تجربتي مع الإخوان من الدعوة إلى التنظيم السري

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تجربتي مع الإخوان من الدعوة إلى التنظيم السري

د. السيد عبد الستار

غلاف-كتاب-تجربتي.jpg


مقدمة الناشر

بقلم: أحمد رائف

هذا هو عنوان الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ العزيز وهو أيضا عنوان المقدمة التي شرفني الدكتور السيد بكتابتها لكتابه النفيس الذي اقتضى منه لقدر غير يسير من التجرد والأمانة والشجاعة لكتابته.

ونحن نأمل الخير والثواب من الله ونرجوه، وندعو أن يكون هذا جهد في سبيله، يغفر الله لنا به ذنوبنا، ويتجاوز عن سيئاتنا، ويكون بإذنه تعالى سببا من أسباب تصحيح المسيرة للمسلمين العاملين من أجل رفعة الإسلام.

ويكون تنبيها لأولئك الذين جعلوا الدين مغنما وسببا في تحصيل المال وجمعه والوجاهة في الدنيا، والتطاول على رقاب العباد، في تجهم يفترض تقوى لا وجود لها، مع حمل الألقاب العظيمة، والتي كانت من نصيب آخرين ظلما وعلوا واستكبارا في الأرض ومكر السيئ.

والدكتور السيد عبد الستار إنما يريد بكتابه هذا أن يساهم في مسيرة تصحيح الإخوان المسلمين ذلك الجمهور العريض المخلص، والذي أسلم قياده إلى صفوة منها قلة جاهلة من الناس تريد مغنما وتطلب دينارا أو درهما، وتبحث عن مكسب رخيص على حساب شباب صغير حسن النية ومنهم من لا يجد قوت يومه.

وكثير من الشباب الإخواني مخلص ومستقيم، ولا يتردد في تنفيذ أوامر لقيادة هي في بعض الأحيان جاهلة وقد تكون أيضا مغرضة، ولكنه يثق بهم ويظن بهم الخير، ويرى أنهم يأخذونه إلى طريق الآخرة الصحيح، ونحن لا شك نجد من بين هذه القيادة من هو على الخير، فهي ليست كلها فاسدة، وإن كان فيهم من على هذه الصفة فإن فيهم من ليس كذلك، وتعرفهم بسيماهم وفي لحن القول.

وعندما يغلب الهوى والشح وحب المال تكون الدعوة والجماعة مشروعا استثماريا جذابا، يحصد من خلاله المال الكثير، وهذا لم يكن في الماضي، بل هو الآن.

وقد يظن القارئ الكريم حين يمر على هذه السطور أن الكتاب سب وشتم، هذا غير صحيح، فالسب والشتم شيء، والنقد والتصحيح شيء آخر، وكاتب الكتاب وكاتب المقدمة من ذؤابة الإخوان المسلمين، وقد يظن أحد أنني من "المكفرة" فأكفر الملأ من الإخوان وأنا لا أفعل فالله أعلم بالنفوس وما تكنه الصدور، وإن لم يرض ذلك بعض الصبية المهازيل ومعهم بعض الشيوخ الحمقى، صار الجهاد عندهم أن يأمروا الناس فيطيعوهم، وأن يأخذوا منهم فيعطوهم. والكل داخر لهم ينتظر منهم ما يطلبون.

الدكتور السيد عبد الستار له تجربة عريضة في عالم الإخوان المسلمين، وقد سجل تجربته بأمانة وصدق، وله ملاحظات ينبغي الانتباه إليها والالتفات لها، فقد انتبه الرجل إلى النظام السري يحاول العودة لكي يدير الحركة في داخل جماعة الإخوان المسلمين، وقد بين ذلك بصورة لا تدع مجالا للشك والالتباس، وهو ما يعرض الجماعة للدمار.

ولقد قدر لي أن أكون مشاهدا لنشأة النظام السري الحديث وقد كان أثناء وجودي في المعتقل عندما قام على إنشاء هذه السرية الحديثة الأستاذ مصطفي مشهور، وهو الذي جعلها وسيلة وغاية وفلسفة وسلوكا.

وقد نجح السريون بالفعل في الاستيلاء على الجماعة في يناير 1996 بوصول مصطفي مشهور إلى موقع المرشد، والرجل مجبول عليها وعاش حياته في الجماعة قياديا في التنظيم السري القديم أو الأول الذي كان يرأسه عبد الرحمن السندي والذي أمر بإنشائه حسن البنا في عام 1938 بناء على نصيحة عزيز المصري باشا؛

وكان الغرض منه مقاومة الإنجليز ومحاربة اليهود في فلسطين، وتشعبت أعماله إلى اغتيال الخازندار والنقراشي باشا.. وحدثت حوادث أقلقت الرأي العام وأثارت شغبا كبيرا في مصر .. مثل حادث السيارة الجيب وحادثة المحكمة.

وقد ناقش الدكتور عبد الستار حادثة السيارة الجيب عرضا داخل صفحات الكتاب، ليبين لهم ما هم فيه من ضياع وضلال.

وهذا الحادث من الحوادث العجيبة التي كان ينبغي أن يكون نبراسا لمن يعمل في جماعة الإخوان بعد ذلك أو يتجه إلى العمل السري بها، فمن خلال هذا الدرس كان ينبغي أن يتعلموا ويفهموا، ولكنهم لم يفعلوا.

الذي لم يذكره الدكتور عبد الستار في تحليله القيم عن حادث السيارة الجيب أن الدكتور حازم النهري أحد أعضاء التنظيم السري والذي من الطريف ذكره أنه كان أحد أصدقاء جمال عبد الناصر المقربين وذلك لم يمنعه من الحكم عليه بالسجن ولكنه ممن أطلق سراحه مبكرا؛

والشاهد في هذه القصة أنه طلب من المسئول في الجهاز السري نقل جميع محتويات الشقة المؤجرة التي كان يستخدمها الجهاز السري لتخزين متفجرات وبعض الأسلحة ويخبأ فيها وثائق وخرائط وخطط استراتيجية وما إلى ذلك بسبب اضطراره لتسليمها إلى صاحبها في خلال شهرين في موعد غايته 15/ 11/ 1948

وحيث إن اليوم أزف ولم يتم نقل أي من المحتويات ساد الارتباك، وتطوع إبراهيم محمود بأن تنقل المحتويات إلى العباسية، وتم البحث عن سيارة لنقل هذه الأشياء، وتطوع كمال عبد المجيد بسيارة جيب بدون نمر كان قد اشتراها من متعهدين يشترون الأشياء من الجيش الإنجليزي، وبطبيعة الحال عندما انكشفت القضية تم اعتقالهم وسؤالهم، ونجوا من القضية بعد لأي.

والقصة معروفة بعد ذلك، فقد اشتبه في السيارة الجيب مخبر سري كان يسكن في نفس بناية إبراهيم محمود، وقد تعطلت وهي محملة بالممنوعات السياسية رافضة التحرك إلى الأمام إلى الخلف.

وارتبك الفريق الذي صاحب السيارة (أحمد عادل كمال، طاهر عماد الدين، ومصطفى كمال عبد المجيد، وإبراهيم محمود، وأظن أن كان هناك آخرون)، وأطلق كل من الجميع ساقيه للريح وأمسكوا بهم وأودعوهم في قسم الوايلي.

وفي موقع آخر قريب من الحادثة كان مصطفي مشهور يرتدي نفس الملابس التي يرتديها من قبض عليهم من باب الصدفة المحضة، ويحمل في يده حقيبة بها أوراق مهمة جدا من أوراق النظام الخاص؛

حيث كان من المفترض أن يجتمع قادة النظام في بيته، وكان قد أوصى أهله باستبقاء من يأتي ريثما يجد مكانا يواري فيه هذه الأوراق ويعود لهذا الاجتماع، وقد صدق حدسه، وجاءت الشرطة وقبضت على قادة النظام، وجاء عبد الرحمن السندي يسعى وهو يخشى فوجد البيت وقد أحاطت به الشرطة من كل جانب، فانصرف ولكنه قبض عليه فيما بعد.

لقد أطلقت حادثة الجيب العنان لخيال الكثير من البسطاء في مصر يضخمون ويعظمون من أمرها.

لقد كنت في حوالي الثامنة منه العمر في ذلك الوقت وأذكر أن أحد أعيان شبين القناطر والموثوق بهم كان يتحدث لوالدي عن ما كان في السيارة الجيب من قدرات هائلة حيث كان زر يوصلك مباشرة للتهاتف مع الملك في قصر عابدين وأزرار أخرى إذا ضغطت عليها أرسلت صاروخا إلى فلسطين وأن هذه السيارة الجيب مصفحة ضد الرصاص وقد قام على صناعتها الألمان خدمة للإخوان الذين يحاربون اليهود.

قد تكون هذه القصة مضحكة لنا الآن ولكنها مبكية أيضا لطالما اشتاق الشعب المصري والأمة الإسلامية جمعاء إلى بطولات ترد لها كرامتها ولطالما وضعوا ثقتهم وأمالهم فيمن يرفعون كتاب الله شعارا ومنهاجا لتكون العزة بالله ولكن أدعو القارئ العزيز ليتأمل معي الحقائق بعد أن عرفت.

هل هذا العمل وأقصد به حادثة السيارة الجيب يمكن اعتباره من مفاخر الجهاز السري كما هو متداول عند الكثير وإلى الآن ما هي تبعاته وأبعاده وكيف أثرت على مسيرة الإخوان؟ أؤكد أنني لا أشك في النوايا حينئذ فأغلب من قاموا بهذه الحادثة من الشباب المنفعل الذي باع نفسه لخدمة الله، ولكن أين القيادة وبعد النظر والاستفادة مما جرى فيما تلا؟

مصطفي مشهور هو الذي بقي من النظام السري متمسكا به وبسياسة العمل السري، وظل على ولائه للشرعية الإخوانية المتمثلة في المرشد العام، وفي مكتب الإرشاد، وكان مسئولا عن الإخوان في أوقات كثيرة.

ومن طريف ما يروى عنه، وهناك طرائف كثيرة أنه عندما كان مسئولا في سجن جناح بالواحات عن الإخوان هو كان هناك عدد كبير من الشيوعيين مسجونين معهم أصدر أوامر بعدم الاختلاط بالشيوعيين، وناقشه في هذا المفكرون من أمثال عبد الحليم خفاجي ويوسف كمال؛

ولكن الأوامر هي الأوامر فكانوا يتحايلون عليها، ويلتقون سرا بالشيوعيين، كان هناك شخص يسمى محمد شلبي من شعبة العباسية رفض تنفيذ هذا الأمر وتحداه علنا، فصدر ضده قرار بالفصل من الجماعة ومن الدعوة ومن التكافل، والذي أصدره هو مصطفي مشهور، وقد راجعه البعض في هذا القرار، ولكنه أصر عليه.

والمتأمل في قرار الفصل وهو قرار مشهور ومعروف يجد أنه تجاوز الفصل من الجماعة إلى الدعوة، ولا أدري كيف يفصل إنسان من دعوة!! ثم الفصل من التكافل ... يعني لا يعطي من الطعام الذي يتكافلون به بينهم ... وهذا غاية في القسوة! فالكلاب في الواحات كانوا يتكافلون معها ... فكيف يحرمون الأخ محمد شلبي؟!

عرفت مصطفي مشهور في معتقل أبي زعبل بعد عودتي إليه من معتقل القلعة عبر رحلة طويلة، وهناك رأيت مكانته بين الإخوان القدامى من إخوان "العشرات" وهم الذين قضوا عشر سنوات في السجن دون أن يؤيدوا الحكومة، وكنا في أوقات ما قبل هزيمة يونيو ألحظ اعتبارا له من بين الإخوان، وبعد هزيمة يونيو زاد هذا الاعتبار إلى ما يشبه المسئولية، وهذا كلام لا دليل عليه إنما هي ملاحظات للمراقب شديدة الوضوح.

وعندما انتقلت إلى معتقل طرة السياسي ومكثنا فيه حتى تم الإفراج عنا صار من الواضح للمراقب أن تنظيما سريا يدير الجماعة داخل المعتقل وهو على رأسه وربما كان من الطبيعي أن يكون هذا في مكان مثل الذي كنا فيه.

وقد عرفت من بعض الأصدقاء في ذلك الوقت أن هناك شبه تنظيم وأن هناك تحديد للمسئولين في البلدان المختلفة، وقلت إن هذا أمر طبيعي لأناس قضوا حياتهم في السجون والمعتقلات، وقد مات عدوهم الأكبر جمال عبد الناصر فمن الطبيعي أنهم يتهيئون ليخرجوا إلى النور وهم في حالة منظمة.

ومن الطريف أنني اشتركت في هذا التنظيم السري دون أن أدري لتحقيق عملية محددة وهي إخراج كتاب "دعاة لا قضاة" من إعداد المرحوم حسن الهضيبي، وكان الكتاب يذهب إلى المستشفى نصا مكتوبا به الأحاديث الصحيحة والآيات بأرقامها من المصحف فتذهب للأستاذ المرشد ليعمل على إعداد الصيغة النهائية للكتاب، وقد أخذ هذا وقتا طويلا، واشترك فيه عدد من علماء الجماعة وفقهائها والذين قل عددهم في هذه الأيام.

وبعد الانتهاء من الكتاب وإعداده بالصورة النهائية وكان مكتوبا في كشكول من الكشاكيل التي يتعامل بها التلاميذ، صارت عملية تمرير هذا الكشكول على مجموعة من المعتقلين الذين انفردوا بفكر خاص بهم، وكان على رأسهم الأستاذ محمد قطب وشكري مصطفي وعلي عبده إسماعيل، وكثير مما يسمون "بالقطبيين"، أصحاب الفكر الجديد في عالم الإخوان المسلمين.

وطلب محمد قطب ترتيب جلسة مع الأستاذ الهضيبي ليستفسر منه على بعض النقاط، واشتركت مع المرحوم مأمون الهضيبي والأستاذ طاهر أبو سعدة لترتيب هذه الجلسة في المسجد القديم الموجود في فناء المعتقل، في ساعة قائظة من ساعات الصيف حيث يهرب الجميع إلى الظل.

وانتهى الاجتماع بين الاثنين على عدم وفاق واقتناع من ردود الأستاذ الهضيبي، وهي التي لم يقبلها محمد قطب.وبعد هذه المقابلة كانت الثانية مع الأستاذ علي إسماعيل وكانت مقابلة ناجحة، انتهت بمبايعة للمرشد العام.

وسبق أصحاب هذا الفكر القطبي من قبل منهم بيعة المرشد إلى المسجد القديم حيث بايعوا الأستاذ، وبقي نفر لم يفعل هذا منهم شكري مصطفي.ولذلك تفصيل سوف أتناوله في كتابي القادم عن تاريخ الإخوان المسلمين.

التنظيم السري في داخل جماعة الإخوان انقطع لأقل من عامين ثم عاود العمل من جديد واشتد عوده في سنة 1969 وأصبح هو الذي يدير الإخوان في المعتقل، ويقبل في الجماعة من يشاء ويستبعد من يشاء بشكل قد لا يخلو من الهوى، وكان يقوم بهذا الحاج حسني عبد الباقي ومعه أحمد الملط وأيضا مصطفي مشهور الذي سرعان ما صار هو في المقدمة، وأصبح يستخدم زميليه في حل المشكلات، ويرسلهم هنا وهناك للكلام أو التفاهم، أو لأخذ البيعة.

وكان النشاط واضحا للمدقق والمراقب، ولكن خفي عن أعين المباحث، والعملاء الذين يقومون بتبليغ الأخبار.لا شك أن الذي قام بهذا العمل السري يتمتع ببراعة شديدة، وقام بدور عظيم في محنة قاسية، ولكن أن تستمر الجماعة على نفس المنوال بعد تغير الظروف والأحوال فيكون هذا سبب في مفاسد لا يعلم آخرها إلا الله.

لقد استطاع الدكتور السيد عبد الستار أن يكشف باقتدار كيف تجزر هذا التنظيم السري حتى الآن ووصل إلى نخاع الجماعة وأصبح هو العمود الفقري لها مما يهدد شمسها للأفول.فليس من المعقول أن تقيم جماعة مثل الإخوان تنظيما سريا داخلها يديرها وهي جماعة قد حرم القانون عملها.

والأصوب والأقرب للتقوى وللفائدة أن يتم التفاهم مع الدولة من أجل أن تكون خطوات الجماعة ونشاطاتها في النور وتحت رقابة الجميع، فلا يأتي من يتأول ويقول إن المرشد يتقاضى خمسين ألفا أو أربعين، وعضو المكتب يأخذ ثلاثين وهذا يأخذ كذا وذاك يأخذ كذا ... هذا يسيء لجماعة الإخوان وإن لم يظهر هذا اليوم فقد يدمرها غدا.

ولا شك أن مسؤولية الخلل مشتركة فكيف تكون جماعة كالإخوان المسلمين محظورة قانونا؟ إن في ذلك انتقاص لقدرة النظام الحاكم من استيعاب والتعامل مع شريحة كبيرة من المجتمع، الذي هو قائم ومسئول عن أمنه وحمايته!

لقد ولدت سياسة الحظر واقع السرية، وولدت السرية واقعا أمنيا أوجدته سياسة الحظر وجعلته شرعيا وأصبحنا ندور في ساقية تدمي أيدينا وأرجلنا، ويظل المواطن المصري لا يدري لماذا وإلى أين؟ فلا يمكن لجماعة بحجم الإخوان أن تمارس نشاطها في المجتمع المصري، والقانون يحظر عليها ذلك بهذا التوسع والحجم الكبير، والانتشار الظاهر في كل مكان.

الآن الآن وليس غدا هو الوقت المناسب لنخرج من هذه الدوامة ونأخذ خطوات شجاعة نصحح فيها المسار، تكون غايتنا التعايش السلمي الذي لا بديل له، لنصل إلى المجتمع المسلم والأسرة المسلمة والفرد المسلم، أليست هذه مقاصدنا؟ فمن يربي الآن ومن يوجه ومن يعلم؟ والقادة والأتباع مشغولون بمواجهات وانتخابات وصفقات!

وربما يكون من المناسب أن نعرض لحديث مبادرة نسبت إلي، وهي قصة عميت على الإخوان، وذكرت محرفة ثم أنكرت، وكان فضيلة المرشد حفظه الله هو الذي أفشى سرها، وجعل هذا وذاك يسألونني عنها، ثم بعد عدة تصريحات هنا وهناك أنكر القصة بكاملها؛

وزاد في الشعر بيتا بأن أنكر معرفته بي، وربما يكون هذا نوع من الشتم ينبغي لمثلي أن يتسامح فيه ويغفر كما تعلمنا في مدرسة الإخوان على يد الأساتذة القدامى الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فقضي نحبهم وليس منهم من ينتظر.

ذهبت إلى 20 ش المنيل بعد تحديد موعد مع الأستاذ مهدي عاكف في العاشرة صباحا من يوم الإثنين التاسع من يونيو عام 2008، وجلست إليه وكان معه د. محمد حبيب ود. رشاد البيومي ود. محمد مرسي، والأستاذ مسعود السبحي، وعدد آخر حوالي ثلاثة أو أربعة لا أعرفهم.

وكان حديثي إليهم أنني أريد أن أساعد في رفع الإصر والأغلال عن الذين يذهبون كل أسبوع للحبس بسبب أو بغير سبب، ونريد أن ننظر في أحوال المسجونين والأموال المصادرة والحرب التي تدور بين الحكومة وبين الإخوان في احتقان يضر الناس والمواطنين ولا داعي له ولا فائدة منه ... أو هذا على الأقل هو رأيي ... يعني نريد تهدئة بين الإخوان وبين الحكومة تستدعيها الظروف وتمليها تبعات الدعوة لقوم يعلمون.

وقلت إن هناك من يستطيع تدبير هذا الصلح بشرط أن يترك الإخوان الانتخابات لفترة لا تقل عن عشر سنوات، وكنت أنا الذي اقترح عليه هذا البند، ورحب به ترحيبا كبيرا.

وطلب مهدي عاكف أن يزوره حسني مبارك في المنيل لتحقيق هذا الهدف، وقلت له: هذا لن يتم، فهو يزور رؤساء الدول، واقتنع، وقد كتبتها الآن لأنه أنكرها وما كان ينبغي له ذلك، وجلست معهم ثلاث ساعات نناقش هذه القصة، وقلت لهم ضمن ما قلت إننا لن نذهب في الغد الشهر العقاري لتسجيل شيء بين الحكومة وبين الإخوان، ولكننا سنبدأ التفاوض وقد يأخذ هذا التفاوض سنة، وسوف تهدأ الأمور بين الجانبين.

وأخبرني المرشد أنه سيرد علي بعد الاجتماع مع مكتب الإرشاد بعد أسبوع، وقلت لهم هذه لا تستحق الانتظار أسبوع بل العمل عليها على الفور، وقالوا: لا بد من مكتب الإرشاد.

المهم أن الدكتور رشاد البيومي لم يتصل بعد أسبوع كما قال المرشد بل أنا الذي اتصلت عدة مرات حتى علمت أنهم قد رفضوا هذه المبادرة دون فحصها لحاجة في أنفسهم وأنهم يرون المصلحة في هذا.

وكان يمكن أن ينتهي الموضوع عند هذا الحد، ولكني فوجئت بالمرشد يقول في اجتماع بالجيزة للإخوان وتنقله الفضائيات إنني ذهبت إليه وأنه رحب بالمبادرة ووافق عليها وأنني الذي لم أذهب إليه ثانية، وهذا لم يحدث وهو غير الحقيقة، وكررها في أماكن مختلفة ووسائل الإعلام تطلب مني التعليق، وأنا أهرب منها حتى لا أحرج المرشد.

وطلبت الأستاذ رشاد البيومي تليفونيا وقلت له:

إنه من غير اللائق أن يقول المرشد غير الحقيقة وأنت من الشهود على ما دار، وربما لا يكون من المناسب أن أقول إن المرشد يكذب.

وفي هذه الليلة كرر المرشد كلامه بأنه وافق على ما قلت وأنا الذي ذهبت ولم أعد إليه.وجاءني الأستاذ جمال عنايت وسجل برنامجا تليفزيونيا لمحطة الأوربت وذكرت فيه حقيقة ما جرى.

والذي جرى أن الإخوان قد جاءتهم فرصة ذهبية من الحكومة وأنا شاهد على ذلك، فرفضوها ولم يفكروا حتى في فحصها ولهم في هذا الباب باع طويل وحكايات لا تنقضي، وقلة وعي بالسياسة وما ينبغي أن يقال ويفعل، وهذا بسبب سيطرة النظام السري على الجماعة وشئونها، والذي يمنع الجماعة من الانهيار بسبب هذا النظام السري هو حجم الجماعة وضخامتها وحيويتها والشباب الصاعد فيها.

الأستاذ الدكتور السيد عبد الستار بكتابه القيم الذي بين يدينا "تجربتي مع الإخوان من الدعوة إلى التنظيم السري" يقدم عملا عظيما يسعى لأن يساعد في تصحيح أوضاع تحتاج إلى تصحيح، وهو في نظري جندي من جنود الدعوة الأوفياء، ولو كان الأمر بيدي لوضعته في مكانه المناسب بين صفوة القادة من الجماعة، لأنه يمكن أن يقدم لها الفائدة المرجوة ويجتاز بها المحن والمخاضات التي هي لا بد قادمة.

الدكتور السيد عبد الستار من إخوان السبعينات الذين قاموا بشأن الجماعة، وعملوا على وجودها من جديد في المجتمع المصري والعالم، أتساءل إذا لم يمكن السيد عبد الستار من الأخذ بنصاب الأمور في الجماعة هو ومن مثله ممن أخلصوا لله وجاهدوا في الله حق جهاده فلمن يترك صف القيادة؟

أخشى أن لا يتبقى لنا مع الزمن إلا الموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وأنا أقصد أحدا من الموجودين الآن، ولكن أخشى أن الذي يأتي بعدها يكون كذلك ممن سيلحقون بالغ الضرر لمكانة الجماعة بين الناس ويفقدونها قيمتها التي صنعتها آلام الذين اعتقلوا وسجنوا وضحوا في سبيلها بكل مرتخص وغال، وسوف تضيع الأمانة، وسنسأل جميعا عن ضياع هذه الأمانة.

اقرأ هذا الكتاب أيها القارئ العزيز ولتكن قراءته دافعا لتعديل مسار جماعة الإخوان المسلمين فهي في النهاية شأن وطني وإسلامي. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أحمد رائف القاهرة في 1 نوفمبر 2009

كلمة لا بد منها

كل التقدير والاحترام للإخوان الذين وردت أسماؤهم في هذه الدراسة، وإيماني الراسخ أنهم جميعا اجتهدوا فأصابوا أحيانا وأخطأوا أحيانا، ومن جانبي فالحب في الله موصول لهم جميعا والدعاء لمن توفاه الله منهم بالمغفرة والرحمة والقبول واجب لا ينفك عني ولا أنفك عنه.

(والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) (الحشر: 10)

وإني لأرجو الله أن تكون هذه المراجعات مقبولة لدى إخواني وأحبتي وأبنائهم وأقاربهم ومحبيهم، وعليهم أن يدركوا أن المجتمع له الحق في مساءلة كل من تعرض للعمل العام ومصالح المسلمين موظفا أو متطوعا محتسبا.

وما ورد في هذا الكتاب من انتقادات للبعض فهو من باب (كل الناس يؤخذ من كلامه ويترك إلا رسول الله) وأول من تطبق عليه هذه القاعدة هو الكاتب نفسه، كما أن ما ورد في هذه الدراسة في مجموعه لا يبرر تعديات الأنظمة الحاكمة على حريات المواطنين وفي مقدمتهم الإخوان وعلى الجميع (الأنظمة والمواطنين ومنهم الإخوان) الالتزام بالدستور والقانون؛

بل ما يجب لفت الأنظار إليه أن مصادرة الحريات والعسف بالدستور والتدخل في شئون القضاء وغير ذلك من أخطاء النظم الحاكمة المتعاقبة هي التي أعطت مبرر لنفر من الإخوان أن يضلوا عن المنهج القويم والطريق المستقيم فكريا وتنظيميا فينقلبوا على الأغلبية ويشكلوا تنظيما سريا فيما بينهم ويزجوا بالغالبية العاقلة من الإخوان في حروب خاسرة لم يكن للإخوان فيها ناقة ولا جمل وما تزال هذه الأوضاع الخاطئة قائمة حتى كتابة هذه الشهادة في مارس 2009.

السيد عبد الستار المليجي

مقدمة الطبعة الأولى

دمعات على الإخوان

بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، والحمد لله ولي الصالحين، لا عز إلا في طاعته ولا غنى إلا في الافتقار إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة، و تركنا على المحاجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، المبعوث رحمة للعالمين وشفيعنا يوم الدين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم... وبعد ..

في العشرينات من عمري اقتنعت بأن جماعة الإخوان المسلمين في مصر هي أفضل الجماعات الإسلامية المصرية، وذلك على أساس أنها تختلف عن جماعات التكفير وهجرة المجتمع حيث لا تعتبر نفسها جماعة المسلمين ولا تعتبر الخارج عنها كافرا؛

وتعتقد أن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر، وتعتقد أن أحكام الشريعة الإسلامية هي الأفضل لحياة البشر، وأن الشريعة الإسلامية كاملة وبكمالها تمت على المسلمين نعمة الله السابغة، ورأيتها أفضل التنظيمات الإسلامية المعاصرة العاملة على ساحة الدعوة وذلك لأنها تؤمن أن التنظيم وسيلة وليس غاية وأن الحب في الله بين الأفراد أقوى من الروابط التنظيمية؛

فهي جماعة ومجتمع وملاذ آمن وليست معسكرا من ضباط وعساكر أو بارونات يأمرون وعبيد يسمعون ويطيعون، ورأيتها أفضل الأحزاب السياسية التي تحاول الوصول إلى الحكم وذلك لإيمانها أن القيادة الناصحة سباقة بالعمل وقدوة في الميدان، وأن أمير القوم خادمهم وأن المال العام له حرمة لا تمس ومن هنا ولأسباب أخرى كان اختياري لها لتكون الفريق الذي أعمل معه طيلة عمري؛

ومن يومها وأنا مستغرق في أداء ما أنا مكلف به من الأعمال، لم أنظر قط إلى داخل الإخوان المسلمين طيلة عشرين سنة من العمل المتواصل (19751995)، كل جهدي كان توجيه العمل الإصلاحي ناحية المجتمع وإخواني يحمون ظهري، وبينما أنا منهمك في أداء واجباتي شعرت بآلام جراح نازفة؟ طعنات في ظهري؟ الطعنات تتكاثر وأنا أقاوم آلامها؟!

يبدو أنني مجبور على أن ألتفت إلى الخلف، وعندما التفت اكتشفت ..؟! أنه المرض القديم العضال يتجدد ... السريون عادوا من جديد لعادتهم اللعينة؟ كنت أعتقد أنهم تابوا بعدما خابوا لمرات عدة؟!

وتحت شدة آلام الطعنات التي وجهت لي ممن كنت أعتبرهم إخواني، اكتشفت أننا جماعة من البشر ومنا الصالحون ومنا دون ذلك وأننا طرائق قددا، واكتشفت الأسس التي اجتمعنا عليها لم تأخذ حظها من الفهم والتطبيق وأننا في حاجة ماسة لإدارة حوار داخلي أخوي لتصحيح الأخطاء؛

فبادرت بلقاء المسئول الأول المرشد العام، ونقلني بدوره إلى مكتب الإرشاد فسمعوا تفاصيل وجهة نظري بكل شفافية من جانبي، وانتظرت الرد ولكنه تأخر، ثم مارسوا الرد عمليا، فانطلقت حملة داخلية لتشويه سمعتي، رسائل إلى كل مكان تأمر بمحاصرتي وانخرطوا يبنون سدا عازلا بيني وبين إخواني الذين جندت حياتي للتواصل معهم، ولم أجد وسيلة غير الكتابة والتواصل بالمراسلة فكانت رسائلي إلى مكتب الإرشاد ليصححوا أنفسهم ومن حولهم، وكان الرد مزيدا من التعنت وسوء المعاملة؛

وتأكدت ساعتها أن الأمور فيها شيء مختبئ غير الذي أرى وأسمع وتبين بالدراسة والبحث أن الانحراف عن الأصول قد بلغ الذروة، ولا بد قبل الموت من شهادة، لا بد من إبلاغ الصادقين من الإخوان والأخوات، وتنبيه الغافلين إلى الأخطار المحدقة بنا جميعا.

إن الإخوان المسلمين جماعة عريقة في المجتمع المصري، وهي جزء أصيل من التاريخ المعاصر لا يمكن إغفاله أو إهماله من باحث منصف أو داعية مخلص، وهي ميراث قومي للمجتمع المصري والعربي والإسلامي الذي تأثر بها إيجابا أو سلبا وخاصة أولئك الذين التفوا حولها وشاركوا في وجودها وساهموا في استمرارها ولو بدفع اشتراك من خمس قروش في الماضي البعيد أيام الشعب المفتوحة أو بدفع العمر كله حركة وسكونا وحرية وسجونا وإقامة وسفرا في سبيل نهضتها وتحقيق حلمها في نصرة الإسلام وسيادته على سائر المذاهب الأرضية؛

نحن جماعة ملك لأمتها ويجب أن تؤدي لأمتها هذا الحق ومن الخطأ البين أن يتصرف بعضنا على أنهم ملاك الإخوان المسلمين وحدهم دون غيرهم ورسم سياسات حركتها من خلال همساتهم الثنائية في أوكارهم المظلمة أو بلغة الصم والبكم التي لا يفهمها الذين يسمعون ويبصرون ويتكلمون، إن زمان اعتبار الإخوان شأنا خاصا بعدد من أعضائها دون كوادرها المعروفة وأعضائها وجمهورها يجب أن ينتهي؛

لو أضفنا إلى ذلك أننا في زمان الفضائيات التي غزت كل بيت بوجهة نظرها حول الإخوان في الماضي والحاضر والمستقبل فإن الواقع يفرض علينا نحن الإخوان أن نضع المعلومات الصحيحة عنا وبأنفسنا أمام الرأي العام وفي مقدمته جمهور الإخوان والمحبين لها في مصر والعالم.

إن الحياة داخل الإخوان ومعها وتولي المسئولية فيها وعنها وتحمل أعباء الدفاع عن وجودها وإنفاق كل غال وثمين في سبيل نهضتها يحملنا نحن قادة الإخوان المسئولية عن مراجعة أعمالنا ومدى انضباطنا على الإسلام ثم على المنطلقات العقدية التي أعلناها وتعاهدنا على نصرتها ومدى نجاحنا في ذلك؛

ويحملنا المسئولية عن الأجيال المقبلة وتوعيتهم بما وفقنا الله فيه حتى يهتدوا بنوره وا وقع منا من أخطاء حتى يتجنبوها، وهذا الكتاب محاولة للقيام بهذا الدور، إنني أدرك أن ما أقوم به يخشاه الكثيرون لأسباب يبدون بعضها ويخفون أكثرها؛

وأوضح هذه الأسباب ما يتصورونه خصوصيات وأسرار وهو في الواقع معلوم بتفاصيله لدى البسطاء في أجهزة الأمن حسب اعتراف الأستاذ المرشد محمد عاكف في جريدة الشروق حيث قال أنا لا أعرف عدد الإخوان والأم يعرف كل شيء، هذه الأزمة المعلوماتية سهلت انتشار الشائعات بيننا وسهلت مهمة السريين الجدد في النيل من إخوانهم ومعارضيهم والنيل من تماسكنا والانقضاض على من يختلفون معهم في الرأي واستبعاد الكثيرين من أهل الفضل وترتب على ذلك إدخالنا في مشكلات كنا في غنى عنها؛

نحن جماعة قامت على التعارف والتفاهم والتكافل والشفافية ولم ولن تقم على الظلاميات والغيبة والنميمة والتدابر والتحاسد والقطيعة بأي حال، إنني أجري تجربة للشهادة على نفسي وإخواني الذين عايشتهم وعايشوني في الدنيا قبل أن أدلي بها بين يدي ربي يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، والهدف هو تبصرة نفسي وإخواني والأمة التي وثقت فينا بما يجب أن تكون عليه أي جماعة إسلامية تتحمل مسئولية النصح والتغيير.

