العفو الرئاسي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العفو الرئاسي



بقلم / الدكتور رفيق حبيب

صدور عفو رئاسي من الرئيس حسني مبارك عن الكاتب الصحفي الأستاذ إبراهيم عيسي، وإلغاء تنفيذ الحكم الصادر ضده بالحبس لمدة شهرين، عمل إيجابي من قبل مؤسسة الرئاسة في مصر، ولكنه يضع أمامنا العديد من الأسئلة التي لا نجد لها إجابة. فهل يمكن اعتبار هذا العفو مقدمة لإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر، أم أنه مقدمة لصدور عفو رئاسي عن رجل الأعمال هشام طلعت مصطفي؟ وهل يمكن صدور عفو مماثل بأي أسباب عن الدكتور أيمن نور، أو عن المهندس خيرت الشاطر النائب الثاني لمرشد جماعة الإخوان المسلمين أو أي أحد من إخوانه المحبوسين بحكم عسكري، ولأي سبب من الأسباب؟


ولا يمكن بالطبع تصور أن العفو جاء خاصاً بإبراهيم عيسي، فهو صحفي متمرد من وجهة نظر النظام، فهل يكون العفو عنه محاولة لاستمالته ووقف معارضته الحادة للنظام أو التخفيف منها، رغم أنه ليس بالشخص الذي يستجيب لمثل تلك المحاولات؟ أم أن هذا العفو ليس إلا حالة خاصة جدا، وليس مقدمة لأي مواقف أخري؟


تلك الصورة الغامضة والمضطربة، ليست نتاجاً لعدم فهمنا لاتجاهات الحكم في مصر، بل هي نتاج لعدم وضوح رؤية النظام الحاكم نفسه تجاه سياساته الراهنة والمستقبلية. فمن الواضح أن النظام الحاكم في مصر بات في مرحلة فارقة، أو في مفترق طرق، لم يحدد بعد اتجاهاته أو خططه المستقبلية، ويبدو منشغلا بالبحث عن طريق للمستقبل، لا نقصد مستقبل مصر بالطبع، بل نقصد مستقبل النخبة الحاكمة. ويبدو أيضاً أن اقتراب عملية انتقال السلطة في مصر، تجعل النظام في حالة حيرة في كيفية التعامل مع المواقف المختلفة والأزمات المتنوعة التي يواجهها. وفي خضم تلك الحالة من الحيرة، تغيب أي سياسة عامة أو خطط مستقبلية، وتتركز اهتمامات النخبة الحاكمة علي قضية بقائها في السلطة، وتأمين قدرتها علي نقل السلطة من الرئيس الحالي إلي الرئيس القادم، دون أن تتعرض لأي احتمالات تهدد وجودها في السلطة، أو تنهي هذا الوجود. والرغبة العارمة في البقاء في السلطة، تؤدي إلي اتخاذ مواقف متشددة من كل فصائل وقوي ورموز المعارضة، كما تؤدي إلي التضييق الشديد علي كل مناحي العمل العام، لدرجة جعلت النظام يتجه إلي تكريس حالة السيطرة الشاملة علي المجال العام من خلال الدستور والقانون. ولهذا جاء العفو الرئاسي عن إبراهيم عيسي وكأنه نغمة نشاز، لا تتفق مع كل ما جاء قبلها، وغالبا لن تتفق أيضا مع كل ما يأتي بعدها. ولهذا نري أنها حالة خاصة جدا، لها علاقة بعدم قدرة النظام الحاكم علي حسم موقفه من كيفية السيطرة علي الصحافة وإعادتها إلي مربع الحرية المنقوصة، أو الحرية المغيبة.


بهذا نصبح أمام احتمال أول، بأن مؤسسة الرئاسة وجدت أنه من غير المناسب دخول صحفي إلي السجن في قضية نشر، لأن هذا يمثل دليلا إضافيا علي ضيق النظام بكل أشكال المعارضة، حتي مع قدرته علي تأمين الشارع المصري، وحصار أي نشاط سياسي، مما يجعل سجن صحفي عملاً غير مبرر، حتي من وجهة نظر سياسة تعتمد علي الاستبداد الشامل كمنهج عمل. وقد يكون ثمن سجن إبراهيم عيسي مكلفا للنظام، ومفيدا لمصداقية الصحفي وجريدته، مما يجعل هذا الثمن غير مطلوب. وبهذا نكون أمام قرار لحظي مرتبط بموقف محدد، وليس له أي علاقة بأي سياسات مستقبلية، ولا يعني التسامح تجاه حرية الصحافة، ولا يمنع من مواجهات مستقبلية مع الصحافة التي تمارس حرية خارج الإطار المسموح به. وربما يكون قرار العفو سببا في هجمة جديدة علي الصحافة، وربما تكون شديدة القسوة. فقد يكون لدي متخذ القرار توقع بأن قراره سيؤدي إلي تهدئة العلاقة بين الصحافة ومؤسسة الرئاسة، وربما بيت الرئاسة أيضا، مما يفيد في تهدئة الأجواء أمام خطط نقل السلطة في مصر. فإذا لم تتحقق هذه النتيجة، واستمرت الصحافة في تناول مؤسسة الرئاسة، وبيت الرئاسة، ومسألة التوريث لمبارك الابن، فقد يعني هذا بالنسبة لمتخذ القرار أن قراره لم يكن مؤثرا، وبهذا يكون القرار من وجهة نظر صاحبه تساهل في غير محله، وعليه تكون النتيجة هي توجيه ضربات موجعة للصحافة، حتي تؤدي سياسة الترهيب لما فشلت فيه سياسة الترغيب، ومن المحتمل أن توجه الضربة في هذه الحالة إلي إبراهيم عيسي نفسه، حتي تكون عظة ودرساً متكاملاً، بمعني أن من لا يستفيد من صبر النظام، عليه أن يواجه غضبه.


