغبين فى دراسة الطب أو العلوم أو الهندسة ينتهى أمرهم بدراسة الآداب أو الحقوق أو التجارة ... ويتعرض الكثير من المواهب الخاصة للضياع أو التبديد بسبب هذا القهر العقلى الذى يفرض على محب الهندسة أو الكيمياء أو الزراعة أن يدرس التاريخ أو أعمال البنوك أو القانون , فلا يخرج لنا منه مهندس متوسط أو كيميائى متوسط أو زراعى متوسط , ولكن يخرج لنا منه مدرس تاريخ فاشل أو موظف مصرفى فاشل أو محام فاشل " . (53)

وقد اتضحت قوة هذه الآراء بجلاء فى عام 1971, حيث عقد معهد الإعلام بجامعة القاهرة امتحاناً للخريجين للالتحاق بالدراسات العليا للحصول على درجة الدبلوم . وأجرى للمتقدمين اختبار فى المعلومات العامة حيث كانت النتيجة كما يقول الدكتور جمال العطيفى الذى أجرى الاختبار " مروعة " :

" تبين أنه ليس لدى غالبية هؤلاء الشبان فكرة محددة واضحة عن تاريخ مصر . بل إن بعض الذين تخرجوا فى قسم التاريخ بكلية الآداب لم ينجحوا فى أن يعرفوا معلومات أولية فى التاريخ الحديث ... ولم يكن هذا النقص الخطير فى المعلومات مقصوراً على أشخاص أو حوادث ربما لم يعشها هؤلاء الشباب , وربما لم يتلقوا عنها شيئاً فى معاهد التعليم , بل إن هذا النقص يشوب اجابات الكثيرين عن نواحى التطبيق الاشتراكى فى مصر التى ظلوا سنوات يحفظونها فى مواد مقررة فى جميع كليات الجامعة ... أما المعلومات العامة عن أحداث العالم المعاصر فتكاد تكون مجهولة أو مضطربة شديدة الاضطراب ... فهناك خريج كلية الاقتصاد الذى لا يعرف جومولكا أوتشاوشيسكو , وخريج الحقوق الذى لا يعرف مونتسكيو هو صاحب نظرية الفصل بين السلطات ... بل إن أحد المتقدمين للالتحاق بدبلوم الإذاعة والتليفزيون قال عن ال B.B.C أنها محكمة العدل الدولية ! " (54)

ويستنتج د . العطيفى ما يلى : " أن الظاهرة تكشف عن أمرين :

- إن دراسة المواد القومية بالطريقة التى كانت تجرى بها منذ سنوات لم تحقق أثراً .

- إن العجز عن الإجابة عن أسئلة كانت فى صميم التخصص الجامعى لبعض الخريجين يفقد الثقة فى الشهادات الجامعية باعتبارها عنواناً على التأهيل ... علام يدل هذا كله ؟

هل يدل على أن شبابنا لا يقرأ , ولا يبالى بما يجرى حوله , وإنه يلتحق بالجامعة لكى يحصل على الشهادة كجواز مرور إلى الوظيفة ؟ ... ولكن أشبابنا هو المسئول ؟ أم ماذا ؟ إنه سؤال يجب إن يطرح على أوسع مدى وهو يحتاج إلى إجابة شجاعة وحريصة . " (56)

وفى اليوم التالى جاءت الاجابة على لسان لويس عوض :

" شباب الجيل الحالى محصن ضد التاريخ , قديمه ووسطه وحديثه ! لماذا ؟ لأن كتب التاريخ فى مدارسنا لم تعد كتب تاريخ ولكن كتب سياسة بحتة ... وهكذا فقد الشباب المصرى حاسته التاريخية , ومن فقد حاسته التاريخية فقد أيضاً حاسته السياسية , من أجل هذا لا ينبغى للدكتور جمال العطيفى أن يعجب من أنه وجد بعض من امتحنهم من الخريجين يجهلون كل شىء عن تاريخ الإصلاح الزراعى أو تاريخ القوانين الإشتراكية , بل وتاريخ ثورة 23 يوليو " . (57)

وقد أولى نظام عبد الناصر المناهج الدراسية فى المدارس والجامعات اهتماماً خاصاً , فأعاد صياغة الكتب المقررة فى الجغرافيا والتاريخ والتربية الوطنية ( التى سميت معاً المواد الاجتماعية ) . وأعلن الميثاق الوطنى , الذى أصبح هو نفسه مقرراً دراسياً (58) أن : " التعليم لم تعد غايته إخراج موظفين للعمل فى مكاتب الحكومة . ومن هنا فإن مناهج التعليم فى جميع الفروع ينبغى أن تعاد دراستها ثورياً لكى يكون هدفها هو تمكين الانسان الفرد من القدرة على إعادة تشكيل الحياة ". (59)

ومن أجل تحديد النظرة الجديدة للتعليم , أشار الميثاق الوطنى إلى تشويه المقررات الدراسية فى الماضى : " إن أجيالاً متعاقبة من شباب مصر لقنت أن بلادها لا تصلح للصناعة ولا تقدر عليها , إن أجيالاً متعاقبه من شباب مصر قرأت تاريخها الوطنى على غير حقيقته , وصور لها الأبطال فى تاريخها تائهين وراء سح من الشك والغموض بينما وضعت هالات التمجيد والإكبار من حول الذين خانوا كفاحها " (60)

وتم تسييس مناهج المواد الاجتماعية بكل صرامة , وصيغت بلغة مفرطة فى الديماجوجية , امتزج فيها الفخار الوطنى بالولاء السياسى للنظام . فجاءت معالجة التاريخ فى الكتب المقررة على نفس النحو الانتقائى الذى اتبع فى مقررات ما قبل الثورة , والذى انتقد الميثاق الوطنى . وبلغ حذف الحوادث والشخصيات التاريخية الحد الذى دفع الدكتور لويس عوض إلى اعتبار أن كتب التاريخ أصبحت شيئاً لا تزيد قيمته كثيراً عن القصص الجرافية :

" تبحث عبثاً عن رجل حكم مصر أمداً طويلاً اسمه الخديوى عباس حلمى أو عباس الثانى فلا تعثر له على أثر . فإذا أراد التلميذ أن يعرف من جلس على عرش مصرمنذ ثورة 1919 حتى معاهدة 1936 لما وجد اسم الملك فؤاد فيما يدرس من صحائف , ولولا أن ثورة 1952 خلعت الملك فاروق لتحلل السادة مؤرخو الأطفال من ذكر اسمه أيضاً ... التلميذ الفرنسى لا يتعلم رأى وزارة التعليم فى لويس فليب أو فى نابليون الثالث , أما التلميذ المصرى المسكين , فلا يقرأ فى كتابه اسماً من أسماء الأعلام إلا مقروناً بالتمجيد أو بالشتيمة , وكأنه يقرأ مقالاً فى جريدة أو يسمع حديثاً فى الإذاعة أو التليفزيون ..... (61) ".

وطالب الدكتور لويس عوض , بدلاً من ذلك , بما يلى :

" ما أحوجنا ونحن نلتمس بناء الدولة العصرية أن نستقر على رأى موضوعى متمدن لمقومات هذه الدولة العصرية من حيث بناء الانسان , بعد أن شاعت بيننا الخرافات التربوية والتعليمية والاجتماعية نحو عشرين عاماً باسم ضرورات التنمية والوحدة الأيدولوجية والكمال القومى (63) .. إن تعليمنا مثقل بأكداس من الخزعبلات القومية والأيدولوجية التى حشيت بها برامجنا بإسم التربية القومية ... أما العلوم الاجتماعية والقومية , فلنحتذ فيها حذو البلاد المتقدمة كماً وكيفاً مع التركيز الخاص على جغرافيا بلادنا وتاريخها دون مبالغة فى عبادة السلف أو فى عبادة الذات أو تصوير أن الغير لاوجود لهم إلا بفضل وجودنا " (64) .

وانتقد معلقون آخرون التغيرات فى مناهج المواد الاجتماعية بالمدارس باعتبارها تغيرلت فى الطرح أكثر منها فى المحتوى . وأشار تقرير مجلة " الطليعة " عن التعليم الذى نشر عام 1968 إلى مناهج المواد الاجتماعية فى عهد الثورة باعتبارها : " نفس المناهج التى عرفناها فى مدارسنا فى الأربعينيات ... أى كلام عن الإشتراكية وعن الاستعمار يرد فى المناهج والكتب سطحياً ودون تأصيل ... وتعجز مناهجنا والكتب الدراسية عن أن تعطى للتلميذ وعياً مؤصلاً لقضايا العصر أو لقضايا القومية (65) ... وإن كان الجانب الوطنى أو القومى قد تأكد بصفة عامة , فإن حركة التعليم لم ترتبط بعد بحركة الثورة الاجتماعية ) .

هذا علاوة على أن الممارسات التعليمية داخل المدارس والجامعات قد ساعدت على دعم :

" نموذج الحياة السياسية السلبية الخالية من المشاركة , السائدة بين المتعلمين فى مصر . حيث كرست الممارسات التعليمية سلطة المدرس , وأسلوب الحفظ , والمقررات الرسمية , والأحادية , والنظام , والروتين ... وقد بذلت جهود كبيرة لتنمية الولاء الشديد للنظام السياسى , فى المدارس الابتدائية والإعدادية " (67) .

وقد اتخذ نظام الثورة على مستوى التعليم العالى مختلف الإجراءات للسيطرة على الجامعات سياسياً وتعليمياً وإدارياً . وبالنسبة لسيطرة النظام إدارياً على الجامعات فقد نقلت المسئولية عن الجامعات وغيرها من المعاهد العليا عام 1961 من وزارة التعليم إلى الوزارة الجديدة للتعليم العالى . وبالرغم من استمرار الجامعات كمؤسسات مستقلة من الناحية الفنية , إلا أن محاولات عدة بذلت لدمجها فى النظام الحكومى من خلال إنشاء المجلس الأعلى للجامعات برئاسة وزير التعليم العالى . (68) واشتملت إعادة صياغة المقررات فى الجامعات على مادة إجبارية تعرف بإسم " التربية القومية " يدرسها جميع الطلبة وتتكون من ثلاثة أقسام : المجتمع العربى , والثورة , والإشتراكية ,. وبالرغم من أن هذه المقررات كانت أقل ديماجوجية من المواد الاجتماعية فى المدارس الثانوية إلا أنها لم تختلف عنها اختلافاً جوهرياً فى المحتوى , وعجز مقرر المجتمع العربى ، رغم أنه كان يستهدف توفير فهم أفضل لمشكلات البلاد الاجتماعية والاقتصادية ـ عن تقديم تحليل موضوعى لهذه المشكلات . (69) .

كما عجزت المقررات الخاصة بالدراسات الأشمل للعلوم الاجتماعية التى تتناول نفس المشكلات عن تقديم فهم أفضل . فنظام الثورة , كما يسجل د . لويس عوض : " لم يقدم نظرية تأملية , ونقدية تذكر فى مجالات العلوم السياسية , والاقتصادية , وعلم الاجتماع , وفلسفة الأخلاق " . (70) وتقدم مناهج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى أنشأها عبد الناصر مثالاً جيداً على هذا الرأى . وقد اشتكى عبد الناصر نفسه لأساتذة الجامعات من هذا الأمر ضارباً المثل بتدريس المشكلة الاقتصادية باعتبارها مشكلة عرض وطلب لا غير , وهو نفس ما كان يدرس فى الثلاثينيات . (71)

وقد حاول النظام أن يتصدى لثنائية نظام التعليم كما يتضح من الجهود التى بذلها لتحديث الأزهر وتطويعه لنمط الجامعات الأخرى . وكان طلبة الأزهر يختلفون اختلافاً شديداً عن طلبة الجامعات الأخرى وخاصة طلبة جامعة القاهرة فالأزهريون تقليديون وأصوليون أكثر , وهم لا يأخذون بالاتجاهات الحديثة وليسوا علمانيين ولا ليبراليين . (72) وقد حققت الحكومة قدراً من النجاح فى هذا الصدد . لكنها عجزت عن توحيد نظام التعليم على نحو فعال حيث بقى الأزهر على تميزه الثقافى كمؤسسة إسلامية تتمتع بالاستقلال الذاتى .

وبالرغم من تغيير المناهج فى كل قطاعات التعليم , إلا أن قيم الطلبة ظلت على اختلاف شديد عما كان يأمله النظام من قيم جديدة. فكان حوالى 50% من الطلبة الذكور فى الجامعات الثلاث الكبرى , القاهرة والأسكندرية وأسيوط , يعارضون فكرة المساواة بين الجنسين , وهى نسبة تطابق النسبة بين طلبة الأزهر . بل وكان ربع الطالبات يعارضن الفكرة . وكان طلبة الجامعة الأمريكية هم الوحيدين الذين أيدت أغلبية واضحة منهم الفكرة ( لم يرفضها إلا 6% من الذكور , 12% من الإناث ) . (73)

وهناك مثال ثان هو موقف الطلبة من العمل اليدوى . ففى خضم ضجيج الشعارات الإشتراكية فى أوائل الستينات ظل هناك بين الطلبة : " موقف محدد ضد العمل اليدوى ـ فلم يكن هناك واحد ممن حصلوا على تعليم عال يقوم بعمل يدوى من أى نوع , بينما كانت نسبة من يؤيدون عملاً يدوياً من الحاصلين على تعليم ثانوى 1.4% فقط . ولم يكن أى ممن يتعلمون تعليماً عالياً ويعملون أثناء عطلتهم أو يشتغلون بوظيفة لبعض الوقت أثناء الدراسة , يعمل عملاً يدوياً " . (74) وفى الحقيقة فقد تغير هذا الاتجاه قليلاً فى أواخر الستينات وأوائل السبعينات مع خروج طلبة الجامعات المصريين إلى أوربا للعمل الموسمى فى مطاعمها , بجانب الاتجاه لبعض الأعمال اليدوية المربحة داخل البلاد فى إطار تقلص سوق العمل لذوى الياقات البيضاء واتساع مجال الأعمال الحرفية فى حقبة الانفتاح الاقتصادى . إلا أن تلك الحقبة قد ولدت قيمها الخاصة التى انزوت بجانبها الشعارات الإشتراكية للحقبة السابقة .


الإحتواء السياسى

ورثت ثورة 1952 نظاماً سياسياً لعبت فيه الجامعات دوراً مهماً , سواء فى الحركة الوطنية , أو فى الصراع من أجل السلطة ومن أجل تدعيم سلتطه فى البداية , كان على النظام العسكرى أن يكسب الكتلة الطلابية النشطة سياسياً , والتى اعتادت ـ شأنها شأن الجماعات السياسية الأخرى ـ العمل داخل النظام الليبرالى للنشاط السياسى فوجدت أنه من الصعب عليها أن تتفق مع حكم القوات المسلحة . وكان الطلبة والعمال يعتبرون بمثابة مصدر كامن للاضطرابات السياسية . فكما قال الرئيس السادات : " اللى عايز يفجر موقف فى مصر يلاقى المادة المتفجرة فى مكانين : فى الطلبة باعتبارهم أنهم شباب مندفع لا يتروى فى التفكير عاوز يعيش معركة وعاوز يكون له كيان . والمادة الثانية هى العمال " . (75) ولذلك فليس من المستغرب أن نجد أن أولى الصدامات الكبرى التى واجهها النظام العسكرى كانت مع عمال مدينة كفر الدوار عام 1952 , ومع الجامعات عام 1954.

وقد حدثت المواجهة مع الجامعات ـ سواء مع الأساتذة أو مع الطلبة ـ نتيجة للتصادم بين الميول الليبرالية للجامعيين والميول الاوتوقراطية للحكام العسكريين . فقد أبدى النظام الجديد استعداه للتخلص من النظام البرلمانى , فى مقابل تقديم عدد من الإنجازات الاجتماعية التى عجز ذلك النظام القديم بوضوح عن تحقيقها . ولئن كان الوعد بالتغيير الاجتماعى قد اجتذب قطاعات كبيرة من المثقفين إلا أن ما صاحبه من قيود سياسية قد أثار عدائهم الشديد . وكما يقول الدكتور لويس عوض : " كان العديد من الناس يتصورون أنه يمكنهم الحصول على جمهورية وإصلاح زراعى , وفى نفس الوقت المحافظة على الأشكال التقليدية للديموقراطية الليبرالية " . (76)

وكانت الجامعة أحد المنابر الثلاثة ـ المنبران الآخران هما نقابة المحامين ونقابة الصحفيين ـ التى انطلق منها صوت المثقفين لمعارضة النظام العسكرى الجديد . وإبان أزمة مارس 1954 كانت هيئة التدريس فى جامعة الأسكندرية فى طليعة المعارضة التى نادت بإلغاء الأحكام العرفية وحل مجلس الثورة . ومن الطريف أن هذه الهئية كانت أول هيئة فى البلاد تعلن تأييدها للثورة فى يومها الأول . وأمر عبد الناصر بحكم صلاحيته كحاكم عسكرى عام , بالقبض على عدد من أساتذة الجامعات متجاهلاً نصيحة أحد زملائه المثقفين فى الوزارة وهو الدكتور عباس عمار الذى حذر عبدالناصر من استفزاز الجامعة . واتهم عبد الناصر الجامعة , فى اجتماع عقده مع مجموعة من الأساتذة , بأنها تعارض الثورة . ورد عليه الأساتذة قائلين :

" إن الجامعة قامت بالثورة قبل أن تقوموا بها . (77) وأن الجامعة هى الهيئة الوحيدة التى رفضت مقابلة فاروق عندما حضر لتوزيع جوائز العلم , نحن نتفق معك فى الغاية ونختلف فى الوسيلة , فنحن نؤمن بالحرية والديموقراطية وكرامة الفرد . " (78)

وعندما وطد مجلس الثورة سلطته بتصفية خصومة فى الداخل والخارج , اتخذ عبد الناصر خطوة لم يسبق لها مثيل بطرد أساتذة الجامعات بالجملة .(79)

ولم يختلف وضع الطلبة عن وضع أساتذتهم فقد بقى أغلب الطلبة على انتماؤاتهم السياسية . واحتار الضباط الأحرار فى كيفية دفعهم إلى الإندماج فى نظام لم يكن إطاره الأيدولوجى قد اتضح بعد فى هذه المرحلة المبكرة , وكما يصف خالد محمد خالد الوضع فى عام 1954 :

"" إن الإخوان والشيوعيين هما القوتان اللتان تنتظمان معظم إمكاناتنا الشابة الفتية , وإنكار ذلك سذاجة بقدر ما هو غرور .. قد يؤخذ منها ذلك الشباب غداً إلى مكان آخر .. وقد تتفق أرحام الحوادث والظروف عن وليد جديد بهى الطلعة , مشرق الفكرة تهوى إليه الأفئدة وتنضوى تحت لوائه قوى الشباب الباعثة .. قد يحدث ذلك فيما بعد وقد لا يحدث . أما الآن فهذه القوى الفتية موزعة بين الإخوان والشيوعيين .... " (80)

ومهما يكن من أمر , فلا جدال فى أن الثورة حظيت بتأييد عارم فى صفوف الطلبة عقب نجاحها مباشرة , وتم تشكيل جبهة طلابية من كافة التجمعات السياسية عبرت عن ولائها للثورة . (81) وحتى الإخوان المسلمين , وبالرغم من عدم إنضمامهم لهذه الجبهة , أعلنوا تأييدهم للثورة فى هذه المرحلة . وعندما برزت قضية الديموقراطية إلى الصدارة ., مهددة بإحداث انقسام فى مجلس الثورة , بدأ تأييد الطلبة للقيادة العسكرية فى الانحسار ( بإستثناء الضباط المنشقين تحت قيادة اللواء محمد نجيب , الذين نادوا بالحكم المدنى ) فاتخذت الجبهة الطلابية موقفاً معادياً للحكومة , ونادت بالضال ضد الديكتاتورية العسكرية . وقد سأل أحد الضباط سلاح الفرسان الموالين للديموقراطية عبد الناصر قائلاً : " ترى لو أن الطلبة خرجت فى مظاهرات تطالب بعودة محمد تجيب , هل نصوب بنادقنا إلى صدور الطلبة ؟ " (82)

وبالرغم من أن طلبة الجامعات كانوا ـ كما يقول الدكتور فؤاد زكريا ـ " متعاطفين بصورة واضحة مع عودة الديموقراطية , ولا أذكر أننى شهدت مظاهرة واحدة تؤيد الاتجاه الذى انتصر أخيراً " , (83) إلا أن موقفهم لا يمكن أن يفسر على أنه تأييد غير مشروط للعودة إلى الليبرالية . فقد كان موقف طلبة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص يجسد الصراع على السلطة بين النظام العسكرى وجماعتهم , التى لم تكن بالقطع من القوى المؤمنة إيماناً عميقاً بالنظام الليبرالى .

وكان للإخوان المسلمينالعديد من الأنصار بين طلبة الجامعات , (84) الذين عبروا عن تأييد جماعتهم لنجيب. وذهب طلبة الإخوان فى احتجاجاتهم إلى مدى أبعد مما كانت تفعله قيادة الجماعة نفسها التى انتهجت أحياناً سياسة الترقب خلال الصراع من أجل السلطة . وفى 14 يناير 1954 سلط مجلس قيادة الثورة نيرانه المباشرة على الإخوان المسلمين , وأعلن أنهم حزب سياسى يتعين حله مثل الأحزاب الأخرى التى تم حلها بالفعل . وقبل ذلك التاريخ , كان النظام الجديد يعامل الإخوان المسلمين معاملة خاصة حيث استثناهم من من قرار حل الأحزاب باعتبارهم جمعية دينية . وكانت الذريعة التى استخدمت لاتخاذ هذه الخطوة , حادثاً وقع بالجامعة قبل يومين .

ففى أثناء الاحتفال بذكرى عمر شاهين وأحمد المنيسى , وهما من شهدائهم المشهورين إبان الكفاح المسلح فى قناة السويس , اصطدم الإخوان بمجموعة من تلاميذ المدارس الثانوية يمثلون القطاع الشبابى فى التنظيم السياسى الذى ترعاه الحكومة ـ هيئة التحرير ـ داخل حرم جامعة القاهرة . وكان التلاميذ قد احضروا إلى الجامعة لوريات حكومية , ومعهم مكبرات الصوت . ودفع الإخوان إلى المنصة بالإرهابى الإيرانى الشهير نواب صفوى , الذى ألقى خطبة وسط صيحات الإخوان الذين تعالت هتافاتهم بشعارهم التقليدى " الله أكبر ولله الحمد " . ورد شباب هيئة التحرير بشعار " الله أكبر والعزة لمصر " . وأعقبت ذلك معركة ضارية حيث أعطى الإخوان لشباب هيئة التحرير " علقة جامدة " كما أقرأحد زعمائهم .(85) وعلى امتداد شهر مارس تحالف الإخوان تحالفاً وثيقاً مع الحركة العامة المطالبة بالعودة إلى الحكم الديموقراطى . وأعلن طلبة جامعة القاهرة عن تشكيل جبهة طلابية للتعبير عن معارضتهم للحكم العسكرى , وانضم إليها الإخوان هذه المرة .

وأدت الإضرابات الطلابية فى تلك الفترة إلى معارك ضارية مع البوليس , بل وقام أحد الطلبة بإطلاق الرصاص على الشرطة . وأغلقت الجامعة . وعندما استؤنفت الدراسة , لم يتم ذلك إلا بالتدريج فرقة بعد أخرى من أجل تجنب حدوث اضطرابات جديدة . وكان ضغط الحكومة على الكتلة الطلابية مكثفاً حسبما تدل شهادة أحد طلاب الفترة :

" حكومة الخمسينيات التى أعلنتها الثورة كانت وضعاً جديداً بالنسبة لنا , فقد أحتكرت العصمة والحكمة , وأعلنت فكرها وكفرت غيرها , وقالت بأن من ليس معها فهو عليها .. ودخل الحرس الجامعى داخل الجامعة يضرب ويتجسس , وبدأت لوريات الأمن والشرطة الحربية تقيم حواجز الخطف , وتسأل على " الكارنيه " وتشحن كل يوم حصتها من الأدمغة الجامعية , لنضرب من الباب للطاق , ونبيت فى الحجز ليالى وبعضنا شهوراً دون سين ولا جيم .. لذا كان المخدر مطلوباً لتخفيف الألم , والهرب نعمة لأن الواقع يصفعنا ويضربنا " بالشلاليت " و " القوايش " .. وفى كلية الهندسة على مدى عامين فى مطلع الثورة , كان الحصاد الذى عاصرته وشاهدته بأم عينى , شهيدين على كوبرى قصر النيل وعشرين جريحاً فى القصر العينى , وسلسلة من المداهمات والقبض والضرب شملت كل من زار زميلاً جريحاً أو شارك فى تشييع جنازة الضحايا .. كان العقاب رهيباً على أمور نعتبرها عين المروءة وتراثاً قديماً ورثنا تقديسه .. لذلك بدت الأمور مرعبة , وأجبر جيل كامل على التراجع وابتلاع دوره , وترك الحكم للحكومة . " (86)

وكانت مواجهة عام 1954 بداية مرحلة طويلة من الركود بالنسبة للحركة الطلابية فى مصر . فأصبحت مستأنسة نسبياً , ولم تعد الأنشطة المتميزة للحركة الطلابية قبل الثورة سوى ذكريات فى عداد التاريخ . وكان الطلبة الذين أيدوا السياسة الاجتماعية الإصلاحية للنظام الجديد يعبرون عن تأييدهم من خلال التنظيمات السياسية الرسمية . أما الذين لم يتمكنوا من التكيف مع التوجه الجديد , فقد لجأوا فى مواجهة السلطة الاستبدادية إلى سياسة الانسحاب , وظهرت كرة القدم كبديل له لأهميته الخاصة . وكما لاحط الدكتور فؤاد زكريا :

" أستطيع أن أقول من تجربتى الشخصية أن أكثر من تسعين فى المائة من أحاديث الشباب ومناقشاتهم فى أروقة الجامعة تدور حول نتائج مباريات الكرة أو أحوال اللاعبين وأساليبهم أو مواقف الأندية .. إلخ ... إن عقول الشباب الذين نعتمد عليهم فى بناء مستقبلنا , الشباب الذين ستكون فى أيديهم مقاليد الأمور فى بلادنا بعد جيل واحد , مسلوبة بفعل مخدر فتاك إسمه كرة القدم " . (87)

وفى عام 1970 , وبعد استئناف النشاط السياسى الطلابى عام 1968 , تفاوتت النسبة المئوية للطلبة ( فى العينة البحثية للدكتور عماد الدين سلطان ) (88) الذين وافقوا على الرأى القائل " تضايقنى لا مبالاة الطلبة إزاء المناقشات السياسية " من جامعة لأخرى بصورة واضحة :

القاهرة: طلبة 61% طالبات 56%

اسكندرية: طلبة 57% طالبات 57%

اسيوط: طلبة 35% طالبات 25% الأزهر: طلبة 47% طالبات 60%

الجامعة الأمريكية: طلبة 25% طالبات 37%

المعاهد العليا: طلبة 42% طالبات 47%

وكانت النسبة المئوية للطلبة الذين أعربوا عن نفورهم من المناقشات السياسية بالموافقة على الرأى القائل " تضايقنى للغاية المناقشة حول الأفكار والميول بين الطلبة " أكثر اتساقاً بين كافة الجامعات ما عدا الجامعة الأمريكية :

القاهرة: طلبة 38% طالبات 29%

اسكندرية: طلبة 36% طالبات 31%

اسيوط: طلبة 33% طالبات 23%

الأزهر: طلبة 31% طالبات 28%

الجامعة الأمريكية: طلبة -- طالبات 10%

المعاهد العليا: طلبة 33% طالبات 31%

وكانت النسبة المئوية لطلاب العينة الذين وافقوا على الرأى القائل " يضايقنى انشغال بعض الطلبة بالتنظيمات السياسية " أكثر ارتفاعاً وبالمثل اتساقاً :

القاهرة: طلبة 40% طالبات 36%

اسكندرية: طلبة 43% طالبات 42%

اسيوط: طلبة 41% طالبات 38%

الأزهر: طلبة 40% طالبات 42%

الجامعة الأمريكية: طلبة 19% طالبات 15%

المعاهد العليا: طلبة 44% طالبات 42%

وجدير بالملاحظة أيضاً أن نصف طلبة العينة تقريباً فى هذه الجامعات ـ مرة أخرى باستثناء الجامعة الأمريكية ـ اتخذوا موقفاً ضيق الأفق ازاء تدفق الفكر الانسانى عبر أرجاء العالم , فكانت النسبة المئوية للموافقين على الرأى القائل " يضايقنى اعتناق بعض الطلبة لايدولوجيات أجنبية" هى :

القاهرة : طلبة (51%) طالبات (48%)

الأسكندرية : طلبة (49%) طالبات (48%)

أسيوط : طلبة (43%) طالبات (35%)

الأزهر : طلبة (43%) طالبات (40%)

الجامعة الأمريكية: طلبة (6%) طالبات (32%)

المعاهد العليا: طلبة (13%) طالبات (17%)

وقد تم التدبير لحل وفتيت ما كان يعد بمثابة حركة سياسية نشطة ذات استقلال نسبى , من خلال مزيج من القهر السياسى والإصلاحات الاجتماعية . فقد ازداد إحكام الرقابة السياسية المباشرة على جماهير الطلبة من خلال إدارة الجامعة , كما ازدادت السيطرة السياسية المباشرة عليهم . وتم إنشاء وزارة خاصة للتعليم العالى , ثم أضيف إليها فى أوائل الستينيات المجلس الأعلى للجامعات . وفى تاريخ سابق على ذلك , اتخذت إجراءات مباشرة على نحو أكثر سفوراً فتم تعيين شخصية عسكرية كسكرتير عام لإدارة الجامعة , وبدأ تعيين عمداء الكليات بدلاً من انتخابهم . (89) وساعد ذلك على المحافظة على هيكل جامعى " كهنوتى إلى حد بعيد .. إذ يتحكم كبار الأساتذة فى مجالس الكليات والجامعات و لا تمثل الأجيال الشابة إلا تمثيلاً ضرورياً ... وهؤلاء الكبار يؤلفون فى أحيان كثيرة فئة أصبحت لها مصالح مستقرة تحرص على الدفاع عنها " . (90) ولم يكن الطلبة ممثلين ـ وما زالوا كذلك ـ فى هذه المجالس رغم مطالبهم المستمرة بذلك .

وقام النظام بتعيين أساتذة الجامعات فى اللجان الوزارية والإدارية , ومنحهم نوعاً من السلطة الاستشارية فى إدارة مختلف الهيئات الحكومية والصناعية . وفى نفس الوقت تقلص استقلالهم الأكاديمى تحت الضغط السياسى والتدخل الحكومى . ووضع وزير التعليم العالى خطاً وهمياً يفصل بين مبدأ حرية أساتذة الجامعة وبين استقلالهم . وعانت حرية الجامعة معاناة شديدة فى عهد عبد الناصر لدرجة أن أحد الأساتذة اعتبر أنها انهارت انهياراً كاملاً : " توقف تيار الحرية , وتوقفت الجامعة عن دورها الحضارى " . (91) وكان الأمر الأكثر خطورة هو ما يسميه فؤاد زكريا " التحلل الأخلاقى فى الجامعة " :

" كانت الإساءة الكبرى التى لحقت بالجامعة منذ السنوات الأولى للتجربة الناصرية هى تدخل السلطة فى الشئون الجامعية بطريقة أفقدت الجامعيين توازنهم وأصبح بعدها تدهورهم الأخلاقى أمراً لا مفر منه ... وكان من الطبيعى أن تفقد الجامعة احترامها فى نظر السلطة متذ اللحظة التى أخذ فيها أساتذتها يأكل بعضهم بعضاً وأخذ كل منهم يتملق أى شخص أدى حظوة لدى السلطة حتى لو كان أقل ثقافة من تلاميذه " . (92)

وفى ظل هذه الأوضاع وجد أساتذة الجامعات ممن ليست لهم مكانه كبيرة أو مواهب خاصة , أو قدرة واضحة على الخدمة العامة , أنفسهم يصعدون سلم الترقى إلى المراكز العليا , بل وحتى إلى منصب الوزارة .

وكان سمة أسلوب آخر للسيطرة على الأساتذة والطلبة على السواء , وهو وضعهم تحت رقابة أجهزة الأمن . وقد استاء أغلب الأساتذة والطلبة من كثرة وجود عملاء هذه الأجهزة الذين كانوا يجندون من صفوف الطلبة والأساتذة والموظفين الإداريين . (93) وكان بعض كبار العاملين فى الجامعة ـ سواء فى مجال التدريس أو الإدارة ـ يعتبرون العمل مع أجهزة الأمن جزءاً لا يتجزأ من واجباتهم . ويقول د . فؤاد زكريا إنه رأى بنفسه عمداء جامعيين يتلقون الأوامر بالتليفون من ضباط أمن صغار . (94) وفى أثناء الانتفاضة الطلابية عام 72 \ 1973 اشتهر عدد من العمداء ووكلاء الكليات والأساتذة بتمزيق مجلات الحائط الطلابية , وكان منهم الدكتور كامل ليلة الذى أصبح فيما بعد وزيراً للتعليم العالى ورئيساً لمجلس الشعب . (95) وفى أثناء الانتفاضة الطلابية عام 1968 ثم فى 72 \ 1973 كان بعض الأساتذة وكبار الموظفين فى الجامعة يتنافسون من أجل الوشاية بالحركة الطلابية لدى السلطات .

وقد تضاءلت قدرة الأساتذة على التأثير فى طلبتهم (96) نتيجة للقيود التى فرضت عليهم هم أنفسهم , وحسبما يقول الدكتور سعد عصفور , وهو أحد الذين فصلوا عام 1954 : " إن الأستاذ الجامعى لا يمكن أن ينتج أو يؤدى رسالته على النحو الصحيح , وخاصة فى إخراج شباب يثق فى نفسه , إلا إذا كانت لديه الشجاعة الكافية لابداء آرائه العملية أو النقدية دون خشية من جانب السلطة الحاكمة , وقد كان ممن أوهن الصلة بين الطلبة واساتذتهم ما احسوا به من أن الأساتذة لم يكونوا يستطيعون أن يجيبوهم عن بعض التساؤلات ذات المساس بالسياسة العامة " . (97)

ويؤكد الدكتور فؤاد زكريا هذا الرأى بقوله " إن قدراً كبيراً من العنف الذى تتسم به الأحداث الطلابية يرجع إلى وجود هوة سحيقة فى القيم الأخلاقية والفكرية بين الطلاب وأساتذتهم " . (98) وقد سلمت مجموعة من أساتذة الجامعة , فى أول بيان سياسى يصدرونه منذ سنة 1954 , بعدم قدرتهم على التأثير فى طلبتهم , عندما أعلوا إبان الانتفاضة الطلابية عام 1973 أن هيئة التدريس بالجامعة لا تستطيع أن تعلب دور الوسيط بين الطلبة والحكومة , لأنهم هم أنفسهم محرومون من تنظيم اتحادهم المهنى الخاص . (99)

وكان الجانب الآخر لسياسة القهر التى انتهجتها الحكومة هو تحقيق الانضباط المباشر للطلبة أنفسهم . حيث كان أول إجراء فى هذا الصدد هو تطبيق نظام امتحان نصف السنة لشغل وقت الطلبة . وبالإضافة إلى تمركز فرق مؤقتة من القوات المسلحة على أبواب الجامعات فى عام 1954 كان هناك التواجد المستمر لحرس الجامعة الذى يتشكل من رجال شرطة فى الزى الرسمى فى كل كلية , والذين أصبحوا تحت سلطة وزير الداخلية وليس مدير الجامعة كما كانت الحال قبل الثورة . (100) وبالرغم من المطالبة المستمرة للحركة الطلابية بإلغاء الحرس إلا أن هذه الخطوة لم تحقق إلا فى عام 1971 ليحل محله مكتب أمن مدنى أقل استفزازاً ولكنه بدوره ظل مثاراً لسخط الطلبة حتى عاد الحرس الجامعى مرة أخرى بعد سنوات قلائل .

هذا علاوة على أن لائحة الجامعة حظرت أى شكل من أشكال النشاط السياسى بين الطلبة . (101) وعلى سبيل المثال تنص الفقرة (4) من المادة (87) على حظر تشكيل أى جماعات طلابية أو الإسهام فيها بدون ترخيص سابق من سلطات الجامعة . كما فرض حظر مشابه فى الفقرة (5) على توزيع المنشورات أو جمع التوقيعات أو إصدار مجلات الحائط . وحظرت الفقرة (6) المظاهرات فى الجامعات . ويعتبر عدم مراعاة هذه الأحكام مخالفة تواجه بالعقوبات التأديبية التى تتراوح بين الإنذار والفصل من الجامعة . ولم تكف الحركة الطلابية عن الإعتراض عن هذا الجزء من اللائحة والمطالبة بتعديله من أجل السماح للطلبة بحرية سياسية أوسع . (102)

وإلى جانب هذه الإجراءات حاول نظام الثورة أن يوجه النشاط السياسى للطلبة فى عدد من التنظيمات السياسية التى أقامها , ابتداء من " مكتب الطلبة " فى هيئة التحرير عام 1953 , وانتهاء " بمنظمة الشباب الاشتراكى " 1965 , و " طليعة الإشتراكيين " السرية ( التنظيم الطليعى ) خصوصاً منذ عام 1968 . (103) كما تم إنشاء تنظيمات غير سياسية أخرى تحت إشراف الأجهزة الحكومية للإشراف على الرياضة والأنشطة الترفيهية للشباب والطلبة . وكان أهم هذه الأجهزة المجلس الأعلى لرعاية الشباب اللذين أنشئا عام 1954 و 1966 على التوالى .

واتخذت هذه لاأجهزة الإجراءات لبناء استاد فى كل محافظة ومركز للشباب فى كل مدينة وما يربو على 800 ناد ريفى . وكانت تقوم بتنظيم مناسبات مثل أسبوع شباب الجامعات , وأسبوع شباب المدارس , وعدد كبير من المعسكرات الصيفية , ومشروعات خدمة البيئة , وكل ذلك بمساهمة واسعة من جانب الطلاب . وتم إنشاء مكتب لرعاية الشباب فى كل كلية جامعية ومعهد عال تحت إشراف وزارة التعليم العالى والمجلس الأعلى للشباب .

وكانت التنظيمات السياسية التى ترعاها الحكومة و التى دعى الطلبة للانضمام إليها والتى كانت تتنافس احياناً مع بعضها البعض مجرد تجارب قصيرة الأجل فى الأغلب . وكانت تجرى عليها التعديلات من آن لآخر تمشياً مع التغيرات فى التنظيم الأم هيئة التحرير , التى تحولت إلى الإتحاد القومى , ثم أصبحت [[الإتحاد الإشتراكي العربى]] فى آخر المطاف . وكانت أكثر التجارب تماسكاً واستمرارية هى منظمة الشباب الاشتراكى التى تأسست فى عام 1965 فى ظل حدة الصراع بين عبد الناصر وقيادة الجيش , وفى أعقاب اكتشاف التنظيم السرى التنظيم السرى للإخوان المسلمين. وأبدى عبدالناصر اهتماماً خاصاً بإنشاء منظمة الشباب الاشتراكى وكان يود أن ترسخ أقدامها أولا فى المناطق الصناعية والريفية والسكنية قبل أن تمتد إلى الجامعات حيث " النشاط السياسى " ( بمعنى كسب التأييد للنظام ) مهمة صعبة كما قال أحد مساعديه . (104)

لكن سرعان ما أصبح الطلبة والشباب الخريجين هم الأغلبية (65% ) فى منظمة الشباب الاشتراكى , ولم يتبقى لشباب العمال والفلاحين إلا 35% من العضوية . ولم يكن هذا بالأمر المستغرب لأن العضوية بالمنظمة كانت مفتوحة أمام من يجيدون القراءة والكتابة فقط . وقد برر أحد العناصر البارزة فى المنظمة هذا الاتجاه على النحو التالى :

" فى الفترة الماضية ركزت المنظمة على تجنيد الطلاب فى الجامعة لأن الطلاب كما هو معروف يمثلون قيادات متحركة ونشطة فى بيئتهم , فأرادت المنظمة أن تسلحهم بفكر اشتراكى يواجهون به المجتمع . ومن ناحية أخرى إذا كانت المنظمة فيما مضى قد ركزت على تجنيد الطلاب أكثر من تركيزها على العمال والفلاحين , فقد دفها إلى هذا مالوحظ من أن الرجعية تنشط لتجنيد الطلاب " . (105)

وبالرغم من محاولة المنظمة التجنيد لعضويتها من الجامعات إلا أنها لم تحقق سوى نجاح محدود على امتداد السنوات الثلاث التى تواجدت فيها على الساحة الجامعية , قبل أن تنسحب منها فى آخر المطاف بعد انتفاضة فبراير 1968 , واعترف آخر أمين عام للمنظمة بذلك عندما قال : " فى الجامعة لم يكن هناك ارتباط بين أعضاء المنظمة وقيادتهم , وكان العمل السياسى فى الجامعة ضعيفاً سواء من ناحية نشاط المنظمة أو الإتحاد الإشتراكي . ويرجع هذا إلى عدم العناية بتنظيمنا فى الجامعة , وإلى ظروف العمل السياسى فى الجامعة عموماً . ولقد أدى ضعف الصلة بين قيادة المنظمة وأعضائها فى الجامعة إلى حدوث أخطاء من بعض الطلبة أثناء المظاهرات ... فليست المنظمة وحدها هى التى لم تنجح تماماً فى الجامعة " . (106)

وكان قرار سحب المنظمة من الجامعات والذى اتخذته القيادة العليا للاتحاد الاشتراكى برئاسة عبد الناصر ـ وليست قيادة المنظمة ـ محلا للانتقاد باعتباره اعترافاً بالهزيمة . وفى ندوة عقدتها مجلة " الطليعة " حول منظمة الشباب طرح الدكتور إبراهيم سعد الدين ـ هو نفسه كان يعمل مديراً للمعهد العالى للدرسات الإشتراكية الذى خرج العديد من كوادر المنظمة ـ الرأى التالى : " هناك مخاوف من حركة الشباب داخل الجامعة , وعلى هذا الأساس تستبعد المنظمة النشاط داخل الجامعة , وأنا أوضح المسألة على أساس أنه من أجل هذا يجب أن تكون المنظمة فى الجامعة وفى المعاهد العليا . لأنه إذا كانت المنظمة غير قادرة على القيادة فى الجامعة وفى المعاهد العليا , فإن معنى هذا أنها ستترك الميدان خالياً لغيرها ... إن تنظيم أعضاء الجامعة خارج أماكنهم يصبح وضعاً شاذاً , فالجامعة ونشاطها عامل حاسم فى داخل مجتمعنا وله تأثير كبير على الأوضاع , لذلك أرجو أن نواجه هذا الأمر " . (107)

وبالرغم من الجدال المستمر حول المسألة , خاصة بعد انتفاضة الطلبة فى 72\1973 , لم تعد المنظمة أبداً إلى الجامعات . وكانت هناك أسباب عديدة لفشلها الواضح فى هذا الصدد  :

أولا : أنها واجهت كتلة ضخمة من الطلبة السلبيين , (108) نتيجة لسياسة نظام الثورة فى حظر المعارضة السياسية . وثانياً : لأن الميول الأيدولوجية للأقلية المسيسة كانت تتجه وجهة أخرى , إما نحو الإخوان المسلمين المعارضين للنظام أو نحو الماركسيين بمشاعرهم المختلطة إزاء النظام . وثالثاً : لأن عديداً من الطلبة لم ينجذبوا لنوع الاستعراضية غير العقلانية التى اشتهرت بها المنظمة والتى تمثلت فيما كانت تقوم به من مواكب واستعراضات موالية للنظام . (109) كما أثار امتعاض الطلبة أيضاً أن بعض عناصر المنظمة كانوا يلعبون دور مرشدى الأمن بكتابة التقارير السرية عن الوضع السياسى فى الجامعة والموقف السياسى لعناصر المعارضة داخلها . (110)

وكان من أهم عوامل تقويض قاعدة المنظمة فى الجامعات وإجبارها فى النهاية على الانسحاب هو وجود منبر تنظيمى بديل هو اتحاد الطلبة . وبالرغم مما سببه وجود المنظمة ـ وكذلك المنظمات والتجمعات التابعة للنظام التى سبقتها أو أعقبتها ـ من انقسام داخل الإتحاد , بين من رضخوا للضغط من أجل العمل وفقاً لما يراه النظام , ومن قاوموا مثل هذا الضغط , إلأ أن الإتحاد نفسه ظل قوة معارضة نسبية . وكان التناقض بين عناصر الإتحاد وكوادر المنظمة يتجلى على أوضح صوره أثناء انتخابات الإتحاد حيث كانت المنظمة تدخل مثل هذه الانتخابات بقوائمها الخاصة من المرشحين وتنافس القوائم الأخرى . ولم تكن هذه المنافسة الانتخابية سياسية بحته , حيث تضمنت أيضاً عنصراً قوياً من المنافسة الشخصية . وكانت العناصر المتمرسة فى الإتحاد والمنتفعة به تقاتل بشدة من أجل الاحتفاظ بالمكانة التى تتيحها لهم مقاعد الإتحاد , وفى بعض الحالات الحفاظ على الفرص التى تتيحها لهم للتلاعب فى موارد الإتحاد .

وفى المراحل الأولى من دخول المنظمة إلى الجامعات كانت الدوائر الرسمية تفضلها على الإتحاد , مع ما ترتب على ذلك من إضعاف الأخير ( تم تجنيد نشاط الإتحاد على المستوى القومى فى الفترة 66 – 1968 ) . ولكن النزاع بين الجانبين جعل من مهمة المنظمة فى كسب تأييد الطلبة للنظام مهمة صعبة . ومن أجل تخفيف التوتر فى الجامعات عقب الانتفاضة الطلابية فى فبراير 1968 مباشرة , تم سحب المنظمة منها . وأبرز عبدالحميد حسن رئيس الإتحاد ( ووزير الشباب فى عهد السادات ) وجهة نظر الإتحاد فى خطاب أمام المؤتمر القومى ل[[الإتحاد الإشتراكي العربى|لإتحاد الاشتراكى العربى]]  : " إنى لأرجو أن يستجيب المؤتمر لتصور الشباب فى الجامعات والمعاهد العليا , أن تكون الإتحادات الطلابية هى الإطارات السياسية للشباب فى الجامعات والمعاهد تعمل على صقله سياسياً , وتوحيد فكرة دون عودة إلى الإزدواح الذى كان يحدث والتعارض بينها وبين المنظمات الأخرى داخل الجامعة أو المعهد . " (111)

لكنه قبل ذلك بكثير كان قد سبق محاولة لتفريغ الإتحاد من محتواه السياسى , الأمر الذى قضى بالفعل على فرصته فى إثبات فاعليته كتنظيم سياسى . وشملت هذه المحاولة التدخل المباشر فى عمله من جانب الحكومة , وإدخال تعديلات على لائحته المنظمة بما قيده فى أضيق حدود النشاط الشكلى وحصره فى نطاق تأييد السياسات الرسمية . وقد بدأ تدخل الحكومة فى عام 1953 عندما أوقفت انتخابات الإتحاد وبدلاً منها تم تعيين ممثلى الطلبة من قبل سلطات الجامعة . وعندما استؤنفت الانتخابات عام 1959 , اتخذ التدخل شكل الاعتراض على ترشيح بعض المرشحين , أو شكل التدخل فى الأعمال اليومية للاتحاد ووضعها تحت رقابة محكمة من قبل سلطات الجامعة .

وتقتضى لائحة الإتحاد التى صدرت بموجب قرار جمهورى تحليلاً خاصاً . فقد تم تعديلها عدة مرات من أجل ضمان ولاء الإتحاد للنظام والحد من الاستقلال التنظيمى الذاتى له . وتنص اللائحة الصادرة عام 58 \1959 , على أن يهتم الإتحاد فقط بالمسائل الاجتماعية . والمتعلقة برعاية الطلبة بينما تحظر النشاط السياسى والدينى . ووردت أهداف الإتحاد فى ست مواد تؤكد إحداها " الالتزام بإحياء القومية العربية" و " مبادىء الإشتراكية التعاونية الديموقراطية " . بينما تجسد الخمسة الأخرى اهتماماته الاجتماعية والمتعلقة برعاية الطلبة . وكان مسموحاً بالعضوية كلاً من الطلبة والأساتذة , مع قصر سلطة إصدار القرارات على الأساتذة . وكان المجلس الأعلى للاتحاد يتكون من اثنى عشر عضواً من هيئة التدريس , وتسعة من الخريجين , وثمانية طلاب فى العام الأخير لأنعقاده 61\1962.

وأدى تغيير اللائحة فى 1963 (112) إلى أن أصبح الإتحاد أقرب إلى كونه اتحاداً طلابياً حقيقياً . فاقتصرت العضوية على الطلبة , مع استمرار عدد من هيئة التدريس فى ممارسة دور الاشراف " كمستشارين " للجان الإتحاد . وفى عام 1966 ( القرار الجمهورى 4658 ) تحولوا إلى رواد للجان والمجالس على كافة المستويات , مع تخويلهم حق الاعتراض على القرارات , وكان هذا البند الأخير محل شكوى شديدة من جانب الطلبة وشاعت تسميته " بنظام الوصاية " . وبعد المرحلة الأولى من انتفاضة الطلبة عام 1968 ( القرار الجمهورى 1533 ) ألغى هذا البند من اللائحة . ولكن هذا الانتصار لم يدم طويلاً , وعادت المادة 56 ـ مكرر الكريهة إلى اللائحة مرة أخرى فى عام 1969 ( القرار الجمهورى 42 ) بعد المرحلة الثانية من الانتفاضة الطلابية فى نوفمبر 1968 . وتنص هذه المادة على التالى :

يكون لمجالس اتحاد الطلاب ولجانها على كافة المستويات رواد من أعضاء هيئة التدريس . ولا تكون اجتماعات هذه المجالس أو اللجان صحيحة إلا بحضور الرائد , وتكون له رئاسة الجلسة . ويكون صرف أموال الإتحادات بشيكات موقع عليها من رائد الإتحاد ورئيسه والمراقب المالى والإدارى . ويكون تعيين رائد اتحاد الكلية أو المعهد ورواد لجانه بقرار من عميد الكلية بموافقة وكيل الجامعة لشئون أقسام الليسانس والباكالوريوس , ويكون وكيل الجامعة لشئون أقسام الليسانس والباكالوريوس رائد اتحادها , ويتولى تعيين رواد اللجان على مستوى الجامعة . ويكون تعيين رائد الإتحاد العام لطلاب الجمهورية بقرار من لجنة التنظيم ل[[الإتحاد الإشتراكي العربى|لإتحاد الاشتراكى العربى]] . " (114)

وكانت اللائحة الصادرة فى عام 1969 (115) تنص على مجموعة متنوعة من أوجه النشاط ووردت اهداف الإتحاد فى 17 بنداً من المادة الرابعة , كانت منها تجسد الطبيعة السياسية للاتحاد بينما تجسد بقيتها طبيعته الاجتماعية والنقابية والخاصة برعاية الطلبة . وكان من البنود الأساسية الأربعة هى :

1) العمل على إبراز رأى طلابى عام تجاه الأحداث القومية والدولية والعالمية .

2) وضع وتنظيم المشروعات والبرامج القومية الطلابية التى تخدم أهداف الدولة وتسهم إسهاماً ايجابياً فى عملية البناء الاجتماعى والثقافى والعمرانى .

3) تنمية الوعى القومى العربى بين الطلاب وتعميق المفاهيم الإشتراكية فى نفوسهم وتعريفهم بتاريخ كفاح الوطن العربى فى سبيل الحرية والإشتراكية والوحدة .

4) ممارسة الطلاب حرية التعبير عن آرائهم وإثبات ذاتيتهم .

وتشير المادة (5) بوضوح إلى انخراط الإتحاد فى هيكل النظام :

" يعمل الإتحاد العام لطلبة الجمهورية العربية المتحدة على تحقيق ما يلى :

1- توثيق العلاقة بين الإتحادات الطلابية والتنظيم السياسى لصالح الوطن .

2- توثيق العلاقة بين الإتحادات الطلابية والأجهزة التنفيذية التى تعمل فى مجال الشباب .

3- مقاومة مؤامرات الرجعية والاستعمار والصهيونية العالمية الرامية إلى عزل شعبنا وتعطيل مسيرته وتصفية قضاياه المصيرية " .

ثم تزايدت فرص هذا الانخراط كما يتضح من الأهداف المقررة للجنة العمل السياسى فى الإتحاد العام لطلاب الجمهورية كما جاء فى المادة [26] التى تكرر المادة [4] أساساً .

والتناقض الواضح فى اللائحة هو تركيزها الكلى تقريباً على الطبيعة السياسية لتنظيم الإتحاد على المستوى القومى , بينما تقصر نشاط قواعده تقريباً على أوجه النشاط الاجتماعى والنقابى .

فقد تم تقسيم مجلس الإتحاد على المستوى القومى إلى خمس لجان , ثلاث منها سياسية بصورة واضحة : العمل السياسى , العلاقات العربية , العلاقات الخارجية . ولجنة غير سياسية ( العلاقات الداخلية ) ولجنة تمزج بين الطبيعتين ( الإعلام والنشر ) . وكانت لجنة العمل السياسى فى حقيقة الأمر هى اللجنة الوحيدة التى يرأسها رئيس الإتحاد بنفسه , بينما تركت رئاسة اللجان الأخرى لنواب الرئيس ( المادة 57 ) . وبالنسبة لفروع الإتحاد فى الجامعات والمعاهد كانت هناك 6 لجان منها واحدة سياسية هى لجنة النشاط السياسى والثقافى , بينما خصصت اللجان الخمس الأخرى لأوجه النشاط غير السياسى ( الفنى , الاجتماعى , الرياضى , الجوالة , الرحلات والمعسكرات ) . (117) وحتى فى حالة اللجنة السياسية كان النشاط السياسى يذوب داخل أوجه نشاط ثقافى أوسع كانت له الغلبة الواضحة فى الواقع العملى .

وكانت أهداف اللجنة السياسية على المستوى القومى تطابق أهداف الإتحاد نفسه , أما أهداف اللجنة السياسية فى الفروع فتمت صياغتها على نحو يجعل مهمتها الأساسية هى الإعلام : " المادة30 : تعمل لجنة النشاط السياسى والثقافى على تحقيق الأهداف التالية : أ) تنظيم المحاضرات والمناظرات والمؤتمرات وإصدار النشرات التى من شأنها تعريف الطلاب بما يجرى من الأمور داخل البلاد وخارجها . ب) تعريف الطلبة بخصائص المجتمع العربى واحتياجات تطوره ودعم دور الشباب الجامعى فى العمل لتحقيق أهداف الوطن العربى " . وبذلك كانت الوظائف السياسية للاتحاد تمارس بواسطة قيادته العليا, ولا تمتد إلى عضويته . وسهلت هذه البنية الحكومة أن تسيطر على النشاط السياسى للاتحاد وهو ما أكده تنظيم مالية الإتحاد :

مادة (43) ـ يؤدى كل طالب من طلاب الجامعات والمعاهد العليا فى الجمهورية العربية المتحدة رسماً للاشتراك فى الإتحاد قدره 1و5 جم سنوياً يوزع كالتالى ـ1 جم لاتحاد الكلية أو النعهد , 400.جم لاتحاد طلاب الجامعة أو اتحاد طلاب المعاهد العليا , 100.ـجم للاتحاد العام لطلاب الجمهورية العربية المتحدة .

مادة (44) ـ تتكون إيرادات الإتحاد العام لطلاب الجمهورية من نصيبه فى رسوم الإتحاد وفى الإعانة التى تمنحها الدولة له .

ومن ثم كانت فروع الإتحاد فى الكليات والمعاهد تمول الجانب الأكبر من أنشطتها الاجتماعية من اشتراكات الأعضاء , حيث كانت هذه الفروع تحتفظ بنسبة 66.6% من هذه الاشتراكات لنفسها وتترك 26.7% فقط من الاشتراكات يذهب إلى المستوى القومى الذى كان لابد له أن يعتمد على موارد إضافية من الحكومة كانت تضمن لها السيطرة الفعالة على النشاط السياسى . وكانت اللائحة المالية لميزانية الإتحاد ومصادر الدخل والإنفاق مماثلة لما عليه الحال فى أى إدارة حكومية , كما خصعت موارده لرقابة الدولة المباشرة باعتبارها أموالاً عامة . (118)

ويتضح من ذلك أن عضوية الإتحاد كانت ( ومازالت ) آلية (119) لأن الاشتراكات كانت تحصل من كل طالب مع الرسوم الدراسية . . وقد فسر البعض هذا بأنه دليل على أن : " الإتحادات الطلابية هى الممثل الديموقراطى لكل الطلاب داخل الجامعات والمعاهد العليا , إذ إن كل طالب وطالبة بحكم التنظيمات الجامعية ولائحة الإتحادات الطلابية عضو فى اتحاد الطلاب " , (120) ولكن ضخامة حجم عضوية الإتحاد لم تجعل منه تنظيماً ديموقراطياً فى الممارسة العملية , وكان المرشحون يخوضون انتخابات للاتحاد تميزت بسلبية الاعضاء والانخفاض الشديد لعدد الناخبين فى كثير من الأحيان . وتعترف المادة (53) من اللائحة بهذا الوضع صراحة : " يشترط لصحة الانتخابات فى لجان واتحادات طلاب الكليات الجامعية , ولجان اتحادات المعاهد العليا حضور 50% على الأقل من الناخبين , فإذا لم يكتمل العدد تؤجل الانتخابات لموعد آخر فى مدى ثلاثة أيام على الأكثر , وفى هذه الحالة يشترط لصحة الانتخابات حضور 25% على الأقل من الناخبين " .

وفى عديد من الحالات كانت الانتخابات تجرى باشتراك الحد الادنى فقط من الناخبين . (121) وتقدم النتائج التى توصل إليها عماد الدين سلطان فى المسح الذى أجراه عام 1970 دليلاً صارخاً على نوع العلاقة بين قيادة الإتحاد وعضويته .

ولذلك فمن الواضح أن اتحاد الطلبة كان أقرب ما يكون للنادى الترفيهى , أو نادى رعاية طلبة , أكثر منه تنظيماً سياسياً يمثل طلبة . وكما اشار أحد البيانات الطلابية : " انعكس منطق التصفية ( فى الحركة السياسية ) على الحركة الطلابية , فألغيت انتخابات اتحادات الطلاب وأصبحت بالتعيين بين سنوات 53 – 1959 ثم حين أصبح الانتخاب هو الوسيلة الاسمية لتشكيل الإتحادات , وضعت كل القواعد التى تكفل تمزق الإتحاد وشل فاعليته , بعد أن ابتعدت عنه الجماهير طوال سنوات التعيين لأنه لا يعبر عنها , ومورست على الإتحادات الطلابية شتى أنواع الوصاية والإفساد , فمن تدخل فى الترشيح فى الكليات واعترض جهات المباحث خارج الجامعة على المرشحين , إلى اللوائح المعيقة للحركة , فوصاية الرائد , فتمزيق جسد الإتحاد , وتحويلة إلى جزر منفصلة (لجان ) تحيله فى النهاية إلى جمعية خيرية تمارس النشاط الترفيهى " . (122) وبالرغم من الأحكام المنظمة للجوانب المالية والتى تبدو صارمة إلى أقصى حد على الورق , ظل السلوك الفاسد لبعض قادة الإتحاد دون كبح من جانب السلطات الحكومية التى كان من المفترض أن تراقبهم . وبلغ الحد بأحد قادة الإتحاد أن اتهم الحكومة بتشجيع مثل هذه التجاوزات من أجل إضعاف هيبة الإتحاد . (123)

ولكن الاحداث التى شهدتها الساحة الوطنية مثل هزيمة 1967 وما أعقبها أعطت للاتحاد الفرصة لممارسة دور سياسى نشط أثناء المرحلة الأولى من انتفاضة 1968 ( فبراير ) . ولكن هذه الفرصة لم تدم طويلاً إبان المرحلة الثانية من الانتفاضة ( نوفمبر ) التى اتخذت منها الحكومة ذريعة للتراجع عن تنازلاتها فيما يتعلق بلائحة الإتحاد.

وبالإضافة إلى ذلك , وابتداء من عام 1968 فصاعدا , قام النظام بتجنيد العدديد من القادة الطلابيين الجدد وضمهم إلى تنظيمه السرى ( طليعة الإشتراكيين ) خالقا لديهم وهماً بأنهم يمارسون شيئاً من السلطة مع وعد بالتغيير من داخل النظام . وضمت الطليعة بعض القادة الطلابيين ذوى الكفاءات الكبيرة , جنباً إلى جنب مع العناصر الانتهازية السافرة , وساعدت على تسييس الإتحادات التى كانت السيطرة فيها لأعضائها , كما كان الحال فى جامعة عين شمس . ولكن تأييدها الشديد للنظام حرم الفصائل السياسية الجديدة الاخرى ـ وخاصة الماركسيين ـ من التعبير عن رؤاهم الخاصة من خلال الإتحاد . ونتيجة لذلك أدى التناقض بين الطرفين إلى صدامات سافرة . وفى هذه الصدامات كان أعضاء التنظيم الطليعى يوصمون من قبل خصومهم بأنهم " عملاء للأمن " رغم ما قد يكون فى ذلك من المبالغة . (124)

وبعد الهزيمة العسكرية فى 1967 وانتفاضتى الطلبة عام 1968 كانت طليعة الإشتراكيين هى المسئولة أساساً عن منع أية حركة طلابية مستقلة من الظهور . وعندما تم حل التنظيم الطليعى عام 1971 فى خضم الصراع على السلطة أصبح بإمكان فصائل سياسية أخرى أن تبرز إلى المقدمة وتقود موجة جديدة من النشاط السياسى مع انتفاضة 72\1973 , وبالرغم من محاولات بعض قادة اتحاد الطلبة , (135) فلم يكن بمقدور الإتحاد قيادة الموجة الصاعدة من النشاط السياسى الطلابى .

وأخيراً فإن سيطرة النظام السياسى الطلابى على الكتلة الطلابية لم تستند فقط على القمع والمناورة وإنما اعتمدت أيضاً على الإنجازات الاجتماعية والسياسية الواسعة التى حققها النظام . فقد رحب الطلبة ـ شأنهم شأن العديد من المصريين ـ بالإنجازات الاجتماعية للثورة . وتجاوبوا مع الحماس والشعور بالعزة الوطنية (126) اللذين بثتهما قيادة عبدالناصر . كما تجاوبوا أيضاً مع ما وفرته الحكومة من فرص أوسع للتعليم , وضمانها تشغيل الخريجين . وفى بعض الأحيان بلغت مساندتهم الحد الذى دفع : " مالكولم كير " إلى القول بأن : " فئة المثقفين الشباب ككل هى أكثر المتحمسين المؤيدون للنظام ... إنهم هم الذين يشكلون البوليتاريا التى تمثلها ديكتاتورية ناصر " . (127) ولم يتحول الانفصال بين النظام وبين كتلته الطلابية إلى امكانية واقعية إلا بعد الهزيمة الوطنية عام1967 وتباطؤ الإنجاز الاجتماعى للنظام نتيجة لأعباء الإنفاق العسكرى . لقد بدأ الانفصال فعلياً على يد جيل من الطلبة الذين كانت الإنجازات بالنسبة لهم مجرد ذكرى بينما عاشوا الهزيمة فى الواقع . (128)

الهوامش

(1) Jean- Jacques Waardenburg, Les Univer-Sites da ns Le Monde Arabe Actuel Co.,La Hage, (1966), vol. 2, p. 80, table 109.

(2) Georgie D. M. Hyde, Education in Modern Egypt Ideals and Realities Paul,(Routledge and Kegan London, 1978 ), p. 74.

(3) رشدى لبيب وآخرون , تاريخ ونظام التعليم فى ج.م.ع , مكتبة الأنجلو المصرية , 1968 , ص 220 .

(4) المرجع السابق , ص 219 .

(5) لويس عوض , الجامعة والمجتمع الجديد , الدار القومية للطباعة والنشر , القاهرة 1963 , ص 18 .

(6) الطليعة , فبراير 1966, ص 48 .

(7) William R. Polk, The Nature of Moderni- Sation the Middle East and North Africa, "Fore, ign affairs (Oct. 1965), p. 104.

(8) مختار حمزة , تطور الاتجاهات فى التربية والتعليم لخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية , سلسلة رسائل التخطيط , رقم 63 ( لجنة التخطيط القومى , القاهرة , 1960 ) , ص 22 , جدول 11 .

(9) رشدى لبيب , ص 213 .