ولا يفوتني في هذه المقدمة أن أذكر الجميع بأن هذه شهادة مبنية على وقائع ومعايشات ومكابدات وحوارات وليس على إشاعات، وليس مطلوب من المسلم في شهادته إلا أن يشهد أمام الله والتاريخ بما يرى ويعلم والله قبل ذلك وبعده هو الأعلم وهو يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون، وأفوض أعمري إلى الله إن الله بصير بالعباد، والله أكبر ولله الحمد.

اللهم هذا الجهد وعليك التوفيق، وهذا الدعاء وعليك الإجابة اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه اللهم آمين.

الفقير إلى عفو مولاه السيد عبد الستار عبد السلام المليجي

ملخص الكتاب

كعادتنا في البحوث العلمية البحتة والتطبيقية نطالب صاحب البحث بتصديره بملخص يعطي للقراء فكرة موجزة عن بحثه وما توصل إليه من نتائج وأهم ما يوصي به من توجيهات، وقد رأيت أن أستن بهذه السنة في كتابي هذا وأقدم للقارئ ملخصا للكتاب في هذه القصة القصيرة:

عودة أصحاب المناقير ...؟

في العشرين من عمري بدأت أبحث عن الحرية والعدالة والمساواة، ليس لنفسي ولكن لكل الذين أعرفهم ولكل المجتمع الذي أنتمي إليه، ووجدت في سوق الحياة مجموعات كثيرة تقول إنها تقدم هذه الأشياء النادرة، الحرية والعدالة والمساواة؛

تفرست في الوجوه طويلا ثم اخترت هذه المجموعة، سألتهم من أنتم قالوا نحن الإخوان المسلمون، سألتهم عن وقبل أن أسمي ما أبحث عنه قالوا عندنا كل شيء، تحب عدل ... عندنا، تحب سياسة ... عندنا، تحب جهاد ... عندنا، تحب تشتغل وبس .. عندنا، تحب الحرية ... عندنا تحب تدخل السجن ... عندنا، تحب ما تحبش حاجة خالص ... عندنا ... تحب فول وعدس وطعمية ... عندنا، تحب كباب وكفتة ومهلبية ... عندنا، ولو عايز تستفيد وتفيد اتفضل عندنا وارفع اليافطة زينا؟

مالك يا بني حيران ليه؟! هكذا أفاقني أكبرهم سنا وهو يناديني ... تعال يا بني ... أنا عمك أبو هاني ..! كانت العروض التي انهالت على سمعي تأتي من جهات عدة وأفواه عدة، وأحيانا كانت الأصوات تتقاطع، والآن ... الآن يتحدث واحد فقط، إنه أبو هاني ... أنت الآن يا ولدي في أمان تام ... كانت يده تمسك بيدي ... أحسست ساعتها أننا جميعا فوق سطح الماء ... نحن نمشي على الماء ... نحن إذا أولياء الله الصالحون ...

أمامي حملة اللافتات الجميلة ... اللافتات مسطر بها كل أحلامي ... المسلمون قادمون ... الفرد المسلم .. البيت المسلم ... الأسرة المسلمة ... الحكومة المسلمة ... أستاذية العالم ... صلاح الدين قادم ... تحرير فلسطين مهمتنا ... الدولة الإسلامية العالمية ... دولة الخلافة قادمة ..

أبو هاني يضمني ضمة اختلفت لها أضلاعي ثم أرسلني ... ناديت بأعلى صوتي ... خذوني معكم .. أنا بادور عليكو من زمااااااان، أغيب عن كل ما حولي .. أنسى زوجتي، أنسى أولادي ... أنسى أهلي، أنسى أبي وأمي أنسى زملائي ..

اليوم لا شيء في حياتي غير أبو هاني والذين معه ... أنطلق مع أبو هاني إلى ما يريد ... أحسست أن الماء تحت أقدامي يتحول إلى دوامة .. الدوامة تشتد وأنا أغوص في الماء، أغيب عن المكان وأغيب عن الزمان .. عالم جديد تحت الماء ...

أنفي يتحول إلى خياشيم .. أطرافي تتحول إلى زعانف ... سباحة لا تنتهي مهما طالت ساعات النهار ... كانت طبقات الماء تحجب الشمس عنا ... كلما غصنا نحو القاع قلت الإضاءة وانعدمت الرؤية حتى صارت الحياة من حولنا ضبابية بامتياز؛

لم نعد نتعرف على أنفسنا بسهولة كما كنا فوق الماء ... حوارات ومناقشات لا تنتهي مهما طالت ساعات الليل، تحت الماء لا فرق بين الصيف والشتاء ... الكل يغوص ويسبح ويدور وينساب هنا وهناك ...

فجأة تشدني يد عنيفة قوية ... ترفعني على سطح الماء ... لحظة خانقة أمر بها حتى أستعيد القدرة على التنفس بالرئتين ... يأتيني متعجلا شخص متوحش يبادرني بلكمات قاضية في مواضع قاتلة ... أدخل في غيبوبة أفيق فأجدني معصوب العينين وأصوات متداخلة تلف المكان ورائحة كريهة تزكم أنفي .. صوت جهوري يصخ أذني ...

أنت مع مين يا بن ... (كلمة نابية على أبي) .. استجمعت ما بقي لي من قوة ورددت عليه ... رد علي سريعا .. بعشرين كرباج ... فقدت الوعي بعد الخامس على الأكثر ... أفقت في زنزانة مكتظة بأمثالي ... تسمعت أصواتهم .. كان كل شيء في جسدي متورم وعيوني مغلقة؛

تحسست وجوههم لأتأكد أنهم بشر ... كانوا جميعا متورمين مثلي ... تكررت أيام الكرابيج ... مضى على وجودي في العذاب المقيم عشرة أشهر .. سمعت صوتا آتيا من بعيد .. إفراج إفراج ... باب الزنزانة يفتح ويد تجرني خارجها وتلقي بي في الطريق العام ...

مرة أخرى على الأسفلت .. جريت بهمة وتسرع مبتعدا عن المكان الكريه ولساني يردد الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ... مررت بالبحر الذي غصت فيه من قبل ... نفس الناس ما زالوا في نفس المكان .. الشعارات هي هي .. كل شيء عندنا .. الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والخلافة والسجن والتعذيب وصلاح الدين وفلسطين والتمكين وأستاذية العالم ...

الحق نفسك يا سيد ... القطار يتحرك يا تركب يا متركبش .. اركب يا سيد ... اجري يا سيد ... اشبط يا سيد ... لاحظت هذه المرة أن الوجود تغيرت ... المنادي هذه المرة ليس أبو هاني إنه أبو عابد ... لغة لطيفة وصورة جميلة .. بادرني بالقول .. أنت فين يا سيد .. إنه يعرفني!!

أجبته بفخر .. كنت مع أبو هاني .. أعرف ذلك يا ولدي .. هكذا بادرني ... اليوم أنت في أمان تام فلا تخف وا تحزن .. وضمني ضمة اختلفت لها أضلاعي ...

ثم رفعني بكل قوته فانطلقت في السماء بسرعة الصاروخ ... لم يترك يدي هذه المرة ... لا توجد دوامة ... لا يوجد ماء .. أتنفس بالرئتين وأسبح في الفضاء بقوة دفع محسوسة ... كل من معي أراهم رأي العين .. دائما حولي .. يتنفسون بالرئتين مثلي ...

لسنا في حاجة إلى خياشيم وزعانف .. بقينا على حالتنا البيولوجية المعتادة ... نظرت تحت قدمي فوجدت بساط سحريا يحملني والكل عليه قد استوى ... أبو عابد في المقدمة يشير بيده نحو هدف ... نتجه جميعا ناحيته بكل قوة وعزيمة .. آيات القرآن تتلى وتملأ الآفاق ... الملائكة تحفنا من كل ناحية ... نستشعر وجودها ... نكاد نصافح الملائكة .. رائحة الحب في الله لها عبق وتأثير منعش ...

من حين لآخر تأتينا طيور غريبة لها مناقير حادة ... تنقرنا ... تؤلمنا ... ندفعها برفق ... نحاول الحفاظ على ما نحن فيه من نعيم الأخوة في الله ... الطيور الجارحة ذات المناقير الحادة تتجمع فوق بساط من نار .. ترقبنا ... تتوعدنا .. أبو عابد يثبتنا بالقول الطيب ويبشرنا بقرب الوصول ويوصينا بالصبر والمثابرة .. الطيور الغريبة تتكاثر على بساط أبو عابد وتنقره بقسوة .. يجرح ... ينزف دما أحمر زعفرانيا له رائحة المسك .. يتألم قليلا ثم يموت مبتسما .. يهبط فجأة بساطنا السحري .. نرسوا في المكان الذي انطلقنا منه ... يظهر أبو هاني .. يناديني ..

أرد عليه: لن أعود إلى الدوامة .. يطاردني .. لا يدركني يرسل خلفي من يأتي بخبري .. لا يتمكن، مخابرات أبو هاني تكتب تقريرا تكذب فيه .. يقول التقرير: إني مفقود .. تمضي الأيام ويأتي الرجل المتوحش .. يشد وثاقي ... يعزلني عن كل العالم ... الزنزانة ليست كالزنزانة .. في النزلاء طيور النقر الموجع .. من أين أتوا؟؟ ولماذا يأتون هنا؟!

صوت من خلف السور العالي يجيب سؤالي .. جاءوا في أثرك .. أنت لديهم مطلوب الرأس .. كتبوا عنك كتابا أسود .. قالوا فيه .. قامتك صارت عشرة سنتيمترات .. أنفك قدر البقلة ... عينك سارت أضيق من ثقب الإبرة .. أذنيك توارت حتى إنك لا تسمع شيئا بالمرة .. قالوا إنك صرت نحيلا .. عند خروجك من محبسك يمكن حبسك في منديل .. أولادك قالوا ... لا !!

نحن رأيناه قريبا .. لم يتغير .. والدنا أفضل مما كان .. والدنا يتلوا القرآن .. والدنا يكتب شعرا يرفع قدر الإنسان .. والدنا أكمل ديوانا أسماه (أسير الأوطان) ... والدنا في محبسه أكمل سفرا علميا أسماه (نباتات القرآن) .. صوت الشخص المتوحش يوقظني .. إنذار إنذار .. لا تكتب أشعار .. لا تحلم بالدار .. الدار مصادرة ممن يجرح بالمنقار .. الشخص المتوحش نادى .. يفرج عنه ويذهب حيث يشاء .. وأين سيذهب؟! أين الدار؟! .. الدار اشتعلت فيها النار .. هل يعني هذا نهاية مشوار؟! ..

هل ضاعت آمالي في الحرية .. هل خلت الأرض من الأخيار..؟! .. أبدا أبدا ... من سلك دروب الخير وجب عليه الاستمرار .. من أتقن فن الزرع وجب عليه الصبر مع الأشجار .. حتى تنبثق الأزهار، ويأتي يوم الإثمار.

وقصيدة زجلية:

سألوني عن الإخوان قلتلهم .. كان ياما كان
البنا شايل سبحته ... وعلى القهاوي بهمته ... ومهمته الإنسان

يحكي حكاوي النبي .. للشامي والمغربي ... والصحب والخلان

كانت سعادة وفرح ... والحب وياه طرح ... عطر وزهور وحنان

شرع الكريم مذهبه .. حب النبي مطلبه .. أرضك يا مصر أمان

يا مرحبة بالصحابة .. يا مطبطبة ع الغلابة .. ولا أبرهة ولا خان

أعوذ بالله العظيم

من وسوسة شيطان

ركب دماغ الغلابة .. لازم تكونوا ديابة ... ومكشرين أسنان

سرق الغنا والربابة .. سرق النبي والصحابة ... زرع الفتن ألوان

نسي الجميع البداية ... وراح زمان الهداية ... وغوينا أرض الجان

أعوذ بالله العظيم
من وسوسة شيطان

قسم الفريق نصين ... أيقظ غراب البين ... واتمكن الشيطان

نص الهدى والدين .. ونص تحت الطين ... دولة ديدان ستان

دبحونا بالسكين ... قطعت وريد الدين ... صبح الجهاد عدوان

جعلوا حياة النور ... ظلمة وعليها سور .. والكل صار حيران

من يزرع الآلام؟ .. من يسرق الأحلام؟ .. ومين من الإخوان؟

أعوذ بالله العظيم

من وسوسة شيطان

غير قاموس الحياة ... والفقر طلبوا الجاه ... وكبيرنا بيزنس مان

جعل الجنون مفاهيم .. وزعيم يزق زعيم ... ومحكمة وحرمان

ولا نصر ولا تمكين .. تنظيم من المساجين ... واتفرقوا الإخوان

يا شمس يا شموسة .. يا مدورة يا عروسة ... يا منورة الأكوان
على الجميع اشهدي ... العادي والمهتدي ... للواحد الديان

الفصل الأول:من تاريخ التصحيح الداخلي في جماعتنا

حتى لا يتصورالقارئ العزيز أن ما أقوم به من محاولة لتصحيح مسار الجماعة الإخوانية بدعة جديدة، فقد رأيت أن يكون الفصل الأول من الكتاب تأريخا لمحاولات التصحيح السابقة، وليكون الكل على بينة من أمره، أمينا على مستقبله فيما بقي من العمر ويوم لقاء ربه، فقد اخترت لبيان هذا التاريخ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثلاث نماذج تمثل ثلاث مراحل من حياة جماعتنا،

الأربعينيات وتمثلها محاولة الأستاذ أحمد السكري، والثانية في التسعينيات معبرا عنها في دراسة متكاملة تمت بلجنة إخوانية لرفع واقع الجماعة وسبيل النهوض بها، والثالثة اليوم في عصر شبكة المعلومات وثورة الاتصالات وتمثلها مدونة أحد الإخوان من خلال مقالة منشورة بها، وسأترك القارئ ليحكم بنفسه على الأطراف جميعها، فإلى هذه النماذج الثلاث من محاولات التصحيح:

المحاولة الأولى:صفحة مطوية وناصح مظلوم

أهمية هذه الصفحة تكمن في شدة الشبه بين ظروف الدعوة اليوم والظروف التي مرت بها وقت كتابة هذه الرسالة وأقصد بها رسالة الأستاذ: أحمد السكري وكيل جماعة الإخوان (الرجل الثاني في الجماعة) إلى الأستاذ: حسن البنا المرشد العام (الرجل الأول في الجماعة)، ومن يطالع كتاب البنا (مذكرات الدعوة والداعية ص: 33) سوف يدهش من قوة عاطفة البنا وحبه لأخيه الأكبر أحمد السكري؛

لدرجة أنه يقول فيه نصا:

(كنت أمضي الأسبوع في دمنهور، وأعود ظهر الخميس إلى المحمودية حيث أمضي ليلة الجمعة وليلة السبت، ثم أعود صباح السبت إلى المدرسة فأدرك الدرس الأول في موعده، وكانت لي في المحمودية مآرب كثيرة تقضى في هذه الفترة، غير زيارة الأهل وقضاء الوقت معهم، فقد كانت الصداقة بيني وبين الأخ أحمد أفندي السكري قد توثقت أواصرها إلى درجة أن أحدنا ما كان يصبر أن يغيب عن الآخر طول هذه الفترة أسبوعا كاملا دون لقاء)

ويدهش المرء من تحول هذا الحب إلى البغضاء والقطيعة بين هذين الأخين.

من هو أحمد السكري؟

نقلا عن الأستاذ عباس السيسي من إخوان الإسكندرية المشاهير الثقات والمعايشين للرجلين يقول:

(ونحن على هذه الحال من الفقر والضعف والفاقة ... إذا بالأستاذ أحمد السكري وكيل الإخوان المسلمين العام ينقل من مدينة المحمودية سكرتيرا لمدرسة رشيد الابتدائية ... وزارنا في الجمعية وتعجب لحالنا ... وطلب منا أن نبحث عن دار للجمعية أوسع من هذه وأن نشتري لها أثاثا مناسبا ... فلما شرحنا له ظروفنا المالية وأن هذا ليس في طاقتنا قال لنا إنه سوف يقوم بالدعوة إلى الجمعية لزيادة الأعضاء وزيادة المالية.
وذهب الأستاذ السكري يخطب في المساجد ويشرح أهداف دعوة الإخوان المسلمين وخاصة في خطب الجمعة، ولقد كان الأستاذ أحمد السكري خطيبا مفوها ومؤثرا يأخذ الألباب ومجامع القلوب يحرك العواطف والمشاعر وله حنجرة صافية.
ولم تمض أسابيع حتى تقدم كثير من الناس للانضمام إلى الجمعية واستأجرنا دارا أخرى أوسع وأرحب في منزل الجارم تزيد على الخمس حجرات ويقع أمامها فناء وأما الفناء ميدان فسيح واشترينا بعض الكراسي ومكتبا ومنضدة للخطابة ... واشترينا قطعة من الجوخ الأخضر طرزنا عيها (الإخوان المسلمون شعبة رشيد) وتحتها يقع هلال وفي وسطه مصحف وهذا هو شعار الإخوان المسلمين في هذا الوقت.

وكان الأمير عمر باشا طوسون في زيارة لمدينة رشيد وذهب ليصلي الجمعة في مسجد (أبو مندور) وهو مكان سياحي مشهور في رشيد وكان الأستاذ السكري هو خطيب الجمعية وبعد الصلاة تقابل مع الأمير الذي تبرع لجمعية الإخوان بمجموعة من الكتب التاريخية عن مصر والسودان وكانت هذه الكتب هي باكورة عمل مكتبة في الجمعية.

الأستاذ السكري والمرشد الأول

يقول الأستاذ عباس السيسي:

فوجئنا ذات يوم بإعلان في صدر عدد من مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية بتكوين لجنة للتحقيق مع الأستاذ أحمد السكري الوكيل العام ل[[جماعة الإخوان المسلمين

والأساتذة:

كمال عبد النبي وحسين عبد الرازق والأستاذ أمين مرعي رئيس الإخوان بالإسكندرية، وفزع الإخوان في كل مكان لهذا النبأ الذي يتوقعون أن يؤدي إلى فتنة شديدة قاسية بين صفوف الإخوان لما ينتهزه أعداء الدعوة من فرصة للانقضاض على الجماعة والثأر منها.

لاحظ: مصطلحات (فوجئنا) و (فزع الإخوان في كل مكان) لتدرك أن مشكلة تغييب الإخوان عما يجري في جماعتهم وصدور قرارات علوية من هيئات معينة يعتبر مشكلة قديمة وأليمة في وقت واحد. المؤلف.

قرارات الهيئة التأسيسية

عقدت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين اجتماعها العادي الدوري الثالث يوم الخميس 14 من المحرم 1367 الموافق 27 نوفمبر 1947 وأقرت عدة قرارات منها القرار رقم (5) بالموافقة التامة على قرار المرشد العام وبإعفاء الإخوان محمد عبد السميع الغنيمي أفندي وسالم غيب أفندي وأحمد السكري أفندي من عضوية الجماعة بناء على تفويض الهيئة السابقة لفضيلته ولما تعرفه الهيئة من تصرفات الأستاذ أحمد السكري قبل الإعفاء وبعده فإنها تقرر بالإجماع اعتباره ناقضا للعهد حانثا لليمين على الجماعة محاربة للدعوة وكذلك كل من اتصل به أو ناصره.

وكذلك القرار رقم (6) بقبول الاستقالتين المقدمتين من الأستاذين أمين إسماعيل أفندي ومحمود عساف أفندي من عضوية الهيئة مع شكرهما على جهودهما السابقة في خدمة الدعوة.

(لاحظ عزيزي القارئ غلظة الصفات التي استعملها حملة المباخر وحيودها عن الحقيقة لمجرد أن الأستاذ السكري كان لا يعلق في شعبة المحمودية علامات، ولا يضع بها أعلام ولا شعارات، وكان يرى أن هذا يعكر صفو الدعوة ويقلل من ربانيتها، وكان يرى أن حزب الوفد في هذا الوقت أقرب الأحزاب إلى الإخوان من حيث المطالب الوطنية ولم يكن يلزم غيره بشيء من ذلك؛

كما أن المرشد كان في منزلة الأخ الصغير بالنسبة له ولاحظ أن أحمد السكري يعتبر مؤسس لجمعية الإخوان وشريكا أصيلا في بعثها للحياة، كما لاحظ أن ما يسمى بالهيئة التأسيسية جاءت بعد عشر سنين من انتشار الدعوة وكانت كلها من تعيين الأستاذ البنا واختياره الشخصي بعدما ترك المحمودية وترك الإسماعيلية واستقر بالعاصمة؛

وكان الأستاذ السكري يعتبر من أفضل مقدمي الدعوة لطبقة المثقفين والساسة والوجهاء إلى جانب العامة والفقراء وهو ما يتضح بجلاء من وصف الأستاذ عباس السيسي لمجهوداته في الإسكندرية؛

فأين العهد الذي نقضه وأين الحنث الذي جاء بالقرار المضحك وشر البلية ما يضحك، وكيف وصفوه بأنه محارب للدين مرة واحدة، إنهم يقولون بالفم المليان إن الدين هو حسن البنا وكل من يختلف معه يكون محاربا للدين، وهو نفس القول الذي تقوله الحكومات الديكتاتورية عندما تنتقد الرئيس فيقولون إنك تحارب الوطن، وتبقى مشكلة الجماعة في الوشايات التي تهدف إلى التقرب من المسئول على حساب تشويه سمعة الآخرين ووصفهم بما سبق من الكلام الحرام الذي لا يقره عاقل أو عالم) المؤلف.

خطاب الأستاذ أحمد السكري

وقد وجه الأستاذ أحمد السكري خطابا مطولا إلى الأستاذ المرشد إلى صحيفتي "صوت الأمة" و "الكتلة" ويعتبر حسب علمي أول محاولة للتصحيح الداخلي على هذا الوزن وهذا المستوى الراقي، ويعتبر بذلك الأستاذ أحمد السكري من السباقين بالخير الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر وبأحسن الأساليب المتاحة في هذا الوقت؛

وعندما يتناول هذا الموضوع مؤرخ منصف سوف يذكر التاريخ قيمة أحمد السكري لا سيما أن الوقائع التاريخية التالية للرسالة أثبتت أن كل ما نصح بإصلاحه كانت ثغرات في صفنا وانحرافات في مسيرتنا ولو أخذنا بنصيحته لتجنبنا الكثير من العقبات التي تراكمت في طريقنا وأودت بحياة مرشدنا وحل جماعتنا وتقويض مسيرتنا خلال عام ونصف فقط من تاريخ هذا الخطاب التاريخي.

وفيما يلي رسالة الناصح الأمين الأستاذ أحمد السكري:

بسم الله الرحمن الرحيم
أخي المحترم الأستاذ حسن البنا
السلام عليك ورحمة الله وبعد،

فقد تسلمت خطابيك الموقعين معا، أحدهما ما أسميته "خطابا رسميا" تفصلني فيه من جماعة الإخوان المسلمين، مستندا في هذا الإجراء كما تقول إلى تفويض الهيئة التأسيسية لك أن تقصي من تشاء، وتفصل من تشاء بغير حساب، والثاني خطابك المطول الذي حددت فيه الأسباب التي دعتك إلى فصلي ثم طلبت فيه أن أستقيل أنا بيدي من الدعوة التي نشأت فيها ولها، وإلا فلا مفر من قبول خطابك الرسمي الذي تقطع به صلتي بهذه الدعوة وبإخواني الأعزاء الأبرار.

تنكير

ولا أكتمك الحق يا أخي ما كنت لأتصور يوما من الأيام أن يبلغ بك الأمر، فيطاوعك قلبك وضميرك وتطاوعك هذه العاطفة التي دامت بيننا سبعة وعشرين عاما كنت المثل الأعلى لوفاء المحبين وإخلاص المؤمنين، وتنسى كل ذلك في طرفة عين وكأنك تريد أن يشهد الناس مأساة أليمة لأمثالنا ونحن دعاة الإخاء والحق.
وزاولت عملك "بالإسماعيلية" وأنشأت بها شعبة أخرى، وفتح الله لك القلوب وتعددت فروع الجماعة فآثرك على نفسه وبايعك على الرياسة وطلب إلى الناس أن يبايعوك حتى ارتفع شأنك، وأينع هذا النمو الذي رويناه بدمائنا وأرواحنا وما علم الناس وما علمت من أخيك إلا ما يرفع شأن الدعوة وشأنك وظل وما زال حتى يلقى الله طاهر القلب عف اليد؛
فهو بالله مستعين به جل علاه، وله سبحانه الفضل والمنة والشكل الجزيل، فلما أقبلت الدنيا عليك كان لك الناصح الأمين والمشير الصادق ينبهك إلى مواطن الخير لتسلكها وإلى مواطن الشر لتجتنبها، فإذا ما سرت على الهدى سار معك بكل جهده وقوته وإذا ما استبد بك الهوى نصح وألح في النصيحة راجيا أن يهديك الله إلى الحق وأن يعود القائد إلى صوابه فيعود التوفيق إلى مكانه.
أفيكون له منك يا أخي جزاء سنمار، بدل أن تنتهج الخطى مثلي فتكن من المصطفين الأخيار؟

أسباب الفصل:

لقد حددت في خطابك المطول الأسباب التي دعتك إلى فصلي، وهي كما تقول ثلاثة:
أولها: أننا اختلفنا في أسلوب التفكير وتقدير الظروف والإخلاص والأحوال.
ثانيها: أننا اختلفنا في وسائل العمل.
ثالثها: أننا اختلفنا في الشعور نحو الأشخاص.
هذه هي الأسباب الثلاثة التي دعتك إلى أن تختار هذا الظروف بالذات لتفجر هذه القنبلة، وتقطع ما أمر الله به أن يوصل ولعل الناس حين يطلع عليهم هذا النبأ ولعل الإخوان حين يفجعون بهذا الخبر، لا يدرك أكثرهم السر في اختيارك هذا الظرف بالذات لهذا الإجراء الشاذ الأليم.
وإني لأحمد الله على أن هذه الأسباب التي دعتك إلى فصلي فلم تستطع ولن تستطيع أن تنسب إلي ما يخدش أمانتي لدعوتي، أو يمس شرفي أو كرامتي التي أحيا بها وأعيش.
وإنه ليعز علي ويؤسفني كل الأسف أن أضطر إلى الرد عليك بعد أن فشلت جهود وسطاء الخير بيننا من خيرة الرجال وكرام الإخوان حتى مساء الأمس، بسبب تمسكك بموقفك ورفضك اتباع الخطة المثلى التي تصلح ذات بيننا وتحقق للدعوة أهدافها الكريمة وتصونها من عبث العابثين ثم تماديك في ألسنة السوء في الأقاليم لتشويه سمعتي والحط من كرامتي زورا وبهتانا مما لا يسعني إزاءه إلا أن أوضح الحقيقة في كثير من الإيجاز والاختصار، ليكون الناس والإخوان على بينة من الأمر إبراء لذمتي وإعذارا لله ولهم بعد أن عجزت عن تقويم ما اعوج وإصلاح ما فسد.

ضرورة التحكيم:

ولقد كنت أفهم يا أخي لو لم تسيطر عليك العناصر المغرضة وتضغط على يدك لتقطع يمينك بنفسك أن يفضي هذا الخلاف في الرأي إلى أن نحتكم إلى إخواننا في الله، أصحاب هذه الدعوة والمضحين في سبيلها في كل قطر ومكان، ليقضوا بيننا بروح الإسلام ومنهاج القرآن وإنا لحكهم خاضعون، ولعمري هذا ما أوصى به الإسلام وفرضه القرآن:
(فإذا تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول)، (وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين). (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) إلخ ما ورد في كتاب الله حثا على التحكيم والإصلاح وترهيبا من الفرقة والشقاق؛
كما كنا نبين للإخوان الكرام سبيلا لاستنارة بأسباب الخلاف فلا يتعدى محيطهم على الرأي العام، وكنا لا نحرمهم من ثواب الله، إذا وفقوا لإصلاح ذات بيننا وإن أحببت كذلك فإلى ذوي الرأي من أفاضل رجال العروبة والإسلام ليكون الجميع علينا شهودا.

استبداد

أما إنك تستبد وحدك بالأمر، وتنتزع ممن حضر من إخوان الهيئة التأسيسية يوم 9 يوليو الماضي رغم معارضة ذوي الرأي منهم تفويضا بإقصاء من تشاء وفصل من تشاء هربا من التحكيم وفرارا من مواجهة الموقف، ودون تمكين من تتهمه أو يتهمك من إبداء رأيه والدفاع عن نفسه فإن هذه ديكتاتورية يأباها الإسلام وتأباها الشرائع والقوانين وتتنافى مع المنطق والخلق؛
وإن قلت إن مبايعة الإخوان لك تقتضيك التصرف الفردي في شئون الدعوة وشئونهم فإن الحق يرد عليك في ذلك بأن البيعة هي في حدود ما أنزل الله وما رضي عنه، لا في تحكيم الهوى والخروج على المبادئ ومسايرة أهل الدنيا على حساب الدعوة وأبنائها المخلصين.
وأمامك سيدك ومولاك صلى الله عليه وسلم كان يستشير أصحابه في الأمر (وأمرهم شورى بينهم) وكان يرجع أحيانا إلى رأي صحابته وأنصاره حتى في أخص شئونه، ومسألة "الحباب" في غزوة بدر وحادثة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وغيرها كل ذلك سجله التاريخ في صفحات الرسول المشرقة الوضاءة، وهكذا كان قادة الإسلام وأصحابه، ما استبد أحدهم بأمر ولا حكم هواه في شأن والحق أبلج، والإسلام واضح المعالم لا يقف مع الهوى ولا يخضع لشهوات النفوس واستبداد الآراء.

عهد وعهد:

يا أخي لقد سارت سفينتنا طوال هذه المدة وسط الأنواء والأعاصير ولكن باسم الله مجراها ومرساها وكانت تمخر عباب محيط الحياة الخضم وتشق طريقها غير مبالية برياحه الهوج، ولا متلكئة عند شطآنه الملتوية وضفافه العوج حتى بهرت الأنظار وأخذت بمجامع القلوب والأفكار كيف لا والله كان غايتها والرسول ربانها والقرآن دستورها والجهاد سبيلها والموت في سبيل الله أسمى أمانيها.
كانت كذلك فما بالها اليوم أصبحت تتعثر في كل واد وتكاد جذوتها تستحيل إلى رماد وأخذت ترتطم بالصخور ويكاد يفقد قادتها الهدى والرشاد والنور؟ بل ما بال هذه الجرذان والحشرات قد قفزت على قاع السفينة تفسد الغذاء الصافي وتلوث البلسم الشافي وتنهش جدرانها، فتكاد تغرق في اليم السحيق؟ ومن هنا يا أخي نشب الخلاف بيني وبينك.

أسباب الخلاف الحقيقية:

تقدمت إليك بالدواء أرجو به الإنقاذ والشفاء فأخذتك العزة وأشحت بوجهك، وقربت إليك أهل الفساد ورميت بالدعوة في أحضان السياسة والسياسيين، وضحيت بأهل الرأي والإخلاص والسداد.
نعم رأيت الصف قد اعوج وحدثت أمور داخلية وأخرى خارجية لم يرض ضميري إلا أن أقف منها موقف الناصح الأمين الحريص على دعوته والحارس لرسالته، وازنت بين أمرين أحلاهما مر، إما أن أعلن غضبي وأتنحى كما فعل بعض الإخوة الأعزاء وتزداد الحال سوءا والفساد باطلا وإما أن أصبر وألح في النصيحة عسى أن يستقيم الأمر؛
ففضلت الثاني وآثرت الانتظار على أمل غلبة الحق وإصلاح الحال وإذا بك يا أخي لا تبالي بصيحات الأحرار، بل عملت على إقصائهم الواحد تلو الآخر، ولم تبال كذلك بما نسب من المسائل الخلقية إلى بعض من صدرتهم للقيادة والإرشاد بعد أن ثبت ما ثبت واعترفت أنت بما وقع، وماذا كان عيك ونحن دعاة الفضيلة والأخلاق، لو أصغيت إلى قول الرسول: "والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" فتضرب بذلك المثل الأعلى في الانتصار للحق (ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين).

تدهور وانزلاق:

ولم تكن هذه المسائل الخلقية وحدها بيت الداء، بل وجدت الدسائس والفتن الداخلية والدعايات الباطلة ضد الأحرار وارتباك النظم وفساد الإدارة مرتعا خصبا داخل صفوفنا فإذا ما أضفنا إليها أمرين رئيسيين استطعنا أن ندرك شر ما وصلنا إليه من تدهور واضطراب لا يخفيه هذا الطبل الأجوف والدعايات الفارغة التي تمتلئ بها الجريدة كل يوم.

مساومة واستسلام:

وعدت من الحجاز فوجدتني محموما وزرتني بالمستشفى وتحدثت إلي أننا على مفترق الطريق بين الوفد والحكومة وعرضت المقترحات والعروض التي لا محل لذكرها الآن، وعرفت موقفي وإصراري على التمسك بكياننا، وحذرتك بخطابي المؤرخ في 15 ديسمبر سنة 1946 من الانزلاق في السياسة وإغراء أهلها، وأهبت بك أن نظل هكذا أغنياء بأنفسنا أعزاء بإخواننا وهذا سر قوتنا.
وشاعت الشائعات حول اتصالاتك بفئة معينة من رجال السياسة ومساومتهم لك على إخراجي من الدعوة ليصفوا لهم الجو، واعترافك إلي بذلك في المستشفى، وفي يوم 4 يناير 1947 حين زرتني بمنزلي وطلبت إلي التنحي عن الجريدة، وعن وكالة الإخوان، وعن نشاطي في الدعوة وقلت بالحرف الواحد إن هذا بناء على طلب هذه الفئة من رجال السياسة والذين أحتفظ بذكر أسمائهم الآن، ولما عاتبتك بشدة على سماحك لهؤلاء أن يتدخلوا في شئوننا أصررت وقلت إنك توافقهم على ذلك.
ثم سارت الأمور من سيئ إلى أسوأ، فكونت اللجنة السياسية المعروفة ووقفت في سبيلك أمنعك من هذا التصرف المشين، ثم اكتشافي عن طريق الصدفة لاتصالك ببعض الشخصيات الأجنبية والمصرية وهالني ما حدثني عنه أحدهم يوم 7 فبراير سنة 1947.

