المراقب العام لـ"إخوان السودان" يقيِّم تجربة الانتخابات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المراقب العام لـ"إخوان السودان" يقيِّم تجربة الانتخابات

حاوره في الخرطوم- أحمد سبيع:

مقدمة

البروفسير الحبر يوسف عبد الدائم خلال حواره مع الزميل أحمد سبيع

- الانتخابات كشفت الفوضى التي يعيشها العالم كله

- منهج الإخوان القائم على التربية أهم من المشاركة

- رفضنا الصفقات الانتخابية والمبادئ لدينا أهم من كل شيء

- تجربتنا لا تمثل إهانةً للجماعة الأم وهذه هي الأدلة

- لدينا مشروعات في الجنوب لدعم الوحدة ومنع الانفصال

- الترابي استخدم الإخوان سُلَّمًا لجذب الجماهير فرفضته الجماعة

أكد البروفسير الحبر يوسف نور الدائم المراقب العام للإخوان المسلمين بالسودان أن الإخوان المسلمين في السودان حققوا مكاسب مهمة من تجربة الانتخابات.

وأوضح في حديثٍ أدلى به لـ(إخوان أون لاين) أن الإخوان خاضوا الانتخابات بصرف النظر عن النتائج، وأنه سواء حقَّق الإخوان مكسبًا انتخابيًّا أو لم يحققوا إلا أنهم فازوا من خلال ترسيخ منهجهم القائم على تربية المجتمع، وهو ما افتقده السودان خلال الانتخابات الماضية.

وأكد المراقب العام أن الإخوان لهم مشروعات كثيرة في جنوب السودان تعمل من أجل فكرة الوحدة التي رآها قريبةً بسبب هذه الانتخابات.

وأوضح فضيلته شكل العلاقة بين الجماعة والحركة الإسلامية، وهل هي علاقة مشاركة أم معارضة أم علاقة الضد للضد؟ كما بيَّن الأسباب التي دفعت الجماعة للدفع بالنساء في هذه الانتخابات، وما رؤيته لمستقبل السودان؟ وغير ذلك من القضايا التي تشهدها الساحة السودانية، وإلى نص الحديث..

  • مرت السودان بتجربة تضاف لتجاربه السياسية، وهي تجربة ثار حولها جدل كبير بين إشادة ونقد.. فكيف يرى الإخوان هذه التجربة؟
كما يعرف الجميع فإن الانتخابات جاءت كنتيجة لاتفاقية السلام المُوقَّعة بين الشمال والجنوب، وهي مقرر واجب من مقررات هذه الاتفاقية، إلا أن المشهد الذي حدث يجعلنا نؤكد وكأن السودان داخل مرحلة جديدة غير واضحة المعالم، كل شيء فيها ملتبس، وكأنَّ الناس لم يصلوا فيها إلى اتفاق، وظني أن هذا يرجع إلى ضعف التربية داخل المجتمع، وهي التربية التي دعا إليها الإخوان المسلمون؛ لأن بعض الناس يفهم أن التربية هي جزء من الحياة، ولكننا معشر الإخوان المسلمين أحيينا معنى أن الإسلام ينظِّم الحياة كلها بلا استثناء وبكل ما فيها من شعب وشعاب وأودية ونِحَل وسياسة واقتصاد وغير ذلك، باعتبار أن الإسلام دين شامل.

لكن غيرنا ليس لديهم رؤية واضحة ولا منهاج مستقيم ولا مرجع يرجعون إليه، وأظن أن هذا هو الفرق بيننا وبين الناس في الساحة السياسية، ونحن نريد أن نبين حقيقة أن الإخوان المسلمين يمتلكون ما لا يمتلكه غيرهم من نظرة ومن رؤية وبرامج وخطط.

  • أفهم من ذلك أن فضيلتكم غير راضٍ عن تجربة الانتخابات السودانية؟
لو كنا غير راضين لما شاركنا فيها، ولكني غير راضٍ عن الممارسة التي خرجت عن تعاليم الإسلام بين سباب واتهامات خارجة عن المألوف، وهذا للأسف حال العالم كله، وليس حالنا فقط، ولذلك فإن مبادئ الإخوان واضحة في مثل هذه الأمور، والإخوان يملكون الرؤية التي تغيب عن غيرهم، وهم يقدرون الأمور بأشكال مختلفة، فالأصل في الانتخابات أن يتم تقديم المرشحين طبقًا لصفات بعينها، وليس كما يحدث الآن من فوضى أصبح العالم كله يعاني منها، وهي ترجع في الأساس إلى غياب التربية الإسلامية في كل شيء كما سبق الإشارة، وهذا هو منهجنا في الجماعة أننا نقيس الأمور طبقًا لميزان محدد، فإذا لم تتوافر لدينا هذه المقاييس لكان الوضع اختلف.

