اللواء عادل سليمان يكتب : داعش والشكر الواجب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اللواء عادل سليمان يكتب : داعش والشكر الواجب


(8/13/ 2015)

اللواء عادل سليمان

الشكر الواجب لداعش يجب أن يكون من أميركا في المقام الأول، حيث أنقذت داعش المشروع الأميركى للشرق الأوسط الجديد، بعد أن أصبح على حافة الفشل، والشكر من روسيا حيث حفظت لها ماء الوجه في مواجهة المشروع الأميركى من ناحية، وأيضاً في مواجهة حلفائها المتبقين في الشرق الأوسط من ناحية أخرى.

والشكر واجب لداعش، أيضاً، من نظم الحكم التقليدية فى المنطقة، سواء التي ما زالت متشبثة بمقاعد السلطة، أو من التي تركت المقاعد لورثة جدد، لا يختلفون كثيراً عنها.

وبطبيعة الحال إيران في مقدمة من يحملون الشكر لداعش. وأيضاً تركيا.

ولا يفوتنا العدو الإسرائيلي. الكل مدينون بالشكر لداعش، عدا الشعوب العربية، لأنها الطرف الوحيد الخاسر.

ولأني لست من دعاة نظرية المؤامرة، فلن أدعي أن داعش التى أصبحت تنظيم الدولة صنيعة أميركا، ولا حليفة إيران ، أو صديقة الأسد وروسيا، أو تسير في ركب تركيا وأردوغان، أو نتاج الموساد الإسرائيلي.

إنها ليست شيئاً من هذا كله، لكنها جاءت في وقت كان الكل في أشد الحاجة إليها، وكأنها قبلة الحياة لمشروعات باتت قاب قوسين أو أدنى من الانكشاف الذي يسبق الانكسار.

ولنبدأ بالمشروع الأميركي للشرق الأوسط الجديد عبر حالة الفوضى الخلاقة، والذي انطلق مع بداية الألفية الثالثة، ولأن الفوضى مثل الحرب، قد يمكن التحكم في توقيت إطلاقها وكيفيته. ولكن، لا يمكن التحكم في نتائجها، ولا كيفية إيقافها.

أطلقت أميركا العنان للفوضى التي حسبتها خلاقة، لكن الزمام كاد أن يفلت من يدها، عندما بدا أن فوضاها "الخلاقة" ستفرز شرقاً أوسط غير الذي كانت تريده، لا يحمل لها وداً، لكنه، على أحسن الأحوال، يريد أن يكون لها نداً، والأهم أنه يحمل طابع الإسلام السياسي الذى يطرح نفسه باعتباره الخيار الشعبي، ما أربك المشهد تماماً بالنسبة لصناع السياسات والقرارات في أميركا والغرب، حتى جاء الظهور الزاعق لداعش في العراق والشام، وهم يرفعون السيوف، ويقطعون الرقاب، ويحرقون الأحياء، رافعين راياتهم السوداء، وشعارات الجهاد، وإنهم من يملكون الحق، ولا حق غير ما يملكون.

وكان لا بد لداعش أن تقيم دولة، وتمثل خطراً داهما على البشرية، وفي مقدمتها الشرق الأوسط. وأقامت داعش الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة فى العراق وسورية ، واستولت على محافظات ومدن وبلدات، ومدت أذرعاً لها في أرجاء المنطقة، من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، ورفعت شعاراً مثيراً هو أنها باقية وتتمدد.

"لم يعد هناك مجال للحديث عن بناء نظم سياسية، ودول مدنية حديثة، لأنه لا صوت يعلو فوق صوت الحرب على الإرهاب الذي هو داعش، ولا عزاء للشعوب"

هنا فقط تحركت أميركا، ودعت إلى تحالف إقليمي ودولي لمحاربة إرهاب داعش، والمثير أن جميع الأطراف، مع كل ما بينها من اختلافات، رحبت بهذا التحالف، من دون أن تفعل شيئا ملموساً.

ولكن كل طرف اتجه من فوره نحو كيفية توظيف الأمر لصالحه، وهو تحت عباءة التحالف ضد داعش.

أميركا فى البداية وظفت الأمر بمهارة وسرعة نحو تمرير اتفاق استراتيجى شديد الأهمية مع إيران لتوثيق تحالف إقليمي جديد بعد غياب طويل، والعنوان محاربة الإرهاب. بالطبع في إطار حل المشكل النووي.

تحركت روسيا بسرعة، لتقنع أميركا والعرب، خصوصاً السعودية والخليج، بأن محاربة الإرهاب الذي هو داعش تتطلب التوصل إلى حل توافقي فى سورية ، قد يكون ثمنه بشار الأسد وبعض الشخوص يتوارون عن المشهد، تحت ذريعة أنه لا مجال لحرب داعش في سورية ، من دون نظام قوي في دمشق، ولا مانع من إبعاد بشار.

وفي السياق نفسه، ولإظهار حسن النيات، ترفع إيران قبضتها عن دعم الحوثي وعلي عبدالله صالح في اليمن، وتزيد أميركا من تنسيقها لدعم السعودية وتحالف الخليج، للوصول إلى حل مشرّف، يضمن أمن السعودية والخليج من ناحية اليمن وباب المندب.

كان على تركيا التي تلكأت كثيراً في الانضمام الفاعل للتحالف ضد الإرهاب أن تدخل في ذلك المضمار بكل جهدها، فتحت عباءة حرب داعش، ستضرب حزب العمال الكردستاني في شمال العراق ، وفي المناطق الحدودية لها مع سورية ، وتنشئ منطقة آمنة، تنقل إليها قرابة 1،7 مليون لاجئ سوري في تركيا.

يضمن العدو الإسرائيلي نظاماً سورياً، يوفر له أمناً وهدوءاً على حدود الجولان، واستمراراً لاتفاق فصل القوات 1974 ، الذي يبدو أنه أصبح نهائياً. هذا فيما يتعلق باتجاه سورية ، أما باقي العرب، وما كان يسمى في أدبياتهم "القضية الفلسطين ية" فقد طغت عليها قضية "الحرب على إرهاب داعش"، بمسمياتها المختلفة.

تبقى النظم العربية، المتصدع منها، مثل سورية وليبيا واليمن، والعراق نسبياً، وغير المتصدع الذي يسعى إلى التماسك بأي ثمن، كباقي الدول مع اختلاف النظم وتباين مستويات الاستقرار، عليها كلها أن تقدم الشكر إلى داعش، التنظيم القادم من رحم القاعدة، رافعاً رايات سوداء، قارعاً طبولاً للحرب، لأنه لم يعد هناك مجال لأي حديث عن أشياء، مثل الحريات السياسية والحقوق والعدالة الإجتماعية أو الكرامة الإنسانية؟ لم يعد هناك مجال للحديث عن بناء نظم سياسية، ودول مدنية حديثة، لأنه لا صوت يعلو فوق صوت الحرب على الإرهاب الذي هو داعش، ولا عزاء للشعوب.

المصدر