تنفيذ المؤامرة:

وبدأت بتنفيذ المؤامرة ففاجأتنا بقرار إيقافي مع زميلي الكريمين، وكان كل اتهامك لي أمام الهيئة هو وقوفي في سبيلك مما أسميته "تمردا على القيادة" ووقفت آنذاك موقفا كريما فلم أشأ أن أكشف الستار عما وراء الكواليس حرصا على الدعوة وأملا في الإصلاح.

أما هذان الأمران فهما:

  1. دخول بعض العناصر الانتهازية المأجورة في صفوفنا بإيعاز من رجال السياسة وتدخل سادتهم في شئوننا، وتضحيتك بأغلى رجال الدعوة في سبيل رضاهم.
  2. الإغراق في السياسة الحزبية تبعا لذلك إغراقا تاما وتقلبك في هذه السياسة وتناسي أهدافنا السامية مما جعلنا موضع مساومة للجميع.
ولا أظنني في حاجة إلى أن أذكرك ولو على سبيل الإيجاز بما وصلت إليه أسهم الإخوان من الانحطاط عقب تولي صدقي باشا الحكم، بسبب تغلب هذه العناصر النفعية عليك في مسايرته، وما كان من سخط الناس علينا واشتباكنا بعد ذلك مع الوفديين في بورسعيد وغيرها؛
ثم طلبك إلي بإلحاح أن أسافر إلى الإسكندرية للتفاهم مع الوفديين وذهابك بنفسك مع أحد الإخوان إلى منزل أحد أقطابهم ليلا تعرض عليه التعاون معهم لكف حملاتهم، ثم تغلب العناصر النفعية عليك ثانية لنقض هذا التفاهم وإذكاء نار الفتنة والحرب الأولية بيننا وبين الوفد إرضاء للحكومة القائمة.

محاولة الإنقاذ:

وتفاقم الخطب وازدادت الحال سوءا نتيجة لهذا التقلب والتذبذب، فضلا عما حدث من الفتن الداخلية المنوه عنها فتقدمت إليك أنا والإخوان الكريمان الدكتور إبراهيم حسن وحسين بك عبد الرازق بمذكرة للإنقاذ نرجوا فيها تدعيم القيادة بالمخلصين؛
ووضع سياسة ثابتة للدعوة تحقق أهدافها العليا، وتطهر الصفوف من المفسدين فوعدت بالتنفيذ بعد أن تعود من الحجاز، واضطرب الحال في مصر بعد سفرك نتيجة لمشروع (صدقي – بيفن) المشئوم مما اضطرني إلى قيادة الحركة الوطنية مع الإخوان الأمجاد البواسل وعادت أسهم الإخوان إلى الارتفاع والتقدير.
وضربت ضربتك الثانية فأخرجتني من الجريدة التي لا يعلم الناس أن سر تدهورها هو سيطرتك عليها، وشل نشاطي فيها بعد شهر ونصف من صدورها كما هو ثابت عندي من الأدلة والمستندات، ووقفت أنا أيضا موقفا كريما من ذلك.
وبعد ذلك يا أخي أسفرت وكشفت القناع متماديا بالدعوة في الانزلاق السياسي مع الغفلة التامة عن أهدافنا ومبادئنا مما جعلنا مضغة في الأفواه، وجعل الجميع يتحدثون عن أننا صرنا سلعة تباع وتشترى لا تنفع إلا للدعاية والتهريج.
وها أنت تضرب ضربتك الأخيرة تحت ضغط هذه الفئة من رجال السياسة ولو كانت الضربة منك لقبلتها ولكنها بيد عمرو لا بيدك، فتبعدني عن الدعوة، وأنت أولى بالإبعاد وتفصل ابنها الأول وأنت أولى بأن تخلع عنك رداءها إن كنت من المنصفين.

إعذار .. بل إنذار:

يا أخي إني أدعوك بدعوة الإسلام وأذكرك بما كتبته إليك مرارا وتكرارا آلي أن تعود إلى مبادئ هذه الدعوة وتخلع عنك رداء السياسة الحزبية، وتجاهد معنا في سبيل المثل العليا التي عاهدنا الله عليها، وإما أن تتخلى ليحمل اللواء (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)
وإلا فإني مضطر لأن أكشف اللثام وأظهر ما خفي واستتر وأحمل مع إخواني الأطهار لواء الدعوة الخفاق، نرفعه ونعزه ونقاتل دونه (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وحسبك أنت دنياك ومن يحوطك من أهلها وإن شعرت أن بيدك سيف المعز وذهبه، فإني معي ربي سيهدين، ومعي بعد ذلك كرام الإخوة المؤمنين (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل).
أما خطابيك فقد ضربت بهما عرض الحائط، وهما باطلان شكلا وموضوعا وقد أثبتهما على أساس هار، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

بعد عام واحد فقط لا غير من خطاب النصح:

جاء في نشرة الحادية عشر مساء أمر عسكري بحل جماعة الإخوان المسلمين (8 – 12 – 1948)، وعلى أثر ذلك وقبل إذاعة هذا القرار كان البوليس قد حاصر جميع شعب الإخوان واستولى على جميع ممتلكاتهم في أنحاء القطر المصري؛
وفي نفس الوقت تم القبض على مئات من الإخوان حتى تجاوز عدد المقبوض عليهم الخمسين ألفا واعتقلوا في معتقل الطور ومعتقل هايكستب في ألماظة بالقاهرة وفي معتقل العامرية بالإسكندرية ومعتقل أبي قير الذي سماه الإخوان معتقل باكستان، هذا بخلاف سجن مصر قره ميدان وجميع أقسام البوليس في القطر المصري.

نص بيان قرار حل الإخوان المسلمين

أصدر عبد الرحمن عمار وزير الداخلية الساعة الحادية عشر مساء في اليوم الثامن من ديسمبر 1948 بيان حل جماعة الإخوان من الإذاعة المصرية، ثم نشرته جميع الصحف، كما أذاعته جميع محطات الإذاعة العالمية.

أولا: أوضحت تحقيقات الجناية العسكرية العليا رقم 853 سنة 1947 قسم الجمرك بالإسكندرية حقيقة أغراض هذه الجماعة وأنها تهدف إلى قلب النظم السياسية للهيئة الاجتماعية متخذة في ذلك طرقا إرهابية بواسطة فريق من أعضائها دربوا تدريبا عسكريا وأطلق عليهم "فريق الجوالة".ثم ذكر البيان اثني عشر واقعة جنائية مما هو معروف في مثل هذه البيانات ....

لاحظ

  1. أن أسباب الحل الاثني عشر في قرار الحل كانت جميعها متعلقة بالنشاط السياسي والعسكري وليس الدعوي ولا الأخلاقي ولا الخدمي وهو ما حذر منه الأستاذ أحمد السكري.
  2. دقة البيان الحكومي وهو يذكر أن المخالفات كانت (بواسطة فريق من أعضائها) وهو يقصد التنظيم السري وليس كل الإخوان.

مقتل النقراشي باشا رئيس الحكومة ووزير الداخلية:

عاشت مصر كلها تتوقع رد فعل حل جماعة الإخوان، وعاش الناس في كل لحظة يترقبون حدثا هائلا حتى كان صباح الثامن والعشرين من ديسمبر 1948 حين توجه محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الحكومة ووزير الداخلية من منزله إلى مبنى وزارة الداخلية؛
ودخل الوزير إلى بهو المبنى واقترب من المصعد وفتح له كي يدخله وهناك وأمام هذا المصعد كان يقف شاب يرتدي ملابس ضابط بوليس فحياه الضابط تحية عسكرية ثم أسرع فأخرج مسدسه وصوبه إلى صدر رئيس الحكومة فأرداه قتيلا في الحال، وهجم الحرس الخاص بعد ذلك على الضابط القاتل حيث تمكنوا من القبض عليه؛
وعرف بعد ذلك أن المتهم شاب في الثانية والعشرين من عمره واسمه (عبد المجيد أحمد حسن) الطالب بكلية الطب البيطري بالقاهرة، وقد اعترف بالجريمة، وأذيع الخبر من جميع محطات الإذاعة العالمية وتناوله الناس بسرعة البرق وخرجت صحف المساء تصف الحادث وتتهم جماعة الإخوان بتدبيره قبل أن يتم أي تحقيق، وامتلأت جميع الشوارع برجال البوليس السري والعلني وشددت الحراسات على جميع السفارات والشركات والكباري وغيرها.

استشهاد الإمام حسن البنا المرشد العام:

بعد أن قتل محمود فهمي النقراشي باشا وسار شباب الحزب السعدي من خلف النعش في الجنازة الرسمية يهتف الثأر ... الثأر، لم يعد هناك شك في أن مؤامرة يتم ترتيبها لاغتيال الأستاذ الشهيد حسن البنا أخذا بالثأر وتمت عملية الاغتيال في 12/ 2/ 1949؛
ولم يشيع جثمان الأستاذ الشهيد حسن البنا سوى المصفحات والمدافع الرشاشة ووالده ونساء بيته رحمة الله عليه فقد دعي الأستاذ البنا لأكثر من لقاء لمفاوضة الحكومة في جمعية الشبان المسلمين وهناك كانت الحكومة قد نصبت كمين الاغتيال المكون من بعض الضباط والجنود الذين أطلقوا الرصاص على الإمام الشهيد حسن البنا وهو خارج من جمعية الشبان المسلمين.
وبالمناسبة لا يهمني كثيرا ما قاله المعارضون للأستاذ أحمد السكري، ولا يهمني ما قاله مناصروه ولكن تهمني رسالته من حيث موضوعيتها، وحرصه على تقديم النصيحة مكتوبة وفي أحسن لغة أدبية وإسلامية، ويهمني أن أثبت ورودها في تاريخنا الداخلي وكيفية التعامل مع الناصحين لنا من إخواننا، وكيف نرد عليهم وكيف نتعامل معهم؛
كما يهمني أن أثبت أنه بعد عام وربع فقط من هذه الرسالة، تحقق كل ما حذر منه الأستاذ أحمد السكري وعاث الجهاز الخاص فسادا في الأرض وراح يهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وفلت الزمام وطاشت السهام حتى أودت بحياة المرشد العام وأصبحت جماعتنا ملطخة بدماء المصريين وهي اللعنة التي تلاحقنا حتى اليوم، فهل من معتبر؟!

المحاولة الإصلاحية الثانية

نص الدراسة التي أعدتها لجنة إخوانية جامعة لرفع واقع الجماعة وبيان سبل النهوض بها، والتي سلمت إلى الأستاذ مصطفي مشهور بوصفه المرشد العام للجماعة في هذا التاريخ أغسطس 1999.

فكرتها: بعد ستة أشهر من خروجي من المعتقل السياسي في أكتوبر 1998، وقد تبين لي أن الأمور في الجماعة قد تغيرت كثيرا عما تركناها عليه في أكتوبر 1995.

ونظرا لأن التقارير التي كانت تكتب عني من قبل (محمد الصروي)، (محمود عزت) وتصل إلى (مصطفي مشهور) قد وضعتني في جانب المعارضين للسياسات المعمول بها من قبل السريين الجدد، وبالإضافة إلى اعتراضاتي السابقة على العمل من وراء ظهر الأستاذين عمر التلمساني ومحمد حامد أبو النصر؛

لم تسند إلي أية أعمال بالجماعة طيلة الستة أشهر تلك، فتطوعت بنفسي وتقدمت إلى فضيلة المرشد العام المرحوم مصطفي مشهور أن أستغل خبراتي في العمل ومعلوماتي حول الواقع والإخوان وأقدم له دراسة حول تحسين دور الجماعة وأن يكون ذلك بمساعدة لجنة أشكلها ممن أثق في قدراتهم فقبل المقترح وعرض الأمر على مكتب الإرشاد فوافقوا على المبدأ ولكنهم رفضوا أن أقوم بتشكيل لجنتي بنفسي وقالوا: (نحن نشكل اللجنة ويكون أحد أعضائها) فقبلت ذلك وشكلت اللجنة من قبل مكتب الإرشاد على النحو التالي:

  1. أ د. محمد علي بشر (عضو مكتب الإرشاد ورئيس اللجنة).
  2. أ د. السيد عبد الستار المليجي (صاحب الاقتراح وعضو باللجنة).
  3. أ د. شريف أبو المجد (عضو باللجنة).
  4. أ د. محمود حسين (عضو باللجنة).
  5. أ د. أسامة نصر (عضو باللجنة).
  6. م. محمد أبو الناس (عضو باللجنة).
  7. د. أنور شحاتة (عضو باللجنة).
  8. د. حلمي الجزار (عضو باللجنة).
  9. 15 أحتفظ بأسمائهم لأسباب.

أنجزت اللجنة عملها خلال شهرين من الاجتماعات ثم تفرغت لصياغة التقرير في غضون شهر كامل توخيا ليكون في الصورة اللائقة من حيث الشكل والمضمون وبما يلين قلوب أعضاء مكتب الإرشاد عليه وتقدمنا بالدراسة المرفقة في الربع الثاني من عام 1999 للأستاذ مصطفي مشهور ... وقد علمت أنه حولها إلى الأستاذ مأمون الهضيبي بوصفه رئيس اللجنة السياسية في هذا الوقت ...

وانتهى الأمر بالإهمال التام للدراسة ولم يكلف نفسه حتى بالاجتماع باللجنة أو استيضاح ما لم يكن واضحا له مما يدل على رفضه للمشروع برمته وهو المشروع الذي كتب بواسطة لجنة شكلها مكتب الإرشاد بنفسه.

وفي تلك الأيام شعرت أن مكتب الإرشاد ليس لديه الرغبة في الاستفادة من جهود الإخوان من خارجه وأنه يرى في نفسه الكفاية والقدرة على عمل كل شيء، وقررت يومها مغادرة مصر إلى بلد آخر عسى أن أجد فيها صحبة إخوانية جديدة فأستفيد منها وتستفيد مني، وبالفعل في 15/ 8/ 2000 غادرت الوطن مضطرا وحزينا إلى جامعة بوردو بالولايات المتحدة حيث حصلت من جامعة قناة السويس على منحة دراسية لدراسة الهندسة الوراثية والبيولوجيا الجزيئية؛

وهناك في إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية وبجوار الجامعة عثرت على مركز إسلامي أسس حديثا وكان كل شيء فيه جديد، فعشت مع رواده أياما إيمانية هادئة وتعاونت مع إدارته في بدء مدرسة لأطفال المسلمين، وإنجاح دراسة مستقرة مسائية للكبار يومي السبت والثلاثاء؛

وقدمت محاضرات منتظمة في موضوع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وسجلتها كاسيت وفيديو لصالح جامعة إسلامية خاصة، وقدر الله أن أرتبط ويرتبط بي كل رواد المركز وتنشأ بيني وبينهم رابطة حب في الله عوضني كثيرا عن مشاعر الإحباط التي لاقيتها مع مكتب الإرشاد في هذا الوقت، ثم تطورت علاقتي بإدارة المركز أكثر فأكثر على مر السنين، ومنذ عام فقط تقدم رئيس المركز الإسلامي وخطب ابنتي لابنه وتم الزواج بفضل من الله ونعمة.

وإلى حضراتكم أول رسالة مكتوبة إلى مكتب الإرشاد كنت صاحب فكرتها وشاركت في إخراجها وصياغتها ويا ليت مكتب الإرشاد التفت إليها وعمل بما جاء فيه.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ... وبعد،،،

فالمشاركون في هذه الدراسة قد استعرضوا في جلسات مطولة الأوضاع في مصر خاصة والأمة العربية والإسلامية عامة واستنتجوا من هذا الاستعراض أن مصر كلها كغيرها تمر بمرحلة حرجة من تاريخها تحاول فيه القوى العالمية أن تهيمن وتسيطر على مقدراته من خلال مشروع يهدف إلى إضعاف مصر داخليا وخارجيا لتكن أداة طيعة في أيدي القوى العالمية ولحرمانها من دورها القيادي في الدائرة العربية والإسلامية.

  • وتدارس المشاركون في هذه الدراسة تاريخ الحركة الإسلامية في مصر وعلاقتها بالحكومات المتعاقبة من العشرينات وحتى الآن، واستنتجوا أن توتر العلاقة بين تلك الحكومات والحركة الإسلامية أيا كانت أسبابه يعد من المعوقات البارزة في طريق استكمال الوطن المصري لمظاهر قوته التي تمكنه من مجابهة كافة التحديات الخارجية والداخلية.
  • والمشاركون في هذه الدراسة يدركون أن دعوة الإخوان المسلمين منذ نشأتها وحتى الآن قد تميزت بكونها الدعوة الإسلامية المعاصرة التي جددت الإسلام وأحيت الجهاد السياسي منادية بأن الإسلام دين ودولة وكان لها السبق في اعتبار هذا نصا دستوريا في معظم البلدان العربية وخاصة مصر، وكان لها في كل عصر جهادها السياسي واجتهادها المعتبر في هذا الشأن، وعى ذلك فالإخوان لن يلتفتوا إلى الدعوات المنادية بنبذ السياسة تجنبا للأخطار وطلبا للراحة، بل الأولى أن تبقى على مسيرتها مسترشدة بكتاب الله وسنة رسوله شريطة أن تعمل دائما على تحسين أدائها السياسي بما يحقق أهدافها الإصلاحية الخيرة في كافة المجالات.
  • كما استعرض المشاركون في هذه الدراسة موقف الإخوان المسلمين في بلدان أخرى كالأردن واليمن والجزائر واستنتجوا أن العمل السياسي في هذه البلدان قد نما نموا واضحا واكتسب خبرات معتبرة وأرض متسعة، وكان ذلك متوازيا مع نمو القدرات الدعوية والتربوية التي تمثل القاسم المشترك لكافة الإخوان في جميع أنحاء العالم بالإضافة إلى تحسين العلاقة مع أنظمة الحكم وزيادة الانفتاح على المجتمع.
  • وآمن المشاركون في هذه الدراسة أن الإخوان المسلمين في مصر بما لهم من تاريخ ناصع وحاضر قوي قادرون بإذن الله أن يكون لهم دور سياسي إيجابي وفعال ومؤثر في إطار من الود والسماحة وحسن الصلة بالآخرين الذي تميزت به دعوتهم على مر السنين ونطقت به كافة وثائقهم المنشورة والتي عبرت دائما عن توجهنا السلمي وحرصنا على المصلحة العليا للوطن المصري باعتباره أرضا إسلامية وباعتبار أهله أمة مسلمة قد أوجب الله على كل مسلم أن يسهر على حمايتها ويعمل على رقيها ونهضتها لتبقى دائما في صدارة الأمم آمنة مطمئنة، عزيزة قوية.
  • وفي جو من الحرص والكامل على مصلحة الأمة المصرية والحب العميق لها، تشارك فريق من الإخوان المسلمين لتقديم هذه الدراسة لتكون بمثابة مشروع سياسي للمرحلة الراهنة يحقق للإخوان المسلمين الاستمرار والفاعلية في المجال السياسي، ويعظم من استفادة الوطن بما تمتلكه جماعتنا من قوى بشرية وقدرات إصلاحية وتصورات ورؤى تخدم قضية الإصلاح وتدعم مسيرته الوطنية.
  • وقد ركز المشاركون في هذه الدراسة على ما تمتلكه جماعتنا من إمكانيات بالدرجة الأولى ومع ذلك لم يفوتهم أن يتوجهوا إلى كل المخلصين في مصر من الشعب والحكومة أن يمدوا لهم يد العون ويشاركونهم هذه المهمة الإصلاحية، أو على الأقل يميط كل أذى يعترض طريقهم ليتمكنوا بعون الله ومساندة المخلصين من إنجاز ما يأملونه من الخير لأهلهم وذويهم.
  • وعلى ذلك فقد جاءت الدراسة مشتملة على الموضوعات الآتية:
  1. تحديد الهدف العام للمرحلة.
  2. توضيح لحقيقة التحدي الذي تواجهه الامة والإخوان جزء منها.
  3. توصيف الواقع السياسي الحالي لكل من الإخوان ونظام الحكم وطبيعة العلاقات بينهما.
  4. توصيف حالة النجاح التي يأملون الحصول عليها مرحليا.
  5. دراسة متسعة لكل حالة من حالات النجاح تشمل العوامل المؤثرة وخياراتنا التي تحقق هذا النجاح.
  6. إبراز القواعد الحاكمة للسير في هذه المهمة.
  7. مجالات العمل السياسي الرئيسية.
  • والمشاركون في هذه الدراسة كلهم أمل أن يولي لها الاهتمام المناسب باعتبار أن توتر العلاقة بين الإخوان والحكومة لها الأثر السلبي الواضح في مدى نجاحنا في كافة مشروعاتنا الإصلاحية الأخرى في المجال الدعوي والتربوي والمحلي والعالمي، ومدركين أن الأمر تعدى ذلك إلى درجة أن نظم الحكم أصبحت تضحي بإغلاق كل باب للخير مخافة أن يلج منه الإخوان المسلمون.

ونسأل الله التوفيق وأن تكون هذه الدراسة من العلم الذي تنتفع به أمتنا وجماعتنا.

أولا: الهدف العام للمرحلة:

يرى المشاركون في الدراسة أن الهدف المعقول والممكن في هذه المرحلة هو:(الحفاظ على الاستمرار المؤثر والعمل على زيادة الفاعلية).
ويعني ذلك أن نكون مؤثرين وفي حالة تستعصي على التغييب وشل الفاعلية، وأن نكون قادرين على الاستفادة من إمكانيات المجتمع والعمل معه وبه على تعويق المشروعات المضادة للإسلام دين الأمة وعقيدتها، وأن يكون لدينا القدرات على رصد تك المخططات والتوعية بأخطارها.

ثانيا: حقيقة التحدي الذي تواجهه الأمة والإخوان جزء منها:

يرى المشاركون أن أهم عناصر هذا التحدي هي:

  1. تعرض المجتمع المصري لمحاولات لطمس هويته الإسلامية ومظاهر ذلك بادية في السلوكيات المخالفة في الملبس والاهتمامات الفردية والجماعية، ويمتد ذلك لمحاولات طمس الهوية الإسلامية على مستوى السياسات الداخلية والخارجية، وتضافر قوى عالمية على ذلك بما تمتلكه من إمكانيات إعلامية واقتصادية وعسكرية ضاغطة.
  2. كافة مشروعات التغيير المضادة للهوية الإسلامية على المستوى الداخلي والخارجي ذات حجم كبير يتطلب جهدا مكافئا للتعامل معها واستنفارا كاملا لكل ما نملك من طاقات.
  3. يعتبر المشروع الصهيوني والنظام العالمي الجديد للهيمنة على المنطقة واسترقاقها أكبر التحديات وأبرزها.
  4. يتعرض الإخوان لحملات تشويه منظمة وتلفيق تهم مزورة لأفراد والجماعات في الوقت الذي لا نمتلك فيه وسيلة إعلامية للرد على ذلك.
  5. تواجه الإخوان بجهود مضنية:
(أ) لإقصائها عن كافة الواجهات العامة حتى المساجد.
(ب) لتغييب اسمها ورموزها إعلاميا.
(ج) لضرب العناصر الفاعلة فيها.
(د) لصرف أفرادها عن دعوتهم بأساليب التشكيك وبث الفرقة ومحاولات الاختراق والتنصت والتعذيب.

ثالثا: واقعنا الحالي:

تدارس المشاركون الواقع الحالي لجماعتنا وللأطراف الأخرى في المجال السياسي، واجتهدوا في توصيفه على النحو التالي:
  1. أن النظام في خصومة معنا ومع قبوله بوجودنا فإنه يعم على تحجيمنا لأقل درجة يستطيعها، والعلاقة بينه وبيننا علاقة أمنية بالدرجة الأولى، وتتسم بإلقاء التعليمات وإغلاق أبواب الوساطات.
  2. الممارسات الحالية للنظام تهدف إلى إحكام قبضته على الشعب بكل طوائفه، والقضاء على الهامش الديمقراطي على ضآلته ويتمثل ذلك في التوسع في القوانين الاستثنائية والإصرار على استمرار حالة الطوارئ واستحداث قوانين جديدة للتعيين (للعمداء والعمد) واستمرار حالة تزوير الانتخابات بطريقة فجة على كافة مستوياتها من اتحادات الطلبة إلى مجلسي الشعب والشورى وما بينهما وفرض الحراسة على أهم النقابات وتجميد نشاط الأخرى.
  3. يمر الإخوان في عمومهم بمرحلة من عدم وضوح الرؤية المستقبلية وما ينبغي عمله في المجال السياسي في هذه المرحلة وما بعدها في المستقبل القريب ... وخارج مجال اللجان المعنية بمثل هذه الدراسات يبقى القطاع الكبير من الإخوان وفي ذهنه تساؤلات حيرى حول وسائل التغيير السياسي المناسبة للمرحلة ويصل التردد إلى درجة إنكار البعض منا لما أصدرناه وآمنا به من مبادئ في هذا المجال مثل وثيقة الشورى وتعدد الأحزاب.
  4. تدل الدراسة الواقعية أن وجودنا في بعض القطاعات ما يزال مستمرا، ولكن تأثير هذا التواجد يختلف من قطاع إلى آخر، وعلى العموم فتأثيرنا في حالة تراجع ملحوظ بالإضافة إلى أن هناك قطاعات ليس لنا فيها أي تأثير يذكر مع أهميتها البالغة.
  5. صفنا ما زال متماسكا من فضل الله علينا ولكن ذلك يرجع لوجود قيادات السبق الدعوي، وارتباط الإخوان الوثيق بدعوتهم، إلا أن المناخ التنظيمي وضعف العمل المؤسسي، وكثرة الإجراءات الاستثنائية قد أدى إلى حالة من الفتور وضعف البذل والتضحية.
  6. يمر الإخوان بحالة ضعف في مجال رصد مخططات الأعداء، ويرجع ذلك لكثرة الانشغالات الداخلية وعدم وجود مؤسسة صحفية في ذلك، وبالتالي فتصورنا حول هذه المخططات الهدامة ليس على المستوى المطلوب وأصبحنا نتحرك لمواجهتها بردود الأفعال والقدرة على القيام بدور فعال لتوعية الأمة بهذه المخططات ليس على المستوى المطلوب، وأهم أمثلتها مشروعات الهيمنة السياسية والاقتصادية تحت شعار العولمة والأبعاد الحقيقية للتطبيع مع الصهاينة.

رابعا: حالة النجاح المأمولة في المرحلة:

يرى المشاركون أن لدينا الإمكانيات المؤهلة لبلوغ حالة من النجاح في المجال السياسي تخرج بنا مما نمر به من أزمة، وتؤهلنا للعبور نحو نجاحات أكبر في مرحلة تالية وتوصيف حالة النجاح المأمولة على النحو التالي:
  1. أن يتحقق لنا الحصول على مساحة وحرية أكبر للعمل والحركة تنظمها علاقات شبه تفاوضية مع النظام يغلب عليها الطابع السياسي وليس الأمني ويدعمها واقع دعوي وحركي مؤثر.
  2. أن يتحقق هامش ديمقراطي حقيقي مناسب يستوعب كافة التيارات السياسية الوطنية.
  3. أن يحفظ أفرادنا بثباتهم وتماسكهم والتفافهم حول قياداتهم واستعدادهم للبذل والتضحية والتخلص من مظاهر الضعف وعدم وضوح الرؤية وذلك كنتيجة لتفعيل كافة مؤسساتنا وتنقية المناخ التنظيمي ووقف الإجراءات الاستثنائية ما لم تضطرنا إليها ضرورة ملجئة.
  4. أن يكون لنا حضور دائم ومؤثر في حياة الأمة تتحسن به صورتنا وتتحقق به شرعيتنا.
  5. أن نتمكن من الرصد الجيد للمشروعات والمخططات المضادة للإسلام، ونقوم بدور فعال في التوعية بأخطار تلك المخططات وتعويقها.

خامسا: الخيارات الاستراتيجية:

يرى المشاركون أن حالات النجاح السابق ذكرها تتأثر بعوامل عدة وهذه العوامل يترتب عليها خيارات استراتيجية محددة لتحقيق النجاح في كل حالة على النحو التالي:
(1) حالة علاقتنا بنظام الحكم:

يؤثر في هذه الحالة عدة عوامل منها:

  1. الصورة الذهنية السيئة المفتعلة عنا لدى الرئيس والمحيطون به.
  2. المشروع الصهيوني والأمريكي الكاره لوجودنا.
  3. أصحاب المطامع في المنطقة الكارهون لمبادئنا.
  4. ضعف الصلة بالصفوة صاحبة التأثير.
  5. ممارساتنا الخاطئة في هذا المجال وأبرزها:
(أ) طرح أنفسنا كبدائل للنظام.
(ب)لغة الخطاب السياسي والدعوي توحي بأننا جماعة عنف.
(ج)عدم إدراكنا للمساحة المسموح بها لحركتنا (الخطوط الحمراء) مثال انفرادنا بنقابة المحامين وترشيح الأعداد الكبيرة في مجلس الشعب.
(د)غياب العلاقات الإنسانية والعامة مع رموز النظام على كافة المستويات.
(ه)زيادة حجم الظهور في بعض المواقف بشكل يوحي بالتحدي وخاصة الجنازات القيادية.
الخيارات الاستراتيجية في هذا المجال:
  1. إيجاد قنوات اتصال وتفاوض مع رموز النظام الحالي والمستقبلي واختيار أفرادنا المناسبين لذلك بعناية ودقة مع الإعداد الجيد لهذه المهمة.
  2. الاهتمام بالعلاقات الإنسانية مع كافة رموز النظام في المناسبات الوطنية والإسلامية والشخصية (التهاني – التعازي ... إلخ).
  3. إظهار المصالح المترتبة على وجودنا في الساحة في كل مجال من مجالات الحياة.اقتصاديا (حثنا على العمل والإنتاج وانحيازنا للمنتج المحلي ودعوتنا للإتقان والأمانة بهدف الاكتفاء الذاتي ... إلخ).أمنيا استعابنا للمتدينين في عمل سلمي نبذا للعنف انتهاجنا للوسائل السلمية في التغيير منهجنا بطبيعته يقاوم جرائم المخدرات والغش والتزوير والاغتصاب حركتنا تحافظ على الوحدة الوطنية وتقف بحزم ضد القوى الخارجية التي تعمل على النيل منها.اجتماعيا إعلائنا لشأن الأسرة والسلم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية.وطنيا مشاركتنا للدولة في مواجهة المشروع الصهيوني ومقاومة ما يسمى بالنظام العالمي الجديد والحفاظ على الكيان الدستوري للدولة، وإعلاء شأن القضاء في إطار الشريعة الإسلامية.
  4. التزام الخطاب الدعوي وإبعاده تماما عن لغة التجريح والهجوم والتكفير والمقاطعة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ....) (النحل – 125).
  5. التزام الموضوعية العلمية الكاملة في طرح مشروعاتنا الإصلاحية بدلا من لغة التجريح والهجوم والعمومية على مشروعات الدولة، وانتهاج ذلك في التعبير عن وجهة نظرنا في كافة المسائل، فدعوتنا عرفت باحترامها للرأي الآخر وإنها لا تسعى لهدمه وترى تحقيق الفائدة من كافة الآراء.
  6. التأكيد على التزامنا بنظام الشورى والتعددية الحزبية في إطار قيم وثوابت الأمة ولكل إنسان الحق في تشكيل حزبي أو الانضمام للحزب الذي يريد والقضاء العادل النزيه هو الجهة التي تملك مسئولية البت في أمور وقضايا الأحزاب.

(2) حالة التهميش الديمقراطي:

يؤثر في هذه الحالة عدة عوامل منها:

  1. الاستقطاب الحاد بين الإخوان والنظام وما يترتب عليه من توتر دائم.
  2. ظهورنا بحجم أكبر من حقيقتنا.
  3. اكتنازنا لكوادر بشرية وفيرة قادرة على إثراء الحياة السياسية واستنزافها في العمل الداخلي ومشاكله.
  4. تضييق شروط التوثيق عندنا في العمل العام يحرمنا من توظيف كوادر وطاقات هائلة ليست معنا ويحرمها من نصرتنا (إخوان الفكرة، عموم المتدينين، عموم المخلصين للقضية الوطنية).

الخيارات الاستراتيجية في هذا المجال:

  1. تقوية التحالف القائم بيننا وبين حزب العمل ودعم الثقة بيننا وبين قياداته.
  2. تفعيل دور الأحزاب السياسية بحث عناصر مناسبة للعضوية فيها بالتنسيق مع قيادتها بما يحقق لها الانتعاش الحركي حسب طاقتها واستمرار التعاون معها في إطار وثيقة الوفاق الوطني.
  3. التقدم بحزب سياسي يمثلنا والاستمرار في ذلك كوسيلة إعلان لجديتنا في اختيار أسلوب التغيير الديمقراطي الذي آمنا به والتقدم بأحزاب نوعية تهتم بقضايا مثل البيئة والصحة وزيادة الإنتاج وحماية المنتج المحلي ومعالجة البطالة.

(3) حالة الوجود الدائم والمؤثر في حياة الأمة:

بالرغم من وجود الاهتمام النظري بذلك في مشروع التوجهات غير أن عددا من السلبيات المصاحبة للحركة أفقدنا الاستفادة من هذه التوجهات ومن ذلك:

  1. قلة الدراية بأساليب الاتصال مع بعض القطاعات مع غياب لفقه الأولويات.
  2. عدم اتخاذ آليات متابعة للخطط من جانب المستويات القيادية المختلفة.
  3. ضعف المبادرة بالأعمال المناسبة أمام كل حدث.
  4. حالة الاستعلاء على بعض قطاعات الأمة المؤثرة (الأحزاب المختلفة، الجمعيات الخيرية، الجماعات الدينية الأخرى، مؤسسات الدولة).
  5. الهجوم الإعلامي علينا والتشريعات المقيدة لحركتنا والإرهاب والتخويف لمن يتصل بنا.