ولكن هناك احتمالاً ثانياً بسيطاً في الواقع، ويجعل المسألة ليست إلا مجرد حادثة ليس لها علاقة بأي سياسة حالية أو مستقبلة، وهذا الاحتمال يقوم علي أساس أن القضية أساسا ترتبط بالرئيس حسني مبارك نفسه، ولا ترتبط بأدائه أو قراراته، ولكن ترتبط بشخصه، فهي تدور حول صحة الإنسان حسني مبارك. وربما يكون هذا سببا في جعل القضية تخص شخص الرئيس، لهذا فقد تدخل الرئيس ليعفو عن إبراهيم عيسي، حتي لا يكون حبس الصحفي تم في قضية تخص شخص الرئيس. ومعني هذا أن فكرة تحويل الصحفيين إلي المحاكم بما يؤدي إلي حبس بعضهم، مازالت فكرة قائمة، ولكن المطلوب فقط أن تكون في نوعية قضايا أخري، حتي تبدو أنها قضايا قومية عامة، رغم أن صحة الرئيس يمكن اعتبارها في نظام يعتمد علي حكم الفرد، قضية أمن قومي. وإذا صح هذا الاحتمال، فتكون مؤسسة الرئاسة قد رأت أن القضية تبدو مرتبطة بها أكثر مما ينبغي، وتخص الرئيس شخصيا، وكأنه أصبح موضوع حكم السجن. وربما أيضا اعتبرت القضية بما أنها تخص شخص الرئيس، إذن فهو المجني عليه، الذي من حقه التنازل عن حقه. وهذا التوصيف للقضية، وهو احتمال غالب، لا يجعلها مسألة تتعلق بمسار الصحافة، بقدر ما يجعلها مسألة شخصية بحتة. وبهذا يكون قرار العفو الرئاسي جزءا من تحولات نظام الحكم نحو الشخصية المفرطة، والتي تجعل الشخص عنواناً لنظام الحكم، أو تجعل نظام الحكم عنوانا للشخص. ففي كل الحالات يدور الحكم حول مؤسسة الرئاسة، والتي تدور بدورها حول شخص الرئيس.


مع كل هذه التفسيرات والاحتمالات، يغيب الاحتمال المفقود، وهو دائما مفقود مع نظام الحكم في مصر، وهو احتمال تصحيح المسار. فالنظام الحاكم في مصر لا يريد في الواقع العملي تصحيح مساره، ولا بأي درجة ولو نسبية أو جزئية، رغم أن المطلوب تصحيح مسار كبير أو شامل. ورغم تعدد المناسبات التي كانت تسمح للنظام بتعديل مساره أو تغيير توجهاته، ومنها حالة الحراك السياسي التي بدأت في عام 2005، فإن كل تغيير يحدث في أسس النظام الحاكم أو في الدستور أو القوانين، يؤدي في الواقع لما هو أسوأ. وتلك كانت واحدة من مفاجئات النظام الحاكم، عندما أجري تعديلات في الدستور من شأنها تقييد حرية تأسيس الأحزاب، وتكريس المحاكم العسكرية الاستثنائية، وإلغاء الإشراف القضائي الإلزامي علي الانتخابات، فأخذ النظام مساراً نحو المزيد من الاستبداد، وهو لم يكن في حاجة لتلك الجرعة الإضافية من الاستبداد والسيطرة علي مقاليد الحكم، فما كان موجودا بالفعل كان كافياً ويزيد. ومع هذا أهدر النظام الحاكم تلك الفرص، والتي كانت تسمح له بالتحرك نحو ما هو أفضل ولو نسبيا، حتي يعطي انطباعاً ولو خادعاً، بأنه راغب في التغيير. ولكن موقف النظام الحاكم يؤكد أنه أفقد نفسه العديد من الفرص، وربما لم تعد أمامه فرص أخري، لأنه فقد مصداقيته بالكامل أمام الناس. ولهذا لا يمكن تصور أن يكون العفو الرئاسي بداية جديدة، رغم أن الكل في بر مصر يتمني هذا، ولكن النظام أصبح غير قادر علي تحسين مساره، بعد أن كان قبلاً غير راغب في ذلك. ولهذا يصبح العفو الرئاسي حدثا مرحبا به، ولكنه مجرد حدث، أو مجرد موقف، وليس سياسة ما جديدة بأي حال من الأحوال.


المصدر : نافذة مصر