فوضى

  • معنى ذلك أنكم ترون ما حدث في انتخابات السودان فوضى شارك فيها المجتمع بشكل أو بآخر؟
أنا لم أقل إن المجتمع السوداني فوضوي، ولكن ما أقصده أن ما شهده السودان لا ينفصل عن المشهد العالمي، فالعالم كله محتاج إلى مخرج بسبب المشاكل التي يعاني منها، فالإنسان في تكوينه يحتاج إلى موجه يدله على الطريق، كما أن الإنسان بالعقل وحده لا يستطيع أن يدير شئون حياته، وإنما هناك حاجة لتوجيه رباني، وبالتأكيد فالسودانيون ليسوا بدعةً في ذلك، وهم مثل غيرهم من البشر، وعندما بدأت الحركة الإسلامية في :السودان منتصف الأربعينيات، وسمِّها كما تحب الإخوان المسلمين أو الحركة الإسلامية أو الإسلاميين، أيًّا كانت التسمية؛ فقد رفعنا شعار تحديد الوجهة الفكرية؛ لأن موضوع الشريعة حتى الآن هناك من ينازع فيه، رغم أن قضية أن الإسلام دين ودولة لم يحدث أن اختلف أحد على ذلك منذ بداية الدعوة الإسلامية وحتى جاء المحتل الأوروبي، فبدأ الناس يتكلمون عن دين ودولة وعلمانية.
فالعلمانية والروحية وغيرهما نشأت في الغرب وتلقفها الناس عندنا، والذي حدث أن بعض الناس لم يحسموا هذا الأمر؛ ولذلك إن كانت هناك ثمة فوضى فكرية فهي تأتي من هنا؛ لأن القضية الأساسية عندهم لم يتم حسمها، ونحن بفضل الله حسمناها في تكويننا نفسه، وهذا ما أقصد به كلامي عن تحديد الوجهة الفكرية للوطن، وبعد تحديد الوجهة الفكرية سيكون هناك التربية عند الناس؛ لأن الثانية مبنية على الأولى، وهذا ما ينقص كثيرًا من الأحزاب والهيئات الأخرى، ولكن بتأثير من حركة الإخوان المسلمين أصبح بعض الناس الذين كانوا منشغلين بقضايا فرعية جدًّا كبعض مظاهر السنة، كمظهر شكلي؛ أصبحوا يتهمون بقضايا مختلفة الآن، ونحن لا نقول هذا- معاذ الله- من باب الاستهزاء بالسنة، ولكن نحن نرفض أن يتم حصر الإسلام في قوالب وأشكال محددة، ولو أخذنا مثلاً جماعة أنصار السنة أصبح منهجهم الفكري قريبًا جدًّا من الإخوان بفضل الله.
وبالنسبة لإخواننا الذين جاءوا منذ 1989 هم إخوان مسلمون، ولكنهم فروا من هذا الاسم إلى اسم الحركة الإسلامية؛ لأنه واضح أن هذا الاسم يسبب مشاكل لدى البعض نتيجة الدعاية الإعلامية الشنيعة الظالمة، ولما لقيه الإخوان من صنوف الفتن، وهذا أمر طبيعي مذكور في القرآن نفسه كما جاء في بداية سورة العنكبوت، كما أنه أمر معروف في تاريخ الدعوات.