(10) Joseph Szyliowicz, Education and Mod ernisationin the Middle East (Cornel) University Press, 1973), p. 264.

(11) رشدى لبيب وآخرون , تاريخ ونظام التعليم , ص 213 .

(12) Szyliowicz, Education and Modernisation, p. 265.

(13) Peter Dodd, "Youth and Womens Emancipation in the U.A.R., Middle East (Journal no 22 (spring 1968), p. 171.

(14) الطليعة أكتوبر (1986 ) ص 21 .

(15) 32% وفقاً لما ورد فى Szyliowicz, education and modernisation, p. 278.

(16) رشدى لبيب وآخرون , تاريخ ونظام التعليم , ص 182 .

(17) كان هناك انطباع بأن الأرقام التى تدل على التوسع الفردى غير دقيقة . وفى 1968 كتبت مجلة الطليعة : " أن هناك حاجة ماسة للمسح الصادق للوضع القائم فعلاً خاصة فى الريف للتعرف على حقيقة الوصع بعيداً عن الأرقام البعيدة عن الدقة " . ( الطليعة أكتوبر 1968 ) ص 19 .

(18) أعطى وزير التربية والتعليم المثل التالى فى رده على احتجاجات الطلاب , للتدليل على أهمية رفع مستوى التعليم . كان عدد المتقدمين لامتحان الثانوية العامة عام 67 \ 1968 – 130804 طلاب وبلغ عدد الناجحين 69339 طالباً وحصل 19536 من بين هؤلاء الناجحين على مجموع درجات يقل عن نسبة 50% من مجموع الدرجات . ( الأهرام , 3 ديسمبر 1986 ) .

(19) ومن الغريب , أن خريجى التعليم الثانوى العام , كان لهم الأولوية على خريجى التعليم الثانوى الفنى فى الالتحاق بالمعاهد الفنية العليا . ( محمد عماد الدين اسماعيل , تحليل اجتماعى لمشكلات الشباب فى مجتمعنا المعاصر , الطليعة , فبراير 1966 ص 36 ) .

(20) Hyde, Education in Modern Egypt, p. 93. وانظر أيضاً Mahmud Faksh, "Education and Bolitical Modernisation and Change in Egypt Unpublished Bh.D dissertation, University of Connecticut, 1972, pp. 116- 117 .

(21) الأهرام , 3 يونيو 1977 .

(22) انظر جدول 6 – 3 .

(23) رشدى لبيب وآخرون , تاريخ نظام التعليم , ص 217.

(24) abe Republic of Egypt – State in formation Servicee, Egyptian (July table. P.52,1973). كما التحق بضع مئات من الطلاب بالجامعة الأمريكية فى القاهرة , التى أفلتت من التدهور الذى اتسمت به العلاقات المصرية الأمريكية فى الستينيات . وتشير Hyde إلى وضع هذه الجامعة فيما يلى : " لقد بقيت على حالها فى حين كان كل ما حولها يتغير , فاحتفظت باستقلال تام إبان فترة تغير سياسى واجتماعى كبير شهدت النضال من أجل الاستقلال الوطنى الذى تميز باضطرابات من قبل الجماهير ضد الطبقات التى تعلمها هذه الجامعة ." Hyde, Education in Modern Egypt, p. 173)

وانظر أيضاً : Raymond A. Hinnebusch,. Children of the Elite :Politial Attitudes of the Westernized Bour geoisie in Contemporary Egypt . Middle East Journal, vol. 36.,no.41(Autumn 1982)pp 535 – 561

(25) Saad EL-Din, la Nouvelle Fonction des Universiteesd Egypt, Civilisations vol 5 no. 3 (1955),p.3.

(26) انشىء بنك للطلاب فى 61\1962 برأس مال أولى يبلغ 60000 جنيه مصرى . (Waardenburg, Universite vol. 1 p. 240).

(27) الأخبار , 2 فبراير 1977 .

(28) عند نهاية الخمسينيات قيل أن يصبح التعليم مجانياً نماماً عام 1962 , كان 71% من الطلاب الجامعات مستثنين فعلياً من دفع الرسوم الدراسية على أساس قلة دخل الأسرة أو لأنهم حصلوا على درجة أعلى من 75% فى امتحانات الشهادة الثانوية . وفى بعض الكليات بلغت نسبة الطلاب المستثنين من المصروفات حوالى 91% . (Saad EL-din, Nouvelle Fonction, p. 348)

وبلغ متوسط المصروفات فى عشر كليات عام 1959 حوالى 18 جنيهاً مصرياً بالمقارنة مع 30.5 جنيه مصرى عام 1939 . انظر : Jean – Jacques Waardenburg, les universite dans le Monde Arabe Actuel (Mouton & co., La HAYE, 1966) VOL . 2, P. 102. Table 136.


(29) فى عينة بحث , اجرى عام 61\1962 حول العوامل التى تؤثر على اختيار نوع التعليم أرجع 43% من بين المستجيبين من المدارس الفنية و49% من المستجيبين من طلاب الجامعات اختيارهم لنوعية تعليمهم إلى اقتناعهم الشخصى .

(Mokhtar Hamza, "Analysis of Employment Sityation amongst the Educated classes in the UAR, National Review of Social scienes (NRSS), vol.9, no. 1jan. 1967 , p. 16).

(30) الطليعة ( أكتوبر 1968 ) , ص 25 .

(31) وفقاً لما ذكر Binder فإن نظام الدراسة قد لعب دوراً أكثر أهمية فى التوجه الاشتراكى نحو الطبقة الوسطى , من الدور الذى قامت به الإنجازات الاقتصادية للنظام .

(Leonard Binder, Egypt : the Intergrative Revolution, in : Lucien W.Bye and Sidney Verba (eds.), Political culture and Political Development, princeton University Bress, 1965,p.416)

(32) Mohamed Emad- edin Ismail, Relationship between the Barents Socio-Economic Level and their Aspiration Regarding their Childrens Futyre, NRSS, vol. 1,no.3 (SEPT. 1964),P.147.

(33) Emad – edin Sultan, - Broblems of University Students , NRSS, vol.3, no.1 (Jan 1971),p. 13, Table 5.

(34) Emad – edin Sultan, "The Needs of the Students of Higher Institutes; NRSS, vol. 6, no. 1(jan. 1969), pp. 18 & 79 – 80 .

(35) وفقاً لما يقول الدكتور رشاد رشدى فإن هذا النظام لم ترحب به هيئة تدريس الجامعة عندما أدخل عام 1935 . وقد اعتبر وزير التعليم ذلك مؤامرة , وفرض النظام على الجامعة ( رشاد رشدى , من المسئول عن ضياع الجامعات ؟ الأخبار , 6 فبراير 1977 ) .

(35) لويس عوض , الجامعة والمجتمع الجديد , ص 124 , جدول 14 . ويعتبر لويس عوض أن نظام الطلبة المنتسبين من الخارج " نظام ديموقراطى انجرف عن هدفه الأصلى " . (ص13) .

(37) Hamza, Analysis of the Employment Situation, p. 3.

(38) Malcom Kerr, "Egypt" .i,n : James S. Coleman (ed) Education and Political Development (Brinceton university Bress, 1965), pp. 169 & 187 .

(39) ارتفعت نسبة طلاب القسم العلمى من بين طلاب التعليم الثانوى من 63.2% إلى 8.3% فيما بين عانى 19551960 .

( مختار حمزة , تطور الاتجاهات فى التربية والتعليم .. , ص 25 , جدول 14 ) .

كما زاد عدد طلاب الكليات العملية من بين طلاب التعليم العالى فيما بين 1952 \ 1953 و 1972 \ 1973 بنسبة 721% بينما زاد عدد طلاب الكليت النظرية بنسبة 322% ( انظر جدول 6 – 5 ) .

(40) لويس عوض , ثقافتنا فى مفترق الطرق ( دار الآداب , بيروت , 1974 ) . ص 40 .

(41) لويس عوض , الجامعة والمجتمع الجديد , ص 52 .

(42) Waardenburg, Universites, vol. 1, p. 62 .

(43) المرجع السابق .

(44) Sikas Sanyal et al., University Education and the Labour Market in the ArabRepublic of Egypt (UNESCO – International institute of Educational Blanning, Bergamon Bress, Oxford, 1982),p.255, table 4.25. والبيانات فى جدول 6 – 8

(45) والجدير بالذكر أيضاً أن الأساتذة بالجامعة الأردنية لم يكن يسمح لهم بتولى وظائف أخرى غير وظيفة التدريس داخل هذه الجامعة بخلاف الوضع فى الجامعات المصرية حيث يطلق على الكثير من أساتذتها لقب " أستاذ تاكسى " , إذ يكون على كل منهم أن يهرع فور انتهاء محاضرته , فى إحدى الجامعات للحاق بمحاضرة أخرى فى معهد مختلف  ! .

(46) Mahmoud EL – Zayadi, "The Effect of Different University Structures on Studend Adaptabliliy – Acomparative Study between two Groups of Students From Ain Shams university and the Jordanian university, NRSS, vol. 4, no. 1(Jan. 1967 ), pp. 53-64.

(47) Szyliowicz, Education and Modenisation, p.289.

(48) لويس عوض , الجامعة والمجتمع الجديد , ص 139 . وانظر رشدى سعيد " الجامعات والبحث العلمى " , الأهرام , 2 يناير 1962 .

(49) أمير اسكندر , رأى فى الثقافة : التعليم بداية التغيير الثقافى , البلاغ , رقم 160 , 3 فبراير 1975 .

(50)Waardenburg, Universite`s vol. 1,pp.55-56.

(51) المرجع السابق , ص 87 . على أنه ينبغى ملاحظة أن تعريف الجامعة يعتبر بمثابة قضية خلافيه فى الدوائر الأكاديمية للجامعات الغربية المتقدمة , برغم الاتفاق العام حول الأغراض التعليمية لها . انظر على سبيل المثال : H. Livingstone, The University : An Organisational Analysis (Blackie & sons, Glasgow, 1974 ),pp. 7-45.

(52) Waardenburg, Universite`s.. p. 84 وأيضاً لطيفة الزيات العقل العربى فى حالة شلل , روزاليوسف , 18\4\1977.

(53) لويس عوض الجانعة والمجتمع الجديد , ص 40 – 41 . انظر أيضا نادية جمال الدين , " حول مشكلات الشبا فى مصر " الأهرام الاقتصادى , 29 سبتمبر 1983 .

(54) جمال العطيفى , أزمة الثقافة من خلال تجربة معهد الإعلام , الأهرام 25 يناير 1971.

(55) أوضحت مجلة طلابية , فى مقال بعنوان " أزمة فك الخط , أنه من بين مائتين من خريجى الجامعة فى مصر يهتم واحد فقط بقراءة الكتب الجادة . ( الربابة , العدد 3 , 10 أكتوبر 1972, ص 30 ) . ووفقا لما يرى Kerr فإن الخريج المصرى : " ليس لديه تذوق للقراءة المستقلة , وحيث أنه لا يستطيع الحصول على الكتب الأجنبية مرتفعة الثمن ( التى يجدها صعبة على أية حال ) , فإن معرفته بالعالم الخارجى تأتى إما من خلال الكتابات المترجمة إلى العربية وهى محدودة وغير مضمونة , أو من خلال صحف القاهرة الدعائية . وعند تشكيل رؤاه السياسية , يعتمد خريج التعليم الثانوى أو الجامعى تماماً على البروباجندا المحلية مثله فى ذلك مثل شخص لم يقض سوى سنوات قليلة فى التعليم الابتدائى " . (Kerr, Egypt, p. 181)

(56) العطيفى أزمة الثقافة .

(57) لويس عوض , نماذج من أمية المتعلمين . الأهرام , 26 يناير 1971 .

(58) وقد تعرض أحد المعارضين لنظام الثورة بالنقد اللاذع لإدخال الميثاق الوطنى كجزء من المقرر الدراسى فكتب مايلى : " .. كتاب مقدس هو " الميثاق " كتاب الفكر الثورى الذى بلغ عدد النسخ التى طبعت منه فيما يقال أكثر مما طبع من القرآن والانجيل فى عدة اجيال , ودرس فى المدارس والجامعات , وأصبح مادة للسقوط والنجاح ولم يحظ القرآن بهذه الميزة " ( إبراهيم عبده , الديموقراطية بين شيوخ الحارة ومجالس الطراطير , الطبعة الثانية 1979 , مؤسسة سجل العرب , القاهرة , ص 153 ) .

(59) الميثاق الوطنى , الباب الخامس , وقد أكد عبدالناصر أن الثقافة الجديدة لابد أن تعبر عن النظام الجديد , وأن تكون ثقافة شعبية معادية للاستعمار والاستغلال السياسى والاقتصادى والاجتماعى , أى أن تكون الثورة الثقافية فى خدمة الثورة السياسية والاجتماعية ( خطبة عيد العلم , 18 ديسمبر 1961 ) .

(60) الميثاق الوطنى .

(61) Szyliowicz, Education and Moderisation, p. 281 عندما سئل أحد المشاركين فى تأليف الكتب الدراسية عن السبب فى أن الأبواب التاريخية قد تجاهلت تماماً ـ تقريبا ـ أربعة قرون من الحكم العثمانى , وأوضح بلطف أن العصر العثمانى كان فترة مظلمة فى التاريخ العربى , وأنه وزملاءه قد قرروا التعرض فقط للفترات الأنصع ! " (Kerr, Egypt, p. 182)

(62) لويس عوض , مانيتون عبوسا , الأهرام 19\3\1971.

(63) لويس عوض , ثقافتنا .. , ص 36 .

(64) المرجع السابق , ص 39 . ومن أجل تحليل أكثر حداثة للقضايا السياسية فى الكتب المقررة انظر : نادية حسن سالم " التنشئة السياسية للطفل العربى . دراسة لتحليل مضمون الكتب الدراسية " , المستقبل العربى . العدد 51 ( مايو 1983) . ص 54 – 68 .

(65) الطليعة ( أكتوبر 1968 ) , ص 37 , 39 .

(66) المرجع السابق , ص 47 . وينطبق نفس القول على مستوى الجامعة . وفى المسح الذى أجراه سلطان حول مشكلات طلاب الجامعة وافق حوالى 50% من المستجيبين من طلاب الجامعات الثلاث الكبرى على المقولة التالية : " بعض مواد الدراسة لا يساير تطور المجتمع " (Sultan, Problem, p.8)

وفى هذا الصدد , يتعرض بعض مؤلفى الكتب المدرسية للنقد باعتبارهم من بقايا النظام القديم . انظر , على سبيل المثال : عبد الحى دياب اللإقطاع الفكرى وأثره , دار الشعب , القاهرة , 1969 , ص 63 .

(67) Binder, Eggypt,p. 413; Mahmoud A. Faksh, The Consequences of the introduction and Spread of Modern Education : Education andNational inte-Studies, vol. 16, no. 2 (May 1980), وأيضاً gration in Egypt, Middle Eastern .p.51. مجلة الطليعة ( فبراير 1966 , ص 34 ) .

(68) Hyde, Education in modern Egypt.

ووفقا لما يذكر الدكتور رشاد رشدى : " عندما نشأت فكرة المجلس الأعلى للجامعات كانت مرفوضة رفضا تاما من الرأى العام الجامعى . ولكن نفس الرأى العام ما لبث أن قبلها عندما أدرك أنها إرادة مراكز القوى " , ( الأخبار , 6\2\1977) .

(69) لم تجد نسبة كبيرة من الطلاب فائدة تذكر فى دراسة هذه المقررات ففى البحث الذى أجراه سلطان وافق ثلث طلاب العينة من الجامعات الثلاث الكبرى على المقولة التالية : " يضايقنى وجود الدراسات القومية ضمن مواد الدراسة " بينما وافق نصف الطلاب , وأكثر من ثلث الطالبات على مقولة : " يضايقنى قصور الدراسات الإشتراكية عن تحقيق الهدف منها " (Sultan Peobems, P18- 19, table 7 )

(70) Louis Awad, "cultural and Intellectual Development in Egypt since 1952 , in : J. vatikietis (ed) ; Egypt since the Revolution ( Allen and Unwin, London, 1968).

(71) خطاب فى 25 نوفمبر 1961 .

(72) Mahmoud A. Shafshak, " the Role of the university in Egyption Elite Recraitment : A comparative Study of al- Azhar and cairo universities NRSS, vo. 5, no. 3 (1968), p. 429.

وفى أوائل الستينات كانت هناك بعض الاختلافات بين كل من طلبة جامعتى الأزهر والقاهرة تتمثل فيما يلى : 30% من طلبة الأزهر متزوجون , فى مقابل 1% من طلبة القاهرة , 100% من طلاب الأزهر مسلمون , بينما كان المسلمون فى جامعة القاهرة 84% ( والباقى 15 أقباط , 1% من مذاهب مسيحية أخرى ) , وكان الفكر الإسلامى للأزهر وتعاطفه موجهين محو العالم الإسلامى , فى حين كان طلاب القاهرة يسودهم الفكر القومى العربى ويميلون إلى العالم العربى . وبالإضافة لذلك كانت هناك اختلافات فى الأصول الاجتماعية لطلاب كل من الجامعتين ( انظر جدول 6 – 5 السابق ) .

(73) Sultan, Needs. ,p. 20 وحول الاتجاهات الأكثر ليبرالية لدى طلاب الجامعة الأمريكية فى فترة أحداث , امظر : Hinnebysch, Children of the Elite.

(74) Hamza, "Analysis of the Employment Situation, pp. 17 and 19.

(75) الأخبار , 31 يناير 1977 .

(76) Awad, Cultural and intellectual Development, pp. 155- 156.

(77) وطرحت نفس الفكرة إزاء مناصرة الطلاب للثورة .فكتبت مجلة " الدعوة " عام 1952 تؤكد على أن " الجيش يعلم تماما أن طلاب الجامعة كانوا قد مهدوا الطريق كما خلقوا المناخ لطرد الملك " ( الدعوة , سبتمبر 1952 ـ ورد فى Walter Laqueur, Communism and Nationalism in the Middle East, Roultedge & Kegan Baul, London, 1953,p.16).

(78) عبدالمنعم الشرقاوى , الأهرام 3 يونيو 1977 .

(79) G.E. Von Grunebaum, "the Political Roleof the University as llustrated by Egypt ; in: g. E. von Grunebaum (ed), Modern Islam : The Search for Culturalldentity (university of California Bress, 1962),p. 195. روزاليوسف , 17 فبراير 1975 , وحسان محمد حسان , موقف السلطة من النشاط السياسى للطلاب , ورقة مقدمة إلى ندوة التعليم والديموقراطية , مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام , القاهرة 2 – 5 إبريل 1984 . وقد أبعد حوالى أربعين استاذا من مختلف الآتجاهات السياسية ـ ليبراليون إسلاميون أصوليون , ويساريون .

(80) خالد محمد خالد , الإخوان , والشيوعيون , والثورة , والجمهورية , 20 مارس 1954 , ورد فى : كرم شلبى , عشرون يوما هزت مصر ـ دراسة ووثائق فى أزمة مارس , دار أسامة للطبع والنشر , القاهرة 1976 , ص 67 .

(81) مقابلة مع عبد المنعم الغزالى فى : عبد العظيم رمضان , " عبدالناصر وأزمة مارس 1954 " مطابع روزاليوسف , القاهرة 1976 , ص 349 – 350 . وفيها ذكر الغزالى أن الجبهة قد نجحت فى إعادة د . عبد الوهاب مورو رئيسا لجامعة القاهرة بعد أن طلب منه تقديم استقالته رسمياً . وكان القرار قد اتخذ عقب لقاء تم بين وفد من الجبهة الطلابية , وبين مجلس قيادة الثورة .

(82) رفعت السعيد , منظمات اليسار المصرى 1950–1957 ( دار الثقافة الجديدة , القاهرة 1983 , ص 170 .

(83) مقابلة مع الدكتور فؤاد زكريا .

(84) فى عام 1953 زعيم سعيد رمضان وهو من قادة الإخوان , 58% من طلاب الجامعة كانوا من مؤيدى الإخوان المسلمين .

Christina Bhelps Harris, Notionalism and Revolution in Egypt : The Role OF the M uslim brotherhood, Bublication of the Hoover Institution on War, Revolution and peace (Mouton & Co., the Hague, 1964)p.159.

وتعد دقة هذا التقدير محل خلاف نظراً لأن ممثلى الجبهة المذكورة سابقا قد فازوا على الإخوان فى انتخابات اتحاد الطلاب فى بعض كليات الجامعة ( انظر الغزالى فى : رمضان , عبد الناصر وأزمة مارس 1954 , ص 349 – 350 ) . وفى ذلك الوقت كان طلاب الإخوان المسلمين تحت قيادة حسن دوح الذى وصفه البعض على النحو التالى : " هو قائد غير عادى , خطيب نشط , وهو يصوغ العرائض دائما , وينظم الاجتماعات , ويراقب سلوك الطلاب كما أنه لا يشكل اى من أشكال العنف "

(Jean and Simonne Lacouture, Egypt in Transition. Methuen, London, 1958 , p. 246- 248). وقد هزم حسن دوح فى انتخابات كلية الحقوق بجامعة القاهرة برغم أن عبد الناصر نفسه كان قد زار الجامعة وتحدث مؤيدا له . وكان الفائز وفديا هو أحمد الخطيب الذى كانت تسانده الجبهة ( رفعت السعيد , منظمات اليسار المصرى , 1950–1957 , ص 72 ) .

(85) مقابلة مع صالح أبو رقيق فى : رمضان , عبدالناصر وأزمة مارس 1954, ص 145 .

(86) محمد محفوظ , سواح , العرب , 14 \4 \1982 .

(87) فؤاد زكريا , السلبية وكرة القدم , الطليعة ( فبراير 1966 ) , ص 42 .

(88) انظر : Sultan, Needs, pp. 18 – 19, table 6. Sultan, Problems, PP. 45 -96.

وهناك دراسة أحدث تؤكد على الاتجاهات الليبرالية العامة لطلاب الجامعة الأمريكية . انظر Hinnebusch " Children of the Elite"

(89) ووفقا لما ذكر د . فؤاد زكريا فإن " سياسة التطهير أفسدت الجامعة , واستبدلت هيكلها الأكاديمى بهيكل إدارى , حمل معه إلى الجامعة عيوب البيروقراطية وقيمها الهابطة " ( فؤاد زكريا , استقلال الجامعة , روزاليوسف 25 أغسطس 1975 ) .

(90) المرجع السابق , Waardenburg universites, vol. 1, p. 45.

(91) لطيفة الزيات , العقل العربى فى حالة شلل , روزاليوسف 8 \4\1977 .

(92) فؤاد زكريا , روزاليوسف , 25 1975 .

(93) ويذكر فؤاد زكريا أنه قابل بعد أكثر من 10 سنوات من احداث 1954 واحدا من الذين كانوا يهتفون على رأس المظاهرات الطلابية ضد " حكم اليوزباشية والبكباشية " . وقد اعترف له الأخير بأنه إنما كان يفعل ذلك لحساب السلطة من أجل معرفة من سيسيرون وراءه ( مقابلة مع الدكتور فؤاد زكريا ) . وبعد انتفاضة 1968 , رد عبد الناصر على مطالبة أحد الوفود الطلابية بسحب عملاء المخابرات من الجامعة , بأن وعد فقط بتجنب استخدام عملاء من خارج الجامعة .

(94) مقابلة مع فؤاد زكريا .

(95) انظر محضر تحقيق النيابة مع الدكتور كامل ليلة بصفته رائدا للشباب فى جامعة عين شمس فى القضية 9.2 لسنة 1972 , والذى أدان فيه بشدة حركة الطلاب , وانظر رواية أخرى حول وجود شعبية للدكتور كامل ليلة بين صفوف الطلاب : محمد الطويل , حديث مع د. محمد كامل ليلة , مجلة أكتوبر , 13 \ 11 \ 1983 .

(96) يقسم الدكتور فؤاد زكريا أعضاء هيئة التدريس بالجامعات إلى عدة فئات وفقا لمواقفهم من الحركة الطلابية : أولا : الذين اتخذوا موقفاً سلبياً من الحركات الطلابية لأن تفكيرهم معاد لها . وهؤلاء يقسمون إلى : أ) أعداء أيدولوجيين . ب) أعداء طبقيين . ج) القاصرون فكرياً عن ملاحقة الأحداث لأن تخصصاتهم الأكاديمية لم تتح لهم فرصة الإطلاع على شئون المجتمع . د) فئة المنافقين والمنتفعين بمسايرة رأى السلطة ,وهذه فئة مهمة ظهرت بوضوح بعد ثورة يوليو .. وهؤلاء لا يجدون أى حرج من التصرف بالطريقة التى تريدها السلطة مهما كان رأيهم الشخصى وهذه الأزدواجية والقدرة على كبت الاقتناع الشخصى فى سبيل السير فى الطريق المضمون والمريح هى أهم ما يميز هذه الفئة .

ثانياً : فئة غير المكترثين , وهى فئة غير قليلة , اعتاد أفرادها ألا يتحركوا لأية قضية لا يكون لها مساس بمصالحهم الذاتية وهؤلاء هم حصيلة أعوام طويلة من الافتقار إلى الوعى السياسى والاجتماعى والبحث عن المغانم الشخصية , والعزوف عن أية مخاطرة مادامت نتيجتها غير مأمونة .. وهؤلاء كانوا يبتسمون ثم ينصرفون من أى اجتماع يبدأ الكلام فيه عن قضية عامة تتعلق بأوضاع المجتمع ككل , ولكنهم يتحمسون بشدة فى إجتماعات إصلاح الكادر الجامعى , والعلاوات والمكافآت .. إلخ .

ثالثاً : فئة المتعاطفين مع الحركات الطلابية ولكنهم لا يرغبون فى القيام بعمل إيجابى أو فى الإعلان الصريح عن موقفهم .

رابعاً فئة المتعاطفين المشاركين إيجابياً . وهؤلاء كانوا يشملون اليساريين والليبراليين , ولم يكونوا فى مشاركتهم يعبرون عن عداء للنظام بقدر ما كانوا يعبرون عن تأييد للمواقف الطلابية بدوافع وطنية وأخلاقية أيضاً . ونسبة أعضاء هيئة التدريس الشبان فى هذه الفئة غير قليلة ( مقابلة ) .

انظر أيضا حسان محمد حسان , موقف السلطة من النشاط السياسى الطلاب , ورقة مقدمة لندوة التعليم والديموقراطية , مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام 2 – 5 إبريل 1984 .

(97) روزاليوسف , 17 فبراير 1975 وقد ذهب عصفور إلى حد أن طالب بأن يكون لهئة التدريس بالجامعة الحصانة الممنوحة للقضاة وأعضاء البرلمان ضد التعرض للمحاكمة بسبب التعبير عن آرائهم السياسية .

(98) روزاليوسف , 25 أغسطس 1975 .

(99) بيان أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية , فى مجموعة من المناضلين المصريين , الحركة الوطنية الديموقراطية الجديدة فى مصر ـ تحليل ووثائق , دار بن خلدون , بيروت 1973 .

(100) لويس عوض , الحرس الجامعى مرة أخرى , الأهرام 19\2\1977 وأيضاً : Adel Montasser, La Re,pression AntiDe,mocratique en Egypt, Les temos Modernes, nos. 173-177 (Aout – September 1960 ). Pp. 426-427; Binder, Egypt. P. 415.

(101) الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية , نظام الجامعات فى الجمهورية العربية المتحدة , ( القاهرة , 1970 ) ص 100 – 103.

(102) توصيلا لجنة بحث اللائحة ومشكلات الطلاب , الندوة الطلابية 1972 . فى الانتفاضة الطلابية فى مصر _ يناير 1972 ( دار بن خلدون , بيروت 1972 ) ص 98 , 99 .

(103) رصد أحد القيادات المخضرمة باتحاد الطلاب والذى شهد الفترة ما بين الخمسينيات والسبعينيات , اثنى عشر تنظيماً فى كل المجالات السياسية وغير السياسية والأمنية ( مقابلة للمؤلف مع حلمى نهنوش _ ديسمبر 1978 ) انظر أيضاً : حسان , موقف السلطة ..

(104) عبد المجيد فريد , صفحات من أوراق عبد الناصر السرية ( حلقات اسبوعية ) , مجلة 23 يوليو , 22 أكتوبر 1980 , والإتحاد العام لطلاب الجمهورية العربية المتحدة خطاب عبدالناصر فى معسكر منظمة الشباب الاشتراكى . ( العالمية للطباعة , القاهرة , بدون تاريخ ) 1965 , ص 15 – 19 .

(105) صلاح الشرنوبى فى : مجلة الطليعة ( مايو 1969 ) , ص 5 . كما يذكر عضو قيادى آخر فى منظمة الشباب الاشتراكى أنه " وإن كان تركيب الجامعة الاجتماعى قد تغير بعد قرار مجانية التعليم ويمكن أن تكون أكثر المواقع خصوبة لتخريج قيادات لمرحلة التحول الاشتراكى , إلا أنها فى نفس الوقت أكثر المواقع خصوبة فى البلد , فيما يتعلق بالتطلعات , أى يمكن أن تمثل أخطر بؤرة تنتج للبلد عناصر لا تصلح لتكون كادراً للتحول الاشتراكى " ( أحمد يوسف , ص 34 ) , وقبل إنشاء منظمة الشباب الاشتراكى , بذلت محاولة عام 1961 لدفع أساتذة وطلاب الجامعات للعمل داخل إطار الإتحاد الإشتراكي . فيشير Binder إلى تمثيل الجامعة القوى بين أعضاء اللجنة التحضيرية التى حددت الصيغة التمثيلية للكتلة المؤسسة ل[[الإتحاد الإشتراكي العربى|لإتحاد الاشتراكى العربى]] ـ مؤتمر القوى الشعبية ـ والبالغ عددهم 250 عضواً , وذلك كمؤشر على أنه : " كرد فعل على انفصال سوريا , وخشية تحرك الطبقة صاحبة الامتيازات سابقاً للاستيلاء على السلطة , سعت الحكومة لتعبئة كل قوى الطبقة المتوسطة ـ وبصفة خاصة أساتذة وطلاب الجامعات ـ التى قد تساند الرجعيين إذا لم يتم تهدئتها على وجه السرعة " . ( Binder, Egypt, p. 437)

(106) د . مفيد شهاب  : فى الطليعة مايو 1969 , ص 25 , 40 .

(107) د . إبراهيم سعد الدين , فى المرجع السابق , ص 43 .

(108) ويلاحظ أحد مؤسسى منظمة الشباب أنهم فى السنوات الأولى للمنظمة اتضح : " ارتفاع مستوى شباب الوحدات الانتاجية بالنسبة إلى طلبة الجامعة , سواء من الناحية الفكرية ( رغم انخفاض مستواهم التعليمى ) أو من الناحية التنظيمية , وكذلك لوحظ أن مستوى طلبة الثانوى فى أغلبه , من حيث استعدادهم للعمل السياسى يفوق مستوى الجامعة " ( د. محمد الخفيف , تنظيم الشباب سياسياً , الطليعة فبراير 1966 , ص 29 ) .

(109) من المحتمل أن هذا ماكان يعنيه أحد القيادات الطلابية المناوئة لمنظمة الشباب , عندما وصف بعض قيادات المنظمة بأنهم " مراهقون " ( مقابلة مع نهنوش ) .

وانظر أيضاً : اتحاد طلاب جمهورية مصر العربية " الطلاب وتطور المجتمع , إعداد عبد الحميد الجزار ( القاهرة فبراير 1972) , ص 18 .

(110) محمد جلال كشك , ماذا يريد الطلبة المصريون , الطبعة الأولى ( بدون ذكر دار النشر , بيروت 1968 ) , ص 45 – 46 , والطليعة ( مايو 1969) , ص25 – 26 . وفى هذا الصدد تعد حالة أعضاء التنظيم السرى التابع للنظام " طليعة الإشتراكيين " مثلاً أكثر وضوحاً . حيث كان يعرف عن أعضائه المكشوفين علاقاتهم الوطيدة بوزير الداخلية , الذى أصبح أميناً للتنظيم بالإتحاد الإشتراكي , الأمر الذى دمج القيادة السياسية بشئون الأمن . ويبدو أن هذا ما كان يشير إليه الرئيس السادات عندما قال : " .. فى وقت مراكز القوى وخاصة فى الستينيات أنا كان يبلغنى أمور لا يقبلها انسان اطلاقاً . إنه طالب من الطلبة فى الجامعة يدخل على العميد بدون استئذان علشان يكلم وزير الداخلية لأنه على اتصال بوزير الداخلية " ( الأخبار 31 يناير 1977) .

(111) ورد فى : محمد جلال كشك : ماذا يريد الطلبة المصريون ؟ , ص 98 .

(112) انظر : كمال السيد درويش وآخرون , التربية السياسية للشباب ( دار المعارف , الأسكندرية 1973 ) ص 187 – 188 .

(113) كان عادة وزير التعليم العالى .

(114) لائحة اتحاد طلاب الجمهورية العربية المتحدة . ( مطبعة جامعة القاهرة 1919 ) الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية , نظام الجامعات فى الجمهورية العربية المتحدة , 1970 , ص 163 – 285 .

(115) المرجع السابق .

(116) كان الإتحاد العام لطلاب الجمهورية العربية المتحدة , عضواً مؤسساً فى أول اتحاد طلابى يشمل الدول العربية , وهو " الإتحاد العام للطلاب العرب " , الذى أنشىء فى الستينيات , وقد حدثت محاولة أسبق لإنشاء مثل هذا الإتحاد , إلا أنها كانت محاولة محدودة ولم يكتب لها النجاح , فى مارس 1936 , حينما حدثت اتصالات بين الطلاب المصريين والعراقيين عبر الدكتور السنهورى ـ والذى كان يقوم بالتدريس فى بغداد . انظر : FO 141, 543, 1936 , Students : Bolitical Activities and Strikes`)

(117) كان مجلس اتحاد الكلية أو المعهد يتكون من الأمين والأمين المساعد لكل من هذه اللجان التى كانت تتكون بدورها من الممثلين المنتخبين عن طلاب كل سنة بالكلية أى أن المجلس لم يكن ينتخب مباشرة وكانت لجانه النوعية تتكون قبل تكوينه , انظر على سبيل المثال : د. جمال العطيفى , مناقشة مجلس الشعب لتقرير لجنة تقصى الحقائق فى الأحداث الطلابية , الأهرام , 29 يناير 1973 .

(118) اللائحة الإدارية والمالية لاتحاد طلاب الجمهورية العربية المتحدة .

(119) على عكس ما أشارت إليه Hyde من أن عضوية الإتحاد لم تكن اجبارية (Hyde, Education in Modern Egypt, p 55)

(120) حديث حلمى نهنوش فى المؤتمر القومى ل[[الإتحاد الإشتراكي العربى|لإتحاد الاشتراكى العربى]] , ورد فى محمد جلال كشك , ماذا يريد الطلبة المصريون ؟ , ص 102 .

(121) محمد الخفيف , الطليعة ( فبراير 1966 ) , ص 77 .

(122) اللجنة الوطنية لطلاب جامعة القاهرة , بيان طلابى ( الوثيقة الطلابية ) , يناير 1972, ورد فى الانتفاضة الطلابية فى مصر , ص39 .

(123) مقابلة مع تهتوش ,

(124) للتعرف على الخلفية التاريخية للتنظيم الطليعى , انظر : جمال سليم , التنظيمات السرية فى عهد عبد الناصر , الأحرار 27 سبتمبر 1982 .

(125) توصيات مؤتمر الإتحاد الإشتراكي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية عن معوقات النشاط السياسى داخل الجامعة , 1971 فى الأنتفاضة الطلابية فى مصر , ص 60 .

(126) Dekm ejian. "Student Activism", in Faksh, Education and Bolitical Modernisation

وبعد عام من أزمة 1954 بدأ عبدالناصر يكتسب شعبية داخل الكتلة الطلابية بعد أن قام بدور نشط فى مؤتمر باندونج بأندونيسيا . فشكل طلاب المدارس والجامعات لجان باندونج تأييداً لعبد الناصر . ( رفعت السعيد , منظمات اليسار المصرى 19501957 , ص293 ) .

(127) Kerr, "Egypt",P. 189.

(128) غالى شكرى , الثورة المضادة فى مصر , دار الطليعة , بيروت 1978 , ص 1.7 – 9 . , وقبيل النكسة كتب أحد الكتاب يقول : " الشباب .. لم يتعرضوا مثلنا , فنحن الذين قضينا مثل هذه المرحلة من العمر فى مجنمع ما قبل الثورة , لما تعرضنا له من مختلف أنواع الاستغلال وفساد الحكم , وبالتالى فهم ينظرون إلى ما تم من إنجازات ضخمة بعد الثورة نظرة عادية وكأنما هى أمور طبيعية لم تحقق ببذل دماء وأرواح .. إنهم اليوم حين تحملهم أقدامهم لنزهة بالقرب من النيل يرون الجامعة العربية , والهيلتون ومبنى الإتحاد الإشتراكي , وكنا نرى نحن ثكنات الانجليز .. " ( محمد الخفيف , الطليعة فبراير 1966 , ص 26 ) .


( 7 ) المواجهة

بعد انحسار النشاط السياسى المستقل منذ عام 1954 أصبحت فرصة التعبير عن الرأى ضئيلة أمام المتعلمين من المصريين . وأدى حكم الضباط ذو القبضة الحديدية إلى نفور مثقفى البلاد من النظام السياسى . الأمر الذى حدا بأحد الباحثين إلى أن يصف ثورة يوليو نفسها بأنها معادية للمثقفين . (1) ولكن كان هناك مجال ـ فى إطار التطور الاقتصادى الذى حققه النظام ـ للتعاون بين الضباط والتكنوقراطيين . كما أيد العديد من المثقفين السياسات الاجتماعية الإصلاحية الجديدة بحماس , ولكن غيبة الحرية السياسية ظلت أساسا جادا لموقفهم المتحفظ من النظام .

وكان مفهوم الضباط للدور السياسى للمثقف المصرى لا يعنى اشتراكه فى شئون الحكم , ولكن أن يقصر نفسه على التجاوب مع الحكومة بالصورة المطلوبة منه فحسب . حيث كانت هناك سياسة واحدة فقط يجب أن يلتزم بها الجميع . وأما فيما يتعلق بالرأى الفردى , فلم يكن محظوراً تماماً بصورة تقارن مثلاً بإيران أثناء فترة إرهاب السافاك . وكما لاحظ ليوناردبايندر : " كان يمكن التعبير عن الرأى بحرية نسبية , ولكن فى نهاية المطاف ينحنى المواطن العاقل أمام مصادر السلطة المعترف بها ... ويمكن أن يستمر الجدال إلى مدى محدد فحسب , ولابد أن يتوقف بعده " . (2)

ولم يكن المثقفون فى مجموعهم محرومين من المشاركة فى السلطة فحسب , ولكنهم حرموا أيضاً من أن يكون لهم منبر يتحدثون من خلاله بصراحة . ولم توفر التنظيمات السياسية الرسمية منبراً بأى صورة معقولة للتعبير الجماعى عن الذات . (3) وقد ذهب الباحث الأمريكى عاموش برلموتر إلى القول بأن : " المشكلة فى مصر ليست أزمة المشاركة السياسية . المشكلة هى تعطيل السياسة كهدف فى ذاته " . (4)

ولكن هذا الرأى يغالى فى الوصف المتحيز , فمن الممكن تعطيل " الحركة " السياسية , ولكننا لا نستطيع الحديث عن تعطيل " السياسة " بالجملة حتى فى ظل أكثر النظم إمعاناً فى القمع .

لقد كانت المشكلة بالنسبة لأغلبية المتعلمين المصريين هى مشكلة المشاركة السياسية وفرصة التعبير عن الرأى بالأساس .

فقد كانت المنابر التقليدية للتعبير عن الرأى بالنسبة لخريجى الجامعات ـ وهى النقابات المهنية ـ خاضعة لرقابة صارمة , وتعرضت مجالس هذه النقابات للحل عام 1954 , وفى عام 1958 صدرت تشريعات تنص على قصر عضوية هذه المجالس على أعضاء الحزب الحاكم . علاوة على أن ضباط الجيش من المهنين كانوا يحتلون مراكز مؤثرة داخلها , وأصبح قادتها فى واقع الأمر يعينون بواسطة الحكومة نفسها بصورة مباشرة أو غير مباشرة . وضعف النفوذ السياسى للنقابات المهنية بشكل عام بالرغم من زيادة عددها بعد إنشاء نقابات جديدة للجماعات المهنية التى لم تكن لديها نقابات من قبل . ( وإن ظلت بعض الجماعات المهنية مثل هيئة التدريس بالجامعات بدون نقابات ) .

وأدى التحريم الذى فرضه النظام الحاكم على النشاط السياسى المستقل للمثقفين , ودرجة التعبير عن الرأى المحدودة المسموح لهم بها داخل التنظيمات الرسمية , إلى إضعاف المكانة التى اكتسبها المثقفون فى العصر الليبرالى . فلم يعودوا تلك الصفوة المتماسكة الواعية بذاتها , ولم يعبروا عما يعانونه من قهر فى حركات إحتجاج صريحة حتى عام 1967 . وغرق العديد من المثقفين فى اللامبالاة .

لكن كانت هناك أقلية ضئيلة من الكتاب تمتلك أفكاراً خاصة بها وتعبر عن رغبة فى ممارسة النقد الشربف . وهى المجموعة التى وجدت الفرصة للتعبير عن نفسها فى الصحف الرسمية , وكان من الطبيعى أن يستغل أفرادها المساحة المتاحة لهم لنقد النواحى التفصيلية فحسب من سياسات الحكومة , لا نقد أسس النظام . كما كانوا يتعرضون بالنقد لنفس فئة المثقفين التى ينتمون إليها . وكما لاحظ " كير " : " كان المثقفون يشجعون على انتقاد بعضهم البعض .. وبإمكان الصحفيين وأساتذة الجامعات الدخول فى جدل طويل على صفحات الصحف حول ضعف طبقتهم , بشرط ألا تكون النتيجة التى ينتهمن إليها هى أن الجيش قد احتكر السلطة وحرم المثقفين من حقهم فى التعبير عن أنفسهم , بل إن المثقفين هم الذين تخلوا عن المسئولية بشكل مخز ... ومن ثم أصبح تعذيب الذات من سمات المثقف فى الصحافة الرسمية عندما يناقش بوعى أزمة الجامعات , وأزمة المهن الحرة ...... إلخ وعندما يبحث عن حجج لتبرير عدم وقوف طبقته فى طليعة التغيير " . (5)

ووفقاً لما يذهب إليه محمد حسين هيكل , الذى كان المتحدث باسم النظام فى واقع الأمر , لم يكن فى مقدرة النظام استيعاب المثقفين اليمينيين التقليديين بسبب وضعهم الطبقى , (6) كما لم يكن بمقدوره احتواء المثقفين اليساريين بسب موقفهم السياسى . (7) وقد حاول هيكل نفسه احتواء كتاب بارزين من مختلف الاتجاهات فى" الأهرام " . إلا أن هذا ـ بالطبع ـ لم يغير كثيراً من شروط العلاقة بين النظام والمثقفين , وكل ما هنالك أن ذلك قد مكن هيكل من إجراء تجربة ليبرالية صغيرة على سطح الحياة السياسية فى مصر . (8)

وقد دفعت الهزيمة القومية عام 1967 بمشكلة حرية التعبير إلى المقدمة . حيث أدت الهزيمة بالنسبة لطلبة البلاد , كما يقول " سيليوفيتش " , إلى :

" هز ما تبقى لديهم من حس حركى وفعال , وخلقت مناخاً تفاقمت فيه إحباطاتهم فيما يتعلق بالبيئة الجامعية , وأنواع الوظائف التى يمكنهم أن يتطلعوا إليها , والحياة السياسية القائمة على القمع " . (9)

وكانت انتفاضة فبراير 1968 هى رد الفعل الأول للطلاب على الهزيمة , وبداية تحديهم للنظام , الأمر الذى يعد تعبيراً عن عجز منظمة الشباب الرسمية , بل وكل سلسلة التنظيمات السياسية الرسمية , فى احتواء حركتهم . وترجع حدة هذه الانتفاضة إلى نطاق الهزيمة العسكرية نفسها , وكذلك إلى القيود المفروضة على حرية التعبير بين الطلبة والمثقفين منذ ما قبل الهزيمة بوقت طويل .

وفى تقرير لمجلة " الطليعة " عن التنظيم السياسى للشباب ( عدد فبراير 1966 ) طرح د. فؤاد زكريا مسألة حرية التعبير كما يلى : " الموقف السليم الذى ينبغى أن تقفه الدولة من الشباب هو أن تشجعهم بكل الوسائل الممكنة على التفكير الإيجابى , وتشعرهم بأن كل المشكلات قابلة للمناقشة والتحليل , وبأنهم هم أنفسهم قادرون على القيام بدور ايجابى فى هذا الصدد ... وقد يبدو لأول وهلة أن زيادة القدرة على التفكير النقدى المستقل لدى الشباب تتعارض مع سعى المجتمع إلى توحيد خططه وانعقاد الآراء فيه على أهداف محددة يتفق عليها الجميع . ولكن لا أرى بين الأمرين تعارضاً على الإطلاق . فمن المؤكد أن تجاوب الشباب مع الأهداف الاجتماعية يكون أعظم وتحمسهم فى سبيل تحقيقها سيكون أشد , إذا اتخذوا من هذه الأهداف موضوعاً للتحليل والمناقشة الواعية , منهم إذا اكتفوا بقبولها دون تفكير إيجابى . " (10)

ولكن دعوة الدكتور فؤاد زكريا ذهبت هباء , بل تطلب الأمر هزيمة وطنية على غرار ما حدث فى عام 1967 , حتى يقتنع حكام البلاد بصدق رؤيته . وكما أقر أحد قادة منظمة الشباب الاشتراكى : " علينا أن ندرك أن الشباب فى هذه المرحلة لم يعد مستعداً لقبول مسلمات جائزة فى أية ناحية من نواحى الحياة ... وظروف ما بعد النكسة استتبعها مراجعة سياسية فى كافة المجالات , لا يمكن مثلاً أن يسير معها الالتزام على النحو الذى كان عليه فيما سبق فى صفوف المنظمة . فلا يمكن للالتزام أن يكون نوعاً من القمع الفكرى أو الحجر على حرية الرأى للشباب . " (11)

ومع الهزيمة تغيرت حالة السلبية التى كان الطلبة غارقين فيها قبل 1967 , وأخذت أعداد متزايدة منهم تبدى اهتماماً أكبر بالقضايا الوطنية . وأصبحت الحريات السياسية الأساسية التى طالب بها خالد محمد خالد فى أوائل الستينيات هى القضية المحورية فى الجدال العام الذى أعقب الهزيمة . وكانت الحرية هى الموضوع الرئيسى فى خطاب رئيس اتحاد الطلاب عبد الحميد حسن الذى ألقاه فى المؤتمر القومى ل[[الإتحاد الإشتراكي العربى|لإتحاد الاشتراكى العربى]]  :

" إن قيمة الحرية فى وطن من الأوطان تقاس بضمان كل لسان فى أن ينطق الصدق , وحق كل قلم فى أن يكتب الحقيقة ـ ولن يفيد التغنى بالحرية دون ضمان ممارستها .... ألا تكون هناك رقابة على الصحف إلا فيما يتعلق بالناحية العسكرية , ولا تترك عملية الرقابة تحت رحمة اجتهادات فردية لبعض الأشخاص " . (12)

وتدعيماً لرؤينه , قدم عبدالحميد حسن رأياً شاع استخدامه فى تلك الفترة : " لو اتيح لنا بدون تردد أو رهبة أو خوف أن نتكلم ونفصح عما تجيش به صدورنا لما كانت النكسة " . (13) والواقع أن الكثيرين فى مصر فى ذلك الحين كانوا مؤمنين بهذه الفكرة . وبالرغم من أنه لو كان قد توافر قدر أكبر من حرية التعبير لكان من السهل كشف سوء استخدام القيادة العسكرية لسلطاتها مبكراً , وهى التى ثبت جهلها إبان الحرب , إلا أنه لم يكن من المحتم أن يؤدى ذلك بالضرورة إلى تجنب الهزيمة . لكن انتشار هذه الفكرة إنما كان يعكس بالأساس الإحساس بالمهانة الوطنية , والرغبة العارمة فى إصلاح النظام السياسى من أجل إزالة آثار الهزيمة .

وقد انتقلت قضية الحريات السياسية من الشارع إلى داخل مؤسسات النظام . فعلى سبيل المثال تقدم أعضاء الإتحاد الإشتراكي ـ فى اجتماع لوحدته فى وزارة الثقافة ـ بشكوى يقولون فيها إنه " لم يسمح لهم بالمشاركة فى المسائل السياسية , لأن الخوف والسلبية يتغلغلان فى كل ركن من أركان المجتمع " . (14) وركزت توصيات مؤتمر لوحدات الإتحاد الإشتراكي فى جامعة القاهرة فى يوليو 1968 على الحريات الأساسية وعددتها على النحو التالى : " حرية الفرد فى التعبير والنقد , حرية الاجتماع والندوات السياسية المفتوحة , حرية الإحتجاج السلمى , حرية الصحافة ووسائل الإعلام , وتبعيتها لمؤسسات جماهيرية " . (15) كما نادت أيضاً بما يلى : " أ) تشكيل حكومة دستورية . ب) وضع دستور دائم . ج) تقرير مبدأ حق الجماهير فى سحب ثقتها ممن ولته حق تمثيلها على كل المستويات , د) تعريف الجماهير أولا بأول بحقائق الموقف السياسى " .(16)

وانطلقت المطالبة بالحرية من سلسلة عريضة من التجمعات والمؤسسات , بداية من الأدباء الشبان الذين احتشدوا فى مؤتمر عام 1968 " ليواجهوا وزير الداخلية المستبد بما لم يكن يتصور يوماً أنه يمكن أن يسمعه " (17) إلى القضاة الذين اجتمعوا فى ناديهم فى مارس 1968 وأصدروا بياناً طالبوا فيه بتوفير الحريات الأساسية واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية , وعدم إقحام القضاة فى التنظيمات السياسية ( أى [[الإتحاد الإشتراكي العربى]] ) , وإبعاد غير المتخصصين ( أى العسكريين ) عن سلك القضاء .

وحتى داخل حكومة عبدالناصر أيضاً دارت المناقشات حول قضية الحريات , حيث ألمح دكتور حلمى مراد وزير التعليم فى تلك الفترة , وهو ليبرالى النزعة , فى اجتماع لمجلس الوزراء إلى أن مفهوم الحرية الاجتماعية الصارم لدى عبدالناصر لا يتلائم مع أوضاع مصر بعد الهزيمة : " بالنسبة لما أثير فى البلد بشأن الحريات , فالحرية الاجماعية وحدها لا تكفى . الحرية السياسية تحقق شيئاً مهما هو المشاركة فى الرأى والمساهمة فى حكم البلاد " . (18)

وبالرغم من استمرار عبدالناصر فى التشبث بمفهومه النظرى للحرية الاجماعية , إلا أنه استجاب لمطلب الجماهير فى عام 1968 وأصدر برنامجه الشهير فى 30 مارس . وبذلك قام بتطعيم النظام السياسى بقدر من الليبرالية النسبية , كما وعد بتجسيد المبادىء الليبرالية ضمن اقتراحه بوضع دستور دائم للبلاد , وهو الاقتراح الذى لم ينفذ حتى وفاته .

وفى محاولة لإثبات أن برنامج 30 مارس جارى التنفيذ , فتحت جريدة " الأهرام " ـ بموافقة ناصر المباشرة أو غير المباشرة ـ مناقشة حول قضية مرتبطة بموضوع الحريات ارتباطاً وثيقاً . ففى 13 أكتوبر 1968 كتبت الجريدة تحت عنوان " حادث خطير " ما يلى : " يضع الأهرام اليوم أمام الاهتمام العام وتحت نظره واقعة يعتقد أن فيها ما يؤثر على روح بيان 30 مارس ... وتتلخص الواقعة فى أنه قبل 3 أسابيع ألقت نيابة أمن الدولة بالاشتراك مع هيئة المخابرات العامة القبض على مدير مركز علمى كبير له دور واضح فى مجال الدراسات الاقتصادية والاجتماعية ... وجرى التحقيق معه بناء على معلومات صادرة من الفريق جمال عسكر رئيس الجهاز المركزى للتعبئة بناها على أن إحدى الدراسات الاقتصادية التى أعدها هذا المركز حوت معلومات لا يوافق جهاز الإحصاء على إذاعتها " .

وذكرت الأهرام أيضا ان الشخص المذكور تم القبض عليه فى منزله عند الفجر على يد " زوار الفجر " وقالت الجريدة إن زوار الفجر : " ظاهرة لا نريدها فى هذا البلد ... وهى ضد طبيعته الوطنية وضد طبيعته الثورية " . وأضافت الجريدة : " إنه من الخير أن تكون الحدود المرسومة لعمل هذا الجهاز واضحة حتى لا يحدث خلط وتجاوز عانينا منه فى مرحلة سابقة : , كما أضافت أن " هذه المناقشة لم تكن ممكنة قبل بيان 30 مارس , وكان حدوثها على هذا النحو قبله نوعاً من المخاطرة المستحيلة " .

وفى اليوم التالى واصلت الأهرام ولمدة اسبوع الحوار المفتوح من الفريق جمال عسكر الذى دافع عن السلطات الشمولية لجهازه . ولأول مرة يتدخل رئيس هئية المخابرات فى الحوار قائلاً إن برنامج 30 مارس : " أكد بصفة قاطعة بأن مراكز القوى قد صفيت ونحن حريصون تمام الحرص على عدم عودتها بأى شكل من الأشكال " . (20) وفى سلسلة من المقالات انبرى عدد من أساتذة الجامعات الليبراليين والماركسيين لمساندة : " الأهرام " .

ففى مقال تحت عنوان : " عقبات على طريق البحث العلمى " كتب الدكتور جمال العطيفى يقول : " حدث فعلاً أن أبلغ جهاز التعبئة سلطات البوليس ضد أساتذة جامعية لأنها تجرى بحثاً بإحدى قرى الجيزة بغير إذنه . وفى الوقت الذى نطالب فيه أساتذة الجامعات بأن يعكفوا على دراسة عدونا المتربص بنا يجب أن نتيح لهم الوسائل الكفيلة بالحصول على المعلومات الكافية عن العدو , المعلومات التى يمكن أن نجدها فى عشرات المجلات والكتب التى تصدر فى الخارج . إن اجراءات الرقابة الخارجية يجب أن تتسع فى افق نظرتها لكيلا تمتد إلى ما يجب أن نعرفه عن العدو .. " (21)

وشكا الدكتور عبادة سرحان الأستاذ بمعهد البحوث والدراسات الإحصائية من : " أنه ليحز فى نفس أساتذة الجامعات سواء منهم من يقوم بالبحث بمفردهم أو يعملون فى لجان , أن يسيروا فى هذا الإجراء , وتطول المراسلات بما يشبه التحقيق لتفاصيل البحث ومحتوياته " .(22) وأبدى الدكتور عمرو محيى الدين الأستاذ بكلية الأقتصاد بجامعة القاهرة ملاحظة يقول فيها : " إن حرية البحث العلمى ليست مفهوماً مطلقاً مجرداً يلقى فى الهواء أو مجرد شعار يرفع , ولكنها ضرورة ملحة تمليها علينا حاجات تطور مجتمعنا وتقدمه " . (23)

وأرسل أحد طلبة الدراسات العليا بالخارج رسالة معبرة إلى " الأهرام " رداً على رفض الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء السماح له بإجراء مسح لعينة من القيادات الإدارية بالبلاد , مشيراً إلى مسألة الولاء السياسى الكامنة وراء هذه القضية : " إن الاستقصاء تم إعداده وكتابته تحت اشراف الأستاذ الدكتور نجيب اسكندر , والذى أسهم فى إعداد قادة اشتراكيين بالمعهد العالى للدراسات الإشتراكية , والذى حصل على جائزة الدولة التشجيعية فى مجال تخصصه , وبالتالى فهو أحرص على مصلحة الوطن وأمنه من حرص السيد الفريق رئيس الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء ... إن تاريخ قضايا الجاسوسية والتآمر والانحراف واستغلال النفوذ , لم يشمل أياً من أساتذة الجامعات أو طلاب البحث العلمى " . (24)

وكتب الدكتور اسماعيل صبرى عبدالله قائلاً :

" إن مفهوم السرية يقودنا عملاً إلى حجب البيانات عن أبناء الوطن الذين تحركهم فى الأصل الرغبة فى خدمته , مع عدم ضمان حجبها عن العدو ... " . (25)

ولخص الدكتور العطيفى المناقشة كالتالى : " إن أية مناقشة إذا لم تنته بنا إلى نتائج واقتراحات محددة فإنها لا تحقق الغرض منها وتصبح أشبه باستهلاك للكلمات وأقرب إلى التنفيس منها إلى التوجيه والمشاركة ... إن بعض التعليقات التى وصلت الأهرام وتساءلت : جميل منكم أن تثيروا قضية البحث العلمى وقضية الحريات بصفة عامة ولكن ماذا عن حالات مضت عليها سنوات ولم يبت فيها بعد ؟ هذه التعليقات لن تجد إجابة عنها إلا فى قانون الحريات ... " . (26)

وانعكست مخاوف العطيفى من أن تكون المناقشة غير مجدية , فى خطاب عبدالحميد حسن أيضاً أمام المؤتمر القومى ل[[الإتحاد الإشتراكي العربى|لإتحاد الاشتراكى العربى]]  : " إن شباب هذه الأمة يريد أن يحس بأن الدور يعطى له للاستفادة من طاقاته وليس لامتصاص انفعالاته " . (27) وثبت أن تشكك الرجلين كان له ما يبرره . فبعد بضعة أشهر من الإجراءات والبيانات الليبرالية , عادت السياسة المصرية إلى صورتها الاستبداية السابقة .

وتفسيراً لهذه الردة ذهب بعض المعلقين إلى أن ناصر قد اجبر على إدخال مسحة من الليبرالية كوسيلة لامتصاص صدمة هزيمة 1967 وتجنب عواقبها الخطيرة المحتملة , حيث رأى أحد المعلقين أن انتشار النقد وحدته فى تلك الفترة لم يترك أثراً ولم يحقق أى غرض لأنه كان مجرد نوع من امتصاص الصدمة من جانب الحكومة لإعطاء فسحة من الوقت لعبد الناصر لترتيب بيته ووضع خطته الجديدة للعمل . (28)

واضطر حتى أعوان عبد الناصر إلى الاعتراف بأن هناك قدراً من الحقيقة فى هذا الرأى . إذ يقول عبد المجيد فريد : " سمعت من عبد الناصر فى تلك الأيام أن استقرار الجبهة الداخلية لن يدوم طويلاً ولن تتحمل الناس الصدمة أكثر من ستة أشهر إلى تسعة .. لذلك كان يسعى بجدية لإحداث تغيير شامل فى الحكم قبل أن يقع الانفجار الذى كان يحسب له ألف حساب . وفعلاً حدث ما توقعه عبد الناصر , إذ بعد سبعة أشهر من الهزيمة قامت مظاهرات ضخمة بالقاهرة والأسكندرية " . (29)

ولكن تعامل عبد الناصر مع الموقف لم يكن تعاملاً يقصد به تحقيق مصلحة مباشرة قصيرة الأجل وحسب . فقد اجبرته مقتضيات المواجهة العسكرية المستمرة مع إسرائيل على أن يحاول تخفيف حدة النقد العام إزاء سوء الجيش المصرى فى الحرب . (30) ولكن النقد الذى وجه إلى الدولة البوليسية وضعه فى مأزق . فقد كان مضطراً إلى الاستجابة لهذا النقد بدون الحد من كفاءة أجهزة الأمن التى يعتمد عليها اعتماداً كبيراً . (31) فى غيبة المؤسسات السياسية الفعالة , هذا فى الوقت الذى كان فيه الاندفاع نحو الليبرالية يواجه من الناحية الآخرى من قبل الأعضاء المتشددين فى حكومته , وإن كانت الموجه الأولى من الاضطرابات الطلابية فى 1968 قد ساعدت العناصر الأكثر ليبرالية على التقدم بإصلاحاتها , إلا أن الموجة الثانية فى نفس العام قد دعمت من موقف الداعين لاتباع خط أكثر تشدداً .

والأهم من ذلك أن الضغط المباشر على ناصر من أجل التغيير الليبرالى كان فى واقع الأمر مناشدة للإصلاح من داخل النظام نفسه وليس تحدياً جوهرياً له .فقد كان المطلب الجماهيرى هو كفاءة أكبر وقهر أقل . وملايين المتظاهرين الذين طالبوا بالتغيير لم تكن تقودهم قوة بديلة لها برنامجها السياسى المختلف . وكما يقول " دكمجيان " : " كان عالم الايدولوجية المقدس هو أحد جوانب العملية السياسية التى بقيت بلاتحد نسبياً " . (32) ونصح بعض المعلقين النظام بأن يتعامل مع شعارات النقد الجماهيرى كمجرد مطالبة بالإصلاح وليس كتهديد : " مطلب الطلبة حق الجماهير فى سحب ثقتها ممن أولته حق تمثيلها يفصل لأول مرة بين الثورة والسلطة , فيصبح سقوط السلطة أو تغييرها لا يعنى سقوط الثورة , وليس خيانة عظمى عقوبتها الموت ... (33) إن مطالب الطلبة لا تتضمن أى مطلب يمكن أن يعتبر معادياً أو متعارضاً مع ما يعلنه الرئيس جمال عبد الناصر من أهداف الثورة " . (34)

وكان غياب البديل الأيدولوجى هو الذى حدا بكاتب مثل " دكمجيان " أن يقول : " كان سماح نظام استبدادى عموماً بإصلاحات ليبرالية مهمة فى مرحلة طوارىء قومية بمثابة تعبير عن قوة النظام . ومن الصعب تصور وجود هذا النوع من السلوك حتى فى الديموقراطيات الغربية فى ظروف حرب واحتلال شبيهة بالوضع فى مصر . " (35)

ولكن هزيمة 1967 بذرت بذور تطور الإمكانات الأيدولوجية على المدى البعيد فى مصر بل وعلى الساحة السياسية العربية الأوسع , ووفقاً لما يذهب إليه الدكتور على الدين هلال (36) يمكن تقسيم المثقفين العرب الذين فسروا النكبة بعوامل تاريخية وطويلة الأجل , والذين رأوا مغزاها الواسع وبذلوا محاولة مخلصة للتحليل والنقد الذاتيين إلى ثلاث مجموعات :

1) ممثلوا الاستجابة الليبرالية العلمانية الذين أكدوا أهمية التعليم والعلم والتخطيط ونشر العلمانية .

2) ممثلو الاستجابة الاصولية الإسلامية الذين نادوا بعودة الإسلام كحل وحيد .

3) ممثلو الاستجابة الإشتراكية الثورية الذين نادوا بالتحديث الكامل للمجتمع وفقاً لرؤى ثورية .

وكانت عملية الاستقطاب بين هذه الاستجابات وظهور حركات سياسية مكتملة الملامح وفقا للاتجاه الذى تتبعه كل منها عملية تدريجية طفت على السطح فى الحياة السياسية المصرية حتى منتصف السبعينيات , وخصوصاً فى أعقاب وفاة عبد الناصر عام 1970 وتولى السادات السلطة , وكان هذا النمو البطىء دليلاً على مرونة نظام عبد الناصر , الأمر الذى حدا ببعض المعلقين ـ حتى بعد وفاته ـ إلى المغالاة فى تقدير مدى استقرار ذلك النظام : " إن أزمة المشاركة فى مصر متوارية فى الوقت الراهن أو مكبوتة , ومن المؤكد أنه ليس هناك ضغط سافر من أجل المزيد من المشاركة وكل ما هناك لا يعدو كونه همهمات فردية لا ضرر منها على الإطلاق " . (37)

ولكن موجة أخرى من الانتفاضات الطلابية , اندلعت فى عامى 1972و 1973 لتطرح قضية حرية التعبير مرة أخرى أمام الرأى العام المصرى . وفى هذه المرة اتسع معناها ليشمل حرية الاختيار الايدولوجى , وهو ما أوجزه أحد البيانات الطلابية فى تلك الفترة فى عبارة : " إن الطلبة إنما يقيسون إخلاص قياداتهم على أساس من موقفهم الوطنى وليس التزامهم الأيدولوجى " . (38)


الهوامش :

(1) عبد العظيم رمضان , عبد الناصر وأزمة مارس 1954 ( مطابع روزاليوسف , القاهرة , 1976 ) , ص 186 .

(2) Leonard Binder, Egypt: The Integrative Revolution, in: Lucien W. Pye and Sidney Verba (eds.), Political Culture and Political Development (Princeton University Press, 1965), p. 402.