الخيارات الاستراتيجية لهذه الحالة:

  1. إعطاء أولوية للقطاعات الأكثر تأثيرا سياسيا واجتماعيا (الصفوة، رجال الأعمال، العائلات العريقة، الشباب، المرأة).
  2. الحفاظ على تواجدنا فيما نحن فيه من قطاعات (الطلبة، المهن).
  3. اتباع آلية متابعة واضحة لكل ما نقره من خطط وتوجهات.
  4. العمل على توريث الدعوة وإعطاء مرونة عالية في حدود الفعاليات السلمية لكافة مستوياتنا القيادية والتخلي عن المركزية في الإدارة.
  5. مد جسور من الأخوة والحب والتعاون مع كافة قطاعات المجتمع المشاركة في ظاهرة الدعوة الإسلامية والإصلاح السياسي والاجتماعي والتعبير بصدق عن إيماننا بأننا جماعة من المسلمين ولسنا وحدنا جماعة المسلمين.
  6. التأكيد على أننا جزء من نسيج المجتمع نشأنا فيه وفيه نعيش وهو مجال تعاملنا ومركز اهتمامنا وتفعيل وحماية مؤسسات المجتمع في مقدمة اهتماماتنا.
  7. سرعة الرد المناسب على الشبهات المثارة حولنا بأحسن الأساليب.

(4) حالة تماسك الصف والالتفاف حول القيادة والاستعداد للبذل والتضحية:

يرى المشاركون في هذه الدراسة أن هذا الموضوع من أهم ما تأثرت به المرحلة، ففيما يتعلق بهذه الحالة، فإن جماعتنا تمر بحالة غير مسبوقة على الأقل فيما عاشه المشاركون من التاريخ الدعوي، منذ خروج الإخوان ليستأنفوا دعوتهم وحتى الآن لم تواجهنا حالات استقالة أو إقالة كما حدث في السنوات 96 – 99؛
كما أن بعض أفراد الصف تتحرك بالهمس واللمز المتبادل بين مستويات قيادية مختلفة وبين القاعدة الإخوانية ... كما أن هناك جو من الشعور بالغربة وضعف الثقة لدى مجموعات إخوانية كانت قبل محنة 95 متآخية متحابة على قلب رج واحد، وأما قاعدة أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية فقد نسيها بعضنا، وأصبح كل ذي رأي جديد يوصف بخروجه على الصف أو تعاطفه مع الخارجين عليه وأنه لا يحترم القيادة مع أننا مأمورون بحسن الظن في الإخوان؛
وتأتي تصرفات المستويات القيادية المختلفة في مثل هذه الحالات عصيبة وبالغة الحساسية يصل بها الأمر إلى تجنب صاحب الرأي الجديد وعزله عن الاجتماعات الخاصة والعادية، وقد يصل الأمر للأسف الشديد إلى مقاطعته، ومع أن هذه الحالة تختلف من محافظة إلى أخرى فلا خلاف أنها في القاهرة والجيزة وهما محافظتي القيادة والقدوة، تصل إلى حد يثير القلق.

ويرى المشاركون في الدراسة أن أهم السلبيات التي أدت إلى ذلك هي:

  1. تعطيل مهمة مجلس الشوري الأساسية في الجماعة رغم إمكانية التغلب على الظروف الأمنية بأساليب عدة، وفوت ذلك علينا الفرصة بالاستفادة برأي المجلس في السياسة العامة وألقى عبء القرارات على ثقله على كاهل مكتب الإرشاد.
  2. النقص الواضح في اللوائح وعدم معرفة الغالبية بالمتوفر منها.
  3. ضعف الوعي الانتخابي وما ينبغي من المواصفات لكل مهمة قيادية.
  4. أسلوب التربية قد يطبع الإخوان على التعصب للرأي الواحد ومعاداة الرأي الآخر بالرغم من أن كلاهما اجتهاد لصاحبه وليس قرارا صادرا عن الجماعة.
  5. بعض المسئولين لا يستوعب أفراده بالحوار حول رؤاهم ويلجأ لأسلوب الاتهام.
  6. الضوابط الشرعية الحاكمة للمعاملات ليست واضحة للقواعد وخاصة في الجوانب المالية.

الخيارات الاستراتيجية:

  1. تفعيل مجلس الشوري يرفع العبء عن كاهل المكتب ويحفظ للقادة مكانتهم ويحفظ للصف تماسكه وأخوته.
  2. تفعيل آليات الشورى وابتكار وسائل لذلك كاستطلاع رأي الإخوان والاتصال البريدي بهم وصندوق الاقتراحات والنصح ... إلخ.
  3. التحاور مع القاعدة في وجود مسئوليهم وتشجيع الرؤى والأفكار المفيدة والابتكارية.
  4. تبني سياسة تربوية تنتج إخوانا أكثر حبا لحرية الرأي واحتراما لوجهة نظر الآخرين وإن كانت مخالفة لما ألفناه.
  5. الالتزام اللائحي الكامل من كل المستويات القيادية ليكونوا قدوة لغيرهم ومحاسبة كل مخالف في هذا الشأن.
  6. إعلاء قيمة العمل المؤسسي ونبذ ما عاداه.
  7. إطلاع مجلس الشوري على تقرير سنوي لحالة الإخوان العامة وتقرير يؤكد مراعاة الضوابط المالية.
  8. المسارعة باعتبار اللائحة أهم ما يدرسه فرد الإخوان ليلتزم بها ويحاسب غيره على مخالفتها.
  9. التعرف على الأماكن الشاغرة وصفات من يشغلها ومن له حق التصويت وطريقة الانتخاب قبل إجراء انتخاب للجماعة.

(5) حالة الرصد الجيد للمخططات المعادية للإسلام وتعويقها:

تأثرت هذه الحالة بعدة سلبيات في مقدمتها:

  1. كثرة الانشغالات بمشاكلنا الداخلية.
  2. غياب المؤسسات المتخصصة في هذا المجال لدينا.
  3. ضعف الاستفادة من المؤسسات القائمة لدى غيرنا في هذا المجال.
  4. ضعف الاستفادة من المعلومات المتاحة لدى أفرادنا والمتصلين بهم في الداخل والخارج ممن لهم صلة بالمعلومات في هذا المجال.
  5. غياب الخريطة الصحيحة التي توضح ترتيب المشروعات المضادة للإسلام حسب خطورتها.
  6. ضعف توظيف الوسائل المتاحة للتوعية بخطورة تلك المخططات وبخاصة الجاري منها ومن أمثلة تلك الوسائل المتاحة (القنوات الفضائية – شبكة المعلومات الدولية).

الخيارات الاستراتيجية:

  1. إقامة مؤسسة متخصصة في هذا المجال على الأقل ما لم نتمكن من إقامة عدة مؤسسات وتوفير عدد من الإخوان القادرين على إنجاز تلك المهمات لإدارتها.
  2. الاستفادة بكافة إمكانيات الإخوان المتعلقة بهذه القضية من خلال تلك المؤسسات.
  3. المسارعة بالاستفادة بالمتوفر من الإمكانيات لدى الغير وخاصة أجهزة الإعلام الخاصة للتوعية بخطورة تلك المخططات.
  4. الاستفادة من المؤسسات التعليمية والدينية في هذا المجال.

(6) مجالات العمل السياسي الرئيسية:

يرى المشاركون في هذه الدراسة أن المجالات المتاحة الآن لممارسة العمل السياسي قد تنوعت وانتشرت بما يتيح فرصة لمن أراد العمل والفاعلية ومن هذه المجالات:

  1. الأحزاب السياسية وبلغ عددها في مصر 14 حزب غير عدد في الطريق.
  2. مؤسسات العمل الأهلي ذات التأثير في المجال.
  3. مراكز البحوث والدراسات المتخصصة.
  4. الإعلام والإنتاج الإعلامي.
  5. النقابات والروابط والنوادي.
  6. جمعيات حقوق الإنسان.
  7. الصحافة بمعناها المتسع.

القواعد الحاكمة:

من الجدير بالذكر في نهاية هذه الدراسة أن نذكر أنفسنا بعدد من القواعد الحاكمة عند حدوث أي تعارض بين مصلحتين معتبرتين بما يرفع ذلك التعارض ويحل المشكلة:

  1. مراعاة التخصص الوظيفي للمؤسسات.
  2. مراعاة التخصص الوظيفي للأفراد.
  3. فيما يتعلق بطاقات المجتمع فمهمتنا التوظيف قبل التجنيد.
  4. مراعاة التوازن الدقيق بين حجم الظهور وقدرتنا الحقيقية.
  5. مراعاة البعد الزمني وأهمية الوقت في مشروعات الاستمرار الفعال.

ونسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد والقبول ...

التعليق على الرسالة:

لنا أن نلاحظ أن هناك جهدا بذل في الصياغة حتى لا يفهم البعض في مكتب الإرشاد أنها تلومه شخصيا أو تتهمه بالتقصير، أي أنها قصدت أن تكون مخففة، ومع ذلك تعامل معها مكتب الإرشاد بعصبية شديدة وحدة بالغة فيها ثم ألقى بها في سلة المهملات.
ولاحظ أيضا أن الهدف الذي وضعته اللجنة للمرحلة كان هدفا متدنيا وبسيطا وهو مجرد أن يكون هدفنا الحفاظ على مجرد الوجود ومحاولة زيادة الفاعلية، وهذا يدل على شعور اللجنة بالمأزق الذي تمر به جماعتنا، فلا حديث عن دولة موعودة ولا رائحة لما يسمى أستاذية العالم بل نحن نستهدف فقط مجرد الوجود والنص الوارد بالدراسة يشير إلى خطورة ما آلت إليه الجماعة تحت إدارة السريين وجاء على النحو التالي:
أولا: الهدف العام للمرحلة:
يرى المشاركون في الدراسة أن الهدف المعقول والممكن في هذه المرحلة هو:
(الحفاظ على الاستمرار المؤثر والعمل على زيادة الفاعلية).
كما أرجو من القارئ المهتم أن يراجع ما هو متعلق بموضوع الكتاب مباشرة وهو البند الرابع المعنون (حالة تماسك الصف والالتفاف حول القيادة والاستعداد للبذل والتضحية) ليتبين له أن ما أثرته عام 2008 عن حالة الصف الإخواني وما يعتريه من الأمراض ليس إبداعا ولكنه كان مثارا منذ عام 1999 وأن لجنة إخوانية قالت ذلك وكتبته في وثيقة ولم يقل أحد يومها إن هناك خروج أو انشقاق لأن مكتب الإرشاد من وقتها دفن جثة الحب في الله ولم يقم لها عزاء ولا حتى جنازة.
كما سوف تلاحظ أن اللجنة حددت سنوات الهدم في صف الإخوان الداخلي بي 1996 و 1999 وتذكر مع اللجنة ن تكون شخصية المرشد العام في هذه الفترة لتدرك أنني لا أقو جديدا، والسؤال المهم هل ستقف معي في معركة الإصلاح الداخلي للإخوان المسلمين أم ستبقى واضعا رأسك في الرمال كالنعامة أم تستمر على مقولة (كله تمام يا فندم)، تمنياتي أن تكون مع الإصلاح وأن ترفع رأسك لترى أن الآخرة خير وأبقى وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
(يرى المشاركون في هذه الدراسة أن هذا الموضوع من أهم ما تأثرت به المرحلة، ففيما يتعلق بهذه الحالة، فإن جماعتنا تمر بحالة غير مسبوقة على الأقل فيما عاشه المشاركون من التاريخ الدعوي، منذ خروج الإخوان ليستأنفوا دعوتهم وحتى الآن لم تواجهنا حالات استقالة أو إقالة كما حدث في السنوات 96 – 99، كما أن بعض أفراد الصف تتحرك بالهمس واللمز المتبادل بين مستويات قيادية مختلفة وبين القاعدة الإخوانية، كما أن هناك جو من الشعور بالغربة وضعف الثقة لدى مجوعات إخوانية كانت قبل محنة 95 متآخية متحابة على قلب رج واحد.
وأما قاعدة أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية فقد نسيها بعضنا، وأصبح كل ذي رأي جديد يوصف بخروجه على الصف أو تعاطفه مع الخارجين عليه وأنه لا يحترم القيادة مع أننا مأمورون بحسن الظن في الإخوان، وتأتي تصرفات المستويات القيادية المختلفة في مثل هذه الحالات عصبية وبالغة الحساسية يصل بها الأمر إلى تجنب صاحب الرأي الجديد وعزله عن الاجتماعات الخاصة والعادية، وقد يصل بها الأمر إلى تجنب صاحب الرأي الجديد وعزله عن الاجتماعات الخاصة والعادية، وقد يصل الأمر للأسف الشديد إلى مقاطعته، ومع أن هذه الحالة تختلف من محافظة إلى أخرى فلا خلاف أنها في القاهرة والجيزة وهما محافظتي القيادة والقدوة، تصل إلى حد يثير القلق).

المحاولة الإصلاحية الثالثة

جماعة تحتضر .. أم نحن؟

كتبها د. حامد حسين

(نقلا عن مدونة أمواج في بحر التغيير) أخي الحبيب:

قرأت موجتك الأخيرة (ربانيتنا وأخوتنا هل يوما تعود؟)، فأثارت في نفسي كوامن الشجن وفجرت بداخلي بحارا من الحيرة التي أعاني منها منذ فترة طويلة)، كانت دموعي تلاحقني وأنا أنتقل من سطر لسطر فيها، شعرت أنها تمسني وتلمسني عن قرب وتعبر عن حالي؛
أنا يا أخي الكريم في أواخر الثلاثينات وأعمل مدرسا بأحد الكليات النظرية، انتميت لهذه الدعوة صغيرا وتدرجت في مراحلها المختلفة من الأشبال وحتى الآن، اعترف بفضل دعوتي علي، فلم يساعدني ويحفزني على التفوق سوى إخواني وقد نشأت في أسرة متواضعة لم تنل حظا وافرا من التعليم في أحد مناطق مصر الشعبية، غير الإخوان حياتي وأنا ابن العشر سنين، علموني كيف أحب الناس وكيف أفعل الخير وأساعد الناس بلا مقابل سوى الرجاء في ثواب الله ورضاءه عني؛
علمني الإخوان أن لا أعيش لنفسي بل أعيش للناس وأعمل جاهدا لرسم البسمة على شفاههم، تدرجت في مراحل التعليم وحافظت على تفوقي إلى أن تم تعييني بالجامعة كمعيد وأنهيت رسالة الدكتوراه وعمري لم يتجاوز الـ 31، ولا أنسى أبدا كيف كان إخواني يقفون ورائي ويدعمونني بكل ما يستطيعون من جهد وتشجيع، كان نجاحي هو نجاحهم، كان الجميع يعتبرون تفوقي شارة ووساما على صدورهم لأنني ابن الدعوة وتلميذها الذي تميز وأصبح بتفوقه فخرا للدعوة ونموذج لأبنائها، عشت أياما وأحلاما جميلة مع إخواني؛
كنت أشعر أننا نسبح معا نحو الجنة، يغمرني حبهم ويحتويني لطفهم وتحييني مشاعرهم الدفاقة التي حكيت عنها في موجتك ومرت الأيام وتبدلت الأحوال، وأصبت بما أصابك وأصاب الكثيرين غيرنا من جفاف روحي وإجداب في المشاعر وقسوة للقلوب وتفكك لروابط الأخوة التي بيننا لم يحدث هذا فجأة بل بدأت بوادر المشكلة في منتصف التسعينات (لاحظ أنه تاريخ تولي السريين للسلطة في الإخوان – الكاتب)
وكنا نشعر بها ونتاجهلها أو ننكرها، كان البعض يتعلل بكثرة الأعباء الإدارية وأحيانا الحياتية، ولم أقتنع يوما بمثل هذا الكلام، لأن تجربتي الشخصية مع إخواني في الحي الذي أسكن به تبرهن على خطأ هذه المبررات.
كانت ظروفي المالية متعثرة وكنت أعمل مع الدراسة لأساعد أهلي، وكان أغلب إخواني في منطقتنا الشعبية من رقيقي الحال، الذين يعملون أكثر من عمل لمواجهة أعباء ومسئوليات الحياة، ولكن لم يؤثر ذلك على روحنا وإخوتنا ومشاعرنا وروحانيتنا، بالعكس، كنا نشعر بروحانيات عالية ونحن نستشعر تضحيتنا بالجهد لنوازن بين أعمالنا الدعوية وبين أعمالنا الحياتية، لم نكن ننام كثيرا، لم يكن عندنا أي وقت لنضيعه؛
فالكل يعمل في منظومة متكاملة يبتغي رضا الله، كانت الروح غير الروح الرخوة التي نعيشها الآن سألت نفسي كثيرا بعد أن قرأت موجتك عن أسباب الجفاف والرخاوة والجفاء الذي نحن نعانيه الآن، نظرت للأمر طويلا فوجدت أنه أكبر من الأسباب التي ذكرتها وتكلم عنها من علقوا هنا، أن الأمر أعمق من ذلك بكثير، أنه يتعلق بعملنا الدعوي وأدائنا، أنه يتعلق بأفكارنا ورؤانا، أنه يتعلق بحال جماعتنا المتدهور الذي لا يخفى على أحد؛
دعني أوضح أكثر، أن ربانيتنا وأخوتنا وترابطنا هو نتاج طبيعي لعملنا وبذلنا الدعوى، أن تجدد مشاعرنا وأرواحنا مرتبط بتجدد أفكارنا وحيويتها، هي معادلة واضحة الأركان، كنا نعمل بروح الفريق الواحد ونتجمع على فكرة واضحة المعالم ونتحرك باستراتيجية نؤمن بصحتها وتميزها وفعاليتها؛
وكنا نرى ثمار بذلنا في المجتمع، كان اجتماعنا على النجاح والعطاء يعمق أخوتنا ويرفع روحانيتنا ويضاعف تألفنا وقربنا، كنا نعرف إلى أين نمضي ... كنا نعرف ماذا نريد ... كانت ثقتنا في قيادتنا مبنية على العقل وليس العاطفة لأننا نعرف كيف تفكر وماذا تستهدف، ومرت الأيام وتغيرت الأحوال، أصابتنا الحيرة والشرود، صرنا نتخبط في الرؤى، لا ندري إلى أين تسير جماعتنا ولا ندري ما تريد؟
شاخت أفكارنا وأصبحت وسائلنا وآلياتنا تقليدية لدرجة جعلت إنتاجيتنا تنحدر انحدارا مريعا، توقفنا عند هذا الحد وأصبحنا نتحدث أكثر عن الماضي وإنجازاته بدلا من أن نتحدث عن الحاضر أو المستقبل وتصوراته، نتلقى ضربات النظام برخاوة ولا نفكر كيف نواجهها؛
أصابنا الجمود بعد أن تحولت وسائلنا إلى ثوابت، وأصابنا التجميد بعد أن ارتضينا بقوانين اللعبة الحقيرة التي خطها النظام وامتثلنا لها، نحن الآن أسرى للجمود والتجميد، صرنا كالإسفنجة التي تمتص أي صدمة وتتعلل بالصبر والحكمة والأناة وارتضاء تحمل مشقة ووعورة الطريق، دون أن نفكر كيف تغير حالها، صار المربون يربتون على الأكتاف ويخدرون المشاعر بتأويلات تسكينية للآيات والأحاديث، أما المجتمع الذي تحدثنا كثيرا على العمل معه والانفتاح عليه؛
هذا المجتمع أصبح بعيدا عنا بدرجة أكبر من الماضي، لم تعد خطوات الناس تصاحب خطونا كما كنا، لم يعد الناس يمتنون لنا بنفس الشكل، زاد الطين بلة انتخابات 2005 التي أتت بكتلة نيابية كبيرة لنا أصبحت في محك الاختبار مع المجتمع الذي يرمي بكل آماله على الإخوان في التغيير والإصلاح، سقطنا في الفخ، الذي نصبه لنا النظام باحتراف؛
لم يكن نجاحنا عبثيا بل كان مصيدة لنا، ليتآكل آخر رصيد لنا في قلوب الناس بعد أن ضحك علينا النظام وجعلنا دليلا لشرعيته وديكوره الديمقراطي، ولتموت آمال الناس في الاعتماد على الإخوان كآمالهم في التغيير كنا نسأل إلى أين نحن ماضون؟
فكانت الإجابة علينا بوجوب الثقة في القيادة التي تعرف أكثر مما نعرف!! كنا نسأل ونقول هناك مشكلة ولنتنبه لها حتى لا تتفاقم فيقولون لنا:لا تجلدوا الذات، الدعوة بخير، ويكفي أنها مستمرة وموجودة الآن بعد ثمانين عام من الحرب عليها!!
كنا نسأل كيف سنتعامل مع المجتمع ومع الناس مع ما طرأ من طفرات اجتماعية وتقنية وسلوكية أصبحت معها وسائلنا وخططنا تاريخية تراثية لا تصلح للتعامل مع هذا الواقع فكانت الإجابة: اخلصوا نياتكم والنتائج على الله صدمتنا الإجابات وتوالت الإحباطات، فلم نعد نتربى كما يجب، ولم نعد نعمل كما ينبغي؛
فهربنا إلى أنفسنا وذواتنا لنتصوف تصوفا سلبيا، نكثر من أعمال الخير الفردية ونحرص على الحج والعمرة والصدقات، ونحضر مناشطنا التربوية ونصمت لفقدنا الأمل في التغيير، علاقتنا بالجماعة صارت علاقة اجتماعية نحرص عليها لأنها تشبع بداخلنا غريزة وحاجة الانتماء لجماعة، كثيرون مثلي على نفس الحال صارت علاقتهم بالجماعة على نفس الحال؛
ارتضينا بهذا الوضع وارتضت به الجماعة، فلم تحاول تغييره أو حتى التفكير في أسبابه، بل حتى الاعتراف بأنه مشكلة، تضاءل سقف طموحاتنا لأقصى حد، وانطلق قطار السكون والرخاوة ليركب أفرادا جددا فيه كل يوم، لتتغير سمات الصف وصفاته ويتكون صف جديد تصلح تسميته الخاملين الصابرين المحتسبين المتعايشين.
انزوى كل فرد إلى نفسه فتآكلت مساحة الأخوة وقست القلوب وزاد الجفاف هل أدركت الآن أخي ما السبب، ماذا تريد من أفراد انقسموا على أنفسهم وتاهوا داخليا وغرقوا في بحر الحيرة، لا يدرون إلى أين هم ماضون؟! لا يعرفون لماذا هم مستمرون بنفس الشكل والوسائل رغم أنها أثبتت فشلها؟!
نشعر بالاغتراب الداخلي، لا نجد أنفسنا في الجماعة ولا في أعمالنا المكررة التي لا تؤدي إلى شيء، مللنا من الربت على الأكتاف وتهدئة وتنويم العقول، لا ندعو إلى انفعال ولا إلى مواجهة فنحن أنضج من ذلك حتى لا يخرج مدعو الحكمة ويقولوا متهورون لا يدركون طبيعة الطريق لا نجلد جماعتنا بل نصارحها خوفا على مصلحتها؛
بل ندعو إلى الاعتراف بالمشكلة والتعاطي معها بالاهتمام الكافي، كفانا تسكينا للمشاعر وكفانا صمتا وتجاهلا، إذا استمر الوضع هكذا سيتسع الخرق وتزداد الفجوة، إذا لم تشعر القيادة وتعترف بالمشكلة وتتعامل معها بشكل سريع وموضوعي فإنهم سيتحملون ذنب انفراط عقد هذه الجماعة المباركة التي ستصبح ذكرى تاريخية يحن إليها البعض، ليس هذا تشاؤما ولا خيالا، من يحلل الوضع الراهن بدقة يدرك ذلك، نحن بحاجة إلى وقفة نرى بها أين نحن؟ نحن بحاجة إلى وقفة لنراجع أخطاءنا وآلياتها، ولا يخرج أحد الآن ليسألني كيف؟
فالإجابة على كيف، تأتي بتبني الجماعة كلها للعمل على الإجابة على كيف، المهم أن نشعر أن هناك مشكلة وأزمة ونتكاتف معا على الخروج من هذا الكهف المظلم الذي دفعنا إليه.
نعم نحن بحاجة إلى تأسيس جديد للجماعة يبعد الشيخوخة عن أفكارها ويطور أداءها ويعطيها بعدا مستقبليا مبنيا على خبراتها المتراكمة تاريخيا، بحاجة إلى تأسيس جديد يضم أفرادها ويحتويهم ويربط بينهم برباط الأخوة الناتجة عن البذل والعمل ووضوح الرؤية والهدف، بحاجة إلى تواصل دائم بين الأفراد والقيادة التي ترجع إليهم وتشاركهم التفكير وتستشيرهم قبل اتخاذ القرارات، بحاجة إلى استيعاب كل المخلصين وإن اختلفوا مع الجماعة؛
ليس كل من ينتقد الجماعة وأداءها وأفكارها هو شخص تم العبث بأفكاره ويتم التشكيك في نواياه، تمتلك الجماعة ثروة لا تقدر بثمن تتمثل في هذا الشباب الطاهر الذي يكتب وينتقد ويفكر خوفا على دعوته وحرصا عليها، تمتلك الجماعة كوادر بشرية هائلة بإمكانيات لا تتوافر لأي تيار آخر، عند الإخوان من الإمكانيات البشرية والمادية ما يؤهلهم ليكونوا جيل النهضة الذي يصنع التغيير ويرسم معالم النهضة للأمة كلها، ولكن إن تم استغلال وتوظيف وإدارة هذه الطاقات إدارة سليمة، رغم كل المعوقات ورغم بطش النظام الحاكم وتآمر النظام الدولي الجديد، أمامنا آلاف الفرص والمساحات التي نتحرك فيها من أجل وطننا وأمتنا وفكرتنا؛
ارجعوا إلى قواعد الجماعة الذين انشغلتم عنهم بالسياسة ولم تنجح أيضا في السياسة واسمعوا لهم ستجدون آلاف الأفكار وآلاف المقترحات التي ستكون رؤية متكاملة للتطوير، يا أولي الأمر فينا راجعوا أنفسكم، واسألوها؟ هل أنتم راضون عن وضعنا الآن؟
هل أنتم مصممون على الاستمرار بنفس الطريقة وتجاهل كل دعوات المراجعة وتصحيح الرأي؟ افترضوا مرة أننا نواجه مشكلة وفكروا في أسبابها وطرق علاجها بعد أن أصبحت مظاهرها واضحة لكل ذي عينين، لا تنفصلوا عن أبنائكم وقواعدكم ولا تحقروا من شأنهم كما جرى ببرنامج الحزب، هذه الجماعة هي ملك الأمة وملك كل إنسان آمن بالإسلام كمنهج حياة، ليس لأحد أن يستأثر بها وبرؤيتها ومواقفها لا خير فينا إن لم نقلها، ولا خير فيكم إن لم تسمعوها اللهم قد بلغت اللهم فاشهد د. حامد حسين.
بعرض هذه المحاولات الإصلاحية الثلاث يمكننا أن نقترب من المشكلة التي يحاول هذا الكتاب علاجها ونكون قد أثبتنا أن محاولتي ليست فردية كما يزعم البعض ولكنه صراع تاريخي ومستمر بين الإخوان وبين التنظيم السري قديمة وجديدة.

الفصل الثاني :الحياة في حضن الوطن

(كيف عشنا قبل الإخوان)

مسيرة حياة موجزة

إنه لأمر كريه أن أحدثك عزيزي القارئ عن أعمالي، ولكن لا بد مما ليس منه بد، لكي تكون على بينة بالإنسان الذي تأخذ عنه فتقبل أو ترفض وفي الحالتين أنت حبيب إلى قلبي لأنك حر وأنا عاشق للحرية والأحرار؛
فها هو العمر يمضي وتنقضي أيامه المعدودات، وها أنا العبد الفقير إلى رحمة ربه على مشارف الستين من العمر، والحمد لله أني ما زلت حيا، والحمد لله أني قادر بفضل ربي أن أراجع ما قدمت فأتوب عما اقترفت وأكثر مما أعتقد أنه يبيض صفحتي عند ربي، خلال هذه الحقبة من الحياة تقلبت بين جنبات الوطن من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه في رحلة الحياة التي ركبت فيها كل صعب وسهل، امتطيت الحمار والقطار، والطائرة والباخرة، والدراجة والسيارة وكان هدفي دائما الوصول إلى حيث يعيش المصريون ... أهلي وعشيرتي؛
وقد نجحت في ذلك إلى حد ما، وتحاورت معهم في رفح على خط النار حيث المحتلون الصهاينة، وبكيت كثيرا لحال أهلنا في فلسطين على الناحية الأخرى من الحدود، وسمعت بأذني رصاصات الصهاينة تصرخ في أحشائهم وهي أحشائي، وسعيت إلى أهلي في أقصى الغرب مارا بالعريش والمساعيد ورمانة وبالوظة وبورسعيد ودمياط وبلطيم وجمصة ورشيد والإسكندرية ومرسي مطروح مستحثا الجميع لنجدة إخوانهم في الإسلام والعروبة، وما زلت أفعل ذلك والحمد لله.
وسحت في دلتا النيل زائرا قراها وعزبها ومدنها حتى بلغت القاهرة، وصعدت متجها إلى مصر العليا حتى بلغت أسوان وبحيرتها، حملت همومي على كتفي ووضعت روحي على كفي غير عابئ بالذين يحاولون تحديد إقامتي في ثوبي واختزال قضيتي في لقمتي؛
وطرت مبشرا بما أحمل من مبادئ خارج حدود وطني في بلدان عربية وإسلامية وآسيوية وإفريقية وأوروبية وأمريكية، مررت بقصور الحكام وما فيها من زينة وتفاخر مرور المستعجلين المعتبرين، وأقمت بأكواخ الفقراء والمساكين وعشت مع الأسرى والمحاصرين والمعتقلين والمسجونين، وذقت مرارة السجن أعواما تقلبت فيها بين الجوع والحرمان وقسوة القيود وغلظة السجان وآلام التعذيب إلى حد الموت وآلام الضغوط النفسية حتى مشارف الاختناق، ولولا برهان من ربي ورحمة لكنت من الهالكين.
ودخلت حلبة الحياة السياسية من أوسع أبوابها وأرحبه باب الإيثار وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، وأكرمني الله على ذلك سمعة حسنة وحبا من الناس لدرجة العناق والبكاء عند الفراق، وتعرضت لمضايقات المخالفين من إخواني فحاصروني لبضع سنين، وتدرجت في سلم العلم من أوله حتى درجة الدكتوراه في فلسفة العلوم فالأستاذية في العلوم؛
فلم أشعر إلا أنني أمام بحر من العلم لم آخذ منه إلا كما يأخذ المخيط من البحر، وكتبت حتى اليوم عشرون كتابا منشورة وعدد لم ينشر بعد، وتشرفت بدراسة الإسلام الحنيف فالتحقت بكلية الشريعة والقانون وحصلت فيها على درجة العالمية الأزهرية بفضل الله ونعمته؛
وقدمت خبرتي هدية لأمتي، فساهمت في الزراعة وقدمت رسالة دكتوراه في تحسين إنتاجية نبات طبي مصري من الزيوت والألياف والمستخلصات الطبية، وأشرفت على أربع رسائل دكتوراه وأربعة رسائل ماجستير متعلقة بالنبات وعلومه ونشرت حتى اليوم عشرين بحثا تخصصيا في مجال علم الفسيولوجيا؛
وساهمت في الصناعة حيث شغلت منصب رئيس المعامل وضبط الجودة في جميع مصانع وشركات الشريف ومصانع أخرى وتمكنت من إدخال ثمانين علميا لهذه المؤسسات بعد تدريبهم ليعملوا تحت إشرافي، وساهمت في التشييد والبناء فبنيت قرابة السبعين وحدة سكنية منخفضة التكاليف للشباب؛
وكان فضل الله علي في باب المال درب من الخيال، فقد تقلبت في أعمال كثيرة جليلة وصغيرة طلبا للرزق الحلال وسعيا للعفاف، وكنت كلما أديت حق الله في المال زاد عطاء الله لي، وكان هذا الإنفاق بمثابة بذرة ينميها الله حتى تصير شجرة وارفة تثمر سترا جميلا وخيرا وفيرا وبشرى عاجلة، وما زلت أطمع في ما هو خير من ذلك في الآخرة، ولا حرج على فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده.
ولم أكن المسافر وحده في صحراء الحياة في ظل حكومات أسكرتها قوة البنادق ومجتمعات شاحت بوجهها عن القيم النبيلة والمبادئ العليا، وإنما كانت واحدا من كتيبة مجاهدة، ولم يكن لفرد مثلي قدرة على تحمل المشقات، ولكن نداوة الأخوة في الله وحلاوة الصحبة في طريق الحق كان معينا ومساعدا ووليا ومرشدا ونهرا رقراقا ألفنا الحياة إلى جواره وينبوعا عذبا ومنهلا حلوا قصدناه وقت أن اشتد العطش بالكثيرين، وما تزال دعوتنا قائمة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
وكانت هذه الرحلة على طولها وعمقها وشقائها وحلوها ومرها بحثا جادا عن الحرية والتحرر في مواجهة نظام عالمي جديد يريد إعادة الساعة للوراء، وإحياء زمن الاسترقاق والعبودية، كانت بحثا عن الحرية في أوسع معانيها ... حريتي وحرية الوطن والمواطنين والإنسانية جمعاء ... حرية العقيدة ولقمة العيش وحرية الكلمة والرأي؛

وقد لاقيت الكثير في هذا السبيل حتى تمثلت قول أحمد شوقي:

فمن يغتر بالدنيا فإني
لبست بها فأبليت الثيابا

جنيت بروضها وردا وشوكا

وذقت بكأسها شهدا وصابا

فلم أر غير حكم الله حكما

ولم أر دون باب الله بابا

ولم أكن فيما ألاقيه وأعانيه وأكابده من المتاعب والمشقات والغربة على أرض الوطن إلا واحدا من الملايين المطحونة من أبناء هذه الأمة هؤلاء المبعدين عن الوطن رغم بقائهم على أرضه وتشبثهم بكل حبة من رماله فلم ولن أرحل ولم ولن أفكر في ذلك أبدا، وكنت وما زلت واحدا من المحرومين من حقوقهم الأساسية في الحرية والعدالة والمساواة؛
ولكن شاءت إرادة الله أن أكون ضمن الطليعة المهمومة بحال أمتها في الزمان الصعب، ومن هنا كانت متاعبي وما لاقيت جزاء الصدق في المواطنة، والحرص على دفع ضريبتها، والوقوف إلى جوار الشعب اليتيم، إن آخر انتخابات نزيهة خضتها كانت عضوية مجلس إدارة نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعتي أو عريني الأول (2005) ومن فضل الله ورحمته أنني حصلت على المرتبة الأولى بين الزملاء المرشحين وهم جميعا من الأساتذة العلماء الفضلاء، وكل ما أتمناه أن يكون ذلك من بشرى رسول الله للمؤمنين وأن يعينني على القيام بواجبي تجاه إخواني وأمتي.

