العيد.. والمستجدات على الساحتين الفلسطينية والعراقية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
العيد.. والمستجدات على الساحتين الفلسطينية والعراقية

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

مقدمة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد.. فالأعياد في الإسلام وقفات متأنية بعد عمل صالح، قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة: 185).

العيد.. والمستجدات على الساحتين الفلسطينية والعراقية

رسائل.gif


والأعياد جائزة ربانية لمن استجاب لله واتبع هداه، وسار على نهج رسوله- صلى الله عليه وسلم- إيمانًا واحتسابًا، وهي فرحةٌ وسرور،ٌ وبهجةٌ بعد طاعة، وعبادةٌ واستقامةٌ على طريق الإيمان.. هذا بعض ما يشعر به المؤمن حين يتأمل الفترة التي سبقت العيد.. ومن ثم فقد وجب على المسلم أن يرتفع فوق الدنايا، ويسمو عن الوقوع في الخطايا، وأن يعزم بصدق أن تكون حياتُه كلُّها حياةً كريمةً، يعشق الطاعة، ويسعى للخير، ويصدُق مع ربه، ويعاهده على العمل لدينه والجهاد في سبيل إعلاء كلمته.

لقد انتهى رمضان، ودخل التاريخ كفترة مضيئة في حياتك، فترة عامرة بالخير والعطاء، بتلاوة القرآن وبالصبر؛ احتمالاً لكل ما تلقاه، ومن هنا وجب عليك بعد رمضان أن تكون جنديًّا مؤمنًا، تقف في حياتك كلها إلى جانب الله، وتتمسك بهذا الدين العظيم، وتتبع هدي النبي الكريم، لا تترك قيام الليل فهو شرف المؤمن.. كما قال- صلى الله عليه وسلم-: "شرف المؤمن قيام الليل وعزُّه استغناؤه عن الناس".. يقول الحق سبحانه: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99).

وعلى من صام رمضان أن يوقن بأن الإسلام أنشأ أعظم حضارة في التاريخ، لا يحارب العلم، بل يحض عليه، ويجعله من فرائضه، ويكرم العلماء، ويرفع منزلتهم في الدنيا والآخرة، ويشجِّع على التقدم والابتكار والإبداع.. وقد شملت حضارتُه الإنسانَ كله، روحَه وعقلَه وجسدَه، عملَه وعبادتَه، فكرَه ومشاعرَه وسعيَه من أجل الدنيا والآخرة، في توازن دقيق.. وعلى من صام رمضان أن يعلم أن الإسلام يحمي الإنسان ويصون كرامته، ويحافظ على حريته ويحترم آدميته (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70).

مجزرة الفلوجة

وفي الوقت الذي يحتفل فيه العالم العربي والإسلامي بالعيد، تتعرض مدينة الفلوجة العراقية إلى هجوم شامل بالطائرات والدبابات وعشرات الألوف من جنود المشاة البحرية الأمريكية.. نعم لا زالت هناك مقاومة وصمود، ولكن شعب الفلوجة من المدنيين- شيوخًا ونساءً وأطفالاً- يتعرضون للتصفية والإبادة.

لقد حوصرت الفلوجة ومُنع عنها الطعام والشراب والإغاثة الطبية، وهُدِمت المساجد، وكل المستشفيات، وخُربت البيوت، وصارت الجثث وأشلاء الضحايا في الشوارع شاهدةً على إجرام الإدارة الأمريكية (ومن عاونها)، والصمت المريب، والصمم العجيب الذي أصاب العالم، والعجز المهين الذي تعانيه الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية، والتآمر المخزي الذي قامت به الحكومة الانتقالية في العراق..!!

لقد انهارت دعاوى التحرير، ودعاوى الزعم بإقامة الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان الذي روجت له الإدارة الأمريكية، وانكشف القناع عن الوجه القبيح للاحتلال، وبلغ التضليل والبهتان والاستخفاف بالرئيس الأمريكي منتهاه؛ إذ زعم أن القوات الأمريكية قامت باجتياح المدينة بإذن من حكومة علاوي (المعينة من قبل الاحتلال)، وأن العمليات العسكرية رمَت للقضاء على "الإرهاب الأجنبي" داخل العراق..!!

ولا شك أن الشعوب العربية والإسلامية وكافة منظمات المجتمع المدني في كل أنحاء العالم مطالَبة بالوقوف في وجه العدوان الأمريكي، الذي استباح كل شيء، وأعاد إلى العالم شريعة الغاب، والذي لن يتوقف عند حدود العراق، بل سيتعداه إلى ما وراءها.. فهل من مجيب؟!

ماذا وراء مؤتمر شرم الشيخ؟

وفي الثالث والعشرين من نوفمبر الجاري يجري عقد مؤتمر بشرم الشيخ؛ بهدف مناقشة كيفية مساعدة العراق في التحول نحو الديمقراطية!! وفى إجراء الانتخابات في مطلع العام المقبل، ويُعقد المؤتمر في ظل ظروف أمنية بالغة الخطورة، فضلاً عن الاجتياح الهمجي والكارثة الإنسانية المروعة التي تتعرض لها مدينة الفلوجة.