(3) حدثت واقعة ذات مغزى عام 1965 , عندما ألقى القبض على عدد من كوادر منظمة الشباب , وذلك قبل أن تبدأ أعمالها رسمياً بوقت قصير , وتم التحقيق معهم بحجة آرائهم اليسارية المتطرفة ( الماركسية ) , ووجهت إليهم تهمة الاتصال بدولة أجنبية , وهى الصين . إلا أنهم لم يحاكموا ولم تثبت إدانتهم رسمياً وإنما ـ كما يوضح رجب البنا ـ فإن " فكرة إيجاد منظمة سياسية للشباب هى التى صدر الحكم عليها قبل أن تولد " . ( رجب البنا , ونحن نفتح ملف الشباب , الأهرام , 6 ديسمبر 1981 ) . انظر أيضاً : مجموعة من المناضلين المصريين , الحركة الوطنية الديموقراطية الجديدة فى مصر , ( دار بن خلدون ) بيروت 1973 ) ص 63 , وغالى شكرى , الثورة المضادة فى مصر ( دار الطليعة , بيروت 1978 ) ص 108 .

(4) Amos Perlmutter, Egypt and the Myth of the New Middle Class: A Comparative Analysis, Comparative Studies in Society and History, Vol. 10, no. 1 (Oct. 1967 ), p. 63.

(5) Malcoim Keer, Egypt`,in : James S. Coleman (ed.), Education and Political Development (Princeton University Press, 1965).

وبعد هزيمة 1967 , عكف بعض المفكرين العرب على تأنيب الذات , ووفقاً لما يذكر د . برهان الدجانى : " علينا أن تسأل أنفسنا لماذا هزمنا , ولماذا هزمت الأمة العربية تحت قيادتنا الفكرية " ( انظر : A.Hilal Dessouki, "Arab Intellectuals and AlNakba : The Search For Fundamentalism`, Middle Eastern Studies, Vol. 9, may 1973, p. 188).

وانظر أيضاً : Menahem Milson, Medieval and Modern Intellectual Traditions in the Arab World, Daedalus (Summer 1972), pp.39-57,

(6) عندما اقترح استاذ جامعى فى لجنة الإرشاد القومى بالإتحاد القومى ( 19581961 ) أن تترك القضايا الفكرية مثل القومية العربية والإشتراكية لأساتذة الجامعات يقومون ببحثها , قوبل رأيه بالرفض لأنه يعامل الجامعة على أنها برج عالى . انظر :

Jean Tusan, "L`Union Nationale de la R. A. U, ",Orient, no. 20 (1961) p. 205-6.

(مقتطف مترجم من : محمد كامل حتة : الإتحاد القومى , مطبعة جامعة القاهرة , 1960 ) .

ولم يكن بمقدور المفكرين اليساريين طرح وجهة نظرهم لأنهم كانوا فى السجون من جراء حملة 58\1959 .

(7) محمد حسنين هيكل , عن التجربة والديموقراطية فى عصرنا , الأهرام , 15 نوفمبر 1968 .

(8) كان " الأهرام " كمؤسسة صحفية منبراً للجدل الفكرى المحكوم , حيث كان ينشر عدداً من الدوريات التى تمثل الرؤى الفكرية للمثقفين من مختلف التيارات السايسية . وأشهر هذه الدوريات كانت " الطليعة " التى كانت بمثاية المنبر الرئيسى للماركسيين بعد حل منظماتهم .

(9) Joseph Szyliowicz, Education and Modernisation in the Middle East (Cornell University Press, 1973),p.296.

(10) فؤاد زكريا " السلبية وكرة القدم .. " , الطليعة ( فبراير 1966 ) ص 41 .

(11) مصطفى الفقى فى : الطليعة ( مايو 1969 ) , ص 44 .

(12) ورد فى : محمد جلال كشك , ماذا يريد الطلبة المصريون ؟ الطبعة الأولى _ بدون اسم الناشر : بيروت 1968 ) ص 95 .

(13) المرجع السابق , ص 96 . وكانت هناك نغمة مشابهة شائعة فيما يخص أساتذة الجامعات , فوفقاً لما يذكر الدكتور أحمد البدر الأستاذ بكلية آداب القاهرة , فقد طلب من زميل له , استاذ للعلوم السياسية . أن يكتب إلى القيادة السياسية فى البلاد , ليعرب عن عدم اتفاقه مع آراء هيكل بخصوص الضربة الأولى والضربة الثانية التى نشرت بجريدة الأهرام قبيل حرب الأيام الستة مباشرة , إلا أن زميله أحجم عن ذلك بسبب تخوفه من التعرض للانتقام , وهكذا " كان الخوف " كما يؤكد الدكتور " هو الذى قادنا إلى الهزيمة " ( الأهرام , 3 يونيو 1977 ) .

(14) عبد المجيد فريد , " صفحات من أوراق عبد الناصر السرية ( حلقات أسبوعية ) , مجلة23 يوليو , العدد 24 , 13 أغسطس 1979 .

(15)ورد فى : كشك , ماذا يريد الطلبة المصريون ؟ , ص 104- 105 .

(16) المرجع السابق .

(17) غالى شكرى , الثورة المضادة .. , ص 130 .

(18) عبد المجيد فريد , نفس المصدر .

(19) فى نفس اجتماع مجلس الوزراء , وعلى وجه الدقة وقبيل أسبوع من إعلان برنامج 30 مارس . فسر عبد الناصر شعار " الحرية " الذى رفعه الطلاب بأنه : " يعنى أن تعلم كل الناس ونشغلهم , ونعين الخريجين الجدد من أبنائهم , ونزوج بناتهم ونوفر لهم السكن " . ( عبد المجيد فريد , نفس المصدر ) .

(20) الأهرام , 15 أكتوبر 1968 .

(21) الأهرام , 16 أكتوبر 1968 .

(22) الأهرام , 17 أكتوبر 1968 .

(23) الأهرام , 19 أكتوبر 1968 .

(24) الأهرام 17 أكتوبر 1968 .

(25) إسماعيل صبرى عبدالله , باسم العلم وبعيداً عن الإنفعال , الأهرام , 20 أكتوبر 1968 .

(26) جمال العطيفى , كلمة أخيرة حول الحريات العامة وحرية البحث العلمى , الأهرام , 21 أكتوبر 1968 .

(27) كشك , ماذا يريد الطلبة المصريون ؟ , ص 97 .

(28) محمود حسين , العرب فى الحاضر ( ترجمة عن الفرنسية إبراهيم الحلو ) , ( دار الطليعة , بيروت , 1974 ) ص 13 .

(29) عبد المجيد فريد , أوراق عبد الناصر السرية , 23 يوليو , 6 أغسطس 1979 .

(30) R. Hrair Dekmejian, Egypt under Nasser (University of London Press, 1972) p.254.

فى رده على مظاهرات فبراير التى احتجت على الأحكام ضد ضباط الطيران الذين اتهموا بالأهمال , اتخذ هيكل هذا الموقف : " ماذا لو تصور أى قائد أن الحكم فى تقديره لن يكون للتقاليد العسكرية وللقوانين , وإنما سوف يكون للمظاهرات وللمشاعر الجماهيرية العارمة مهما كان صدقها ومهما كانت معاناتها . مثل هذا القائد أغلب الظن أنه لن يستطيع التحرك " ( الأهرام , 1\3\1968 ).

(31) Dekmejian,Egypt Under Nasser, p. 257.

اعترف عبد الناصر عقب الهزيمة , فى مقولة شهيرة , أنه قد اعتمد على المخابرات إلا أن المخابرات خذلته : فماذا ينبغى أن أفعل ؟ أضع مخابرات على مخابرات ؟

(32) المرجع السابق , ص 264 – 265 .

(33) كشك , ماذا يريد الطلبة المصريون ؟ , ص 86 .

(34) المرجع السابق , ص 12 .

(35) Dekmejian, Egypt Under Nasser, p. 235.

(36) Dessouki, "ArabIntellectuals, p. 188 – 192.

(37) Mahmud A. Faksh, "The Consequences of the Introduction and Spread of Modern Education :Education and National Integration in Egypt, Middle Eastern Studies, vol. 16, no. 2 (May 1980), p. 84.

(38) توصيات مؤتمر الإتحاد الإشتراكي حول معوقات العمل السياسى فى الجامعة , كلية الاقتصاد , جامعة القاهرة , 1971 . فى : الانتفاضة الطلابية فى مصر يناير 1972 ( دار بن خلدون , بيروت , 1972 ) , ص 60 .


( 8 ) الإنتفاض الطلابى فى 1968

الإنتفاضة الأولى : فبراير 1968

كانت الانتفاضة الطلابية فى فبراير 1968 هى أعلى الأصوات تعبيراً عن الاستياء العام فى اعقاب هزيمة 1967 . وكان الطلبة الذين استمروا فى صمتهم السياسى من 1954 حتى 1967 هم رأس الرمح فى السخط الجماهيرى . كما كانت عودة النشاط الطلابى إلى الظهور جزءاً لا يتجزأ من الضغوط العامة على النظام من أجل تغيير طبيعة السياسة المصرية وذلك بالسماح بدرجة أكبر من حرية التعبير للقطاعات المختلفة من السكان . وقد تم تدعيم وضع الطلبة على الساحة الوطنية بشكل خاص نتيجة لاعتماد محاولات النظام فى إعادة بناء الجيش على خريجى الجامعة الذين شكلوا العمود الفقرى لجيش أفضل تعليماً .

اندلعت الانتفاضة فى 21 فبراير على يد عمال حلوان فور إعلان حكم المحكمة العسكرية فى قضية ضباط سلاح الطيران المتهمين بالإهمال , والذين كان الرأى العام يرى أنهم مسئولون عن جانب كبير من الهزيمة العسكرية . واعتبر عمال المصانع الحربية وكذلك زملاؤهم عمال الصناعات الأخرى أن الأحكام مخففة للغاية . وكان رد فعلهم هو الخروج إلى الشوارع حيث أصيب عشرات منهم فى صدامات مع شرطة حلوان . وتصاعدت الأحداث التى بدأت بهذا الاحتجاج لتتحول إلى انتفاضة جماهيرية واسعة شارك فيها الطلبة بدور فعال .

وتصادف أن يوم 21 فبراير هو يوم الطالب المصرى , الذى يحتفل به الطلبة سنوياً فى ذكرى يوم الخميس الدامى الشهير عام 1946 . وتحولت الاحتفالات بذلك اليوم إلى سلسلة من حلقات النقاش السياسى , حيث حاول المسئولون فى الجامعة والحكومة الرد على تساؤلات الطلبة حول الوضع السياسى فى اعقاب المحاكمة . وفى الأيام التالية , خرج الطلبة من بوابات الجامعة , ولأول مرة منذ عام 1954 كان تواجدهم فى شوارع القاهرة والأسكندرية ملموساً . وظلوا على تلك الحال جنباً إلى جنب مع زملائهم المتظاهرين من المناطق الصناعية والمناطق الأخرى فى المدينتين , حتى 27 فبراير , ونتج عن انتفاضة القاهرة وحدها مصرع اثنين من العمال , واصابة 77 من المواطنين , و 146 من رجال الشرطة , وألقى القبض على 635 شخصاً بالإضافة إلى تدمير بعض المركبات والمبانى فى العاصمة . (1)

وشارك فى الانتفاضة الآلاف من طلبة الجامعات الكبرى فى القاهرة والأسكندرية . وكان لطلبة كلية الهندسة بجامعة القاهرة دورهم المتميز , حيث كانوا فى قلب الأحداث فى واقعتين لهما أهميتهما الخاصة . وقعت الأولى فى 24 فبراير عندما شكلت مجموعة من طلبة الهندسة الكتلة الأساسية من وفد تكون من الطلبة المتظاهرين أمام مجلس الأمة والذين سمح لهم بالدخول لتقديم مطالبهم لرئيس المجلس أنور السادات . وعند تسجيل أعضاء الوفد لأسمائهم عبروا عن مخاوفهم بأنهم ربما يتعرضون للاعتقال , فأعطاهم رئيس المجلس " كلمة شرف " بأن أحداً منهم لن يصاب بسوء , بل والأكثر من ذلك أنه أعطاهم رقم تليفونه الخاص للاتصال به فى حالة حدوث شىء من هذا القبيل . ومع ذلك اتضح أن مخاوف الطلاب كانت لها ما يبررها تماماً , حيث تم اعتقالهم من منازلهم فى نفس الليلة . (2)

وفى اليوم التالى , عقد الطلبة الذين استشاط غضبهم للقبض على زملائهم اجتماعا موسعا وقرروا تنظيم اعتصام فى كلية الهندسة (3) . وبالرغم من أن الحكومة كانت قد قررت تعطيل الدراسة فى 25 فبراير , إلا أن الإعتصام , وهو الواقعة الثانية التى ارتبطت بطلاب الهندسة تم فى ذلك اليوم واستمر ثلاثة أيام , بينما كانت الانتفاضة فى سائر أنحاء البلاد آخذة فى الأفول . وتميز اليوم الأول للاعتصام باصطدام مع الشرطة التى حاصرت الكلية , والقيت الحجارة على قوات مكافحة الشغب التى انسحبت بعد فترة إلى حديقة " الاورمان " لإتاحة الفرصة لاستخدام أشكال اخرى من الضغط على الطلبة , حيث تم استدعاء الأساتذة وأولياء أمور الطلاب لحث أبنائهم على التخلى عن حركتهم , وثبت نجاح هذا التكتيك فى آخر المطاف , فانخفض عدد الطلاب المعتصمين من 500 طالب فى بداية الاعتصام إلى حوالى 180 طالباً فى نهايته .

وكانت صيغة التسوية التى أنهت الاعتصام هى ما عرض على الطلبة من خلال وساطة الدكتور ابراهيم جعفر وهو أن يتقدم الطلاب بمطالبهم إلى رئيس مجلس الأمة حيث تم نقلهم من الكلية إلى مجلس فى رتل من سيارات الأجرة . وانعقد الاجتماع المقترح مساء 28 فبراير باعتباره إنهاء للاعتصام وكان فى واقع الأمر إنهاء لانتفاضة فبراير 1968 كلها . واتخذ الاجتماع نفسه شكل مناظرة حامية بين وزراء ومسئولى الدولة وأعضاء البرلمان ( بحضور رئيس المجلس ) من جانب والطلبة من جانب آخر . وكان ذلك مدعاة لأن يتفاخر أحد الطلبة بعد ذلك قائلاً : " ولا اذكر أن مجموعة من الوزراء قد استهزىء بها مثلما حدث فى تلك الجلسة " . (4) وتركزت المناقشات حول المطالب التى تمت صياغتها فى بيان أثناء الاعتصام . وعندما أصر الطلاب على نشر مطالبهم فى الصحف , رفض رئيس المجلس ذلك , بل ورفض البيان نفسه إجمالاً .

" أنا أرفض هذا البيان شكلاً وموضوعاً .. كان عندى بالليل وقرأته .. مش هو البيان بتاع الحرية تأخذ وتغتصب .. أنا بقولكم لا لا .. لأن هذا البيان بنى على عملية انفعالية .. ولم يبن على الموقف إللى إحنا فيه النهارده بعد هذه المناقشات الديموقراطية " . (5)

ولا ريب أن فهم جوهر مطالب الطلاب يعد أمراً ضرورياً لفهم انتفاضة فبراير 1968 ككل , حيث حاولت الحكومة الزعم بأن تلك المطالب ترتبط أساسا بقضية الضباط الذين أخلوا بواجباتهم . وبعد مناقشات مطولة مع ممثلى الطلاب , وصف رئيس مجلس الأمة مطالبهم بأنها تتركز على ثلاث قضايا ـ الاحكام التى صدرت ضد الضباط , وتظاهر العمال فى حلوان , وشكاوى الطلاب من سلوك الحرس الجامعى . وقد أشارت " الأ هرام " فى تحقيق لها حول مظاهرات القاهرة إلى مظاهرة وقعت أمام مبنى الجريدة , وإلى أربعة من الطلبة دخلوا المبنى وعبروا عن مطالب المتظاهرين كالتالى : " إن شباب الجامعات يسجلون اعتراضهم على الأحكام الصادرة فى قضية الطيران وهم إذ يجدون العهد والبيعة للمناضل جمال عبد الناصر ليتوجهون إليه باسم الشباب الجامعى أن ينظر فى هذه الأحكام تلبية لرغبة الجماهير الشعبية " . (6)

وكتب هيكل مقالا مطولا تحت عنوان : " عن الأحكام , والمظاهرات , وإعادة المحاكمة " . (7)

إلا أن مطالب الانتفاضة فى الواقع كانت أبعد من أن تنحصر فى مسألة " الأحكام " .

إذ كانت مطالب الطلاب فى شعاراتهم وبياناتهم ومناقشاتهم مع المسئولين الحكوميين تغطى دائرة أوسع كثيراً من القضايا العامة , وعلى سبيل المثال يعدد بيان الطلبة المشاركين فى اعتصام كلية الهندسة بالقاهرة المطالب التالية : (8)

(1) الإفراج فوراً عن جميع زملائنا المعتقلين .

(2) حرية الرأى والصحافة .

(3) مجلس حر يمارس الحياة النيابية الحقة السليمة .

(4) إبعاد المخابرات والمباحث عن الجامعات .

(5) الغاء القوانين المقيدة للحريات ووقف العمل بها .

(6) التحقيق الجدى فى حادث العمال فى حلوان .

(7) توضيح قضية المسألة فى قضية الطيران .

(8) التحقيق فى انتهاك حرمة الجامعات واعتداء الشرطة على الطلبة .

ويتضح ذلك من أن ثلاثة من هذه المطالب تدور حول المسألة الديموقراطية فى البلاد ككل , بينما تشير ثلاثة أخرى منها إلى غياب الديموقراطية فى الجامعة بوجه خاص , ويركز مطلبان منها فقط على قضية الطيران والأحداث التى أدت إليها .

وتضمنت الشعارات التى كتبت على جدران كلية الهندسة إبان الاعتصام عبارات مثل : " يجب إنهاء حكم المباحث والمخابرات " , " تسقط دولة المباحث " , " تسقط صحافة هيكل الكاذبة " , " لا حياة مع الإرهاب , ولا علم بلا حرية " , " القضية ليست قضية الطيران بل قضية الحريات " .

وتقدم توصيات المؤتمر الطلابى الذى عقد بكلية الصيدلة بجامعة الأسكندرية مثالاً آخر على الوجهة الرئيسية للمطالب الطلابية حيث قرر المؤتمر أنه يتعين على الحكومة : (9)

(1) تحديد من هم المسئولون الحقيقيون عن كارثة الطيران .

(2) بناء تنظيم سياسى فعال وإعادة النظر فى تنظيمات الشباب .

(3) معاقبة المسئول عن أحداث حلوان .

(4) إطلاق حرية الصحافة والنقد .

(5) تنحية الليثى عبد الناصر ( شقيق عبد الناصر وكان مسئول الإتحاد الإشتراكي بالأسكندرية ) .

(6) إلغاء التفرغ السياسى .

(7) خروج التوصيات من الجامعة للرئاسة رأساً .

(8) وقف تدخل المباحث فى حرية الجماهير ومراقبة الأفراد .

وهنا نجد أربع توصيات بخصوص الديموقراطية فى البلاد ككل , وواحدة من أجل الديموقراطية بالجامعة نفسها , وواحدة بخصوص قضية سياسية ذات مغزى خاص حيث أنها قد تكون موجهة ضد عبدالناصر نفسه بشكل غير مباشر , وأخيراً هناك مطلبان نتجا مباشرة عن أحداث الانتفاضة .

وكانت بعض الشعارات التى كررها المتظاهرون موجهة ضد النظام نفسه تحديداً : " تسقط دولة المباحث " , " تسقط دولة العسكريين " ,"هيكل هيكل ياكداب .. بطل كدب يانصاب " , "ياجمال للصبر حدود .. عشرة يونيو مش ح تعود " , " 9 يونيو أيدنالك .. والنهاردة عارضناك " .

أضف إلى ذلك أن النقاشات بين ممثلى الطلاب ومسئولى الدولة , مثل التى جرت مع رئيس مجلس الأمة , امتدت لتشكل نطاقاً أوسع من مجرد الإحتجاج على أحكام المحكمة العسكرية . وكان من أكثر هذه المناقشات أهمية تلك التى جرت بين عبدالناصر نفسه وبين مجموعة من قيادات اتحاد الطلاب (10) بعد الانتفاضة , ففى لقاء كان من المقرر له أن يستمر لمدة نصف ساعة ولكنه استمر إلى ما يقرب من ثلاث ساعات ونصف , ناقش ممثلو الطلاب مع عبد الناصر سبعة عشر تساؤلاً كانوا قد أعدوا قبل اللقاء بأكثر من اسبوع , وكانت كلها بخصوص الموقف السياسى الوطنى . (11) ولم يتقدم أى منهم بأى شكوى طلابية , إلا أن عبد الناصر نفسه هو الذى حثهم عند نهاية اللقاء على شرح مشكلات الطلاب على وجه الخصوص , فتطرقوا للأمر فى إيجاز , مركزين شكواهم على مسألة وصاية الأساتذة على اتحاد الطلاب .

لم تكن انتفاضة الطلاب فى فبراير 1968 إذن مجرد احتجاج على أحكام محكمة عسكرية على مجموعة من الضباط المتهمين بالإهمال , وإنما كان يفسرها د . فؤاد زكريا : " كانت حركة الطلاب فى 1968 تلخيصاً للسخط الجارف الذى اجتاح البلاد بعد هزيمة 1967 . على أن الروح العامة التى كانت وراء هذا التحرك الطلابى كانت تعبر عما هو أكثر من السخط على الهزيمة , إذ كانت فى الواقع تعبيراً عن عدم الرضا عن أسلوب كامل فى الحكم تعد الهزيمة العسكرية مظهراً واحداً من مظاهره السلبية . " (12)

وقد حاولت الحكومة احتواء الانتفاضة فى مراحلها الأولى فى حلوان , فبينما كان العمال يعدون للقيام بمظاهرة أمام مجلس الأمة وقصر الرئاسة , أقنعتهم قيادات الإتحاد الإشتراكي بأن تقتصر المظاهرة على مقر الإتحاد الإشتراكي فى منطقة حلوان على مقربة من قسم البوليس حيث حدثت المواجهة بين العمال والشرطة فى آخر الأمر . وهذا هو ما كان يعنيه عبدالناصر حين أشار إلى التناقض فى الانتفاضة حيث كان الإتحاد الإشتراكي يقود المظاهرات بينما كان البوليس يتصادم معها . (13) وهذا أيضاً هو ما دعا البعض ـ ومنهم أعضاء فى البرلمان ـ للاعتقاد فى أن المظاهرات قد نظمها الإتحاد الإشتراكي ومنظمة الشباب .

والحقيقة أن انتفاضة العمال كانت عفوية . وكما ذكر خالد محى الدين فى مجلس الأمة فإن " كون الإتحاد الإشتراكي كان على رأس هذه المظاهرات لا ينفى أنها كانت مظاهرات تلقائية .. إن الجو السياسى العام كان يحتم التحرك " . (14) فضلاً عن أن سيطرة قيادات الإتحاد الإشتراكي على المظاهرات لم تستمر إلا فى الساعات القليلة الأولى على أقصى تقدير , وبعدها أصبحت المظاهرات بلا أى ضوابط على الإطلاق . الأمر الذى اعترف به ضمنياً بيان وزير الداخلية أمام مجلس الأمة : " كان قد تم الاتفاق مساء يوم 20 بين الإتحاد الإشتراكي ومنظمة الشباب ووزارة الداخلية بعدم القيام بمظاهرات وأنه يمكن عقد مؤترات فى الداخل للإعراب عن الآراء ولكن خرجت هذه المظاهرات ولم يتم اتصال بوزير الداخلية من الذين كانوا يقودون هذه المظاهرات حتى يمكن إعطاء أوامر تتفق مع الموقف . " (15)

وكانت محاولات الحكومة الأولى لاحتواء الانتفاضة , هى المبادرة بإلقاء القبض المسبق على من اعتبرتهم من المحرضين , ومع ذلك , أمر عبد الناصر وزير داخليته بالسماح بخروج المظاهرات إذا لم تفلح عمليات القبض هذه فى منعها . (16) وكان المدى الذى وصلت إليه الانتفاضة فى الواقع أضخم بكثير من أن يكون احتواؤها ممكنا بعمليات القبض المسبق على العناصر النشطة أو بواسطة قوات مكافحة الشغب التى كانت لا تزال ضعيفة نسبياً فى ذلك الوقت والتى تحولت بعد الانتفاضة إلى فرقة قوية ومسلحة تسليحاً ثقيلاً هى " قوات الأمن المركزى " .

وبدأ احتواء المشاركة الطلابية فى الانتفاضة من الداخل نفسها , حيث ذكرت جريدة الأهرام (25\2\1968 ) أنه فى أول أيام خروج المظاهرات الطلابية إلى الشارع ـ يوم 24 فبراير ـ نجح الدكتور حلمى مراد مدير جامعة عين شمس فى إقناع طلبته بأن تنحصر حركتهم داخل حدود الجامعة . وفى البيان الذى ألقاه أمام مجلس الأمة أشار وزير الداخلية إلى لقاء تم بين الطلاب ووزير التعليم العالى اتفق فيه على أن تكون مطالب الطلاب محل اهتمام من الأجهزه الرسمية المعنية مثل الإتحاد الإشتراكي واتحاد الطلاب وإدارة الجامعة , بينما ترفع آرائهم فى قضية الطيران إلى الرئاسة دون حاجة إلى التظاهر .

وعندما فشلت محاولة احتواء الطلاب داخل أسوار الجامعة , نصحت وسائل الإعلام الطلاب بوقف التظاهر فى الشوارع على أساس أن "عناصر أخرى قد اندست بين صفوفهم أثناء المظاهرات " . والأهم من ذلك أنه تم إبلاغ الطلاب أن أى خروج على قرار منع المظاهرات يعتبر "إساءة إلى النضال القومى فى وقت تتعرض فيه الأمة العربية لمؤامرة واسعة النطاق من قوى الاستعمار ومن إسرائيل " . (18) وبرزت هذه النغمة فى بيانات المسئولين حول الأنتفاضة والمتزامنة مع إعلان هؤلاء المسئولين لثقتهم فى القاعدة الطلابية , وهو تلميح كان يهدف إلى فصل القيادات لتتحمل وحدها الاتهام بتخريب النضال القومى وخدمة أغراض العدو . (20)

كما أكد زميله وزير التعليم العالى على أن :

" طلبة الجامعات هم موضع ثقة هذا البلد كله , وأنا والحكومة نقدر أن الخير كل الخير فى إبداء لآرائهم عن طريق المناقشة الحرة البناءة .. إن موقفنا الآن يعتمد على قوة وسلامة الجبهة الداخلية فى وقت تواجه فيه قواتنا العدو .. إن قوة الانتاج وتدفقها هى الدعامة التى تعتمد عليها الجبهة الداخلية والقوات المسلحة وبالتالى أى تعطيل للانتاج لا يفيد , ولا شك أن تعطل الدراسة هو تعطيل للانتاج " (21)

كما طرح "هيكل" نفس الفكرة تقريباً , برغم أنه قال فى مرحلة مبكرة إن : "مشاركة الشباب فى عملية التفاعل الديموقراطى ليست مجرد أمر مرغوب فيه ولكنها مطلب ضرورى ولسبب شرعى أساسى هو أنهم اصحاب الغد الذى نحاول الآن أن نبنيه ولا تملك أى سلطة أن تعترض هذا الحق أو تعطله " . حيث حذر من أن : " المظاهرات قد تعطى انطباعاً خاصئاً عن سلامة الجبهة الداخلية ولابد أن ندرك أن سلامة الجبهة الداخلية ـ باطناً وظاهراً ـ هى الأرض الوحيدة للصمود " . (22) وقد ردد نفس النغمة خالد محى الدين وهو أحد الراديكاليين فى البرلمان : " اعترف أن الجامعات فيها عيوب ولكنها يمكن أن تنتظر , ولكن العدو الموجود على الأبواب لا يمكن أن ينتظر . " (23)

وارتبط الاتهام بأن الانتفاضة قد أثرت أو ربما تؤثر على الاستقرار السياسى الداخلى , بالادعاء بوجود صلات مباشرة بين هذه الانتفاضة وبين القوى الرجعية المتبقية من النظام القديم . ورأى بعض أعضاء البرلمان فى انتقاد الطلاب لعدم كفاءة البرلمان إشارة إلى تركيبته الاجتماعية , أى نسبة الخمسين بالمئة من ممثلى العمال والفلاحين . وربما كان بعض الطلاب قد أعرب ـ بشكل فردى ـ عن هذا الرأى بالفعل كما زعم أحد أعضاء البرلمان . (24) ولكن لم يثبت أن كان ذلك بأى حال من الأحوال رأى التيار السائد داخل الحركة . ومع ذلك ادعت الحكومة مراراً وجود صلة لحركة الطلاب مع عناصر من النظام السابق . كما أعاد السادات نفسه فى لقائه مع طلبة الهندسة تكراراً هذا الادعاء : " انتم شجعتم بالمظاهرات عناصر كانت انتهت .. كانت دخلت الشقوق .. النهاردة الضهر عربية كانت بتلف على المدارس فى مصر الجديدة علشان يضربوا .. واتمسكت العربية وإللى فيها من أولاد الإقطاعيين بتوع زمان . " (25)

وعقب الانتفاضة مباشرة , ألقى عبد الناصر فى مناورة سياسية بارعة خطاباً فى منطقة حلوان التى بدأت منها الانتفاضة أكد فيه أمام الجمهور هذا الادعاء , بأن جعله جزءاً أساسياً من تحليله لمغزى الانتفاضة التى أقر أنه كان يتابعها "لحظة بلحظة" . (26)

وفى خطابه هذا جمع عبدالناصر بين الأفكار الرئيسية فى البيانات الرسمية لوزير الداخلية والمقالات شبه الرسمية لهيكل فى تحليل مترابط . فبينما أقر بأن الطلبة من " حقهم وواجبهم " الاهتمام بما يجرى فى وطنهم , أمد على أن العناصر النشطة التى أخرجت الحركة إلى الشوارع كانت فحسب " 1500 إلى 2000 شخص " وليس كل ال 140 – 150 ألف طالب فى جامعات البلد . (27) وأبرز فهمه للدوافع التى خلقت الانتفاضة على الوجه التالى : (28)

(1) إن شبابنا صدره يشعر فيه بضيق , يشعر أنه مشتت , يشعر بالعدوان .. أحكام الطيران كان لها رد فعلها العاطفى أيضاً بين شباب الجامعات .

(2) سوء التفاهم بين الطلبة والسلطات .

(3) وجود عناصر من أعداء الثورة .. أعداء الشعب , أعوان الاستعمار تحاول استغلال الموقف لكى يموت بعض المتظاهرين وتتحول إلى مذابح وهز للجبهة الداخلية .

(4) عدم نشر الصحف لأخبار الأحداث بالكامل لاعتبارات الأمن القومى.

وحذر عبد الناصر من أن أعداء ثورته الإشتراكية , قد وجدوا طريقهم إلى صفوف طلاب البلاد , فقال : "احنا نعرف حتى فى الماضى يمكن العمال ضللوا بواسطة الرجعية والطلبة أيضاً ضللوا بواسطة الرجعية . أنا بقول أن العملية بدأت عملية تلقائية هنا فى حلوان . وبدأت عملية تلقائية فى الجامعة . لكن بعد كده العملية ما أصبحتش عملية تلقائية .. انا برضة باقول لاخواننا الطلبة فى الجامعة قبل ما تنقاد وراء أى شعار شوف مين إللى بيردد هذا الشعار , ما كل واحد ليه أوضاع طبقية . طبعاً فيه ناس اتاخدت املاكهم وفيه ناس اتاخدت اراضيهم , وفيه ناس اتأممت مصانعهم , ودول أولادهم موجودين فى أوساطنا .. الرجعية اتحركت ازاى ؟ حاولوا استغلال مظاهرات الطلبة , ورفعوا شعارات الحرية والديموقراطية . " (29)

وبينما يبدو منطقياً أن نفترض أن أولئك الذين استفادوا من النظام السابق ربما يكونون قد حاولوا استغلال انتفاضة كهذه, إلا أن إدعاء عبد الناصر لم يكن مقنعاً , إذ كان من الواضح للعديدين أن الانتفاضة كانت بالأساس رداً على هزيمة 1967 , وعلى لآثام النظام التى كان الشعب يشكو منها بحذر قبل هزيمة 1967 , وهاجموا بصورة أكثر صراحة بعدها . وفى بعض الحالات كان هذا الاتهام يقابل باستهزاء : " يبدو أكثر من مضحك وأكثر من إهانة للطالب المصرى الآن أن تحدثه عن نشاط لحزب الوفد أو سراج الدين بين الطلبة ! ولو أجرى اختبار الطلبة المصريين لما عرف 60% منهم من هو سراج الدين ؟ ولما عرف 80% منهم إذا كان حياً إو ميتاً . (30) ولكن من الممكن بالطبع أن يكون شعار الديموقراطية قد رفعه خصوم النظام كما رفعة مؤيدوه الذين كانوا يأملون فى مجرد إضافة الصبغة الديموقراطية إليه .

ولم تؤيد القيادات الطلابية التى قادت انتفاضة فبراير 1968 ـ على اختلاف تياراتها الأيدولوجية ـ ادعاء عبدالناصر . ولعل أفضل وصف لهذه التيارات هو ما طرحه أحد الطلاب المنتمين للتيار الإسلامى : "بينما كان اليسار واليمين ممثلين بثقل كبير فى المناقشات كان الاتجاه الإسلامى غائباً .. كان الاتجاه اليسارى سائداً .. أما أغلبية فمجموعة قامت تطالب بالحرية والإصلاح بدون منهاج محدد أو فكر واضح .. كان التحقيق مع المعتقلين يستهدف معرفة الاتجاه الذى وجه الحركة .. كان واضحاً من أسئلة المحققين تخوف السلطة من تحرك اليسار .. ونلمس ذلك من سؤال الطلبة المعتقلين عن رأيهم فى الخلاف العقائدى بين الإتحاد السوفيتى والصين .. رغم ضيقى من عدم التزام قيادة الحركة بالاتجاه الإسلامى , فالحق يحتم على أن أقرر أن حركة 68 كانت الحركة الوحيدة التى التف حولها الطلبة بمختلف اتجاهاتهم . واستمرت نظيفة طاهرة حتى نهايتها , وقد كان السبب الرئيسى فى ذلك هو بعدها عن تأثير الاتجاهات المذهبية المختلفة .. " . (31)

وكان الأثر السياسى للانتفاضة رائعاً فى البلد ككل وداخل كل الجامعات . فعلى المستوى القومى , اضطر عبد الناصر لأن يصدر أمراُ بإعادة محاكمة الضباط المتهمين بالإهمال , وتشكيل وزارة جديدة كان أغلبها من المدنيين (32) ـ معظمهم من اساتذة الجامعات ـ وذلك أول مرة فى عهده . والأمر الأكثر دلالة , هو أنها جعلته يسعى لتجديد شرعيه نظامه من خلال برنامج 30 مارس بما كان يتضمنه من إصلاحات ليبرالية موعودة فى النظام السياسى .

وداخل الجامعات , مهدت الانتفاضة الطريق لإزالة عدد من القيود التى كانت تعوق بشدة مجالات النشاط فى الحركة الطلابية . فبرغم بقاء الحرس الجامعى داخل الحرم إلا أنه لم يعد يتدخل مباشرة فى النشاط السياسى للطلاب , كما لم تعد لديه سلطة مراقبة المقالات الطلابية المنشورة فى مجلات الحائط , الأمر الذى جعل من مجلات الحائط كما ذكر أحد الطلاب : " الصحافة الحرة الوحيدة فى مصر " (33) . كما صرح للاتحاد العام لطلاب الجمهورية بإصدار صحيفة طلابية مركزية . وصدرت لائحة جديدة لاتحاد الطلاب بموجب قرار جمهورى منح الطلاب ما كانوا يأملون فيه منذ أمد بعيد , اتحاداً طلابياً بلا وصاية من أعضاء هيئة التدريس . كما حصل الطلاب أيضاً على عدد من المكاسب الاجتماعية كخفض رسوم الإقامة فى المدن الجامعية من سبعة جنيهات ونصف إلى خمسة جنيهات , وزيادة مخصصات بنك الطلبة من مليون إلى ثلاثة ملايين جنيه . (34)

وفى تلك الأثناء كان نظام عبد الناصر قد أكتسب قدراً أكبر من الفهم لما يمكن أن يسببه إحياء الحركة الطلابية عقب النكسة العسكرية من تهديد محتمل لاستقراره , ومن ثم بذلت مساع خاصة لتجنيد القيادات الطلابية فى التنظيم السرى التابع للاتحاد الاشتراكى وهو " طليعة الإشتراكيين " * وفى هذا التنظيم تعرضت سمات الاستقلالية وروح المبادرة ـ التى كان الطلاب قد بدأوا فى اكتسلبها إبان الانتفاضة ـ للتقييد بسبب الانضباط الذى فرضته على القيادات الطلابية محاولة إصلاح النظام من داخله .

  • [ طبقاً لرواية شعراوى جمعة وزير الداخلية وأمين تنظيم الإتحاد الإشتراكي آنذاك : " هذه المظاهرات أعطتنا درساً كبيراً أن منظمة الشباب لا تستطيع أن تعمل فى هذا المناخ . ولكن تظيم طليعة الإشتراكيين هو القادر على الحركة وتغطية هذا العمل . وبدأنا فعلا نشكل تنظيم طليعة الإشتراكيين فى الجامعة بواسطتى أنا شخصياً وبلقاءاتى مع قيادات الطلاب , وكانت هذه خبرة التيار الناصرى فى وسط الطلاب . وربما أنهم لم يعرفوا للسلطة الساداتية لأن من أنجح ما حدث ليلة 14 مايو 1971 أن تم إحراق قوائم التنظيم الطليعى فى الجامعة . " ( صفوت عبد المجيد , حديث لم ينشر مع شعراوى جمعة , أنباء الأسبوع , 9\2\1989 ) . ]

إلا أن أهم ما خلفته الانتفاضة على الإطلاق هو انتشار روح الثقة بالنفس بين الكتلة الطلابية فى أعقابها . إن الانتفاضة , بإفرازها لقيادات طلابية جديدة قد وضعت الأساس لسلسلة من التحركات الطلابية التالية . كما بدأت عملية الاستقطاب الايديولوجى فى صفوف الطلاب , تلك العملية التى أدت إلى عودة التيارات السياسية المنظمة للظهور ثانية فى إطار الحركة الطلابية المصرية . ولم تجمع هذه التيارات على شىء قدر إجماعها على النظر إلى انتفاضة فبراير 1968 بتقدير خاص .


الإنتفاضة الثانية : نوفمبر 1968

كانت صفوف الطلاب المصريين قد استردت قدراً من الثقة بالنفس لبضعة أشهر قليلة إثر انتفاضة فبراير 1968 , وذلك بسبب دورهم الذى كان حاملاً لاحترام الجماهير , فى تمهيد الطريق للإصلاح السياسى بعد الهزيمة . ولكن الهدوء الطلابى النسبى انتهى فجأة باندلاع موجة من الاضطرابات الطلابية فى نوفمبر 1968 .

وكان ذلك بمناسبة إعلان قانون جديد للتعليم يحد من العرف القائم الذى يسمح لطلاب المدارس الثانوية بدخول الانتخابات لأى عدد من المرات , ويضمن للطالب النجاح العام برغم رسوبه فى مادتين ( غالباً الرياضيات واللغات الأجنبية ) . كما رفع القانون درجة النجاح الصغرى فى عدد من المواد بالمرحلة الثانوية , وأنهى الانتقال الآلى من صف دراسى إلى آخر فى المرحلة الابتدائية , ووضع حداً أدنى من الدرجات للالتحاق بالمرحلة الإعدادية , وطبقاَ لهذا القانون أصبح على الطلاب الحصول على مستوى معين من الدرجات كحد أدنى فى كل المواد الدراسية حتى يحققوا النسبة العامة للنجاح فى امتحاناتهم . ولا ريب أن الأثر العام لهذا القانون على مستوى العملية التعليمية كان مفيداً ولكن بالنسبة لأولئك الذين يحاولون الحصول على مؤهلات دراسية . كان من الطبيعى أن يبدو أثره مقيداً بشكل حاد .

بدأت الانتفاضة نوفمبر 1968 الطلابية فى مدينة المنصورة . حيث خرج طلاب المدارس الثانوية بالمدينة إلى الشوارع فى 20 نوفمبر احتجاجاً على القانون إثر نشره بالصحف فى اليوم السابق . وعزت المصادر الرسمية هذه المظاهرات إلى طلاب مدرسة ثانوية خاصة معينة , كانوا يعرفون بارتفاع سنهم عن متوسط عمر طلاب المدارس الثانوية , وبتكرار رسوبهم فى الامتحانات . (35) ولكن سرعة انضمام طلاب المدارس الأخرى بالمدينة إليهم , تجعل من الصعب إرجاع تلك المظاهرات إلى طلاب مدرسة واحدة فقط . حيث كان طلاب البلاد عموماً يتوقعون الحصول على فرصة سهلة للانتقال إلى التعليم العالى كنتيجة للتوسع الذى بشرت به سياسات عبد الناصر التعليمية الشعبية . وكان تأكيد القانون الجديد على الكيف على حساب الكم أمراً جديداً هو الذى دفع بالطلاب إلى التظاهر .

وانتهى أول أيام المظاهرات فى المنصورة بتجمع طلابى فى مدرسة حكومية . وفى هذا التجمع أكد محافظ الدقهلية للطلاب أن قانون التعليم لن يطبق بأثر رجعى , وأنه ستتم بعض التيسيرات بالنسبة للطلاب الذين كانوا مقيدين بالمدارس بالفعل وقت إعلان هذا القانون , وكان المحافظ قد تلقى بلاغاً تليفونياً بفحوى هذا التأكيد من وزير التربية والتعليم بعد مناقشة القانون مع المسئولين فى وزارته فى اجتماع عقد باللوجه القبلى .

وفى اليوم التالى ـ 21 نوفمبر 1968 ـ استمر الطلاب فى التظاهر وبدأ المظاهرات هذه المرة طلبة المعهد الدينى الأزهرى البالغ عددهم ألفين من الطلاب , والذين برغم عدم انطباق هذا القانون عليهم , إلا أنهم خشوا من أنهم ربما يتأثرون به . ويتجه المتظاهرون إلى مديرية الأمن حيث يصبحون وجهاً لوجه أمام قوة البوليس المتمركزة بداخلها , فينطلق الرصاص , ليقتل ثلاثة من الطلبة وفلاحاً , بينما جرح إثنان وثلاثون متظاهراً (36) , وتسعة من ضباط البوليس وأربعة عشر من ضباط الصف والعساكر (37) .

واتخذت الحكومة التدابير لوقف انتشار القلاقل وسعت الصحف الرسمية إلى إثارة ضجة حول الموضوع لمنع حدوث احتجاجات طلابية أخرى , وأعادت " الأهرام " التذكير بمزايا قانون التعليم الجديد , وزعمت أن المظاهرات قد اندست فيها عناصر غير طلابية , حاولت مهاجمة مديرية الأمن بالمنصورة . (38) كما أكدت مرة أخرى على " الظروف العصيبة التى تجتازها البلاد والتى تقضى توجيه كل الجهود لمواجهة العدو " (39)

وحاول مكرم محمد أحمد , وهو أحد محررى الأهرام , تقديم وصف أكثر دقة وشمولاً للمعلومات دون الخروج عن الرواية الرسمية للأحداث (40) . فأثار قضية مسئولية مدير الأمن بالمحافظة : " لماذا لم يقل بيان مدير الأمن كل الحقيقة . لماذا لن يسرد الوقائع مثلما جرت . لماذا لم يقل إن أربعة قد سقطوا أمام ساحة المديرية . ليس هناك ما يمكن إخفاؤه " . (41) ومع ذلك , استمر فى إلقاء اللوم على عاتق الطلاب : " لماذا هذا العنف البالغ فى مواجهة قرار إصلاحى ينهى الهذر الذى أصاب النظام التعليمى لسنوات طويلة ؟ " . واستشهد مكرم محمد أحمد بخطاب وزير التعليم أمام الطلاب : " لقد كنتم تصرخون فى فبراير الماضى , تطلبون الفرد القوى والأمة القوية وعندما استهدفكم الإصلاح تتعذرون الآن عليه .. أية غرابة فى موقفكم " ! كما انتقدهم بحدة قائلاً : " إن القوة الطلابية فى مصر والتى وافتها فى مارس الماضى فرصة أن تكون إحدى قوى التصحيح المستمر .. من الضرورى أن نتفق على أن المناخ الذى جرت فيه حوادث المنصورة يختلف تماماً عن المناخ الذى جرت فيه حركة الطلاب فى فبراير الماضى .. يومها كان هناك تقدير شعبى واضح للدور التصحيحى البالغ الأهمية لمظاهرات الطلاب .. إن ما وقع فى المنصورة لم يكن بالشىء المناسب فى الزمن المناسب .. كان ينبغى أن يصاحب ختام الموقف لوم شديد لطلاب المنصورة لأنهم لم يستنفدوا وسائل كثيرة كان من الممكن أن تحمل وجهات نظرهم . المشكلة فى ذلك أننا لا نستخدم جيداً الأطر القائمة بالفعل من أجل التعبير عن وجهات نظرنا فى المشاكل .. كان هناك إمكانية عقد مؤتمر داخل المدرسة , وكان هناك أيضاً إمكانية إشراك مجالس الآباء فى الموقف , وكان هناك ثالثاً إمكانية التوجه إلى التنظيم السياسى القائم من أجل طرح المشكلة سياسياً . وكان هناك أخيراً إمكانية استنهاض اتحاد الطلبة لكى يقوم بدوره فى المشكلة . لم يحدث شىء من ذلك أبداً ... المظاهرة هى أبسط الوسائل " ! (42) .

قدم مكرم محمد أحمد أكثر التحليلات شبه الرسمية للأحداث حكمة وأقلها ديماجوجية , ألا أنه فشل فى اقتراح بديل فعال لما قام به الطلاب . فهم لم يغفلوا الأطر المطروحة ليستبدلوها بمجرد الرغبة فى التخريب ونشر الفوضى , لكنهم كانوا قد فقدوا الثقة طويلاً فى كافة المؤسسات المعنية , كما أن فترة الإصلاح القصيرة كانت غير كافية بالمرة لتبديد عدم الثقة المترسخ لديهم . ودليل ذلك ما استشهد مكرم نفسه به فى مقاله مما قاله بعض الطلاب : " لابد من الإضراب .. من الذى يضمن لنا كل ما قاله المحافظ ؟ " .

وسرعان ما انتقلت أخبار أحداث المنصورة الدامية إلى جامعة الأسكندرية التى تضم عدداً من الطلاب من أبناء الدقهلية . وتوقع محافظ الأسكندرية حدوث متاعب فى الجامعة وبالذات فى كلية الهندسة حيث توجد بؤرة للقيادات الطلابية النشطة , , فعقد اجتماعاً يوم الجمعة 22 نوفمبر حضره مدير الأمن . ومدير الجامعة , وخمسة من أعضاء هيئة التدريس بكل كلية , وكل نظار المدارس الثانوية بالمدينة وعدد من نظار المدارس الإعدادية الكبيرة , ورؤساء الأحياء بالمدينة (43) . وبحثوا احتمالات الاضطرابات , واتفقوا على أن تبدأ المحاضرات بالجامعة مبكراً عن المعتاد بخمس دقائق , وأن يتولى مدير الأمن ضمان حظر الخروج إلى الشارع فى مظاهرات . ولم يدع أى ممثل طلابى لحضور هذا الاجتماع .

وفى مساء نفس اليوم رجع اثنان من طلبة الهندسة من المنصورة ليؤكدا أخبار الصدام الدامى , فعقد اجتماع طارىء لاتحاد الطلاب بعد منتصف الليل واتخذ فيه قرار بتنظيم مسيرة احتجاج سلمية فى اليوم التالى . (44) ومنذ الصباح الباكر بدأ الطلاب فى التجمع بكلية الهندسة . وأبلغ الطالبان العائدان من المنصورة الطلبة المجتمعين بالموقف هناك , وذكرا أن البوليس قد أحاط بمساجد المدينة أثناء صلاة الجمعة . وأطلقت الهتافات ضد وزير الداخلية شعراوى جمعة (45) وبعد ساعتين من النقاش الحاد انتهى الاجتماع ( بفوضى شديدة طبقاً لما ذكره الأهرام ) وخرج الطلاب إلى الشوارع .

وقاد المظاهرة عاطف الشاطر رئيس اتحاد طلاب كلية الهندسة رافعاً علم الكلية . وحدث الصدام الحتمى مع قوات الشرطة أمام كلية الزراعة حيث أصيب ثلاثة وخمسون من رجال الشرطة وثلاثون من الطلاب (46) . وفى أثناء المظاهرة ألقى القبض على عاطف الشاطر وثلاثة من زملائه بينما كانوا يتفاوضون مع البوليس ونقلوا إلى مديرية الأمن بالأسكندرية , فتفرقت المظاهرات وعاد الطلبة للتجمع فى كلية الهندسة .

واختار محافظ الأسكندرية ـ بشجاعة ـ أن يواجه الطلاب بنفسه وأن يقنعهم بعدم تصعيد التوتر . وفور وصوله حاصره الطلاب واحتجزوه فى حجرة الحرس التى كانت تحت سيطرة الطلاب الذين قطعوا أسلاك التليفون ولم يسمح للمحافظ بالخروج فى آخر الأمر إلا بعد أن أمر بإطلاق سراح الطلاب الأربعة . وعندما وصلوا إلى كلية الهندسة عقد مؤتمر طلابى وسمح للمحافظ بالحديث فيه , إلا أنه لم يحقق نجاحاً يذكر فى مواجهة الصخب الذى قوبلت به كلماته , ولكنه وافق على مقابلة وفد من الطلاب فى مكتبه مساء نفس اليوم . *

  • [ انظر رواية أحمد كامل للحدث :"ذهبت إلى الجامعة .. كانت تحت حصار بوليس مكثف .. لم أكن بعد وجهاً مألوفاً كمحافظ . ولذلك وجدت إلى جوارى ضابط شرطة يطلق بندقية رش فى إتجاه الطلاب المعتصمين . خطفت البندقية من يده وكادت تنشب معركة جانبية لولا أن رآنى سيد فهمى مدير مباحث الأسكندرية آنذالك ووزير الداخلية بعد ذلك . قلت له اخرج هذا الضابط بعيداً من هنا واحضر عاطف الشاطر من السجن فوراً . جاءنى سيد فهمى بعاطف الشاطر وهو فى نوبة بكاء حادة . قال : ضربونى يا أفندم . قلت له : كن رجلاً .. ادخل إلى الجامعة الآن واجمع زملاءك فى القاعة الكبيرة وسوف أدخل وراءك لنجلس ونتناقش جميعاً ... جلست فى مواجهة الطلاب الغاضبين وقد أحضروا طالبا ينزف من طلقات بندقية : ثم قال أحدهم بصوت محرض وهو يشير إلى زميله :انظر ماذا تفعلون .. أى تفاهم يمكن أن يكون بيننا . قلت أنا لا أعرف شيئاً , ووزير الداخلية هو الذى أعطى تعليماته لمسئولى الأمن بهذا الخصوص , وهو قرار خاطىء تماماً . واستمر الحوار المنفعل بينما مسئولو الأمن خارج حرم الجامعة فى حالة ترقب وقلق . وهكذا اتصلوا بوزير الداخلية واتصلوا بمكتب الرئيس وقالوا : ان المحافظ دخل مبنى الجامعة , ونحن نخشى أن يفتك به الطلاب الغاضبون , ماذا نفعل .. هل نقتحم الجامعة لإنقاذه ؟ ونقل سامى شرف على الفور الموقف إلى الرئيس عبدالناصر وكان رده : لا اقتحام .. اتركوه يتصرف وحده . لم يكن ممكناً أن تجرى المناقشة مع آلاف الحناجر الغاضبة . ولذلك اقترحت عليهم أن يشكلوا لجنة للحوار . " ( أحمد كامل يتذكر , المصور , 20 \ 4\ 1990 ) . ]

وقبل أن يغادر المحافظ كلية الهندسة التقى بعاطف الشاطر واثنين من زملائه , وتسلم منهم نسخة خطية من المطالب الطلابية التى تضمنت المطالبة باستقالة وزير الداخلية , ومحاكمة المسئولين عن أحداث المنصورة , والإفراج عن الطلبة المعتقلين , ورفع الرقابة عن الصحف , وإقرار سيادة القانون , وتطور الجامعات . (47)

وعقد الاجتماع المقترح مع المحافظ , فحضره حوالى 20 طالباً يمثلون اتحاد الطلاب كما يمثلون مئات الطلاب الذين كانوا قد بدأوا بالفعل اعتصاماً فى كلية الهندسة وانتهى الاجتماع إلى طريق مسدود .

وعزز الطلاب المشاركون فى الاعتصام موقفهم بأن استولوا على ماكينة طباعة الرونيو الخاصة بالكلية , وبدأوا فى كتابة سلسلة من البيانات وزعت جميعها على نطاق واسع فى المدينة . وأعلنوا كلية الهندسة مقراً دائماً للاعتصام , وشكلوا لجنة " الرصد والاستطلاع " ولجنة " متابعة المالب " . وأسندت مسؤلية اللجنة الأخيرة إلى الدكتور عصمت زين الدين رئيس قسم الفيزياء النووية ـ كان يبلغ من العمر 43 عاما ـ الذى كان يؤيد الطلاب وأسهم بقدر فعال فى انتفاضتهم . كما شكلت لجنة من أربعة طلاب لإذاعة البيانات عبر مكبر للصوت علق على سور الكلية .

وفى اليوم التالى كان من المقرر أن يبحث مجلس الوزراء مشكلة الإسكان ولكنه بحث بدلاً منها موضوع الطلبة وقرر إغلاق الجامعات . وفى نفس الوقت كان الكثيرون من الطلاب قد انضموا إلى الاعتصام . وبدأ الطلاب من المدارس المحيطة بالجامعة التظاهر أيضاً , ولكن قوات الشرطة المحيطة بكلية الهندسة , قامت بتفريقهم .

وفى يوم الأثنين 25 نوفمبر حدث إضراب بالأسكندرية , كما شهدت المدينة مظاهرات على نطاق لم تشهده من قبل , انتهت بصدام دام مع الشرطة . وكما توضح أرقام الخسائر , فإن الطلاب لم يكونوا وحدهم فى هذه الأحداث : إذ لقى ستة عشر شخصاً مصرعهم ( 3 طلاب , 12 من الأهالى , وتلميذ عمره 12 عاماً سقط تحت أقدام المتظاهرين ) , بينما أبلغ عن وصول 167 مصاباً من الأهالى إلى المستشفيات , كما أصيب 247 من رجال الشرطة ( 19 ضابطاً و228 جندياً ) (48) , وألقى القبض على 462 شخصاً , أفرج عن 78 منهم لأن سنهم أقل من 16 سنة , وأفرج عن 19 لعدم كفاية الأدلة , وحبس الباقون وعددهم 365 على ذمة التحقيق (49) ووفقاً لما ذكر وزير الداخلية , فإنه تلقى تقريراً بالصور الفوتوغرافية حول الممتلكات التى دمرت أثناء المظاهرات وتتضمن : تحطيم 50 سيارة أتوبيس نقل عام , 270 لوح زجاج ترام , 116 إشارة مرور , 29 كشك مرور , زجاج 11 محلاً تجارياً منها جمعية استهلاكية نهبت جميع محتوياتها , زجاج عدد من سيارات القطاع العام والخاص , وعدد من مصابيح الإضاءة فى الشوارع , وحرق أثاث نادى موظفى المحافظة . (50)

أما أولئك الطلاب الذين كانوا لا يزالون داخل كلية الهندسة , والذين قوبل طلبهم بحضور مسئول كبير لزيارتهم بالرفض , فقد أنهوا اعتصامهم فى ذلك المساء , حسبما جاء بالأهرام (28\11\1968) بسبب " إحساسهم بالندم والأسف لما حدث من تخريب فى المدينة مؤخراً " كما وصفه لهم خمسة من زملائهم قاموا بجولة للاستطلاع بناء على طلب المحافظ وهيئة التدريس , وبالإضافة إلى هذا الإحساس بالندم زعمت الأهرام أنهم شعروا : " بانفضاض الشارع عنهم , ودهشته من موقفهم الذى كان يبدو بدون مسوغ واضح " . (51) ولكن نطاق انخراط السكان ـ من غير الطلاب ـ فى المظاهرات ينفى صحة هذا الإحساس " بالانفضاض " .

لقد انتهى الاعتصام فى الحقيقة لأسباب عملية , تشمل قلة طعام الإفطار فى أيام رمضان , وانقطاع التيار الكهربائى بسبب الأمطار الغزيرة , والضغط الذى مارسه أولياء أمور الطلاب , وكذلك انسحاب رئيس الإتحاد من الاعتصام ورفضه إمداد المعتصمين بالطعام , والإنذار الذى وجهه المحافظ للطلاب بأن كلية الهندسة سيتم إخلاؤها بالقوة , وما قام به من ترتيبات فعليه فى هذا الصدد " . *

  • [ اشتملت الترتيبات على شروع فعلى فى استخدام القوات المسلحة ضد الطلبة , فطبقاً لرواية أحمد كامل : " خرجت من الجامعة بانطباع أن تجربة الحوار لن تحقق النتائج المنتظرة ... اتصلت بسامي شرف وقلت له : أبلغ الرئيس أننى أطلب تدخل الجيش لإنهاء الاعتصام ... بعد دقائق جاء رد سامى : الرئيس أمرنى بأن اتصل بالفريق أول محمد فوزي القائد العام للقوات المسلحة وأن أبلغه بأن يتصل بك ... بعد دقائق أخرى كلمنى الفريق أول محمد فوزي وقال : لقد وضعت قائد المنطقة العسكرية الشمالية تحت قيادتك , وأخبره بطلباتك وسوف يقوم بتنفيذها على الفور . قلت بعدها لقائد المنطقة العسكرية الشمالية أن يعطى أوامره لقيادة الطيران فى المنطقة ليتم إرسال عدد من طائرات الهليكوبتر فوق مواقع إعتصام الطلبة ... كما طلبت منه وضع بعض قوات الجيش لتدخل إلى المحافظة وتمر بدباباتها وأسلحتها فى استعراض للقوة من أمام كلية الهندسة ... عندما وصلت مجموعات طائرات الهليكوبتر فوق كلية الهندسة شاركت الطبيعة فى إخراج مسرحى للموقف , فقد تزامن معها رعد وبرق ومطر , ومع أصوات الرياح والسحب تصور الطلاب أن الطيران قد بدأ القصف والهجوم فى الوقت الذى مرت فية بعض قوات الجيش أمام الجامعة وتمركزت بعض الوحدات فى الاستاد الرياضى المجاور . ورن جرس التليفون فى مكتبى .. كأن المتحدث أحد قادة الاعتصام . قال : لقد قررنا إنهاء الاعتصام " . ( أحمد كامل يتذكر , المصور , 2\4\1990 ) . ] .

وفى جامعة القاهرة , عقد طلاب كلية الهندسة اجتماعاً فى 23 نوفمبر وأصدروا بيانا . قرروا فيه العودة للاجتماع فى اليوم التالى . وفى كلية الطب أعلنت الدعوة إلى الاعتصام , وعقب قرار مجلس الوزراء فى اليوم التالى , أغلقت جامعة القاهرة , وتم تفريق الطلاب قبل أن يتمكنوا من التجمع . ولم تصل الأحداث فى القاهرة إلى ما وصلت إليه أحداث الأسكندرية من مدى , ولم يكن ذلك بسبب افتقارها إلى تكتل من القيادات الطلابية مماثل لما هو موجود بالأسكندرية ( بل ربما كان لديها قيادات أكثر مما لدى جامعة الأسكندرية ) . وإنما بسبب انتشار الاخبار ببطء ـ إذ لم تكن هناك روابط بين جامعة القاهرة وبين المنصورة حيث بدأت الأحداث ـ الأمر الذى لم يترك فسحة كافية من الوقت لتنظيم انتفاضة .

وتعتير معالجة الحكومة لأحداث انتفاضة نوفمبر معالجة متميزة تستحق بعض الاهتمام . فلم تكن هناك محاولات تحليلية جادة لفه الانتفاضة فى الصحافة , خاصة بالمقارنة مع اهتمام " الأهرام " بمسألة الحرية الاكاديمية , التى كانت قد طرحت على مستوى واسع على صفحاته فى الشهر السابق , ولكن كانت هناك محاولتان للمساهمة فى فهم الأحداث : نقال لهيكل من جزأين بعنوان " قضية الشباب " و " الشباب بين النيران والثلوج " (53) ومقال للدكتور جمال العطيفى بعنوان " أسءلة تبحث عن اجابة " . (54)

استهل هيكل أول جزء من مقالة بالاعتراف بأن بحث قضية الشباب يشبه " التعامل مع الديناميت " . وقد وضع حداً بين حركة الشباب بوجه عام وبين " الانزلاقة غير المفهومة لبعض تلاميذ المنصورة أو التشنج العصبى الذى رأت الأسكندرية يوم الاثنين الماضى لمحة منه " . كما أكد على أنه : " إذا أردنا أن نحتفظ بقدرتنا على الحوار مع هذا الجيل , فإنه يجب علينا أن نحذر التحدث إيه ـ أو عنه ـ بأسلوب التعالى الأبوى " . وكان المحور الأساسى لما كتبه : " أن حركة الشباب المصرى هى جزء من الحركة العالمية للشباب وامتداد لها , مع إضافة الأوضاع المحلية ومناخها العام وخصائصها إلى التأثير العالمى " . ولم يتقدم سوى تنويعات على هذه النغمة وعجز عن تقديم دليل ملموس لتأييد زعمه هذا ماعدا أن ثورة الطلاب فى مصر تواكب الاضطرابات الطلابية فى العالم كله .

وفى الجزء الثانى من مقاله , أشار هيكل إلى أن بعض الشباب انتقدوا الآراء التى اعرب عنها فى الجزء الأول , ورد على ذلك بأن أكد فحسب على أن الحركة الطلابية المحلية نشأت من الحركة العالمية : " إذا كان شبابنا يعيش فى عامله وفى عصره , فهو متأثر بما يتأثر به غيره وهذا طبيعى . وإذا كان لا يتأثر فهو إذن فى عزلة عن عالمه وعن عصره , وهذا غير طبيعى " .

ولم يصبح كلامه أكثر تحديداً إلا عندما ناقش القضية المحلية :

" نحن نسلم أن السواد الأعظم من شباب الطلاب لم يشترك فى المظاهرات . لكننا نقع فى المحظور إذا تصورنا أن الشباب كان بعيداً عن هذا كله , لأنه كان سعيدا بما حوله كله . والشباب المصرى يعانى فى هذه المرحلة مجموعة من المتناقضات :-

- التناقض بين المثل الأعلى فى خيال الشباب وبين بعض اسباب القصورمما تكشفت خباياه بعد النكسة .

- التناقض بين الحماسة الزائدة وقت المعركة وبين النكسة الزائدة بعدها .

- التناقض بين أسلوب التعبئة قبل المعركة وأسلوب تفريغ هذه التعبئة بعد المعركة .

- التناقض بين استمرار الحرب وعدم استمرار القتال .

- تناقض آخر تثيره حوادث كل يوم على خط النار أن الشباب ـ فيما أشعر ـ سئم وصفنا لهذه الحوادث على أنها " عدوان " من العدو .. لماذا يبدو العدو وكأنه يملك قدرة العدوان وحده ؟ " .

وبرغم أن هيكل ركز اهتمامه على التهديد الخارجى الذى يواجه البلاد , إلا أنه اعترف ضمنياً بمسئولية النظام السياسى فى البلاد عن قدر من السخط . واستلزم الأمر مرور أربع سنوات حتى يصبح أكثر صراحة .