وهناك بعض التفاصل:

قريتنا المصرية في مطلع الثورة:

ولدت عام 1951 في قرية مصرية عادية من قرى محافظة كفر الشيخ، ما زلت أذكرها في الخمسينيات من هذا القرن ترقد في هدوء وسكينة وسط بساط من الزرع الأخضر الممتد بلا نهاية، عدد من البيوت الريفية التي تحيط بربوة عالية، وعلى قمة هذه الربوة تقبع بيوت بعض الفلاحين المحبين للسكن في الروابي رغم صعوبة الصعود وأخطار الهبوط المفاجئ ومشقة الطريق الملتوي؛
وفي الناحية القبلية يطالعك مسجدنا القديم المجاور لضريح "سيدي مصباح"، وفي مدخل القرية البحري تجد سراية العمدة عبد القوي بوريشة الإقطاعي القادم لقريتنا من ألبانيا وآخرين يقولون إنه من بلاد المغرب، وعلى بعد مسافة أمتار من السراية دوار العمدة الكبير بأسواره المرتفعة كأنه قلعة حصينة.
هكذا يبدو لك المنظر من بعيد عندما تكون قادما من عاصمة المحافظة أو البندر أو مدينة كفر الشيخ، فإذا بلغت القرية وسرت في شوارعها واجهتك كلابها بالنباح، ولكنها لا تؤذي أبناء الحي، فهي تفرق جيدا بين العدو والصديق؛
فإذا توغلت في القرية أكثر سوف تلتقي بتجمعات الفلاحين عند بقالة عم عبد المجيد أبو شتيه وعم عبد الغفار بريدان وعم عوض عبد المجيد وعم أحمد شلبي وقد خرج الناس ومعظمهم يحمل الشاي والسكر والدخان، معظمهم لم يدفع نقودا، ولكنه يسحب على النوتة أو ما يسمونه "الشكك"، وهو دين يرد في مواسم المحاصيل الزراعية أو عند تحسن الأحوال.
ومن داخل المحلات يصل إليك هدير الضحكات العالية التي تعبر عن سعادة بلا حدود، وقد أنصت الجميع للمذياع الكبير الذي يعمل بالبطارية الكبيرة السائلة، بينما يذاع عليهم برنامج ساعة لقلبك الذي ينتظرونه بشغف دون غيره من البرامج الأخرى؛
وكثيرا ما يكون الاجتماع حول الأوبريتات التي أحبوها وحفظوها مثل أوبريت أدهم الشرقاوي بطل مقاومة الإنجليز المحتلين الذي كلمهم بكل لسان، ورفع شعاره التاريخي (ومنين يجينا النوم طول ما الخونة دول عايشين) مرزوق العتقي الذي حلت كل مشاكله وانتهى فقره بوقوعه على جزيرة في بحر الظلمات وقد عاد منها بالكنوز؛
وعلي بابا والأربعين حرامي الذين حاولوا قتله بالاختفاء في أربعين قدرة وفي كل قدرة حرامي وفي إيده خنجر حامي، وعواد الذي باع أرضه فهزأته القرية وزفه أطفالها وسفهاؤها بأغنية (عواد باع أرضه يا ولاد ... شوفوا طوله وعرضه يا ولاد ...) وتبرأ منه الجميع إلا أمه التي عملت بالليل والنهار حتى أعادتها إليه.
وعندما يقترب المساء يتوافد الناس على بيوتهم من الحقول ويعود المسافرون من البندر أو من العزب المجاورة، ومع العائدين من الحقول تعود المواشي والأغنام والخيول ليأوي كل إلى منامه أو حظيرته، وفي البيوت يجدون النساء قد أعدت مصابيح الكيروسين بأنواعها المختلفة ومنها المصابيح الأكثر إتقانا قد صنعت من الزجاج ولها شريط قطني معزول ومزود بجهاز لخفض الشريط ورفعه، وعلى النار زجاجة طويلة تنظم حركة الهواء ليكون الضوء نقيا وقليل الدخان؛
ومن هذا المصباح نمرة خمسة ونمرة عشرة ونمرة خمستاشر كما يسمونه في بلدنا وكل قرانا المصرية، فإذا انتهى الكلاف من ربط الحيوانات تحلق الناس حول ما رزقهم الله لوجبتهم الرئيسية في العشاء، وجل الناس يأكل أرزا وطبيخا وهم اسم عام لكل ما يصنعونه بالصلصة الحمراء والبصل المقلي في السمن (التقلية)، وأحيانا وعلى فترات أسبوعية يأكلون مع الطبيخ لحوم البقر والجاموس، وأحيانا الدجاج أو الإوز والبط.
ويأتي بعد ذلك شرب الشاي الذي يتعاطونه حتما بعد الأكل، فإن بقيت عندهم طاقة فبعضهم يسهر قليلا عند كبير الحي أو في جوار البقالين ليستمتعوا بسماع الراديو والأنس ينور "الكلوبات" الشديدة الإضاءة وسط ظلام الليل الدامس الذي يلف القرية وما حوت من بيوت وأبراج حمام.
وهكذا تدور عجلة الحياة في سلاسة ورتابة طوال الأسبوع، نهارهم في الحقول وليلهم في البيوت، حتى إذا كان يوم الجمعة غسلوا أطرافهم وتوجهوا لصلاة الجمعة في المسجد القديم ليقف بينهم الشيخ يقرأ خطبة الجمعة من كتابه الأصفر، وقد أمسك السيف الخشبي في يده ثم لا يلبث أن يدعو للسلطان العثماني وعساكره بالنصر والتأييد ليفيق الفلاحون من نومهم ويهبوا واقفين ليؤدوا ركعتي الجمعة وينصرفوا وقد أيقنوا أنهم أدوا ما فرضه الله عليهم من واجبات.

وإلى جوار هذه الصورة الهادئة المعالم الخلابة المنظر كانت قريتنا المصرية لا تخلو من المتاعب.

صراع العائلات:

فكم سمعت حكايات من كبار القوم عن هذه المعركة التي دارت بين عائلتنا وعائلة بريدان لمدة أربعين سنة؛ بسبب تعدي أحد أفراد العائلة الأخرى على قطيع الإوز المملوك لعائلتنا، مما ترتب عليه قتل (إوزة)، وظل القوم يتقاتلون لهذا السبب أربعين سنة في معركة تسمى عركة (الوزة).

فرق تسد:

كان من أسباب الخلاف بين الناس تلك الإشاعات التي يثيرها الإقطاعي الكبير بالقرية صاحب القصر الوحيد والدوار الكبير الذي يمتلئ بأعداد المواشي والأغنام والخدم والحشم.
وكانت هذه الخلافات بين الناس تدفعهم للخصومة والتحاكم وما يجره ذلك من مصروفات باهظة يضطرون فيها لبيع ممتلكاتهم من أرض ومواشي؛ حيث يتقدم مثير الفتن ليشتري بأرخص الأسعار فيغتني ويفتقر الآخرون.

إقطاع وفقر:

هكذا تضخمت ثروات البعض وتدنت أحوال الكثيرين، فهذه أسر الفلاحين في أغلبيتها تتبلغ بالخبز الجاف وقليل من المش واللبن الرايب والسريس والجلوين.
وعلى النقيض من ذلك عدد من كبار القوم ينصرفون صباحا إلى البندر أو يرسلون أبناءهم فيعود من سافر محملا بأنواع من اللحم والفاكهة والحلوى وما لذ من الأطعمة الشهية والهدايا بعد ما يقضون يوما سعيدا في التنزه بين جنبات المدينة والتهام الجيلاتي والتمتع بعصير القصب المثلج، وعند مدخل القرية يجدون الكلافين وهم خدم المواشي ينتظرونهم ليحملوا ما أحضروه من أثقال ولفائف وأقفاص بينما السيد يسير أمامه متأبطا بالجرنال ولو كان لا يعرف القراءة.
وفي سراية الإقطاعي الكبير أو قل إقطاعي الإقطاعيين حيث يملك عشرة أضعاف ما يمتلكه أغنياء القرية أو يزيد، ترى في سرايته صورة لحياة الملوك بكل ما فيها من إبهارات وإمكانيات، وزوارة من عيه القوة يأتون وقت الغروب رجال ونساء متفرنجات يسهرون حتى مطلع الفجر وتصل رنات ضحكات النساء إلى كل مسامع الفلاحين فيسارعون إلى تسور الدوار ليختلسوا النظرات إلى نساء البندر والحسناوات، ورجال الترف وما كرسوه أمامهم من لحوم ومشروبات؛
ولم يكن غريبا زيارة مأمور المركز لهذه الحفلات ليشاركهم بعض الوقت ويخرج قافلا إلى المدينة بعد تشديد الحراسة على المكان بكل قوة الخفراء وشيخهم وهو ما يقطع أن شخصيات هامة للغاية تقضي ليلتها في قريتنا النائية بعيدا عن أعين الصحافة وأحقاد الطبقات الوسطى وما بها من مثقفين يطلبون الحرية والمساواة وينددون بفساد الطبقة الحاكمة.

الرجل الخامس:

وفي هذه القرية المصرية الجميلة المنظر الممتلئة بالعمل والمشقات والانفعالات كان مولدي 1951، وقد سبقني إلى الحياة سبعة أشقاء غير أن البنات في بلدنا في هذا الوقت لا يحسبون في التعداد، عادات جاهلية قديمة تطل برأسها في بلدنا بعد ألف عام أو يزيد من القضاء عليها ببعثة النبي؛
نعم كنت الخامس في الأولاد والسابع في الأشقاء، فقد سبقني للحياة أخواتي فوقية وهدية وإخواني عبد السلام وراجح ومحمد وعلي ومولودان لم تكتب لهما الحياة إلا شهور ثم عاش من الأشقاء الذين ولدوا بعدي حمدي وناصر ونادية والمولود الرابع عشر توفاه الله وهو صغير.

جدتي لأبي (الوتد):

في العقد السادس من عمرها تستقبل الصبيان بترحاب شديد، وتحب الأولاد بشغف، وترى فيهم مستقبلا مصانا بالعزوة والقوة، وما إن يولد الواحد منا حتى تدور حوله كالنحلة عناية ورعاية وغالبا ما تنتهي مهمة الأم فور الولادة كلنا يحبها ويلوذ بها ولا عجب أن يسارع قلمي بالكتابة عنها قبل أمي فهي التي تفتحت عيوننا على قسماتها الجميلة ووجهها السمح شاهق البياض والمحلى بالوشم الجميل الذي ينزل من شفتها السفلى مزينا كل ذقنها على شكل ورقة شجر خضراء، ومن أجمل ما فيها بعد رسمها اسمها، إنها الحاجة ... أكابر سلطان أبو حلوة.
وكم كانت تتفاخر بكونها ابنة سلطان أبو حلوة شيخ مشايخ عرب منطقته (برقامة) بمحافظة البحيرة، وزوجة الحاج عبد السلام المليجي بكفر الشيخ، وكانت رحمها الله تقوم على خدمتنا ليلا طويلا، فتحكي الحكايات وتهدهد حتى نخلد إلى نوم عميق، ونستيقظ في الصباح الباكر لنجدها على سجادة الصلاة تدعو لأبي وأولاده واحدا كل باسمه وكل واحد منا يكمن تحت الغطاء في انتظار ورود اسمه في الدور فيتهلل وجهه ونتبادل نظرات الفرح على ما تولينا جدتنا من عناية ورعاية.
كان نهارها سبحا طويلا من العمل الممتد بين رعاية قطيع الطيور الضخم من الأفراخ البياضة والكتاكيت الجميلة والبط البلدي والخضيري بألوانه الرائعة والأرانب وديوك الرومي مع عناية خاصة بعدد من ذكور البط والرومي إعدادا لوليمة قرب موعدها، فإذا حلت شهور الصيف أضيف لذلك قطيع من الإوز الذي يقضي معظم وقته سباحة في الترعة القريبة؛
ثم يعود قبيل الغروب حيث تقوم بمراجعة أعداده وما كان لها أن تنام إن غابت إوزة كبيرة أو صغيرة إلا أن تبعث الكلافين ليقلبوا القرية رأسا على عقب حتى تحضرها، ولم يكن لها قدرة على صعود طوابق أبراج الحمام، فكانت تستعين بشقيقتي هدية في العاشرة من عمرها فيما يتعلق بأمر الأبراج، وهي واقفة على رأسها حتى تتم كافة أعمال البرج من نظافة ورعاية لأفراخ الحمام الصغيرة ...
وكم كانت مهمة صناعة الألبان تأخذ من وقتها فهي تشرف على حلب اللبن من الجواميس بواسطة الشغالة مرتين في اليوم تماما وقت بزوغ الشمس من كل يوم، ووقت الغروب عند عودة الجواميس من الحقل؛
ثم تبدأ مسيرة الألبان من تخزين الجديد وفحص الآنية المرتبة بدقة بعد تعقيمها في الفرن حصيلة كل يوم بعد الذي يليه في مكان خاص بذلك ومهيأ لتخمير اللبن (حاصل اللبن)، حيث يتحول إلى اللبن الرايب وعلى سطحه طبقة سميكة من القشدة ناصعة البياض فتجمعها وتخضها لاستخراج الزبدة، وتضع بعض اللبن الرايب في الحصيرة المخصصة لصناعة الجبن، وقسم منه يدخل في غذاء البيت والباقي وهو القسم الأكبر يدخل في غذاء قطيع الطيور المختلفة.

الفارس المثقف:

هذه صورته لا تفارق مخيلتي، فارس على صهوة فرسه الأبيض، كنت رديفه في رحلاته يغدو بها ويروح في تواضع جم وخطوات متحسبة طالما كان السير في شوارع القرية فإذا كان خارجها على الطريق المؤدي لحقولنا زاد سرعته حتى درجة العدو، فإذا بلغ المكان المقصود هم الرعاة إليه فسلمهم لجام فرسه ليربطوه في شجرة الصفصاف بجوار الساقية وانصرف مع بقية الفلاحين ليتفقد الزراعات؛
ويشير لهم بما هو لازم للحقل من رعاية، وكثيرا ما يستمر ذلك حتى وقت الظهيرة، فإذا حضر الغذاء تركهم لذلك وذهب يعتني بفرسه حتى ينتهوا فيجلس ليتناول معهم الشاي، فإذا انتهوا بدأوا أعمالهم وعاد هو قافلا إلى البيت، وقد أدى مهمته نصف الأسبوعية.
كان حريصا على ساعة ينامها في وقت الظهيرة فهي تعينه على سهر الليل مع الفلاحين الذين يتجمعون عنده كل ليلة لرسم خطة الغد وإتماما حسابات الأمس، وقد خصص لكل فلاح صفحات في الدفتر الكبير، فلا تفلت شاردة ولا واردة من التسجيل سحبا وإيداعا حتى إذا جاء وقت الحصاد وجمع المحصول ارتفعت أصوات الفلاحين ينكرون ما عليهم من مديونيات؛
فيقوم إلى دفتره ويفتح الصفحة ويجهد نفسه في تذكيرهم مقدما الأمارات الدالة والقرائن الواضحة حتى يقتنعوا، ومع ذلك لم يكن ينصرف أحدهم إلا وهو راض وسعيد، ولماذا لا يرضى وهو آمن تماما على نفسه وأولاده وبيته ويأخذ ما يطلب من قوت وملبس ومسكن، وعنده بقرة حلوب ورصيد من القمح والذرة والشعير والفول والتبن المخصص لمواشيه؛
فإذا حل العيد ذهبوا جميعا إلى البندر لشراء لوازم العيد من ملبس وحلوى وتمر وزبيب وخروب وحلوى عفش الجناين (الفوندام) وكل لوازم الكعك والبسكويت من فانيليا ورائحة الموز وملبن الحشو، أيام جميلة هادئة، ليت الزمان توقف بنا في هذه الواحة الجميلة، ولكن هيهات فمن كتبت عيه خطا مشاها، وعجلة الأيام لا بد لها من الدوران حتى يتجرع كل إنسان كأس الحياة بحلوها ومرها ويجني وردها ويشاك يشوكها.

الإصلاح الزراعي:

ما أن صدرت قوانين الإصلاح الزراعي حتى تغيرت نفوس الفلاحين، وشعروا أن الحكومة اليوم معهم، وتغيرت لغة الحوار بينهم وبين أبي ولو من باب الدعابة، كان أحدهم إذا غضب يرفع صوته في وجه أبي قائلا (إحنا في عهد عبد الناصر، واللي ما لوش أهل الحكومة أهله)، أما أبي فقد كان من الذين فرحوا بقوانين الإصلاح الزراعي الجديد، فهو يملك من الأرض في حدود المقرر (54 فدان) ولم تصادر منه، والإقطاعي الذي أضير من القوانين كان من أعدائه على طول الخط، وخالنا الحاج عبد الحميد غازي صار أمين الفلاحين في مجلس الأمة؛
ومكتب التعاونيات آل إلى كنفنا وتولاه أبي بالكامل بعد أن تلقى ثلاث دورات تدريبية بالقاهرة والإسكندرية على نظرية التعاونيات وفوائدها، وتولى أبي تأسيس أول جمعية زراعية تعاونية بالتعاون مع بنك التسليف الزراعي، وكانت تلك أسباب كافية لعدم وجود صراع بين عائلتنا والثورة الجديدة.
هكذا كانت تمضي أيام أبي وأنا طفل أرقب الحياة من حولي في أيام عمري الأولى، ولم يكن يفوته قبل النوم أن يفرد ذراعيه وهو مستلق على ظهره في سريره النحاسي الجميل فأنام على ذراع وينام شقيقي الذي يكبرني على الذراع الآخر، ويشرع أبي في حكايات جميلة منتقاة حتى نخلد إلى النوم فيحملنا إلى حيث ننام كل يوم، ويعود هو إلى حجرته ليشرع في نومه، وقد انتهت أمي من كل متعلقات العشاء وتهيأت لتلحق به في حجرة النوم.وكم أثرت حكايات أبي في نفسي، وعشت حتى اليوم أذكرها ولا أحسب أنها تنسى.

كيف تصطاد الأسد:

كان أبي يدربنا على الشجاعة وينزع فتيل الخوف من نفوسنا، فليس هناك أقوى من الأسد ولا أشجع منه، وهو ملك الغابة، ولكنك بعقلك تستطيع اصطياده، ولكن كيف؟

يروي لنا أبي:

"هناك سلاح مخصوص لاصطياد الأسود، ولكن لا يستخدمه إلا الرجل الشجاع جدا الذي لا يخاف من الأسد، والسلاح المخصص لذلك هو عبارة عن سكينة لها نصلين ويد واحد في المنتصف، ويصفها لنا بالتمثيل ويمسكها الشجاع، فيكون هناك نصل أعلى يده ونصل أسفل يده، ويتوجه الشجاع للغابة حيث يوجد الأسد ويستثيره بحركات يده؛
فإذا زأر الأسد يزأر الشجاع كذلك، فإذا هجم الأسد يهجم الشجاع ويقدم يده بسرعة في وجه الأسد وبها السكين، فيسارع الأسد بالتهام يده ويفتح فاه الكبير ليقضمها ولكن السكين المزدوجة يدخل نصلها في فكه العلوي وفكه السفلي فيصرخ من الألم، ويخر طائعا للشجاع فيسحبه إلى حيث يقيده بالحبال ويقلم أظافره ويكسر أنيابه، ويستخدمه في الركوب والعمل ...".
قد يرى الكبار في ذلك حكايات خرافية ولكننا في سن الصغر لم نكن نحسبها كذلك، ولعلها أفضل كثيرا من حكايات توم وجيري الأمريكية الصنع.

وجائزة على التقدم في دروس الشجاعة:

سمعني أبي وهو في ساعة القيلولة في حجرة نومه أنشد بيتا لعنترة بن شداد يقول فيه:

حصاني كان دلال المنايا
فخاض غمارها وشرى وباعا

وسيفي كان في الهجيا طبيبا

يداوي رأس من يشكو الصداعا

فهب من نومه وخرج من حجرته وفاجأني بحضوره أمامي وسألني: من علمك هذا الشعر؟ فقلت: الشيخ في الكتاب النهارده. فقال: أنا مبسوط منك ولك هذه الجائزة وأعطاني نصف فرنك (عملة فضية مسدسة الشكل قيمتها قرشين تكفي لشراء زجاجة مياه غازية ويبقى ربعها تعريفة).

عزوتنا علم ورجال:

في هذه الحقبة الأولى من حياتي حقبة الخمسينيات من القرن الماضي لم تكن رغبة الدراسة المنتظمة والمدارس لها وجود يذكر في قريتنا، فالناس هنا معظمهم يعمل في الزراعة أو بالنظارة على الفلاحين والأرض توفر لهم جميعا كأجراء وملاك كافة احتياجاتهم المعيشية وبوفرة مرضية لهم ...
وكان يمكن أن يكون مصيرنا إلى رعاية الأرض بعد الشهادة الابتدائية، ولكن أبي كانت له رغبة في أن يكون أولاده من الطبقة المتعلمة، ولعل أبي كان يعوض فينا ما فاته من الدرجات العلمية وهو الذي اضطرته ظروف وفاة والده وهو صغير أن يترك الأزهر قبيل الثانوية الأزهرية ويتفرغ لرعاية أملاكه التي ورثها من الأرض الزراعية، أصر والدي على أن يدفع بنا إلى صفوف الدراسة وكان ذلك صعبا؛
فلم يكن في قريتنا غير المدرسة الابتدائية بينما الإعدادية والثانوية كانت في بلاد بعيدة عن قريتنا مسافة يصعب الوصول إليها، وترتب على ذلك انتقالنا إلى تلك البلاد للإقامة فيها ويعني ذلك فتح بيوت جديدة ومصروفات وانشغالات للأسرة بأولادها الذين تغربوا في سن مبكرة؛
ومع ذلك فقد كان أبي يرفع شعارا للمرحلة يرضي به الجميع، فقد كانت عائلة المليجي ترى في الرجال عزوة وقوة، وكان أبي يرى في العلم سلاحا وحصنا حصينا لسعادته في الدنيا والآخرة، وكثيرا ما أجهد نفسه لإقناع الناس بتعليم أبنائهم وهو يقول: (فلتكن) "العزوة علم ورجال"، ولم يحرم البنات من التعليم كلية وإن اضطرته الظروف أن يوقفه عند المرحلة الابتدائية لصعوبة تغرب البنات أو استحالته في تلك الأيام.
كانت مصر في تلك الأيام الخوالي تبدأ نهضة تعليمية شاملة مواكبة لطبيعة القائمين بالثورة العسكرية عام 1952، فقد كان معظمهم من أبناء الطبقة المعدومة أو المتوسطة، وقد حصلوا على مؤهلاتهم بشيء من الصعوبة، ولذلك رأوا في التعليم مساواة لهم مع أبناء الطبقة الغنية الإقطاعية، ودفعهم ذلك لاعتبار التعليم أداة لإكثار نوعهم في مجالات العمل المختلفة، ومصدرا للأنصار الجدد ووسيلة لغرس مبادئهم في عقول المتعلمين؛
ونشطت عملية الحث على التعليم ومعها نشطت حركة بناء المدارس الابتدائية والإعدادية في القرى ذات العدد الكبير نسبيا، ولست بناس كيف كنا نخرج من قريتنا جماعات من الأولاد متجهين إلى مدارسنا في الصباح الباكر، فمنا الماشي ومنا الراكب حمارا ومنا الصغير الذي خرج معهم مرافق من أهله فيتجه بعضنا إلى مدرسة القرية، وأما الكبار فكانوا يتجهون إلى أقرب مدينة لنا وهي مدينة كفر الشيخ ليلتحقوا بالمدارس الإعدادية والثانوية.

أمي:

كانت الزوجة الصالحة التي رسم صورتها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أقسم عليها أبرته، وإذا غاب عنها حفظته في ماله وعرضه"، لا أنسى كيف كانت أمي تستقبل أبي من سفره مرحبة فرحة وتقبل يده بعد مصافحته، صورة غابت اليوم في مصرنا إلا من رحم، ولم يكن أبي بأقل منها تعلقا بها واحتراما لها وغيرة عليها.
لم تكن أمي تفارق بيتها إلا لضرورة قصوى، والضرورات في بلدنا لخروج السيدات محدودة كذلك، ولا تعدو زيارة الأم لابنتها المتزوجة مرتين أو ثلاثة في العام، وتقديم العزاء والتهنئة، وإذا حل مرض شديد يوجب العرض على الطبيب ولا شيء بعد ذلك تقريبا يوجب خروج المرأة من بيتها؛
وفي بلادنا لخروج العفيفات إلى الطريق طقوس وتقاليد مرعية، فملابس الخروج ساترة سترا كاملا وأحيانا يغطون بشاشة خفيفة، وألوان الملابس سوداء أو لون قريب من ذلك، الخروج غالبا في ظلام الليل، وتخرج الأم ومعها مرافقين من أبنائها، يشكلون لها موكبا مهابا، فأحدنا يمسك "بالكشاف" يضيئ الطريق وأحدنا تتوكأ عليه وثالثنا خلفنا يحرس ويبعد الكلام النابحة على المارة إذ تصادف المرور بها، فإن كان الخروج سفرا وإلى المدينة للعلاج في العادة فالجميع في سيارة خاصة ذهابا وإيابا، ونساء البيوت المحترمة لا يركبن المواصلات العامة، وهكذا ظلت أمي في بيتها طيلة حياتها، وما تزال على هذا المنوال حتى وفاتها.
وكم جلس أبي يقص علينا كيف تعب في البحث عن زوجة له وهو شاب حتى إذا حفيت قدماه دله قريب له على رجل صالح اسمه الحاج محمد صالح غازي بقرية المنشاة الصغرى بمركز قلين المجاور لمركز كفر الشيخ يجد عروسه التي يبحث عنها، وكانت تصغر أبي وقتها بسنة كاملة، فكان هو في الخامسة عشر وهي في الرابعة عشر، وظلت أمي حتى قبل وفاة أبي بأيام تقول له: "يا راجل يا عجوز أنت أكبر مني" مداعبة له ومتمسكة بهذا الفارق الزمني الضئيل في مصلحتها.
وعلى تطاول الأيام ومرورها لا أذكر شجارا لأبي مع أمي، ولم يكن هناك من ينادي بما يسمى حقوق المرأة، وكذلك لم تكن هناك حقوق متنازع عليها بين الآباء والأمهات من الأصل.
ومنذ عام 1934 تاريخ زواج أبي وأمي، أنجبت أمي أربعة عشر مولودا، عاش منهم اثني عشر، وتوفي أحدهم في السنة الأولى وآخر في السنة الرابعة، وتلك صورة مكررة في بلادنا المصرية وليست فريدة أو نادرة في هذا الجيل القديم الذي نظر إلى الإنجاب والرعاية للأبناء على أنه مهمة مقدسة، ولم يكن في مصرنا من يفكر لنفسه وفي نفسه فقط حتى يقول أكتفي بعدد كذا وكذا من الولد لأحيا حياة سعيدة، ولم يدر بخلد أحد قط أن الأولاد وفلذات الأكباد يمثلون مصدر تعاسة وشقاء.

عائلات مترامية الأطراف:

كالأوتاد التي تثبت الخيمة أو كالجبال التي تثبت الكرة الأرضية كانت العائلات المصرية، والعائلات في بلادنا أقوى من الشركات متعددة الجنسيات فكم كان للعائلات من احترام ومهابة وعلاقات وعهود وأحيانا صراعات وقتال؛
ولكن العائلات كانت طابعا اجتماعيا أصيلا وعرفا إنسانيا راسخا، هذه عائلة المليجي عائلتنا تترامى أطرافها، فتشمل تجمعات إنسانية في محافظات أخرى هي الجيزة والمنوفية وكفر الشيخ والمنيا والشرقية ودمياط، وما زلت أكتشف امتدادات لها حتى اليوم.

زيارة لجدي وجدتي لأمي:

يكاد القلب يقفز من الفرح فالليلة نذهب لزيارة جدي لأمي ذلك الرجل الصالح المسمى الحاج محمد صالح غازي بالمنشأة الصغرى ومصدر سعادتي يكمن في جمال الطريق الخلاب المزدان بأشجار الكافور والجازوارين، وما تضيفه على الطريق من ظلال وارفة، وما تلقيه على المكان من جمال وروعة، وما يتهادى عليها من طيور، فإذا كان الليل فإن متعة متابعة الطريق المضاء بمصابيح السيارة مسلية ومبهرة لمثل هذا السن.
وفي بيت جدي نلقى تحارب وعواطف وحميمية منقطعة النظير، فهذه أمي تسارع إلى أمها بالأحضان، وهذا خالي مصطفى يعود مسرعا من وابور الطحين الذي تملكه العائلة فيغير ملابس العمل ويرتدي ملابس الاستقبال ويدخل علينا باشا كعادته ويتوالى وصول الأهل جميعا أخوالي محمد وخليل وعبد الرحمن والسيد وزينب ونفيسة ونجتمع جميعا نحن وهم والكثير من أقربائهم، فهذا يقبلني وذاك يدفع في يدي ورقة مالية وذاك يدفع الحلوى في يدي، حتى إذا ذهب بعض الوقت دعانا جدي لتناول الطعام في الحجرة الأخرى، فإذا بسفرة هائلة عليها أنواع اللحم والدجاج والبط المحمر والشوربة الساخنة والمكرونة التي أحبها كثيرا على بساطتها ويتبع ذلك تقديم الفاكهة حسب الموسم.
فإذا جاء وقت الرحيل تعلقت بأبي راجيا أن يتركني عند جدي ليوم أو يومين، فقد كان بيته محببا إلى نفسي كثيرا، وكان جدي جميل الطلعة باسم الوجه خفيض الصوت دائم الحرص على وضوئه وفي كفه أثر من رطوبة الماء وفي وجهه نور الوضوء والصلاة، ولكن أبي لم يكن يوافق على ذلك لصعوبة السفر لإعادتي.

صيد الذئاب:

ما أروعه من منظر ذلك الذي أستمتع به عندما نعود قافلين ليلا وكشافات السيارة تقلب صفحات الجمال أمام عيني، أشجار مرتفعة وزراعات متنوعة من القطن والأرز والذرة وغيرها ... وترع ومصارف تمر كشريف السينما متسارعة بسرعة السيارة.
وفجأة يظهر وسط الحقول على بعد عشرين مترا تقريبا بريق عينيه تلمع كأنها الماس أو الفضة تحت وقع نور السيارة، فإذا بأبي يأمر السائق بالتوقف والعودة للخلف قليلا للبحث بالضوء عن عيونه مرة أخرى، فإذا برقت أمره بضبط نفسه على هذا الوضع، ويخرج أبي بندقيته من نافذة السيارة ويعدل من موضعه حتى يضبط التصويب بين العينين تماما ويضرب؛
فإذا بصرخة الذئب تملأ الآفاق، ثم يسقط مقتولا، ويهبط أبي من السيارة ومعه السائق وكشاف بالبطارية ويتابع الذئب المقتول حتى يصل إليه فيجزون رأسه بالسكين ويأتون بها لاستخدامها في تخويف البوم التي تهاجم أبراج الحمام كما كانت عقيدة الناس في بلادنا ...

تلك صورة لا أنساها وأحداث لها مكان في العقل والقلب لا تمحيه أحداث الأيام وإن عظمت فكما يقول المثل:

"التعلم في الصغر كالنقش على الحجر".
وكان للذئاب في محافظتنا شأن وقصص في الخمسينيات من القرن الماضي لكونها محافظة شبه خالية في نصفها الشمالي، يملؤها السبخ والطين أو تغطيها مساحات من المستنقعات التي يملؤها نبات البردي ونبات الغاب (البوص) والتي تعتبر ملاذا آمنا لمثل الذئاب والثعالب والقطط البرية، وكثيرا ما كانت هذه الحيوانات تهاجم الناس وما يملكون من مواشي وطيور.

المولد والسباق:

منذ ثلاثة أيام ووالدي وشقيقي الأكبر عبد السلام طالب الثانوية العامة ومعهم عدد من العمال يعملون بجد ويصلون الليل بالنهار للاستعداد للبطولة القادمة، فقد حان موعد المولد (مولد سيدي طلحة المدفون بكفر الشيخ)، مهرتنا البيضاء (نعناعة) بطلة السباق منذ ثلاث سنين، والمحافظة على مستواها يتطلب جهدا في الإعداد، الفرس تغسل وتنظف بالماء والصابون والفرشاة الخاصة ثم يمشط لها شعرها بمشط حديدي خاص حتى يبدو جسمها لامعا جذابا، ويقدم لها علف خاص مشكل من القمح والشعير وقليل من سكر النبات وأما بقية السكر المقرر لها فيقدمه تارة أبي وتارة لقما في فمها، فتهز ذيلها وترفع رأسها شكرا لمن فعل.
وهناك في المولد المنصوب يقضي الناس بعض أوقاتهم في أكل وشرب وكلام حتى إذا جاء وقت العصر نصبوا حلبة سباق الخيل وعلا غبار السباق، وأصوات الخيل وحميت المنافسة بين الخيول وما حملت من الفرسان.
وفي المساء يسهر الناس بالسرادقات التي تتنافس على جذب الزائرين بما تعرضه من غناوي وموواويل لمطربين ومطربات مشهورين في بلادنا وما حولها من النجوع والقرى.