الإخوان والحركة الإسلامية

لا بالطبع؛ فنحن شيء وهم شيء آخر، ولا سيما في بداية الأمر، وما تعرضت له ثورة الإنقاذ من ضغوطاتٍ وهجمة عالمية، وهي مسألة تاريخية بدأت في الستينيات عندما كنا طلابًا، وكان حسن الترابي أستاذًا يُدرِّس القانون، وقال إن الإخوان يريدون تغيير اسمهم إلى جبهة الميثاق الإسلامي، وأنا سألته وقتها: أين نحن من الإخوان المسلمين؟ فقال إننا نريد واجهةً عامةً يدخل فيها أنصار السنة والمتصوفة وكل الإسلاميين توسيعًا للقاعدة، فسألناه وأين الإخوان في هذا الإطار الكبير، كانت إجابته إن الإخوان بمثابة النواة التي يدور الكل حولها، وقد وافقه بعض مَن انتمى إلى الحركة الإسلامية، ولكن في آخر الأمر عندما آلت إليهم السلطة، وهكذا بدأ يقول إن الإخوان اسم التقطناه في الطريق أثناء السير، بمعنى أن الإخوان هم السلم لمآربهم، فقلتُ له إنك إذا صعدت إلى الأعلى تحتاج إلى السلم لكي تنزل مرةً أخرى عليه.
كانت هذه هي جبهة الميثاق الإسلامي، ثم الجبهة الإسلامية القومية، قلنا لماذا القومية، قال حتى تكون عالمية، ثم بعدها المؤتمر الوطني، واختفى الإسلام حتى من التسمية، وفي 9/9/1999م حدث الانشقاق وكان المؤتمر الشعبي، وخلال السنوات العشر الأولى من الثورة كانت هناك سيطرة للترابي على كلِّ شيء؛ لكن في السنوات العشر الأخيرة اختلف الوضع، وبدأت مشاركة الإخوان في الحياة السياسية.
وأشير هنا إلى أن البداية الرسمية للجماعة في السودان كان عام 1979م أي في شكل التنظيم الرسمي، ولكن الجماعة كانت موجودةً منذ الأربعينيات كأفرادٍ يحملون الفكرة التي انتشرت بشكلٍ واسعٍ في أوساط السودانيين.
  • ماذا كان موقف الجماعة من جبهة الإنقاذ عندما قامت عام 1989م؟
لقد نصحنا إخواننا في جبهة الإنقاذ عام 1989م أن يوسعوا دائرة المشاركة، وهو ما يسعون إليه الآن، وهو ما يؤكد أيضًا بُعد الرؤية التي يتمتع بها الإخوان، ورغم أن طرحنا هذا عام 89 كان مستهجنًا وغير مقبول إلا أن ما يحدث الآن يؤكد هذه الرؤية الإخوانية، فنحن رأينا في توسيع المشاركة ضمانة للمجتمع الدولي الذي تحفظ في التعامل مع جبهة الإنقاذ، بل إننا بتوسيع المشاركة نجنب الداخل الصراعات أيضًا، ولكن البعض كان يرى في الانتخابات "تحصيل حاصل"، والبعض الآخر كان متخوفًا من التحول الديمقراطي الذي سينتج عن الانتخابات، وموقفنا كان مع الانتخابات منذ البداية، وحتى الآن، وعندما طرحت فكرة الانتخابات في البرلمان المنتهي مدته، كان رأينا أن تجري الانتخابات على مراحل حتى تستقيم التجربة وتثبت نجاحها، ولكن الرأي الغالب كان أن تجري الانتخابات بالشكل الذي جرت عليه ووافقنا؛ لأننا مع الفكرة الأساسية وهي الانتخابات؟

خسارة الجماعة

  • فضيلة المراقب العام هناك مَن يرى أن خوضكم الانتخابات انتقص من الجماعة ولم يضف إليها، خاصةً أن النتائج تشير إلى حصولكم على مقعد أو ثلاثة على أكثر تقدير رغم أنكم رشحتم 140 ما بين رجل وامرأة.
السياسة جزءٌ من تفكيرنا ولكنها ليست كل التفكير؛ لأنها جزءٌ من الإسلام الشامل الذي ننادي به، ومن هنا كان قرار المشاركة بصرف النظر عن النتائج؛ لأن البعض كان يظن أن الإخوان دراويش وليس لهم في السياسة، ولكننا وبحمد الله بنينا موقفنا بشكلٍ عاقل فلم ننسحب مثلاً، ولم نعقد صفقاتٍ مع النظام، ولم نُغيِّر شعارنا أو رمزنا، بل الأكثر من ذلك هم عرضوا علينا المشاركة من خلال القائمة الحزبية للمؤتمر الوطني، وبالفعل قدَّم لي المؤتمر عرضًا أن أخوض الانتخابات على قائمتهم التي يتقدمها نائب الرئيس علي عثمان طه، يليه علي عمر عوض الله ثم الحبر يوسف عبد الدائم، وهو ما كان سيتكرر في أماكن أخرى، وهو بالفعل كان سيضمن لنا مقاعد في البرلمان، ولكن لأن هدفنا هو ترسيخ المبادئ فقد رفضنا ذلك وخضنا الانتخابات برمزنا وباسمنا وبشعارنا، وسواء فزنا أو لم نفز فإنه أمر لا يهمنا وفوزنا الحقيقي هو نشر مبادئنا.
  • ولكن فضيلتكم ألا تتفق معي أن في هذا إهانة لجماعة بحجم الإخوان لها وجودها القوي في كل البلاد المحيطة بالسودان؟
لا أتفق معك أن هذا إهانة؛ لأن كل وطن له ظروفه، وكل إقليم له وضعه، وتكريم الجماعة في أن يتم نشر فكرها، وأن يتواجدوا بين الناس، وهو أمرٌ متوفرٌ عندنا بحمد الله في السودان، وكما يعلم الجميع فإن نظرتنا للأمور لا تكون دنيويةً فقط، كما أن للجماعة مقاييس فكرية وتربوية تتخذ بناءً عليها مواقفها، وهذا أمر واقع وليس مجرد كلام، ولا أُنكر أننا في الداخل كانت عندنا آراء مختلفة منها مَن كان يطالب بضرورة أن يكون عندنا ممثلون في البرلمان والحكومة حتى نستطيع التأثير بين الناس، وفي النهاية كان الرأي أن التأثير بين الناس يكون في كل المجالات ومن مختلف المنابر الخاصة بالجماعة، والتي لا يجب أن نغفل عنها.