" الكثير مما جاء فى هذا البيان ( بيان 30 مارس ) اصطدم مع حجة بدت منطقية , وفى الحقيقة فإن نصفها كان صحيحاً والنصف الآخر مصطنعاً . كانت الحجة هى تعارض ضرورة التغيير مع ضرورة الاستمرار . وفى حين كان جمال عبد الناصر يحاول , فإن مراكز القوى راحت تعرقل " . (55)

وعلى العكس من ذلك , قدم د. العطيفى تحليلاً أكثر تماسكاً : " لم يكن كافياً فى مواجهة الحوادث المؤسفة التى وقعت منذ أيام أن نعيد تأكيد أهمية الحوار الهادىء المنظم أو التنبيه إلى ضرورة تماسك الجبهة الداخلية . كما أنه لم يكن كافياً فى تبرير هذه الحوادث أن ننتهى إلى أن عناصر غير مسئولة أو مغرضة قد اندست بين صفوف الطلاب وأن نستريح إلى هذا التبرير .. كما أننى لا أعتقد أنه يكفى فى مواجهة هذه الحوادث أن تنشر نتائج التحقيق الذى تجريه النيابة العامة وأن نبنى عليه وحده تحليلنا واستخلاصنا للنتائج . فتحقيق النيابة قد يحدد لنا المسئولية عن تطور هذه الحوادث , ولكن ليس من طبيعته أن يحلل لنا الظاهرة أو أن يعالجها سياسياً واجتماعياً , لا تحقيقات النيابة ولا إجراءات الأمن هى المواجهة الفعالة لهذه الحوادث " .

وبدلاً من ذلك فإن د. العطيفى طرح عددا من التساؤلات :

" – ما الدور الذى قامت به لجان الوحدات الأساسية فى الإتحاد الإشتراكي على مستوى الكليات والمعاهد وعلى مستوى الجامعة ؟ إن الطلاب يشتركون فى لجان الإتحاد الإشتراكي للكليات والمعاهد العليا .. ما طبيعة المناقشات التى كانت تدور فى هذه اللجان , وهل وصلت الآراء التى أدليت فيها ومادلت عليه من اتجاهات إلى المستويات الأعلى بالإتحاد الإشتراكي ؟

- ما الدور الذى قامت أو يتعين أن تقوم به الإتحادات الطلابية ؟ .. ما الوسيلة لكى يصبح الإتحاد العام للطلاب معبراً حقيقة عن رأى القاعدة الطلابية العربيضة ؟ وما الوسيلة لكى تصبح مجالس هذه الإتحادات المنتخبة ديموقراطيا الطريق الطبيعى الذى يمارس الطلاب من خلاله "حرية التعبير" ؟

- هل نجحت الطريقة التى تدرس بها المواد القومية فى كليات الجامعة فى أن تخلق فى الطلاب وعيا مسئولا وفهما حقيقيا وإيمانا صادقا ؟ هل هى تعطى للطلاب كجرعة من دواء مر يبتلعها الطالب لتكون جواز المرور إلى النجاح فى الامتحان دون أن نسلحه بفهم حقيقى ؟

- أهناك صلة وثيقة بين الأساتذة والطلاب ؟ هل يعرف الأساتذة طلابهم .. هل يختلطون بأفكارهم .. هل يتناقشون معهم بحرية ؟

- أيكون اشتراك الطلاب مع أعضاء هيئة التدريس فى مجالس الكليات وسيلة تكفل للطلاب أن يتفهموا مشكلات الدراسة ومتطلباتها وألا ينعزلوا عن مسئوليتها ؟ "

وذهب د. العطيفى إلى أبعد من ذلك بأن طرح تحديا لم يقبله أحد :

" هل جرت أو يتعين أن تجرى دراسة اجتماعية لفئات الطلاب التى شاركت فى هذه الحوادث الأخيرة ؟ إن أخطر ما أخشاه أن تنتهى بنا هذه الدراسة إلى أن بعض الطلاب الذين تتفق مصالحهم الاجتماعية والطبقية مع التحول إلى الإشتراكية يتعرضون مع ذلك لعدوى خطرة لا يجدون لديهم المناعة الكافية لمقاومتها . ولا يكفى لتحصين الطلاب ضد هذه العدوى أن نقول لهم : أنتم جيل الثورة , أو أن نذكرهم بما فعلت الثورة من أجلهم .. بل يجب أن نعرف ما يدور فى رءوسهم وأن نجيب عنه .. منذ أربع سنوات وأنا أفكر مع الشباب فى محاضرات قسم الصحافة بكلية آداب القاهرة . ومن خلال مناقشاتى معهم , أدركت أن لدى الطلاب أسئلة لم يجدوا إجابة عنها فى لجان الإتحاد الإشتراكي ولا فى اتحاداتهم ولا عند اساتذتهم ومع ذلك فما حدث لا يمكن تبريره , ولكننا يجب أن ندرك مما حدث أين يكمن القصور حتى نتعرف على العلاج " .

واقتضت معالجة النظام القانونية لانتفاضة نوفمبر إلقاء القبض ـ عند نهاية الاعتصام بكلية الهندسة ـ على عشرات من الطلاب , وعدد من أعضاء هيئة تدريس كلية الهندسة , وأشخاص آخرين كان يظن أنهم ساعدوا أولئك الذين شاركوا مباشرة فى الاعتصام . وبعد خمسة أسابيع من التحقيقات وحوالى ثلاثة آلاف صفحة من التحقيقات , أعلن النائب العام الاتهامات الموجهة إلى المدعى عليهم والتى نشرت بصحف 30 ديسمبر 1968 . وشمل قرار الاتهام أسماء 46 متهما ـ منهم 40 طالبا ( 30 منهم من هندسة الأسكندرية ) و3 من أعضاء هيئة التدريس بهندسة الأسكندرية ( استاذ مساعد ومعيدان ) و3 من الخريجين ( إثنان منهم كانا رئيسين سابقين لاتحاد طلاب كلية الهندسة ) . ومن بين الطلبة المقبوض عليهم ( 40 طالبا ) كان هناك 12 من قيادات اتحاد الطلاب ( أربعة منهم رؤساء اتحاد 4 كليات هى الهندسة والطب والصيدلة والتجارة ) . ووجهت لهم خمسة اتهامات هى : التحريض على قلب نظام الحكم , استعمال العنف مع موظفين عموميين , تخريب أموال عامة وممتلكات خاصة , نهب منقولات وبضائع بالقوة , ثم التظاهر دون تصريح , وبالإضافة إلى ذلك أحيل 20 طالبا واثنان من المعيدين لمجالس التأديب الجامعية .

ونوقشت معاقبة القيادات الطلابية فى مجلس الوزراء وفى اللجنة التنفيذية العليا للإتحاد الإشتراكي العربى . وبالرغم من مطالبة بعض أعضاء المجلس واللجنة التنفيذية بشدة معاقبتهم , إلا أن عبدالناصر كان حريصاً على عدم إبداء أى مظهر من مظاهر التراجع عن سياسته الساعية إلى تطعيم النظام بشىء من الديموقراطية . واختلف مع فكرة الاعتقال فقال : " أنا ضد فكرة الاعتقال لأنها من الناحية العملية فكرة خاطئة لأننا سنضطر إن سلكنا هذا الطريق أن نعتقل أعدادا كبيرة .. فمثلا يوجد بكلية الهندسة بجامعة القاهرة سبعة من الطلبة المشاغبين لا يكفى اعتقالهم لضمان هدوء الكلية , لأن هؤلاء السبعة لهم شلتهم ولهم أصدقاؤهم بحيث لن يقل عدد المطلوب اعتقالهم عن مائة طالب " . (56)

وفضل عبد الناصر إحالة الأمر إلى القضاء , إلا أنه لم تجر أى محاكمة فى النهاية , وبعد حوالى ثلاثة أشهر من الحبس أطلق سراح الطلاب بينما أرسل زعماؤهم للخدمة العسكرية . وبرغم أن عبد الناصر لم يكن يحبذ فى البداية فكرة استخدام الجيش كمؤسسة للعقاب , إلا أن ذلك الأمر كان يبدو حلا وسطا . كما أفرج عن أساتذة الجامعة المقبوض عليهم فى مايو 1969 بعد ضغط أعضاء هيئة التدريس , بينما ظل غيرهم من الخريجين فى السجن حتى 1970 .

وعلى الساحة السياسية جاء هجوم عبدالناصر عنيفاً على الحركة الطلابية . فعلى مدى أسبوعين شنت الصحف الرسمية حملة (57) للقضاء على أى قدر من التأييد تتمتع به الحركة الطلابية فى البلاد ككل . وقدمت الصحف الانتفاضة على أنها تخريب من فعل العملاء المحرضين الذين تحركهم قوى الثورة المضادة والتدخلات الأجنبية التى تهدف إلى القضاء على استقرار الجبهة الداخلية فى وقت الحرب . وتحت عنوان : " الأيدى الخفية وراء حادث الأسكندرية " ألمحت جريدة " الأهرام " فى 29 نوفمبر بصفة خاصة إلى توزيع البيانات الطلابية على قنصليات الدول الأجنبية المختلفة فى الأسكندرية  :"إن التوجه بأى شىء إلى القنصليات والسفارات الأجنبية ظاهرة قضى عليها فى مصر تماماً " . كما أشارت الأهرام إلى الدور المهم الذى لعبه فى حوادث الشغب فى الشارع شخص لم تذكر إسمه .

وجاءت ذروة الحملة فى انعقاد دورة طارئة للمؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى فى 2-3 ديسمبر . (58) إذ افتتح عبد الناصر الجلسات بخطاب طويل أشارفيه إلى أهمية الحفاظ على استقرار الجبهة الداخلية فى مواجهة الحرب النفسية التى يشنها العدو والتخريب الذى تحركه الثورة المضادة . واستعرض الإصلاحات التى بدأها عقب مارس 1968 , بما فى ذلك الاستجابة الإيجابية لكل المطالب الطلابية من أجل اتحاد طلابى حر . وبينما أكد على أنه " لاينبغى ولا يمكن أن يقوم تناقض بين الثورة وشباب الثورة وبالذات شبابنا فى الجامعات " نحى باللوم على الأقلية من بينهم بسبب الخطأ الذى " سوف يظل مبعث خزى وعار لكل من شارك فيه " .

وبدا عبد الناصر مهتما بتأثير الاضطرابات الطلابية على صورة نظامة فى الخارج , فأكد على أن أعداء البلاد " كانوا منذ شهور يعلقون آمالا كبيرة على اضطرابات يقوم بها الطلبة ـ فى صحف الأعداء شاهد على ذلك " . واقتطف عبد الناصر بعض ماكتب فى صحيفة " الأوبزرفر" اللندنية يوم 1 ديسمبر 1968 حول اهتزاز نظام حكمه , فقال : " من الخطر بأن نسمح بأى تخلخل فى الجبهة الداخلية ـ أو بما يمكن أن يبدو للعدو وكأنه تخلخل فى الجبهة الداخلية " .

وفى ملاحظة وجهها عبدالناصر إلى جمهور الطلاب فى أنحاء البلاد , أعطى مثالا عن " كيفية معاملة المظاهرات فى جزء آخر من العالم وقراً مقتطفاً طويلاً من جريدة الديلى تلجراف " فى 29 \ 10\1968 حول المصادمات بين الطلاب والبوليس فى لندن , وختمه بقوله : " مافيش بلد فى الدنيا فيها المظاهرات مباحة . إللى بيطلع مظاهرة بياخد تصريح بهذه المظاهرة . وإللى يخرج عن خط سير هذه المظاهرة فى انجلترا بيقبض عليه , واللى بيشيل عصاية بيقولوا عليه إنه بيستعمل سلاح هجومى . يعنى أنا بقول هذا الكلام , الحقيقة بهذا التطويل وبهذا التوضيح علشان نفهم ـ فيه ناس فاهمة إن الحرية معناها الفوضى وان كل واحد له الحق إنه يتظاهر وإن كل واحد ليه حق إنه يتعدى على البوليس " .

وأيد آخرون من رجال الحكم رأى عبدالناصر فيما بدا وكأنه عملية توزيع أدوار . فندد وزير الداخلية شعراوي جمعة ـ الذى نادى الطلاب ـ بإقالته بتعكير صفو الأمن , ودافع عن الشرطة مؤكداً أنها لم تقتحم كلية الهندسة لفض الاعتصام بالقوة " منعا من خسائر أزيد ومنعا من أن يقال ـ ونرجو ألا يحدث هذا فى يوم من الأيام ـ إن الشرطة اقتحمت حرم الجامعة فى يوم من الأيام " .

وضم د. عبدالوهاب البرلسى وزير التعليم العالى صوته إلى موجة الاستنكار السائدة وتعهد بأن " المسئولين فى الجامعات قد قرروا أن يأخدوا هذا الأمر بالحزم والشدة ولن يسمحوا لقلة عاصية بأن تتمسح فى شرف الانتساب إلى العلم وإلى الجامعة لا حاضراً ولا مستقبلاً " . (59)

ومن الطريف أن أقلهم تنديداً كان وزير التربية والتعليم د. حلمي مراد , الذى كان قد أشعل الموقف فى البداية بإصلاحاته التعليمية . فبعد أن ركز حديثه على هذه الإصلاحات تعجب قائلاً : " فى الوقت الذى يطالب فيه الطلاب فى فرنسا مثلاً بتدعيم المناهج الدراسية وإضافة المقررات ذات الصلة بالتكنولوجيا والرياضيات الحديثة نجد صوتاً يرتفع فى بلادنا يطالب بزيادة عدد مرات الرسوب " .

وقدم وزير العدل تقريراً متميزاً إلى المؤتمر القومى . وبرغم أنه كان حافلا بالتعبيرات القانونية , إلا أنه كان فى جوهره سياسياً , وقد أعطى الوزير عرضاً مفصلاً عن الاضطرابات الطلابية فى حين قدم تقريراً مقتضباً عن تصرف الشرطة . بل إنه جاء إلى المؤتمر دون أن يرى تحقيقاً كاملاً حول الأحداث التى قتل فيها بعض المتظاهرين . وبالنسبة لحادث المنصورة , فقد عجز عن أن يقدم نتائج تقرير الطب الشرعى ومع ذلك حاول أن يؤكد ادعاء أن هناك قوى أجنبية كانت وراء الانتفاضة , كاشفاً عن أن جندياً مصرياً , هو محمود الحداد الذى جنده الإسرائيليون جاسوساً لهم عندما كان أسيراً لديهم قد لعب دوراً مهماً فى دفع المظاهرات لارتكاب أعمال العنف والتخريب أثناء الصدام الدامى الذى وقع بالأسكندرية فى 25 نوفمبر . ولم يقم الوزير دليلاً واضحاً على دور " الحداد " فى عمليات التخريب , ولكن هذا الكشف أمد الصحف بمادة وفيرة لصفحاتها الأولى على مدى الأيام التالية . والتقط عبدالناصر الخيط , فأعلن العفو العام على أن يسلم كل الذين أخطأوا فى حق بلدهم أنفسهم إلى الشرطة فيشملهم العفو .

وكان من بين المتحدثين فى المؤتمر القومى عدد من المسئولين بالإتحاد الإشتراكي الذين انضموا إلى موجة الاستنكار وأضافوا إلى ذلك تأييد أو انتقاد الإجراءات التى اتخذها تنظيمهم لمعالجة هذه الأحداث . وقرأ أمين الإتحاد الإشتراكي بالأسكندرية ( عيسى شاهين ) بيانا أعده مؤتمر الإتحاد الإشتراكي بمحافظة الأسكندرية ورد فيه :

- تعلن جماهير الأسكندرية أن المسئولين عن تحريض جموع المتظاهرين ماهم إلا عملاء لقوى الثورة المضادة فى الداخل والصهيونية والاستعمار فى الخارج .

- تدين جماهير الأسكندرية حركة الطلاب وغيرهم بالخيانة لقضية الوطن المصيرية .

- تطالب جماهير الأسكندرية باتخاذ إجراءات إدارية صارمة لتطهير صفوف الطلبة من العابثين والمستهترين , ودراسة أوضاع بعض أعضاء هيئات التدريس ونوعية انتماءاتهم السياسية واستبعاد المناهضين منهم للثورة الإشتراكية " .

واعرب عدد من أساتذة الجامعات وإدارييها الذين تحدثوا فى المؤتمر عن وجهات نظر متشددة . ومع ذلك , طرح أستاذان جامعيان ـ هما د. أحمد السيد درويش عميد كلية الطب بالأسكندرية , ود. اسماعيل غانم المدير السابق لجامعة عين شمس ـ وجهة نظر مختلفة , بالرغم من أنهما استهلا حديثهما بالتعبير الروتينى عن الاستنكار . فدعا د . درويش ـ ردا على إدانة زملائه المتكررة " للقلة " الخارجة من الطلاب ـ إلى : " أن نتدبر أمر القلة والكثرة معا , ألا يجدر بنا أن نتساءل لماذا تحرك هذه القلة تلك الكثرة ؟ " كما دافع عن طلبة كلية الهندسة : " وقد عشت معهم فى الأسكندرية , فلم أشهد أى رغبة توحى بالتدمير أو التخريب . فكلية الهندسة التى كانت مسرحاً لأحداث طوال ثلاث ليال لم يكسر فيها لوح زجاج واحد ولم يصب فيها مدرج ولا معمل " .

وأرجع د . غانم الأحداث إلى المشاكل العامة التى تواجهها البلاد , وحداثة النشاط الطلابى السياسى بعد سنوات من حظره , كما أشار أيضاً إلى فشل منظمة الشباب , وإلى كون بعض قيادات اتحاد الطلاب ممثلة للحكومة وليس لأعضاء الإتحاد . وانتقد تدريس المواد القومية كما لو كانت نوعاً من الدعاية .

وكان محمد فريد حسين ( هندسة القاهرة ) وعبد الحميد حسن ( طب القاهرة ) هما الصوتان الطلابيان فى المؤتمر . فألقى الأول كلمة غير مترابطة لا تشذ عن النغمة العامة وعجز عن تقديم رأى طلابى متميز . وكان اقتراحه الوحيد المحدد هو أن يمتد العام الدراسى طوال السنة الميلادية بغير عطلة حيث أن الأمة فى حالة الحرب لا ينبغى لها أن تبدد الوقت فى عطلات , أما كلمة عبدالحميد حسن فكانت أكثر إقناعاً , حيث طرح ـ بحذر ـ رؤية مختلفة بدأها بأن استنكر العنف باعتباره :

" مؤامرة خسيسة نسجت خيوطها بدقة لتصور الطلبة وكأنهم مقترفوها , ولتعمل على عزلهم بعد ذلك عن جموع الشعب " . ثم خاطب مستمعيه بهذه العبارات .. لست أريد فى هذا الحديث أن أجعل من نفسى ـ وأنا أحد الطلبة ـ طرفا فى قضية وحضراتكم الطرف الآخر فيها . كما لا أتمنى فى نفس الوقت أن يقع أحد الأعضاء فى هذا الخطأ , ذلك أن القضية واحدة وحضراتكم وأبناؤكم الطلبة طرف واحد فيها ..

... إذا رأينا أن نحاكم الطلبة تاريخياً فى مثل هذا الموقف فأولى بنا أن نقف قليلاً لنحاسب أنفسنا كآباء أولا , ثم كقيادات وأعضاء فى التنظيم الشعبى لوطننا ثانياً .. أين كان التنظيم السياسى خاصة فى الجامعات ؟ ماذا قدم فى الفترة منذ انتخاب الوحدات وحتى الآن ؟ فى كل مرة يقع البلاء نسمع عن المؤتمرات والاجتماعات فإلى متى سيظل العمل التنظيمى بالجامعة رهناً بوقوع الأحداث ؟ هل أعيد بناء الإتحاد الإشتراكي فقط لتنفيذ بيان 30 مارس ؟ أم كان ذلك للضرورة التى حتمتها المرحلة ؟ " .

وأشار عدد من المتحدثين فى المؤتمر إلى موقف اتحاد الطلاب أثناء الأحداث , فاتهم أمين الإتحاد الإشتراكي بالأسكندرية اتحاد الطلاب بأنه " لم يؤد دوره فى تهدئة الأمور , بل على العكس كان من أسباب الإثارة . وبالفعل فإن العديد من قيادات اتحاد الطلاب قامت بدور نشط فى الأحداث . وكانت قيادات الإتحاد تمثل 30% من الطلاب المتهمين بالتحريض على الاضطرابات . إلا أن قيادات أخرى بالإتحاد حاولت تهدئة الوضع (61) حتى إن عاطف الشاطر نفسه بدا وكأنه غير راغب فى تصعيد الموقف فى هندسة الأسكندرية . وقد ذكر فى حديث صحفى حول انتفاضة نوفمبر  : " فى الصباح تجمهر الطلبة الغاضبون يطالبون باستنكار ما حدث فى المنصورة ولكن قمت بتهدئتهم . ولكن أمام الضغوط قررنا القيام بمسيرة صامتة " . (62)

وقيبل نهاية الاعتصام أشيع أنه استجاب لضغط الحكومة بانسحابه من الاعتصام , وبقراره بوقف الوجبات التى كان الإتحاد يرسلها للمعتصمين (63) .

وفى الحقيقة فقد كان الإتحاد أسيراً بين ضغط أعضائه من ناحية وبين ضغوط السلطات من ناحية أخرى . وتذبذب سلوك قياداته أثناء الأحداث , وتصرف العديد منهم بمبادرة شخصية أكثر منه ممثلاً لتنظيم . ويعبر عن موقف التعرض لضغوط متناقضة من قطبين متعارضين البيان الذى أصدره اتحاد طلاب جامعة القاهرة والذى تلاه عبد الحميد حسن فى المؤتمر القومى حيث يقرر البيان :

1- استنكار التخريب .

2- التبرؤ ممن تقوم بينه وبين العناصر الدافعة للأحداث إى صلة واسقاط صفة الطالب عن أى فرد يتعاون معها واعتبارها خيانة وطنية .

3- الثقة فى حيدة النيابة العامة والدعوة لإعلان نتائج التحقيق .

4- توكيل بعض المحامين .

5- اقتراح ميثاق شرف وطنى للعمل الطلابى .

6- المشاركة الرمزية بإهداء مرفق المواصلات سيارة أو سيارتين أتوبيس من أموال الإتحاد .

إلا أن اتحاد الطلاب أصبح أول ضحايا انتفاضة نوفمبر . فقد اقترح عدد من المتحدثين فى المؤتمر إخضاع الإتحاد لرقابة صارمة . إذ ذكر د. مصطفى أبو زيد فهمى ـ الذى كان فى ذلك الوقت استاذا بحقوق الأسكندرية , ثم أصبح فى مرحلة تالية المدعى العام الاشتراكى ـ أن " الوصاية أمر طبيعى , وليست بالأمر الكريه " , وذهب إلى حد أن اقترح حصر أنشطة الإتحاد فى " الشئون الاجتماعية . والرياضية " . وبعد ذلك طالبت بعض المقالات الصحفية بفرض قيود مشابهة , حيث أوضح هيكل أنه : " كان الخطأ الأكبر للتنظيم السياسى أنه حاول أن يجعل من الشباب أداة سياسية ولم يحاول أن يجعل منه قوة سياسية .. وبعد مظاهرات فبراير الماضى فإن أسلوب التعامل معه انتقل من النقيض إلى النقيض .. وبدا كأن النظام لا يوجه الشباب وإنما يسترضيه " (64)

وأكد صحفى آخر على أنه يجب أن يكون لسلطات الجامعة " الكلمة الأولى والأخيرة المسموعة فى كل ما يتعلق بطلبة الجامعات " وأن الطلاب " ليسوا فوق مستوى الجامعة التى يتعلمون فيها " (65) . وأعلن وزير التعليم العالى : " أما موضوع رفع الوصاية عن الطلاب واتحاداتهم فهو فى رأيى تفكير غير ناضج , فليس من المتصور أن ينفرد الطالب بتقرير أموره وحده " . (66) وبذلك أعيد النص على ريادة أساتذة الجامعات للجان الإتحاد إلى اللائحة الطلابية بقرار جمهورى .

وهكذا , كانت انتفاضة نوفمبر 1968 بمثابة خطوة إلى الوراء من منظور حرية حركة الطلاب . (67) وعلى مستوى السياسة القومية لم تقدم الانتفاضة شيئاً لصالح تقوية نفوذ المدافعين عن الليبرالية . وكان أحد الليبراليين . د. حلمى مراد وزير التربية والتعليم , قد دعا زملاءه فى المؤتمر القومى إلى أنه : " يجب ألا يشغلنا ما حدث أو يصرفنا عن مواصلة الدأب الجاد الحثيث لتنفيذ برنامج 30 مارس " . ولم تلق هذه الدعوة استجابة كبيرة حيث كان المتشددون هم الفائزين فى ذلك اليوم .

لقد اندلعت انتفاضة نوفمبر 1968 بسبب قضية تعليمية , كانت فيها الحكومة أكثر تقدمية بالفعل من طلاب المنصورة . ووسع الصدام مع الشرطة فى المنصورة ـ حيث قتل أشخاص وعجزت الحكومة بعد ذلك عن إثبات صحة تصرفها فى الحادث ـ من نطاق الانتفاضة " . وكان وزير التربية والتعليم قد أشار فى المؤتمر القومى إلى أن إضراب الأسكندرية حدث : " احتجاجاً على ما حدث من تصادم بين الشرطة والطلبة فى المنصورة , وأضافوا أسباباً أخرى سياسية منقطعة الصلة بما بدأ به الإضراب الأول " وهكذا فإن الطلبة كانوا ساخطين إلى الدرجة التى لم يقتصر احتجاجهم فيها على الحادث نفسه , بل إنهم أعربوا أيضاً عن تذمرهم من الإطار السياسى الذى سمح بحدوثه , وكما أوضح محمود حسين فإنه " بمجرد اندلاع الحركة , ووقوع الصدام مع قوات القمع , تبلورت التناقضات بين طموحات الشعب الشاملة , وبين سياسة الحكومة , فتوارت القضية التعليمية , وبرزت الاحتجاجات السياسية إلى الأمام (68) .

كانت أحداث الأسكندرية ذروة هذا التطور ولم تكن بالضرورة انتفاضة يمينية مثلما ذهب البعض . لقد كانت انتفاضة سياسية ذات شعارات مشابهة لشعارات الانتفاضة السابقة فى فبراير 1968 . لكنه لم ينشأ عنها بالضرورة برنامج سياسى أشمل للحركة الطلابية . وبرغم الخسائر التى نتجت عن انتفاضة نوفمبر 1968 , إلا أنها مهدت الطريق إلى عملية استقطاب أكبر للقوى السياسية داخل الحركة الطلابية , حيث أدى إحكام قبضة النظام على الجامعات إلى تحقيق نتيجة عكسية هى اندفاع الطلاب نحو التخلص من احتواء النظام لهم أيديولوجياً . وبذلك أعدت التربة لظهور حركة طلابية أصلب عوداً وأكثر تمرساً فى السنوات التالية .

الهوامش

(1) محمد عبد السلام , سنوات عصيبة ـ ذكريات نائب عام , دار الشروق القاهرة , مايو 1975 ( الطبعة الثانية ) ص ـ 121 – 123 , حول إطلاق الرصاص على العمال انظر المذكرات الأحداث لأحمد كامل المدير السابق للمخابرات العامة : أحمد كامل يتذكر , حلقة 10 , المصور , 6\4\1990 .

(2) وائل عثمان , اسرار الحركة الطلابية ـ هندسة القاهرة 1968 – 1975 , ( مطابع مدكور , القاهرة 1968 ) ص 24 , وقد اعترف الرئيس السادات بعد ذلك بهذه الواقعة ونحى باللوم على خصومه فى السلطة على أساس أن هدفهم كان : " هو ألا يكون لى رأى , ألا يكون لهذا الرأى أى وزن , أو أية قيمة .. والمعنى أيضاً : إنه لا أنا كرئيس مجلس الشعب , ولا مجلس الشعب له قيمة ! " ( من أوراق الرئيس السادات , مجلة أكتوبر , العدد 24 , 10 إبريل 1977) .

(3) كان بيان الدعوة إلى الاعتصام يقول : " ويجب أن يعلم كل حرفيكم أن الحرية تؤخذ ولا تعطى وانها تغتصب ولا تمنح . وبما أننا ليس لدينا من القوة ما هو قادر على فرض مطالبنا فقد وجدنا أن السبيل الوحيد إلى أن يسمع صوتنا الشعب .. ويجبر السلطة الحاكمة على احترام الحريات واحترامكم أنتم بالذات , إن طريقنا الوحيد إلى تحقيق أهدافنا هو المقاومة السلبية فى صورة اعتصام كامل قد يدوم مدة من الوقت . " ( فى : وائل عثمان , أسرار .. , ص 28 ) .

(4) المرجع السابق .

(5) موسى صبري , وثائق حرب أكتوبر , الطبعة الأولى ( المكتب المصرى الحديث , القاهرة 1974 ) ص 117 . وتم إطلاق سراح الطلبة المقبوض عليهم بعد عشرة أيام من هذا الاجتماع ( وائل عثمان , أسرار .. , ص 33) . إلا أن وزير الداخلية احتجز بعضهم دون إذن من النائب العام , الذى أبلغ بالواقعة عن طريق رئيس جامعة عين شمس , الدكتور حلمى مراد , الذى عمل فيما بعد وزيراً للتربية والتعليم . ( محمد عبد السلام , سنوات عصيبة , ص 130 ) .

(6) الأهرام , 25 فبراير 1968 .

(7) الأهرام , 1 مارس 1968 .

(8) وائل عثمان , أسرار ص 29 .

(9) محمد عبدالسلام , سنوات عصيبة , ص 123 – 126 .

(10) كان الحاضرون فى الاجتماع : عبد الحميد حسن عن جامعة القاهرة , حلمى نهنوش من جامعة عين شمس , عاطف الشاطر من جامعة الأسكندرية , محمد عوض من جامعة أسيوط , منصور ساطور من الأزهر , ومحمد الناظر عن المعاهد العليا . ويرى نهنوش أن عبد الحميد حسن وهو الوحيد الذى استطاع الوصول إلى قلب عبد الناصر وحدث بينهما تفاهم مشترك ( مقابلة مع نهنوش ) . وأثمر ذلك مقالاً كتبه عبد الحميد حسن بجريدة الطلاب فى تلك الفترة يمدح فيه عبدالناصر , فوصف الكثير من الطلاب عبدالحميد حسن بالانتهازية . وقد عبر أحد الطلاب عن موقفه فى 1968 قائلاً : " بينما كانت الجماهير الطلابية كلها تسطر صفحة مشرقة فى تاريخ مصر , والحركة – بمختلف اتجاهات من شاركوا فيها ـ تعزف سيمفونية البطولة والشرف , كان موقف رئيس اتحاد الجامعة نشازاً .. يعزف بمفرده مقطوعة النفاق الأكبر!" ( عثمان , أسرار .. , ص 35 ) . وفى الواقع , فإن عبد الحميد حسن انتخب عضواً بالبرلمان ( ولم يكن معنيا كما يقول إبراهيم عبده : إبراهيم عبده , الديموقراطية بين شيوخ الحارة ومجالس الطراطير ) الطبعة الثانية , مؤسسة سجل العرب , القاهرة 1979 ص 165 ( كما عينه الرئيس السادات ( وليس عبد الناصر كما ادعى ابراهيم عبده ) وزيراً للشباب وهو فى الثلاثينيات من عمره .

(11) شملت المسائل المطروحة للنقاش موضوعات مثل الحرب والهزيمة فى 1967 , الحرب السابقة فى اليمن , [[الإتحاد الإشتراكي العربى]] , منظمة الشباب الاشتراكى , أجهزة الأمن , العلاقات مع الإتحاد السوفيتى , العلاقات مع العرب , وما إلى ذلك .

(12) مقابلة مع الدكتور فؤاد زكريا .

(13) الأهرام , 4 مارس 1968 . حول اتهام الإتحاد الإشتراكي ومنظمة الشباب بتنظيم المظاهرات عموماً انظر أحمد كامل يتذكر , المصور 6\4\1990 .

(14) الأهرام 29 فبراير 1968 .

(15) الأهرام 27 فبراير 1968 .

(16) الأهرام 28 فبراير 1968 . وقد ادعى وزير الداخلية أمام البرلمان أن عدد رجال الشرطة المصابين يزيد كثيراً على عدد المصابين من بين المتظاهرين (21:57 ) وأكد على أن رجاله إنما كانوا ينفذون الأوامر الصادرة إليهم بتجنب الصدام . ( الأهرام 27 فبراير 1968 ) .

(17) قرار وزير الداخلية بحظر المظاهرات , الأهرام , 25 فبراير , 1968 .

(18) نفس المصدر .

(19) أكد النائب العام بعد ذلك أنه لم يثبت أنه كانت هناك أيد أجنبية وراء الانتفاضة ( عبدالسلام , سنوات عصيبة , ص 127) .

(20) الأهرام 28 فبراير 1968 .

(21) الأهرام 29 فبراير 1968 .

(22) محمد حسين هيكل , عن الأحكام , والمظاهرات وإعادة المحاكمة , الأهرام , 1 مارس 1968 .

(23) الأهرام , 29 فبراير 1968 .

(24) نفس المصدر .

(25) موسى صبرى , وثائق حرب أكتوبر ص 116 .

(26) خطاب 3 مارس 1968 , الأهرام , 4 مارس 1968 .

(27) نفس المصدر .

(28) نفس المصدر .

(29) نفس المصدر .

(30) محمد جلال كشك , ماذا يريد الطلبة المصريون , الطبعة الأولى (بدون اسم الناشر , بيروت , 1968 ) , ص 21 .

(31) وائل عثمان , أسرار .. ص 31 – 34 . انظر الرؤية المناقضة فى تقييم حركة 1968 للدكتور لويس عوض : " هل عرفت الآن لماذا فشلت ثورة الطلبة عام 1968 ؟ لأن المثقفين انفصلوا عن الجماهير وانسحبوا إلى الماضى البعيد وخرجوا من سياق القرن العشرين وذهبوا يستلهمون تراثا عظيما حقا فى عالم الفكر ولكنه لا يطعم فما ولا يبنى بيتا ولا يحدث أرضا ولا ينشىء مصنعا ولا يجيش جيشا ولا يصلح نظاما , لأنه يحتفل بالتصورات أكثر من احتفاله بحقائق الحياة ( لويس عوض , فى السرياليه المصرية , الأهرام 4\7\1968 ) .

(32) R. Hvair, Dekmejian Egypt under Nasser (University or London Press, 1972),p258.

وأيضا عبد المجيد فريد , عبد الناصر السرية ( حلقات أسبوعية ) , 23 يوليو , 17 سبتمبر 1979 , وفى هذه الوزارة انخفضت نسبة الوزراء العسكريين إلى 39.4% بينما كانت 65.4% فى وزارة الحرب , و55.2% فى الوزارة التى سبقتها (Dekmejian, Egypt under Nasser, p. 259, Table 24 )

(33) وائل عثمان , أسرار .. ص 39 .

(34) لقاء مع حلمى نهنوش . حول نتائج هذه الانتفاضة عموما انظر : عادل حمودة , التطرف الدينى من هزيمة يونيو إلى اغتيال السادات حلقة 4 و 5 , صباح الخير , 10 و 17 \9\1968 ) .

(35) الأهرام , 25 نوفمبر و 3 ديسمبر 1968 .

(36) فى أول تقرير للأهرام عن الأحداث كان الرقم أربعة فقط ( 22 نوفمبر 1968 ) .

(37) تقرير وزير العدل أمام المؤتمر القومى ل[[الإتحاد الإشتراكي العربى|لإتحاد الاشتراكى العربى]] . الأهرام , 3 ديسمبر , 1968 . ووفقا للتقدير الأولى للأهرام (22\11\1968 ) بلغ عدد المصابين من رجال الشرطة ثلاثين مصاباً .

(38) الأهرام , 22 نوفمبر 1968 .

(39) الأهرام , 23 نوفمبر 1968 .

(40) مكرم محمد أحمد , تلاميذ المنصورة , الأهرام , 25 نوفمبر 1968 , ومكرم محمد أحمد , ضوء من واقع الحقيقة على الحركة الطلابية فى مصر , الأهرام 26 نوفمبر 1968 .

(41) مكرم محمد أحمد " ضوء من واقع الحقيقة " .

(42) مكرم محمد أحمد " تلاميذ المنصورة " .

(43) مكرم محمد أحمد وإحسان بكر , الصورة الحية لما وقع فى الأسكندرية , الأهرام 28 نوفمبر 1968 .

(44) حضر الاجتماع عدد من الطلاب ـ وهم الذين سيقودون فيما بعد الانتفاضة , وسيوجه إليهم النائب العام هذه التهمة رسمياً ـ ويشمل هذا العدد : عاطف الشاطر , رئيس اتحاد طلاب كلية الهندسة ـ جامعة الأسكندرية , , وأحمد حسين هلال , نائب رئيس اتحاد طلاب كلية الهندسة , ومحمد ناجى أبو المعاطى عضو اتحاد طلاب الهندسة , ومحمد خيرت سعد الشاطر , الطالب بكلية الهندسة ( ولأخيران هما اللذان أحضرا أنباء المنصورة ) . انظر: الأهرام , 3, 12 , 31 ديسمبر 1968 .

(45) من بين أوائل الطلاب الذين هتفوا تيمور الملوانى ( وفقا لتقرير وزير العدل . وكان شعار تيمور"ياشعراوى يا سفاح .. دم الطلبة غير مباح " .

(46) تقرير وزير العدل .

(47) حديث لعاطف الشاطر , أخبار اليوم , 23\11\1974 .

(48) تقرير وزير العدل . هذه الأرقام الرسمية تبدو مقنعة أكثر من الأرقام المبالغ فيها التى قدمتها مصادر أخرى , والتى قررت عدد الضحايا بالمئات انظر, على سبيل المثال : Mahmoud Hussein, L`Egypte 19671973 (Maspero, Paris, 1975), pp.50- 55.

(49) تقرير وزير العدل .

(50) تقرير وزير الداخلية إلى المؤتمر القومى ل[[الإتحاد الإشتراكي العربى|لإتحاد الاشتراكى العربى]] , الأهرام , 3 ديسمبر 1968.

(51) الأهرام 28 نوفمبر 1968.

(52) الأهرام 29 نوفمبر 1968.

(53) الأهرام 6 ديسمبر 1968 .

(54) الأهرام 30 نوفمبر 1968 .

(55) محمد حسنين هيكل , قضية هذا الجيل , الأهرام 28 يناير 1972.

(56) عبد المجيد فريد , أوراق عبدالناصر السرية , 23 يوليو , 17 سبتمبر 1979 .

(57) انظر : الأهرام 22 نوفمبر – 6 ديسمبر 1968 .

(58) انظر التغطية الكاملة للدورة فى الأهرام 3,4 ديسمبر 1968 .

(59) لم تمض سبع سنوات بعد ذلك إلا ويطرح د. البرلسى رواية أخرى , يضع اللوم فيها على تصرفات مدير أمن الأسكندرية التى أثارت الطلاب . ويؤكد أنه : " كانت الدوافع لهذا الإضراب , مثل الدوافع التى أدت إلى حركة فبراير السابقة , حالة القلق والاضطراب والتمزق التى أعقبت هزيمة يونيو 1967 " ( شهادة الوزير العجوز عبد الوهاب البرلسى ـ هكذا كان مجلس وزراء عبدالناصر , روزاليوسف , 29 سبتمبر 1975 . )

(60) على سبيل المثال , يقول د. محمد فتح الله الخطيب عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة الأسبق , والذى كانت رسالته للدكتوراه من " أدنبره" فى الخمسينيات عن " عمل المؤسسات النيابية فى مصر " : " من المعروف فى دراسة السياسة أن الاضطرابات والمظاهرات ليست أشكالا طبيعية للتعبير , ولا ينبغى اللجوء إليها حتى فى ظل الظروف غير العادية .. فهناك العديد من الأجهزة الرسمية والشعبية التى يمكن للناس أن يعبروا من خلالها عن لآرائهم فى المجتمع " .

(61) منهم رئيس ونائب رئيس الإتحاد على مستوى الجمهورية , اللذان حاولا دفع زملائهما فى المنصورة والأسكندرية للتوقف عن الحركة وقد أثنى وزير الداخلية عليهما وعلى رئيس اتحاد هندسة القاهرة فى المؤتمر القومى لأنهم : " قد بذلوا جهدا كبيرا فى توضيح الحقيقة , سواء فى الأسكندرية أو هنا فى القاهرة فى كلية الهندسة ولكن للأسف لم يتمكنوا من السيطرة لما شرح لحضراتكم من تغلب المثيرين " .

(62) أخبار اليوم , 23 نوفمبر 1974 .

(63) الأهرام , 28 نوفمبر 1968 .

(64) محمد حسنين هيكل . " الشباب بين النيران والثلوج " , الأهرام 6 ديسمبر 1968 .

(65) على حمدي الجمال , " حديث الناس " الأهرام 5 ديسمبر 1968 .

(66) الأهرام , 6 ديسمبر 1968 .

(67) هذه الخلاصة تتعارض مع ما يراه فى : Dekmejian Egypt under Nasser, p 260 وكذلك Joseph Szyliowicz فى : Education and Modernisation in the Middle East, Cornell University Press, 1973, p298 حيث أن اشارتهما إلى أن الطلاب قد " منحوا سلطة كبيرة فى شئون الجامعة " وأنهم أصبحوا " يلقون التشجيع على الانخراط فى العملية السياسية " , قد تلائم انتفاضة فبراير 1968 أكثر من انتفاضة نوفمبر 1968 , يلاحظ أن محاولات احتواء النظام للقيادات الطلابية منذ فبراير قد تسارعت بعد أحداث نوفمبر . ونموذج ذلك جهود أحمد كامل محافظ الأسكندرية حسب روايته فى : أحمد كامل يتذكر , المصور , 18\5\1990 .

(68) Mahmoud Hussein, L`Egypte 1967 - 1973, p. 50

( 9 ) الإنتفاضة الطلابية فى (1972 \ 1973)

انتفاضة يناير (1972)

تولى أنور السادات الحكم بعد وفاة عبد الناصر فى سبتمبر 1970 . وبعد أن تخلص من منافسيه على السلطة فى مايو 1971 جعل من الحرية السياسية شعاراً لما وعد به من " تصحيح " للنظام السياسى كما التزم أيضا بأن يجعل من عام 1971 " عام الحسم " لتحرير الأراضى المحتلة , وهو التزام خلق مناخاً من التوقع لدى كافة قطاعات الشعب .

ففى الجامعات , كانت الحركة السياسية النامية فى ذلك الوقت قد بدأت تترسخ أقدامها . فكان الطلاب يصدرون العديد من مجلات الحائط , كما يشكلون جماعات وأسر طلابية متعددة , ويعقدون الكثير من المؤتمرات والندوات . وكان أثر مجلات الحائط ملحوظا على وجه الخصوص . (2) وبرغم أن هذه المجلات كانت تغطى قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية متنوعة , إلا أن تركيزها الأساسى كان على مطلبين أساسيين هما تحرير الأراضى المحتلة , والديموقراطية . وشارك الطلاب على مختلف اتجاهاتهم السياسية فى إصدار هذه المجلات , حيث كان الطلاب اليساريون هم الأكثر إسهاما فى هذا الصدد (3) . وتنوعت لهجة المقالات من الجدية إلى السخرية . ومع استمرار خضوع الصحافة الرسمية للرقابة (4) كانت مجلات الحائط هى الوسيلة الوحيدة التى يستطيع الطلاب التعبير من خلالها عن آرائهم فى حرية , حيث كانت فى الواقع ـ كما عبر أحد الطلاب " الصحافة الحرة الوحيدة فى مصر " (5) . وبرغم احتوائها على قدر ضخم من المعلومات والتحليلات , إلا أن أثرها الأساسى على الطلاب كان يتمثل فى حثهم على ممارسة العمل السياسى . فلاريب أنها ساعدت كثيرا على التخفيف من مخاوف الكتلة الطلابية , والإقلال من ترددها وسلبيتها .

كما منح تشكيل الجماعات الطلابية المتنوعة للطلاب منبرا للأنشطة والمناقشات الجماعية . بينما كان بعض هذه الجماعات بمثابة تجمعات اجتماعية وثقافية كانت تسمى " بالأسر " , إلا أن النعض الآخر كانت تغلب عليه السمة السياسية (6) . وكانت " جماعة أنصار الثورة الفليسطينية " هى أبرز الجماعات السياسية , وقد أنشأتها فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة مجموعة من القيادات الطلابية التى سبق لبعضها زيارة المخيمات والمعسكرات الفلسطين ية بالأردن . وبالرغم من أن أيا من تلك الجماعات لم تكن تضم أكثر من بضع عشرات من الطلاب , إلا أنها ساعدت على تطوير الحركة الجماعية وتقوية الروح المعنوية داخل الكتلة الطلابية ومن ثم أفرزت قيادات الحركة الطلابية .

وشكلت الندوات والمؤتمرات العامة أداة ثالثة من أدوات العمل الطلابيى , وكانت هذه المؤتمرات , إما تجمعات تلقائية أو بناء على دعوة من إحدى الجماعات أو أحد الإتحادات الطلابية . وكان بعضها يجتذب جمهورا محدودا بينما حظى البعض الآخر بحضور واسع . وعادة ما كانت تلك المؤتمرات تنتهى بإصدار بيان أو توصيات بغرض النشر والتوزيع . وكانت هذه المؤتمرات مبعث القلق للحكومة . فوفقا لما يقول الدكتور كمال أبو المجد :

" بدأ النشاط الطلابى المتمرد أو الثائر يأخذ صيغة عمل واحدة أو متشابهة , هى ما تسمى بالمؤتمر الطلابى , وهو صيغة عمل حركية خاصة , وليس مجرد مؤتمر طلابى .. وكان تصعيد حرارة المؤتمر يتم بمواصلة الطرق على موضوع واحد فى جو من الإثارة والصوت المرتفع والمبالغة والطرح للقضية من زاوية واحدة حتى تستقر داخل المؤتمر رؤية واحدة للموضوع تتحول إلى اقتناع عقلى وإلى حماس عاطفى غير قابلين للمناقشة أو المساومة وأحيانا غير مستعدين لمجرد سماع وجهة النظر الأخرى " . (7)

وبصرف النظر عن الصيغة العدائية لوصف الدكتور أبو المجد , إلا أنه يعكس حقيقة بعض المؤتمرات التى تدار بشكل أكثر ديموقراطية . وكانت تطرح فيها وجهات نظر متنوعة ومعقدة أحيانا . بالإضافة إلى الاجتماعات الطلابية الأصغر حجما التى كان يدعى إليها المتحدثون , وتدار المناقشات فيها على هيئة حلقة بحث ونقاش .

ويعتبر الاعتصام الذى حدث بكلية الطب البيطرى بجامعة القاهرة فى أوائل العام الدراسى 71\1972 بشأن موضوع بدل العدوى فى مرتبات الأطباء البيطريين , أحد المؤشرات المبكرة على تنامى نزعة التحرك الجماعى لدى الطلاب . وقبل ذلك بعام كانت هناك المحاولة التى قام بها بعض المرشحين اليساريين فى انتخابات اتحاد طلاب جامعة القاهرة لتسييس الصراع على مقاعد الإتحاد الذى لم يكن سياسيا فى العادة , الأمر الذى يعد مؤشرا أكثر تبكيرا على نمو الاهتمام الطلابى بالشئون السياسية فى تلك الفترة (8) .وهى محاولة تكررت فى انتخابات العام الدراسى 71\1972 (9) . وإبان المعركة السياسية الأسبق طالب هؤلاء المرشحون بإلغاء الحرس الجامعى , ذلك المطلب الذى اختار السادات أن يستجيب له , وهو ما ساعد على قيام انتفاضة طلابية كبرى فى العام الدراسى الذى تلا إلغاء الحرس الجامعى .

اندلعت الانتفاضة فى يناير 1972 , إثر خطاب رئيس الجمهورية فى 13 يناير , الذى برر فيه عجزه عن الوفاء بوعده فى جعل عام 1971 " عام الحسم " بسبب اندلاع الحرب الهندية ـ الباكستانية , وادعى أن العالم لم يكن فيه متسع لاندلاع حربين كبيرتين فى آن واحد , وأن الحليف السوفيتى لمصر كانت تشغله الحرب الهندية الباكستانية إلى الحد الذى لا يستطيع فيه تقديم مساعده كافية , خاصة وأنه فى حالة حدوث هجوم مصرى بمساندة السوفيت على الأراضى التى احتلتها إسرائيل فسوف يثير ردا انتقاميا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية . ووصف هذه الحالة " بالضباب " الذى اعاق قدرته على التحرك . (10)

وكان رد فعل الطلاب على الخطاب غاضبا . ووفقا لما ذكره مراسل صحيفة " الجارديان " البريطانية : " لاريب أن بعض أطفاله لم يصدق خطابه . فخطاب " الضباب " ربما يهدىء , أو يربك أو حتى يقنع السذج ,ولكن بالنسبة لشباب البلاد الغيور من الطلاب والعناصر السياسية – كان الأمر بمثابة استفزاز لهم " (11) . وقد عبر مراسل صحيفة " التايمز " عن نفس الرأى : " كان من الواضح منذ البداية أن هناك العديد من الذين أحسوا أن تحديد موعد نهائى – ربما لا يكون بالإمكان التيقن من القدرة على الالتزام به – كان خطأ جسيما . فتحى أكثر مؤيدى الرئيس السادات حماسة , سيقر بأن اعتذاره عن إلغاء هجوم – كان مقررا له أن يكون فى ديسمبر – على سيناء , يعتبر خطأ فى التكتيك .. الأمر الذى أصبح فوق قدرة الجمهور القلق والمتعجل على الاحتمال " (12) .. " إن رسالة الطلاب تكمن فى أنهم يعتقدون أن الضباب إنما يكمن فى السياسات " (13) .. " وإذا كان هناك من يختلق الضباب , فإنه هو السادات نفسه " . (14)

بدأت الانتفاضة فى كلية الهندسة , بجامعة القاهرة , حيث توجد الكتلة الأساسية النشطة من " جماعة أنصار الثورة الفلسطينية " , وحيث تصدر مجلات الحائط بكثافة كبيرة . وقبيل خطاب الرئيس بأيام قليلة فقط نظم طلبة الهندسة معرضا وعقدوا مؤتمر لمناصرة الثورة الفليسطينية فى الاحتفال بذكرى انطلاقها . وفى اليوم التالى لنشر خطاب السادات , نكونت حلقات نقاش عفوية بكلية الهندسة . ثم دعا عدد من الطلاب إلى مؤتمر عام فى اليوم الثانى , وصحب ذلك تعليق فيض من مجلات الحائط والملصقات الحافلة بالتعليقات حول الخطاب , والنقد للحكومة . وشهد المؤتمر العام . عدد كبير من الطلاب حيث قامت عناصر " جماعة أنصار الثورة الفلسطينية " بالدور القيادى فيه . وفى المساء تحول المؤتمر إلى اعتصام وحضر الدكتور كمال أبو المجد – أمين الشباب بالإتحاد الإشتراكي العربى , ووزير الشباب بعد ذلك – إحدى جلسات المؤتمر بنفسه , ولكنه فشل فى تهدئة الطلاب رغم ما عرف عنه من لباقة (15) .حيث كان يتحاشى الرد على أكثر الأسئلة أهمية , تحت دعوى أن الوحيد الذى يعرف الإجابة هو الرئيس نفسه . ولكن جمهور الطلاب رد على ذلك بالتهكم عليه باعتباره مجرد رجل بريد وليس مسئولا بالأساس , فاضطر إلى مغادرة المؤتمر وسط وابل من الصفير وصيحات الاستهجان .

وشجعت التطورات التى حدثت بكلية الهندسة على إثارة النقاش فى بقية كليات جامعة القاهرة . وعقدت المؤتمرات التى كانت تختتم بطبع وتوزيع بيانات وتوصيات . وتزايد إصدار مجلات الحائط (16) والملصقات (17) بصورة كثيفة . وأظهرت البيانات الصادرة عن مؤتمرات مختلف الكليات عدم استعداد الطلاب لقبول تبرير السادات لعدم تحركه . ومع ذلك لم ينته أى من هذه المؤتمرات باعتصام , ولذلك ذهب أولئك الذين رغبوا فى المشاركة فى تحرك أكبر اعتصام إلى كلية الهندسة . وفى مؤتمر عقد بكلية الاقتصاد دعى إلى عقد مؤتمر أكبر داخل الجامعة فى 20 يناير . واقترح أحد الطلبة العاديين دعوة الرئيس السادات نفسه إلى المؤتمر حيث أنه الشخص الوحيد الذى يستطيع الرد على تساؤلات الطلبة . وكانت كلية الاقتصاد هى الكلية التى رفع فيها لأول مرة شعار " كل الديموقراطية للشعب .. وكل التفانى للوطن " الذى أصبح بعد ذلك شعارا للحركة كلها (18)

وبينما كانت تجرى كل التطورات داخل الجامعة , أعلن الرئيس السادات إجراء تعديلات فى حكومته , تضمنت تعيين " سيد مرعى " أمينا عاما للإتحاد الاشتراكى العربى , وكان وزيرا للزراعة فى عهد عبدالناصر , كما كان سياسيا محنكا ينتمى إلى أسرة من ملاك الأراضى الزراعية ( ولهذا لقبه الطلاب بالإقطاعى ) , والدكتور عزيز صدقي – وزير الصناعة فى عهد عبد الناصر والحليف الحميم للسادات فى معركته ضد خصومه فى العام السابق – رئيسا للوزراء , فرأس ما سمى " بوزارة المواجهة الشاملة " التى كانت مشكلة أساسا من العناصر التكنوقراطية , واجتمعت الوزارة فورا واتفقت على تنفيذ إثنى عشر إجراء حاسما بهدف إعداد اقتصاد البلاد للمعركة القادمة . وأعلن وزير الدفاع فتح أبواب التطوع للجيش أمام الطلاب , وأن التدريب العسكرى الذى يتلاقاه طلاب التعليم العالى سوف يتم تكثيفه , وفى نفس الوقت تدفقت الوفود الطلابية على مقر الإتحاد الإشتراكي العربى لتسليم البيانات والتوصيات التى انبثقت عن مؤتمراتهم إلى الأمين العام الجديد الذى أكد لهم أن الإتحاد الإشتراكي والحكومة سوف يبذلان أقصى جهودهما نحو دراسة مطالب الطلاب (19)

لكن الإجراءات الحاسمة للوزارة وتأكيدات الأمين العام للاتحاد الاشتراكى لم تثن الطلاب عن عزمهم . ففى الليلة السابقة على المؤتمر المزمع عقده أقر الطلبة المعتصمون بكلية الهندسة اقتراحا بتشكيل " اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة " من ممثلى مختلف كليات الجامعة . وفى ساعة متأخرة من نفس الليلة وضعت مسودة بيان يلخص مطالب الطلبة ويناشد الرئيس الاستجابة لدعوة الطلاب وحضور المؤتمر , وإلا فإن الطلاب سوف ينظمون اعتصاما داخل الجامعة حتى يستجيب .

وتم طبع البيان فى ساعة مبكرة من الصباح بمطبعة الجامعة , ووزع بعد ذلك مباشرة أثناء تدفق الآلاف من الطلاب على الطريق المؤدى للمؤتمر المزمع عقده بقاعة الاحتفالات الكبرى . وفى بداية المؤتمر تم تشكيل اللجنة الوطنية العليا للطلاب واختير ممثل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية رئيسا لها . وتم توسيع اللجنة بتمثيل باقى الكليات التى بدأت كل منها فى تشكيل لجنتها الوطنية الخاصة . واختار المؤتمر أيضا لجنة صغيرة لصياغة " وثيقة طلابية " تضم التوصيات والمطالب التى طرحت فى مختلف مؤتمرات كليات الجامعة .

وتشكل وفد طلابى لتوصيل " الوثيقة " إلى الرئيس فى منزله مع دعوته إلى الحضور إلى الجامعة للإجابة عن تساؤلات الطلاب . ولكنهم لم يتلقوا أى إجابة شافيه من سكرتاريته , ومن ثم فقد بدأ الاعتصام فى نفس اليوم . ومن بين عدة آلاف من الطلاب الذين حضروا المؤتمر أثناء الوم شارك حوالى ألف فى الاعتصام ليلا وفى اليوم التالى أرسل وفد آخر إلى منزل الرئيس إلا أنه عاد صفر اليدين . واستغرق الاعتصام أربعة أيام من المناقشات المطولة , والمشاحنات الداخلية , وإصدار البيانات ومجلات الحائط .(20) كما حدث اعتصام مشابه فى جامعة عين شمس .

وجاء موقف الصحافة الرسمية مكرسا لعداء الطلاب التقليدى لها . فقبل يوم 20 يناير , وبرغم الحذر الذى شاب نشرها لأخبار المؤتمرات الطلابية , إلا أنها ذكرت باختصار بعضا من مطالبهم . ولكنها كثفت جهودها بعد ذلك التاريخ لمساعدة الحكومة فى جهودها لتفريق الحركة , حيث خصصت – على سبيل المثال – عناوين الصفحة الأولى لإعلان موافقة الرئيس على مقابلة طلاب القاهرة والأسكندرية فيما بعد بناء على دعوة اتحاداتهم . ونشرت " الأهرام " صورة بالصفحة الأولى لياسر عرفات زعيم منظمة التحرير الفلسطين ية يتبادل الحديث مع مجموعة من الطلاب فى مقر [[الإتحاد الإشتراكي العربى]] (21) .وبرغم الثياغة المعتدلة للوثيقة الطلابية إلا أنها لم تحظ من الصحف الرسمية بمجرد الذكر , كما لم تحدث أية تغطية صحفية لأحداث جامعتى القاهرة وعين شمس , أو الانتفاضة الجنينية النامية بجامعة الأسكندرية وعدد من المعاهد العليا . وتراوحت مقالات رؤساء تحرير الصحف الرئيسية بين توجيه الانتقاد للحركة فى حذر , وبين الهجوم العنيف عليها (22) .

وكان الاستثناء الوحيد هو مقال بالأهرام كتبه محمد سيد أحمد بعنوان : " السؤال الذى يطرحه الطلاب يشغل كل القوى الوطنية " (23) . حيث رأى أن قلق الطلاب حق بقدر ما هو واجب وأنه من الضرورى إحاطتهم الصريحة بكل أبعاد الموقف . ونشر " الأهرام " فى 21 يناير مقالا للدكتور لويس عوض تحت عنوان : " تقرير حول المسألة المصرية " , لم يكن يتعلق بشكل مباشر بحركة الطلاب وإنما كان يتبنى إحدى مقولاتهم الأساسية . حيث أكد أن البرجوازية المصرية برغم أنها تمتلك إمكانات مواجهة نظيرتها الإسرائيلية , إلا أنها غير راغبة فى الإقدام على التضحية .

وبعد أن فشل الطلاب فى حث الرئيس على مقابلتهم , وافقوا على حل وسط لتسوية الموقف اقترحه وزير الداخلية ( رئيس الوزراء فيما بعد ) ممدوح سالم وأبلغه رئيس جامعة القاهرة الدكتور حسن اسماعيل للطلاب . وتضمنت صيغة التسوية الدعوة إلى حضور وفد طلابى كبير إلى مجلس الشعب لتقديم مطالبهم وإنهاء الإعتصام . ووافقت اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة على الاقتراح وحثت المؤتمر نفسه على الموافقة عليه . فحضر ثلاثة من أعضاء المجلس إلى الجامعة , وأبلغوا بقرار الطلاب , وعادوا إلى المجلس للإعداد لاستقبال وفد الطلاب . وخصص وزير الداخلية عددامن السيارات لتقل وفد الطلاب الذى يمثل كل الكليات وبلغ عدده حوالى مائى طالب .

ورأس وكيل مجلس الشعب الجلسة , حيث كان رئيس المجلس خارج البلاد . وعرض رئيس اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة موقف الطلاب . وأثناء المناقشة الساخنة كان أعضاء المجلس يتناوبون تملق الطلاب تارة والتهجم عليهم تارة أخرى . ورفض النائب محمود أبو وافية – صهر السادات – الطلب الذى تقدم به الطلاب لنشر وثيقتهم بالصحف بحجة " السرية " فى وقت الحرب . فأجاب رئيس اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة :

" نؤكد بوعى أنه ليس هناك أسرار ما فى هذا العالم حتى فى الجانب العسكرى . إن عرض هذه الانتفاضة الطلابية العظيمة لن يهز صورة مصر أمام العدو الإسرائيلى , بل يهز وضع العدو عندما يعرف أن فى مصر شعبا يريد القتال الحقيقى " . (24)

وخاطب النائب الدكتور جمال العطيفى الطلاب قائلا : " إن مجلس الشعب ليس تنظيما مشلولا إلا أن هناك أزمة ثقة أنتم معذورون فيها , ولاشك أن مجيئكم إلى هنا وحركتكم التى انبثقت عنها اللجنة الوطنية العليا للطلاب دليل على الديموقراطية الصحيحة . نحن هنا فى مجلس الشعب لا نمثل الشرطة ومحتكين بالشباب , وأنا شخصيا ألقى محاضرات فى الجامعة , وكنا متابعين ما قمتم به , ومحاولة الاحتواء قد تنجح كمسكن ولكنه لن ينجح فى النهاية . وبالنسبة لنشر الوثيقة الطلابية , فأنا أعتقد أن الوثيقة ممكن تنشر مع تحفظات " (25) .

وتم التوصل إلى اتفاق على ادخال عدد من التعديلات على الوثيقة حتى تنشر فى صحف اليوم التالى , فى مقابل انهاء الاعتصام . وعاد الوفد إلى الجامعة تاركا إثنين من الطلاب للقيام بالتعديلات بالاشتراك مع الدكتور العطيفى . وبعد ساعات من المساومات تم التفاق على الوثيقة المعدلة من أجل النشر . وقبل انصراف الطالبين بدقائق هرع إليهما الدكتور العطيفى لبيلغهما أنه لن يتم نشر أى شىء ,. وأن الرئيس السادات نفسه سوف يعقد اجتماعا مع ممثلى القوى الشعبية المختلفة ومن بينها الطلاب لمناقشة الوضع فى غضون يومين تقريبا . (26) كما أبلغهم أيضا أنه قد وصل إلى المجلس وفد طلابى ثان يتبع اتحاد الطلاب حاملا وجهة نظر مختلفة تماما (27) .

وعاد الطالبان إلى زملائهما فاستقبلا بصيحات هيستيرية ضد " مجلس المنافقين " . وطرحت دعوة لتنظيم مسيرة إلى وسط القاهرة صباح اليوم التالى (8) .وبعد أن هدأت الضجة نسبيا عقدت اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة اجتماعا مغلقا لاتخاذ قرار بشأن ما يجب عمله . وأثناء مناقشات اللجنة أبلغ أعضاؤها أن الدكتور كمال أبو المجد وصل إلى بوابة الجامعة وأنه يرغب فى مقابلة أحد الطلاب المسئولين . ونصح الوزير ممثلى اللجنة . فيما كان يبدو أنه محاولة لتفادى وقوع كارثة – بالإسراع فى إنهاء الاعتصام . وعندما سئل عما إذا كان بمقدوره أن يضمن سلامه أولئك الذين شاركوا فى الإضرابات , ذكر أنه فى حاجة لأن يستفسر من وزير الداخلية عن ذلك .

وبعد ذلك بساعات – فى فجر 24 يناير – قامت قوات الأمن المركزى بمداهمة الجامعة والقبض على الطلاب (29) .فاستسلمت قيادات الاعتصام فى جامعة القاهرة بهدوء . بينما حدثت بعض الصدامات فى جامعة عين شمس . وبهذا فإن قرار اقتحام حرم الجامعة , الذى لم يتخذه وزير الداخلية " المستبد" فى عام 1968 , والذى تباهى بتحاشى اتخاذه , قد أقدم عليه خلفه الذى كان من المفترض أنه أكثر " ليبرالية " فى 1972.

وبرغم أن قرار سلطات الجامعتين بإغلاقهما وبدء عطلة نصف دراسية , تدفق الطلاب إليهما صباح نفس اليوم ليكتشفوا أن زملاءهم قد قبض عليهم . فانطلق نحو عشرين ألفا من الطلاب الغاضبين إلى وسط القاهرة حتى وصلوا إلى ميدان التحرير , حيث عجزت قوات الأمن عن تفريقهم . وكانت هذه أول مرة يفرض على نظام السادات فيها مواجهة القلاقل فى الشارع , الأمر الذى شكل سابقة لم يغفرها أبدا ولم ينسها (30) .