الملاليم الطاهرة:

عملة منقرضة كانت جل أمل الصغار في الخمسينيات من القرن الماضي والمليم وهو جزء من عشرة أجزاء من القرش الذي كان يكتب عليه عشر مليمات مصرية، وبهذا المليم نشتري حلوى أو حزمة جرجير أو فجل كما قال بيرم التونسي مقاوما فرض الضرائب على الفقراء:يا بائع الفجل بالمليم واحدة .... كم للعيال وكم للمجلس البلدي؟
وكم سعينا صغارا لامتلاك الملاليم وتجميدها في قروش وخمسات وعشرات القروش الورقية توطئة للدخول في مشروعات استثمارية كبيرة من نوع المشاركة في عنزة وأحيانا بطة أو إوزة مقبلة على موسم البيض والأفراخ، ولم يكن الحصول على هذه الثروة من القروش بالسهل أو اليسير فمن أراد لنفسه ثروة هائلة من هذا النوع فدونه الأعمال الصعبة في الأجازة الصيفية؛
وكم عملت (خولي) على أنفار الدودة أي مشرفا على الصغار الذين يعملون في مقاومة دودة القطن بقطع الورقات التي تحمل بيضها من على أشجار القطن ولفترات تمتد لشهرين أو ثلاثة فإذا أثمر القطن وجنى الفلاحون القطن يمكن لأحدنا أن يعمل في جمع المخلفات بأرض المحصول ليجمع وزنا قليلا من القطن ويبيعها لنفسه في السوق بهدف الحصول على قروش خاصة يبدأ بها مشروعات اقتصادية من نوع العنزة والبطة وما في مستواها، وهكذا يتعود الصغار بالقرية على التعب والكد كطريق للملكية الخاصة تحت رعاية الآباء وأحيانا إعانتهم بدفع الفارق المتبقي لاكتمال مشروعات الأولاد الصغيرة والكبيرة في عيونهم.

الكتاتيب:

هي المدارس ذات الفصل الواحد التي كانت لا تخلو منها قرية مصرية وعلى بساطتها وخلوها تقريبا من كل مظاهر الزينة فقد كانت مجدية في غرس كثير من القيم العليا في نفوس روادها.
وفي هذه الكتاتيب المفروشة بالحصير والتي تدار بمدرس واحد هو سيدنا الشيخ المحفظ والمعلم والمربي تعلم الكثيرون من أبناء هذا الوطن وقياداته فيما بعد الحساب والإملاء والقرآن والسنة والأخلاق الفاضلة.
كان شيخنا محمد زرير يعلم أولاد القرية مقابل قروش معدودة في الشهر أو عدد من أرغفة الخبز وقطع الجبن من أولاد الفقراء، وفي الكتاب يتم كل شيء بالتلقين المباشر بصوت الشيخ حتى إذا تعود الطفل يمكن أن يعمل معه من يكبره سنا ويسبقه حفظا في المراجعات والواجبات.
ألواح الإردواز أو الألواح الخشبية والأقلام المصنوعة من البوص والحبر المصنوع من الهباب الأسود وقطعة من القماش القديم هي كل ما يلزم المتعلمين من وسائل ولا حاجة لملبس خاص أو لون مميز ولكن المهم هو ستر العورة حسب القدرة والاستطاعة ببدلة أو جلباب أو حتى بيجامة.
فإذا جاء وقت الظهر تدافع الأولاد على مكان أعد للوضوء وصلى بهم الشيخ جماعة وأحيانا يؤمنا فتى متقدما لتدريبه على الإمامة فقد حفظ من القرآن ما يؤهله لذلك.
فإذا انقضت الأجازة الصيفية انصرف معظمنا إلى مدرسته وبقي القليل جدا مواصلا دراسته بالكتاب إلى جوار المدرسة.

يا عزيز يا عزيز كبة تاخد الإنجليز:

هكذا خرج أطفال القرية يدقون على صفائح فارغة ويرفعون أصواتهم ناظرين إلى السماء كلما سمعوا أزيز الطائرات العابرة على بلادنا إبان العدوان الثلاثي عام 1956، وكلنا يردد هذه الأرجوزة خلف كبير منا يقودنا في نشاط وحماسة لنطوف بشوارع القرية داعين الله أن يصب جام غضبه على الإنجليز الأعداء، صائحين يا عزيز يا عزيز كبة تاخد الإنجليز (أي مصيبة تقع بهم).
وعندما عدت إلى البيت وجدت أشقائي الأكبر مني قد عادوا سعداء من المدرسة لأنهم أخذوا أجازة لأجل غير مسمى حتى تنتهي الحرب التي أشعلتها ثلاث دول أوروبية هي إنجلترا وفرنسا والصهاينة المحتلين لفلسطين منذ العشرينات من هذا القرن.
لم يكن يشغلني الأمر كثيرا في هذه السن ولكنني فرحت كثيرا بعودة إخوتي من المدرسة لنقض معا وقتا ممتعا في مطاردة الطائرات بالهتافات ولعب الكرة الشراب في جرن القرية.

مدرستنا الابتدائية:

هناك في وسط الحقول الخضراء بنى أحد الإقطاعيين قصره وسط أرضه الخصبة وعاش ينعم بحياة رغدة حتى قامت الثورة فكان ممن ابتلاهم الله بصدور قرارات الاستيلاء على معظم ممتلكاته ومنها هذا القصر الجميل ليتحول قصره إلى مدرسة ابتدائية لقريتنا والعزب المجاورة لها.
ومن العجيب أن المدرسة كان يطلق عليها اسم صاحب القصر "مدرسة عوض أيوب"، وكأن اله أراد له أن يستفيد من ممتلكاته ولو بتخليد الذكرى.
في تلك المدرسة الفخمة تعرضت لنسمات العلم الأولى وما زلت أذكر الكثيرين من زملائي وزميلاتي وألتقي بهم في الحياة العامة وكذلك ناظر المدرسة الأستاذ خضر جنيدي من بلدة ميت الديبة مركز قلين ومن نفس قريته مدرس التربية الفنية الأستاذ: حلمي راجح، وحامد مدرس الفصل، والأستاذ توفيق من بلدة شابة التي تبعد عن المدرسة مسافة 5 كم، كان يقطعها يوميا على دراجته؛
وكذلك الأستاذ: صلاح جامع وكمال وعبد الرحمن وآخرين تاهت مع الأيام حروف أسمائهم، ولكن بصمات تلك المرحلة باقية على مخيلتي شاخصة في خيالي أستفيد بها كثيرا في فهم تصرفات أولادي في هذه السن وأذكر من المواقف العملية ما يمثل مواقف تربوية راقية تؤكد على أثر القدوة في حياة الإنسان.

أيام خالدة في أبو عجيلة:

كثيرين من أبناء هذا الجيل في بلادنا لا يعرفون "أبو عجيلة" وما يدريهم بأبو عجيلة إنها نقطة على حدود مصر وفلسطين دارت فيها معاركة حامية الوطيس إبان العدوان الثلاثي (الصهيوني، الإنجليزي، الفرنسي) المشترك على مصر عام 1956 في 26 سبتمبر وقد اختارت وزارة التربية والتعليم هذه الملاحم الجهادية لتقديم قصتها لنا بالسنة الأولى الإعدادية؛
وكم كان مفيدا للطلبة في هذه السن أن تمتلئ نفوسهم حماسة ووطنية وحبا لمصر وكرها لأعداء العروبة والإسلام الصهاينة والإنجليز والفرنسيين الذين حاربونا في أبو عجيلة وكل سيناء ومدن قناة السويس.
وعندما كنت أقف في الفصل أطالع القصة بين يدي المدرس كنت أشعر وكأنني في ميدان المعركة أتحرك مع الجنود ويظهر ذلك على نبرة صوتي وحركات يدي، وإذ بالمدرس يبتسم سعيدا بما أصنع ويشكرني في النهاية على حسن إلقائي.

كاد المعلم أن يكون رسولا:

ولكن يكن الأمر موقوفا على مجرد منهج دراسي محترم وفعال في إيجاد المواطن المزود بجملة من القيم النبيلة ولكن الأهم من ذلك القدوة الصالحة التي تتمثل في إدارة المدرسة.
فهذا ناظر المدرسة الأستاذ: سعيد الديب في الخمسين من عمره ما تزال صورته ماثلة أمامي وهو يقطع الممر الطويل الكائن أمام الفصول ليتأكد بنفسه من سير الدراسة واستتباب النظام العام والهدوء التام، وأحيانا يستأذن من مدرسة الفصل ويدخل ونقوم له تحية وإكبارا، ويشرع في تقديم النصائح الأبوية والتربوية لنا أو يحدثنا عن شأن من شئون المدرسة ثم يحينا وينصرف.
وأما أستاذ التربية البدنية فكان كتلة من العضلات وشعلة من النشاط وفي "حوش" المدرسة توجد ألعاب الكرة الطائرة، وكرة الباسكت (السلة) وتنس الطاولة ومعدات الجمباز الحصان والمتوازي والعقلة مع إمكانية لعب كرة القدم والبنج بونج (تنس الطاولة) ... إلخ.
هكذا كانت المدرسة الإعدادية مزودة بكل وسائل الرياضة المطلوبة لبناء الجسم السليم فإذا كانت حصة التربية البدنية مارسنا رياضات الإحماء، ثم يقسمنا المدرس مجموعات حسب استعدادنا لتمارس كل مجموعات الرياضة المحببة إليها؛
وكان ذلك يمتد حتى في الأجازة الصيفية فكانت المدرسة تفتح أبوابها للراغبين في الرياضة من طلابها عصرا ومساء، وفي مدرسة كفر الشيخ الإعدادية في هذا الوقت يتوفر قسم للعلوم الزراعية يتكون من مزرعة جميلة بها صوبة زجاجية وأخرى للظل (خشبية) ومنحل ومعمل للصناعات الغذائية وكانت أجمل أوقاتنا في هذا المرزعة الجميلة الظليلة الأخاذة.
هكذا مضت أيامنا الأولى بالمدرسة الإعدادية بين مدرسة أحبها ومسكن بسيط ألجأ إليه وقت نومي واستذكار دروسي، فإذا كانت الأجازة انصرفنا إلى هواياتنا الخاصة بين رياضة كرة القدم ورسم اللوحات الزيتية والعناية بحديقة المنزل والنزهة بين الحقول وصيد السمك بالصنارة ..

أول مرة أسمع عن الإخوان:

في غضون صيف عام 1963 زارنا الدكتور عبد الله رشوان المحامي لعلاقة قرابة بيننا وبينه عن طريق جدتي لأبي، وكان عيدا بالقرية حيث أقمنا له الولائم ودعونا الأقارب ليكونوا في استقباله وأفهمني أبي أنه شخصية هامة جدا في مصر (القاهرة)؛
وأفهمني أبي بصوت منخفض أنه من الإخوان المسلمين، وكان من حسن تصرف الدكتور عبد الله رشوان زيارته لعائلة بريدان المتخاصمة مع عائلتنا (الملايجة) ومحاولته الإصلاح بين العائلتين، وأذكر أننا أقمنا في المساء حفلا تباري فيه الشباب لتقديم الشعر والنثر ترحيبا بالدكتور عبد الله رشوان
وبالمناسبة فإن د. عبد الله رشوان هو صاحب أطول دفاع عن الحركة الإسلامية قدمه في قضية الفنية العسكرية ويعتبر من الرعيل الأول لجماعة الإخوان ومن المقربين لقلب وعقل الأستاذ عمر التلمساني وهو اليوم يقيم بمدينة نصر بشارع محمود طلعت متفرغا للكتابة ورعاية الأحفاد.

الغربة الثانية:

في صيف عام 1966 استقر المقام بأخي محمد في الإسكندرية طالبا بكلية الزراعة ورأى والدي أن يجمع شتات أولاده بقدر ما تسمح به الظروف، وفي هذا الوقت كان شقيقي عبد السلام في المدرسة الثانوية بطنطا وكان شقيقي راجح بكلية الشرطة بالعباسية بالقاهرة؛
وكنت أنا في مدينة كفر الشيخ بالمدرسة الإعدادية، ولم يكن قابلا للحركة على طاولة الشطرنج أمام أبي إلا هذا الجندي الصغير بالمدرسة الإعدادية بكفر الشيخ، وبالفعل وبعد مجهود مشكور من الوالد والأشقاء نقلت إلى مدرسة أمير البحر الإعدادية بالإسكندرية بمنطقة محرم بك لأكون برفقة شقيقي محمد بكلية الزراعة بالإسكندرية.
وأقمت معه بشقة مفروشة بالدور الرابع بالمنزل رقم 96 ش تانيس بالإبراهيمية وعلى مسافة 200 متر من البحر على وجه التقريب وفي هذه البيئة الجديدة ابتسمت لي الحياة بصدق يناسب سني وتطلعاتي، واستفدت من إقامتي مع من هم أكبر مني ولكثرة علاقتي بأصدقاء أخي وبقية الطلاب الجامعيين بالشقة كأني دخلت الجامعة في سن مبكرة، وزاد على ذلك أن شقيقي كان في بعض الأيام يصحبني لتناول طعام الغذاء في معظم المدينة الجامعية، وكانت الصحبة بالشقة خليط من الطلاب العرب والمصريين؛
فهذا محمد الجرف الفلسطيني شاب جاد ومهذب من غزة يدرس بالآداب ومحمد الأردني يدرس بالحقوق وقليل الكلام وكثير التدخين والثالث أحمد السعدني الدمياطي والرابع هو عبد الرازق الشبراوي طالب الزراعة أيضا من أبناء كفر البطيخ بدمياط، والخامس والسادس أنا وأخي محمد الطالب بكلية الزراعة بالإسكندرية، وكان يقضي جل وقته بالكلية ولا يعود إلا متأخرا، كما كان له نشاط ثقافي في مجال الرسم والكاريكاتير، يشغل به بعض وقته ويعبر عن أفكاره التي كانت متعلقة في معظمها بالجامعة وأعضاء هيئة التدريس والطلاب.
كانت أيامي في الإسكندرية سهلة وممتعة وكنت مسرورا بنقلتي الجديدة إلى مدينة هادئة ونظيفة في هذا الوقت من الستينات وتكاد ترتدي أجمل أثوابها في فصل الشتاء حيث ينزل المطر الغزير كل يوم مرة أو مرتين ويجففها الهواء المنطلق والمتدفق عليها من الشوارع المطلة على البحر ومنها شارعنا.
لقد كانت الحياة بالإسكندرية كلها سعادة وهناء دراسيا ومعيشيا ولم أشعر يوما أنني أحتاج لشيء ولم أحصل عليه.

حرب 1967:

طالعنا في الصحف نبأ الحرب والتحرشات العسكرية الجارية في سيناء، قيل عودتنا إلى القرية كالعادة كل صيف ونحن في موسم الامتحانات ومشغولون بها تماما وفي ذاكرتي اليوم صور الطيارين المصريين في قاعدة جوية متقدمة والرئيس عبد الناصر يخطب فيهم، كانوا بملابس القتال وقمة الاستعداد، ومضى شهر مايو ومضت معه الامتحانات وعدنا للقرية حيث لا جرائد ولا تلفاز وتابعنا كل شيء عن طريق الراديو وبيانات أحمد سعيد التي بشرتنا بالنصر المبين؛
وكان أبي في خلسة يسمع وحده إذاعة صوت إسرائيل وكنا نرى في وجهه حزنا غير مبرر ولم يقل لنا حقيقة الموقف ودخل في نوبة صمت حزين وكئيب لم يكن له من وجهة نظرنا مبرر غير كونه يخفي علينا أخبار الهزيمة، وفي يوم 9 يونيو عرفنا الحقيقة المرة ثم انصرفنا لنشاطنا الصيفي المعتاد بالقرية، كرة القدم عصرا حتى المغرب وفي الصباح في المرسم مع اللوحات والألوان وأحيانا بين حقوقنا ومزارعنا نتمشى ونصطاد السمك ونأكل الذرة المشوي.

المدرسة الثانوية:

انتقلت إلى المدرسة الثانوية بشارع منشا بمحرم بك ولم تكن تبعد كثيرا عن المدرسة الإعدادية ولذلك لم يتغير شيء في حركتي اليومية، ومضت الحياة روتينية كالعامين الماضيين ولم يتغير في حياتي سوى حصة التربية العسكرية التي كنت حريصا عليها وحريص على ارتداء بدلة الفتوة العسكرية.
في هذه العام كان أخي راجح بالقاهرة قد تخرج من كلية الشرطة وتسلم عمله بقسم شرطة قصر النيل بالقاهرة، وانتقل بعد عام إلى قسم شرطة باب الشعرية.
وفي محاولة جديدة لجمع شتات الأبناء الخارجين في سبيل تحصيل العلم اتفقت رغبة والدي مع رغبة شقيقي ضابط الشرطة في أن يكون له رفيق بالقاهرة ليتم نقلي إلى مدرسة خليل أغا الثانوية بشارع الجيش بالقاهرة لأقيم مع شقيقي بشارع الشيخ قمر بحي السكاكيني باشا على بعد أمتار من شارع رمسيس.

العاصمة:

توجهت إلى القاهرة في أكتوبر من عام 1969، لم أسترح لصورة المدينة العامة وشعرت بفارق كبير بين الإسكندرية ذات الحدود المعروفة والبحر الممتد إلى ما لا نهاية وهذه القاهرة المتسخة الخانقة التي يمتد فيها الزحام والضجيج إلى ما لا نهاية.
ولم تنتهي السنة إلا وانتقل أخي إلى العمل في وحدات جديدة سميت وحدات الاحتياطي المركزي وفي شقتنا الصغيرة ذات المتاع المتواضع عشت مع أخي ضابط الشرطة الذي كان يقضي معظم وقته خارج البيت وأيام عطلاته عند خطيبته أو معها في نزهة أو في الأسواق باحثا عن هدية لها تناسب قدرته المالية؛
وهكذا مضت أيامي الدراسية، وفي الطريق إلى المدرسة كنت أصطحب صديقا من أسرة فلسطينية يدعى سمير ولكنه لم يحدثني قط عن فلسطين ولا عن سبب وجوده بعيدا عنها، فإذا بلغنا المدرسة أسرعت إلى أصدقائي الذين آنست إليهم وهم خمسة من الجزائر مقتدر وعبد الحميد والطيب وأبو القاسم وسعيد ونيجيري يدعى أبو بكر ومسيحي مصري يدعى بشارة ومصري يدعى فتحي؛
وكان القاسم المشترك بين هؤلاء جميعا هو الاهتمامات والجدية خلافا لبقية التلاميذ الذين تبدو عليهم مظاهر السطحية والانشغال بالكلام العيب والحكايات الصغيرة، كما أن مجموعة الأصدقاء التي تآلفت معها كانت تجمعني بها مشاعر الغربة عن القاهرة، وكانوا من مرحلة سنية تزيد على بقية الطلاب لكونهم مبعوثين من بلاد أخرى، ولا يشترط فيهم سن معينة، ولعل هذه التركيبة البشرية الجديدة كانت الشيء الجديد في العاصمة عن بقية المدن الأخرى التي مررت بها.

القاتل والمقتول في شقتنا:

في يوم من أيام 1969 وبعد عصر ذلك اليوم طرق باب شقتنا طارق وتوجهت لأفتح له الباب فإذا بعبد السلام ابن خالي الطالب بكلية الهندسة جامعة الأزهر يدخل علينا في حالة من الإعياء والإرهاق وتوجه لتوه إلى حجرة النوم وتمدد على السرير وعليه علامات الحزن والألم ورحت أتجاذب معه أطراف الحديث، فأخبرني بأنه كان ضحية مظاهرة طلابية يتصدرها طلبة كلية الهندسة بجامعة عين شمس ومعهم طلبة من جامعة الأزهر ينادون بإعادة محاكمة القادة الذين تسببوا في هزيمة 5 يونيو عام 67
فقد صدرت ضدهم أحكام مخففة لا تناسب الجريمة التي ارتكبوها وما ترتب عليها من تدمير لسلاح الجو المصري برمته، وأخرج من جيبه منشورا دونت فيه مطالب الطلاب بعد مقدمة قصيرة ولا أذكر من هذه المطالب شيئا الآن أكثر مما قاله لي وزاد بقوله وقد تعرضت لنا الشرطة واشتبكنا معها بالحجارة.
وبعد حوالي ساعة طرق الباب آخر فخرجت لأفتح الباب فإذا به شقيقي ضابط الشرطة في ملابس مدنية غير ملابسه العسكرية التي خرج بها وكان في حالة من الإعياء والإرهاق كابن خالي الطالب تماما بالإضافة إلى كدمات واضحة في وجهه وبقايا دماء في رأسه وعلى ملابسه؛
وكان يرافقه أحد لا أعرفه انصرف مسرعا بمجرد أن اطمأن إلى أن شقيقي دخل البيت، وارتمى متهالكا إلى جوار ابن خاله على ذات السرير ولم أشأ أن أسأله فقد كان موقفا محرجا لأنه جرح وسقط على الأرض تحت أقدام الجنود الفارين أمام هجوم الطلبة بالحجارة، ولولا فضل الله الذي سخر له من حمله من على الأرض وألبسه ملابس مدنية لقتل تحت أقدام الطلاب أو بأيديهم.

وفاة عبد الناصر وجنازته المليونية:

وفي مايو 1970 وفي الوقت الذي استعد فيه للامتحانات تزوج شقيقي ضابط الشرطة وانتقل إلى شقته في مصر الجديدة وتركني بصحبة أخي الأصغر حمدي الذي انتقل إلى المدرسة الإعدادية بالقاهرة، واندلعت الحرب في الأردن بين الملك حسين والفدائيين الفلسطينيين في معركة أيلول الأسود؛
وبلغ عدد القتلى 1600 قتيلا من الجانبين، وعقد مؤتمر قمة عربي للمصالحة بين الجانبين بالقاهرة وفي اليوم الأخير لهذا المؤتمر عاد جمال عبد الناصر من المطار بعد وداع الملوك والرؤساء في حالة مرضية شديدة، ومات لتوه في الساعة الخامسة والنصف من مغرب يوم 28 سبتمبر 1970.
مع الآلاف من المواطنين اندفعت خارج الشقة أتدحرج على السلم نحو الشارع ثم إلى كوبري القبة حيث منزل الرئيس عبد الناصر، لم أفكر في وسيلة مواصلات تنقلني من شارع الشيخ قمر بحي السكاكيني إلى حيث بيت الرئيس كما لم يفكر في ذلك كل الملايين التي خرجت تودع الرئيس المحبوب والأمل الباقي لنحقق النصر على إسرائيل؛
هناك كان البكاء والنحيب والذهول، الأعداد تزايدت وبقي الناس حتى مطلع الفجر، وفي اليوم التالي مرت الجنازة من أمام شارعنا وسرت معها حتى تواري الجثمان في التراب، ويوم الجمعة التالية خرجنا لاستقبال الرؤساء السادات والقذافي والأسد وهم يصلون في مسجد عبد الناصر، وهكذا أصبح المرحوم جمال عبد الناصر وتولى السلطة الرئيس السادات.

إلى الجامعة:

كان ذلك في أكتوبر 1970 عندما توجهت إلى كلية العلوم بجامعة عين شمس بالعباسية بالقاهرة لا يزيد وزني عن 65 كجم نحيف بالنسبة لطولي الذي يبلغ 180 سم أرتدي بدلة كاملة وفي يدي حقيبة جلدية سوداء وبعد أيام قليلة استقر رأي أن ألتحق بقسم الأحياء (البيولوجي) وفي المدرج الكبير بدأت المحاضرات التي كانت تجمع القسم كله وأحيانا السنة الأولى كلها.
وكما يقول المثل (الطيور على أشكالها تقع) فقد تشكلت مجموعتنا سريعا من عدد من الطلاب التقليديين وفي المقابل كانت هناك مجموعات من الطلبة والطالبات المتفرنجين (أولاد مصر الجديدة) ومجموعة ثالثة من الطالبات المحافظات وعددهن قليل.
وبعد شهر من الدراسة تقريبا رحت أتجول في الكلية وما حولها وكانت الأحوال لا تسرني كثيرا، وخاصة أهم قضية تشغل الذهن في ذلك الوقت وهذه السن وهي علاقة الطلبة بالطالبات وما يشوبها من مخالفات لم أتعود عليها، ولم يكن بذهني أسباب واضحة لموقفي الرافض ولكنها آثار التربية العائلية المحافظة، وأينما ذهبت كان يؤلمني أن أرى الطالبات بملابس قصيرة يجلسن في أوضاع مخجلة مع الطلبة ويتبادلن النكات والضحكات وفرقعة الأيادي بالتصفيق والهزار؛
وعندما قررت أن أتوجه لمكتبة الكلية فلم أجد حالتها أفضل من الحدائق العامة المحيطة بها، كان جوا خائفا بالنسبة لي ولم أفرج بالجامعة التي حلمت بها، وعلى المستوى العلمي والدراسي فلم تكن لدى صعوبة في شيء وسعدت كثيرا بالمحاضرة القومية التي كنا ندرس فيها كتاب "الصهيونية العالمية وإسرائيل" ويدرسه لنا، أ. د. حسن أنور فوده وفي تقديم هذه المادة كان محاضرنا يبذل طاقة خارقة في البيان والشرح مصورا الصهيونية بالسرطان الذي ينتشر في جسد الأمة العربية ليقضي عيها ويحضنا على مقاومته بكل وسيلة وأولها الإلمام بالفكر الصهيوني وخطورته على البشرية.
ومضت السنة الأولى على هذا النحو وقبل نهايتها بقليل عثرت على مبنى قديم متسخ في بقعة مهجورة من الكلية عليه ورقة باهتة مكتوب عليها (المسجد) وبه حصيرة ممزقة والتراب يعو كل شيء فيه وفي نهايته صنبور تحته بركة إسمنتية مليئة بالطحالب الخضراء والفطريات.

الموت يهزني من الأعماق:

سمعت عنه كثيرا وشاركت في تشييع الجنازات كلما تصادف وجودي وحالة الموت حاضرة ولكنني حتى هذه اللحظة لم أكابد الموت وألمسه عن قرب، وبينما أنا في شقتنا في صيف عام 1971 جاءت زوجة أخي للمرة الأولى بدونه تخبرني أنه مريض وانصرفت من الباب على الفور ولم يكن بلاغها بالصورة المزعجة فتباطأت حتى المساء؛
ثم سعيت لزيارته في شقته بمصر الجديدة، كان في حجرة نومه وحوله عدد من الزوار من أسرة زوجته وهو يشكو من ألم في الناحية اليمني أسفل بطنه، ولكن لم يكن يبدي أي مظاهر للضعف فقد كان شابا في الثامنة والعشرين من عمره وضابط بالأمن المركزي برتبة نقيب يؤدي تدريبات رياضية عنيفة كل يوم.
وانتظرت حتى خرج الضيوف ثم استمعت إليه وقد بدت عليه علامات التعب ولم يخفها عني كما كان متماسكا أمام الضيوف، قال: ... من ثلاثة أيام وبعد معركة خاضتها كتيبتي في إجلاء المهاجرين من السويس عن المساكن التي استولوا عليها بمدينة نصر وهي مملوكة للحكومة شعرت بعد هذه العملية أن بطني تؤلمني ويظهر أن الناس دعوا علينا لأننا ضربناهم ورميناهم في الشارع، وسارعت بسؤاله: هل حضر الطبيب؟
فقال: وكتب أدوية كثيرة وأشار إليها بيده ثم قال: ولكنني لا أشعر بتحسن في الحالة، وبعد أن تناولنا أحوالنا وأخبار الأهل في البلد طلب مني أن لا أبلغهم بشيء لأن الأمر بسيط وسلمت عليه وعدت إلى سكني ولكن مشاعر القلق كانت قد أخذت مني كل مأخذ؛
عدت في اليوم التالي ولم ألحظ على صحته أي تقدم فالحرارة مرتفعة وتصل أحيانا إلى 40 درجة والألم مستمر في أسفل البطن وبادرته بضرورة استشارة طبيب آخر لكنه فضل استكمال العلاج لمدة خمسة أيام حسب إرشادات الطبيب وبعدها نستشير طبيب آخر في اليوم التالي حصلت على اسم طبيب في الحميات؛
وتوجهت إليه قبل زيارتي لأخي، محاولا اصطحابه معي ولكنه اعتذر وواعدني الصباح الساعة العاشرة وتوجهت لأخي وأقنعته بذلك، وتقابلت مع الطبيب في العاشرة من صباح اليوم التالي، وفحصه بدقة وأخذ تاريخ المرض؛
وقال: أحتاج لتحاليل دم حديثة وأجرينا التحاليل وعرضتها على الطبيب في مساء اليوم فأبدى انزعاجا واضحا وراح يسألني عن تخصصي في العلوم فأخبرته، فقال: احتمال كبير أن تكون الإصابة (لو كيميا) أي سرطان في الدم وأفضل نقله إلى مستشفى الحميات بالعباسية، وكتب توصية بذلك لتسهيل الدخول، وتفاوضت مع أخي وزوجته طالبة الطب وقبلوا بعد ثلاثة أيام من الجدل والتفاوض وكانت الحالة تزداد سوءا وأخيرا تم إدخاله مستشفى الحميات.
كانت الأحداث تمضي متسارعة وفكرت في كل وسيلة للشفاء، ولم أفكر لحظة أن هذا الفتى سيموت بعد أيام معدودات، كان فنانا حاذقا يرسم اللوحات الزيتية فتبدو لوحاته كان الطبيعة الجميلة قد رفعت لك على الحائط أو كأنك تنظر إليها من نافذة مطلة، وكان يحب المرح والغناء وفعال في أداء الواجبات، ومنجز في المهمات ومنقذ في الملمات، وكان فرحة أبيه الأولى وثمرة جهاد طويل من أجل تعليم الأولاد والنهوض بهم.
في المستشفى استقبلنا الأطباء بشيء من الاهتمام وراحوا يأخذون البيانات وما أن أبلغتهم أنه ضابط شرطة نظر بعضهم إلى بعض بطريقة متشفية وغير كريمة، ولم أكن أدري أن المشكلة بين الشعب والشرطة بلغت هذا الحد من السوء، دخلت الريبة في نفسي وظل الحال كذلك طيلة اليوم الأول والثاني، وفي اليوم الثالث ألححت عليهم في ضرورة عمل شيء، وترددت على حجرة الأطباء لأكثر من مرة
فصرخ أحدهم في وجهي يغضب (يحتاج لجراحة والجراح في مستشفى عين شمس وأرسلنا في طلبه ويمكنك الذهاب لاستعجاله) وسارعت لأبلغه بذلك ثم انصرف ولكن بمجرد وصولي إيه وجدته يودع الحياة، وقد حضرت زوجته لزياراته وانتحت جانبا تبكي بحرارة وهو يقول بصوت مسموع "عليه العوض ... عليه العوض ...".
ولاحظت أن قدماه فارقت الحياة بالفعل وأن الموت يزحف ناحية نصفه العلوي وفي لحظات كان الموت بلغ رأسه وتنبهت إلى أن الروح تخرج من الفم فهممت أن أضع يدي على فمه لكنه أمسك بيدي وبقوة وفي لحظات كالبرق صعدت الروح إلى بارئها تاركة لنا كيانا ماديا لا أكثر وهرولت إلى الطبيب أستدعيه فوجدت الممرضة سبقتني وأحضرته فأخرج السماعة وقاس النبض ثم وضعها في رقبته وغطى الجسد وانصرف مهرولا وقال وهو عند الباب: البقية في حياتكم.
هكذا انتهت الحياة ... وهكذا عايشت الموت بالحركة البطيئة وشاهدت حالة عملية للموت وتشبعت نفسي بهذه الأيام وما تزال ولا أحسب حدثا أثر في حياتي مثل هذا الحدث، وأصرت إدارة المستشفى على وضع الجثة في الثلاجة وشعرت بالبرد يقتلني وهم يدفعون أخي إلى الثلاجة ورجوتهم أن يمهلوني ساعة واحدة وسأحضر السيارة وأنصرف به إلى البيت
ولكنهم رفضوا بحجة التعليمات وبعد ساعتين من الظهر حضر حماه الحاج محمود الطلياوي وكوكبة من الأقرباء والجيران وانخرط معظمهم في بكاء حار، وانصرفت الزوجة إلى بيتها في سيارة أبيها، وجاء الحانوتي وتوجه للثلاجة وقام بإجراءات الغسل وحضرت قوة من الشرطة ومعهم سيارة إسعاف خاصة وعدد من زملائه بالوحدة وحملوه معه في سيارة واحدة وتوجهنا إلى بلدتنا بكفر الشيخ.
كانت رحلة شاقة وطويلة وثقيلة وكلما مررت بحقل رأيته يتمشى وسط الحقول فيشتد بكائي ونحيبي، وكلما اقتربنا من القرية تذكرت أبي ووقع المفاجأة عليه فتنهمر دموعي ويزداد نحيبي ولكن الأمر كان أكثر مما تخيلت وعلى بعد حوالي 3 كيلو مترات من القرية وجدت رجالات العائلة وطلائع القرية قد خرجت لاستقبال الجثمان وجلهم بغير هيئة الخروج المعتادة؛
آلاف من الناس صغارا وكبارا وعواجيز يتوكأون على العصي وقد أضناهم الحزن على فتى قريتهم وسندهم في الحكومة أما والدي فلم أره إلا عندما بلغنا أمام بيتنا فوجدته مستندا على رجلين لا يقوى على النهوض أو الحركة وأشار لي من بعيد أن أمضي إلى المقابر وفهمت أنه يريد إنهاء الأمر بسرعة فلم يعد يحتمل.
وتحركت السيارة إلى المقابر وحمل الناس والجنود النعش وتعالت الأصوات بالنحيب وتحجرت الدموع في الأعين من الحزن وهبط الحاملون بالجثة إلى مثواها الأخير وفور إحكام غلق المقبرة أطلقت القوات المرافقة إحدى عشرين طلقة وانتهى الأمر وعاد كل فريق إلى حيث أتى ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
فور الانتهاء من مراسم الدفن عدت إلى بيتنا فوجدته مكتظا بالنساء المتشحات بالسواد كل الحجرات والطرقات والصالات والتراسات مفروشة باللون الأسود ويلفها حزن عميق، بصعوبة بالغة تعرفت على أمي وأخواتي ورحت أنقل قدماي من موضع إلى آخر حتى بلغت مكانهم وسط السيدات المعزيات؛
وما أن بلغت المكان حتى أمسكت أمي بيدي وتقوت بي وقامت واقفة واحتضنتني وهي تقول:
"استحملت ازاي يا ولدي موت أخوك قدامك؟) (وليه يا بني مقلتناش إنه عيان) ... وانخرطت في البكاء والنحيب .. هناك في حديقة المنزل سمعت صوت أخي علي الذي يكبرني مباشرة وهو يصح في ذهول تام" ودوني لأخويا أبات معاه في التربة ... أخويا ما يباتش لوحده ... يتجيبوه هنا أو أروح أنا معاه هناك) ... الناس من حوله يمسكون به ويقولون "وحد الله يا مسلم .. أخوك عند اللي خلقه ... كلنا حانموت يا ابني وحد اله وحد الله"
هكذا كانت حالة الأسرة ... مفاجأة وذهول وكلمات ملتاعة وإحساس بالخسارة وحزن وبكاء ونحيب وظلت الحالة على هذا النحو حتى المساء وصلى الجميع المغرب وعلى صوت المقرئ في الصلوان الكبير ... كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) ... وهنا خشع كل شيء وهدأ الجميع وسكنت النفوس واستسلمت لحكم الله وقضائه.