مشاركة رمزية

  • إذا لم يكن الفوز هدفًا للجماعة فلماذا شاركت بهذا العدد الكبير، وكان يكفيها المشاركة الرمزية، وكذلك لماذا دفعتم بالنساء لغمار معركة محسوبة مسبقًا في غير صالحكم؟
أولاً العدد ليس كبيرًا مقارنةً بعدد المجالس التشريعية في الولايات والمجلس الوطني الاتحادي، فالعدد هو في حدِّ ذاته مشاركة رمزية، فنحن 140 مرشحًا من بين 14 ألف مرشح، أما مشاركة النساء فكان يهمنا أن نُقدِّم النموذج الجيد للمرأة المسلمة الملتزمة التي تستطيع أن تقف ضد دعوات التغريب التي يحاول البعض تصديرها لنا، ولا أخفيك قولاً أن فكرة مشاركة المرأة أخذت نقاشًا مطولاً داخل الجماعة حول شرعية هذه المشاركة، وكان الرأي الغالب هو المشاركة؛ لأن العمل السياسي والدعوي عند نساء الجماعة لا يقل عما هو عند الرجال، فهو عمل قديم ولدينا رموز نسائية لها وجودها وتأثيرها في المجتمع مثل الدكتورة سعاد الفاتح أطال الله عمرها، والدكتورة نفيسة زوجة الدكتور الصادق عبد الماجد المراقب العام السابق للجماعة، فلدينا العديد من النساء المتعلمات والملتزمات والحاصلات على أعلى الشهادات العلمية، ومن حق المجتمع علينا أن نقدمهن للارتقاء به في ظل الأمية المنتشرة في السودان.
  • أعلنتم في بداية الانتخابات تأييد الرئيس البشير.. فلماذا اتخذتم هذا الموقف؟
لنا موقف مبدئي وثابت من الأخ البشير، وقد ناصرناه في خلافه مع الترابي في السابق، ونحن نرى أن الرئيس البشير سوف يساعد على وحدة البلاد، ويكفيه موقفه من تطبيق الشريعة الإسلامية والإصرار على تطبيقها في الشمال، رغم أننا كنا نتمنى أن يتم تطبيقها في الجنوب أيضًا، ولكن في النهاية هكذا أرادت اتفاقية السلام، ونحن نأمل أن يكون هناك توجه إسلامي قوي في الجنوب، وأذكر أنني عندما زرت جوبا للتعزية في وفاة جون جارنج آلمني الوضع هناك؛ حيث لا تنمية ولا حياة، ويكفي أن أقول لك إننا لم نجد طريقًا واحدًا ممهدًا من المطار وحتى مكان العزاء؛ ولذلك أعتقد أنه إذا انتشر الإسلام وتعاليمه هناك فإن التركيبة الحاكمة والمتحكمة في الجنوب سوف تختلف.

الإخوان والجنوب

  • كيف يري الإخوان الوضع في الجنوب وفكرة الانفصال؟
للأسف الحركة الشعبية تريد أن تأخذ حقَّها وحق باقي القبائل والأحزاب هناك، وأعتقد أن هذه الانتخابات من نتائجها الإيجابية هو تقليص سيطرة الحركة الشعبية على الجنوب، مما يدعم الوحدة.
الحمد لله نعمل في الجنوب بشكلٍ مؤسسي ولنا العديد من المؤسسات التي تُقدِّم خدمات لأهل الجنوب وتعلمهم أمور دينهم، وتنشر اللغة العربية، وتدعم فكرة الاتحاد، وهي من المؤسسات القليلة العاملة في الجنوب التي تحمل أفكارًا إسلامية.
  • كيف ترون مستقبل السودان بعد هذه الانتخابات؟
أتمنى الاستقرار للسودان، ونحن ندعم كل مَن يتفق معنا حول هذا الأمر، ونحاول جاهدين أن نسير مع كل مَن يسير في هذا الطريق متمسكين بكتاب الله وسنته.

المصدر