واستمرت المظاهرات طوال اليوم , وفى المساء حدث اعتصام آخر حول قاعدة التمثال وسط ميدان التحرير (31) . وشكلت لجنة وطنية ثانية مؤقتة لتنظيم هذا الاعتصام . وجذب المنظر الفريد سكان القاهرة , الذين حاولوا مساعدة الطلاب بكل ما فى استطاعتهم بدءا من تقديم الطعام لهم , إلى مدهم بالأغطية والبطاطين فى تلك الليلة الباردة من شهر يناير . وفى ساعة متأخرة من الليل وجه قائد قوات الأمن المركزى أمرا بالتفرق إلى الطلاب الذين كانوا ينشدون الأناشيد الوطنية . وتم تفريقهم بالقوة فجرا بعد رفضهم التفرق , ليتجمعوا ثانية فى مجموعات أصغر تطوف بالمنطقة التجارية فى وسط القاهرة , وهم يهتفون : " اصحى يا مصر " . واستمرت المظاهرات حتى الظهر , بينما كان الرئيس يعقد اجتماعا على مرمى حجر منها . وحدثت بعض التلفيات بفعل المتظاهرين . وكما كتب مراسل جريدة " التايمز " البريطانبة فى القاهرة : " تحطم عدد من واجهات المحلات ونوافذ المكاتب , بما فى ذلك مكتب شركة الطيران الأمريكية . ولكن لم تكن هناك محاولات متعمدة لتخريب الممتلكات " (32) . وفى نفس اليوم نشرت الصحف قرار وزير الداخلية بمنع المظاهرات , والذى صيغ فى عبارة معتدلة وبلغة تهدئة : " حرصت سلطات الأمن بتوجيه من القيادة السياسية على عدم التدخل تقديرا للدوافع الوطنية للطلاب , فضلا عن أن ما ينادون به أجمعت عليه أمتنا قيادة وشعبا " . (33)

وفى القاء الذى عقد فى 25 يناير ألقى السادات خطابا غاية فى الانفعال أعلن فيه أن قرار القتال من أجل تحرير الأراضى المحتلة قرار نهائى ولا رجعة فيه , ولكنه لا يمكنه استعراض التفاصيل السياسية والعسكرية على الملأ . وبرر الرئيس هذا الكتمان مستشهدا بسابقة جديرة بالاهتمام : " تشرشل مكتوب فى مذكراته مجلس الوزراء البريطانى فوضه هو ولجنة وزارية من خمسة تفويضا كاملا لإدارة المعركة وماتقولناش إلا مايقال وفى وقت اللى يجب أن يقال فيه , . نفس الشىء حصل فى مجلس العموم أعطى تشرشل ووزارة الحرب نفس التفويض .. صمد الشعب البريطانى لأنه حط ثقته فى بلاده وفى قيادته .إيه الجديد اللى طالع عندنا فى معركة وعايزينى أطلع أتكلم عن التفاصيل كلها وأقول إيه اللى بيجرى . معرفش هل طلعوا لتشرشل وقالوا له تعالى نحاسبك ؟ " (34)

وبرغم الاختلاف فى السياق , إلا أن القياس الذى لجأ إليه السادات يحتمل شيئا من الصحة بشكل عام . لكن الضعف الشديد الذى كان ينطوى عليه هذا القياس يكمن فى أن الطلاب لم يطلبوا أبدا معلومات تفصيلية حول " المعركة " , حيث كانت اهتماماتهم تنصب على إطارها السياسى بالأساس . وقد أبرز البيان الصادر من مؤتمر كلية الآداب – على سبيل المثال – بشكل حاسم أنهم : " بالطبع لا يطالبون معرفة موعد المعركة بالساعة والدقيقة الفورية على اعتبار أنها لا تنسجم مع منطق المعركة " (35) . ومن ناحية أخرى فإن السادات – بعكس تشرشل – لم يكن فى حالة حرب فعلية . وشعر الطلاب مثلهم فى ذلك مثل الكثيرين من المصريين بعدم الارتياح لمطالبهم بالركون إلى الهدوء من أجل " المعركة " التى لم تتجسد منذ رفع عبدالناصر الشعار الشهير " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " .

ولجأ السادات إلى الإشارة إلى حوادث أخرى سابقة لتبرير استخدام القوة فى مواجهة الطلاب :

" فى 1968 قال الطلبة فى فرنسا . انتهت على إيه ؟ انهار اقتصاد فرنسا .. فى فرنسا وانتم عارفين فرنسا وتتكلمون عنها جميعا عن مدى تقدم حرية الرأى فى فرنسا , ماذا فعل ديجول عندما تأكد له أن الحركة الطلابية سوف تخرب الاقتصاد الفرنسى وانها منظمة من قبل الصهيونية والأمريكيين ؟ اقتحم الجامعات . فى مصر لم يقع خدش واحد , ومتى تدخل البوليس ؟ بعد 7 أيام " .

وكان تحليل الرئيس للانتفاضة نفسها – وهو مبنى على تقرير أمنى كان موضوعا أمامه – حافلا بالإدانة . إذ هاجم الطلاب بسبب إهانتهم لوزير الشباب , وهو " أستاذ جدير باحترامهم " . وأدان مجلات الحائط التى صورته شخصيا بشكل يخلو من الاحترام , بحيث " خرجوا عن كل الحدود " . واتهم وفد الطلاب الذى ذهب إلى منزله بأن " الورقة اللى سابوها وعيها امضاءاتهم كان ممكن اتهامهم بشق الجبهة الداخلية وإثارة الفتنة " .

كما وصف اللجنة الوطنية بأنها " لجنة الخيانة الوطنية " , وتحدث عن انشطتها فى الجامعة باعتبارها " احتلالا لا يمكن أن أساوم عليه " , وصور الانتفاضة ككل باعتبارها من فعل قلة منحرفة مكونة من حوالى ثلاثين طالبا , تقوم بتنفيذ عملية مخططة بدقة من خارج الجامعة . واستخدم الرئيس فى تحديده للتركيبة السياسية لهذه "القلة" التعبيرات الدارجة لدى جهات الأمن : " طلاب من ذوى الميول" , " عناصر ذات ألوان معينة " . و " طلاب لهم صلة بمراكز القوى السابقة " .

ولإرضاء "الأغلبية " أكد السادات على أن " قاعدتنا الطلابية ككل سليمة " . ووعد بإعطائهم " مزيدا من الديموقراطية بشرط أن يتخلصوا من العناصر المتطرفة بينهم " . كما وعد أيضا بعد إعادة الحرس الجامعى برغم ما حدث . ونصح طلاب البلاد بتركيز جهودهم على دراستهم , واضعين فى أذهانهم أن " وقت الدرس للدرس والطالب طالب علم وبس " . وأخيرا , ذكرهم بأن هناك ثلاث سلطات بالبلاد, التشريعية والتنفيذية والقضائية , وقال لهم : " سلطة طلابية ده ماعرفش إنه موجود سلطة بهذا الأسم " !

وتلقى السادات تأييدا حاسما من عدد من الحضور فى اللقاء الذى ألقى فيه خطابه (36) . وأعرب نائب مدير جامعة القاهرة (37) عن تشككه فى موارد الطلاب :

" المؤتمر الذى عقد فى الجامعة كان بالفعل شبه حكومة منظمة , لقد لاحظت مجلات الحائط وكم حاولت أن أمنعها , المؤكد أن مصدر هذه المجلات واحد . أكثر من 40 مجلة حائط يتم تعليقها فى يوم واحد . فى اعتقادى أنه لا يمكن لأى جهاز طلابى أو جامعى أن يصدر هذا .. ليس فقط 30 طالبا هم الذين كانوا وراء هذه المظاهرة . قطعا هناك شىء أبعد . كانوا يحتاجون لمنشوراتهم التى أصدروها إلى رزم ورق ولم يكن فى الجامعة ما يكفى , وما جاءوا به يزيد على كل الذى كان موجودا فى الجامعة . من أين أتوا بهذه الأوراق ؟ " .

إلا أن بعض مستمعى السادات كانوا أكثر تحفظا . وكان من بين هؤلاء الدكتور ابراهيم جعفر الأستاذ بكلية الهندسة , الذى كان يتابع الحركة عن كثب , واقترح على الطلاب أكثر من مرة القبول بحلول توفيقية لتفادى الصدام مع الحكومة . وقد خاطب الرئيس قائلا : " أولادنا لديهم تساؤلات ونحن الأساتذة لا نملك المعلومات التى تشفى غليلهم . علينا أن نعطيهم حرية الكلمة وحرية النقد حتى يشاركوا فى البناء .. هناك 30 طالبا تحوم حولهم التهم الآن , ولكن كل ما لأرجوا ألا نحاكمهم فى هذه الظروف " . وكان رد السادات الفورى هو : " المسألة ليست مسألة توقيت , لابد أن ننزع من وسط القاعدة الطلابية هذا الوباء " .

ولم تكن مهمة السادات بالمهمة السهلة . إذ أنه فيما عدا مستمعيه , كانت الانتفاضة الطلابية تتمتع بقدر من التأييد فى عموم البلاد حيث أيقظت الحركة الطلابية حركة المثقفين المصريين , وأيدت النقابات المهنية الانتفاضة فى نفس اليوم الذى تظاهر فيه الطلاب فى القاهرة , حيث أصدرت أربع من أقوى هذه النقابات نفوذا – نقابات المعلمين , والمحامين , والمهندسين والصحفيين – بيانات نشرت فى الصحف (38) تشيد بوطنية الطلاب , وتتبنى مطالبتهم بالاستعداد الجاد من أجل المعركة . وبينما حاولت بعض هذه البيانات ( مثل بيان المعلمين والصحفيين ) التوفيق بين موقفى الطلاب والحكومة , أيد البعض الآخر ( مثل بيان المحامين ) مطالب الطلاب تأييدا كاملا فضلا عن أنها جميعا انتهزت الفرصة للمطالبة برفع الرقابة عن الصحف . وأصدر خمسة من كبار الكتاب (39) فى مصر بيانا , إلا أنه لم ينشر . وجاء بالبيان : " إذا كان قد شابت مطالب الطلبة ونداءاتهم بعض الأخطاء أو بعض وجوه الشطط فى التفكير أو فى التعبير فإنما مرد ذلك إلى حماس الشباب أو اندفاعه أو نقص فى الخبرة السياسية وليس إلى نقص فى الوطنية " (40) .

وعقد اجتماع بين بعض مسئولى الإتحاد الإشتراكي العربى وممثلى النقابات المهنية الذين جددوا دفاعهم عن الحركة الطلابية , مصرين على أنه ليس من المقبول : " أن يقال إن هناك انحرافا فى الطلاب , إن الانحراف الوحيد الذى يمكن تصوره هو ثبوت تهمة الجاسوسية ضد أحد الطلاب " (41) . وفى لقاء آخر بين مسئولين الإتحاد الإشتراكي ووفد من أساتذة الجامعات طرحت دعوة للإفراج عن الطلبة المعتقلين .

وفى مواجهة تلك الضغوط , اتخذ السادات موقفا أقل عنادا , بعد دراسة متعلقة للموقف . وكانت هناك اتجاهات شديدة التباين داخل الحكومة حول قضية النشاط الطلابى . ووفقا لما يقول الدكتور كمال أبو المجد : " لم يكن الموقف بين أعضاء الحكومة بمعناها الأوسع واحدا , فالبعض تصور الأمركله من زاوية واحدة هى زاوية نشاط التنظيم الطليعى . والبعض أصر على أن ما يجرى كله ليس إلا حركة شيوعية منظمة تماما من خاج الجامعة . وكان الرئيس السادات صاحب نظرة متوازنة تدخل الأمرين فى الاعتبار تماما وترى فيهما محركا للكثير مما يدور . ولكنه أيضا كان على رؤية واضحة للأسباب الموضوعية للقلق والتمزق " . (42)

كما قال الدكتور كمال أبو المجد أنه وبعض زملائه , قد حاولوا " معالجة الظاهرة سياسيا " . وقد انعكس نفس الاتجاه فى مقال هيكل : " قضية هذا الجيل " فى الأهرام 28 يناير . فبعد أن أورد تمييزه المعتاد بين " قضية الشباب فى مصر , وقضية ثلاثين أو أربعين يمكن أن يحاسبوا على بعض ما تجاوز من تصرفاتهم " اعترف بأن جيل الشباب لديه قضية جديرة بالاهتمام : " برغم أى أخطاء أو نفاد صبر أو حتى المساس بتماسك الجبهة الداخلية .. يجب أن تكف عن هذه النظرة المأخوذة بالارتياع من الفضيحة ونحن نواجهة حركات الشباب على أرضنا . أننا فى بعض الأحيان مازلنا ننظر إلى الظواهر الاجتماعية بمنطق القبيلة ناسين أننا فعلا فى العصر الصناعى .. إن ضغوط الرأى العام ذات فائدة كبرى على الأقل لتعليم من لم يكن يعلم أن الحكم هنا وراءه نبض ووراءه رأى عام مسموع " .

وأخيرا قرر السادات أن القضية ينبغى أن تعالج سياسيا . ومثلما فعل عبد الناصر فى 1968 , دعا إلى دورة خاصة للمؤتمر القومى للإتحاد الاشتراكى العربى , افتتحها بخطاب تصالحى :

" إن حركة الشباب المصرى فى التعبير عن نفسه لم تكن بعيدة عن الجو العام الذى وصفته لكم أى كحالة من نفاد الصبر . ولقد كان منطقيا أن يظهر نفاد الصبر أول ما يظهر لدى الشباب .. إننى لا أريد احتواء حركة الشباب , ولا أريد عزل حركة الشباب ولا أريد ضرب حركة الشباب " .

وبجانب ذلك أصدر قرارين مهمين : إعادة بناء منظمة الشباب , والإفراج عن جميع الطلبة المحتجزين وإحالة موضوعهم للجامعات " تتولى عن طريق المجالس التأديبية بحثه " .

إلا أن السادات – فى اليوم الثانى من المؤتمر – كرر ما فعله عبد الناصر من قبل من التلميح إلى أن الطلاب كانوا مدفوعين بفعل شبكة من عملاء المخابرات الإسرائيلية , وأنه كانت هناك منشورات توزع وبها مزاعم تشبه ما كان يطرحه الطلاب (43) . وجاءت التقارير التى ألقاها وزراء السادات أمام المؤتمر مؤيدة لموقفه . فدافع وزير الخارجية عن قرار مجلس الأمن رقم 242 والعلاقة مع الإتحاد السوفيتى , وهما موضوعان كانا موضعا لشكوك الطلاب . ودعا وزير الدفاع الطلاب إلى الذهاب إلى الجبهة ومشاهدة الاستعدادات الجادة التى تسير قدما ورحب بزيارة طلبة الهندسة للمؤسسات الفنية للقوات المسلحة . وعلى عكس هذين التقريرين اللذين ألقيا فى جلستين مغلقتين , أذيع بيان وزير العدل على الهواء فى الإذاعة والتليفزيون بناء على إشارة من السادات .

وبعكس تقرير وزير العدل فى 1968 , كان هذا البيان سياسيا حافلا بالتعبيرات التى تستخدمها التقارير الأمنية , فأشار إلى " الأقلية" و "العناصر المتطرفة" و " ذوى الميول المعينة" وأظهر الحركة كما لو كانت توجه من خارج الجامعة , حيث تطبع منشوراتها فى الخارج , وتتلقى المساعدات المالية من الخارج أيضا . واتهم الوزير "الأقلية" باستخدام العنف ضد " الوطنيين الحقيقيين " . واتهم أحد قادة الطلاب بالتهرب من الخدمة العسكرية كما اتهم آخر بالقيام إلى رحلات مريبة إلى خارج البلاد . وزعم أن الطلاب قد سلحوا أنفسهم بالعصى والأدوات اللازمة للصدام المحتمل مع قوات الأمن , وقال أن المتظاهرين أحدثوا تلفيات فى سبعة محلات بوسط القاهرة كما أكد أن 67 من جنود الشرطة قد أصيبوا , بينما لم يشر إلى أية خسائر بين الطلاب .

وكان من المقرر أن يمثل الطلاب البالغ عددهم 224 طالبا ( 112 من بين المعتصمين بالجامعة , 61 من المعتصمين بميدان التحرير , و51 من بين المتظاهرين ) والذين ورد بتقرير الوزير أنه تم التحقيق معهم , أمام مجالس التأديب بالجامعات , وصدر الأمر بمنع ثلاثين طالبا من بينهم من الدخول إلى الجامعة حتى تبت مجالس التأديب فى حالاتهم . ومع ذلك , وإزاء الضغط الطلابى , ونظرا للاتجاه المعتدل نسبيا الذى تبناه رئيسا جامعة القاهرة وعين شمس فى مواجهة الحركة , أغمضت السلطات الجامعية أعينها عن هؤلاء الطلاب الذين تسللوا إلى محاضراتهم , وفى نهاية الأمر وجهت إليهم إنذارات مكتوبة دون أن تعقد أية مجالس تأديبية بالفعل .

وبعد إطلاق سراح المحتجزين , وفى النصف الثانى من العام الدراسى , استمرت العناصر الطلابية النشطة فى العمل ولكن بشكل أهدأ حيث احتفلوا " بيوم الطالب" فى 21 فبراير بعقد مؤتمرات جديدة وإصدار بيانات تجدد مطالبهم السابقة . وأكد الطلبة مجددا ثقتهم فى " قيادة الانتفاضة " , وأدانوا قوات الأمن التى اقتحمت حرم الجامعة المقدس , وأعربوا عن رفضهم لبعض المزاعم التى وردت فى تقرير وزير العدل (44) . كما عارضوا أيضا دعوة السادات لهم للتركيز على دراستهم حيث : " إن العطاء الوطنى لا يرتبط بمجرد التفوق المهنى فى المجالات التخصصية وإنما يرتبط بحق الجماهير فى المناقشات والحوار ثم بواجبها فى العمل والبناء " (45) . وإزاء رفضهم القاطع للخطط الرامية إلى إعادة إدخال منظمة الشباب إلى الجامعة , اضطرت الحكومة فى النهاية إلى إلغاء محاولتها (46) .

وكانت مطالب انتفاضة يناير 1972 شاملة لكل قضايا الوطن , برغم محاولة قامت بها مجموعة من الطلاب فى البداية لقصرها على مسألة التدريب العسكرى للطلاب (47) . وتركز النقد للحكومة على ثلاث قضايا محددة . الأولى : الاحتلال الإسرائيلى للأراض المصرية والعربية . حيث لم يكن الطلبة مؤمنين بقرار الأمم المتحدة رقم 242 أو بقيمة محاولات تحرير الأرض المحتلة بالوسائل الدبلوماسية أو من خلال الضغط الدولى الذى أثبتت إسرائيل فى مناسبات سابقة أنها محصنة ضده . وإنما كانوا يؤمنون بضرورة استعادة الأرض بالقوة , عن طريق حرب شعبية شاملة .

وانصبت الركيزة الأساسية فى نقدهم على تردد النظان فى معالجته للقضية , وكما أوضح مراسل " التايمز " : (48) .

" ليس من الضرورى أن يكون القرار هو الحرب . ولكنهم أوضحوا أنهم يريدون قرارا صريحا ومحددا ... إن تذمرهم بالقطع يتجاوز الدعوة السطحية لحمل السلاح والتوجه إلى الجبهة " . (49)

بل إن محللا إسرائيليا توصل هو الآخر إلى نفس النتيجة :

" جعل الطلاب من قضية المواجهة مع إسرائيل هدفهم الرئيسى , ليس بغرض اندلاع حرب مباشرة مع إسرائيل , وإنما لإظهار أن النظان عاجز سياسيا " . (50)

وتوضح بداية الفقرة الأولى من " الوثيقة الطلابية " مدى عمق كراهية الطلاب لشعارات النظام : " إن جماهير طلاب جامعة القاهرة المجتمعين الآن فى داخل الحرم الجامعى إذ يدينون مبدأ إخفاء الحقائق عن الجماهير والاستهانة بعقولهم تحت شعارات مختلفة من استمرار وصمود وردع واستنزاف ومواجهة وحسم ونصر وغيرها " .

وثانيا : وجه الطلاب اهتمامهم نحو النظام السياسى ككل وتركزت مطالبهم حول قضية الديموقراطية . ويؤكد بيان طلابى آخر صيغ على أساس من الآراء المطروحة فى الوثيقة الطلابية : " إن جماهيرنا الواعية , والتى أثارتها كل تلك السياسات لا بعض العبارات الغامضة أو المضللة فى بيان , قد عرفت فى حركتها الأخيرة طريقها الحقيقى لكى تمارس دورها الحقيقى وهو المشاركة فى صنع القرار لا التفرج عليه " . (52) وفى تلك الفترة لم يطرح التبنى المباشر لفكرة التعددية الحزبية , وإنما انصب التركيز الأساسى على حرية الصحافة (53) .

أما ثالثة القضايا الأساسية فكانت البنية الاجتماعية – الاقتصادية للبلاد . إذ كان الطلاب – يرونها بطريقة مبسطة بعض الشىء – مرتبطة بالقضية الوطنية , مؤكدين على ضرورة قيام "اقتصاد حرب " تقدم فيه كل طبقة اجتماعية تضحيات نسبية تحدد على أساس قدرتها على المساهمة . وكان أكثر الاقتراحات راديكالية , هو المطالبة بألا يتجاوز الحد الأعلى للأجور فى البلاد عشرة أمثال الحد الأدنى . كما أعلن الطلاب رفضهم لربط الاقتصاد المصرى بالمصالح الامبريالية عبر مناطق التجارة الحرة التى كانت فكرة جديدة وقتها . وبالإضافة إلى ذلك أعلنت بيانات الطلاب عن رفضهم للبذخ الذى تعيشه الشريحة العليا من البيروقراطية , ذلك البذخ الذى حاولت الوزارة الجديدة الحد منه عن طريق إجراءات التقشف , كما أبدى الطلاب رفضهم لتعيين سيد مرعي أمينا عاما للإتحاد الاشتراكى العربى , بسبب انتمائه الطبقى "الإقطاعى " . وطالبوا أيضا بالإفراج عن عمال حلوان , وإعادة الاعتبار للجان النقابية العمالية التى تعرضت للتشهير بها من قبل الحكومة نتيجة إضراب العمال فى 1971 .

وتجاوزت مطالب انتفاضة يناير 1972 المدى الذى وصلت إليه كل من انتفاضتى عام 1968 . ففى هذه المرة أبدى الطلاب موقفا متشددا عنيدا بعض الشىء . وكانت هذه الروح ثمرة لكل من سنوات الإحباط والجهود المكثفة التى بذلتها العناصر السياسية التى أفرزتها تلك السنوات .

وقد تركزت استجابة الحكومة لهذه المطالب على مهاجمة العناصر الطلابية النشطة التى قادت الانتفاضة بدلا من تناول الأساس الموضوعى للأحداث وجوهر المطالب الطلابية . فعند كبار المسئولين بالحكومة – ومن بينهم السادات نفسه – إلى تبسيط قضية مطالب الطلاب . فبينما ذكر رئيس اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة , أمام البرلمان أن : " هناك خلافا استراتيجيا بين تصور السلطة فى حل قضية الوطن وبين تصور القواعد الطلابية " (54) , كانت استجابة السادات أكثر انفعالية حيث قال : " أصدر المؤتمر توصيات رفض الحل السلمى ( قلت هذا ) , إعداد اللجبهة الداخلية للحرب ( قالت هذا الجرائد ) , وتحديد موقف الإتحاد السوفيتى ( قلت تجرى مفاوضات على أعلى مستوى ) , تحويل اقتصاد البلد إلى اقتصاد حرب ( منشور وسياستنا هى توجيه الإعلام لخدمة المعركة ) كل هذا ماجاش بجديد ومكتوب فى الصحف فى المرحلة اللى قبل هذا " . (55)

وفى شىء من الصراحة يعلق الدكتور كمال أبو المجد على هذا الوضع بقوله : " لو تعرف الحكومة مرة واحدة مطالب الطلبة , وهذه مشكلة آن الأوان لتوكيدها , فالحكومة كانت ترى دائما أن الطلبة ليست لهم مطالب محددة . وأن ماقدم باسم " الوثائق " قدم فى جو محموم وصيغ على عجل ولم يدرسه أحد , وأن المقصود الوحيد منه كان إحداث المتاعب وخلق المزيد من التوترات . ولهذا بكل الصراحة , لم يأخذ أحد فى الحكومة هذه المطالب مأخذ الجد " (56) .

ولا شك أنه لأمر صحيح تماما ما أشار إليه أحد المعلقين الأجانب من أن هذه المطالب كانت تحتوى إلى حد كبير تقييما " غير واقعى " (57) وما أكده أحد القيادات الطلابية من أن " الأمر قد استلزم من الطلاب قدرا من الوقت لتوضيح برنامجهم " (58) . إلا أنه كان هناك مطلب واحد ومحدد : وهو حل القضية الوطنية , وديموقراطية النظام السياسى . وقد أوضحت استجابة الحكومة عدم حساسيتها تجاه مشاعر قطاع من الشعب مهتم بالسياسة ومتحمس .

إلا أنه , برغم تلك الفجوة , فإن الطرفين قد تجنبا حدوث قطيعة تامة . حيث توجه الطلاب ببرنامجهم السياسى إلى الحكومة مثلما توجهوا به إلى القطاعات الأخرى من الشعب , وأعربوا أكثر من مرة عن ثقتهم فى وطنية السلطة الحاكمة . (59) وكما يرى أحد المعلقين فإنهم قد أظهروا بهذا افتقارهم إلى الرؤية الواضحة للطبيعة الاقتصادية والاجتماعية , أى الطبيعة الطبقية للسلطة السياسية , ومن ثم اقتصر دور الحركة الطلابية على مجرد " التعليق" على تصرف هذه السلطة (60) .

كان قادة انتفاضة يناير 1972 يشكلون أبرز مجموعة واعية سياسيا من بين المجموعات التى قادت الانتفاضات الطلابية منذ فض الحركة الطلابية فى 1954 . وكان انتماؤها يساريا بوجه عام , وإن لم يكن شيوعيا فقط حسب زعم الحكومة وكذلك زعم الجناح اليمينى للحركة الطلابية , حيث كانت الحركة الشيوعية السرية فى مصر فى ذلك الوقت مازالت جنينية وفى حالة بحث عن مركز ثقل منظم داخل الحركة الطلابية التلقائية . وكما أوضح أحد التنظيمات الشيوعية : " لقد عمل تنظيمنا بكل طاقاته فى الحركة الأولى الطلابية وطورها وتطور هو من خلال قيادتها , أما الحركة العمالية فلم تلق نفس التركيز إلا فى بعض مواقعها . وإلى هذا الأساس يستند بعض الزملاء ليؤكدوا تصورهم أننا أمام انحراف برجوازى صغير أو طلابى " . (61)

وبينما أمدت الحركة الشيوعية الانتفاضة بعدد من عناصرها النشطة الذين لهم قدر من التأثير الأيدولوجى على المجموعة الأعرض من القيادات الطلابية , فإن الانتفاضة نفسها شكلت نقطة تحول فى تطور الحركة الشيوعية حيث تمكنت التنظيمات الشيوعية من تجنيد عدد من العناصر الطلابية المشاركة فى الانتفاضة اعتبارا من العام الدراسى 72\1973 , على أن انقسامية المنظمات الماركسية قد انعكست فى الحركة الطلابية من خلال الخلافات المتكررة بين العناصر القيادية . وأدى نفوذ الطلبة الماركسيين فى اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة , ووجود عدد منهم من أعضائها , إلى أن اتخذ الجناح اليمينى للحركة الطلابية – سواء من الليبراليين أو الأصوليين الإسلاميين – بل واليسار الناصرى أيضا , موقفا عدائيا من اللجنة والانتفاضة ككل . وسعى اليمين – الذى كان يعمل تارة من خلف ستار إتحاد الطلاب , وتارة أخرى يعمل مستقلا – لإحداث انقسام فى الحركة فى مرحلة متقدمة . حيث تجمع أثناء الاعتصام الذى حدث بقاعة عبدالناصر عدد من الطلاب ( معظمهم من كليات الطب والهندسة ) وتظاهروا علانية بهتافات ضد الشيوعيين . كما أعدوا أيضا وثيقة أكثر " اعتدالا" . ولم تفلح محاولاتهم حيث اعتبرهم العديد من الطلاب انقساميين أو مجرد عملاء للحكومة (62) . وبرغم سيطرة العناصر اليسارية على قيادة الحركة إلا أنها اتخذت خطوة جريئة حين ساءلت الحكومة حول حجم الدعم السوفيتى الحقيقى لمصر (63) , وهو الأمر الذى أساء البعض فهمه فذهب إلى الظن بأن الانتفاضة كانت تسيطر عليها قيادة من الماويين , أو اليسار الجديد ( بالمفهوم الأوروبى ) (64) .

كانت انتفاضة يناير منظمة عبر لجان وطنية مستقلة وصفها السادات بأنها "سوفيتات" (65) . ولم يكن انزعاج الحكومة من تلك اللجان راجعا إلى أنها عملت خارج الإطار الشرعى لاتحاد الطلاب فحسب , وإنما أيضا بسبب تكرارها لنفس نموذج اللجان الوطنية فى الأربعينيات حينما كانت مصر لا تزال تحت الاحتلال البريطانى (66) . وانتهت الحكومة إلى أن اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة هى نتاج مؤامرة تم تنظيمها خارج حدود الجامعة . بينما يؤكد أول بيان صادر من اللجنة بوضوح أنها نابعة من الانتفاضة نفسها وليست سابقة عليها , أو محرضة لها . (67) وهو إدعاء له ما يبرره . فالتحرك التلقائى الذى حدث فى شوارع القاهرة كان قد سبقه تحرك عفوى آخر داخل الجامعة , وكما وصفه ديفيد هيرست مراسل "الجارديان" البريطانية :

" إن أعمال الشغب التى حدثت اليوم كانت بلا ريب ثمرة للتصعيد العفوى من أسفل حيث بدأ الأمر فى مختلف الكليات بصورة منفصلة , ولكنها الآن بدأت تندمج فى تيار واحد له قيادة واحدة معترف بها " (68) .

وقد تشكلت اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة – كما يوضح أحد أعضائها – كمحاولة "لانتزاع حق تشكيل التنظيمات المستقلة للجماهير خارج أطر السلطة وبعيدا عن مؤسساتها المشلولة " (69) . وأصبحت اللجنة بمثابة الناطق بلسان الانتفاضة , كما حظيت بتأييد عدد من قيادات اتحاد الطلبة برغم موقف العداء العام الذى كان يمارسه الإتحاد فى مواجهتها . وبسبب حجم التأييد الذى كانت تلقاه اللجنة بين الطلاب , أصدر رئيس جامعة القاهرة بيانا موجزا فى 23 يناير – فى محاولة منه لإنهاء الاعتصام – يعترف فيه باللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة باعتبارها الممثل الشرعى للطلاب .

وقد عكس تشكيل اللجنة إحساسا بفشل اتحاد الطلاب فى أن يكون منبرا للتعبير عن رأى القاعدة الطلابية . وكما يقر د. كمال أبو المجد : " لوحظ نمو الشعور بفساد الإتحادات الطلابية فسادا تمثل فى العجز والانحراف , كما تمثل فى تبعيتها الكاملة لجهات معينة فى الدولة وائتمارها فى كثير من الأحيان بأوامر تلك الجهات . كما تمثل فى الاحساس بعدم تمثيلها للقاعدة الطلابية . كما كثر الحديث عن المخالفات المالية الجسيمة وظاهرة الاتنفاع المادى من العمل الطلابى " (70) .

واتخذت عملية خلع الإتحاد من قيادة الحركة الطلابية أشكالا اختلفت من كلية لكلية ومن جامعة لأخرى . ففى جامعة القاهرة كانت القيادات الفعلية , كما لاحظ د. أبو المجد : " رافضة تماما للاتحاد الطلابى وتمثل لدى الطلاب بديلا عنه , أما جامعة عين شمس فكان الإتحاد الطلابى فيها يحرك الأحداث بحكم انتماء أكثر أعضائه إلى التنظيمات الطليعية السابقة .. وكان بيننا وبين الكثير منهم روابط وطيدة نمت خلال المعسكرات واللقاءات التى كنا ننظمها تحت شعارات الناصرية , وكانوا يعتقدون أن هناك أرضية مشتركة بيننا وكان لدينا نفس الاعتقاد , على الأقل بالنسبة لبعض القضايا , ومن ثم فقد استمر الاتصال بهم فيما عدا الفترات التى فقدوا فيها السيطرة على الأحداث " . (71) وكانت قيادات الإتحاد منقسمة بين الولاء للنظام وبين اضطرارها للتعاطف مع أولئك الذين من المفترض أنها تمثلهم (72) . وقد حاولت هذه القيادات تهدئة الحركة قبل أن تتمكن من الانطلاق (73) , وأثناء الأحداث انهمرت برقياتهم على الرئيس السادات تأكيدا على ولائهم . وفى خطابه يوم 25 يناير , اختار الرئيس أن يتلو عددا من تلك البرقيات , ومن بينها برقية من اتحاد طلبة هندسة القاهرة , وهى التى اعتبرها " برقية لها وضعها الخاص , لأن الحركة بدأت أساسا من كلية الهندسة " . (75)

وتحت ضغط جمهور الطلاب إثر القبض على قيادات الانتفاضة , أصدر اتحاد طلاب جامعة القاهرة بيانا يدعو للإفراج عنهم , ويعلن تأييده للحركة , وفى نفس الوقت "تسجيل الخطوات الديموقراطية للسيد رئيس الجمهورية"(67) . وواجهت قيادة الإتحاد العام لطلاب الجمهورية مأزقا مشابها , فكما أوضح أحد قادته : " فى المساء ذهبت لمقر اتحاد الجمهورية فوجدت كل أعضاء مجلس الإتحاد موجودين ويتناقشون فى كيفية مواجهة الموقف , وتتصل بهم وزارة الداخلية بهذا الخصوص على أساس نزولهم إلى ميدان التحرير لمخاطبة الطلاب وتجمع القيادات المسيطرة على الموقف وتشكيل لجنة لمناقشة الأمر مع الدولة , بعد فض المظاهرات . وحين وصولنا لميدان التحرير وجدنا الصدام قد بدأ باستخدام رجال الأمن للقنابل المسيلة للدموع فلم نتمكن من عمل شىء . وفى هذه الحالة تحول موقفنا إلى إصدار بيان جماعى من قبل اتحاد طلاب الجمهورية يرفض تدخل الشرطة ويؤيد جمهور الطلاب " (77) .

وفى اجتماع 25 يناير حث السادات اتحاد الطلاب على احتواء الحركة وتأكيد سلطته : " بعض القيادات المخلصة حاولت التصدى بالفعل لقادة القاعة , وأنا أريد أن يكون العمل السياسى من خلال اتحاد الطلاب المنتخب بالفعل .. هم يقولون إنكم لا تمثلون الطلاب وأنا أقول إنكم تمثلون الطلاب لأنكم أنتم الذين تم انتخابكم .. فيه 30 واحد استطاعوا أن يسحبوا السجادة من تحت أقدامكم أنتم الممثلون الشرعيون لحركة الطلاب " (78) .

وأعرب ممثلو الإتحاد الذين حضروا لقاء ارئيس عن رغبتهم فى اتباع نصائحه . فتحدث رئيس اتحاد طلاب جامعة عين شمس قائلا : " لقد استطعنا فى جامعة عين شمس أن نسيطر على الحركة تماما والتى ظهرت موجتها الأولى فى كلية الطب , وقد تم فى كل الأحوال ضرب ما يسمى باللجنة الوطنية حتى فى كلية الطب ." ومع ذلك , فقد أبلغه البعض الآخر من الطلاب الحاضرين , أن الإتحاد قد فقد مصداقيته لدى جمهور الطلاب بسبب خضوعه للوصاية الإدارية . إلا أن الرئيس لم يبد نية نحو إلغاء هذه الوصاية .

وكان الإتحاد – حتى بعد انتهاء انتفاضة يناير – قد وجد صعوبه فى استعادة سيطرته . فحدثت مشاحنات أخرى فى مؤتمر اتحاد طلاب جامعة القاهر ة , الذى عقد فى المنصورة , وفى المعسكر السياسى الذى نظمة اتحاد طلاب عين شمس . وعندما استجابت الحكومة لضغط الطلاب , سمحت للاتحاد بعقد مؤتمره القومى , لأول مرة منذ ثلاث سنوات , أبرزت المناقشات التى دارت فى المؤتمر عدم رغبة الإتحاد فى التورط فى النشاط السياسى (79) , الأمر الذى أرضى الحكومة مؤقتا , لكنه لم يفد قى تقوية إدعاء الإتحاد أنه ممثل حقيقى للطلاب .

وكانت بعض تقييمات انتفاضة يناير 1972 مبالغة ومفتقدة للدقة (80) . وبينما كان بعضها الآخر متوازنا , مثل تقييم الدكتور فؤاد زكريا : " شهدت حركة الطلاب فى 72 – 1973 التى وصل فيها الوعى الطلابى إلى قمته , والواقع أن هذا الوعى كان مفاجأة لعدد كبير من أعضاء هيئة التدريس , وأنا منهم , وذلك لأن الفكرة التى كانت سائدة لدينا هى أن هؤلاء الشباب الذين تربوا فى ظل مناهج تعليمية تعرض عليهم التاريخ بصورة موحدة الاتجاه وتسير كلها نحو عبادة الفرد , لابد أن تفوتهم أمور كثيرة من تلك التى يستطيع أفراد الأجيال الكبيرة أن ينتبهوا إليها , وذلك على الأقل , لأن هذه الأجيال الكبيرة تلقت تربية مختلفة تساعدنا على التمييز والمقارنة . ومع ذلك فقد تبين أن لدى الطلاب أحيانا من الفهم لطبيعة أوضاع البلاد ومشاكلها وطرق حلها ما يفوق فهم الكبار أنفسهم . وكانت تلك المفاجأة هى أهم ما ذكره عن هذه الأحداث إذ إنها أعادت إلى نفوسنا – نحن أبناء الجيل الأقدم – الأمل الذى كان مفقودا فى الوقت الذى اعتقدما فيه أن الأجيال الجديدة قد طويت , وأمكن وضعها فى القوالب المطلوبة . لقد شعرنا جميعا بأننا مهما فعلنا فسوف يظل جهدنا أقل بكثير من جهد هؤلاء الشباب الصغار الذين وقفوا وحدهم يعبرون عن معاناة شعب بأكمله " . (81)

وهكذا أصبحت الحركة الطلابية , التى كانت عام 1968 بالأساس مجرد رد فعل للهزيمة , حركة سياسية تتحرك بالوكالة عن طبقات اجتماعية أخرى , وتدفع هذه الطبقات إلى أن تشكل بدورها حركاتها الخاصة (82) . حيث أصبحت منبرا أكثر تماسكا للتعبير عن النفس والتفكير فى البرامج البديلة . كما أنها فرضت على النظام الحاكم إدراك الخطر السياسى الذى يجلبه التسويف والتردد فى مواجهة القضية الملتهبة , قضية تحرير الأرض المحتلة . وهو الأمر الذى حد من النظام فى الاعتماد على الحل الدبلوماسى , وفتح الطريق أمام بذل محاولة عسكرية لاستعادتها , كما كانت انتفاضة يناير 1972 فى نفس الوقت , بمثابة إنذار مبكر لنظام السادات بأن الشعارات الديموقراطية التى بدأ يرفعها لن تكفى لتأمين مستقبله السياسى إلا بمقدار تجسدها فى الواقع الفعلى .

انتفاضة العام الدراسى (1972 \ 1973)

شهد صيف 1972 إرهاصات موجة ثانية من الاضطرابات فى الجامعات المصرية . حيث كانت تتشكل ثلاث قوى فى تلك الفترة : أولاها كتلة اليسار التى كانت تقود الانتفاضة فى العام الدراسى السابق , وهى تتكون من مجموعتين متميزتين : مجموعة أكثر ترابطا من بين العناصر النشطة التى بدأت فى تطوير روابط تنظيمية مع المنظمات الماركسية الناشئة فى البلاد , ثم مجموعة أكثر تنوعا من العناصر المستقلة ذات الميول اليسارية والماركسية العامة . أما القوة الثانية فهى الطلاب الناصريون , خصوصا فى جامعة عين شمس , الذين كانوا يضمون صفوفهم للقيام بدور أكثر نشاطا فى الحركة بطرح برنامج أكثر راديكالية يهدف ضمنا لإضعاف موقف منافسيهم الماركسيين . وأما القوة الثالثة , فتتمثل فى الجناح اليمينى من الحركة والذى كان يضم صفوفه لمناهضة اليسار على أساس من الأصولية الإسلامية .

وأوضحت الأنشطة الطلابية فى ذلك الصيف بجلاء الانقسامات داخل الكتلة الطلابية : حيث عقدت ندوة سيطر عليها اليسار الماركسى فى جامعة القاهرة , كما عقد مؤتمر لاتحاد الطلاب بجامعة عين شمس سيطر عليه الناصرييون , وتم تنظيم تجمع آخر فى عين شمس لتخليد ذكرى عبدالناصر (83) . وقد نظم الإتحاد العام لطلاب الجمهورية معسكرا صيفيا سياسيا تحت رعاية الحكومة بلأسكندرية بهدف "ملء الفراغ لدى الكتلة الطلابية من خلال اللقاءات مع المسئولين الحكوميين " . (84) وهو ما كان فى الواقع بمثابة محاولة لاستقطاب مؤيدين للحكومة من داخل الحركة الطلابية .

وفى نفس الوقت سرت شائعات – الأمر الذى لن يكن من الممكن التيقن منه إلا عندما يبدأ العام الدراسى – بأن فرقا خاصة من الطلاب يتم تدريبها للقضاء على النشاط السياسى الطلابى الصاعد , باستخدام القوة , وأن العديد من هذه الفرق كانت تحت الإشراف المباشر لأمين التنظيم بالإتحاد الإشتراكي العربى محمد عثمان اسماعيل (85) . أما الدكتور أبو المجد , برغم أنه لم يهتم شخصيا باتباع مثل هذه الأساليب , (86) إلا أنه اعترف بعلمه بالأمر لضرب نشاط القيادات الطلابية مما خلق قضية جديدة هى قضية " العنف الداخلى " فى الجامعة " (87) .

وبدأ الجناح اليمينى للحركة فى التبلور حول نواة " جماعة شباب الإسلام " التى أنشئت فى هندسة القاهرة مع بداية العام الدراسى 72\1973 فكانت – طبقا لقول أحد مؤسيسها – بمثابة " جماعة لإسلامية جديدة تؤكد الوجود السياسى الإسلامى " و " كبديل للقيادة الشيوعية " (88) . وعقب ذلك مباشرة لجأ بعض المسئولين الحكوميين إلى عرض الأموال على أعضاء الجماعة وتحريضهم على استخدام العنف ضد خصومهم اليساريين (89) . وهو العرض الذى رفضته الجماعة (90) .

وفى ظل هذه الخلفية , بدأ العام الدراسى 72\1973 بموجة تصعيدية من مجلات الحائط التى كان موضوعها الرئيسى – وهو ماوصفه الرئيس السادات بقلة حياء – هو نفس موضوع العام السابق , مع زيادة نغمة التحدى للحكومة فى هذه المرة (91) . ووفقا لما أعلن النائب العام : " بالإطلاع على هذه الملصقات تبين أنها تنطوى على هجوم على نظام الحكم القائم وسياسته وعلى التطبيق الاشتراكى ومجلس الشعب والقوات المسلحة والإعلام والأمن , كما تنطوى على مهاجمة سياسة الدولة الخارجية بوصف أنها تمثل ما أسموه بسياسة الخنوع أو الركوع أمام أمريكا , وأنها تقف مرتعشة أمام الاستعمار . كما تنطوى على مهاجمة سياسة البلاد العربية فيما يتصل بتقريب وجهات النظر العربية بدعوى أن حلف السلطة المصرية مع السلاطين والمشايخ هو ضد التحرر الوطنى ... كما تضمنت تلك الملصقات الحديث عما أسموه قضية الحرية والديموقراطية بدعوى انعدام الديموقراطية وتكبيل الحريات وعدم وجود حرية صحافة ... وورد أيضا بتلك الملصقات هجوم على إدارة الجامعة بوصفها أنها تمارس أسلوبا إرهابيا ضد الحركة الطلابية , كما تضمنت مهاجمة الإتحادات الطلابية الشرعية بوصفها بالعمالة لأجهزة الأمن " (92) .

وبدأت فى نفس العام المؤتمرات الطلابية التى كان يناقش فيها – وفقا لما ذكره أحد شهود النائب العام – " العديد من الأمور التى تتناول الوضع السياسى والاجتماعى داخل البلاد ومشكلة الشرق الأوسط وتحرير الأرض والديموقراطية " . (93)

وكان أول هذه المؤتمرات عبارة عن تجمع بكلية الهندسة بجامعة القاهرة تحت رعاية الجناح اليمينى للحركة , لمناقشة قرار السادات باستبعاد الفريق صادق وزير الدفاع – الذى كان معروفا بموقفه المناهض للسوفييت – من الوزارة والجيش . وجاء موقف الحكومة إزاء هذا المؤتمر متضاربا فهى من ناحية رحبت بصعود اليمين لمناهضته النفوذ اليسارى , ومن ناحية أخرى شعرت بعدم الارتياح لإدعاء اليمين بأن الوزير قد أبعد بإيعاز من الإتحاد السوفيتى . ولم يلق اليسار بالا كثيرا لهذا الادعاء , وحاول أن يعمل وفق مبدأ " نحن نرفض رفضا قاطعا أن تستغل حركة الطلاب كوسيلة وأداة فى الصراع على السلطة لتغليب جناح من أجنحتها والانتصار له " . (94)

وشهدت الأسابيع التالية انتاجا مكثفا من مجلات الحائط التى تتناول قضايا تتعلق بالوضع السياسى للبلاد , واتخذ رد الحكومة على ذلك صورتين : أولهما , دفعت سلطات الجامعة لاتخاذ إجراءات قاسية ضد العناصر النشطة . وثانيتهما : أطلقت العنان لفرق الطلاب الموالية لها لاستخدام العنف ضد معارضيها , بما فى ذلك من تخريب لاجتماعات الطلاب ومؤتمراتهم , وتمزيق مجلات الحائط والاعتداء بالضرب على العناصر النشطة التى لم تكن فى الغالب ترد بالمثل خشية الإضرار بقضيتهم السياسية (95) . وفى الوقت الذى دفعت فيه هذه الأساليب بالكثير من الطلاب إلى رفضها , فإنها أيضا قد اضطرت الطلاب إلى بحث قضية الديموقراطية داخل الجامعة على حساب مناقشاتهم للقضايا الوطنية العامة . وذلك فى الوقت الذى أصبح فيه من السهل على الحكومة التدخل تحت دعوى وضع نهاية للعنف فى الجامعات .

وفى أوائل ديسمبر اتخذت الأحداث صورة خطيرة عندما قام الدكتور حسن حمدى وكيل كلية الطب بجامعة القاهرة , بتمزيق عدد من مجلات الحائط واستدعى محرريها ( حسام سعد الدين عبدالله , وسناء عبد العزيز , وأشرف صادق ) للمثول أمام مجلس تأديب . وفى 17 ديسمبر كان من المقرر أن يمثل أربعة طلاب أمام المجلس حيث سنح لمحاميهم بالحضور (96) , إلا أن المجلس لم ينعقد حيث لم يحضر أعضاؤه تجنبا للصدام مع الطلاب الذين كانوا يحتلون المنطقة المحيطة بإدارة الجامعة .

واتخذ التجمع الطلابى شكل مؤتمر مفتوح , استمر انعقاده بصورة شبه يومية على مدى بقية الشهر . حيث أطلق الطلاب المجتمعون على أنفسهم اسم " التجمع الوطنى الديموقراطى " , ونظموا المسيرات داخل الجامعة , وأصدروا البيانات التى تكرر الدعوة للمطالب السياسية للطلاب لتشكيل اتحاد مستقل مالم يعلن عن موعد انتخابات الإتحاد الرسمى – والتى كانت قد تأخرت كثيرا – مع نهاية الشهر . ودعا التجمع لتشكيل , لجان للدفاع عن الديموقراطية فى مختلف الكليات , وذلك لإضفاء الصبغة المؤسسية على عمله , وطرحت بعض العناصر النشطة برنامجا لهذه اللجان , تناولت خمس من نقاطه العشر مسألة الديموقراطية داخل الجامعة بينما تناولت النقاط الخمس الأخرى مسألة الديموقراطية فى البلاد ككل .

وعقب تلك التطورات تم تنظيم مسيرة بجامعة القاهرة بتحريض من الحكومة , تعالت فيها الهتافات ضد الشيوعيين , كما تم توزيع أعداد ضخمة من منشور بهذا المعنى . وأثناء انعقاد مؤتمر طلابى بكلية الحقوق جامعة القاهرة استخدم بعض مؤيدى الحكومة ( من المعتقد أنهم ينتمون إلى فرق الإرهاب ) المدى إنهاء النقاش مع معارضيهم , حيث أصابوا ثلاثة منهم . ولم تكمل النيابة تحقيقها فى الحادث , وبقى المعتدون مطلقى السراح بفضل مساندة الحكومة غير المعلنة لهم . ومع ذلك , فقد دعم الحادث من موقف اليسار فى نضاله من أجل الديموقراطية داخل الجامعة , وطرحت دعوة لعقد مؤتمر طلابى عام فى ذكرى مرور عام على انتفاضة يناير , بحيث يمكن إجراء انتخابات لتشكيل اتحاد طلابى مستقل فى ذلك المؤتمر .

ولإيقاف مد الاضطراب المتصاعد , قرر السادات مع مجلس الأمن القومى إلقاء القبض على زعماء الحركة . فدعا فى خطابه يوم 29 ديسمبر إلى " ممارسة الديموقراطية بلا خوف " , وحذر فى نفس الوقت من أنه لن يسمح " من الليلة" أن يضلل شباب البلاد بواسطة "اليمين المتطرف أو اليسار المغامر" . وكانت كلمة "لن أسمح من الليلة" هى الإشارة لوزير الداخلية لتنفيذ عمليات القبض على القيادات فجرا. (97) وبذلك أثار السادات استياء الطلاب مرة أخرى بصورة تعيد إلى الأذهان نطاق السخط الذى كان سائدا قبيل الثورة . حتى أنه يمكن القول بأن العام الدراسى 72\1973 الذى سبق حرب أكتوبر كان شبيها – من حيث كثافة الانتفاض الطلابى بالعام الدراسى 45\1946 الذى تلا انتهاء الحرب العالمية الثانية .

وشملت كتلة العناصر النشطة التى ألقى القبض عليها أغلبية من الماركسيين , وقليلا من الناصريين , وأحد الأصوليين الإسلاميين وهو رئيس "جماعة شباب الإسلام" وأسفر القبض على هذه النواة القيادية عن ظهور العديد من قيادات الصف الثانى من بين مؤيديهم . فاندلعت موجة من الاحتجاجات فى خمس جامعات مصرية , وفى عدد من المعاهد العليا . واتخذ ذلك شكل اللقاءات الجماهيرية , والاعتصامات فى عدد من الكليات , والمنشورات ومجلات الحائط , والصدامات مع قوات الأمن خارج الحرم الجامعى , الأمر الذى نتج عنه اضراب حاد فى الدراسة خلال هذا العام الدراسى .

وتم تنظيم اعتصام بقاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة , وقام طلاب المدينة الجامعية برفض استلام الوجبات احتجاجا . وفى 3 يناير وقع صدام مع الشرطة خارج الجامعة . وفى جامعة عين شمس حدث صدام آخر , وأضرب الطلاب المجتمعون فى القاعة الرئيسية عن الطعام . كما وقعت أحداث مشابهة فى جامعة الأسكندرية خاصة فى كلية الهندسة . وفى جامعة أسيوط انطلقت موجة من الإحتجاجات التى لم يسبق لها مثيل فى تاريخها , وكذلك عقدت اجتماعات للإحتجاج على القبض على الطلاب فى جامعة الأزهر وفى فرع جامعة القاهرة بمدينة المنصورة .

وفى 4 يناير نشر وزير التعليم العالى ومديرو الجامعات نداءات للطلاب بالصحف بالتزام الهدوء والانكباب على دراستهم . وقد ذهبت هذه النداءات أدراج الرياح , وبعد أسبوع من الاضطرابات لجأت الحكومة إلى الإجراء المعتاد بتقديم موعد عطلة نصف العام الدراسى , وفى 5 فبراير طلب السادات من مجلس الشعب تشكيل "لجنة برلمانية لتقصى الحقائق فى الأحداث الطلابية" وتم مد العطلة لمدة أسبوع آخر حتى تتمكن اللجنة من إعادا تقريرها .

وكان الموضوع الرئيسى لتحركات الطلاب هو الإحتجاج على القبض على زملائهم . وحاول الجناح اليمينى من الحركة قصرها على الدعوة للافراج عن الطلاب المعتقلين . واتخذ ذلك الموقف أعضاء "شباب الإسلام" بهندسة القاهرة الذين عجزوا عن تفسير السبب فى اعتقال زعيمهم عصام الغزالى (98) مع مجموعة كبيرة من خصومه اليساريين (98) . وبعد فشل محاولاتهم لتنظيم اعتصام منفصل للمطالبة للإفراج عنه (99) , لجأوا إلى المهمة الثقيلة على نفوسهم وهى الانضمام إلى خصومهم , الذين حاولوا وضع الإعتقال فى إطاره السياسى العريض , وجددوا الدعوة لمطالبهم الوطنية .

وفى اعتصام جامعة القاهرة , أصدر الطلاب بيانا يؤكدون فيه التزامهم بوثيقة يناير 1972 , ويدعون لتشكيل لجان للدفاع عن الديموقراطية , ويعلنون تأييدهم للثورة الفلسطين ية , الأمر الذى اعتبره الأصوليون تمييعا للقضية , وبناء على ذلك , أحجم الأصوليون عن المشاركة فى الاعتصام , ونظموا – وحدهم – إضرابا عن الطعام , سرعان ما أنهوه تحت ضغط أساتذتهم . وفى جامعة عين شمس , اتخذ الطلاب المشاركون فى الاعتصام موقفا متشددا واضحا يعكس كما أكدوا للجنة تقصى الحقائق "فقدان ثقتهم فى كافة مؤسسات الدولة" , وطالبوا بأن تقيم وطنية النظام على أساس موقفه من قضية الديموقراطية .

ولم تشر الصحافة الرسمية إلى الأحداث فى بدايتها , وعندما بدأت فى النشر أعطت انطباعا معكوسا عما كان يحدث بالفعل . فعلى سبيل المثال أوردت صحيفة "الأهرام" فى 3 يناير مايلى :"بعض الإذاعات الأجنية والصحف العميلة استغلت ما قامت به فئة ضئيلة من الطلبة بالاعتداء بالضرب على أساتذتهم , وهى التهمة التى أيدتها لجنة تقصى الحقائق (100) , ونفاها الأساتذة أنفسهم . (101)

واستغرق إعداد تقرير اللجنة البرلمانية – المكونة من 11 عضوا برئاسة وكيل المجلس الدكتور على السيد – طيلة العطلة التى استمرت ثلاثة أسابيع , وكان تقرير اللجنة إدانة كاملة للحركة , الأمر الذى أكد شكوك الطلاب حول نزاهتها . (102) حيث أن اللجنة , بعد تأكيدها على أن أحداث ذلك العام هى امتداد لحواث العام الماضى , اتبعت نفس الخط الرسمى الذى يعزو الاضطرابات إلى :"قلة قليلة استنكرت الأغلبية العظمى من الطلاب تصرفاتها غير المشروعة ... ويهم اللجنة أن تشير إلى أن العدد الكلى لطلبة الكليات والمعاهد العليا 250 ألف طالب وأن عدد الطلبة المحتجزين على زمة التحقيق حوالى المائة من الطلاب" . كما استشهدت اللجنة بفقرات من مجلات الحائط للتدليل على أن هذه المجلات ككل كانت مغرضة وتشتمل على "مقالات منافية للقيم الأخلاقية والدينية , ومقالات داعية للعنف والإثارة , ومقالات تجاوزت حد الإسفاف " . كما ادعت أيضا أن بعض مجلات الحائط كانت تعد خارج الجامعة وليس داخلها , وأوردت "أن اللجنة لاحظت أن حرم الجامعة أصبح مباحا للغرباء عنها , الذين أساءوا بذلك للتعليم والتقاليد الجامعية كما أساءوا إلى الطلاب أنفسهم" . كما ألمحت اللجنة إلى وجود ارتباط بين العناصر الطلابية النشطة وبين خصوم السادات إبان صراعه على السلطة قبل ذلك بعامين أو ما أسماهم "مراكز القوى" , لمجرد ضبط بعض أقربائهم وهم يحملون إليهم فى السجن منشورات طلابية .

على أن اللجنة اعترفت بوجود عوامل سياسية أدت إلى استياء الطلاب :

(1) هزيمة يونيو.

(2) الفراغ السياسى فى الجامعات : عدم فاعلية لجان الإتحاد الإشتراكي , ضعف الترابط بين الأساتذة والطلبة , ضعف تمثيل الطلبة بلجان الإتحاد الإشتراكي .

(3) اتحادات الطلاب : " فقدت هذه الإتحادات قدرتها الكاملة وفاعليتها المرجوة إذ لم يتسن لها كقيادات السيطرة والتوجيه على القاعدة الطلابية , فجماهير الطلبة ترى أن الإتحادات أصبحت قاصرة عن تناول حتى الأغراض التى أنشئت من أجلها , ولقد كان البعض من أعضاء مجالس الإتحادات يساير أحيانا بعض الآراء التى تطفو على سطح الأحداث بدلا من التوجه إلى القاعدة العريضة وتوثيق الصلة بها كسبا لثقة متبادلة ومواجهة لأى تيار منحرف . وكان تأخير انتخابات الإتحادات الطلابية عن موعدها فرصة استغلتها العناصر المثيرة بدعوى أن تشكيلات الإتحادات القائمة ستظل مفروضة على الطلبة " .

(4) التيار الفكرى المناهض : " كان لركود العمل السياسى وغياب منظمة الشباب عن المحيط الجامعى أثر كبير فى إيجاد مناخ ملائم لظهور تيار فكرى مناهض تمثل فى اليسار بكل ألوانه , استقطب مجموعات قليلة من الطلاب مستعينا بتنظيم دقيق لتحركه " .

(5) عناصر التنظيم الطليعى .

(6) عدم وجود استراتيجية ثابتة للإعلام .

(7) طول مدة التجميد .

وأنهت اللجنة تقريرها باقتراح عدد من التوصيات :

(1) استقلال الجامعة : بمعنى انه"ترى اللجنة أن يتم اتصال المسئولين من خارج الجامعة بالطلاب من خلال قنوات القيادة الجامعية".

(2) حل المشاكل الاجتماعية للطلاب : ( الإسكان الجامعى – الكتاب – رعاية الشباب ) .

(3) الممارسة السياسية فى الجامعات ينبغى أن تتم : 1- من خلال المؤسسات وليس الطلبة والأساتذة بغرض الحوار السياسى .

(4) تنظيم مجلات الحائط :"وقد اتجهت آراء إلى إلغاء هذه المجلات .. إلا أن اللجنة ترى إتاحة فرصة جديدة لهذه المجلات تؤدى فيها دورها فى التعبير عن آراء الطلاب مع الالتزام بالقيم الدينية والروحية والوطنية وعلى أن تحدد كل كلية مكانا معينا يخصص لها , وأن يؤخذ بالحزم كل من يجاوز هذه الحدود " .

(5) تنفيذ اللائحة الجامعية .

(6) الابقاء على نظام الرواد .

(7) إعادة نظام الأسر (تحت إشراف الأساتذة ) .

(8) تخطيط القوى العاملة ( لتعيين الخريجين فى تخصصاتهم ).

(9) إعادة النظر فى تشكيل لجان الإتحاد الإشتراكي (لتمثيل أكبر الطلاب ) .

(10) إعادة تنظيم الإتحادات الطلابية .

(11) التوسع فى الجامعات الإقليمية (ليدرس الطلاب فى أماكن سكنهم ) .

(12) تنشيط دورات هيئات التدريس .

(13) الاهتمام بالتربية القومية وتكوين مجلس أعلى لها .

ونوقش تقرير اللجنة فى البرلمان , حيث أدان معظم النواب الذين أسهموا فى المناقشة تصرفات "القلة المنحرفة" وطالبوا بفرض عقوبات شديدة عليها . وقد رأى أحد النواب أن مجلات الحائط "عبارة عن إسفاف وابتذال وإلحاد" , بينما قالت إحدى النائبات إن : " مجانية التعليم تحقق فرصا لتعليم 90% من هؤلاء الطلاب , وهم أسعد منا حظا" . وطالب آخر بأن "تسترد الدولة من أولياء أمور القلة الفاسدة نفقات تعليمهم فى كافة مراحل التعليم ".

ومع ذلك , فقد وجه نواب آخرون النقد للجنة , إما بصورة جزئية كما فعل الدكتور جمال العطيفى , الذى تساءل عن السبب فى عدم توضيح أسباب تأخير انتخابات الإتحادات فى التقرير الذى أعدته اللجنة , أو بصورة كلية مثل النائب أحمد طه الذى اعتبر أن التقرير يأخذ شكل التقرير الإدارى والقضائى ولا يأخذ طابع التقرير السياسى , وانتقد تركيز التقرير على اليسار تاركا اليمين كما يشاء (103) . وجاء الدافع الأكثر شجاعة عن الحركة الطلابية على لسان فارس مناهضة الفساد النائب الدكتور محمود القاضى : " يجب أن نناقش بهدوء وبروية وتأن وبلا انفعال وبلا تحامل وبلا انزعاج .. حركة الطلاب حركة بتحصل فى الدنيا كلها وبتحصل أكثر من كده . , فى كل دول أوروبا . فى انجلترا , فى اليابان وفى كل مكان , حركة عادية جدا مافيهاش أى حاجة أبدا ولا يجب أن ننزعج إطلاقا حتى لو قالت إحدى الطالبات أثبتوا لنا وجود الله , فلنثبت لها وجود الله .. عندنا 52 ألفا فى الجامعة , فلابد ان يوجد وسيوجد بينهم 100 طالب اللى التقرير بيشير إليهم , قد يكون لهم فكر مخالف أو منحرف أو حتى مجانين . وجدوا وموجودين وسيوجدون فى المستقبل وهذا أمر طبيعى " . وانتقد الدكتور القاضى أيضا قرار إغلاق الجامعة وطالب السادات بألا يضع ثقته كلها فى تقارير متحيزة عن الحركة الطلابية .

وقام السادات بوضع اللمسة الأخيرة على عمل اللجنة ومناقشة المجلس , وذلك فى خطاب ألقاه فى البرلمان يوم 31 يناير (105) . حيث بدأ الخطاب بنغمة درامية مؤداها أنه لن يكشف كل الحقائق حول الاضطرابات الطلابية , ولكنة سوف يكشف الحقيقة المذهلة يوما ما . وانتقد – ضمنيا – إدارة الجامعة لعجزها عن معاقبة العناصر النشطة أثناء العام السابق , الأمر الذى مكنهم من الاستمرار فى مزاولة نشاطاتهم : "وده ماكانش يجب أنه يحصل وما يجبش أنه يحصل فى المستقبل أبدا , لإطلاقا . " وردا على انتقادات الدكتور القاضى , أعلن الرئيس أنه كان صاحب قرار إغلاق الجامعة , وادعى أنه أقدم على ذلك برغم النصيحة التى وجهت إليه بأن سوف يؤثر على صورة البلاد فى الخارج : "أنا مابيهمنى برة . أنا بيهمنى ولادنا القاعدة الطلابية اللى مش فاهمة ومش عارفة . عدد ضئيل جدا عارف هو بيعمل ايه" . لكن الرئيس – فى الواقع – كان يهتم بصورة البلاد فى الخارج , ففى نفس الخطاب كرر الإشارة إلى نشاط مراسلى الصحف الأجنبية : "يطلع المراسلين الأجانب هنا بيتصلوا بالناس الموجودين هنا فى مصر صحفيين وغيرهم , تطلع برقيات الوضع خطير فى مصر . حتى الإذاعات , راديو لندن وغيره , صحف فى بيروت . صحف فى العالم العربى بمندوبين من هنا مصريين للأسف هم اللى بيطلعوا هذا الكلام " .