نشاط ديني بالكلية:

أفرزت تجاربي منذ نكسة 1967 وحتى موت أخي اهتماما بالغا بالدين وشرعت في إصدار مجلة حائطية أسميتها (الإيمان) واستوحيت هذا الاسم من كتيب صغير للشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر كان يحمل نفس العنوان، وكنت أعبر فيها عن وجهة نظري، وكانت الأولى بالكلية في ذلك الوقت، واقتبست معظم مادة العدد الأول من كتاب الإيمان للشيخ عبد الحليم محمود، لم أصدق نفسي عندما وضعت مجلتي في إطار خشبي كان معدا للإعلانات؛
فقد اجتمع عدد كبير من القراء وبعد لحظات انخرطوا ينتقدون ما كتبت وانبرى آخرون يدافعون عن المجلة وما جاء فيها، ووصل الأمر إلى درجة الاشتباك وصاح أحد الطلاب في وجه المعارض للمجلة قائلا: أنت مش عاجبك الكلام لأنك شيوعي معفن، ولأول مرة أسمع عن هذه الكلمة فلم أكن تعاملت من قبل ع هذا المسمى (شيوعي).
وفي صباح اليوم التالي وجدت مجلة بمساحة تصل إلى ضعف مجلتي وعنوانها "رياض بصلة يرد على المليجي"، وكان رياض بصلة هذا لقب لطالب يساري (هو اليوم من أصدقائي ولي به علاقة طيبة وفي مركز مرموق ومشرف للعلميين المصريين)، وفي اليوم الثالث وجدت مجلة ثالثة بمساحة كبيرة عنوانها "زيكو يرد على بصلة"
وهكذا صار المكان حول مجلة (الإيمان) ساحة للنقاش بين الإسلام وخصومه وراح (زيكو) وهو المعيد بالجيولوجيا يبحث عني في كل مكان حتى قابلني وصحبني إلى مكتبه وقدم لي الواجب وشجعني على الكتابة متوعدا كل من ينتقدني بالرد الفوري عليه (هو الأستاذ الدكتور عبد المحسن زيكو أستاذ الجيولوجيا بجامعة الزقازيق).
كررت إصدار مجلتي وزادت معارفي حول الموضوع الديني وتبين لي أن هناك مجموعة بالجامعة تسمى بالناصريين يترأسهم الطالب نبيل صفار (رحمة الله عليه) وكان شبه متفرغ لنشر الفكر الناصري حتى كبرت سنه عن أقرانه بوضوح.
كان يساندني في كل ما أقوم به من نشاط أصدقائي بالمسجد ووجدت في هذه المعركة الجديدة طعما جديدا للحياة فأعطيتها جل وقتي.

قف من أنت؟

هكذا قالها وهو يهرول خلفي قاصدا لحاقي بعد ما خرجت من المسجد قاصدا الانصراف إلى محطة المترو وتوقفت والتفت فإذا به أحد المترددين على المسجد ومن تعودت على رؤيته في معظم الصلوات إنه الطالب محمد نزار زغموط سوري ويعمل والده في دول الخليج ويدرس بالطب، ابتسم لي وابتسمت له مرحبا وسار إلى جواري وشرع يتعرف علي، وتعرفت عليه، وأبدى لي إعجابه كثيرا بما أكتب ودعا لي بكلمات رقيقة كانت جديدة على مسامعي.
تكرر لقائي به في اليوم التالي وصارت بيننا صداقة خاصة على مر الأيام ورحنا معا نتوجه للواقع من حولنا بالنقد وعدم الرضا، كان معظم كلامي حول الواقع ينصب على قيم أساسية كالحياء والشهامة والرجولة والعيب ومصحة الوطن وشرف أبنائه، أما هو فكان كلامه يستند إلى الدين ويتعامل مع المواقف بميزان الحلال والحرام وكانت وجهة نظرنا واحدة في معظم الأحيان ولكن بمرجعيتين مختلفتين، وإن اتفقنا في النتيجة.
أعجبني كثيرا أسلوبه وقررت أن أستكمل نقصي العلمي بالدين وعلى محطة المترو تفحصت الكتب المعروضة عند بائع الجرائد فلمحت كتابا بعنوان (الإسلام) لأحد علماء الأزهر فاشتريته وتفحصته في رحلتي إلى البيت، فأعجبني كثيرا فقد كان يتحدث عن الإسلام بمنظور شامل للعقيدة والأخلاق والعبادات والشرائع، وأكملت الكتاب قراءة في البيت، وفي اليوم التالي عرضت الكتاب عليه فنظر إليه باستخفاف واضح ووعدني بكتاب أفضل من ذلك.

الوجه الآخر للدين:

في يوم من الأيام ونحن منصرفون إلى محطة المترو دار بيننا هذا الحوار ...
قال صديقي: إلى متى ستظل تسألني وتتكلم دون عمل؟
فقلت على الفور: وأي عمل هذا غير ما أعمل؟
قال: مطلوب منا أن نعلم الناس المنهج الصحيح في الحياة.
وكان السؤال الطبيعي: وهل هناك منهج صحيح غير ما عليه المسلمون في بلادنا؟
فقال: الناس مسلمين بالاسم ولا يعرفون عن الإسلام شيء وهذا الذي يوقعهم في الخطأ سنين طويلة ثم يكتشفون ذلك ويحاولون العودة ولكن بعد فوات الأوان وضياع العمر ولو تعلموا أولا قبل العمل لتجنبوا هذه الخسارة، كان كلامه مقنعا ولم أتردد في تلبية دعوته للعلم الديني في حلقة دراسية يقيمها مع أصدقائه في بيت أحدهم وقد أعطاني العنوان فوجدته قريبا من بيتي.

التنظيم الإسلامي الأول في حياتي:

كان اللقاء بمنزل لأخ الزميل بكلية الطب سامي حامد غيتة رائعا وجميلا ومريحا للنفس فقد قابلني والده بترحاب وكان رجلا طيبا في الستين من عمره ونادى على والده قائلا: "قاب زميلك يا سامي وفي حجرة الصالون وجدت صديقي بين خمسة من الأصدقاء (عبد الله دغيش، إبراهيم حرحش، عادل عبد الخالق،محمد نزار زغموط، عرفة حسن) وقد خلعوا أحذيته خارج الحجرة".
وتحلقوا حول منضدة حجرة الجلوس وقد أمسك كل واحد منهم مصحفا وراحوا يتابعون تلاوة أحدهم وما أن انتهى حتى بدأ آخر يكمل السورة وهكذا وعندما جاء دوري كان طبيعيا أن أفعل مثلهم حتى مر علينا جميعا الدور وقرأ كل منا عشر آيات تقريبا.
بعد ذلك قال أحدهم فلنتعارف وقدم كل منهم نفسه اسما وعملا وسنا وحالة اجتماعية وفعلت وكانوا جميعا طلابا بالجامعة.وتناولوا بعد ذلك كتاب تفسير ابن كثير وراحوا يطالعون تفسير بعض الآيات التي تلوناها.

قيادات من كتب:

في أثناء هذا الخضم من الأحداث القومية والعالمية التي تجري حولنا، وقعت أيادينا على جملة من الكتب الهامة التي بلورت لنا نوعا من المنهجية في التغيير.
برز أمامنا في هذه الفترة التاريخية كتاب المصطلحات الأربعة في القرآن للأستاذ العلامة الداعية أبو الأعلى المودودي حيث راح الأستاذ المودودي من خلال كتابه عن مصطلحات (الله ،الرب ،الدين ،العبادة) يشرح الكثير من معاني الإسلام، وحق الله على العباد.
صادفنا كتاب التوحيد للشيخ: محمد بن عبد الوهاب، ولكننا مررنا عليه سريعا فلم نجد فيه ما نتوقف عنده بالنظر لغلبة البيئة السعودية عليه، ولكننا اكتسبنا حساسية بالغة تجاه مظاهر الوثنية المنتشرة في العالم كعبادة الأصنام والأبقار البوذية في آسيا، وعبادة النار، والغلو في تزيين المساجد والأضرحة.
ووضعنا أيادينا على كنز مكنون لم نكن طالعناه من قبل وهو كتاب (رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين) للإمام النووي، وأصبحت الكتب الإسلامية أهم سلعة نشتريها، وعندما طبعت دار الشروق تفسير الظلال لسيد قطب بلغ ثمنه أربعة وعشرين جنيها للستة أجزاء وهو مبلغ باهظ لأمثالنا، وأمام الرغبة العارمة في القراءة بعت جهاز التلفاز الذي أملكه بعشرين جنيها واشتريت الظلال وكان جامعا لعلوم كثيرة.

تحولات متسارعة:

كان للزاد الروحي والثقافي الذي نتلقاه في جلستنا الخاصة الأسبوعية أعظم الأثر على حركتنا في الحياة في هذه الفترة، ففي الحي الذي أعيش فيه، التزمت المسجد في صلاة المغرب والعشاء والفجر على الأقل، فلم أكن أتخلف عن الصلاة في المسجد.
وقد شكل التدين بالنسبة لي سياجا حاميا من الوقوع في تيارات التحلل وما يجره على الشباب من عادات التدخين والمخدرات والجنس، التي نبتت بذورها مع انتشار الشيوعية في الستينيات.
وفي حي النزهة بمصر الجديدة استكملنا بناء مساجد (الفرقان، السيدة عائشة، السيدة خديجة)، ورحت أجوب هذه المساجد داعيا إلى اتباع القرآن والسنة، ومنظما حلقات لدراسة الكتب الإسلامية.
وقد التف حول الدعوة بالمساجد جمهور جديد كان جله من ضباط القوات المسحة وأصحاب المصانع والتجار، وعدد من المواطنين الليبيين الفارين من القذافي، ولا أنسى أحدهم عندما عانقني وبكى بحرارة، عندما خطبت الجمعة حول وجوب الحكم بالشريعة تحقيقا لإسلامية المجتمع، وكأنني قد هيجت عواطفه وأعدت له ذكريات آلمته وتعرفت على كبرائهم في مصر أمثال الأستاذ عبد الرزاق أبو حجر ومحمد الدراط وعوض المنقوش.
واستحدثنا بالمساجد عادات إسلامية كانت قد ماتت، في مقدمتها الاعتكاف وعقد القرآن وعقيقة المولود، وصلاة العيدين خارج المساجد، وكان أعظم مظاهر النهضة في الحي، انتشار الزي الإسلامي، وتبرع بعض السيدات بتفصيله مقابل قروش زهيدة.
وانتقل الصحب بالمسجد لمزيد من الدراسة بالمنازل، وتسابق الناس بالمسجد على دعوتي لحضور حلقات العلم بالبيت، وكان الواحد من المسلمين يجمع عائلته رجالا ونساء ليسمعوا كلام الله وأحاديث رسوله، ولفنا جميعا جو من المحبة والبركة تحت راية الإسلام، وكأننا دخلناه من جديد.
وفي الجامعة كثرت لقاءات المتدينين، وبرزت فيهم قيادات شابة، وغيرنا ملابسنا إلى ما اعتقدنا أنه أكثر سترا للعورة، فارتدينا قمصانا طويلة تصل إلى الركبة، وأطلقنا لحانا، ووضع بعضنا أغطية على رأسه، وزاد بعضنا توغلا في الأمر فأصر أن يكون لباسه أخضر تشبها بالسندس الأخضر في الجنة؛
وكان أمير الخضر في كلية الطب أخي وحبيبي الدكتور ماهر سالم، وأمسك بعضنا في يده عصا تيمنا بعصا موسى ومدعيا أنها من السنة وإذا سئل عن السبب قال أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ثم راح يلوح بها في وجه السائل ضاحكا وهو يقو ولي فيها مآرب أخرى.
وكثرت المحاضرات الدينية، وراحت إدارات الكليات توافق على ذلك، وعقدت المحاضرات في المدرجات أو في المساجد، وفتحت الجامعات للمشايخ (محمد الغزالي، سيد سابق، إبراهيم عزت) وزارنا بكلية العلوم مرة الشيخ: ناصر الدين الألباني، والشيخ: محمد نجيب المطيعي، والدكتور: كامل البوهي من إذاعة القرآن الكريم؛
كما تعرفنا على الشيخ حافظ سلامة أمير الدعوة بالسويس وأعظم المشيدين للمساجد المليونية أثناء عمله الدؤوب في بناء مسجد النور بالعباسية وكنت مع آخرين من الزملاء نعبر شريط القطار خلف كية علوم عين شمس وننضم للعمال المشتغلين بالمسجد تطوعا ومعنا في ذلك الشيخ حافظ سلامة شخصيا وقد خلع طربوشه والجاكت وشمر عن ساعديه وراح يحمل التراب والأسمنت في همة ونشاط.
وظهر في هذه الآونة نجم الشيخ: محمد متولي الشعراوي، وقدم من خلال برنامج "نور على نور" الأسبوعي للأستاذ: أحمد فراج لونا جديدا من التفسير المبهر، وشاركته في حلقتين بالأسئلة ما زلت أحتفظ بتسجيلاتها حتى اليوم وكان ذلك في أول سنة 1973
حيث توجهت لموقع تسجيل الحلقات لأدعوه ليلقي محاضرة بعلوم عين شمس ولكنه اعتذر لكثرة مشاغله ودعاني لأسمع الحلقات أثناء التسجيل ضمن الجمهور المدعو، وارتفع صوت الشيخ: عبد الحميد كشك بمسجد عين الحياة بشارع مصر والسودان، والشيخ: عبد اللطيف المشتهري بمساجد الجمعية الشرعية، والشيخ إبراهيم عزت بمسجد أنس ابن مالك؛
ونمت الحياة الإسلامية بالجامعة في ظل ذلك كله، وانتقل الحجاب إلى طالبات الجامعة، وأقبلت عليه فتيات مصر بما لم يكن متوقعا، وأقمنا له معارض، وكنا عاجزين عن الوفاء بالطلبات المقدمة إلينا، وبدأنا بالجامعة مع بقية الزملاء ندخل عالم المطبوعات، وساعدتنا مطبعة الجامعة، وطبعنا في مطبعة جامعة عين شمس مجلة شهرية، وملزمة عن الحجاب،
وكتيب عن تجويد القرآن الكريم، وكتيب بعنوان (من نقرأ ولماذا نقرأ؟) رصدنا فيه قائمة بأسماء العلماء المعتمدين عندنا، والكتب المرشحة لثقافة الشاب المسلم في أقسام الثقافة الإسلامية المختلفة، بادئة بالعقيدة ثم العبادات، ثم الأخلاق ثم الشريعة والتاريخ الإسلامي؛
وتطورت فكرة العمل الإسلامي من الناحية التنظيمية، من لجنة صغيرة تسمى اللجنة الدينية تتبع اللجنة الثقافية باتحاد الطلبة، إلى منظمة منفصلة تسمى الجمعية الدينية، ثم انتهت إلى ما عرف بالجماعة الإسلامية، وتعتبر كل هذه التشكيلات منظمات طوعية، يلتقي الطلاب المتدينون تحت لافتتها من خلال قناعتهم بمبادئها وسلوكها، ويمارسون العمل بطريقتها كل على حسب قدرته وبكامل إرادته.
وفي قسم النبات بكلية العلوم جامعة عين شمس كانت حياتي الدراسية التخصصية، وكم دارت بيننا حوارات كزملاء سبعة في السنة الثالثة (أربع طالبات وهن: أميرة حسنين، عبلة نصار، زينب علوان، هدى صبحي، وثلاث طلاب وهم: السيد المليجي، محمد الدمرداش، أحمد غريب) والطالبات الأربعة اليوم أساتذة بكلية علوم عين شمس ومحمد الدمرداش أستاذ بعلوم دمياط وأحمد غريب أستاذ بعلوم الزقازيق وكان معنا طالب مسيحي واحد يسمى "قزمان" لم يتحمل الحياة وسط مجموعة تقضي معظم وقتها في مناقشات حول الإسلام، فتقدم بطلب نقل إلى قسم آخر في كلية أخرى بعد شهرين من الدراسة بالرغم من أننا كنا نحسن علاقتنا معهم بكل وسيلة ممكنة.
في هذه الأيام من السبعينيات، لمع في عالم الكنيسة شخصية البابا شنودة، وكان له دور كبير في تأليبهم على إساءة معاملة المسلمين ...! في محاولة واضحة لإثبات التفوق المادي والمعنوي، واستمعنا لأول مرة عن مخططات للكنيسة حول إقامة دولة مسيحية في الصعيد أو سيناء؛
واستمعنا لإشاعات حول تدريبات وأسلحة تخزن بالكنائس، وحدثت بالفعل أحداث تقاتل بين المسلمين والمسيحيين بالأحياء والجامعات، ترتب عليها أضرار بالغة بالوحدة الوطنية، وخسارة فادحة لأتباع الكنيسة، مما جعل فريقا منهم يثور على إدارة البابا، ولم ينعدل الميزان إلا بعد أن ثبت له خطأ تصوره واستحالة العمل بفكرته.
ولا أنسى التعصب المجنون لأعضاء هيئة التدريس المسيحيين في هذه الفترة بكلية علوم عين شمس ...! وخاصة في قسمي الرياضيات والكيمياء، والقسمان من الأقسام الأساسية بالكلية، وكل الطلاب يدرسون بهما، فكانوا يتتبعون الطلاب المتدينين بالإساءة في المعاملة لدرجة ملحوظة.
وفي نفس الوقت يجتمعون بصورة ملحوظة، مشكلين جماعة ضغط نفسية وإعلامية في مواجهة الحركة الإسلامية، وسمعنا ونحن طلاب عن اجتماعات تعقد لهم مع الطلبة المسيحيين بالكنيسة لتنظيم عملهم بالكلية، ولتقوية الطلبة المسيحيين دراسيا ... بهدف إشغال المواقع المتقدمة في السنوات النهائية، وتمهيدا لشغل مواقع بهيئة التدريس بالكلية.
ولم يكن ذلك ليغيب على كثيرين من أعضاء هيئة التدريس المسلمين، الذين قاوموا ذلك بشدة، ونجحوا في دفع الطلاب المسلمين دراسيا، وانتهى الأمر بالمسيحيين الأقباط إلى اليأس والانصراف عن ذلك، وصار أمرهم موكولا إلى قدرات الطلاب وطموحاتهم دون توجهات أو تدخلات من الكنيسة وعناصرها.
وحتى نهاية عام 1973م كانت هناك بقايا من الشيوعيين في أعضاء هيئة التدريس، مصدرها المبعوثين إلى روسيا للحصول على الدكتوراه، وكان نصيب قسم النبات واحدا من هؤلاء، هو د. عبد السلام شعبان كما كان بقسم الكيمياء واحدا هو د. عبد الرحمن موسى ولم نكد نلتقي في قاعة الدرس حتى اصطدم بي واصطدمت به في نقاش جدلي حول الله وقدرته؛
وكانت إجابتي عليه عنيفة وشديدة، وصارت مشكلة، ظلت تؤثر في علاقتي به حتى تخرجت، ولكنه اليوم بفضل الله أستاذا فاضلا محترما وصاحب مدرسة علمية مرموقة ومن أحبابي وقد تغيرت فكرته وطريقته في الحياة كثيرا؛
أما أستاذ الوراثة (د: أحمد الكباريتي) فكم ضج بالحوار بيني وبينه حول كون العوامل الوراثية (الجينات) مطلقة التصرف في نقل الصفات الوراثية أم لا؟، وضربت له كثيرا من الأمثلة في مجال إثبات أن الأمر كله لله، غير أنه كان أستاذا فاضلا، يؤمن بالله وبمحدودية علم الإنسان إلى جانب علم الله، ولذلك كان متقبلا لمناقشاتي وناصحا أمينا في مجال الدعوة بالتي هي أحسن (رحمة الله عليه).
وبرز في حياتي العلمية الأستاذ الدكتور حسن أنور فودة أستاذي ومعلمي وقدوتي العلمية الأولى وكذلك الأخت الفاضلة الدكتورة رئيفة أحمد حسنين التي شجعتني كثيرا على الاستمرار في طريق البحوث العلمية، جزاهم الله عنا خيرا كثيرا؛
قسم النبات بعمومه كان له سمعة محترمة، وصبغة متدينة، زادت مع الأيام حتى صار من المشهود هم بذلك، ويعد قسم النبات بعلوم عين شمس حتى يومنا هذا نموذجا في التزامه وجديته، وفي هذا القسم العلمي العريق والمحترم حصلت على الماجستير والدكتوراه وما زلت أعتبره مدرستي العلمية وجميع أعضاء التدريس به أصدقاء الحياة.

عام في القوات المسلحة:

التحقت بالقوات المسلحة المصرية في أكتوبر 1974، نظرا لكوني معيدا بالجامعة فقد رشحت جنديا ولمدة سنة واحدة فقط، كانت القوات المسلحة خارجة لتوها من حرب أكتوبر 1973، لم تكن هناك بعد رؤية واضحة لطبيعة المعركة القادمة من حيث كونها حربية قتالية أم سلمية تفاوضية؛
القوات المسلحة كانت ما تزال على حالتها وفي حالة ترقب واستعداد ملموسين، التحقت بقوات الدفاع الجوي ومركز تدريبها في الفيوم منطقة اللاهون، كانت من أسعد أيام الحياة، لقد وحشتني البندقية أم روحين في بيتنا ومسدس أبي واليوم أمتلك بندقية آلية سريعة الطلقات، وأحرس المعسكر ليلا وأنام في موقع الخدمة، أوقات الخدمة ما تزال تحمل الأسماء العثمانية، البرنجي (6 – 10م) والكنجي (10 – 2 ص) والشنجي (2 – 6ص).
كنا نداعب الشاويشية فنقول لهم لو أخذنا الحرف الأول من كلمات الخدمة الثلاث تطلع الخدمة كلها (بكش)، وبالجملة كانت أيام الجيش كلها جميلة وممتعة، يوم ضرب النار كان اليوم الوحيد الذي يسوده التوتر، المطلوب في هذا اليوم استلام الذخيرة بدقة وتسليم الفارغ بدقة حتى لا تتسرب الذخيرة هنا أو هناك، كما أنه من المهم المحافظة على أرواح الجنود في ميدان الرماية.
انتهت فترة التدريب بسلام وأصبحنا مؤهلين للترحيل إلى وحدات الدفاع الجوي، في هذه الأيام زارني في مركز التدريب شاويش من طرف ضابط كبير، كان الضابط الكبير مواظبا على حلقة التلاوة التي كنت أديرها عقب الفجر في مسجد السيدة عائشة بمنطقة النزهة، إنه اللواء زكي عبد العزيز، من أبناء مدينة قها ويسكن قبالة المسجد ومن المواظبين على صلاة الفجر، عشت بقية السنة المقررة لي في كنف اللواء زكي عبد العزيز مكرما بالوحدة.

عبيد في سجن الوحدة:

حادثة واحدة كادت تدخلي السجن الحربي ولكن الله سلم، فمع أول ضوء لنهار جديد وزقزقة العصافير الغادية تعزف أمتع الموسيقى، وبينما أقف حارسا بالموقع وسلاحي في كتفي ينفتح أمامي باب حديدي ويخرج منه طابور من العبيد الذين رأيتهم من قبل في فيلم سبرتكوس محرر العبيد، أجسام نحيلة ومريضة ومنهكة ووجوه صفراء باهتة وملابس ممزقة وخلف العبيد شخصا مفترسا يمسك بعصى غليظة ويضربهم بلا رحمة على رءوسهم وعظام أرجلهم وهم يجرون متألمين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة؛
كان المنظر رهيبا بما يكفي لحتمية التقدم لإنقاذ هؤلاء المساكين من الوحش الذي يفترسهم، وقد كان، وجدتني أنقض بك قوتي على الجلاد الشرس وأشتبك معه في معركة بالأيدي والأرجل لأمنعه من جريمته النكراء؛
وهنا كانت المفاجأة فقد استنجد الجلاد بضحاياه وصاح فيهم بأعلى صوته (بتتفرجوا علي يا ولاد الـ ...) وتدخل الضحايا لصالح جلادهم وانهالوا علي ضربا وركلا حتى أعطوني علقة ساخنة أصابت كل مكان في جسدي وأخذوا بندقيتي العهدة وفروابها بينما كنت طريحا على الأرض؛
سارعت بالقيام وتوجهت للضابط النوبتجي وأبلغته بما حدث وسارع هو بدوره واسترجع البندقية من شاويش السجن ووضعت أنا رهن المحاكمة، وتدخل اللواء زكي عبد العزيز فألغى كل شيء ونجوت بأعجوبة من السجن الحربي، وعلى رأي المثل (ما ناب المخلص إلا تقطيع هدومه) وما أكثر العبر في هذه الواقعة العجيبة ...!

هيا بنا نبني الوطن:

لم أنتظر حتى انتهاء سنة القوات المسلحة لأستفيد بما تلقيته من علوم بالكلية، وقبل أن يصلني خطاب التكليف بالعمل الحكومي توجهت إلى كل من أعرف بحثا عن عمل، وقدر الله لي الخير فوجدت العمل، اصطحبني رفيق المسجد الحاج محمود صالحين (رحمة الله عليه وعلى والديه وجميع ذريته ومن يحب) مدير العلاقات العامة بشركة الكيماويات العملاقة (سويسفارما) ليس إلى شركته ولكن لشركة حديثة التكوين تقع بشارع أبي سنمبل بمصر الجديدة
وصعد بي إلى الدور الأول حيث إدارتها الكائنة في شقة صغيرة، هناك التقيت بالمدير العام الأخ عبد اللطيف أحمد الشريف، يكبرني بسبع سنين تقريبا، يكاد يطير من على الأرض وهو يمشي من قوة النشاط وخفة الحركة مع أنه قصير وبدين ولكنها قوة روح وإشراقة أمل؛
كان معي نعم الأخ والصديق، لم يضيع لحظة من الوقت وبسرعة فهم عني كل شيء، أخرج من يده قلم جاف وكأنه حاوي يقدم لعبته للجمهور، فكك القلم إلى أجزائه وهو يقول هذا جسم القلم من البولي ستيرين وأنتجناه، وهذه أنبوبة الحبر مصنوعة من البولي إيثيلين وصنعتها، وهذا السن النحاسي وما به من بلية أنتجناه أيضا، وفي الأنبوبة يوجد الحبر الجاف ودي مهمتك؟! هل تستطيع أن تصنع لنا الحبر الجاف؟
لم أنتبه سريعا للسؤال لأنه جاء مباغتا، وعندما أفقت قلت بالتأكيد ممكن ولكن الأمر يحتاج بحث ودراسة ومعمل، قال على الفور: كل ما تطلبه سيكون عندك وابدأ فورا، وكانت البداية التي لم ولن يكون لها نهاية مثل كل عمل صالح يمتد أجره حتى يبلغ الجنة والجنة باقية؛
من هذا اليوم اكتشفت عالم جديد وعمل فريد وجهد مفيد وتسابق مع الفرسان، وتواجد في قلب الميدان، وما أحلى العمل إذا كان شعاره (هيا بنا نبني الوطن) (هيا بنا نلحق بالعالم المتقدم صناعيا) (هيا بنا نغني بلادنا عن الحاجة لمن يعاديها)؛
وبغير دخول في التفاصيل الرائعة لقصة الحبر الجاف فالفصل الأول فيها كان معاناة البحث عن خاماته التسعة، والفصل الثاني كان تأسيس معمل أبحاث الحبر وإنتاج العينات والفصل الثالث كانت تصميم مصنع تجريبي وإنتاج أول كمية صناعية، وخلال أربعة أشهر كان أمام عبد اللطيف الشريف المدير العام لشركات ومصانع الشريف 2 طن من حبر القلم الجاف؛
وتوالت التكاليف وتوالت بفضل الله النجاحات الصناعية التي تعاون عليها فريق من الجادين يشرفني أن أكون واحدا منهم، وخلال خمس سنين 19751980 تحقق الحلم واكتفت مصر نهائيا من جميع أنواع البلاستيك المصنع، وانتهى من الجمارك تقريبا ما يسمى بلاستيك مصنع مستورد، ثم شرعنا في الخطوة التالية وهي إنتاج خامات البلاستيك وحققنا بفضل الله نجاحا مبهرا في مجال أهم الخامات (بي . في . سي)
وأصبح فريق الكيماويين العاملين معي بقسم المعامل وضبط الجودة فوق الثمانين وعلى رأسهم الكيميائي عثمان عمر عثمان صاحب ومدير الشركة الوطنية لصناعة البلاستيك بالعاشر من رمضان، وبنينا معا أول مركز أبحاث مسمى مركز الاستشعار عن بعد بالشارع المواجه لمطار القاهرة أول طريق مصر الإسماعيلية، وقد استولت عليه جهة ما ولأسباب ما.
وقبل أن يحدثنا فلان وعلان عن الجودة بعشرين سنة أصدرت كتابي المسمى (الطرق العلمية لضبط الجودة) عام 1983 وهو الأول في هذا المجال باللغة العربية وطبعته الثالثة متوفرة بدار الوفاء اليوم، وتوسعت الشركة العملاقة بسرعة الصاروخ من شقة وبدروم عمارة عام 1975 إلى مدينة صناعية بالعاشر من رمضان ومنطقة صناعية بشبرا الخيمة ومنطقة صناعية بجسر السويس ومنطقة صناعية بمنطقة الخانكة ومخازن وجراجات في كل أنحاء مصر وأكثر من خمسين منفذ بيع بمصر وتصدير للخارج، وهذا وبالله التوفيق.

ومن الجدير بالذكر وللتاريخ فإن المؤسسين لشركتي ومصانع الشريف بوصفها أو تجربة صناعية متكاملة في حياة الصحوة الإسلامية في السبعينيات هم:

  1. عبد اللطيف أحمد الشريف بكالوريوس تجارة ومنصبه رئيس مجلس الإدارة والمدير العام.
  2. حسن عبد المنعم ليسانس آداب ومن إخوان إمبابة المحكومين في 1954، ومنصبه نائب المدير العام.
  3. أحمد رجائي بكالوريوس هندسة والمهندس الأول بالشركة، صديق عبد اللطيف من مجموعة مسجد الشعراوي أو كوبري القبة سابقا جمال عبد الناصر حاليا.
  4. محمد حلمي أبو عيطة بكالوريوس تربية رياضية وعمل لفترة بمصر للطيران ثم انتقل للعمل بالشريف كرئيس قسم المشتريات الخارجية (الاستيراد) وهو اليوم صاحب مجموعة شركات (مصر الحجاز) وحاص على دكتوراه في إدارة الأعمال.
  5. أحمد عبيد عيسوي ليسانس آداب قسم اجتماع ومن إخوان السويس المحكومين 1954 ومنصبه بالشركة رئيس قسم المبيعات والتحصيل.
  6. محمد يونس محاسب من عرب جهينة ومنصبه المدير المالي والمشرف على عمل الميزانيات، وهو اليوم صاحب محلات التجار العرب بشارع مكرم عبيد.
  7. سعد سرور من إخوان السويس المحكومين 1954 ومنصبه رئيس قسم شئون الأفراد.
  8. عادل فريد مهندس ومن إخوان المنوفية المحكومين 1954 ومنصبه بالشركة رئيس المصانع.
  9. السيد عبد الستار المليجي معيد بكلية العلوم والكيميائي الأول بالشركات ومنصبه رئيس معامل الأبحاث وضبط الحودة.
  10. محمد الشناوي من إخوان القاهرة المحكومين 1954 وعمله ضابط فني سابق بالقوات الجوية ومنصبه بالشركة الأب الروحي العمال وإمام المسجد بالمصانع ومشرف على مبيعات الدرجة الثانية.
  11. صبري سابق رئيس قسم السكرتارية والأرشيف.
  12. رأفت عياد أمين المخازن.
  13. نور الدين محمود محاسب ونائب رئيس المشتريات الخارجية.
  14. عبد الله مسعود وعمل ضابط سابق بالجيش وزميل لوالد عبد اللطيف الشريف رئيس الحملة وأعمال النقل والإنشاءات الجديدة.
  15. محمد عبد الفتاح فني سابق بشركة العبوات الدوائية ورئيس الورشة بالشريف.
وتعاون مع الشركة من مندوبي الشركات (د. فاروق برقاوي – مصري بورسعيدي ويعمل ممثل شركة هولز الألمانية لمنطقة الشرق الأوسط) (جورج قسيس مندوب شركة باير الألمانية) (جلال عبد الحميد – ممثل شركة باسف الألمانية) (وجيه فهمي – ممثل شركات بيرلوخر وسينسيناتي الألمانية) (أحمد أبو النجا ممثل شركة مونت إديسون الإيطالية). وسامي علي حسن وأشرف سعد موردين عملة أجنبية.وحسين بالبوفيه – وهاشم – الحلاق الخصوصي – ودكانه يقع في شارع المنصورة بمصر الجديدة.

ولحق بهؤلاء فيما بعد طبقة تالية أذكر منها:

  1. عثمان عمر عثمان كيميائي بالمعامل وضبط الجودة.
  2. أحمد حجازي ويوسف قتة ومسعد الشافعي بإدارة الاستثمار.
  3. فؤاد هارون وأنور عزت ومحمد عبد الفتاح ومشهور مصطفي مشهور مهندسين بالمصانع.
  4. حسين السبكي وسعيد بالمشتريات الداخلية.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الفرصة التي سنحت لي لم تصرفني عن قبول العمل معيدا بكلية العلوم جامعة المنيا فأستأذنت عبد اللطيف الشريف وتسلمت عملي واتفقنا ضمنيا أن عملي معه سيكون (بالمقطوعية) وهذا يعني أنني أملك الحرية الكاملة في ترتيب جدول أعمالي حسب ظروفي؛
وكانت تجربة رائعة لمعنى الحرية في العمل العلمي وتحمل المسؤليات الجسام طوعا لا كرها وهو الشيء الذي رفع من روحي المعنوية وجعلني أصل الليل بالنهار ضمن منظومة عمل متعدد بين البحث العلمي المتعلق بالصناعة وإدارة منظومة الجودة في المصانع وبين بحوث الماجستير والدكتوراه بعلوم عين شمس وبين التدريس بالمنيا وبني الحركة الإسلامية ضمن صحوة جيل السبعينيات الواعدة، في هذه الفترات من العمر كانت ساعات التأمل والتفكير والراحة الأساسية في القطار وما توفيقي إلا بالله.