وقد حددت الإدارة الأمريكية الأطراف التي ستشارك في المؤتمر، والتي تتضمن: دول الجوار، والدول الصناعية الكبرى، والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والأمم المتحدة.. ولن يكون هناك بطبيعة الحال سماح لهذه الأطراف المشاركة بمعارضة السياسات والتوجهات الأمريكية، وإنما سوف يكون المؤتمر مجرد تظاهرة سياسية وإعلامية للتغطية على ورطة الإدارة الأمريكية في العراق، ولتكريس شرعية العدوان والاحتلال الأمريكي له.

أما موعد انسحاب قوات الاحتلال واحترام سيادة العراق فهي من الأمور غير المطروحة على جدول الأعمال وغير المسموح بمناقشتها، ومن ثم فإن الدول العربية مطالَبة- قبل غيرها- بتبني مسألة الانسحاب والمطالبة بها.

ماذا بعد عرفات؟!

وعقب رحيل عرفات صرَّح بوش بأن قيام دولة فلسطينية عام 2005م صار أمرًا غيرَ واقعي، وأن عام 2009م هو الأكثر ملاءمةً لذلك!! وقد فرح الكيان الصهيوني بهذه التصريحات، وهلَّل لها، بالرغم من أن الدولة المزعومة دويلة هزيلة ممزقة الأوصال ولا جيشَ لها، ولا تتمتع بأي قدر من السيادة، وأود أن أقول إن دولةً فلسطينيةً (وعاصمتها القدس) وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.. كل هذا لن يكون منحةً من أحد، ولن يقيمها إلا شعب فلسطين بإيمانه وصلابته وصموده عبر خيار المقاومة الذي ارتضاه، خاصةً أمام عدو غاصب لا يفهم سوى لغة القوة.

ومن ثم على كل فصائل المقاومة أن تتعاون جميعًا للوقوف في وجه الهجمة الصهيونية، وهذا لن يتحقق إلا إذا وحدوا صفوفهم وأعادوا بناء مؤسساتهم على أساس من الأخلاق والتضحية والثبات، وليحرصوا على أن ارتكاب أي خطأ قد يؤدي إلى انفلات أمني يصعب السيطرة عليه، وفي هذه الفترة الحرجة من تاريخ القضية الفلسطينية من الضروري إعادة بناء المجتمع السياسي الفلسطيني على أسس من الديمقراطية الحقة، وأن يواكب انتخابات الرئاسة التي تحدد لها التاسع من يناير القادم عقد انتخابات عامة أخرى، بدءًا من مستوى مجالس القرى والمدن، وانتهاءً بمستوى المجلس التشريعي، وأن تتوفر لهذه الانتخابات كافة ضمانات الحيدة والنزاهة؛ حتى تخرج معبرةً بحق وصدق عن إرادة الشعب الفلسطيني الذي يجب أن تتاح له الفرصة الكاملة في صنع الحياة وتقرير المصير.

ومن الضروري أيضًا العمل على تشكيل قيادة موحدة خلال هذه الأيام؛ لإزالة أي عقبات من قبل رجال السلطة الفلسطينية أمام الجيل الجديد من فصائل المقاومة، وخاصةً حماس والجهاد، والذي أثبت شرعيةً متميزةً، وقدم تضحيات غاليةً في التصدي للكيان الصهيوني، والدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات عبر قيادة الانتفاضة الأولى والثانية.

وعلى العالم العربي والإسلامي وحكام المسلمين أن يتحملوا مسئولياتهم تجاه الشعب الفلسطيني الذي يعاني حصار الجوع والموت، وأن يقدموا له الدعم المادي والمعنوي، وأن يتحركوا لإيقاف نزيف الدم، وتجريف الأراضي، وهدم البيوت، وليعلموا أن الشعب الفلسطيني لا يدافع عن نفسه وأرضه ومقدساته فقط، لكنه يدافع عن الأمة كلها، إذ إنه يمثل في حقيقة الأمر حائطَ الصد في مواجهة المشروع الصهيوأمريكي.

إلى السجناء

وفي أيام العيد المباركة نرسل تحيةَ شوق وإعزاز وتقدير إلى المرابطين من إخواننا خلف الأسوار في كل مكان، في مصر وفلسطين والعراق وأفغانستان، ونقول لهم: أيها المجاهدون الأحباب.. إن دعوات إخوانكم لا تنقطع ليل نهار، ونوصيكم أن تذكروا دائمًا حقيقةَ دعوتكم، وجوهر فكرتكم، ومكانةَ عقيدتكم.. إن غايتَكم الله.. فلا تنسَوا هذه الغاية العظيمة، وقائدكم سيد الخلق.. فتمسكوا بسنته وبالمنهج الذي جاءكم به، ودستوركم القرآن.. فأكثِروا من تلاوته وتدبُّر معانيه، والجهاد سبيلكم.. فلا تُشغلوا عنه بغيره، والشهادة أسمى أمانيكم.. فكونوا حريصين عليها.

وتحيةً أيضًا إلى الأهل والأولاد، والأمهات الثكالى، والنساء الأرامل، والأطفال اليتامى، سائلين المولى- عز وجل- أن يربط على قلوبهم، ويشرح صدورهم، ويثبِّت على طريق الحق أقدامهم.. إنه سبحانه نعم المولى ونعم النصير.