ولخص الرئيس رؤيته للأحداث :"المخطط كان إيه ؟ ابتداء من أول يناير بالتحديد وعلشان كده أنا جيت لكم هنا قبل أول يناير بيومين . ابتداء من أول يناير بالتحديد يبتدى المخطط فى التنفيذ , مؤتمر عام لطلبة الجامعة وواضح من خط السير فى أكتوبر ونوفمبر وديسمبر ومن التجهيز اللى فى الصيف إنه حيسيطر عليه بالكامل اليسار المغامر زى سنة 72 بالضبط , وبعمليات الإثارة اللى استخدمت فى 72 بالضبط .. يبتدى المؤتمر تحت شعار حايسحبوا الثقة من اتحادات الطلاب , ماهو دا ممكن يلاقى رأى عام بين الطلبة لأنه استطاعوا أنهم يتهموا اتحادات الطلاب . وبعدين بديل لاتحادات الطلاب التجمع الوطنى الديموقراطى لطلبة جامعة القاهرة ولجان الدفاع عن الديموقراطية , تشكيل جديد بقى .. الخطوة الثانية فى التخطط إنه لابد من الاحتكاك بالسلطة عشان ياخدوا الشعب معاهم . لكن عشان ياخدوا الشعب يعملوا إيه ؟ ماهو لازم يحتكوا بالبوليس سواء كان على حق أو على باطل الناس ح تيجى معاهم مائة فى المائة .. وبعد ذلك نهاية المخطط إنه يا إما يحققوا اللى همه عايزينه وهو اللجان الديموقراطية والتجمع الوطنى والحزب الجديد اللى طالع وبيلغى تحالف قوى الشعب العاملة بالكامل يا إما حتحصل حوادث وقتل وقتلى ودم ويبقى برضه هم الكسبانين لأن النظام طلع نظام دموى " (106)

وشجب السادات كل من اليسار واليمين , اللذين أجمعا على معارضة أيديولوجية تحالف قوى الشعب العاملة , وهى الأيديولوجية السياسية الرسمية : "ماهماش عايزين ال 50% للعمال والفلاحين . ولا تحالف قوى الشعب العاملة . اليمين بيقول دا كلام ماينفعش , اليسار نفس الشىء بيقول تحالف قوى الشعب العاملة ايه ؟ ده لازم ديكتاتورية البروليتاريا ." . وأعطى الرئيس اهتماما خاصا لليسار مصورا كل فصائله باعتبارها معادية للديموقراطية :"شىء غريبب ليه اليسار , مش المغامر بقى , اليسار على اجماله ليه ضد 15 مايو ؟ .. ماكنتش أرجو أن اليسار ياخد 15 مايو على أنه موجود له , لأن 15 مايو عند الشعب معنى كبير قوى , يعنى اليسار كله عايز تقييد الحريات , عايز الحراسة , عايز الإجراءات الاستثنائية , عايز كل اللى احنا لغيناه ده كله .. " . وأشار الرئيس أيضا إلى عنصر ثالث شارك فى الاضطرابات الطلابية , هو بالتحديد أعضاء التنظيم الطليعى ناس كويسين , يعنى تركوا هذا الموضوع ومشيوا , لكن فيه اللى متصلين بمراكز القوى ".

واختتم السادات خطابه بعبارات كانت بمثابة مناشدة للكتلة الطلابية كما كانت تعهدا بالنيابة عنها :"إن القاعدة الطلابية العريضة الوطنية مطالبة الآن بأن تبادر إلى تأدية رسالتها وأن تشارك بصورة إيجابية ملتزمة فى صنع حاضرها وحماية مستقبلها . إن هذه القاعدة الطلابية نفسها لن تسمح بعد الآن لأى فئة أو مجموعة أن تنحرف بها أو أن تسيطر عليها دون وعى . بل إن هذه القاعدة سوف تضطلع بدورها الايجابى فى التصدى لمثل هذه المحاولات التى تهدف فى المقام الأول وقبل كل شىء إلى تقويض الشباب نفسه" .

وفى الواقع لم تجد مناشدة السادات آذانا صاغية , كما لم يلق تعهده قبولا حتى لدى أولئك الذين جاء هذا التعهد نيابة عنهم . فعندما فتحت الجامعات بعد ذلك بأيام قليلة , اندلعت موجة ثانية من الاضطرابات وحدث – مرة ثانية – العديد من التجمعات والصدامات مع الشرطة . وفى مظاهرة لطلاب جامعة القاهرة اقتحم المتظاهرون كردون البوليس ووصلوا إلى ميدان الجيزة . واحتل الطلاب الميدان , ثم تم اجلاؤهم بقوة الشرطة , فأصيب أربعون منهم (107) , كما حدثت تجمعات ومظاهرات أخرى حول جامعة عين شمس وفى مدينة أسيوط (108) . وعندما أعلنت إدارة الجامعة حظر تعليق مجلات الحائط , علقها الطلاب على الأشجار , وفرشوها على الأرض , كما حملوها على ظهورهم فبدأت الإدارة أيضا فى اتخاذ إجراءات تأديبة ضد العناصر النشطة , وفصلت أحد عشر طالبا من جامعة القاهرة , ولم يتراجع الطلاب , وحتى اتحاد طلاب بعض الكليات (109) بدأ فى المطالبة بسرعة تسوية قضية الطلاب المعتقلين , وسحب كردون البوليس , ورفع القيود المفروضة على الأنشطة الطلابية داخل الجامعات , وذهب اتحاد طلاب كلية الاقتصاد إلى مدى أبعد فانتقد تقرير لجنة تقصى الحقائق , وأسلوب الصحافة فى نشر الأحداث .

وردا على ذلك , أعيد انعقاد لجنة تقصى الحقائق لوضع تقرير عن الاضرابات الجديدة , وأعلن مجلس الشعب أن "لجان استماع للطلاب" سوف تعقد فى المجلس . وفى نفس الوقت , ناشد المسئولون الطلاب إنهاء إضراباتهم والاستعداد للامتحانات القادمة . ونتيجة لإحساس الصحافة الرسمية بتزايد عزلة الحكومة , فقد سعت بشدة إلى نشر برقيات الولاء للسادات التى أرسلتها تنظيمات طلابية مختلفة (110) , لم يكن لأى منها أدنى تأثير على الحركة الطلابية .

وازدادت عزلة الحكومة بفعل التأثير المشجع للانتفاضة الطلابية على النقابات المهنية وعلى أساتذة الجامعات الذين يشكلون قطاعا مهما من المثقفين المصريين . فقبل إلقاء السادات لخطابه . وبعده أيضا – أصدرت عدة نقابات مهنية بيانات تتعاطف مع الحركة الطلابية وتعارض الاتجاه الرسمى الذى يجرم قيادتها (111) , وأصدرت مجموعة من كبار الكتاب على رأسها توفيق الحكيم بيانا يعبر عن وجهة نظر مماثلة :" ولما كان الشباب هو الجزء الحساس فى الأمة , وهو الذى يعنيه المستقبل أكثر من غيره , فهو لا يرى أمامه إلا الغد الكئيب " . (112)

وكان موقف الحكومة إزاء النقابات والكتاب المتعاطفين مع الحركة الطلابية مماثلا لموقفها من الحركة الطلابية نفسها حيث أصرت على أن قلة منحرفة هى التى تتعمد إثارة المتاعب داخل النقابات . وكما أوضح السادات :"فى بعض النقابات المهنية يسار مغامر من المهنيين اللى مفروض أنهم راشدين وفاهمين وعارفين . فيه يمين حاقد بيفش غله وحقده من خلال الظرف الصعب اللى احنا عايشينه .. العملية كلها عمليات أحقاد , عمليات انحراف , تمرد والله ده لازم يعالج والخروج على خط ثورة 23 يوليو الأساسية غير مسموح به "(113) .

وقررت أمانة التنظيم بالأمانة العامة للاتحاد الاشتراكى , برئاسة محمد عثمان اسماعيل , فصل العشرات من أعضاء الإتحاد (114) الذين أيدوا الحركة الطلابية سواء من الصحفيين الذين أيدوها فى كتاباتهم , أو من النقابيين الذين ساندوها من خلال نشاطهم النقابى , بلغ عدد هؤلاء المبعدين حوالى مائة وعشرين عضوا فى عدة قوائم , حيث شملت القائمة الأولى أسماء 64 عضوا , كان من بينهم بعض الكتاب والصحفيين البارزين الذين منعوا من الكتابة فى الصحف . وكان هذا الابعاد غير مثمر , حيث عزز من حجة معارضى الحكومة , سواء داخل أو خارج الحركة الطلابية , بأنها تتخذ موقفا معاديا للديموقراطية .

وكان للأثر الذى أحدثته انتفاضة 72\1973 الطلابية على هيئة التدريس بالجامعات أهمية كبيرة , حيث أسفر عن خرق للتقليد الذى كان ساريا منذ 1954 , والذى تمثل فى الهدوء السياسى التام الذى انتهجه أساتذة الجامعات ,الأمر الذى أسفر بالقطع عن تحول أساتذة الجامعات إلى جماعة نشطة سياسيا كما كان الأمر قبل ثورة 1952 . وإن لم يؤد ذلك إلى إقامة تنظيم مهنى يدافعون من خلاله عن مصالحهم المهنية , وعبرون عن رؤاهم السياسية . حيث منحتهم الأحداث مجرد فرصة لتغيير شكل علاقتهم بالحكومة , فبدلا من الخضوع لضغط الحكومة (115) واضطرارهم للقيام بدور فى قمع أنشطة طلابهم , اكتشفوا أنهم يستطيعون أيضا ممارسة الضغط على الحكومة . إذ وجد الأساتذة المؤيدون للحكومة أنفسهم فى موقف يتيح لهم المطالبة بثمن أعلى مقابل خدماتهم , بينما شعر المعارضون لها بثقة أكبر فى التعبير عن آرائهم مع وجود حركة طلابية نشطة سياسيا .

وقد عقد اجتماع فى مجلس الشعب حضره حوالى ثلاثمائة أستاذ جامعى (116) , شجب بعضهم الحركة بينما أيدها البعض الآخر , فبالنسبة للدكتور كامل ليلة الاستاذ بحقوق عين شمس (والذى تولى بعد ذلك مباشرة وزارة التعليم العالى ) كانت الانتفاضة من عمل "فئة قليلة من الطلاب لا أمل يرجى منها لأن وراءها تنظيما تسير على تعليماته " كما تعجب متسائلا "هل ندخل فى حوار سياسى طول السنة ويتخرج الطلبة متعمقين فى السياسة , وفى بواطن الأمور ولا يفهمون شيئا فى الطب أو الهندسة؟ " . وادعى الدكتور زكريا البرى (أستاذ الشريعة بحقوق القاهرة ووزير الأوقاف فيما بعد ) أن معالجة الحكومة للحركة الطلابية كانت قاصرة بسبب علاقاتها بالكتلة الشرقية . وطالب أساتذة آخرون بعودة الحرس الجامعى .

وفى الجانب المقابل , كان هناك الأساتذة الذين إما كانوا متعاطفين مع الحركة صراحة , أو مستائين من تدخل الحكومة فى عملهم كأساتذة جامعات وإداريين . فذكر الدكتور أحمد مرسى المدرس بآداب القاهرة أن "أغلب التساؤلات التى كان يطرحها الطلاب – لم تكن تخرج فى كثير أو قليل عما يطرح خارج الجامعة " . كما قال أيضا بقدر من عدم التصديق أنه :"إذا كان شبابنا يواجه عالم يموج من حوله بكثير من التيارات السياسية وينفتح على العالم , ثم نطلب منه أن يقتصر على الدراسة ولا يشارك فى الحياة السياسية إلا بقدر يحدده له أساتذته أو التنظيم السياسى الذى كان غائبا عن الجامعة فى الفترة الماضية , ويطلب منه أيضا أن يبحث عن الوسائل الشرعية للممارسة وعندما لا تسد هذه الوسائل حاجة الشباب للتعبير يتمرد عليها" . ودافع الدكتور غريب فوزى المدرس بهندسة القاهرة عن مجلات الحائط قائلا :"لماذا تتخوفون من مجلات الحائط ولم يترتب عليها أى ضرر ؟ " ولاحظ الدكتور حسن فهمى الأستاذ بهندسة القاهرة أن "التساؤلات الطلابية يرد عليها بعموميات " . كما أشار الدكتور ابراهيم جعفر الأستاذ بهندسة القاهرة إلى أن القيود التى وضعتها السلطات الجامعية على مجلات الحائط "جاءت نتيجة عكسية" . وأشار عميد طب عين شمس الدكتور على المفتى إلى المفارقة التى حدثت من توقيعه عقوبات تأديبية على بعض طلابه ومع ذلك تم إلقاء القبض عليهم بعد ذلك فى نفس اليوم .

كما عقد لقاء آخر فى مقر الإتحاد الإشتراكي العربى بين المسئولين الحكوميين وما يقرب من مائتى استاذ جامعى بحضور الأمين العام للاتحاد الاشتراكى . وكانت الآراء التى طرحت فى هذا اللقاء مماثلة لما طرح فى مجلس الشعب (117) .

وقامت مجموعة من أساتذة الجامعات بمبادرة مهمة حيث أصدروا بيانا أعربوا فيه صراحة عن تعاطفهم مع الحركة الطلابية وانتقادهم للحكومة (118) . إذ رأوا أنه لاينبغى النظر إلى الاتهامت الموجهة إلى طلبة معينين أثناء الأحداث الأخيرة , وإنما ينبغى النظر إلى الحركة الطلابية ككل . وفسر البيان العنف الذى بدا فى تصرفات الطلاب بما يلى :"كان من الطبيعى أن يشعر كثير من الطلبة بأن المسالك كلها مسدودة أمامهم , وحين يسود هذا الشعور يكون من الصعب أن تظل الحركة الطلابية محتفظة بنظامها وهدوئها " .

ونزع القضاء المصرى , المعروف بتراثه الليبرالى , إلى اتخاذ موقف متسامح من الطلاب المتعلقين , حيث أمرت المحاكم بإطلاق سراحهم بكفالة مالية , الأمر الذى زاد من الضغط الواقع على حكومة السادات وأثار تبرم الرئيس الذى استخدم حقه الدستورى فى الاعتراض على أحكام الإفراج المؤقت وإعادتهم للمحاكم . وفى معظم الحالات كانت أحكام الإفراج الأصلية يتم اقرارها فى المحاكم للمرة الثانية , حيث لم يكن من حق الرئيس الاعتراض فى هذه الحالة . (119) وحين نشر قرار اتهام النيابة للطلاب . كان معظم الطلاب المعتقلين قد أفرج عنهم بالفعل , بينما كان الباقون يؤدون امتحاناتهم فى السجن , حيث تخرج بعضهم فعلا أثناء وجوده هناك . ومن الطريف أنه عندما مثلت المجموعة الرئيسية من القيادات الطلابية أمام المحكمة فى نهاية الأمر , بدأ رئيس المحكمة إجراءات الجلسة بخطبة يطمئن فيها المتهمين إلى نزاهة ووطنية المحكمة (121) مما ذكر الأذهان بما كان يحدث أحيانا فى ساحة القضاء المصرى إبان الاحتلال البريطانى .

وفى مواجهة الضغوط المتزايدة , ونظرا لما كان يخطط له الرئيس السادات من إصدار الأمر للجيش بعبور قناة السويس , فقد أمر – فى خطابه بمناسبة ذكرى رحيل عبد الناصر قبل حرب أكتوبر بأيام قليلة – بوقف محاكمة الطلاب , والإفراج عمن بقى منهم فى السجن , وإعادة الصحفيين والكتاب المبعدين عن الإتحاد الإشتراكي ومن وظائفهم . فهدأت هذه اللفتة وماتلاها من اندلاع للحرب , من التوتر بين الطلاب والحكومة , وانشغل الطلاب بالاشتراك فى لجان الدفاع المدنى داخل الجامعات أو فى مناطقهم السكنية (122) .

وعقب حرب أكتوبر سادت فترة من الهدوء فى الجامعات . كما تركت الحرب قيادات الطلاب فى حالة من الارتباك السياسى , حيث تطلب الأمر منهم بعض الوقت لتقييم آثارها . وذلك بالرغم من الشكوك التى ساورتهم مبكرا , والتى لم تكن كافية لإثارة جدل واسع النطاق فى الجامعات فيما بعد الحرب مباشرة . وكانت الحرب (123) بداية لمرحلة جديدة فى التاريخ السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى مصر اسفرت فى السنوات التالية عن ظهور نشاط طلابى يتناسب حجما وشكلا مع التغيرات التى حدثت . وعندما أنشىء فى آخر الأمر نظام التعدد الحزبى , بدأ العديد من قيادات انتفاضة 72\1973 فى القيام بدور نشط داخل النظام الجديد .

الهوامش

(1) حين لايذكر المصدر فى هذا الفصل , تكون المعلومات مستقاة من المشاهدة الشخصية للمؤلف ومعرفته المباشرة بالأحداث .

(2) وفقا لما يذكر أحد القيادات النشطة لتلك الفترة فإن :" فكرة صحف الحائط يمكن تلخيصها فى معادلة بسيطة : صفحة بيضاء كبيرة +فرشاه للكتابه + فكر حر جسور .. والنتيجة التهاب الجامعات بصراع فكرى خلاق ساعد بشكل حقيقى على تنميه وعيها وتطويره". ( أحمد بهاء شعبان , "الحركة الطلابية المصرية والثورة الفسطينينة" , الثقافة , العدد 7 , يوليو 1977 , ص 61) انظر أيضا : "صحافة جديدة على جدران الجامعة" , الجمهورية 13 يناير 1972.

(3) كانت بعض مجلات الحائط تصدر بانتظام فى قالب فنى متميز , بينما كان البعض الآخر يصدر بصورة عريضة . وكانت المجلة التى أصدرها مؤلف هذا الكتاب على سبيل المثال تسمى "المسودة" . وبها تعليق يفسر عنوانها: "إن الآراء التى تكتب فى المسودة صريحة . لكن ما يكتب فى المسودة شىء , وما يعرض للناس شىء آخر .. إما لأن هناك رقيبا بقلمة القاتل يشطب أفكار الناس , وإما لأن وهم الخوف قد سيطر على صاحب الرأى الحر نفسه .. وفى الحالتين فإن النتيجة واحدة , وهى اقتراف جريمة اغتيال الديموقراطية .. أما أنا فلن أشارك فى تلك الجريمة وسأنشر مسودتى كما هى ". كما كان بها أيضا هامش يقتبس مقولة "لسبينوزا" عن الوفاء بوعده أن يكون عام 1971 "عام الحسم " فى استعادة الأراضى المحتلة .

(4) أفلتت بعض مجلات طلابية مطبوعة من القيود الصارمة للرقابة , من بينها مجلة صغيرة تشبه الكتيب تحفل بالنقد الساخر ورسوم الكاريكاتير , وتسمى "كرابيج" كان يقوم بإصدارها مجموعة من طلاب هندسة القاهرة , كذلك مجلة أكثر أناقة تسمى "الربابة" يصدرها مجموعة من طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة , وكانت منبرا لنشر آرائهم الليبرالية فى القضايا السياسية والاجتماعية . كما فتحت بابها لأمام طلاب الجامعات الأخرى لنشر مقالاتهم بها . كما شملت المجلة بعض الصفحات باللغة الانجليزية خصصت لمناصرة قضية فلسطين .

(5) وائل عثمان , أسرار الحركة الطلابية – هندسة القاهرة 1968 – 1975 , مطابع مدكور , القاهرة 1976 ) ص 39 .

(6) من هذه الجماعات والأسر :"جماعة الدراسات السياسية" , وأسرة عبد الحكم الجراحى فى كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة , وأسرة مصر بكلية آداب القاهرة , وأسرة "السلام" بكلية الهندسة جامعة عين شمس , وأسرة "زهور السلام" بحقوق عين شمس , وغيرها . إلا أن "جماعة أنصار الثورة الفلسطين ية" بهندسة القاهرة تعد أهمها جميعا . وكان من العناصر النشطة فيها أحمد هشام عبد القادر , وطلعت فهمى , وسهام صبرى , ونبيل عتريس , وحلمى المصرى , وماجد إدريس , وعبد العزيز شفيق , ومحمد توفيق , وكمال خليل , وخالد مندور , ومنير مجاهد , ونادر عنانى وغيرهم .

(7) مقابلة مع د. أحمد كمال أبو المجد (يونيو 1978 ).

(8) فى هذا العام كان مجدى حسين من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة , أول مرشح لرئاسة اتحاد طلاب جامعة القاهرة يطرح برنامجا سياسيا واضحا فى بيانه الانتخابى .

(9) فى هذا السياق خسر المرشحان اليساريان (مجدى أحمد حسين وخالد الجويلى) لمنصب رئيس ونائب رئيس اتحاد جامعة القاهرة الانتخابات بفارق صوتين . إلا أن الطلاب اليساريين حققوا بعض المكاسب الفردية , منها أمانة لجنة النشاط السياسى والثقافى بجامعة القاهرة (شوقى الكردى) وكان لهم أغلبية مجلسى اتحاد كلية آداب القاهرة ( الرئيس محمد الشبة ونائب الرئيس خالد الجويلى) واتحاد كلية الطب بجامعة عين شمس .

(10) الأهرام , 14 يناير 1972 .

(11) David Hirst and Irene Beeson, Sadat (Faber & Faber, London, 1981), P. 126. كان ديفيد هرست فى ذلك الوقت مراسل صحيفة "الجارديان" فى القاهرة , وقد ظل بها حتى طردته الحكومة المصرية إثر التقارير التى أرسلها لصحيفته لتغطية انتفاضة يناير 1977 . وقد وصف السادات تقاريره بأنها "صحافة بذاءات ".

(12) Paul Martin, The Times, 22, Jan. 1972

(13) Anthony McDermoutt, the Guardian, 21 JAN. 1972.

(14)Hirst and Beeson, Sadat, p. 127.

(15) حديثا ذكر الدكتور أبو المجد مايلى :"أان الرئيس السادات عليه رحمه الله كنت وزير للشباب وحدث فى يناير 1972 مظاهرات فى الجامعة . وبلغنى من الأستاذ محمد حسنين هيكل أن الرئيس السادات يقول ماذا يفعل إذن الرجل الذى عيناه وزيرا للشباب؟ " (الأهرام الاقتصادى , 21\5\1990)

(16) يبدو أن أول مجلة حائط تنشر تعليقا على خطاب الرئيس كانت مجلة زين العابدين فؤاد الطالب بكلية الآداب .

(17) علقت لافتة بكلية الاقتصاد تقول :"الضباب انتاج محلى .. وليس مستوردا من بنجلاديش!" .

(18) قام المؤلف بصياغة الشعار الارتجالى من وحى اللحظة , وكتبه على سبورة المدرج الذى عقد به المؤتمر . كان الشعار :"كل الديمقراطية للطلاب .. وكل التفانى للوطن " , وفيما بعد حلت كلمة "الشعب" محل كلمة "الطلاب" فى الشعار .

(19) كانت أكثر المناقشات سخونة تلك التى جرت مع وفد هندسة القاهرة . وفى اللقاء الذى تم بين الأمين العام ووفد كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة . والذى حضره مسئولون آخرون من الإتحاد الإشتراكي العربى منهم وزير الشباب د. أبو المجد , قطعت محادثات تليفونية من الرئيس السادات سير المناقشات عدة مرات . وعندما أخبر سيد مرعى الوفد أن الرئيس حزين لما يحدث , رد عليه أحد أعضاء الوفد بأنه ينبغى أن يكون سعيدا حين يرى الطلاب مهمومين لهذه الدرجة بمصير بلادهم , ويبذلون مثل هذه المحاولت للمشاركة فى صنعه . وفى نفس اللقاء أبلغ الأمين العام الوفود أن الرئيس لن يتمكن من حضور المؤتمر المقترح عقده داخل الجامعة , لأنه "كرجل متدين سيكون فى زيارة للقرافة" . وقد أثار ذلك سخرية الطلاب .

(20) شجع مناخ تلك الفترة المشحون للغاية على إثارة الحماس والحرية فى النقاش السياسى الذى لم يكن للطلاب خبرة سابقة به :" خلال تلك الأيام الحافلة كانت القضية الوطنية – الاحتلال المهين وكابوس العدو الجاثم على الصدور – المحور المركزى للصراع . كانت القضية الوطنية , وفلسطين فى القلب منها حاضرة بشدة فى كل لحظة من لحظات الاعتصام , حاضرة كما لم تكن من قبل فى أى فترة من الفترات السابقة وكان حلم الكفاح الشعبى والسلاح فى أيدى الجماهير القادرة وحدها على التحدى والانتصار يؤرق ليل أولئك الشباب والشابات الذين صمدوا فى وجه دولة بكل ما تملك من قوة وقدرة على البطش ". ( أحمد بهاء شعبان , الحركة الطلابية المصرية والثورة الفلسطينية , الثقافة , العدد 7 , يونيو 1977 , ص 50 ) .

(21) الأهرام 21 فيراير 1972 .

(22) انظر , على سبيل المثال : موسى صبري , الأخبار 21 و30 يناير 1972 , إحسان عبد القدوس , الأخبار 20 يناير 1972 , وعبد الرحمن الشرقاوى , روزاليوسف 24 يناير 1972 . وكانت المجلة الوحيدة التى حاولت الدفاع عن الحركة هى مجلة "الطليعة" الشهرية الماركسية , التى أجرت حوارا مع مجموعة من قيادات الطلاب عقب خروجهم من السجن , ووعدت بنشر نصه كاملا , ولكنها لم تستطع الوفاء بهذا الوعد بسبب الرقابة على الصحافة .

(23) الأهرام , 20 يناير 1972 .

(24) محضر جلسة مجلس الشعب مع وفد الطلبة , 23 يناير 1972 : فى الانتفاضة فى مصر , يناير 1972 ( دار بن خلدون بيروت 1972 ) ص 134 .

(25) المرجع السابق , ص 134 – 135 .

(26) اتهم بعض الطلاب الدكتور العطيفى بالخاع , إلا أنه فيما يخص هذه الواقعة بالذات , فليس من الواضح ما إذا كان يدرك من البداية أنه لن يتم نشر أى شىء , أم أنه قد أبلغ بذلك فى مكالمة تليفونية من الرئاسة فى آخر لحظة .

(27) كان الوفد الثانى يتكون أساسا من أعضاء اتحاد الطلاب الذين فقدوا تأثيرهم فى خضم الانتفاضة . وكان هذا الوفد قد تم جمعه على وجه السرعة بغرض اضعاف الثقة فى الوفد الأول والذى كان يمثل السيطرة على الاعتصام . إلا أن الرئيس السابق لاتحاد طلاب جامعة القاهرة حسين سمير عبد النبى , كان حريصا على عدم إضعاف صورة التضامن الحركة , فبدأ المناقشة بقوله :"لقد جئنا لإعلان تأييدنا لزملائنا , وأيضا لإعلان عدم اتفاقنا نع أسلوبهم ".

(28) أرجى تنفيذ الاقتراح الخاص بتنظيم مسيرة إلى وسط القاهرة فى اليوم الثانى للاعتصام , بعد أن قابل وفد مكون من طالبين ( أحدهما طالب الاقتصاد طه عبدالعليم ) وزير الداخلية ممدوح سالم , وفشل فى الحصول على تصريح للخروج بالمسيرة .

(29) اعتقد الكثير أن الذى اتخذ قرار إرسال القوات هو الرئيس السادات وليس الوزير ممدوح سالم . وقد شهد النائب الأول لرئيس الوزراء فى وزارة ممدوح سالم – محمد عبد السلام الزيات – بأن القرار كان قرار السادات شخصيا . كما أكد أيضا أن الرئيس قد هدد بالفعل بإرسال الحرس الجمهورى عندما تضرر ممدوح سالم من إرسال قوات الأمن . انظر : محمد عبد السلام الزيات "دائرة العنف , والقرار السياسى " الأهالى , 23 مارس 1983 .

(30) من بين كل الاضطرابات فى عهده , كان السادات ينتقى هذه الانتفاضة بالذات ويكرر إدانته لها فى خطبه ولقاءاته الصحفية حتى تاريخ وفاته فى 1981 . انظر , على سبيل المثال : خطاب 31 يناير 1977 , حواره مع جريدة مايو فى 22 مايو 1981 , وحوار مع جريدة مايو أيضا 13 يوليو 1981 .

(31) أثار المشهد مشاعر عدد من شعراء القاهرة الذين شاهدوه . فكتب الشاعر المعروف أمل دنقل قصيدة بعنوان "الكعكة الحجرية" , فى إشارة إلى القاعدة الحجرية التى كانت موجودة – وقتها – وسط ميدان التحرير , والتى شبهها بالكعكة .

(32) Paul Martin, The Times,25 Jan. 1972.

كما أصدر خمسة من كبار الكتاب المصريين بيانا جاء فيه :"برغم استيائنا من بعض ما بدر من شطط العبارة فى حركة الطلبة , نحيى الروح السلمية الرائعة التى اتسمت بها حركة الطلبة فقد خلت من أى عمل من أعمال العنف أو التخريب , وأثبتت أن أبناءنا قد بلغوا سن الرشد الاجتماعى " ( غالى شكرى , الثورة المضادة فى نصر , دار الطليعة , بيروت 1978 , ص 142 ) .

(33) الأهرام 25 يناير 1972 .

(34) الأهرام 26 يناير 1972 .

(35) بيان مؤتمر كلية الآداب , 8 يناير 1972 , فى الانتفاضة الطلابية فى مصر , ص 52 .

(36) تطوع أحمد يونس عضو مجلس الشعب ورئيس الإتحاد الزراعى التعاونى فى ذلك الوقت لمهاجمة الانتفاضة ذاكرا أنه شاهد رئيس اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة مرتديا "كوفية حمراء فاقعة" !

(37) د. حسن الشريف , الحائز على درجة الدكتوراه من جامعة شيكاغو وأحد الشركاء فى أكبر مكتب محاسبات فى مصر فى ذلك الوقت , ووزير التأمينات الزراعية بعد ذلك .

(38) الأهرام 25 , 26 يناير 1972 .

(39) توفيق الحكيم , نجيب محفوظ , حسين فوزى , د. لويس عوض , وأحمد بهاء الدين , وقد برر أحمد بهاء الدين توقيعه على البيان فى حديث مع الرئيس السادات بعد حرب أكتوبر بأنه مثل طلبة الجامعات لم يكن يشعر أن هناك معركة قادمة بسبب تصريحات الفريق صادق بهذا المعنى (أحمد بهاء الدين , حوارات مع السادات , المصور , 10\10\1986) .

(40) فى غالى شكرى , الثورة المضادة , ص 143 .

(41) الانتفاضة الطلابية فى مصر , ص 114 – 115 .

(42) مقابلة مع د. أبو المجد .

(43) كانت الحكومة قلقة بشأن احتمالات وجود تأثيرات أجنبية على الانتفاضة وقد استجوبت النيابة الطلبة المقبوض عليهم عن علاقة مع كوريا الشمالية . وبرغم الانتفاضة الواضح لإسرائيل إلا أنه قد نوقشت أيضا فكرة وجود صلة بإسرائيل , على أساس وجود صورة فوتوغرافية لأحد قيادات الطلاب فى حديقة "هايد – بارك" بلندن وتصادف أن ظهر علم لإسرائيل فى خلفية الصورة . وقد جرت مناقشة جادة على أعلى مستوى حول أهمية نشر هذه الصورة باعتبارها دليلا . (مقابلة مع د. أبو المجد).

(44) انظر , على سبيل المثال , البيانين الصادرين عن مؤتمرى 21 فبراير اللذين عقدا بكليتى الاقتصاد والآداب بجامعة القاهرة . فى : الانتفاضة الطلابية فى مصر , ص 87 – 91 , وأحمد بهاء الدين شعبان "الحركة الطلابية المصرية...", ص 54 .

(45) بيان مؤتمر كلية الأداب فى 21 فبراير . فى الانتفاضة الطلابية فى مصر , ص90 .

(46) مقابلة مع د. أبو المجد .

(47) وائل عثمان , أسرار .. ص 61 . فى 1971 تم التدريب العسكرى لسبعين ألف طالب . (Georgie Hyde, Education in Modern Egypt – Ideals and Realities, Routledge & Keagan Paul, London, 1978 , p. 152). ولكن الطلاب كانوا يشكون من أنهم لم يتلقوا تدريبا جديا على العمل العسكرى .

(48) لم يكن المراسلون الأجانب فى القاهرة يلقون أية مساعدة من الطلاب , الذين لم يرغبوا فى تعريض أنفسهم للاتهام بأنهم يشوهون صورة البلاد فى الخارج , إن لم يكن الاتهام بخيانتها . وفى إحدى المرات , عندما نجح ثلاثة من المراسلين الأجانب فى التسلل إلى قاعة الجامعة أثناء الاعتصام , طلب منهم الطلاب مغادرة المكان فى الحال .

(49) Paul Martin, The TIMES, 22 Jan 1972.

(50) Amnen Kapel:uk, "Student Unrest in Egypt", New Outlook, vol. xv (Feb.1972)p.20.

(51) الانتفاضة الطلابية فى مصر , ص 49 .

(52) اللجنة الوطنية لطلاب جامعة القاهرة . "بيان طلابى" فى المرجع السابق , ص 40 . وقد كتب مراسل جريدة "الجارديان" يقول : "إن الدعوة لحمل السلاح , ارتبطت ارتباطا وثيقا بالدعوة للإصلاح والتغيير البعيد المدى فى النظام الحاكم . وانها أساسا دعوة من أجل الديموقراطية – الديموقراطية للطلاب , وللجميع ". (David Hirst, The Guardian, 25 Jan. 1972).

(53) فى هذا الصدد تعرض كبار المحررين فى الصحف الرسمية للهجوم بالاسم . وكان على رأس قائمة أعداد الطلاب فى الصحافة , محمد حسنين هيكل فى الأهرام , وموسى صبرى فى الأخبار . وبرغم أن أسلوب موسى صبرى كان أكثر ديماجوجية ,.بينما كان لكتابات هيكل طابع تحليلى , إلا أنها كانا فى نظر الطلاب يكتبان كتابات مضللة إجمالا .,وكما كتب ديفيد هرست :"وحيث إنهم كانوا يعتبرون هيكل إنهزاميا , ورمزا لسنوات طوال من القهر الفكرى , فقد صبوا معظم تذمرهم عليه ". (The Gardin, 25 Jan. 1972).

(54) محضر جلسة مجلس الشعب مع وفد الطلبة فى : الانتفاضة الطلابية فى مصر , ص 127 .

(55) الأهرام 26 يناير – 1972 .

(56) مقابلة مع د. أبو المجد .

(57) William Dorsey, 1968 Revisited: Student Power in Cairo, NewMIDDLE East, VOL.5, Feb. 1972, P. 14.

(58) أحمد بهاء شعبان , "الحركة الطلابية المصرية " ص 57 .

(59) انظر على سبيل المثال , بيان مؤتمر كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة 21 فبراير 1972 . فى الانتفاضة الطلابية فى مصر , ص 81 , وبيان اتحاد كلية التجارة بجامعة الأسكندرية , 20 فبراير 1972 .

(60) غالى شكرى , الثورة المضادة . ص 114 , 254 .

(61) الشيوعى المصرى , العدد 11 , يوليو 1976 .

(62) وائل عثمان "أسرار.. " ص6 . ويعترف وائل عثمان بالتالى :"أحسست بمدى الخطر الذى يهدد الحركة الطلابية , والشيوعيون فى طريقهم لقيادتها , لذلك حاولت – مع قلة من الأقلام التى تنبهت للخطر الشيوعى – أن أكشف للطلبة حقيقة اتجاههم الفكرى وحذرت مرارا من سيطرتهم الفكرية .

لم يكن سهلا بالمرة أن أقتع الطالب العادى بعمالة مجموعة تتظاهر أمامه بالوطنية , لذلك فقد دأبت على إظهارهم فى صورة التجمع الذى يحاول أن يفرض رأيه على المجموع الطلابى .. فأغلبية الطلبة كانت ماتزال تعتقد بوطنية قيادة الحركة , ومعنى حديثى هذا أننى أقف ضد التيار الوطنى بالجامعة " (ص 57 , 78).

(63) بيان من اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة , فى الانتفاضة الطلابية فى مصر , ص 47 – 48 . وعندما طرد الرئيس السادات الخبراء السوفيت من مصر بعد ذلك بشهور قليلة أبدى التجمع الناصرى بجامعة عين شمس تشككه فى هذا القرار فى مؤتمر لتحاد الطلاب . انظر : مجموعة من المناضلين المصريين , الحركة الوطنية الديموقراطية الجديدة فى مصر – تحليل ووثائق (دار بن خلدون للنشر , بيروت 1973 ) ص 87 – 89 .

(64) انظر على سبيل المثال : Mahmoud Hussein, "L`Egypt 19671973 (Maspero, Paris, 1975).

وأيضا : غالى شكرى , الثورة المضادة .. ص 114 , والانتفاضة الطلابية فى مصر ., ص 22 .

(65) خطاب الرئيس السادات , الأخبار 31 يناير 1977 .

(66) أحمد بهاء شعبان , الحركة الطلابية المصرية ص61 . فى لقاء مع د. أبو المجد عقب الأحداث أعرب عن هذه النظرة بوضوح.

(67) بيان صادر عن اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة , فى الانتفاضة الطلابيةفى مصر , ص 46 .

(68) The GUARDIAN, 25Jan. 1972.

(69) أحمد بهاء شعبان , "الحركة الطلابية المصرية" , ص 62 . وكتب ديفيد هرست يقول :"كان الطلاب يرغبون فى أن تكون قيادتهم منتخبة انتخابا حرا , ويبدوا أنه لأول مرة منذ عشرين عاما , يحصلون على شىء كهذا , وقد طالبوا بالاعتراف الرسمى باللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة التى يرأسها أحمد عبدالله , والتى قامت بشكل غير رسمى بالحلول محل الإتحاد الرسمى للطلاب " (The Guardian, 25 Jan. 1972).

حول الموقف العدائى الذى اتخذة الرئيس السادات من رئيس اللجنة الوطنية للطلبة انظر رواية محمد حسنين هيكل بشأن تعيين هذا الطالب موظفا فى صحيفة الأهرام والتى أغضبت الرئيس السادات (عبدالوهاب مطاوع , لقاء مع محمد حسنين هيكل , مجلة الشباب , يونيو 1989 ).

(70) مقابلة مع د. أبو المجد .

(71) نفس المصدر .

(72) David Hirst, The Guardian, 25Jan. 1973 .

(73) فى اجتماع مع الرئيس السادات , قال د. حسن الشريف , نائب رئيس جامعة القاهرة ورائد اتحاد طلابها :"كثيرا ما كنت أجمع اتحاد طلاب القاهرة فى شهر واحد لنجتمع 5 أو 6 مرات لأحاول أن أستوعب هذه الحركة التى بدأت أشعر بها فى شهر ديسمبر , وكان الاجتماع الواحد يستغرق ما بين 5 ساعات ومع ذلك لم نتمكن من أن نرسم الخط السليم الذى يمكن أن نواجه به هذا التطور " ( الأهرام , 26 يناير 1972 ) .

(74) انظر : الأهرام 21 , 22 , 23 يناير 1972 .

(75) الأهرام 26 يناير 1972 .

(76) الأهرام 25 يناير 1972 .

(77) مقابلة مع رئيس اتحاد طلاب أحد المعاهد العليا فى القاهرة (رغب فى عدم ذكر اسمه) , وكذلك نص بيان الإتحاد العام لطلاب الجمهورية فى 24 يناير فى : الإتحاد العام لطلاب جمهورية مصر العربية , الإتحادات الطلابية فى المرحلة الراهنة (1972) , ص 69.

(78) الأهرام يناير 1972 .

(79) وقد اعترف أحد الذين حضروا المؤتمر أن :"المؤتمر قد ركز على قضية انتخابات الإتحاد ولم يكن هناك حديث فى السياسة , وعندما قام بعض الأعضاء اليساريين بتعليق مجلة حائط سياسية , قمنا بتمزيقها " (مقابلة مع رئيس اتحاد معهد عالى ) . ومن الجدير بالذكر أن بعض قيادات انتفاضة يناير , الذين ذهبوا من القاهرة إلى الأسكندرية حيث عقد المؤتمر , لم يسمح لهم بالدخول إلى قاعة المؤتمر .

(80) مثلا وصفها أحد الكتاب بأنها :"أول مراحل الرد الثورى من الشعب العربى على المؤامرة , وهى لطمة قوية للنفوذ الأمريكى فى العالم العربى " . (Zuhair EL – haj. In: M.Hussein et al., La Re`volte des Etudiants Egyptiens, pp. 27 – 28).

ويلاحظ كذلك الكاتب الصحفى موسى صبرى – وقد كان بشخصة محلا لعداوة العناصر الطلابية النشطة باعتباره بوقا فجا للسلطات الحاكمة – قد تناول أحداث حركة يناير 1972 بصورة ناقصة التفاصيل وتحتوى على مبالغة فى دور الطلاب أبناء السياسين الماركسيين المخضرمين . كما بدا من هذا التناول أن اللواء سيد فهمى مدير مباحث أمن الدولة فى ذلك الوقت كان هوالشخصية الرئيسية الثانية بعد الرئيس السادات فى مواجهة الأحداث . وهو ما يهون من دور عدد من القيادات السياسية الأخرى فى الطاقم الحاكم ( ممدوح سالم وزير الداخلية وأحمد كمال أبو المجد وزير الشباب ) كما يثبت – ربما على عكس مقصد الكاتب – استمرار اعتماد الرئيس السادات على جهاز الأمن السياسى فى مواجهة التحركات الشعبية . انظر :موسى صبرى , السادات : الحقيقة والأسطورة , المكتب المصرى الحديث , القاهرة , 1985 , ص 294 – 296 .

(81) مقابلة مع د. فؤاد زكريا .

(82) جرت محاولة أولى غير ناجحة لتشكيل اتحاد للكتاب وسط حرارة المناخ الذى سببته الانتفاضة الطلابية . انظر :غالى شكرى "الثورة المضادة " , ص 135 – 141 .

(83) إشارة إلى هذا التجمع , والبرنامج السياسى الراديكالى الذى طرحه الناصريون , قال الرئيس السادات فى حديث له أمام مجلس الشعب  : "طلع خط غريب هجوم على النظام مش ناصرى .. راح لهم عميد كلية الاقتصاد فى جامعة القاهرة واتكلم . اداهم محاضرة . لقى المتاقشات ماشية على فكر عبدالناصر أنه ماركسى . الله .. طيب احنا بقى علشان كده يظهر سبنا الناصرية . فوقف العميد واداهم محاضرة وقال لهم إذا كنتم عايزين تتكلموا على فكر عبدالناصر شىء .. وتتكلموا عن الماركسية شىء آخر .. " ( الأهرام , 1 فبراير 1973 ).

(84) مقابلة مع رئيس اتحاد أحد المعاهد العليا بالقاهرة , الذى ذكر أنه : "لوجود طلبة من جامعات مختلفة وتيارات سياسية مختلفة أهمها التيار اليسارى الماركسى وجب وجود فريق المعاهد العليا للكاراتيه والجودو لتنظيم المعسكر . وقد اتسم المعسكر بحدة المناقشات بين الطلبة اليساريين والمسئولين الذين كان من بينهم محافظ الأسكندرية ووزير الشباب وغيرهما . والحقيقة أننا ذهبنا بفريق الكاراتيه لأنه قيل لنا إن الطلبة الشيوعيين سوف يفسدون المعسكر , وهو ما ظهر بالفعل من تطاولهم على المسئولين ".

(85) انظر على سبيل المثال : غالى شكرى , الثورة المضادة , ص 121 , ومجموعة من المناضلين المصريين , الحركة الوطنية الديموقراطية الجديدة , ص8 – 9 و 72 . ويرجع محمد عبد السلام الزيات تشكيل هذه الفرق تاريخيا إلى ديسمبر 1971 . وكان حينئذ يشغل منصب الأمين الأول للجنة المركزية , وقد علم أن عددا من أعضاء مجلس الشعب من أسيوط كانوا وراء تشكيلها . انظر محمد عبد السلام الزيات , دائرة العنف والقرار السياسى , الأهالى 23 مارس 1983 . وانظر حديثه الأكثر تفصيلا حول هذا الموضوع فى مذكراته المنشورة فى "الأهالى" , 13\1\1988 .

(86) يصف أحد العناصر الطلابية النشطة د. أبو المجد بأنه :"إنسان هادىء وديع , مثقف يحدثك دائما – وفى كل مقابلة . عن تجربته فى الإخوان المسلمين ! وهو لا شك أذكى المسئولين الذين التقينا بهم لقدرته على الاقناع ولخبرته الواسعة فى التكتيك السياسى "(وائل عثمان , أسرار , ص 105 ).

(87) مقابلة مع د. أبو المجد .

(88) وائل عثمان , أسرار .. , ص 120 , 68 .

(89) المرجع السابق , ص 115 ,117 و 191 . كان كبار المسئولين ب[[الإتحاد الإشتراكي العربى]] , بما فيهم الأمين العام يؤكدون على الأسس الأيدويولوجية للتعاون المشترك بينهم وبين الأصوليين الإسلاميين فى محاولة للتقرب منهم . وقد أكد الأمين العام أن "الإتحاد الإشتراكي يتفق فكره تماما مع الفكر الإسلامى " (المرجع السابق ص102 ) , كما استعاد د. أبو المجد أمامهم ذكريات تجربته الخاصة عندما كان عضوا فى الإخوان المسلمين مؤكدا على أن الدولة لا تعادى إلا الأفكار الماركسية ( المرجع السابق , ص 195 ) . وقد أقسم أمين التنظيم بالقرآن على ولائه للإسلام ( المرجع السابق ص 192 ) .

(90) ويوضح أحد قيادات الطلبة الإسلاميين :"وللقارىء أن يتخيل ما سيكون عليه رأى الطلبة فى هذه الجماعة الجديدة التى تدعو للإسلام وتستخدم المطاوى فى دعوتها " ( المرجع السابق ,ص129 ) . إلا أن نفس الطالب يأسف بعد ذلك على أن الأحداث قد اثبتت "أن هناك من لا يستحقون الضرب فقط . وإنما القتل أيضا ! " . ( المرجع السابق , ص 118 ) .

(91)ومثال ذلك مقال نشر فى "المسودة" بعنوان "حكومتنا العاجزة" اتهم الحكومة بالعجز عن رفع مستوى المعيشة للأغلبية الساحقة من السكان , وعن تحرير الأراضى المحتلة . كما اتهمها باختراع أساليب جديدة لضرب الحركة الطلابية .

(92) قرار الاتهام فى القضية 902 لسنة 1972 , الأهرام 19 يونيو 1973 . وكان محتوى مجلات الحائط موضع عديد من الأسئلة أثناء التحقيق مع الطلاب المتهمين فى هذه القضية , حتى أن اقتباس "المسودة" لبعض عبارات الفيلسوف "سبينوزا" كان محلا للتحقيق أيضا :

س – يبين من قراءة المقالة المعنونة "الرسالة اللاهوتية السياسية" أنها تتهكم على السلطة وتصفها بكبت الحرية .

ج – هذه وجهة نظر الكاتب "سبينوزا"يمكن أن يحاسب هو عليها إن كانت وجهات النظر موضع حساب .

س – ألا يعنى نشرها – على افتراض أنها من تأليف الكاتب المذكور – بعض التحريض على الإثارة واستعداء السلطة بوصفها لأنها تكبت الحرية ؟

ج – العبارة نص سياسى عام والرجوع للتراث التاريخى للفلاسفة أكبر من أن يكوم بحثا عن لإثارة .

(93) المرجع السابق .

(94) بيان طلاب هندسة القاهرة 30 أكتوبر 1972 . فى مجموعة من المناضلين المصريين , الحركة الوطنية الديموقراطية الجديدة فى مصر , ص 102 .

(95) ورد فى تقرير سرى يسارى :"تقابلنا بعض الأفكار الصبيانية التى تتقدم بحسن نية لتقوم بما يريده العدو بالضبط , فتدعو الطلاب الشيوعيين أن يحملوا المطاوى وأن يبدأوا الكفاح المقدس . إن القائلين بذلك – بحسن نيتهم ودمهم الفائر – ينزلقون لتحويل النضال السياسى للجماهير إلى ساحة المبارزة بين الطليعة منعزلة وبين السلطة . وياله من درك عجيب ذلك الذى يدعوننا للانحدار إليه .. إنهم بمعاييرهم الاتعزالية المعاصرة لا يعتبرون أن استنكار آلاف الطلاب لأسلوب البلطجية وإدانتهم له بأبسط الوسائل وأكثرها سلمية , أقوى ألف مرة من علقة ساخنة ينهال بها الثوريون على أعدائهم "( سمير محمد كامل , ملاحظات حول العمل الجماهيرى فى صفوف الطلاب , الشيوعى المصرى , عدد 9 , مايو 1976 – ص 50 ) .

(96) كان هناك عدد من المحامين , معظمهم من اليساريين المعروفين بتعاطفهم مع الحركة الطلابية , تطوعوا للدفاع عن الطلاب . وكان من بينهم , أحمد نبيل الهلالى , زكى مراد , أحمد مجاهد , عادل أمين , د.جلال رجب , عبد الله الزغبى , وسيد العشرى , ومحمد أبو الفضل الجيزاوى , وغيرهم .

(97) خطاب 14 مايو 1980 . بلغ عدد المقبوض عليهم فى ذلك اليوم اثنين وخمسين شخصا (13 من بينهم ليسوا من الطلاب , فيهم صحفيون وشعراء ومحامون , إلخ , ممن شهدوا بعض الأنشطة الطلابية واتهموا بإثارة الطلاب ) . وبعد ذلك عندما تصاعدت حدة الأحداث , ألقى القبض على المئات من الطلاب فى مختلف أنحاء البلاد وقدموا للتحقيق . وعندما صدر قرار اتهام النيابة فى يونيو كان هناك حوالى مائة متهم موزعين بين أربع قضايا منفصلة – اثنتان فى القاهرة , وواحدة فى الأسكندرية , وواحدة فى أسيوط . وقد لقى المحقق صعوبة مع بعض المتهمين الذين رفضوا الإجابة عن أسئلته فى غير حضور محاميهم , وذلك فى المراحل الأولى من التحقيق , إلا أنهم تنازلوا بعد ذلك بناء على نصيحة محاميهم , وقد أدى إصرار المحقق على عدم حضور المحامين إلى أن كثيرا من الطلاب اعتقدوا أنها ستتحول إلى قضية ملفقة .

(98) كان عصام الغزالى طالبا بالهندسة , وكان شاعرا للفصحى , وكان بعض أفراد أسرته من العناصر النشطة للإخوان المسلمين, وقد اشتهر بهجومه على زملائه الماركسيين شعرا ونثرا , ولم يكتشف أنه يمكن أن يكون بينه وبينهم قضية مشتركة إلا فى السجن , برغم محاولات البعض منهم عزله باعتباره عدوا , حيث أن البعض الآخر تعامل معه باعتباره وطنيا ذا أيديولوجية مختلفة .

(99) وائل عثمان , أسرار , ص 94 . ويحتوى وصف وائل عثمان لمحاولتهم على السبب البديهى لفشلهم : "انتهى مؤتمر يوم السبت باعتصام خمسة وثلاثين طالبا نصفهم من المباحث . ورفض الشيوعيون الاعتصام معنا .. وكانت صدمة عنيفة لى . فقد كنت أتوقع أن يشارك فى الاعتصام المسلمون الذين عرفوا عصام وأحبوه ودافعوا عن قصائده .. لم أفهم ماذا أصاب الطلبة ؟ إننا لم نجتمع للدعوة إلى تكوين لجان أو سحب الثقة من أحد , ولم تجتمع للخروج فى مظاهرات , ولم نجتمع لمناقشة علاقتنا مع روسيا وأمريكا . إنما اجتمعنا من أجل معرفة الحقيقة .. حقيقة القبض على زملاء لنا . فهل هذا مطلب يرفضه أحد ؟ وإذا لم تشارك الطلبة فى موقف كهذا , فمتى تشلرك إذن ؟!" .

(100) تقرير وزير العدل , الأهرام 28 يناير 1973 .

(101) بيان أعضاء هيئة التدريس بجامعتى القاهرة وعين شمس فى مجموعة من المناضلين المصريين , "الحركة الوطنية الديموقراطية الجديدة ", ص 178 .

(102) على أساس هذه الشكوك , رفض الطلاب المعتقلون أن تلتقى بهم هذه اللجنة وهم فى السجن . وهتفوا من نوافذ زنازينهم "التقصى يكون فى الجامعة وليس فى السجن " . وكان الطلاب يسخرون من اللجنة بقولهم إنها تقوم بوظيفة "تخطى" الحقائق , بدلا من "تقصى" الحقائق . وقام بعض الطلاب بمقابلة اللجنة ونصحوا أعضاءها بتشكيل لجنة أخرى للتقصى عن مساوىء مجلس الشعب نفسه . ( عثمان , أسرار .. , ص104 ) .

(103) ورد ذكر اليمين بشكل عابر فى التقرير كما يلى :"ظهرت على مسرح الأحداث مجموعات اتخذت لنفسها أشكالا تنظيمية ومسميات مختلفة . فنجد مثلا الجماعات الدينية والجماعات الأقليمية . وفى غمرة هذه الجماعات المتشابكة يقف اليمين بعيدا عن الصورة , وفى الظاهر سعيد بهذه التحركات عاملا على تغذيتها من وراء ستار ومترقبا اجتناء الفائدة وجنى الثمار " .

(104) ذكر السؤال عن إثبات وجود الله, الذى لم يكن قضية رئيسية أو حتى ثانوية بالنسبة للحركة الطلابية فى أى وقت , فى التقرير باعتباره السبب للهجوم بالمطواة على طالبة تلفظت بتلك الهرطقة . وعندما طلب من رئيس لجنة تقصى الحقائق توضيح ذلك الموضوع أجاب بالتالى :"بالنسبة لحادث المطواة بالذات , ما كنت , ولا كان إخوانى أعضاء اللجنة يريدون أن يتطرقوا إليه , ولكن طالما أثير هذا الموضوع , فأقول إننا أولا وقبل كل شىء نرفض العنف , ونرفض أن يكون ذلك الأسلوب موجودا بين طلابنا وشبابنا , بل بين مجتمعنا ولكن الذى أثاره مناقشات دارت فى أعقاب ندوة أقيمت بكلية الحقوق بين مجموعة من الطالبات ومجموعة من الطلبة فتجرأت إحداهن وقالت بالحرف الواحد إنكم تقولون إن ربكم فى كل مكان , فهل إذا وضعت يدى فى جيبة استخرجه ؟ فلم يتمالك طالب شعوره وفعل فعلته إننا إذا كنا نستنكر استعمال مثل هذه الأدوات , فإننا نستنكر بالدرجة الأولى أن يتطاول إنسان على عقائد هذا البلد الذى عاش به " .

(105) انظر :الأهرام , 1 فبراير 1973.

(106) بعد بضع سنوات , وبناء على معلومات أخرى , أو ربما فى آخر تفسير له , ذكر الرئيس السادات أن المخطط كان مرسوما وفق أوامر من "بيروت" (خطاب , الأخبار , 31 يناير 1977) . وبرغم أن بيروت كانت حقيقة مركزا للمعارضة المصرية لنظام الرئيس السادات خارج البلاد , إلا أنها لم تصبح كذلك إلا بعد عام 72\1973 . وكانت العلاقة الوحيدة – غير المباشرة – بين أحداث الطلاب فى مصر وبين بيروت فى ذلك الوقت , هى أن بعض المتعاطفين مع الحركة الطلابية فى مصر قد شكلوا لجنة تضامن خاصة لتأييدها , دون صلات مباشرة من أى نوع ( انظر : مجموعة من المناضلين المصريين , الحركة الوطنية الديموقراطية الجديدة , ص 70 ) . وبعد ذلك ببضع سنوات , كان الرئيس السادات , من الجرأة بحيث يقدم على ما لم يفعله وقتها , وهو أن يتهم القيادة الماركسية للحركة بأنهم "عملاء موسكو الذين يحرضون الطلبة على الصدام مع الشرطة , بإدعاء أن الشرطة قد قتلت بعض الطلاب أثناء المظاهرات " حيث أكد أن هذا الشىء لم يحدث أبدا فى عهده :"لم يقتل أو يجرح طالب أو يلقى القبض على أى واحد وفقا لأحكام عسكرية أو إدارية طوال مدة 11 عاما" (خطاب , الأخبار , 31 يناير 1977 , خطاب , الأخبار 29 يناير 1980 , حديث صحفى , صحيفة مايو , 22 يونيه 1981 ) .

(107) تقرير وزير الداخلية أمام مجلس الشعب , الأهرام , 13 فبراير . وقد ادعى الوزير فى تقريره أنه لم يصب أحدا من بين الطلاب .

(108) تقرير وزير التعليم العالى أمام مجلس الشعب , الأهرام , 13 فبراير 1973 . وفى ذلك الوقت كانت أحداث أسيوط قد بلغت مستوى خطير من الصدام بين الطلبة والشرطة , حيث أشارت معلومات غير مؤكدة عن مقتل أحد ضباط البوليس . كما خرجت مظاهرة فى وسط القاهرة من أمهات الطلاب المعتقلين .

(109) ظل اتحاد طلاب الجمهورية – الذى كان خاضعا لسيطرة الحكومة – صامتا إزاء الأحداث إلى أن أصدر بيانا بمناسبة يوم الطالب العالمى (المصرى) فى 21 فبراير , يدعو الطلاب إلى الانتظام فى دراستهم لإحباط "مخطط عدونا .. ياطلاب مصر هذا نوذج للحرب النفسية التى يحاول العدو أن يحاربنا بها"وكان موضوع البيان محاولة اتحاد طلاب إسرائيل للتقرب من نظيره المصرى بطريق غير مباشر , إلا أن هذه المحاولة قوبلت بالرفض :"إن تصور هذا الإتحاد – الإسرائيلى – لدوافع الحركة الطلابية فى مصر تصور خاطىء إذ أنه لا تناقض بين طلاب مصر أبناء الثورة , وأبناء تحالف قوى الشعب العامل وبين القيادة الوطنية لمصر " (الأهرام , 21 فبراير 1973).

(110) انظر على سبيل المثال صحيفة الأهرام 17 فبراير 1973 , التى ورد بها عدد من برقيات التأييد المرسلة أساسا من هيئات تعليمية رسمية أكثر مما هى تنظيمات طلابية حقيقية , كما نشرت أيضا برقيات من هيئات غير طلابية . من بينها إحدى الجامعات الصوفية !

(111) انظر غالى شكرى , الثورة المضادة , . ص 117 , 118 , 160 – 161.

(112) المرجع السابق , ص 147 , وانظر رواية الدكتور لويس عوض لقصة توقيعه على هذا البيان . فى : أدب ونقد , عدد 57 , مايو 1990 , ص 87.

(113) فى العديد من الخطب والأحاديث الصحفية اللاحقة , كرر الرئيس السادات اتهامه لمعارضيه فى هذه النقابات (انظر على سبيل المثال , خطاب 31 يناير 1977 , خطاب 8 أغسطس 1979 , وكذلك حديث صحفى لجريدة مايو 13 يوليو 1981 ) . وكان الرئيس السادات يركز على نقابات المهندسين , والمحامين والصحفيين , وقال عن الأخيرة :"نقابة الصحفيين تجتمع وتبعت لى انذار وبتقولك صحف الحائط اللى فى الجامعة دى صحافة , وكانت الجامعة زى مانتم عارفين سم ناقع " (الأخبار 8 أغسطس 1979 ).

(114) فى دفاعه عن نفسه بخصوص موضوع فصل الصحفيين من الإتحاد الإشتراكي , قال محمد عثمان اسماعيل إن مسئوليته تنحصر فقط فى أنه كان يمد الإتحاد الإشتراكي بمعلومات حول النشاط السياسى لأعضائه . وعندما سئل عن المصدر الذى كان يستقى منه المعلومات أجاب :" من جهات أمن مختلفة " (روز اليوسف, 20\1\1975) . وكان قرار الفصل صادرا عن الرئيس السادات شخصيا . وقد اعترف بعد ذلك بهذا :"عزلت أكثر من 120 صحفيا جنب الطلبة .. الصحفيين عزلتهم كتعبير .. عزلتهم ولم أقطع عيشهم . وعزلتهم بس عن أن يكتبوا فى الصحف لكن لم يقطع رزق واحد ولا مرتبه لأن الهدف عندى مش انتقام" (خطاب 30 يناير 1977) .

(115) اتخذت القيادات الطلابية من قرار الفصل دليلا على أن لحركتهم تأثيرا يمتد خارج الجامعة . كما وضعوا هذا القرار ضمن قائمة الأمور التى يشكو منها الطلاب . إلا أن الآصوليين الإسلاميين حاولوا فصل قضية الإتحاد الإشتراكي عن مطالب الطلاب :"كان رأى الجماعة فى ذلك الوقت أن المصلحة تقتضى عدم الخوض فى معركة اليسار ضد السلطة , مع تأكيد وجودنا فى الحركة لصالح قضية الطلبة فقط . ولاشك أن هذا الموقف للجماعة يمثل تكتيكا مرحليا ذكيا فى مرحلتها السياسية " ( وائل عثمان , أسرار .." ص 107 – 108 ).

(116) ويصف الدكتور فؤاد زكريا موقف رئيس إحدى الجامعات إزاء ضغط الحكومة :" كان الدكتور اسماعيل غانم مدير جامعة عين شمش – رغم ارتباطاته الطبيعية بالسلطة – متعاطفا فى قرارة نفسه مع الحركة الطلابية وأعضاء هيئة التدريس المؤيدين لها .. وكان من السهل جدا لمن حضروا الاجتماعات التى عقدها مع "المنشقين" من أعضاء هيئة التدريس أن يدركوا التوتر الذى يعانيه الرجل ما بين ضغط من السلطة (وخاصة وزارة الداخلية) التى هو على أى حال جزء منها وبين فهم وإدراك داخلى لطبيعة الأسباب التى تؤدى بالطلاب وبعض أساتذتهم للتمرد " (مقابلة ) .

(117) انظر : الأهرام 16 فبراير 1973 . وقد اجرت النيابة تحقيقا مع عدد من أساتذة الجامعة , وهم أساسا رواد الإتحاد فى مختلف الكليات بشأن الأحداث . واتخذ معظمهم – وخاصة د. كامل ليلة – موقفا معاديا للحركة . وكان الوحيد الذى أيدها بشدة هو د. عبدالحميد الغزالى , الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة القاهرة , ورائد اتحادها . وكان د. الغزالى – الحائز على درجة الدكتوراه من جامعة جلاسجو , والمنتمى لتيار الأصولية الإسلامية والذى يتعاون مع اليسار على أساس القضية الوطنية المشتركة – واحدا من اثنين من الأساتذة ( الثانى كان د. نادر فرجانى من كلية الاقتصاد أيضا ) ألقى القبض عليهما مع الطلاب فى اعتصامهم فى يناير 1972 .

(118) كان الدكتور فؤاد زكريا حاضرا وهو يتذكر التالى حول اجتماع الإتحاد الإشتراكي  :"أذكر أن القليلين من الحضور كانوا يتكلمون فى الموضوع الأصلى بإخلاص , بينما كان غيرهم يجمعون بين الكلام فى الموضوع والكلام عن أنفسهم , وآخرون يحاولون الأنحراف بالمناقشة إلى اتجاه مطالب أعضاء هئية التدريس وأوضاعهم , وآخرون يعبرون بطريقة مثقفة عن موقف وزارة الداخلية .. الخ ولكن الاجتماع لم يخل من كلمات جريئة وإيجابية . وأخيرا تشكلت لجنة للصياغة كنت عضوا فيها , وانتهت إلى صياغة بعض القرارات التى كانت ايجابية ولكنها مخففة بفضل جهود الدكتور كمال أبو المجد ومواقف بعض الزملاء المترددين " (مقابلة) .

(119) نص البيان فى : مجموعة من المناضلين المصريين , الحركة الوطنية الديموقراطية الجديدة , ص 175 – 181 . ويحكى د. فؤاد زكريا قصة إصدار هذا البيان :"بيان هيئة التدريس الذى رفع إلى مجلس الشعب كان حصيلة مناقشات بدأت فى بعض كليات جامعة عين شمس ثم فى نادى هيئة التدريس . وقد تخللت هذه المناقشات مقابلة أو أكثر مع مدير الجامعة لعدد من من أعضاء هيئة التدريس المتعاطفين مع الحركة الطلابية . وقد قمت بصياغته , وأدخلت عليه بعض التعديلات . وقد قرىء فى نادى هيئة التدريس بجامعة عين شمس وعملت منه نسخة خطية وقع عليها الحاضرون . وقبل اتمام عملية جمع التوقيعات قررنا أن نذهب إلى مجلس الشعب . وطرحت مسألة اختيار من يذهبون , فلم تكن هناك منافسة شديدة على الذهاب . فذهبت ومعى الدكتور عبدالمنعم تليمة (من كلية آداب القاهرة) و د. رضا العدل (تجارة عين شمس) وكان مفروضا أن نقابل رئيس مجلس الشعب ولكنه أناب عنه وكيله السيد على السيد (وهو أيضا رئيس لجنة تقصى الحقائق فى أحداث الطلبة ) وكان معه النائب ألبرت برسوم ( عضو اللجنة وقد أصبح وزيرا بعد ذلك ) ومأمون مشالى ( عضو اللجنة ) وكان حوارنا معهم من نوع "حوار الصم "فلم يكن هناك تفاهم على أى شىء .. وكان محور الحديث من جانبنا هو أن هؤلاء الطلاب مخلصون فى دعوتهم إلى تجنيد موارد البلاد لمعركة حقيقية بدلا من من معركة كلامية , بينما كان الطرف الآخر يدافع بشدة عن ضرورة السكوت التام "وخيانة" الأصوات التى ترتفع بالاعتراض فى تلك المرحلة .. وأثناء حديثنا فى مجلس الشعب أذكر أنه وردت كلمة اليسار فأبدى الثلاثة اشمئزازا واضحا من الكلمة حتى أن أحدهم - مشالى – تمنى لو أن هذه الكلمة حذفت من قاموس اللغة العربية ! ... وعند جمع التوقيعات كان عدد الموقعين على البيان عددا جيدا بالقياس إلى ما يحدث عادة فى الجامعة (مقابلة)

ووفقا لما يذكر د. رضا العدل :"وصلت التوقيعات على بيان هيئة التدريس ما بين 90 و100 توقيع أكثرها من هيئة التدريس بجامعة عين شمس , وبالنسبة لعملية جمع التوقيعات هناك أعضاء هيئة تدريس لم نفكر فى الأصل أن نطلب توقيعهم لتأكدنا من أنهم لن يفعلوا , والبعض الآخر رفض التوقيع بعلة عدم ملائمة صيغة البيان , بينما رفض آخرون بدعوى عدم اشتغالهم بالسياسة . ومن الغريب أن بعض الذين رفضوا التوقيع كانوا من المعروفين بأنهم أصحاب أفكار سياسية ومنهم أستاذان يساريان من جامعة عين شمس" (مقابلة) .

(120) كانت هناك شائعات قوية فى ذلك الحين أن الرئيس يشعر بالتبرم من موقف القضاء , وأنه أعرب لبعض المقربين منه عن خيبة أمله , حيث لم يشكر له القضاة أنه هو الذى حررهم من الضغوط السياسية التى كانوا يعانونها فى عهد عبد الناصر .

(121) انظر : الأهرام 5 , 19 , 20 يونيو 1973 .

(122) بينما كانت تجرى وقائع الجلسة فى دار القضاء العالى وسط القاهرة كان هناك تواجد مكثف من رجال الشرطة بملابسهم المدنية, وكذلك احتياطى من رجال الأمن المركزى المرابطين خلف المحكمة تحسبا لوقوع اضطرابات . وهو الأمر الذى حدث بالفعل , إذ نظم العشرات من الطلاب مظاهرة فى شارع سليمان باشا واستدعى الأمن المركزى لتفريقها .

(123) وفقا لما كتبت "Hyde" فقد شارك حوالى مائة وثلاثة وعشرين ألفا من الشباب فى أنشطة الدفاع المدنى , وتبرع مائة وسبعة وعشرون ألفا بالدم , وانخرط تسعون ألفا فى أعمال الخدمة العامة , وشارك خمسة آلاف فى المجهود الحربى بطرق أخرى . (Hyde , Education in Modern Egypt, p. 166) ومع ذلك كان الطلاب يشكون من مستوى إعداد الجبهة الداخلية , ومن الدور المحدود الذى سمح لهم بأدائه عبر أعمال الدفاع المدنى . إلا أن بعض قيادات الحركة الطلابية انخرطوا كلية فى هذه الأعمال وحصلوا على شهادات رسمية بحسن أدائهم للخدمة .

(124) كان المسح الوحيد لمواقف شباب البلاد من حرب أكتوبر , هو استطلاع رأى وزع على مائتى طالب مصرى يدرسون بالولايات المتحدة . وقد ظهرت فيه بعض النتائج الملفتة للنظر , انظر : سعد الدين ابراهيم , استقصاء لآراء الشباب المصرى فى أمريكا حول حرب تشرين , دراسات عربية عدد 9 , يوليو 1974 , ص 10 – 25

( 10 ) الدور السياسي والإجتماعي للطلاب في ظل نظام ثورة يوليو 1952

حققت محاولات نظام ما بعد 1952 لضمان تأييد طلاب البلاد من خلال الإصلاحات التعليمية وإجراءات السيطرة التنظيمية وأسلوب التلقين السياسي قدرا كبيرا من النجاح في أول الأمر ، إلا أن رغبة حكومات الثورة في توسيع فرص التعليم ، لصالح الطبقة الوسطى بالأساس ، خلقت نخبة مدنية كانت تواقة للتعبير عن ذاتها والمشاركة في السلطة . حيث استمر احتكار النخبة العسكرية ، ثم النخبة العسكرية التكنوقراطية ، للعمل السياسي بلا منافس طيلة ثلاثة عشر عاما منذ 1954 . ولم يساعد على تقوية موقف النخبة المدنية سوى الهزيمة الوطنية في 1967 ، والتي مثلت نقطة تحول تاريخية حولت الحديث الخافت حول الديموقراطية إلى حركة سياسية واسعة ، كما أسفرت عن بروز قدر من الضغط من أسفل، الأمر الذي أدى إلى تحول النظام السياسي كلية خلال عقد من الزمان .

وكان أوضح مؤشر على هذا التغيير هو تنامي النشاط السياسي في صفوف طلاب الجامعات ، فالطلاب الذين طالما لقبوا " بأبناء الثورة " بدأوا يظهرون كأبنائها العاقين ، حيث اكتشفوا أن آمالهم في المشاركة في السلطة السياسية لن تتحقق دون صدام مباشر مع النظام .

ومن الطريف أن طلاب كليات الهندسة ، وهم النتاج الرئيسي للسياسات الناصرية في التوسع في التعليم العالي والتنمية الاقتصادية ، كانوا هم الذين تصدروا الحركات الطلابية المنشقة عن النظام . وكان طلاب وخريجو هذه الكليات بالتحديد هم الذين وصفهم " كير " بأنهم (( كانت لهم مصلحة مرتبطة بما ينجزه النظام ومن ثم كانوا مؤيديه المحافظين )) (1) لكنهم هم الذين أصبحوا بعد 1967 أعلى نقاده صوتا . وأثبتت قيادات طلاب الهندسة ونقابة المهندسين بعد 1967 أن تأييدهم السابق للنظام كان تأييدا مشروطا . حيث وجدوا أنفسهم محرومين من أي فرصة للنشاط السياسي المؤثر ومتهمين من أصحاب السلطة بأنهم أعداء برجوازيون لأيديولوجية تحالف قوى الشعب (2) .

ويفسر أحد طلاب الهندسة انتقال مركز الثقل السياسي في الحركة الطلابية من طلبة الحقوق إلي طلاب الهندسة بعد 1952 ، بأن مكتب التنسيق قد اختار أن يوزع أصحاب المجاميع الكبيرة من خريجي المدارس الثانوية على كليات الهندسة : " فكان أن تفوقت كليات الهندسة في مجال الفكر والسياسة تفوقها في مجال العلم "(3) وفي الواقع ، يعكس الدور النشط الذي لعبه طلاب الحقوق قبل 1952 ، وطلاب الهندسة بعدها اهتمام كل منهما بإصلاح النظام السياسي أكثر من اهتمامهما بهدمه ، ولم يختر الطلاب موقف التحدي للنظام إلا بعد أن تراكمت إحباطاتهم ، فانضموا قبل 1952 إلي التنظيمات غير البرلمانية .

وبعدها بدأ نشاطهم في صفوف حركات المعارضة الجنينية التي ظهرت تدريجيا في مواجهة نظام الثورة . وكان الطلاب سواء قبل ثورة 1952 أو بعدها يتمتعون بمكانة عالية بسبب إنتمائهم للطبقة المتوسطة . تلك الطبقة التي كانت ضرورية لتنفيذ المشروعات الاقتصادية والاجتماعية للنظام الليبرالي والنظام الثوري معا . ومن المفارقة أن الطبقة التوسطة في ظل النظام الليبرالي ، والتي لم تكن بأية حال طبقة حاكمة ، قد تمتعت بقدر كبير من حرية التعبير والتنظيم السياسي . ولكن في ظل نظام عبد الناصر الذي كان أقرب لتمثيل مصالحها الطبقية ، قيدت المجموعة الحاكمة بشكل حاد حريتها في التعبير والتنظيم السياسي . (4)

وكما كتب أحد الباحثين فإن : " القطاعات المؤثرة في صنع القرار المصري – شئنا أم أبينا – هي الطبقة الوسطى ، وفئة التكنوقراط ، والجيش ، والصفوة المتعلمة ، وطلبة الجامعات . نقول هذه القطاعات المؤثرة وليس بالضرورة صانعة القرار " (5) وعندما كان عبد الناصر يخاطب الشعب ، كان يسعى أساسا لإقناع تلك الفئات . وبرغم الأهمية التي أولاها للسيطرة على الجيش ،(6) كان يعترف أيضا بالحاجة للاحتفاظ بالسيطرة على الطلاب منذ الأيام الأولى للثورة ، وبدرجة أكبر بعد هزيمة 1967 (7) وقد أدرك خلفه السادات هذه الحاجة أيضا ، حيث اعتبر أن الطلاب ومعهم العمال مادة متفجرة يكفي أن يشعلها الأعداد لتدمير النظام كليةً . (8)

وقد فسر وزير الشباب في وزارة السادات حساسية وزارته للمعارضة الطلابية بأن " الطلاب أوشكوا أن يخلقوا موقفا أمنيا يقتضي تدخل الدولة بالقوة . وهو أمر ينال من طبيعة المناخ السياسي الذي اتجهت الدولة إليه بعد عام 1971 والذي كان أساس وسبب وجود المرحلة الجديدة " . وأضاف بوضوح أكثر : " في النهاية إن خروج

الطلاب إلى الشوارع كان يهدد بإتصالهم بعناصر أخرى وإثارة وتفجير قضايا إجتماعية تستثمر متاعب الناس الاقتصادية ". (9)

وهكذا فإن ما كان يشغل إسماعيل " باشا " صدقي في 1946 استمر باقيا في أذهان حكومة 72 / 1973 . وحتي في ظل عبد الناصر نفسه ، عندما كان ولاء أغلبية السكان من الفلاحين والعمال مضمونا بشكل أكبر ، كان الطلاب يدفعون للبقاء داخل حدود مؤسساتهم التعليمية وعدم الاختلاط " بالآخرين " وفي عام 1968 خاطب رئيس مجلس الأمة – الذي أصبح فيما بعد الرئيس أنور السادات – طلاب الهندسة الثائرين قائلا : " ليس لي أعتراض أبداً أن تعبروا عن كل آرائكم ولكن داخل الجامعات وبنظام " (10) وفي نفس الفترة أقر محمد حسنين هيكل نصيحة رئيس جامعة القاهرة لطلابه : " هنا في حرم الجامعة تستطيعون مناقشة كل شيء وإبداء أي رأي وأما الخروج إلي الشارع فإنه لا يعطينا الحصانة المطلوبة ، لأننا فيه لن نكون وحدنا ولا نضمن أن تسير الأمور على النحو الذي نريده ونرضاه ". (11)

إن خشية الحكومة من انضمام الطلاب إلى جماعات إجتماعية أخرى اقترنت بالخوف من الأثر المحتمل لإضراباتهم على الجيش ، ولم تعد الحساسية إزاء موقف الجيش فيما بعد 1967 راجعة إلى دوره السابق كحام للنظام السياسي وكأرضية للتجنيد لصالح نخبته الحاكمة ، وإنما المهمة الجديدة التي خولت له واللازمة لإستمرار شرعية النظام وهي تحرير الأرض المحتلة ، وأصبح كون خريجي الجامعات الجدد يشكلون العمود الفقري للجيش في فترة إعادة بنائه ، وأنهم قد يستجيبون لتحريض الطلاب يمثل تهديدا للحكومة . (12)

وسواء كان مسموحا للطلاب بالاختلاط بالآخرين أم لا ، فإن الواقع السياسي لحركة الطلاب المصريين بعد 1967 هو أنها كانت بالفعل حركة تمثيلية تعمل بالنيابة عن نسبة عريضة من القوى الوطنية في مواجهة الهزيمة المخزية وإحتلال التراب الوطني ، كما تعمل بالأصالة عن نفسها لتحقيق الطموحات الأكثر تميزا للطبقة الوسطى في التعبير السياسي والمشاركة السياسية . ومع ظهور الفصائل الراديكالية داخل الحركة الطلابية في أوائل السبعينيات ، أصبح بإمكانها أيضا أن تدعي تمثيل قدر من طموحات الطبقات الدنيا في البلاد وبذلك أصبح الطلاب في نظر أحد الباحثين : " ليسوا مجرد حركة طلابية ، بل هم وكلاء شرعيون عن المجتمع بمختلف طبقاته الوطنية " (13) كما أنهم : " قد حملوا أعباء مرحلة تاريخية مختلفة كيفياً . كانوا هم الطلائع المنظمة نفسها ، لا مجرد شباب الجامعات " (14)

وقد أوضح أسلوب التأييد الذي لقيته مبادرات الطلاب من كل من النقابات المهنية والمثقفين بوجه عام ، أن الحركة الطلابية تمثل طموحات قطاع مهم من الطبقة المتوسطة ، خاصة فيما يتعلق بالمطالبة بحق ممارسة النشاط السياسي المستقل ، وإتاحة الفرصة العملية لإتخاذ خطوات أولية تجاه خلق معارضة سياسية منظمة . وعلى عكس ما كان يحدث في ظل النظام الليبرالي ، بدأ الطلاب في خلق منظمات سياسية جديدة تماما بدلا من العمل داخل المنظمات القائمة بالفعل . وكانت الانقسامات الأيدولوجية في الكتلة الطلابية ، من فصائل ماركسية وناصرية وإسلامية ، صورة أولية لما تلاها من انقسامات أساسية في الساحة السياسية المصرية ككل .

وبرغم أن المهنيين والمثقفين كانوا أول المستفيدين من المبادرات الطلابية ، إلا أن جماعات أخرى استفادت منها ، مثل العناصر النشطة سياسياً داخل الطبقة العاملة ، (15) والتي أظهرت اهتماما شديدا بالنشاط السياسي الطلابي منذ انضمام العمال إلى الطلاب في المطالبة بالديموقراطية في أعقاب هزيمة 1967 . وفي أوائل السبعينيات اتهم بعض العمال النشطين بالاشتراك المباشر في النشاط الطلابي . وكان الطلاب يعتبرون الطبقة العاملة قوة سياسية مهمة منذ الأربعينيات حيث كانوا يحاولون دائما جذبها لتأييد حركتهم وذلك برغم هجوم بعض الطلاب بين حين وآخر على تخصيص نسبة 50 % من مقاعد البرلمان والمجالس المنتخبة للعمال والفلاحين . وكان الدافع الرئيسي لهذا الهجوم هو عجز البرلمان عن أن يلعب دورا فعالاً إزاء السلطة التنفيذية ، الأمر الذي ينطبق بالطبع على أعضائه بجميع فئاتهم .

وصاحب سياسة القمع التي طبقت على الحركة الطلابية بعد 1952 جهود أخرى لتهدئتها ولم تختلف اللغة المستخدمة في تلك الجهود – وهي لغة عاطفية ودعائية – اختلافا كبيرا عن اللغة التي استخدمت قبل 1952 . إلا أنه بعد 1952 كان الطلاب يتملقون بغرض إخماد نشاطهم المناوىء بينما كانوا في أغلب الأحوال يتملقون في ظل النظام الليبرالي لحثهم على العمل لصالح إحدى القوى السياسية المتنافسة . ولم تتردد حكومات ما بعد 1952 – في فترات التوتر الطلابي – في اتهام الطلاب بالتورط في أعمال التخريب أو التجسس لصالح قوى أجنبية . ولكنها كانت تجمع بين هذه الإفتراءات وبين محاولات استقطاب القيادات البارزة للحركة الطلابية بكافة الطرق على نحو ما كان يحدث أيضاً في ظل النظام الليبرالي .


وكان الخلاف الأساسي بين النظامين هو أنه في ظل النظام الليبرالي كانت الحركة الطلابية تمثل سلاحا مساعدا – وإن كان ذا حدين – للحكومات والأحزاب السياسية بينما كانت تعتبر فيما بعد 1952 بمثابة تهديد مباشر للنظام ككل . ففي ظل حكم عبد الناصر الذي اتهم بالمذهبية الصارمة ، اعتبر الاستيلاء الطلابي تهديدا للعقيدة الحاكمة ، باعتباره قد مثل بالفعل قدرا من الضغط من أجل التغيير السياسي . وفي عهد السادات الذي بدأ ليبراليا نوعا ما ، استمرت النظرة إلى الطلاب باعتبارهم تهديدا لأنهم قد وضعوا الشعارات الليبرالية للنظام أمام محك الاختبار فكشفوا عن حدود هذه الشعارات بوضوح . وحتى أولئك الذين كانوا في مواقع السلطة في عهدي عبد الناصر والسادات ، مثل الصحفي ورجل الدولة محمد حسنين هيكل والوزير الدكتور كمال أبو المجد اللذين حيذا أسلوبا مرنا لمعالجة النشاط السياسي الطلابي . (17) فقد شاركا لزملائهما نفس نظرة التوجس من النشاط الطلابي . هذا برغم معارضتهما التكتيكية لزملائهما المتشددين وما أبدياه من تحفظ في التعليق على تصرفات الطلاب .

وقد تأثر إحساس الطلاب بقوتهم الذاتية بعد 1967 بكونهم أصبحوا – عمليا – وحدهم في مواجهة السلطات القائمة وأنه حتى تلك السلطات قد اختارات في بعض الأحيان أن تشيد بجهودهم ، الأمر الذي أدى إلى اصدارهم لبيانات نخبوية صارخة فيتحدث البيان الصادر عن طلبة هندسة القاهرة إبان الانتفاضة الاطلابية في فبراير 1968 عن " فرض احترام الحريات على السلطة الحاكمة وخاصة إحترام قدراتكم ( الطلاب ) باعتباركم الطبقة القائدة والأكثر وعياً في هذا البلد " (18) كما طالب قرار صادر عن مؤتمر طلابي بكلية الصيدلة بجامعة الأسكندرية أثناء نفس الانتفاضة بأن تنقل توصيات الطلاب من الجامعة إلى الرئاسة مباشرة (19) كذلك كان الطلاب يستمتعون بالسخرية من مسئولي الحكومة كلما سنحت الفرصة للقاء بهم .

وأدى احساس العناصر الطلابية النشطة بوضعهم السياسي إلى ثقتهم في قدرتهم على لعب دور قيادي في التصدي لحل مشكلات بلدهم ، على أن الحركة الطلابية كانت تضم بالطبع بعض الطلاب الذين كانوا أكثر وظيفية في إحساسهم بما يمكنهم المساهمة به . ففي مقال بعنوان " ماهية الحركة الطلابية ؟ " كتب أحد الطلاب عام 1972 يقول : " إن الحركة الطلابية ليست شخصا أو آخر يمكن مراقبته ورصد تحركاته لتهدئتها ، ولكنها قضية تحرير الوطن .. وطالما بقيت القضية معلقة سيبقى الموقف قابلا للاشتعال والشرارة هي الجموع الطلابية ... إن الحركة الطلابية ليست اعتصامات ومظاهرات فتلك وسائل تعبيرية قد تلجأ إليها أحيانا الحركة الطلابية ، لكنه بشكل عام فإن الحركة الطلابية هي عقل عام يتسم بالديمومة وغير قابل للتصفية .... وتبقى الحركة الطلابية في مداها القصير صمام أمن ضد تصفية القضية الوطنية وفي مداها الطويل وعيا يحرك الوطن كله نحو التقدم وضد النيل من وجوده الحر " . (20)

وكانت محاولات الطلاب في النقد الذاتي تؤجل عادة لما بعد التخرج . وكان بعض الخريجين حين يواجهون حقائق الحياة الصعبة خارج حدود الجامعة يميلون لرسم صورة كئيبة للحركة التي كانوا متحمسين لها بشدة من قبل . فكما ذكر أحدهم : " إننا – نحن الشباب – نجامل أنفسنا حينما نصف ما قمنا به على أنه " حركة طلابية " ذلك أننا لم نستطع حتى الآن أن نبلور الصورة الكاملة للمجتمع الذي نريده . وسيظل التحرك الطلابي عاجزاً ما لم تجتمع الطلبة لتناقش بهدوء وموضوعية أساس مشكلة الإنسان المصري " . كما كتب عن مجلات الحائط الطلابية التي كان هو أحد محرريها : " من الملاحظ في مقالات مجلات الحائط في الجامعة جنوحها للنقد والهجوم فقط ، فلم يحدث أن كتبت مقالة تمدح قرارا أو موقفا لأي مسئول ، بل إنني لاحظت أن الطالب العادي لايهتم بقراءة المقالة إلا إذا وجد في عنوانها ما يثيره ويشفي رغبته في النقد والسب " . (21)


ولاشك أن الحركة الطلابية في مصر قد عجزت عن رسم صورة كاملة عن شكل المجتمع الذي تتطلع إليه ، وهي المهمة التي تتطلب على أى حال تعاون قاطع أعرض من المجتمع . لكنه في تلك الفترة كانت الحركة الطلابية تتحرك نيابةً عن قوى اجتماعية أخرى وليس في ارتباط معها . فلم يكن من الممكن أن يتم بحث مشترك لإحتمالات التنمية المستقبلية للمجتمع المصري جدياً ، وأن يعمل الطلاب سياسيا في تناغم مع عمل التنظيمات السياسية في البلاد عموماً ، إلا حين تكون القوى الاجتماعية المختلفة قد طورت وعيها الخاص وأنشأت تنظيماتها المستقلة ، وهو ما بدأت بوادره بعد ذلك مع تجربة التعددية السياسية .

ومع ذلك فهناك انتقاد أكثر متانة يمكن توجيهه إلى الطلاب . وهو يتعلق بالسطحية التي كانوا يناقشون بها مشكلات البلاد ، وما ترتب عليها من تشدد في نشاطهم الدعائي . لكنه هنا – أيضا – يعكس الطلاب إلى حد كبير المناخ السياسي في البلاد ككل : غياب التقاليد الديموقراطية في الجدل والنقاش ؛ والرفض العميق – عمليا إن لم يكن نظريا دائما – للتعاون بين مختلف الأيدولوجيات . وبلغ الأمر أن اعتبر الأصوليون الإسلاميون زملاءهم الماركسيين عملاء لدول أجنبية ، مثلما أرجعت سلطات الدولة النشاط الطلابي – أحيانا – إلى المحاولات

الأجنبية للتخريب والتجسس ، بينما لم يتردد رئيس الدولة في استخدام أكثر الكلمات بذاءة في قاموس اللغة العربية لوصف بذاءة منتقديه سواء من الطلاب أو من غيرهم .

ولا يمكن النظر إلى الديماجوجية والتسطيح الفكري اللذين اتسم بهما العديد من عناصر الحركة الطلابية ، بل وحتى حقيقة أن الكثير من الطلاب لم يكونوا في وضع يسمح لهم بتكوين وجهة نظر حول ما يجري في البلاد ، بمعزل عن الجهود الرسمية طيلة سنوات لاحتواء الحركة الطلابية وإفراغها من محتواها السياسي ، والأساليب والمناهج التعليمية التي لا تشجع على البحث والتفكير المستقل (22) ، وكذلك الصحافة الرسمية التي كانت في الغالب دعائية أسلوبا ومحتوى .

لقد لعبت الحركة الطلابية المصرية بالأساس كقوة سياسية اجتماعية في الفترة ما بين 1967 و 1973 دور عنصر الضغط على السلطة الحاكمة من أجل استعادة كرامة البلاد باسترداد أراضيها المغتصبة . وفي هذا الصدد – على الأقل – تمتع الطلاب بالتأييد الوجداني للأغلبية الصامتة سياسيا من الشعب . كما أبرزت عملية إعادة البناء القومي ، التي فرضتها هزيمة 1967 ، الحاجة إلى الديموقراطية السياسية . وهنا أيضا لعب الطلاب دورا رائدا في تشجيع الحركة الديموقراطية للقوى الاجتماعية الأخرى خاصة الطبقة المتوسطة التي يشكلون جزءا أساسيا منها . وبذلك فقد قدمت الحركة الطلابية إسهامات مؤثرة فيما وقع من تغيرات كبرى في هيكل النظام السياسي تدريجيا بعد حرب يونيو 1967 وبصورة أسرع في أعقاب حرب أكتوبر 1973 .


الهوامش:

(1)Malcom kerr , Egypt,in : James S.colsem (ed.) Education and Political Development (Princetion Univeristy press, 1965 ) ,p.190.

(2) وائل عثمان ، أسرار الحركة الطلابية – كلية الهندسة 1968- 1975 ( مطابع مدكور القاهرة 1976 ) ص 45 . وفي لقاء تم عام 1969 بين وزير الشباب د.صفي الدين أبو العز ووفد من كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة ، أشار الوزير إلى أن عدد السيارات المركونة بجوار كلية الهندسة أكبر منها بجوار أي كلية أخرى ، الأمر الذي يبرهن على الوضع الطبقي لطلاب الهندسة .

(3) المرجع السابق ص 39- 40 .

(4) وفقاً لما كتب جمال مجدي حسنين ، فإن الصراع بين " البرجوازية البيروقراطية " و " البرجوازية الصغيرة في المدن " قد انعكس على الحركة الطلابية خاصة بعد 1967 . انظر ؛ جمال مجدي حسنين ، البناء الطبقي في مصر 1952 - 1970 ، ( دار الثقافة للطباعة والنشر ، القاهرة 1981 ) ص 136 .

(5) سعد الدين إبراهيم " استقصاء لآراء الشباب المصري في أمريكا حول حرب تشرين ، دراسات عربية العدد 9 يوليو 1974 ، ص 11 .

(6) في اجتماع لمجلس الوزراء يوم 24 مارس 1968 برر عبد الناصر لوزارئه تعيين الكثير من ضباط الجيش في وظائف مدنية ودبلوماسية ، الأمر الذي أثار العديد من الانتقادات باعتبارها عملية لا مفر منها بسبب "حوادث أمنية " داخل الجيش . كما ذكر عبد الناصر إنه " من المهم دائما أن تكون الحسابات سليمة بالنسبة للقوات المسلحة . وأن يكون الرأي العام للقوات المسلحة مقتنعاً وراضياً ، ولا ننسى أن الذي يريد ضرب النظام سيضربه عن طريق القوات المسلحة " . ( عبد المجيد فريد ، أوراق عبد الناصر السرية ، مجلة 23 يوليو ، العدد 13 أغسطس 1979 ) .

(7) وفقاً لما ذكر وزير التعليم العالي عام 1968 ، د. عبد الوهاب البرلسي ، فإن مجموعة من مجلس وزراء عبد الناصر ( تضم وزراء جامعيين ، إلى جانب وزير الداخلية ورئيس المخابرات وغيرهم ) كانت تعقد اجتماعا دوريا في شهر سبتمبر قبل بدء العام الجامعي بقليل تتدارس فيه الأحوال السياسية وانعكاساتها على شباب الجامعة . ( روزاليوسف 29 سبتمبر 1975 ) . (8) خطابان للرئيس السادات ، الأخبار 31 يناير 1977 والأهرام 6 سبتمبر 1981 .

(9) مقابلة مع د. أحمد كمال أبوالمجد .

(10) ورد في موسى صبري ، وثائق حرب أكتوبر الطبعة الأولى ( المكتب المصري الحديث القاهرة 1974 ) ص 116 .

(11) الأهرام 1 مارس 1968 .

(12) في تغطيتهما لأحداث الطلاب في مصر عام 1972 كتب " ويليام دلفورس " و " ريتشارد جونز "من " الفاينانشيال تايمز " : " يجب منح اهتمام أكثر جدية للجيش خاصة ال 70000 طالب الذين انضموا إليه أو جندوا فيه منذ حرب 1967 . وبالنسبة لسلك الضباط فقد شكلوا فيه جماعة بالفعل . وقد أرسل الرئيس السادات اللواء صادق للتحدث إلى القوات على جبهة القتال في إجازة الأسبوع ومن المتوقع أن يقوم بذلك شخصيا في الأسابيع القليلة القادمة . وحيث إن الكيل قد فاض فهو لن يمكنه أن يخاطر " ( Financial Times,26 Jan1972) وكانت هناك شائعة في ذلك الوقت بأن الفريق صادق هو الذي دفع السادات لاتخاذ قرار إنهاء اعتصام الطلاب بواسطة الشرطة ليتفادى تهديد الفريق باستخدام الجيش لهذا الغرض .

(13) غالي شكري ، الثورة المضادة في مصر ( دار الطليعة ، بيروت 1978 ) ص 109 .

(14) المرجع السابق - انظر أيضا : مصطفى كامل السيد ، المجتمع والسياسة في مصر – دور جماعات المصالح في النظام السياسي المصري 1950- 1981 ، دار المستقبل العربي القاهرة 1983 ، ص 30- 46 .

(15) في معرض دفاعه عن نفسه ضد تهمة الانحياز إلى جانب الطلاب ، أوضح أحد التنظيمات الماركسية وجهة النظر التالية : " إن علاقتنا بالحركة الطلابية تعود إلى الوقائع والأسس التالية :

- أهميتها السياسية الكبرى فهي لا تركز على المطالب النقابية والاقتصادية بل تعطي كل طاقاتها تقريبا للقضية الوطنية وقضية الحريات والحقوق الديموقراطية .

- وهي لذلك تقوم بدور مباشر فعلي لم تكن الحركة العمالية تقوم به في مجال المقاومة السياسية المستميتة لخط السلطة الطبقية في القضية الوطنية ، خط الردة والاستسلام والخيانة والكارثة .

- وقيامها بهذا الدور يعني دورها المباشر في إيقاظ الطبقة العاملة وبقية الطبقات الشعبية على القضية الوطنية في علاقتها الوثيقة بقضية الحريات الديموقراطية ، فهي حركة لا تحتفظ بمواقفها السياسية داخل أسوار الجامعة .

- ولأن الحركة الطلابية تدور في الوضع الانتقالي الذي تمثله الدراسة الجامعية فإن طاقاتها الكامنة لا تقف بها عند دورها المباشر في مقاومة الكارثة الوطنية وفي إيقاظ شعبنا على ضرورة مقاومتها بل تمتد إلى عمليات أوسع نطاقاً بانتقال العناصر التي تنصهر داخل هذه الحركة الوطنية الديموقراطية بعد التخرج إلى مختلف القطاعات والطبقات في المجتمع حاملة معها مواقفها المتماسكة في أخطر قضايا بلادنا " ( الشيوعي المصري العدد 11 يوليو 1976 ) .

وقد حثت نفس المنظمة عناصرها النشطة على الاهتمام أكثر بطلاب المدن الجامعية الذين جاءوا أساسا من أفقر الشرائح الفلاحية حيث حذرت في تقرير آخر من أنه " لضعف حركتنا بينهم ولتأثير مناخ المدينة عليهم فإنهم يلجئون للاغتراب والهروب حيث تتلقفهم الجماعات الدينية ... " ( تقرير حول المهام الملحة للحركة الطلابية في مصر ، في : مجموعة من المناضلين المصريين ، الحركة الوطنية الديموقراطية الجديدة في مصر – تحليل ووثائق ، دار ابن خلدون للنشر ، بيروت 1973 ، ص 84 ) . ومنذ هذه الفترة أصبح هذا الأمر ملحوظا مع انتشار تيار الأصولية الإسلامية بين القيادات الطلابية .

(16) كان المسئولون يشيدون بالطلاب باعتبارهم " الطليعة الواعية للأمة " و " عدة المستقبل " و " الأمناء على البلد " وما شابه ذلك ( انظر ، على سبيل المثال : تقرير حول مناقشة برلمانية ، الأهرام 28،29 فبراير 1968 ) . وبالنسبة لأولئك الذين كانوا متعاطفين مع الحركة ، كانت الإشادة أكثر مبالغة . فراح نقيب المهندسين يقول إن " مجلس الشعب والإتحاد الإشتركي لا يمثلان الأمة كما يمثلها الطلاب " ( محضر الإجتماع بين الأمين العام للإتحاد الإشتراكي وبين ممثلي النقابات المهنية ، 1972 . في ؛ الانتفاضة الطلابية في مصر يناير 1972 ، دار ابن خلدون ، بيروت 1972 ، ص 117 ) .

(17) كتب هيكل عام 1968 يقول إنه بعد مناقشات مستفيضة مع الشباب شعر أنهم " يستحقون التعامل بأسلوب أعمق وأكثر فهماً " كما شعر أنهم " يحتاجون إلى أن يلمسوا حقائق أكثر صراحة بأديهم بدلاً من أن يسمعوا شعارات عالية تصم آذانهم " ( الأهرام 1 مارس 1968 ) كما أفاد د. أبو المجد بدوره أنه حاول مع آخرين التعامل مع أحداث الطلاب عام 72 – 1973 " بشكل سياسي بهدف الحفاظ على حق الطلاب في التعبير والتنظيم كضرورة حيوية تبرز التغاضي عن بعض التجاوزات كثمن لتحقيق هذا الهدف ( مقابلة ) .

(18) ورد في وائل عثمان ، أسرار .. ص 28 .

(19) محمد عبد السلام ، سنوات عصيبة – مذكرات نائب عام ، الطبعة الثانية ( دار الشروق – القاهرةمايو 1975 ) ص 126 . والمقتطفات التالية مؤخوذة من بيان طلابي صدر أثناء انتفاضة يناير 1972 : ليفهم هذا الجميع .. أن شباب الجامعة حين يتكلمون فإنه من الواجب أن يوضع في الاعتبار النقاط التالية :

أولا ً : إن شباب الجامعة هم طليعة المجتمع ، وهم أقدر الناس على تحليل الأمور ومعرفة مصلحة الوطن .

ثانيا : إن شباب الجامعة لا ينتمون لفئة معينة بل هم أنقى وأشرف الشرائح المعبرة عن تحالف قوى الشعب .

ثالثا : إن شباب الجامعة لا تحكمهم نوازع شخصية ولا يطمحون في كسب رخيص ولا يتطلعون إلى طبقة أرقى ولكنهم لا يريدون إلا مصلحة الوطن أولاً وأخيراً .

رابعا : إن شباب الجامعة شباب متزن واع ٍ قادر على تحليل الأمور بموضوعية بعيداً عن التعصب والعصبية .

خامساً : إن شباب الجامعة يشعر أنه حارس على مصالح الجماهير .. ( في : الانتفاضة الطلابية في مصر ، ص 73 . 74 )

وقد أصدرت هذا البيان لجنة النشاط السياسي والثقافي باتحاد طلاب جامعة عين شمس ، وهو يعكس وجهة نظر متعاطفة مع حكم عبد الناصر ، وقد يكون مقرر اللجنة محمد أحمد حسيب هو الذي قام بصياغته إلا أنه يعكس أيضا نوعا من الإحساس بقيمة الذات لدى الطالب المتوسط .

(20) مذكرة الأمن ، وتحقيق النيابة مع المتهم الأول في القضية رقم 902 لسنة 1972 .

(21) وائل عثمان ، أسرار .. ص 162

(22) في بحث أجراه د. سيد عويس عام 1975 اتضح أن 33% فقط من الطلاب هم الذين لديهم مكتبات خاصة . وكانت هواياتهم كالتالي : 36.8 % قراءة الروايات والقصص ، 9.2 % المسرح ، 5.2 % الفنون الجميلة . (سيد عويس ، الشباب المصري والثقافة ، الأهرام 7 ديسمبر 1981 ) .

قسم إضافي: (ما بعد 1973)

ترجم هذا القسم عن المخطوطة الأصلية لا عن الطبعة الانجليزية التي اختصرت فيها المخطوطة .

عقد من النشاط الطلابي (1974 – 1984)

نشأ النشاط الطلابي العارم في مصر في ظل نظام ثورة 1952 مع انتفاضتي 1968 وتدعم بانتفاضتي 72-1973 . وبينما سجلت آثار حرب 1967 بداية تفجره ، شكلت حرب أكتوبر 1973 نقطة تحول في مسار النشاط الطلابي . فبعد فترة هدوء وجيزة في الجامعات المصرية تجددت إرهاصات نشاط ما قبل الحرب واستمرت على مدى معظم سنوات العقد . وظلت مسألة تحرير الأراضي المصرية والعربية التي احتلتها إسرائيل جوهر المطالب الطلابية . وأدى التحول في أسلوب معالجة النظام لهذه القضية القومية باتجاه إجراء تسوية مع إسرائيل ، وكذلك التغير الذي حدث للنظام اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً بانتهاجه لسياسة الانفتاح الاقتصادي والسياسات الموالية للغرب ، إلى إفراز نوع من النشاط الطلابي متميز بالانقسامات الأيديولوجية الحادة والواضحة داخل الكتلة الطلابية .

واتسع حجم الكتلة الطلابية اتساعاً ضخماً وانتشرت في أرجاء البلاد بسبب إقامة عدد من الجامعات الإقليمية. (1) حيث اتبعت الحكومة سياسة فتح أبواب التعليم العالي أمام أعداد متزايدة من الطلاب وتوضح المؤشرات التالية مع بداية العام الدراسي 83/1984 ، صورة التعليم الجامعي عند نهاية العقد :

- نصف مليون طالب جامعي.

- 86 ألف طالب جديد بالجامعات .

- 142 كلية في 13 جامعة.

- 370 مليون جنيه موازنة الجامعات .

- 585 مليون جنيه لاستثمارات التعليم العالي في الخطة الخمسية .

- 36 ألف عضو هيئة تدريس .

- تعيين من 7 إلى 8 آلاف مدرس ومدرس مساعد ومعيد .

- 1 : 19 نسبة المدرس إلى الطالب كمتوسط عام .

- إسكان جامعي ل 50 ألف طالب .

- 2 مليون جنيه من بنك ناصر للقروض الطلابية . (2)

وبالمقارنة مع بداية العقد يتضح أن معظم هذه المؤشرات قد تزايدت بأكثر من الضعف على مدى الفترة المذكورة . (3) ومع هذا فكثيرا ما تعرضت جوانب معينة من سياسة التعليم العالي والتعليم ككل إلى انتقادات الطلاب والأساتذة على السواء . فمع نهاية الفترة كانت سياسة إلحاق كل خريجي الثانوية العامة بالتعليم العالي وهي السياسة التي كانت متبعة تقليديا ، قد بدأت تتقلص عندما فرضت الحكومة أسلوب تجميد أعداد المقبولين بالجامعات . فبينما وافقت الجامعات على قبول ثمانية وثمانين ألف طالب جديد في العام الدراسي 84/1985 ، خفض المجلس الأعلى للجامعات الرقم إلى واحد وثمانين ألفاً . (4) الأمر الذي اعتبره معارضو الحكومة سياسة غير مدروسة ولا تأخذ في الحسبان احتياجات البلاد الفعلية من خريجي الجامعات.(5)

وكانت بعض السياسات والممارسات الحكومية الأخرى المتعلقة بالتعليم الجامعي موضع انتقاد أيضا . مثل استثناء بعض أبناء بل وأحيانا أقارب فئات معينة مثل الشهداء وأعضاء هيئة التدريس من شرط الحصول على الدرجات المطلوبة للالتحاق بكليات معينة في الجامعة . (6) فقام أحد المواطنين برفع دعوى قضائية ضد هذه السياسة وصدر الحكم بإلغاء هذه الاستثناءات باعتبارها غير دستورية . (7)

وأصبح وضع هيئة التدريس في الجامعات المصرية قضية تقليدية (8) تثار فيها مسألة عدم كفاية أعداد الأساتذة ، وتدهور مستواهم العلمي وانخفاض قدرتهم على البحث . (9) وظروفهم المعيشية التي تدفع البعض منهم إلى الهجرة من البلاد ، بينما لجأ البعض الآخر إلى الانخراط في محاولة تحقيق الكسب عن طريق التجارة في الكتب المقررة التي يؤلفونها ، أو إعطاء الدروس الخصوصية مقابل مبالغ كبيرة لأعداد كبيرة من الطلاب ، (10) وأخيرا ظهور بعض الممارسات الفاسدة بين صفوفهم مثل تسهيل نجاح بعض الطلبة غير المستحقين له ، (11) وترجمة أو نقل بعض المراجع العلمية دون إشارة إلى المصدر. (12)

وكان الطلاب هم الذين يتحملون عواقب تخصيص موارد محدودة للتعليم العالي ، وكذلك السياسات والممارسات السائدة . حيث عانوا من مشكلة حادة تتعلق بمسألة الكتاب المقرر (13) الذي أصبح استمرار اعتباره المصدر الأول للتعليم في الجامعة يلقي في حد ذاته بظلال من الشك حول نوعية التعليم الجامعي .

وكما يوضح أحد أساتذة الجامعات فإن الجامعات المصرية ليس بإمكانها سوى " تخريج جيل قادر على التقليد والطاعة " . (14) وقد أرجع ذلك إلى القيود على النشاط الطلابي المستقل سواء كان أكاديميا أو سياسيا بقدر ما أرجعه إلى أحوال هيئة التدريس وأسلوب التعليم بالكتاب المقرر والمحاضرات الرسمية.(15) ولذلك فليس من المستغرب أن 63 % من المستجيبين في عينة بحث تشمل ألف طالب جامعي يعتبرون أن التعليم العالي في البلاد " على حافة هاوية ". (16) وفي بحث آخر أجرى على خمسة آلاف طالب حول الهدف من الدراسة الجامعية أجاب 47.7 % من المستجيبين بأن الهدف هو الحصول على " الشهادة وأكل العيش " 20.2 % " الحصول على مركز أعلى " . بينما أجاب 27.2 % أنه " الإهتمام بنوع الدراسة ". (17) وكان تقييمهم العام للتعليم الجامعي أنه سيء بلا شك : (18)

- يمكنه تخريج أجيال واعية مثقفة 12.8 %

- يمكنه تربية جيل قادر على تحمل المسئولية 11.4 %

- يمكنه تنمية الوعي السياسي لدى الطلاب 6 %

- يراعي احتياجات المجتمع الحقيقية 18.4 %

- يحتاج لتطوير (19) 82.8 %

واستمر انخفاض قدرة الطلاب على المبادرة لاكتشاف المعرفة سائداً طيلة ذاك العقد كما كان الحال من قبل. (20) وذكر 94 % من المستجيبين في الاستطلاع السابق أنهم يقرأون المجلات الأسبوعية والشهرية ، ويقرأ 38.8 % الصحف اليومية ، بينما ذكرت نسبة مروعة منهم تقترب من الصفر أنها لا تقرأ صحف الأحزاب أو كتبا سياسية جادة خارج المقرر. (21) وبالنسبة للموضوعات التي يفضلون قراءتها ذكر 96.8% أنهم يقرأون الموضوعات الرياضية ( 52 % يهتمون ببرامج الرياضة في الإذاعة والتليفزيون ) في مقابل 38 % يقرأون الموضوعات السياسية ( 20 % للبرامج السياسية في الإذاعة والتليفزيون ) .(22)

ويقدم استطلاع رأي آخر صورة أكثر تفاؤلا فيما يتعلق بالقراءة ( حيث 61 % يفضلون القراءة ) ولكن تظل الموضوعات السياسية في أدنى قائمة التفضيلات ( حيث يقرؤها 17 % من العينة في مقابل 28 % يقرأون الموضوعات الدينية ، 26 % يقرأون الموضوعات العلمية والثقافية ) .(23) وبالنسبة للإذاعة والتليفزيون (يتابعهما 56 % من المستجيبين بانتظام و 36 % يتابعونهما أحيانا ) يفضل 46 % البرامج الدينية و 35% البرامج الترفيهية ، وحصلت كل من الموسيقى والسياسة على تفضيل 25 % منهم . (24) وقد أعرب المستجيبين في البحث السابق عن عدم ثقتهم بوجه عام في وسائل الإعلام : (25)

- وسائل الإعلام لا تقوم بدورها في التوعية السياسية 50.4 %

- حيز إهتمامها بمشكلات الشباب غير كافٍ 66.6 %

- الموضوعات المنشورة لا تعبر عن مشكلاتهم وإحتياجاتهم 93.8 %

وفي الاستطلاع الأخير ذكر 33 % فقط أنهم يستمعون إلى " إذاعة الشباب ". (26) وعلق أحد الطلاب في بحث ثالث أجرته مجلة "صباح الخير " : " إن الصحافة المصرية لا تهتم حقاً بمشاكل الشباب ولكنها تتسلى بها ".(27)

ومع كل ما يكتنف نظام التعليم الجامعي من مساوىء فإن نقاده يدافعون عنه بشدة عندما يواجهون باحتمال تغيير القاعدة الأساسية للالتحاق بالتعليم الجامعي ألا وهي تكافؤ الفرص ، حيث المعيار الوحيد للالتحاق بالجامعة هو مجموع الدرجات التي يحصل عليها الطالب في امتحان الثانوية العامة من ناحية ، ومجانية التعليم من ناحية أخرى.

حيث طرحت مقترحات مضادة تنادي بإقامة الجامعة الأهلية ذات المصروفات الخاصة ، تبناها مؤيدو الاقتصاد الحر ، الذين يرغبون في أن تمتد مبادئه لتشمل مجال التعليم . وكانوا قد طرحوا مقترحاتهم تلك منذ 1973، (28) ثم تراجعوا عنها سريعا في مواجهة الضغط الشعبي ، ويأمل أن تسنح فرصة أكثر مواءمة . ومن ثم ظهر مشروع إنشاء جامعة خاصة مرة أخرى قبيل نهاية عصر السادات ولكنه جمد للمرة الثانية. (29) وطرح المشروع مؤخرا للمرة الثالثة وظل مطروحا بمساندة من داخل النظام ، في مواجهة مقاومة المثقفين المتشككين في التعليم الخاص بوجه عام . (30)

وبينما كانت الحكومة قد قررت أن تمضي في تنفيذ تقييدها لأعداد المقبولين بالجامعات ، كان تبنيها لمشروع بإقامة جامعة خاصة ينذر بإثارة مقاومة واسعة النطاق لما سيترتب على مثل هذا المشروع من عواقب اجتماعية ، تتمثل في منح فرصة أفضل في التعليم العالي لأبناء وبنات القطاعات الميسورة من السكان . ويعتبر الموقف المتباين الذي اتخذه الكثيرون من الجامعة الخاصة الوحيدة في مصر – وإن كانت أجنبية – وهي الجامعة الأمريكية بالقاهرة أحد المؤشرات في هذا الصدد. (31)

وسواء أدخل التعليم الجامعي الخاص إلى مصر أو لم يدخل تبقى حقيقة أن الطبقة المتوسطة تحظى بنصيب الأسد في نظام التعليم الجامعي الحالي . وفي البحث السابق ذكره والذي أجري على طلاب كلية الآداب بجامعة القاهرة تم تصنيف طلاب العينة طبقيا كالتالي : 13.6 % أغنياء ، وينتمي 72.8 % إلى الطبقة المتوسطة بينما 10.6% من أصول أقل من المتوسطة وأصول فقيرة .(32) وإن كان ذلك لا ينفي حقيقة أن العديد من طلاب الجامعات المنتمين إلى الطبقتين المتوسطة الدنيا والفقيرة يعانون أثناء دراستهم الصعوبات المادية والمالية . بصرف النظر عن تكاليف المواد التعليمية مثل الكتب المقررة وما إليها وتبقى المشكلة الحادة الخاصة بتكلفة المعيشة في المدن من سكن ومواصلات كما أنه من المعروف أن تكاليف حسن المظهر تعتبر مشكلة أيضا خاصة بالنسبة للطالبات.(33)

كما كان الطلاب يعيشون في قلق بشأن فرص تعيينهم بعد التخرج . ففي حين تستطيع قلة منهم أن تحقق نجاحا في سوق العمل الحر ، خاصة من العمل لدى الشركات الأجنبية كانت أغلبية خريجي الجامعات تعتمد على الحكومة في الحصول على الوظيفة – بما في ذلك خريجو الكليات المرموقة مثل الطب والهندسة (34)- وهو الدور الذي ظلت الحكومة ملتزمة به نظريا برغم الحديث المتكرر عن ضرورة إلغائه وما حدث من تغير فعلي في إجراءاته إلى الحد الذي يساوي إلغاءه جزئيا.(35) كما أن مجرد انتظار الوظيفة الحكومية يعتبر عملا مزعجا بالنسبة لأولئك الذين لا يؤدون الخدمة العسكرية ( مثل الفتيات والشباب الذين تم إعفاؤهم لأسباب أسرية أو صحية ) . وكذلك فإن قانون " الخدمة العامة " الذي طبق منذ عام 1973 على هؤلاء لا يزال محل تهكم الخريجين الذين يعتبرونه مجرد خدعة تشغلهم وتعوقهم عن البحث بأنفسهم عن وظائف.(36) وفي ظل اقتصاد السوق الحر الذي يتيح للقلة ثراء سريعا ولا يتيح تلك الفرصة للأغلبية أصبحت الهجرة من البلاد كلية بمثابة السحر الذي يبريء من كل العلل.(37) ففي البحث الذي أجرته مجلة " صباح الخير" أعرب ما لا يقل عن 77.5% من طلاب العينة عن رغبتهم في الهجرة. (38)

وبرغم أن هذه الظروف المعيشية والتعليمية كانت سببا في شكوى الطلاب ودافعا لوقوع عدد من الإضرابات الطلابية بهدف تحسين أوضاعهم المهنية والوظيفية المستقبلية ،(39) فهي لم تكن سوى الجذور التي أفرزت السيكولوجية النضالية للحركة الطلابية في الفترة محل البحث بينما ظلت القضايا الوطنية والنظام الاجتماعي – السياسي للبلاد ككل بمثابة المحرك الرئيسي للنشاط السياسي الطلابي . لكنه على العكس من الفترة السابقة ، لم يبلغ هذا النشاط حد " الانتفاضات " أو " اللحظات الدرامية " (40) فقد اتخذ شكل التيار الثابت للنشاط الطلابي اليومي داخل الجامعات مع وجود بعض فترات التصعيد .

وفي أعقاب حرب أكتوبر 1973 كان الطلاب هم الذين أدركوا مبكرا تحول سياسة النظام باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية في بحثه عن التسوية في الشرق الأوسط، (41) الأمر الذي صاحبه تغير في النظام الاقتصادي

والسياسي مما دفع الطلاب إلى اتخاذ مواقف أيدولوجية أكثر وضوحا تربط بين القضية الوطنية والقضية الأوسع الخاصة بالنظام الاقتصادي والسياسي للبلاد.

وهكذا ظهرت خمسة تجمعات طلابية داخل الجامعات اليسار الراديكالي بتوجهه الماركسي العام الذي احتفظ بنشاطه السابق واليسار الناصري النامي ، والأصوليون الإسلاميون الذين جمعوا صفوفهم في مواجهة الآخرين ثم سيطروا بعد سنوات على الجامعة ثم اليمين الأيدولوجي الذي رحب بالتوجه الجديد للنظام ، ولكنه كان يتطلع إلى المزيد وكذلك مؤيدو النظام الذين كانوا يستغلون " انتصار" أكتوبر في حملاتهم الدعائية ، برغم إفتقارهم للتنظيم بسبب فشل النظام في إعادة إدخال تنظيمه الشبابي ( منظمة الشباب الإشتراكي ) إلى الجامعات .(42) وكانت القضايا المتعلقة بسياسات النظام الموالية لأمريكا ، والانفتاح الاقتصادي ونظام تعدد الأحزاب ، من بين القضايا التي برزت في برامج هذه التجمعات وتركز الجدل في الجامعة حولها. (43) وظل القطبان النقيضان في الساحة الأيدولوجية والنشاط النضالي هما اليسار الراديكالي والأصوليين الإسلاميين. وقاد اليسار الراديكالي المعارضة لاتصالات النظام مع الولايات المتحدة في الفترة التالية مباشرة لحرب أكتوبر .(44) ولكن لم يكن من السهل عليه في مثل تلك الفترة المبكرة أن يضمن تأييد الجماهير العريضة من الطلاب نظراً لنشوة الانتصار التي كانت غالبة. فلم يتمكن الإتجاه اليساري من اكتساب تأييد طلابي أوسع إلا بعد أن أصبحت " الاتصالات " تعبيراً أوضح عن " سياسة " أشمل موالية للغرب . ووقعت أحداث أخرى أثارت تذمر الطلاب مثل القبض على عدد من الطلاب في بورسعيد ( يناير 1974 ) ، ومظاهرات عمال حلوان في وسط القاهرة ( يناير 1975 ) فأصبحت جامعة القاهرة مسرحا لنشاط متصاعد طيلة ثلاثة أشهر(45) .

وكان اليسار أيضا هو الذي أصر على المطالبة بالاعتراف بحق التنظيم المستقل داخل الجامعات (46). وقد تحقق قدر من النجاح لليسار عندما أقر اتحاد الطلاب الرسمي هذا الحق وفي عام 1975 أنشىء بجامعة القاهرة نادي الفكر الإشتراكي التقدمي (47). واستمرت " جماعة أنصار الثورة الفلسطين ية " بهندسة القاهرة في القيام بدور نشط في هذا المنبر الجديد ، وكان منها رئيسه أحمد بهاء الدين شعبان . ويؤكد البرنامج الوطني الديموقراطي لنادي الفكر الإشتراكي التقدمي (48) على ثلاثة محاور لنضاله : محور الصراع الديموقراطي ، ومحور الصراع في القضية الوطنية ، ومحور الصراع الاجتماعي . كما يعدد بشيء من التفصيل المقترحات اليسارية التي تطالب بتغيرات بعيدة المدى تمتد من تغيير نظام التعليم إلى تغيرات تتعلق بالجيش . وصدر عن النادي بيانان ينمان عن موقف حازم ، أحدهما شارك في التوقيع عليه بعض الجماعات والأسر بالإضافة إلى النادي وهو بعنوان " طبقة المليونيرات هي السبب الرئيسي لمجاعة الشعب وليس الحرب " . والثاني " لا لسياسة الاستسلام وتجويع الشعب " (49)

ومن ضمن أنشطة نادي الفكر الإشتراكي التقدمي أقيم احتفال بيوم الطالب العالمي المصري في 21 فبراير استمر حتى يوم شهداء الحركة الطلابية في الرابع من مارس ، ودعى لحضوره قيادات من الحركة الطلابية القديمة (50) . كما عقد لقاء لمناصرة الثورة الفلسطين ية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة من 12-15 يوليو 1976 دعى إليه بعض ممثلي المنظمات الفلسطين ية ، وتشكلت في نهايته لجان لمناصرة الثورة الفلسطين ية والقوى الوطنية والتقدمية في لبنان (51).

أما الحدث المهم الذي كان من المقرر أن يجمع بين " نادي الفكر الإشتراكي التقدمي " و " نادي الفكر الناصري" الذي أنشىء بجواره ، والتجمع الأصولي " الجماعة الإسلامية " فكان : " أسبوع الجامعة والمجتمع" في نوفمبر 1976 (52) . وقد قبل ممثلو الأحزاب المنشأة حديثا الدعوة الموجهة إليهم للتحدث إلى الطلاب في هذا الأسبوع باستثناء حزب الحكومة.(53) وفي حين انسحبت الجماعة الإسلامية من المشاركة في الأسبوع فإن نادي الفكر الإشتراكي التقدمي ونادي الفكر الناصري قاما بالعمل في هذا الأسبوع بصورة مشتركة ، وهي محاولة شكلت نقطة تحول في العلاقة المتوترة بين الفصائل الماركسية والناصرية للحركة الطلابية ، كما بعثت الأمل في بناء جبهة أعرض لليسار (54) .

ومع نهاية هذا الأسبوع أصدر المشاركون فيه " وثيقة نوفمبر " التي أكدوا فيها على مطالب الطلاب التي تتضمن رفضا لتحديد الأحزاب السياسية المسموح لها بالعمل في البلاد بثلاثة فقط ، والدعوة لإلغاء القوانين المقيدة للحريات السياسية ورفض سياسة الانفتاح الاقتصادي ، ورفض السياسات الاستسلامية ، وكذلك رفض السلطات الزائدة على الحد المخولة لرئيس الجمهورية وهي المطالب التي وصفتها مجلة " روزاليوسف " " بالتوابل السياسية" .(55) ونتج عن هذا الأسبوع قرار بتوصيل هذه المطالب إلى البرلمان عبر مسيرة تخرج مباشرة من الجامعة وبينما اعترض نادي الفكر الناصري على التوقيت قرر نادي الفكر الإشتراكي التقدمي الخروج بالمسيرة، التي بدأت بألفين من الطلاب وانتهت بمئتين وفقا لرواية الصحف الرسمية ومن ثم فشلت في كسب تأييد الشارع (56). وبالرغم من أن البوليس لم يتدخل هذه المرة (57) . إلا أن الصحافة الرسمية شنت هجوما على المسيرة ربما باستثناء مجلة " روزاليوسف " .(58)

وهنا يكمن نجاح المسيرة التي نجحت – طبقا لما كتبت روزاليوسف – في كشف موقف الصحافة العدائي من الحركة الطلابية .(59) كما شن الرئيس السادات بنفسه هجوما آخر على المسيرة في أعقاب مظاهرات الخبز في يناير 1977 ، حيث اعتبر مسيرة نوفمبر هذه بمثابة تحضير لمظاهرات يناير ووصف المشاركين فيها بأنهم "شرذمة" (60) ونتج عن القمع الذي مورس ضد اليسار عقب انتفاضة يناير 1977 أن ضعف موقفه كما خسر موقع القيادة داخل الجامعات وهو الموقع الذي تولاه فيما بعد بعض الأصوليون الإسلاميون.

ظهرت الأصولية الإسلامية في الجامعات المصرية في كلية الهندسة بجامعة القاهرة في خضم انتفاضة 72-1973 التي كان يتزعمها اليساريون حيث أعطى اللقاء الذي تم في منتصف مايو بين بعض قيادات الأصولية الإسلامية وبين دوائر حكومية معينة ، دفعة أولية للأصولية في الجامعات المصرية خاصة في هندسة القاهرة ، حيث تشكلت جماعة " شباب الإسلام " ثم في جامعة أسيوط . وقد أدى الدور الذي لعبه " محمد عثمان إسماعيل" أمين التنظيم بالإتحاد الإشتراكي العربي ومحافظ أسيوط فيما بعد ، والذي حفز أسلوب استخدام الجماعات الأصولية لمحاربة اليسار، إلى وصم هذه الجماعات منذ البداية بالعمالة للحكومة (61). إلا أن انتشار الأصولية الإسلامية على نطاق واسع وما تلاه من صدام بين الأصوليين وبين حكومة السادات يدعو لتناول مختلف لهذا التيار لا يكتفي بالتوقف عند الجذور الانتهازية لبعض عناصره (62).

وقد بدأ الأصوليون في تقوية مركزهم في الجامعات المصرية تدريجيا منذ 1974 (63) . وفي عام 1976 أصبحوا يشكلون أحد التيارات الثلاثة الرئيسية داخل الحركة الطلابية التي تعارض النظام على أسس أيديولوجية واضحة . وأصبحوا فيما بين عامي 1977 و1981 القوة المسيطرة علي الحركة . وقد خططوا للفوز بنسبة كبيرة من مقاعد اتحاد الطلاب في الانتخابات التي أجريت في العام الدراسي 78 / 1979 وهي الانتخابات التي اكتسحوها بالفعل (64) وفي حين منحتهم السيطرة على الإتحاد فرصة زيادة نفوذهم داخل الكتلة الطلابية ، ساعدت هذه السيطرة أيضا الجماعات الأصولية على تقوية تنظيمها الخاص والاتصال ببعضها البعض عبر البلاد بصورة مشروعة (65) . وتعطي النتائج التالية لأحد الأبحاث التي أجريت على طلاب كلية الآداب مؤشرا عن حجم التأييد الذي اكتسبه هذا التيار داخل الكتلة الطلابية :

- 11.2 % يعتبرون الجماعات الدينية مفرقة للطلاب .

- 29.4 % لا يوافقون على وجودها في الجامعة.

- 23.2 % يعتبرون أفكارها تنمي الوعي الديني (66) .

وأهاجت زيارة السادات لإسرائيل في 1977 ثائرة الأصوليين ، فدفعته سيطرتهم على اتحاد الطلاب إلى تغيير لائحته وإعادة الحرس الجامعي كما هاجم التيار الأصولي في الجامعات علنا (67) ، وإلى جانب بعض الإجراءات التي اتخذها لمنع دخول الجامعة بالزي المميز لبعض الأصوليين وفصل بعضهم من الجامعة نهائيا (68)، طالب الرئيس السادات وحكومته أساتذة الجامعات (69) وعلماء الإسلام (70) والقيادات البارزة من " الإخوان المسلمين " (71) بوقف المد الأصولي داخل الجامعات على أساس سلوك بعض الجماعات الدينية المتطرف بل والعنيف أحياناً .

كما أدى انتصار الثورة الإيرانية واستقبال الشاه في مصر إلى أن زادت الأمور سوءا (72). حيث ألقي القبض على حوالي ستمائة طالب (73) – معظمهم من الجماعات الإسلامية – إبان غضبة السادات في سبتمبر 1981 التي اغتيل بعدها . ولكن قوة الجماعات الإسلامية في الجامعات المصرية لم يتم تقييدها إلا بعد فرض قيد عام في البلاد على الأصولية الإسلامية في صورتها المناهضة للنظام عن طريق القمع المباشر وبعض خطوات الإصلاح في النظام السياسي وتسوية الخلافات بين النظام والإخوان المسلمين.

وفي حين يظل البرنامج السياسي للأصوليين – الذي يتلخص في الدعوة المثالية للعودة إلى الإسلام الحقيقي – محلاً للخلافات والنقد ، فإن قدرتهم على كسب التأييد الواسع داخل الكتلة الطلابية وإبراز الأخيرة في صورة مصدر لمتاعب الحكومة ليست محلاُ للشك. إلا أن المشكوك فيه هو استحسانهم لوجود حركة طلابية متماسكة لا يسيطرون عليها بمفردهم حتى إذا كانت ستكتسب نفوذا ملموسا في البلاد . وفيما يبدو فإن المشكلة ليست في وجهات نظرهم التي يراها الكثيرون متطرفة وإنما في تصرفاتهم إزاء أولئك الذين يحملون وجهات نظر مختلفة أو تبدو مختلفة عما يجب أن يكون عليه المسلم الحقيقي . فإن تصرفات مثل الفصل بين الجنسين في قاعات المحاضرات وفض الاجتماعات والحفلات التي يعقدها خصومهم ، وتمزيق الملصقات والمعارض الخاصة بهم (74) وما إلى ذلك لا تخدم إلا غرض استعراض العضلات كما تؤدي إلى نفور الطلاب العاديين من المشاركة في النشاط ، الأمر الذي يجعل من الحركة الطلابية مصدرا للقلائل بدلا من أن تكون مصدرا للتأثير في سياسة البلاد . أما أن بعض أعضاء هذه الجماعات قد أدرك ذلك وبدأ التصرف بشكل أكثر ديموقراطية (75) ، فهو لا يغير من الصورة العامة ولا يخلي مسئولية التيار الأصولي ككل عن تحويل الجامعة إلى غابة تضيع فيها طاقات العناصر النشطة في مشاحنات داخلية.

لقد تأثرت الفعالية الطلابية لكل الفصائل – خاصة اليسار- بفعل القمع الذي أعقب مظاهرات الخبز في يناير 1977 . هذه المظاهرات التي شكلت " عقد نفسية " للرئيس السادات وحكومته بحيث أصبحت القضية الملحة هي التراجع عن مظاهر الليبرالية السابقة (76) . فبرغم أن دور الطلاب المباشر في هذه المظاهرات كان ضئيلا – حيث إن مظاهراتهم في القاهرة والأسكندرية قد " ذابت في الطوفان البشري " (77) بالفعل – بالنسبة لهذه المظاهرات واسعة المدى ، إلا أن الرئيس السادات اعتبر الطلاب مسئولين بصورة غير مباشرة كما اعتبر أن مسيرة نوفمبر التي قامت بها " الشرذمة المنبوذة " كانت تمهيدا " لانتفاضة الحرامية ".

وفي لقاء أعقب المظاهرات مع المجلس الأعلى للجامعات ، استعرض السادات الاضطرابات الطلابية منذ 1971 ، ثم اختتم روايته بإنذار : " أنا باقول اضراب .. اعتصام .. تعطيل للدراسة .. عمل البلطجية اللى بيتم داخل حرم الجامعة ممنوع .. استغلال المادة المتفجرة في الشباب اللى هم الطلبة لا .. لا يجب أن تكون في الجامعة مرة أخرى أبدا .. رسالة المعاهد التعليمية هي العلم .. مفيش اجتماعات سياسية داخل الجامعة إطلاقا .. اللى عايز يشتغل سياسة يروح يدور على الحزب اللى هو عايزه بره ". (78)

وبعد ذلك بيومين كرر السادات هجومه على مظاهرات يناير في لقائه مع اتحاد طلاب الجمهورية (79)، وعاتب الطلاب لأنهم يسمونها " انتفاضة شعبية " . كما دافع عن مجمل سياساته باعتبارها سجلا "للديموقراطية والسلام "، و " الانفتاح الاقتصادي انقاذاً للبلد من الإفلاس " ، كما رفض "دوجما " أولئك الذين يدعون أنه ينحرف عن طريق عبد الناصر ، ورفض اعتبارهم له يمينيا . وبعد الهجوم على مسيرة نوفمبر وتحريض مستمعيه على التنديد بها ، تحول إليهم قائلا : " هل الممارسة السياسية والتعبير عن الرأي يكون بالبذاءة يا أولادي ؟ .. متقدرش تحكم المدرج أبدا وعشان كده أنا لو طلب مني أني أبعث وزير هناك أقول لك لأ " . كما تساءل عما إذا كان ممثلو الطلاب راضين عما يكتب في مجلات الحائط . وفي نهاية حديثه أكد الرئيس السادات على التمسك بالديموقراطية إلا أنه حذر من أن الديموقراطية " لها أنياب أشد من كل الإجراءات الاستثنائية " . وبينما دعا الطلاب لأن يكون عملهم السياسي من خلال القنوات الشرعية "الأحزاب السياسية" إلا أنه ناقض نفسه حين دعاهم في نفس الوقت لأن يكونوا " قوميين " و "فوق الأحزاب" وأن يكونوا " لمصر كلها مش لحزب ولا لاتجاه " .

ولم يفتقد السادات التأييد من داخل الجامعة (80) ومن خارجها (81) . فبرغم بعض الاحتجاجات الطلابية في فبراير 1977 (82) ، إلا أن بعض سلطات الجامعات بدأت في تنفيذ سياسته لتقييد الأشطة الطلابية . وكانت الصحافة الطلابية أولى الضحايا (83) خاصة مجلات الحائط (84) ، وكذلك اللقاءات الطلابية ، خاصة حين توجه الدعوة إلى متحدثين من خارج الجامعة (85) ، والأكثر سوءا أنه في مرحلة تالية عندما سيطر الأصوليون الإسلاميون على اتحاد الطلاب ، أعيد حرس الجامعة إلى الحرم الجامعي (86) ، بعد عشر سنوات من سحبه وألغيت لائحة 1976 ( الصادرة بالقرار الجمهوري 335 ) حيث أصدرت لائحة جديدة لتقييد سلطات اتحاد الطلاب ( لائحة 1979 الصادرة بالقرار الجمهوري 265 ) والتي غيرت هيكله بحيث يقتصر على الكليات والمعاهد ويلغي تنظيمه على مستوى الجمهورية ومستوى الجامعة ، وجعلت مجلسه على مستوى الكلية عبارة عن لجنة مشتركة من الطلاب والأساتذة والإداريين .

والمثير للسخرية ، أن الطلاب أصبحوا أقلية بنسبة 5-7 من أعضاء مجلس الإتحاد (87) . كما أصبح يشترط موافقة الأمن على الترشيح لدخول الانتخابات ، الأمر الذي لم يعد متاحا لغير المرغوب فيهم (88) فلم يكن من المستغرب في ظل هذه القيود ، أن يفقد الطلاب أي اهتمام لهم بانتخابات الإتحاد (89) فأنشأت بعض العناصر النشطة المناضلة منتديات مستقلة ، كما بدأ الطلاب المصريين بالخارج ربما لأول مرة في تشكيل تنظيمات مستقلة تعارض النظام في مصر (90) .

وفي أعقاب اغتيال الرئيس السادات خضعت الجامعات المصرية لقيود شديدة وأدى تقييد نشاط الأصوليين الإسلاميين إلى اختفاء ملحوظ للنشاط الإسلامي لفترة داخل هذه الجامعات وقد تأثرت جماعات طلابية

أخرى إلى جانب الأصوليين ، من جراء الرقابة على الجامعات ، والتي شملت التفتيش على كارنيهات الطلاب قبل السماح لهم بدخول جامعاتهم . كما كانت هذه الرقابة تعني استمرار القيود السابقة على الأنشطة الطلابية ، والتدخل في انتخابات الإتحاد للعام الدراسي 82/1983 برغم أنها جرت في ظل وزير الداخلية السابق النبوي إسماعيل ، كما شهدت في المقابل لا مبالاة طلابية عامة بشأن هذه الانتخابات (91) . وقام عدد من الطلاب الذين منعوا من دخول الانتخابات برفع دعاوي أمام القضاء (92) . وفي انتخابات عام 83/1984 تم فرض قيود أقل (93) ، وفاز بالفعل بمقاعد الإتحاد بعض المرشحين الذين طالبوا بتغيير لائحة الإتحاد (94) . وفي جامعة عين شمس دخل انتخابات الإتحاد بعض المرشحين الذين لم يحصلوا مبدئيا على موافقة الأمن ، وذلك بعد أن قام زملاؤهم من المرشحين الآخرين بانسحاب جماعي من الترشيح (95) .

وأثبتت البداية الهادئة للعام الدراسي 83/1984 أنها كما كتب أحد المحررين متحيرا من ذلك النوع من الهدوء " الذي يسبق عاصفة جديدة " (96) . كما أثبتت انتخابات الإتحاد في ذلك العام بدورها ، أنها إرهاصات لما أعقبها . حيث بدأ تفجر السخط الطلابي في جامعة المنصورة عندما اعتدى ضابط من حرس الجامعة على طالب بكلية الهندسة في 29 ديسمبر . وقام الطلاب الساخطون بإضراب لمدة ستة أيام ، وأرسلوا وفدا لمقابلة وزير التعليم يحمل مطالبهم التي تتمثل في إلغاء الحرس الجامعي ولائحة عام 1979 . وقد صيغت هذه المطالب في عريضة وقعها حوالي اثنا عشر ألفا من الطلاب ، وفي ضوء لقائهم بالوزير وتحقيق النيابة في عريضة وقعها حوالي اثنا عشر ألفا من الطلاب وفي ضوء لقائهم بالوزير وتحقيق النيابة في حادث الاعتداء ، عقد الطلاب مؤتمرا جماهيريا أنهوا فيه إضرابهم ، وشكلوا لجانا للتوعية بحقوق الطلاب ، كما قرروا إصدار مجلات حائط دون الحصول على تصريح من الإدارة ، وسحب ثقتهم من بعض أعضاء الإتحاد ، كما قرروا عقد مؤتمر آخر في 21 فبراير ترقباً للاستجابة الموعودة من الحكومة لطلباتهم (97).

وبرغم أن إضراب جامعة المنصورة لم يكن سياسيا بالمعنى الضيق للكلمة ، وكان يعكس بالأساس اهتمام الطلاب بحقوقهم الخاصة داخل الحرم الجامعي ، إلا أنه كان مربكاً للسلطات ومشجعا للمعارضة (98) . حيث إن مسألة الديموقراطية داخل الجامعة ارتبطت دائما بالقضية الديموقراطية في البلاد ككل ، ومن ثم أشادت جريدة " الأهالي " المعارضة بالانضباط الذاتي للطلاب إبان الاضراب ، وعدم لجوئهم للعنف ، وطرحهم لمطالبهم عبر القنوات الشرعية . وفي نفس الوقت ، وصفت الإضراب بأنه " حركة طلابية بحتة ذات طابع ديموقراطي صرف ، وأنه ليس لها أي لون حزبي ، أو محرك خارجي ، وهذا هو أساس قوتها باعتبارها تعبيرا صادقا عن واقع يتحتم تغييره " (99) .

وعقدت بالجامعات المصرية ( وخاصة جامعة القاهرة ) مؤتمرات أخرى ، وخرجت مسيرات في 21 فبراير وعلى مدى ثلاثة أسابيع بعده (100) كما تشكلت لجان وطنية في جامعة الأسكندرية (101) وتشكلت لجنة الدفاع عن حقوق الطلاب في جامعة الزقازيق (102) ، كما صدرت مجلات الحائط بدون تصريح من الحرس (103) . وواجهت الوفود الطلابية رئيسى جامعتى القاهرة والأسكندرية ، اللذين كانا معروفين بمواقفهما المعادية لمطالب الطلاب باعتبارهما من مؤيدي الحكومة المتشددين (104) وبالإضافة إلى التعاطف الذي أعلنته أحزاب المعارضة ، تلقى الطلاب تأييدا ملفتا من حيث كانوا يتوقعون ، من أساتذتهم . فإلى جانب بيان أصدره نادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعات توصيات تتعاطف مع مطالب الطلاب (106). ومن الملاحظ أنه جرت في نفس الفترة انتخابات ساخنة لمجلس إدارة نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة ، خاضتها قائمة مستقلة استطاعت أن تفوز بصورة ملفتة على قائمة مؤيدي الحكومة وعلى رأسها رئيس الجامعة الدكتور حسن حمدي نفسه (107) . وتلا ذلك تنظيم رمزي لأساتذة الجامعة لمدة يوم واحد للمطالبة بإصلاح نظام الجامعة (108) .

وعقب ذلك أعلنت الحكومة إضافة بند جديد إلى لائحة اتحاد الطلاب ، يقضي بإبعاد غير الطلاب عن مجالس الإتحاد ، وإعادة تنظيم الإتحاد على مستوى الجامعة . كما أعلنت استعدادها لتعديل نظام الجامعات (109)، إلا أنها بقيت على تعنتها فيما يخص حرس الجامعة ، رافضة سحبه من الحرم الجامعي تحت الدعوى الواهية بأن الحرس هو الذي يحمي منشآت الجامعة من السرقة والإتلاف (110) ، أما بالنسبة للاقتراحات التي طرحت بغرض إيجاد صيغة توفيقية بحيث يبقى الحرس داخل الحرم ولكن يتبع إدارة الجامعة وليس وزير الداخلية ، وهي الاقتراحات التي طرحت بالفعل قبل عودة الحرس (111) ، فلم تقبلها الحكومة أيضا . (112) كما كان للحكومة موقف متعنت آخر حيث رفضت عودة تنظيم الإتحاد على مستوى القومي في لائحة 1984 الصادرة بالقرار الجمهوري 378 .

وبرزت موجة من النشاط السياسي الطلابي قبيل انتخابات مايو 1984 البرلمانية ، والتي أجريت في إطار نظام تعدد الأحزاب ووسط صخب الشعارات الديموقراطية للنظام . إلا أن استمرار نضال الطلاب من أجل الحصول على الحقوق الديموقراطية الأساسية قد بقي مؤشرا قويا على محدودية الديموقراطية المصرية . كما أن إصرار الحكومة على إجراء الانتخابات البرلمانية في الوقت الذي يستعد فيه الطلاب لامتحاناتهم (113) قد أبعد الطلاب عن المشاركة في العملية الانتخابية حيث لم يهتم الكثير منهم حتى بالإدلاء بصوته . (114) وفي حين حرمت الميكانزمات السياسية للنظام الليبرالي الحركة الطلابية من موقعها القيادي في الحركة السياسية للبلاد – حيث تتواجد القوى الحزبية النشطة- إلا أنها لم تؤثر على قدرة الطلاب ، باعتبارهم قوة من بين قوى متعددة (115) ، على مواجهة النظام ووضع السياسة الليبرالية موضع الاختبار ، متحدين في هذه المرة المعارضة بنفس القدر الذي يتحدون به الحكومة.

وشهد العام الدراسي 84/1985 جوا متوترا في الجامعات ، فشارك في انتخابات اتحاد الطلاب في ظل اللائحة المعدلة 150 ألف طالب قاموا بالإدلاء بأصواتهم من بين نصف مليون طالب بالجامعات (116) . وكانت القضية الرئيسية للانتخابات بالأساس هي حقوق الطلاب ، مثل المطالبة بالعودة للائحة الإتحاد لعام 1976 وسحب حرس الجامعة (117) . وخاضت الانتخابات فصائل سياسية مختلفة ، مع ظهور ملحوظ للأصوليين الإسلاميين مرة أخرى ، كما نظم اليسار نفسه في لجان الدفاع عن حقوق الطلاب (118) . واتفقت الفصائل المتنافسة على إدعاء واحد ، ألا وهو تدخل إدارة الجامعات في الانتخابات خاصة من خلال شطب مرشحين معينين (119) ، وفي هذا السياق حدثت خطوة مهمة ، ألا وهي إعادة تشكيل الإتحاد على المستوى القومي من رؤساء الإتحادات المنتخبين في الجامعات الرئيسية ، وانتخاب " عمرو أبو خليل " رئيس اتحاد جامعة الأسكندرية رئيسا له (120) ولم يكن ذلك سوى حركة رمزية ذات مغزى ، حيث كان ذلك التشكيل يفتقر إلى الشرعية القانونية ووسائل التموين التي تمكنه من التواجد الفعلي معتمدا على ذاته .

وفي أوائل ذلك العام الدراسي وقع حادث آثار سخط كثير من الطلاب ، حيث قتل " محسن عبد الغفار" الطالب بجامعة الأزهر تحت عجلات سيارة شرطة مندفعة خارج حرم الجامعة . وتم تنظيم إضرابات طلابية في جامعة الأزهر وغيرها من الجامعات ، ووقعت مصادمات عنيفة مع الشرطة (121) وهكذا سجلت نهاية العقد تمزقا في العلاقات بين أغلبية طلاب البلاد وبين النظام الحاكم .

وتكمن أسباب اغتراب جيل الشباب في مصر ، سواء كانوا طلابا أم غير طلاب (122) ، أساسا في السياسة الاجتماعية – الاقتصادية للنظام التي تثير وساوسهم حول احتمالات المستقبل الغامضة والمعتمة أحيانا : مثل الوظيفة غير المناسبة ذات الدخل المنخفض ، وعدم توافر المسكن أو إن توافر تكون أسعاره مرتفعة للغاية ، والزواج الباهظ التكاليف في مجتمع استهلاكي ، وغيرها من الصعوبات المعيشية . كما أن عمليات السوق الحرة غير المنضبطة والتي لا ينقصها الفساد ، قد سمحت بظهور المليونيرات – أو على الأقل الميسورين- من المغامرين الذين يضيفون بعدا محبطا للصورة في عيون الشباب .

وفي أعقاب اغتيال الرئيس السادات على أيدي الشباب ، ظهر سيل من الكتابات حول " أزمة الشباب" في الصحف المصرية وتقريبا كل الصحف العربية (123) كما نشر عدد من الكتب حول هذه القضية (124) . واستمرت " مجلة الشباب وعلوم المستقبل " والتي تصدر شهريا عن مؤسسة الأهرام تطرح وجهة النظر الرسمية مع تقديم بعض شكاوي الشباب في نفس الوقت كما فعلت منذ 1977 (125) . كما نوقش تأثير الدين على الشباب بصفة خاصة في العديد من الكتابات (126) ، الأمر الذي كان طبيعيا بالنظر إلى موجة الأصولية الإسلامية ، واغتيال السادات على يد الأصوليين . وأكدت معظم التحليلات على وجود " أزمة انتماء " عامة تنعكس في اغتراب الشباب (127) وقد اختلفت هذه الكتابات الأخيرة في تحديد القدر المطلوب من الإصلاحات . فدعا البعض إلى إحداث تغييرات بعيدة المدى في النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، واقترح البعض الآخر إشراك الشباب في نوع من مشروعات " خدمة المجتمع " كحل لمشكلة الانتماء (128) ، أو العودة إلى أسلوب الشعارات " الوطنية " كوسيلة لحث الشباب على الانتماء (129) .

وبرغم الصورة المثيرة التي يمكن أن يقدمها النشاط الطلابي أحيانا ، تبقى حقيقة أن أغلبية الشباب المصري ظل لامبالياً إزاء سياسة البلاد . وربما كان حجم هذه اللامبالاة هو المؤشر الأكثر وضوحا على قدر الإصلاح المطلوب في مصر من أجل إشراك شبابها في آليات العمل السياسي . ففي البحث السابق ذكره ، الذي أجري على طلاب كلية آداب القاهرة ، وصل الباحث إلى نتيجة مؤداها أن: " الانتماء لأحزاب سياسية أكثر لدى أبناء الطبقة الغنية والمتوسطة وأقل لدى الفقيرة والفقيرة جدا .. كما لو أن المشاركة في النشاط السياسي أصبحت نوعا من الرفاهية أو مخاطرة لا يقدر على الإقدام عليها سوى الأغنياء الذين يشعرون بنوع من الأمان الاقتصادي على حياتهم (130) " . كما كشف البحث عن اتجاهات أكثر إثارة للانتباه : (131)


- 81.2 % ليس لديهم بطاقات انتخاب .

- 84.2 % لا ينتمون لأحزاب أو تنظيمات سياسية .

- 81.4 % لا يترددون على أحزاب .

- 11.6 % يترددون دون عضوية .

( من بين الأعضاء في أحزاب 80.6 % حزب وطني ، 11.1 % حزب العمل ، 5.6 % حزب التجمع ، 2.7% حزب الأحرار ) .

- 54.8 % لا يميلون للعمل السياسي .

- 23.4 % لا يرون جدوى للاشتراك في الأحزاب.

- 13.7 % يرون الاشتراك سببا للمشاكل .

- 45 % يعتبرون المناخ السياسي في الدولة غير مشجع على الديموقراطية والمشاركة بحرية .

كما كشف بحث آخر أجرته جامعة الأسكندرية عن أن 91 % من الشباب لا يشارك في العمل السياسي ، كما أن هناك عدم اهتمام واسع بالتصويت في الانتخابات العامة ، وأن مشاركة شباب الفلاحين والعمال في الأحزاب السياسية أكثر من مشاركة شباب المهنيين (132) .

وقد اختلف المسئولون السياسيون في الحزب الحاكم في فهمهم لمشكلة مشاركة الشباب . فهناك من أرجع المشكلة إلى ضعف الأساس الديموقراطي في البلاد (133) ، كما كان هناك من رأي الأمر كله باعتباره مسألة " ليس في الفهم " (134) ، ومنهم من قدر حداثة عهد التجربة الحزبية ، ولكنه اتخذ من ذلك مبررا لفرض قيود أكثر وليس تقليلها (135).

ومن ناحيتها ، عزت أحزاب المعارضة المشكلة إلى الصورة الكلية للتجربة الديموقراطية ، والتي تشمل تقييد الحريات وسيطرة الحزب الحاكم (136) . ومع ذلك طرحت فكرة القيام بجهد مشترك يشارك فيه الحزب الحاكم لتعبئة الشباب في شكل تنظيم قومي للشباب (137) . ويصعب تصور موافقة الحزب الحاكم على مثل هذا الاقتراح ، خصوصا وأنه ليس في حاجة إلى شركاء في السيطرة على الدولة ، وحيث إنه وجد أسلوبه الخاص لاستقطاب الشباب (138).

وحتى الآن لم يسمح مجال الديموقراطية المصرية كتجربة محدودة لليبرالية الدولة التي تعتبر تغيير الحزب الحاكم فيها أمراً غير وارد ، بإحداث تغيير كبير في مدى مشاركة الشباب . لكن تطبيق ديموقراطية أقل قيودا يمكنه بلا شك أن يحسن الوضع . وهو ما يعتمد بشكل كبير على اتجاه سياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية ، وما ستقدمه للشباب من إمكانات . كما أنه بالنسبة لطلاب الجامعات فسوف يعتمد ميلهم للمشاركة على اتجاه التغيير الاجتماعي الاقتصادي في البلاد . كما سيعتمد أيضا على مرونة النظام الحاكم ، أو تعنته في الاستجابة للمطالب الديموقراطية في محيط الجامعة ، إلى جانب قدرته أو عدم قدرته على توسيع نطاق الديموقراطية في النظام السياسي ككل . وبجانب اهتماماتها الديموقراطية فمن المرجح خلال السنوات القادمة ، أن تحتفظ الحركة الطلابية المصرية ببعدها الوطني العادي المعادي لإسرائيل والولايات المتحدة . ولكن في هذه المرة قد تأخذ الوطنية تعريفا أوسع لتشمل رأياً في طريقة حصول مصر على لقمة عيشها وبقائها في العالم المعاصر. ففي إطار العالم الثالث المكبل بقيود المديونية وصندوق النقد الدولي ، ليس من المبالغة أن تتوقع أداء أكثر حيوية ونشاطا للحركة الطلابية المصرية في العقد القادم .


ملحق: "بعض شهداء الحركة الطلابية المصرية(19351952 )"

الاسم الدراسة تاريخ الاستشهاد ظروف الاستشهاد
محمد عبدالمجيد مرسى كلية الزراعة جامعة القاهرة 14\11\1935 مظاهرات الطلاب فى القاهرة أثناء انتفاضة 1935
محمد عبدالحكيم الجراحى كلية الآداب جامعة القاهرة 14\11\1935 مظاهرات الطلاب فى القاهرة أثناء انتفاضة 1935
على طه عفيفى دار العلوم جامعة القاهرة 17\11\1935 جرح فى مظاهرات يوم 16\11\1935 وتوفى فى المستشفى
عبدالحليم عبدالمقصود شبكة المعهد الدينى بطنطا نوفمبر 1935 مظاهرات طنطا
محمد على محمد (سودانى) كلية التجارة بجامعة القاهرة 10\2\1946 سقط تحت أقدام زملائه من مركبة كانت تسير أمام جامعة القاهرة اثناءانتفاضة 46
نبيل منصور (11 سنة) المدرسة الابتدائية ببورسعيد 16\10\1951 أستشهد اثناء إشعال النار فى الثكنات البريطانية ببورسعيد خلال حرب الفدائيين
عبدالحميد أحمد سليمان (12سنة) المدرسة الابتدائية ببورسعيد نوفمبر 1951 سقط أثناء الصدام بين المتظاهرين والقوات البريطانية فى بورسعيد
محمود عبدالله عبد ربه غير معروفة نوفمبر أو ديسمبر 1951 صدامات مع البريطانيين فى منطقة القنال
محمد أحمد اللبان (15 سنة) مدرسة بالإسماعيلية نوفمبر 1951 صدامات مع البريطانيين فى الإسماعيلية
حسن عبدالله على (10 سنوات) مدرسة النهضة الابتدائية بالسويس 4\12\1951 صدامات مع البريطانيين فى السويس
عادل محمد غانم كلية الطب بجامعة عين شمس ديسمبر 1951 أول شهداء الطلبة فى حرب الفدائيين بالقنال .
عباس سليمان الأعسر كلية التجارة بجامعة الأسكندرية 9\1\1952 استشهد فى معركة المحسمة ضد البريطانيين بالقنال
أحمد فهمى المنيسى كلية الطب جامعة القاهرة 12\1\1952 استشهد فى معركة التل الكبير
عمر شاهين كلية الآداب بجامعة القاهرة 12\1\1952 استشهد فى معركة التل الكبير
سمير أبو النجا مدرسة ثانوية بالقاهرة 20\1\1952 قتل أثناء مظاهرات ضد الملك


  • لا يشمل هذا الجدوال على أسماء الشهداء الآتين :

أ- 7 شهداء فى 10 فبراير 1964 ( 3 فى الأسكندرية , 3 فى الزقازيق , 1 فى المنصورة ) يحتمل أن يكون بعضهم من الطلاب .

ب- شهداء 21 فبراير 1946 فى القاهرة وعددهم 23 شهيدا من الطلاب وغير الطلاب .

ج- شهداء 4 مارس 1946 فى الأسكندرية وعددهم 24 شهيدا من الطلاب وغير الطلاب .

د- شهداء آخرون محتملون ضمن ضحايا حرب القنال وعددهم 137 شهيدا .

ه- ثلاثة طلاب ضمن أربعة أشخاص قتلوا أثناء أحداث المنصورة فى 21 فبراير 1968 .

و- أربعة طلاب (أحدهم عمره 12 سنة) من بين 16 شخصا قتلوا أثناء مظاهرة 25 نوفمبر 1968 بالأسكندرية .

ز- ضحايا الانتفاضات الطلابية وغيرها من الأحداث بعد 1968 .

  • استشهد فى نفش اليوم طالب لم يذكر اسمه من مدرسة عمرو بن العاص الثانوية بمصر القديمة .

المصدر : عبدالرحمن الرافعى , فى أعقاب الثورة المصرية , جزء (1) و (2) 21 , ص 201 وجزء (3) , ص 181 , 185 – 186.

عبدالرحمن الرافعى , مقدمات ثورة 23 يوليو 1952 , ص47 , 63 – 64 , 84 – 85 , 99 – 103


الهوامش

(1) انظر , على سبيل المثال , مايسة فرج عبد الجليل , جامعتنا الإقليمية , الشباب وعلوم المستقبل , إبريل 1984 , وزكريا أبو حرام , جامعة بلا أسوار , آخر ساعة 1\2\1984 .

(2) أحمد رسلان , فى بداية العام الجامعى رقم 75 , المصور , 7\1\1983 , الجامعات المصرية وعامها الجديد , الشباب العربى 17\10\1983 .

(3) C.F.Sikas Sanyal et al, "University Education & the Labour Market in the Arab Republic of Egypt, UNESCO – IIEP, Oxford, 1982, Tables.

(4) الأهالى , 29 \ 2 \ 1984.

(5) نفس المصدر .

(6) انظر : صلاح منتصر , الاستثناء , العرب , 8\ 2 \ 1984 , استثناءات الجامعة , الشعب , 27 \3, 7 \8\1984 .

(7) الشعب , 27 \3\1984 .

(8) حول وضع أساتذة الجامعة بصفة عامة , انظر: استاذ الجامعة (دائرة حوار) , المصور , 23\9\1983 .

(9) انظر على سبيل المثال , محمد الفيومى محمد , البحث العلمى فى أزمة , الأهرام الاقتصادى , عدد 764 , 5\9\1983 , عصام رفعت , أزمة التخصص فى الجامعة , الأهرام الاقتصادى , عدد 791 , 12\3\1984 .

(10) محمد نور فرحات , جامعات مصر وقيم الانفتاح الاقتصادى , الأهرام الاقتصادى , عدد 770 , 17\10\1983 , عادل اسماعيل هلال , الجامعة وإقطاعيات الدروس الخصوصية , الأهرام الاقتصادى , عدد 788 , 20\2\1984 .

(11) انظر على سبيل المثال (عن بكالوريوس جمال السادات وماجيستير جيهان السادات ) : العرب , 18 , 24\1\1983 .

(12) امظر على سبيل المثال : عصام رفعت , النشل تحت قبة الجامعة , الأهرام الاقتصادى , عدد 786 , 6\2\1984, الفساد العلمى فى الجامعة , الأهرام الاقتصادى , عدد 788 , 20\2\1984 , حازم هاشم , قضية كتاب عميد كلية الإعلام , الشعب 7\8\1984 , أساتذة الإعلام يحتجون على العميد , روزاليوسف 9\7\1984 .وفى عينة بحث أخرى على طلاب كلية الآداب بجامعة القاهرة , أجاب الطلاب على عدد من الأسئلة بالشكل التالى :

- الأساتذة بواجباتهم على أكمل وجه 16.6%

- قيام الأساتذة بواجبهم الاجتماعى نحو الطلبة 12.6%

- حرص الأساتذة على تقديم خدمات للطلبة 13.2%

- بعض الأساتذة متشددون مع الطلبة 59.6%

- بعض الأساتذة متعالون على الطلبة 59.4%

المصدر : سعد ابراهيم جمعة , الشباب والمشاركة السياسية , دار الثقافة للنشر والتوزيع , القاهرة 1984 , ص 137 .

(13) أحمد رسلان , الكتاب الجامعى : متى تحل مشاكله؟ , المصور 18\11\1983 : لبيب السباعى , دعم الكتاب ... للأساتذة أم للطلاب , الأهرام الاقتصادى , عدد 799 , 7\5\1984 , وكذلك عدد 800 , 14\5\1984 .

(14) محمد عامر , الجامعة ومشكلاتها فى عالم سريع التغير , الأهرام الاقتصادى , عدد 779 , 19\12\1983.

(15) نفس المصدر .

(16) منى سراج , رحلة أمل فى أعماق الشباب المصرى , صباح الخير , 2\2\1978 , وانظر أيضا فاطمة يوسف , الطالبة المصرية : أزمات وأحلام محبطة , أوراق , يونيويوليو 1984 .

(17) سعد ابراهيم جمعة , سبق ذكره , ص129 .

(18) نفس المرجع , ص 138 – 139 .

(19) بمناسبة اليوبيل الماسى لجامعة القاهرة , نشر عدد من التقارير والمقالات حول قضية تحسين نوعية التعليم الجامعى . انظر , على سبيل المثال : حسين مؤنس , فلوسهم كتير , أكتوبر 13\1\1983 , عبد الحميد يونس , العيد الماسى لجامعة القاهرة – بطاقة تهنئة , المصور , 16\12\1983 . وكذلك كرم جبر وجيهان المغربى , أخطر سنوات الجامعة , روزاليوسف , 19\12\83, وفؤاد نصحى , بدلا من هذه الاحتفالات التليفزيونية بجامعة القاهرة , الشعب 20\12\1983 , ماجدة الجندى , الجامعة ذات الرسالة , صباح الخير , 29\12\1983 , يحيى الجمل , عيد الجامعة.. استقلالها , المصور , 30\12\1983.

(20) انظر Malcolm Kerr, Egypt, in: James S. Coleman (ed.), Education & Political Development, Princeton University Press, 1965. وكذلك سيد عويس , الشباب المصرى والثقافة , الأهرام 7\12\1981.

(21) سعد ابراهيم جمعة , سبق ذكره , ص 135 – 136 . وحول مشكلة نشر الكتاب فى مصر , خاصة كونه سلعة مرتفعة الثمن بالنسبة لقدرات شباب المتعلمين , انظر : مايسة فاوى , الكتاب المصرى .. تجارة أم ثقافة ؟ روزاليوسف , 26\12\1983 , الكتاب فى خطر (دائرة حوار) , المصور , 3\2\1984 . وأيضا يوسف ميخائيل أسعد , الثقافة ومستقبل الشباب , الهيئة المصرية العامة للكتاب , القاهرة 1984 , ص 262 – 263 .

(22) المرجع السابق .

(23) إيمان منير , الشباب والإعلام , الشباب وعلوم المستقبل , يونيو 1983 .

(24) نفس المصدر .

(25) سعد ابراهيم جمعة , سبق ذكره , ص 131 – 135 .

(26) ايمان منير , المرجع المذكور .

(27) منى سراج , المرجع المذكور . وانظر أيضا رفعت فياض , استطلاع رأى رجال الإعلام حول مشاكل الشباب , الشباب وعلوم المستقبل , سبتمبر 1983 .

(28) نزيه نصيف الأيوبى , سياسة التعليم فى مصر , مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام , مايو 1978 , ص 76 , 101 -102 .

(29) فى لقاء مع هيئة تدريس جامعة الأسكندرية , أشار الرئيس السادات إلى برقية أرسلوها له يطلبون تأجيل إنشاء مثل هذه الجامعة , لحين دراسة مشروعها بعناية أكثر . ووافق الرئيس على تأجيل المشروع لعام آخر . ولكنه اغتيل عند نهاية هذا العام بالتحديد (الأهرام 9\9\1980 ).

(30) حول حجج كل من الجانبين فى هذا الجدل , انظر المقالات التالية فى الأهرام الاقتصادى : عدالات عبدالوهاب , الرابح والخاسر فى مجانية التعليم 5\9\1973 , عصام الدين هلال , مجانية التعليم لصالح من ؟ , 26\9\1983 , عبد الجواد سيد , مجانية التعليم قضية سياسية اجتماعية , 17\10\1983 , حليم فريد تادرس , مجانية التعليم بين العين البصيرة واليد القصيرة 16\1\1984 , عوض توفيق , ترشيد مجانية التعليم 6\2\1984 , عصام الدين على هلال , مجانية التعليم وأصول الأشياء 20\2\1984 .

وانظر أيضا عبد الستار الطويلة , اجتهادات فى مجانية التعليم , روزاليوسف , 30\1\1984 , شبل بدران , التسرب والمدارس الخاصة يعترضان مجانية التعليم , الأهالى , 24\10\1983 .

(31) دافع وزير التعليم عن الجامعة الأمريكية على أساس خضوعها للوائح البروتوكول الذى ينظم عملها فى مصر ويضمن مستواها العلمى ونسبة من المصريين فى هيئة تدريسها وإدارتها . (حديث مع د . مصطفى كمال حلمى , روزاليوسف 19 – 12 – 1983 ) .

للتعرف عن وجهة النظر المدافعة عن طلاب الجامعة الأمريكية إزاء الشكوك التى أثيرت حول ولائهم السياسى , انظر أحمد جمال الدين ,هذا افتراء وباطل .. المصريون بالجامعة الأمريكية يدينون بالانتماء لمصر , الأخبار 16\11\1983 . كما أن الموقف السياسى المحافظ لطلاب الجامعة الأمريكية – مثل تأييدهم للاقتصاد الليبرالى , والعلاقات الوثيقة مع الغرب , وتقبلهم للرئيس السادات دون عبدالناصر – يتضح من البحث التالى : Raymond A. Hinnebusch, Childern of the Elite :Political Attitudes of the Westernised Bourgeoisie in Contemporary Egypt, The Middle East Journal, VOL. 36, NO. 4, Autumn 1982, pp. 535 – 561.

(32) سعد ابراهيم جمعة , مرجع سابق , ص 114 – 115 .

(33) انظر فاطمة يوسف , مرجع سابق .

(34) نزيه نصيف الأيوبى , مرجع سابق , ص 76 .

(35) انظر على سبيل : ايهاب سلام , مشكلة تعيين الخريجين , العمل , نوفمبر 1984 , عزت سمير , التزام الدولة بتعيين الخريجين , العمل , فبراير 1985 .

(36) انظر , على سبيل المثال : صفاء الطوخى : الخدمة العامة .. بطالة إجبارية لمدة عام , الأهالى 9\8\1984 , ثناء زايد , الخدمة العامة , الشباب وعلوم المستقبل , يناير 1985 .

(37) مصطفى الصفانى , أسباب وراء هجرة الشباب المصرى , الشعب 31\7\1984 .

(38) منى سراج , مرجع سابق .

(39) على سبيل المثال , كانت هناك تجمعات وإضرابات فى عدد من الكليات الجامعية والمعاهد العليا : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , والمعهد الفنى التجارى , ومعهد الاتصالات السلكية واللاسلكية , ومعهد التربية الرياضية للبنات , ومعهد العلاج الطبيعى (انظر : صوت الطلاب , العدد 42 , 7\3\1976 , أحمد بهاء الدين , الحركة الطلابية – المسيرة والمسار , الطليعة فبراير 1977 , ص 134 , 139 , الشعب 27\3\1984 ) .

(40) مصطفى كامل السيد , المجتمع والسياسة فى مصر – دور جماعات الضغط فى النظام السياى المصرى , دار المستقبل العربى , القاهرة , 1983 . ص 39 ,

(41) وائل عثمان , أسرار الحركة الطلابية – هندسة القاهرة , 68 – 1975 , مطابع مدكور , القاهرة 1976 7 , ص 137 , أحمد شعبان , الحركة الطلابية المصرية والثورة الفسطينينة , الثقافة , يوليو 1977 , ص 59 .

(42) انظر وائل عثمان , مرجع سابق ص148 – 149 , مصطفى كامل السيد , مرجع سابق , ص34 . إلا أن هذين المؤلفين قد أشارار إلى أربعة تيارات فقط وليس خمسة , حيث لم يقوما بالتمييز بين اليمين الأيديولوجى ومؤيدى النظام . وعن خطة تحسين عمل منظمة الشباب التى تضمنت إعادة المنظمة إلى الجامعات ,انظر : مسعد عويس , نحو تنظيم سياسى للشباب , فى كمال السيد درويش وآخرون , التربية السياسية للشباب ,دار المعارف الأسكندرية 1973 , ص216 , 222 .

(43) مصطفى كامل السيد , مرجع سابق , ص 39 .

(44) على سبيل المثال , تم إقامة معرض للصور حول فظائع الامبريالية الأمريكية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة , عند بداية العام الجامعى 73\1974 .

(45) وائل عثمان , مرجع سابق , ص 153 .

(46) أحمد بهاء شعبان , مرجع سابق . ص 59 – 60 .

(47) المرجع السابق , ص 60 .

(48) نسخة أصلية من برنامج نادى الفكر الاشتراكى التقدمى .

(49) ملحق بالمصدر السابق .

(50) أحمد بهاء شعبان , الحركة الوطنية المصرية والثورة الفلسطين ية , الجزء الثانى , قراءة فى أوراق نادى الفكر الاشتراكى التقدمى , الثقافة , سبتمبر 1977 , ص 82 .

(51) المرجع السابق , ص83 – 88 .

(52) أحمد بهاء الدين , الحركة الطلابية – المسيرة والمسار , الطليعة , فبراير 1977 , ص 134, 139 .

(53) المرجع السابق .

(54) المرجع السابق , عبدالستار ابراهيم , زعماء الطلبة يتحدثون , روزاليوسف , 6\12\1976 .

(55) نفس المصدر .

(56) نفس المصدر .

(57) جميل الباجورى , إضراب طلبة جامعة القاهرة , النهضة , 18\2\1976 .

(58) مع ذلك , انتقد أحد الكتاب اليساريين بالمجلة الطلاب نقدا شديدا ووصفهم بأنهم "الرافضون" . انظر : صلاح حافظ , الرفض على باب روزاليوسف , روزاليوسف 6\12\1976 .

(59) عبد الستار ابراهيم , مرجع سابق .

(60) حديث الرئيس السادات إلى اتحاد طلاب الجمهورية , الأخبار , 2\2\1977 .

(61) انظر على سبيل المثال : شهادة ضباط الأمن بأسيوط فى المحكمة أثناء نظر القضية الخاصة بأحداث أسيوط , الأخبار , 27\2\1983 , 6\3\1983 , محمد عبدالسلام الزيات , دائرة العنف والقرار السياسى , الأهالى , 23\3\1983 , الجماعات اإسلامية فى الجامعات المصرية , التضامن 14\1\1984 .

(62) انظر الدفاع عن الجماعات الإسلامية , الذى أبداه بعض أعضائها , والذين نفوا التعامل مع الحكومة , معتبرين من يفعل ذلك لايمثل التيار الإسلامى الأساسى , كما أشاروا إلى انتشار التيار الإسلامى فى شتى أنحاء العالم (حوار مع الشباب المسلم , الشعب 27\3\1984) . وحول العالم المبكر بين الدولة والأصوليون منذ أوائل السبعينيات انظر : عادل حموده , صفقة تحت قبة الجامعة , روزاليوسف , 1\9\1986 .

(63) انظر مثلا المؤتمر الذى عقد بهندسة القاهرة عام 1974 واستحوذ أعضاء الجماعات الإسلامية على قيادته بدلا من اليسار , وصاغوا بيانا "خاليا من أى تعبيرات شيوعية " (وائل عثمان , مرجع سابق , ص 155 – 157 ) .

(64) Saad Eddin Ibrahim, Anatomy of Egypt`s Militant Islamic Groups, International Journal of Middle East Studies, v0l. 12, 1980, p 425.

ولنفس الكاتب , تنظيمات الجماعات الإسلامية فى مصر , العرب , 11\10\1982 . وانظر : Nazih N. Ayubi, The Political Revival of Islam, IJMES, Vol. 12, 1980, p. 492.

(65) حوار مع الشباب المسلم , الشعب : 27\3\1984 .

(66) سعد ابراهيم جمعة , مرجع سابق , ص154 .

(67) الجماعات الإسلامية فى الجامعات المصرية , التضامن 14\1\1984 .

(68) المرجع السابق .

(69) انظر , على سبيل المثال , اجتماع الرئيس السادات مع هئية تدريس جامعة الأسكندرية (الأهرام 3, 4\9\1980 ).

(70) انظر على سبيل المثال , لقاؤه مع "رجال الفكر الإسلامى" (الأهرام) 22\8\1979 ) .

(71) المرجع السابق. انظر أيضا الحديث مع عمر التلمسانى , مرشد الإخوان المسلمين الذى قال فيه "بادر النبوى اسماعيل بالاتصال بى فى حوالى عامى 1978 , 1979 كلما حدثت أحداث فى الجامعة . وكان يلقانى فى مكتبه لقاء طيبا ويقول : كلية الهندسة ثائرة .. كلية الطب هائجة .. وأنا أتوسم فيك أنك رجل خير .. اعمل معروف قابل الطلبة وهدئهم" .( الأهالى : 29\9\1982) . وفى لقاء مع الرئيس السادات أعطى رئيس جامعة الأزهر د.محمد فايد أحد الأمثلة على ما كان يقوم به التلمسانى من تهدئة .(الأخبار 31\1\1977) .

(72) S.E. Ibrahim, Anatomy.., p. 443.

(73) التضامن , 14\1\1984 .

(74) انظر , مصطفى كامل السيد , مرجع سابق , ص41 , N.N. Ayubi, The Political Reviva!.pp. 492 and 499.

والتضامن 14\1\1984 , وشهادة .., الأهرام 6\3\1983 .

وأيضا رفعت السيد أحمد , المعادلة الصعبة داخل الجامعة المصرية , الطليعة فبراير 1977 , ص 154 – 156 .

(75) انظر دفاع قيادات الجماعة الإسلامية , خاصة حديث عبدالمنعم أبو الفتوح أحد رؤساء اتحاد طلاب جامعة القاهرة السابقين , الذى ذكر فيه اتخاذه مواقف تضامن مع معارضيه , من قبيل توكيل محامين للدفاع عنهم , واتخاذ مواقف ديموقراطية فى التعامل معهم , مثل السماح لهم بإصدار مجلات حائط وعقد مؤتمرات (حوار مع الشباب المسلم , الشعب 27\3\1984) .

(76) حديث مع د. جمال العطيفى , العرب , 1\2\1983 .

(77) مصطفى كامل السيد , مرجع سابق , ص 38 .

(78) الأخبار 31\1\ 1977 .

(79) الأخبار 2\2\1977 . ويعتبر هذا القاء ذا أهمية خاصة , ورغم أن الحاضرين كانوا ممثلى الإتحاد فقط , الذين لم يكونوا بالضرورة الأكثر نشاطا داخل الحركة الطلابية , إلا أنهم وجدوا الرئيس بموقف حازم نسبيا لم يسبق حدوثه فى الاجتماعات المشابهة مع ممثلى جماعات وتنظيمات أخرى للصفوة . وقد أثار ذلك عصبية الرئيس السادات بشكل حاد فى حديث يذاع على الهواء , الأمر الذى أسهم فى تدهور شعبيته , لدرجة أنه انفجر بصورة تدعو إلى السخرية أثناء اللقاء , مقاطعا أحد الطلبة المتحدثين , ومكررا فى عصبية "قف.. قف مكانك" . وكان أهم الطلاب المتحدثين فى هذا الاجتماع :

شعبان حافظ الشافعى (رئيس اتحاد طلاب الجمهورية) : وقد ألقى خطابا مكتوبا بدأه بمقدمة عاطفية عن الدور الوطنى للطلاب فى التاريخ المصرى , ثم دافع عن سلمية مظاهراتهم فى أحداث يناير , وعدم مشاركتهم فى أعمال التخريب , كما دافع أيضا عن حق الطلاب فى العمل السياسى دون وصاية من الأساتذة , وهاجم أجهزة الإعلام , ودعا إلى عدم الانحياز لأى من القوتين العظميين , وإلى التضامن العربى والحوارمع كل الأطراف العربية وتطرق بالذكر إلى بعض الشكاوى الطلابية , خصوصا امتناع الصحف الكبرى عن طبع جريدة "الطلاب" الصادرة عن الإتحاد وغيرها .

وقد أسمى الرئيس السادات هذه الكلمة "منشور انتخابى" و "مانيفستو" و "إنذار" !

- حمدين صباحى (رئيس اتحاد كلية الإعلام) : تحدث حديثا مرتجلا ولكنه متماسك , وقوطع عدة مرات من الرئيس السادات . ومع ذلك كان يرد ردودا رصينة, واستطاع أن يستخدم وقت حديثه بكفاءة لتوضيح نقاط محددة تبرز كلها اتجاهه الناصرى . منها رفضه لليبرالية ذات النمط الغربى , ورفضه للانفتاح , والاعتراف بإسرائيل كما اتهم أجهزة الإعلام بتشويه العهد الناصرى , وطالب بقيام حزب مستقل للناصريين .

- عبدالمنعم أبو الفتوح (رئيس اتحاد جامعة القاهرة ) : وافق الرئيس على أن مسيرة نوفمبر كانت بقيادة شرذمة وشيوعيين . لكنه هاجم أجهزة الإعلام ورفض إبعاد الشيخ الغزالى عن عمله بجامع عمرو , حيث اعتبرته الحكومة محرضا , كما هاجم المنافقين الذين حول الرئيس وكانت هذه الملاحظة الأخيرة , هى التى أثارت غضب الرئيس وأفقدته السيطرة على أعصابه .

وبرغم أن حديث أبو الفتوح كان أقل جوهرية وأضعف من حديث صباحى , إلا أن الأول اكتسب شهرة فى البلاد باعتباره الذى أثار الرئيس السادات كما انتشرت شائعات حول القبض عليه أو اختفائه .

وبعد هذا اللقاء كتب ثروت أباظة فى الأهرام :" إن مظهر الطلبة الذى رأيته فى لقائهم مع الرئيس ملأ نفسى ألما فأدب الحديث ثقافة والرئيس أب ويستطيع الأب أن يتحمل أبنه .. ولكن لو كان هؤلاء الطلبة على شىء من الثقافة لعرفوا كيف يحترمون رمز بلادهم " .

(ورد فى ثروت أياظة , الشباب والحرية , المركز الثقافى الجامعى , القاهرة , 1980 , ص 44) .

(80) كان د. على رضا الهندى , رئيس جامعة الأسكندرية , صريحا فى تأييده للرئيس :"الدولة كانت مدياهم حرية زيادة عن اللزوم .. الشرذمة دى الجامعة كانت بتعانى منها .. احنا هنا كجامعة مش قادرين نحمى المجتمع الطلابى .. احنا عاوزين ناخد السلطات , أو يبقى فى ايدينا السلطات اننا نحمى مجتمع الجامعة من الشراذم " (الأخبار 31\1\1977).

(81) كتب ثروت أباظة فى الأهرام "إن بعض المشرفين على الجامعات ينتمون بولائهم إلى ماقبل 15 مايو , وهؤلاء المشرفون هم الصلة الحقيقية بين الطلاب والدولة , يستطيع كل ظالم للحق منهم أن يموه الأهداف ويميل بالصواب . وأخشى على أبنائنا الطلبة أن تصبح الحقائق مشوهة بالنسبة لهم ". ( ورد فى : ثروت أباظة , سبق ذكره , ص 52 – 53).

(82) مصطفى كامل السيد , مرجع سابق , ص 42 – 43 .

(83) قبل عام 1977 كانت هناك 7 صحف طلابية (حديث مع د. جمال العطيفى , العرب , 1\2\1983 ) . وللاطلاع على مناقشة أحدث حول الصحافة الجامعية انظر الآراء البيروقراطية والأبوية لبعض الإداريين والأساتذة فى : محمد محمود عثمان , الصحافة الجامعية إلى أين ؟ .

الشباب وعلوم المستقبل , سبتمبر 1983 .

(84) فى رده على خطاب من طالب , أيد ثروت أباظة الموقف الرسمى من مجلات الحائط فى الجامعة : "وأنت يا أخى ترى أن الحرية ليست حقيقية لأن بعض صحف طلابية قد احتجبت . هل كنت تقرأ هذه الصحف يا استاذ محمد ؟ وهل الحرية عندك هى الفوضى ؟ وهل الحرية هى التشهير بالذمم والأعراض والقيم بلا دليل ثابت , وبلا ضمير يراجع , وبلاحق واضح؟ وهل الحرية هى أن ينفصل بعض الطلاب فى جامعاتهم عن جميع طبقات الشعب ليكونوا دولة داخل الدولة لها صحافتها الخاصة , ولها اتجاهها الخاص ؟ .. إذا كان لك أن تطالب بالصحافة الطلابية يأستاذ محمد , فلابد لهذه الصحافة أن تكون مصرية أولا " . (ثروت أباظة , مرجع سابق , ص 158 – 160 ) وعندما كتب الطالب إليه مرة ثانية , أصبح أباظة أكثر فظاظة فى رده :" الأمر الذى لاشك فيه أنك لاتدرك أعماق الفترة التى تعيشها ولا أبعادها . والأمر الذى لا شك فيه أن نظرتك للأمور تنبعث من خلال ممر ضيق مختنق , حتى لاتنظر إلى الأمر فى مداه الواسع ومجاله الفسيح . فكل ما يعنيك هذه المجلات التى تبكى اختفاءها بكاء مرا .. لأن القائمين على الأمر فضلوا ذلك (حظر المجلات) على الدخول مع كتاب هذه المجلات إلى ساحة القضاء مرتين أن يوفروا على الطلاب الوقت ليتفرغوا للمذاكرة , ودون أن يمنعوا الطلبة من إبداء الرأى السياسى فى الجرائد العامة , وها أنت ذا تكتب للأهرام ويحاورك كاتب فى الأهرام " (ص 167 ) .

(85) مصطفى كامل السيد , ص 40 – 41 .

(86) انظر وصفا ساخرا لتواجد قوات الأمن فى الجامعات بما يجعلها أشبه "بحديقة الحيوان" أو "نكتة بوليسية" : طلعت رميح , الأساتذة والطلاب يطالبون بإلغاء الحرس الجامعى , الشعب , 23\10\1984 . وانظر كذلك خطابا من طالب بالسعودية يذكر القارىء لمجلة رسمية للشباب بأنه لا يوجد حرس جامعى بجامعة اللملك سعود ( حسن الحسن , تعليق حول الحرس الجامعى , الشباب وعلوم المستقبل , سيتمبر 1984 ).

(87) انظر الأهالى 7\12\1983 و 11\1\1984 , وكذلك الشعب 27\3\1984 , وصحيفة "الناصرية" , 4\12\1982 , وWorlsd Student News No 4, 1984.

(88) مصطفى كامل السيد , مرجع سابق , ص 33 . ووفقا لما ذكرت مجلة :اليسار العربى" , كان عدد المرشحين الذين اعترضت عليهم سلطات الأمن فى العام الجامعى 83\1984 هو 11 طالبا فى كلية حقوق الأسكندرية , 11 من هندسة المنصورة , 5 من طب المنصورة (اليسار العربى , يناير 1984 ) .

(89) زينب حمدى , الطلبة لا يشعرون بوجود اتحاد الطلبة , روزاليوسف , 28\11\1983 , مايسة فرج عبدالجليل , لماذا الانتخابات بالتزكية فى اتحادات الطلاب ؟ الشباب وعلوم المستقبل , يناير 1984 . وقد أفاد 87.6% من المستجيبين فى البحث الذى أجرى على طلاب كلية الآداب أنهم لا يشاركون فى انشطة الإتحاد . وذكر 76% أنهم لا يحرصون على أن يكونوا أعضاء منتخبين فى اتحاد الطلاب فى الكلية . ومن بين الذين أدلوا بصوتهم فى آخر اتنخابات قبل إجراء البحث كان 27.3% فقط قد قاموا بذلك بسبب حرصهم على اختيار ممثليهم . وكانت أسباب عدم الترشح والاشتراك فى نشاط الإتحاد كالتالى :

41.2% لعدم جديتها وجدواها وتمثيلها وتضييعها للوقت .

2.5% الانشغال عنها بالدراسة .

6.4% لأسباب أسرية .

ورأى 55.6% إلغاء النظام الجديد للاتحاد (لائحة 1979 ) بينما وافق عليه 4% , 35% لا اجابة . ( سعد ابراهيم جمعة , مصدر سابق , ص 127 , 140 و 151 – 155).

(90) وأحد الأمثلة على ذلك هو "اتحاد الشباب الديموقراطى المصرى" , وهو تنظيم يسارى تكون عام 1978 من أعضاء الوفد المصرى غير الرسمى , الذى حضر المهرجان الدولى الحادى عشر للشباب والطلبة فى هافانا عاصمة كوبا . وأصبح قسم الطلاب فى هذا الإتحاد هو الذى يمثل مصر فى اتحاد الطلاب العالمة (وهو الموقع الذى كان يحتله اتحاد طلاب الجمهورية سابقا) .

انظر نشراته غير الدورية : طليعة الشباب , يوليو \ أغسطس 1979 , نشرة 21 فبراير , سبتمبر 1980 , الإتحاد , مارس 1982 . انظر أيضا من مطبوعاته Memorandum Presented by the Executive Committee of the UDEY to tge EC. Of the International Union of Students 14th. Nov. 1979 .

وكذلك اتحاد الشباب الديموقراطى المصرى , فرع لبنان , الشباب المصرى يرفض المعاهدة المصرية الإسرائيلية , 5 مايو 1979 , ومن أجل تعليم ديموقراطى فى مصر , ورقة مقدمة لندوة "التعليم حق وليس امتيازا" ألمانيا الديموقراطية , يناير 1980 , و UDEY, Egypt must return to the Liberation movement, World Student News, No. 516. 1983 UDEY, Achievement record by the student movement in Egypt, World Student News, vol. 38, No. 4, 1984.

وكذلك , نبيل المنياوى , خمس سنوات على تأسيس اتحاد الشباب الديموقراطى المصرى , سبتمبر 1983 . وكمثال آخر , جرت محاولة أخرى فى الخارج لإنشاء اتحاد عام للشباب والطلبة فى مصر . انظر : الإتحاد العام لطلاب وشباب مصر , وثائق المؤتمر الأول , إسبانيا , 21 – 23\5\1981 .

وإلى جانب ذلك تواجدت التجمعات المعارضة , وهى أساسا اليسارية والإسلامية , داخل اتحادات الدارسين الرسمية الملحقة بالمكاتب التعليمية فى السفارات المصرية فى أوروبا وأمريكا حيث شهدت المؤتمرات السنوية لهذا الجماعات , أحيانا , مواجهات بين الطلاب الراديكاليين والمسئولين الحكوميين , كما حدث فى لندن 1979 – 1980 .

(91) اليسار العربى , يناير 1983 , وكذلك : هل تبدأ ثورة الطلاب , الناصرية , 4\12\1982 .

(92) المرجع السابق .

(93) التضامن 14 يناير 1984 .

(94) اليسار العربى , يناير 1984 .

(95) UDEY , Achievements record by the student movement in Egypt, World Student News., vol. 38,No.4, 1984.

(96) التضامن , 14\1\1984 .

(97) استئناف الدراسة فى جامعة المنصورة , الأهالى 11\1\1984 .

(98) قبيل إضراب المنصورة أصدرت اللجنة المصرية للدفاع عن الحريات , المشكلة من ممثلى أحزاب المعارضة والنقابات المهنية , بيانا يدعو لإلغاء القرار الجمهورى رقم 265 لسنة 1979 (لائحة اتحاد الطلاب ) . الذى اعتبرته "غير دستورى" و "غير ديموقراطى" ويتضمن "العدوان السافرعلى حرية العمل الطلابى الوطنى" ويقوم على "عدم الثقة بالطلبة والحذر منهم". (الأهالى , 7\12\1983).

(99) المغزى الحقيقى لإضراب جامعة المنصورة , الأهالى , 11\1\1984 .

(100) العرب 23,29\2\1984 , الشرق الأوسط , 5\3\1984 , الأهرام وز 17\3\1984 .

(101 – 103) الشعب , 27\3\1984.

(104) العرب 23\2\1984 , الأهالى 28\3\1984.

(105) الأهالى , 11\2\1984 .

(106) الشعب , 27\3\1984 , الوفد 29\3\1984 .

(107) الأهالى 28\3\1984 , الشعب , 3\4\1984 .

(108) العرب 10\4\1984 .

(109) العرب , 10\4\1984 .

(110) حديث مع حسن أبو باشا , صباح الخير , 22\12\1987 , وحديث مع أحمد رشدى , الأهرام 23\7\1984 .

(111) لويس عوض , الحرس الجامعى مرة أخرى , الأهرام 19\2\1977 .

(112) انظر على سبيل المثال , ملخص رسالة مصطفى رجب للماجيستير , التى يقترح فيها أن يكون الحرس الجامعى خاضعا لرؤساء الجامعات , الشباب وعلوم المستقبل , أكتوبر 1983 , وكذلك آراء بعض الأساتذة فى طلعت رميح , الطلاب والأساتذة يطالبون بإلغاء الحرس الجامعى , الشعب , 23\10\1984 .

(113) أحمد أبو الفتح , الانتخابات و الأمل , الشرق الأوسط 31\3\1984 .

(114) كان هذا هو الحال برغم مناشدات الكتاب الموالين للحكومة . انظر على سبيل المثال عبدالتواب عبد الحى , الفرصة الوحيدة , المصور , 3\2\1984 , وأنيس منصور , يانصف سكان مصر , مجلة أكتوبر 8\4\1984 , ولنفس الكاتب , حوار هادىء مع شاب سوف يضع بطاقته فى صندوق الانتخابات أملا فى إنقاذ مصر من اللامبالاة , مجلة أكتوبر , 13\5\1984 , حيث يقول :"حتى لو لم يعرف الشباب هناك وهنا مالذى يقوله أصحاب الأحزاب السياسية .. فمن حقه أن يكون له صوت وهذا الصوت يجب أن يعطيه لأى أحد , فإذا لم يجد ما يقنعه , أفلا يجد ما يستلطفه , ولو قال شاب : سأعطى صوتى إلى أصحاب أجمل كرافتة أو أشيك جزمة , فليكن .. المهم أن يكون للشباب رأى فى الانتخابات" .

(115) مصطفى كامل السيد , مرجع سابق ص 34 .

(116) حسن بدوى وإيمان رسلان ,. معركة انتخابات اتحاد الطلاب , الأهالى , 2\1\1985 , مجدى مهنا , عودة الروح إلى الجامعة , الوفد , 6\12\1984 , حمدى عبدالعزيز , العنف فى انتخابات الجامعة , روزاليوسف , 1 و 24\12\1984 .

(117) حسن بدوى وعزة شلبى , الحكومة وطلاب الجامعة , الأهالى , 10\10\1984 , لطفى عبداللطيف , مهرجان انتخابات الجامعة , الأحرار 3\12\1984 .

(118) منشورات أصلية صادرة عن تيارات طلابية مختلفة .

(119) حمدى سليم وحمدى الليثى , قيادات الحزب الحاكم تتدخل قى القيادات الطلابية , الأهالى , 5\12\1984 , كارم محمود , التدخل فى جامعة عين شمس , الشعب , 11\12\1984 .

(120) منشورات أصلية صادرة عن الإتحاد .

(121) بخصوص هذه الواقعة , انظر , على سبيل المثال : الوفد , 29\11\1984 , والشعب , 4\12\1984 .

(122) وفقا لما كتب زكى نجيب محمود فإن الحيرة واضحة أكثر عند الطلاب . "إن الشاب الفلاح أو الشاب العامل يتحول قطعا إلى ماهو أفضل , على حين أن الوساوس تحيط بالشاب المثقف خشية أن يكون تحوله منحدرا به إلى ماهو أسوأ .. مشكلة الحيرة فى مرحلة الانتقال لا أراها تشمل فى أصحاب تلك السن إلا فئة واحدة . هى فئة المثقفين والطلاب منهم بوجه خاص " (زكى نجيب محمود , عصر التحول , الأهرام 4\2\1977).

(123) من بين الكتابات الكثيرة فى هذا الصدد (إلى جانب ما ذكر آنفا) . انظر : رجب البنا , ونحن نفتح ملف الشباب , الشباب والفراغ , الأهرام 6\2\1981 , على الدين هلال , ثقافة الشباب , الأهرام 15\12\1981 , ولنفس المؤلف , مصر التى نريدها , روزاليوسف 17\10\1983 , ومحمد اسماعيل , 30 عاما من الثورة (ملخص لدراسة المجلس القومى للخدمات والتنمية الاجتماعية عن الشباب ) العرب 21\2\1983 , جيل الطموح السهل والعملة الصعبة , أوراق , يونيو 1983 , أحمد مصطفى , التلاميذ دخلوا إلى مجال الجريمة , كيف؟ , أكتوبر 10\7\1983 , يوسف عباس , الشباب المصرى بين المطرقة والسندان , اليسار العربى , ديسمبر 1983 , ربيع الشيخ , الهروب – 700 شباب يغادرون مطار القاهرة يوميا , أخبار اليوم 3\12\1983 , درية الملطاوى , ظواهر إجرامية جديدة مع تطور المجتمع , صباح الخير 29\12\1983 , أحمد الشرقاوى , مذكرات طبيب شاب , صباح الخير , 29\12\1983 , صلاح منتصر , من أجل شقة , العرب , 8\3\1984 . ولنفس الكاتب , مشكلة الإسكان السبب , العرب , 10\3\1984 , حديث مع الشيخ متولى الشعراوى . أزمات الشباب نحن صنعناها , سيدتى , 20\6\1983 .

(124) انظر إلى جانب ما سبق ذكره توفيق الحكيم , ثورة الشباب , مكتبة الآداب القاهرة 1984 , يوسف ميخائيل أسعد , الثقافة ومستقبل الشباب , الهيئة المصرية العامة للكتاب , القاهرة 1984 , وهناك كتابات أسبق منها : حسين طنطاوى , الشباب – إلى أين - ؟ دار الشعب 1977 .

(125) انظر : حسن على محمد , دراسة عن " مجلة الشباب وعلوم المستقبل , الشباب وعلوم المستقبل , إبريل 1984 . وانظر أيضا بنفس المجلة طه محمد كسبه , الشباب المصرى – قضية وطنية ملحة, يونيوأكتوبر 1983 .

(126) انظر على سبيل المثال : إقبال السباعى , غيرة الشباب على الدين لا تبرر التطرف , روزاليوسف 16\1\1984 , سيد أبو دومة , حوار مع شباب كرداسة , الأهرام , 16\3\1984 , حوار مع الشباب المسلم , الشعب , 27\3\1984 .

(127) انظر : صلاح قنصوه , تسرب الشعور بالانتماء لدى الشباب , ورقة مقدمة من المؤتمر الدولى التاسع للإحصاء والحسابات العملية والبحوث الاجتماعية والسكانية , القاهرة 31 مارس – 10 إبريل 1984 .

(128) انظر على سبيل النثال : عبدالعظيم درويش , استثمار طاقات الشباب فى مشروعات خطة التنمية , الأهرام 26\7\1983 , محمد محمد سليمة , فى أول تجربة لممارسة الحب والانتماء (حول مشاركة الشباب فى مشروع وزارة الثقافة لإعادة ترميم آثار منطقة القلعة) الشباب وعلوم المستقبل , سبتمبر 1983 , حمدين موافى , الشباب ومشكلة الإسكان ( حول مبادرات الشباب لحل المشكلة) , الشباب وعلوم المستقبل إبريل 1984 .

(129) انظر , على سبيل المثال : عبدالكريم يعقوب , للشباب رأى فى تفضيل المنتجات المصرية , الأهرام 26\7\1983 .

(130) سعد ابراهيم جمعة , مرجع سابق , ص145 , 147 .

(131) المرجع السابق ص 156 – 158.

(132) فايز زايد وآخرون , لماذا لا يشارك الشباب فى العمل السياسى , صوت الشباب , 1\4\1984 .

(133) مثل حبيبة سحلب (عضو مجلس الشعب ) فى المرجع السابق .

(134) مثل ابراهيم الذهبى (عضو مجلس الشعب ) فى المرجع السابق .

(135) مثل د. عادل عز ( عميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية) , فى :المرجع السابق . وطبقا لما يقول د. عز :"يجب أن نبعد شبابنا طلاب الجامعات , عن الاشتغال بالسياسة داخل الجامعات , حتى لا يصبح الحرم الجامعى مسرحا للصراعات الحزبية , التى قد تشوه الرسالة الجامعية"!

(136) المرجع السابق .

(137) انظر : عثمان ظاظا , الشباب – حقل تجارب للحزب الحاكم , الأحرار , 27\9\1982 , المؤتمر الأول لقيادات وكوادر "اتحاد الشباب التقدمى" بحزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى , الأهالى , 3\11\1983 .

(138) انظر الجهود التى بذلت من خلال "دورات الإعداد الحزبى" فى "مركزإعداد القادة" للحزب الوطنى الديموقراطى : فتيات الحزب يشاركون فى وضع الحلول للمشاكل العاجلة , مايو 3\10\1983 , محمود صادق , الجنرال كسل يغزو الأحزاب المصرية , المجلة 18\8\1984 . وانظر أيضا : أعمال المؤتمر القومى الأول لشباب الحزب الوطني الديموقراطى , الأهرام , 20\7\1983 .