الحياة في المنيا لأربعة عشرة سنة:

يعرف الجميع كلمتي كلما ذكرت المنيا (معكم ... وقلبي في المنيا) فمنذ تركت القوات المسلحة وتسلمت عملي كمعيد بكلية العلوم جامعة المنيا في يناير 1976 وأنا حتى اليوم متيم بالمنيا، لقد وجدت فيها كل ما كنت أحبه وأتمناه.
في المنيا وجدت أجمل مواقع نهر النيل، ويعتبر كورنيش المنيا لوحة فنية ربانية مبهرة وخاصة وقت شروق الشمس أيام الشتاء، وتتجلى عظمة الخالق وروعة الجمال الأخاذ عندما تغطي أرصفة الكورنيش بزهور البوانسيانا الحمراء المتساقطة على خضرة الحديقة الموازية للنهر على مد البصر؛
وهناك تلمع مياه النهر الخالد ملونة بلون الشمس التي تطل عليك من خلف الجبل الممتد موازيا للبر الشرقي، وأحيانا تلمح الجزر المتناثرة متوارية خلف الضباب حتى ساعة بعد شروق الشمس وهو الوقت الذي تبدو لك هذه الجزر بكامل زينتها وروعة حلتها الخضراء، فإذا أدركت هذا الجمال فاعلم أنك في مدينة المنيا.
وفي محافظة المنيا تعرفت على أوفى الناس وأحسنهم خلقا ودينا وكرما، عشت بينهم لا أشعر بغربة قط ورغم تقلبات الأيام والليالي فما يزال عهد الأخوة بيننا وثيقا تحوطه وترعاه وتقويه أحداث الحياة بحلوها ومرها.

أسرة كلية العلوم وجامعة المنيا:

في كلية علوم المنيا كنا أسرة واحدة وما زلنا حتى اليوم، الطلاب الذين درست هم العلوم في المنيا يبعثون لي اليوم أبناءهم وأبناء أقربائهم لأعتني بهم في دراستهم الجامعية في تواصل رائع بين المعلم وطلابه الذين تخرجوا وتوظفوا وتزوجوا وكبر أبناؤهم ودخلوا الجامعات وما تزال حلاوة أيام الصبا تحلي أفواهنا وتنعشنا نحن أصحاب الرءوس البيضاء؛
وأذكر من الطلبة بكل خير حشمت خليفة ومحمود أبو المعاطي وأحمد زكي وجمال عبد الصمد وعادل خضر، وأما الزملاء الذين بدأنا معهم وما زلنا أسرة واحدة فأذكر منهم أ. د. سامي كامل أول رئيس للقسم من أبناء المنيا، عادل العشماوي وهو الآن أستاذ بكلية العلوم بالإسماعيلية، وعصام أبو القاسم وهو اليوم أستاذ بكلية العلوم جامعة طنطا؛
وجيهان شعبان وهي اليوم أستاذة بعلوم المنيا ومحمود المحلاوي وهو اليوم رئيس قسم الجيولوجيا بعلوم المنيا وزوجته وفاء زهران الأستاذة بعلوم المنيا ونجيبة إبراهيم وهي اليوم أستاذة بعلوم المنيا وزوجها المرحوم د. علي ومصطفى الفقي وزوجته أميرة وكلاهما اليوم أساتذة بالكلية، وفي قسم الرياضيات مصطفى الصباغ ومحمد السعيد ود. شوقي وممدوح حسن ومحمد ربيع وفي الطبيعة رابح وسعد قناوي رحمة الله عليه وعلي حسنين ومحمد رفعت وفي الكيمياء خالد أبو حديد وعايدة لطفي ولطفي مدكور وفتحي فهيم.
وعلى مستوى الجامعة خارج كلية العلوم فقد تعرفت وتآخيت مع الطلاب محي الدين عيسى وأبو العلا ماضي بالهندسة وإبراهيم ذنون بالزراعة، والمعيد مدحت خشبة ومحمد شوقي ود. زكريا ود. محمد دهيم ودسوقي شملول وكرم زهدي وفؤاد الدواليبي وأسامة حافظ وعاصم عبد الماجد وحسن يوسف وآخرين من الأحباب مطبوعة صورهم وأصواتهم في قلبي وعقلي بالرغم من نسيان أسمائهم اليوم فسلام عليهم جميعا إلى يوم الدين.

الرجل الذي قل ودل:

إنه العالم الجليل الذي شد انتباهي من أول يوم بلغت فيه المنيا في يناير 1976، أحببته كثيرا وأحبني وصاحبته متعلما فلم يبخل علينا بشيء قط وكانت من أحلى لحظات العمر حضوره درسه الخاص فوق سطح بيته المتواضع القريب من المسجد، كان لديه دفتر كبير يشبه دفاتر الحسابات يسجل في صفحاته ملاحظاته اليومية معلقا على المواقف بتوجيهات إيمانية أتمنى لو تنشر، إنه الشيخ محمود عبد المجيد العسال إمام المنيا بلا منازع وشيخ وإمام مسجد الإيمان بمدينة المنيا، أو مسجد تحت الكوبري كما يطلقون عليه؛
في هذا المكان الذي كان مهجورا أقام الشيخ محمود العسال صرحا للتوعية وتقديم الخدمات الاجتماعية، وكانت مؤسساته تتكون من المسجد وسكن الطلبة الوافدين من خارج المدينة ومطعم ومغسلة ملابس وقاعات للدرس وكان العنوان الواضح لحركة الشيخ محمود العسال (تاكل وتشرب وتنكسي وتتعلم) أما هو في ذاته فقد كان شخصية مهابة من الجميع مسلمين ومسيحيين وحكومة وأهالي؛
خطبته على المنبر تقل عن العشر دقائق ولكنها تكفيك زادا إيمانيا لعام أو يزيد وخطة عمل لعمرك وعمر من تحب، وهو مع ذلك دقيق الحجم بسيط الملبس والمأكل والمشرب ولذلك لا عجب أن أسميه بحق خير الرجال ... الذي قل ودل فهو قليل ومتقلل من كل أعراض الدنيا ومع ذلك دال على الخير بكل معانيه، رحمة الله عليك يا شيخ محمود وعلى والديك وذريتك إلى يوم الدين.

نهاية رداميس:

في المنيا كانت أروع نماذج الرجولة ونصرة المظلوم، فأهل المنيا لم يقبلوا أن يظلمني عميد الكلية (أ. د. رداميس بطرس فهيم) بسبب ارتباطي بالمواطنين وبالطلاب خارج قاعات الدرس وأراد أن يحدد إقامتي وفق معاييره التي لم تكن ترضيني ولا ترضي الله من وجهة نظري؛
وما أن حرمني من التدريس ودفعني عنوة لأختار جامعة أخرى أنتقل إليها حتى انتفضت محافظة بأسرها تهز القطر بشجاعتها وقوة نصرتها لمعيد نحيف ضعيف حتى تأخذ الحق له من عميد متغطرس يمشي مسعرا خده مختالا بالبايب الذي يمارس رضاعته كبرا وخيلاء ويمثل المستعمرين ولا يمثل المسيحيين من قريب ولا بعيد يومها اعتصم الطلاب بالكلية ولم يفضوا اعتصامهم حتى تدخل وزير التعليم العالي (أ. د. مصطفى كمال حلمي) فأعادني للعمل وأوقف العميد سنة كاملة عن العمل في سابقة لا ولن تتكرر، حقا إن الحب في الله يصنع المعجزات.

موقعة الكوبري:

خلال عام 1977 اشتد الصراع بين طلاب الجماعة الإسلامية والأجهزة الأمنية كما كانت طبيعة المرحلة في كل جامعات مصر، وفي يوم من أيام الصراع قرر الطلاب الخروج بمظاهرة تطوف مدينة المنيا منددة باعتقال بعض طلاب الجماعة الإسلامية؛
وعلى الفور تحركت قوات مكافحة المظاهرات وأغلقت طريق مصر أسوان من المدخل الشمالي والمخرج الجنوبي حتى يمنع وصول الطلاب إلى المدينة التي يفصلها عن الجامعة ترعة الإبراهيمية عدا كوبري واحد قبالة كلية الزراعة، ونحو هذا الكوبري اندفعت جموع الطلاب من جميع الكليات تسابق القوات عدوا ولكنهم فوجئوا بوجود قوات في الناحية الأخرى من الكوبري مدججة بالأسلحة والعصي والقنابل المسيلة للدموع وبدأوا في الاشتباك مع الطلاب بالفعل.
انسحب الطلاب وباتوا ليلتهم مبعثرين وسط الزراعات والعزب ولكنهم عادوا وتجمعوا في صلاة الظهر بمسجد كلية الزراعة وهناك صليت بهم وألقيت فيهم كلمة حماسية ألهبت مشاعرهم فخرجوا معاودين المحاولة للوصول إلى المدينة، وكانت المعركة الشرسة مرة ثانية عند الكوبري وفي هذه المرة اجتاز الطلاب الكوبري ومروا أمام المدينة الجامعية القديمة.
ومن هذا الموقع بدأوا الزحف نحو المدينة مرددين هتافاتهم المعتادة، إسلامية لا شرقية ولا غربية ... يا حرية فينك أمن الدولة بيننا وبينك ... وهناك تحركت القيادات الأمنية وعنفت الجنود وراحت تمنعهم من التقهقر فهجموا واستبسلوا فردوا الطلاب أمتارا إلى الخلف، في هذه اللحظة كنت قد نجحت في الوصول إلى خلفية القوات واختلط بالقيادة ورحت أسمع بوضوح كافة الأوامر والتوجيهات التي يصدرها قادة القوات، أيقن الطلاب أنهم لن يستطيعوا المرور فاندفعوا نحو المدينة الجامعية وتحصنوا بها؛
كان الوقت قد بلغ قرابة المغرب، وراح الطلاب يوقعون أعمدة الكهرباء المحيطة بالمدينة ويسدون بها المسافات بين العمارات حتى لا تلاحقهم قوات راكبة في المدينة، وبالفعل لم تستطع القوات الدخول فبدأت بإطلاق النار على كل من يظهر بالنوافذ الخارجية للمدينة لتخويف الطلاب من استخدام النوافذ كقواعد رمي للحجارة، وجاء الليل وسكنت الأصوات والحالة على ما هي عليه من التوتر والمراقبة والتحفز من الطرفين.

الدروع البشرية:

لم يكتف الطلاب بوضع المتاريس وتكديس كميات من الزلط فوق أسطح العمارات وتعيين ناضورجية فوق كل عمارة لرصد حركة القوات المحاصرة للمدينة، ولكن خوفهم من المداهمة الليلية والقبض والاعتقال دفعهم إلى الأسوأ، قام الطلاب بالقبض على جميع الطلاب المسيحيين بالمدينة في هذه الليلة وبلغ عددهم قرابة العشرين، وحبسوهم في شقة واحدة من شقق المدينة، لكنهم في نفس الوقت أفهموهم أن هذه محاولة لفك الحصار وعدم التعرض للطلاب بالاعتقال؛
وبعد حوار وأخذ ورد قبل الطلاب المسيحيون المهمة وتعاطفوا مع زملائهم طلاب الجماعة الإسلامية، وأعلن الطلاب في ميكرفون المسجد أن أي محاولة لاقتحام المدينة سوف يترتب عليها ذبح جميع الطلاب المسيحيين، وبلغ الخبر كافة الأوساط المسيحية وكان لحركتها أثر ملموس وعاجل.
ومر يوم والوضع على هذا الحال، وفي عصر اليوم التالي استدعت الحكومة الشيخ محمد نجيب المطيعي ليقوم بالوساطة بين الطلاب والقوات الأمنية التي تحاصرهم وشكل الطلاب لجنة لتمثيلهم وكنت واحدا من هذه اللجنة، عرضنا شروط الطلاب على الشيخ وكانت إطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار عن المدينة وانصراف القوات وعدم القبض على أي طالب من جامعة المنيا بسبب هذه الأحداث، والعجيب أن الأمر لم يأخذ وقتا وبسرعة انسحبت القوات وأفرج عن المعتقلين وقمنا بتسليم الطلاب المسيحيين إلى الشيخ المطيعي، وظلت هذه الوقائع فيما بيننا تسمى موقعة الكوبري حتى اليوم.

عفاريت العجل:

تعتبر الدراجات (العجل) من أهم وسائل المواصلات الداخلية في مدينة المنيا، ولم يكن بالمنيا في السبعينيات غير العجلة أو الحنطور الذي تجره الخيل، وتمشيا مع الواقع ففي أوقات السخونة بين الشباب والشرطة كانت الدراجات تستخدم من الطرفين، وفي أثناء الحصار كانت الأوامر التنظيمية تخرج من المسجد إلى المدينة بواسطة الطلاب راكبي الدراجات؛
وفي لحظة واحدة يتحرك عشرات الطلبة راكبي الدراجات في حركة متسرعة وخلفهم مباشرة مخبر بدراجته لكل طالب بدراجته، وهنا يبدو المنظر وكأنه سباق دراجات في لحظة الانطلاق، وما هي إلا دقائق حتى يكون الجميع كأنهم عفاريت ظهرت واختفت حيث لاذ كل بقرينه وذهب إلى بعيد، اللهم احفظنا.

صباح الحبر:

ظلت الأوضاع متوترة وعدائية بين الجماعة الإسلامية في المنيا والأمن بشكل واضح، وكان المخبرون يمثلون عناصر التجسس على الطلاب في الجامعة والأحياء، وفي الأقاليم فإن معرفة الأشخاص نسبا وعلاقات اجتماعية وتوجهات تكون متوفرة لدى المخبرين أكثر من الضباط؛
والمخبر في الأقاليم يعتبر موظفا في الحكومة ولديه راتب شهري، ولذلك تجد عليه بعض علامات الشبع والاستقرار المعيشي ومن ذلك ارتداءه للجلابيب الصوف في الشتاء والسكروتة الحريرية في الصيف، وهذه الصورة الظاهرية الحسنة كانت وقتها مستفزة للطلاب في الشتاء للجماعة الإسلامية حقدا وحسدا للمخبرين؛
وتطوع أحدهم بعملية تشويه للمخبر في حارته، وتفتق ذهنه عن سلاح جديد وهو سلاح الحبر، وانتظر مرور المخبر تحت شرفته وعاجله بدلق الدواية على رأسه، وملابسه اعتبرته الجهات الأمنية نقضا للهدنة وإعلان حرب الدواية فقامت بمحاصرة المكان وتمشيط الحي حتى تمكنت من اعتقا الطالب.

روسية كرم زهدي:

كرم زهدي في هذه الآونة طالب بمعهد التعاون بأسيوط ولكنه هنا في المنيا كل يوم يمارس القيادة في الجماعة الإسلامية بطريقته، نحيف البدن متوقد الفكر مفتوح العينين كأنه صقر يتأهب للانقضاض دائما وأطول ما فيه اليدين والجبهة، يتعامل مع خصومه بنظرة مستهينة وحركة منسحبة ثم بهجمة بالروسية لا تخطئ أنف أو جبهة الخصم الذي يتدهول لحظات كافية لفرار كرم وكأنه فص ملح وداب؛
حتى أن ضباط المباحث ميزوا الجميع بالبصمة وأما كرم فقد كانت بصمته الروسية، وكثيرا ما استدلوا بها على قيامه بالفعل مؤكدين للنيابة هذه فعلة كرم والدليل الروسية كما وصفها الشاكي، كرم الآن هو الشيخ كرم زهدي المحامي بالإسكندرية ومن قيادات الجماعة الإسلامية بمصر.

قنبلة الشطة:

لم يتوقف تفكير الجماعات الإسلامية بالمنيا عن استحداث أسلحة موجهة مع قوات الأمن، وأصبحت الحياة تجري بين الطرفين على شاكلة لعبة القط والفأر، وكان من أسلحة الشباب العجيبة قنبلة الشطة، حيث قاموا بتخزين كميات من الشطة السوداني المعبأة في أكياس بلاستيك (قوة 100 جرام وقوة 200 جرام وقوة نصف كيلو)، وعند الصدام كانوا يشعلون النار في الكيس ويلقونه على الجنود فيصابون بالسعال والدموع بدرجة أشدو وأوجع من القنابل المسيلة للدموع المستوردة من أميركا.

بيضة مفخخة:

بدأ بعض الطلاب في جامعة المنيا على مشارف نهاية الثمانينات يتجه تفكيره للصدام المسلح مع الدولة والنظام ويمثلها أمامه الشرطة، وكان من علامات ذلك أن زارني بعضهم وعرض علي أن أساعدهم بوصفي معيدا بكلية العلوم في عمل قنبلة صغيرة ولو (قد البيضة) كما قال كبيرهم، ولأنني كنت متعاطفا معهم فلم أشأ ردهم بعنف أو استهزاء ورحت أحاول أن أردهم عن ذلك بالحسنى؛
فقلت لهم، وماذا بعد تصنيع القنبلة الصغيرة، ماذا تفعلون بها أمام قوة الدولة، وفجأني ما يفكرون به ولم أكن متوقعا الجواب بالمرة حيث قال المتحدث، إحنا ناويين نتسلل إلى معسكر الأمن المركزي ونضرب القنبلة فيخاف الكل ويهرب فناخد ما فيه من السلاح ونتسلح بسلاحهم؛
وهنا تبين لي أن التعقد الفكري وكراهية النظام قد تجاوز الحد، ومع ذلك قلت لهم افترضوا أننا نجحنا في السيطرة على كل محافظة المنيا وقطعنا طريق مصر أسوان وقسمنا مصر نصفين، ماذا سنفعل مع القوات الجوية والمدرعات والمصفحات؟
وهنا فقط تبين لهم أن الأمر ليس سهلا كما يفكرون فانصرفوا ولم يعاودوا الاتصال بي في مثل هذه المسائل، ولكنني وجدت فيما بعد أن معظم الذين حاورتهم في هذه الليلة كانوا ضمن المتهمين بالمشاركة في عمليات اغتيال السادات والهجوم على مديرية أمن أسيوط بعد ذلك بعامين تقريبا.

الضرب بالمعروف والنهي عن الموسيقى:

في شارع الحسيني أطول شوارع المنيا التجارية محلات تبيع الأشرطة الكاسيت ومن الطبيعي أن يقوم المحل بالإعلان عن بضاعته، وشيئا فشيئا ارتفعت أصوات الأغاني في الشارع وأصبحت من سماته،الجماعة الإسلامية اعتبرت ذلك منكرا يجب تغييره باليد بعد النصح باللسان؛
وبالفعل توجهوا في مجموعات لنصح المحلات ومطالبتها بوقف إذاعة الأغاني،المحلات لم تقبل النصيحة واستمرت فقررت الجماعة الهجوم، وفجأة انقلب شارع الحسيني إلى مهرسة كبرى طالت المحلات التي تبيع الأغاني ومن حاول إنقاذها من التدمير وسرعان ما وصلت قوات الأمن وعمت الفوضى، وبالرغم من انسحاب الشباب من المواجهة أو خوفا من الاعتقال فإن المحلات اشترت سلامتها وامتنعت عن إذاعة الأغاني لفترة طويلة.

منعوا الشيخ:

أعلنت الجماعة الإسلامية عن محاضرة للشيخ عبد الحميد كشك في كلية الآداب بالمنيا، ولم يكن قد تم الاتفاق معه أصلا، فلما ذهب الشباب لدعوته اعتذر عن الحضور لأسباب تخصه، ووجد الشباب نفسهم في ورطة، ولكن الصراع مع الشرطة دفعهم لتحميلها المسئولية عن ذلك، تركوا الأمر على ما هو عليه وحضرت آلاف من أهل مراكز المنيا لرؤية الشيخ كشك شخصيا وسماع محاضرته؛
ووسط هذه الجموع المحتشدة المنتظرة وقف أمير الجماعة ليعلن في تمثيلية محبوكة أن الأمن منع الشيخ من الحضور وحرمونا وحرموكم من رؤيته، وهاج الجمهور هياجا شديدا وخرجوا في مظاهرات طويلة يهتفون، منعوا الشيخ ... يا حرية فينك فينك أمن الدولة بينا وبينك ... منعوا الشيخ منعوا الشيخ ...

التلمساني لا يدخل القفص:

مرت موقعة الشيخ واستضافت المنيا الأستاذ عمر التلمساني ليلقي محاضرة بمسجد الرحمن بعد العشاء، كان الأستاذ عمر عائدا يومها من زيارة أسيوط، كعادته بدأ فور وصوله بزيارة محافظ المدينة أولا وبالطبع يكون عند المحافظ رؤساء الأجهزة الأمنية والحزبية وتمت المرحلة الأولى وفي المساء فاجأنا الأمن بإزالة السرادق قبل المحاضرة بدقائق وأصر أن تتم بالمسجد الذي لا يسع غير مئة فرد؛
ومنع التواجد تماما بالساحة أمام المسجد ودفع الجمهور بالقوة ليتفرق في الشوارع والطرقات وبدت العملية كلها انتقاما من مظاهرة (منعوا الشيخ ...) تحرك موكب الأستاذ عمر نحو المسجد ومعه قرابة المئة من المرافقين ولم نشأ نخبره بما حدث وصحبناه إلى المسجد في هدوء تام، وأثناء صلاة العشاء والكل مشغول بها؛
كان تنفيذ ما خططنا له، سحبنا تضمها والميكرفون والكرسي وصعد الأستاذ عمر وبدأ المحاضرة مباشرة بدعوة المدعوين للاقتراب من المسجد وقال أنا واثق أن رجالات الأمن سوف يساعدونكم على الوصول فأرجو التعامل معهم بكل رفق ولين؛
حاول بعض الضباط التدخل لمنع ذلك ولكننا صنعنا حول المنصة سدا منيعا لم ينفذ منه أحد منه أحد منهم رغم شدة التدافع رغم شدة التدافع بيننا وبينهم، أحد الضباط تعمد تفتيشي ذاتيا بحركة سريعة لوجود محفظتي في الجيب الداخلي للجاكيت ظنا منه أنني أحمل سلاحا، وفي لحظات اندفع الجمهور نحو الساحة وتمت المحاضرة والمحاورة والكل وقوف على قدميه.

شركة المديرين الستة:

تمشيا مع الظرف الجديد بعد تخرج الدفعة الأولى من شباب الصحوة الإسلامية بالمنيا ومستفيدا بتجربتي في الصناعة والحياة فقد وجدت من المهم أن يكون لهم عمل، ونتج عن المشاورة الاتفاق في إقامة شركة تعمل في مجال مواد البناء (الرخام والكربونات وكسر الصخور المستخدم في صناعة البلاط)، تعتبر المنيا شرق النيل مصدرا أساسيا لهذه المواد؛
وبالفعل تأسست الشركة من ستة شركاء هم المهندس علي عمران (رئيس مجلس الإدارة) والدكتور السيد عبد الستار مدير المعامل وضبط الجودة والمهندس محي الدين عيسى (المدير العام) المهندس أبو العلا ماضي (مدير الإنتاج) والجيولوجي حشمت خليفة مدير المبيعات والتسويق والجيولوجي جمال عبد الصمد (مدير المصانع).
واتخذنا للشركة مقرا يعتبر من أعجب المباني التي رأيتها، مبنى يطل على النيل مساحته 20 مترا مربعا، نعم عشرين ... لا تتعجب فقد كان مكونا من أربعة أدوار يربطهم سلم، فكان المبنى أقرب إلى المئذنة منه إلى الإدارة ولكنه كان كافيا للغرض ...
وخلال عام 1980 اشترينا من سوق الخردة بروض الفرج كسارة حجارة ضخمة تنتج عشرين طنا يوميا وغربا ورخصنا محجرا وبدأنا الإنتاج والبيع، وفور قيام الجماعة الإسلامية باغتيال السادات قبض على المديرين الستة ضمن المتهمين بالاغتيال، وحقق معي بشأن الشركة وكان سؤال المحقق الذي أضحكني بعمق هو، إذا كانت الشركة من ستة مديرين فمن هم العاملون معكم؟ من هم موظفو الشركة؟
وعندما تمالكت من الضحك أجبته، لو تركتونا سنة واحدة كان ممن يشتغل عندنا حد، ولكن بعد اليوم لن يعمل معنا أحد ولن يشتري منا أحد، وبالفعل فور خروجنا نحن الستة من المعتقل لم تقبل أي شركة أو مصنع أن يشتري منا بضاعة حتى مصنع بلاط محمد شاكر المحسوب على الإخوان المسلمين رفض التعامل معنا تماما، وكان لا بد من البحث عن عمل آخر.

محاولة فك رقبة:

بصدور قرارات الاعتقال في 3 سبتمبر أصبح قطار الصعيد من المواقع الخطرة الملغمة بالمخبرين الباحثين عن شباب الصحوة المطلوب اعتقالهم وجلهم من الصعيد، لم أتردد في العودة للمنيا صباح يوم 4 سبتمبر فقد كنت قلقا على إخواني هناك وكان ضروريا أن أكون معهم، وفي القطار وبعد محطة بني سويف سمعت في العربة المجاورة جلبة وضجيجا وعراكا، جريت مندفعا لأتفقد الحادث، وجدت عددا من المخبرين يشهرون مسدساتهم نحو شاب ويطلبون منه أن يسلم نفسه وهو في ركن من العربة يرفض التسليم ومتأهب للمقاومة بصورة هستيرية ولا يتوقف عن توجيه السباب لهم وللحكومة التي ينتمون إليها؛
لم أكن أعرفه ولكن سحنته ولغة كلامه دلت على أنه من شباب الصحوة الإسلامية، حاولت أن أعطيه فرصة للهرب فتدخلت نحو المخبرين مدعيا المصالحة وحجزت بينهم وبينه ولكنهم فطنوا لمرادي فدفعني أحدهم بقوة خارج الحلبة، وتلقفني آخر وهكذا أفسدوا خطتي، وبعد قليل تمكنوا من وضع الكلبشات في يده، وربطوا معه مخبر في اليد الأخرى، كل هذا والقطار منطلق ناحية المنيا، وقبل المحطة بقليل حاصرني المخبرون وفعلوا بي ما فعلوا معه، وفورا حضرت قوة من الشرطة وتسلمتني في محطة المنيا ثم ذهبت بي إلى مديرية أمن المنيا.

فيش وتشبيه أول مرة:

في مديرية الأمن مكثت يومين وخلالهما تم عمل أول ملف لي بالمنيا، وتطلب ذلك عمل فيش وتشبيه، وأثناء حركتي بالمدينة من المديرية إلى الأدلة الجنائية كنت أتمنى أن ألتقي بأي شخص يعرفني حتى أبلغ أسرتي بوجودي بالمديرية، وبالفعل قابلت مدرس مساعد زميلي بزراعة المنيا ويسكن معي في استراحة الجامعة فتوجهت نحوه أناديه، فلما وجدني والكلبشات في يدي أشاح بوجهه بعيدا وفص ملح وداب، حزنت كثيرا لموقفه، ولكن ما العمل والخوف وحش كاسر يأكل الرجولة والمرؤة إلا من رحم ربي؟

الفولي ينقذ الموقف:

إنه أخي وصديقي المهندس محمد محجوب الفولي، من عرب المنيا وأعيانها، ربطتنا به علاقة أخوية وحب في الله وكان من أنصار الصحوة الإسلامية، وكان له قرابات في أماكن مرموقة بالمحافظة ومنهم ضباط شرطة برتب عالية، وبدون أن يقترب مني أرسل لي في المساء وجبة ساخنة وإفطار في صباح اليوم التالي؛
وسعى لفك أسري ونجح في ذلك وأغلق المحضر على ذلك ولم يصدر قرار باعتقالي وفور خروجي من المديرية وجدته عند الباب في انتظاري وحملني بسيارته إلى استراحة الجامعة، حيث بت ليلتي وغادرت إلى القاهرة في اليوم التالي.

لا مفر من المعتقل:

لم يمض وقت طويل بعد هذه الحادثة حتى اغتيل السادات يوم وقفة عيد الأضحى وانقلبت الأمور رأسا على عقب، وفي يوم العيد استقبلت أخويا محيي الدين عيسى وأبو العلا ماضي وتوجهت بهم نحو الملاذ الآمن الذي أعددته لهم، وأثناء عودتي للقاهرة يوم 9 أكتوبر 1981 كانت القاهرة كلها كمائن ضبط المطلوبين للاعتقال من الشباب، وفي الكمين المحاصر لمكاتب شركات الشريف قبض علي وتوجهوا بي إلى قسم مصر الجديدة ومن هناك ركبت سيارة الترحيلات متوجها إلى سجن أبو زعبل، وفي أبو زعبل وجدت كل من أعرفهم تقريبا وبدأنا سنة أولى سجن.

رسائل الوفاء للسجناء:

من توفيق الله لك أن يذكرك الناس بالخير بعد الموت، والسجن مقبرة الأحياء، والمسجون السياسي من أمثالنا عادة لا يجد من يسأل عنه سوى أهله ومضطرين أحيانا، أما عموم الناس فما يزالون يعتبرون الخلاف مع الحكومة خط أحمر لا يجب الاقتراب منه؛
ومع ذلك هناك بشر في مصر ما يزالون يملكون القدرة على تخطي حواجز الخوف ومراسلة المساجين السياسيين من زملائهم وليكن ما يكون، والحمد لله أن وهب لي من هؤلاء من راسلني واتصل بأهلي في محنتي الأولى، الزملاء بكلية علوم المنيا جمعوا تبرعات من بينهم واشتروا حلوى ولعب أطفال وأرسلوا بها إلى بيتي في القاهرة الزميلة سهام إبراهيم المدرسة المساعدة بقسم الكيمياء فزارت أسرتي وخففت عنها ما هي فيه، والزميل مصطفى الصباغ المدرس المساعد بقسم علم الحيوان رشح مكاني في البعثة التي كانت من حقي قبل الاعتقال ومن بريطانيا أرسل لي خطابا رائعا يقول فيه إنه مستعد فور خروجي من المعتقل أن يعود للكلية ويتنازل عن البعثة لصاحبها الأصلي؛
وأما الزميلة الدكتورة جيهان شعبان فقد أرسلت خطابا مؤثرا للغاية بالرغم من أن زوجها المستشار شكري العميري في سلك القضاء وهو الأمر الذي قد يضر بموقفه ولكنني بتعامي مع هذه الأسرة الكريمة الصديقة أدرك أنه من الرجال العظام الذين لا يتأخرون عن الواجب ويسعده أن تكون زوجته كذلك.

أ‌.د. أحمد راضي يصنع المعروف:

على النقيض من المحترمة للزملاء بالكلية تصرفت إدارة الجامعة بحمق شديد فأصدر رئيس الجامعة قرارا بتحويلي من معيد بقسم النبات إلى موظف بمكتبة الكلية متذرعا زورا بأنني لم أتقدم برسالة الماجستير؛
وقد فاتت المهلة المسموح بها ومفهوم لدى الجميع أن القرار كان سياسيا وبإيعاز من جهات أمنية تريد تصفية وجود الإسلاميين بالجامعات، وفي مثل هذه الحالات ينص القانون عى ضرورة موافقة وزير التعليم، فلما عرض الأمر على أ. د. مصطفى كمال حلمي الوزير في هذا الوقت أشر على الخطاب بضرورة أخذ رأي قسم النبات في مثل هذه الحالة بوصفه القسم المختص؛
وفعلا عاد الخطاب إلى الجامعة وحوله رئيس الجامعة إلى القسم وهنا حدثت المعجزة قام أ. د. أحمد فرج راضي رئيس القسم وعلى نفس الخطاب حتى لا يلغى بكتابة ما معناه (السيد: السيد عبد الستار المليجي المعيد بقسم النبات يؤدي عمله بنجاح ورسالته للماجستير معدة للمناقشة ولا داعي لاتخاذ أي قرار مثل هذا بحقه)
ووقع باسمه وصفته وصور الخطاب بهذه الحالة وأعاده إلى رئيس الجامعة، هنا وقع رئيس الجامعة في حيص بيص، وانتظر حتى سفر الوزير خارج مصر في عمل واستخدم صلاحياته الخاصة وأصدر قرارا بوصفه يأخذ بعض صلاحيات الوزير حال سفره، وحولت بالفعل إلى وظيفة إدارية بينما كنت وراء القضبان.

عميد وخائف ومرعوب:

فور الإفراج عني توجهت إلى الكلية فوجدت الحالة لا تسر، الجميع حزين على ضياع مستقبلي العلمي وضياع وظيفتي التي يعتبرونها مرموقة، مدير المكتبة أبلغني بخجل وتأثر أنه مضطر أن يكتب تقريرا عني لو تغيبت عن الحضور يوميا ووقعت في دفتر الحضور والانصراف؛
توجهت للعميد ليتدخل بإصلاح الخطأ فوجدته في حالة يرثى لها من الخوف والرعب وأصر على معاملتي كإرهابي متهم باغتيال الرئيس وكموظف مفروض عليه وبصورة متعسفة وراح يقول (أنت عندي موظف ولست معيدا والموضوع انتهى وم تدخلنيش في موضوعك ...) خرجت من عنده وتوجهت مباشرة لمحطة القطار وغادرت وعدت إلى القاهرة وأنا لا أعرف تحديدا كيف أتصرف.

الأرزاق على الله يا سيد:

بعد طول تفكير قررت أن أفسد خطة القضاء على مستقبلي العلمي بأيسر الطرق تقدمت بطلب إجازة بدون مرتب، ووافق عليها العميد فورا وكأنه يتخلص من مشكلة أو مصيبة، وعدت للقاهرة وقررت أن أرفع أمري للقضاء وتوجهت للمرحوم الأستاذ عمر التلمساني في مكتبه بالتوفيقية؛
استمع مني ووافقني على قراري وأعطاني كارت وعليه توصية للأستاذ محمد عصفور المحامي الشهير، في مساء نفس اليوم توجهت إلى مكتب المحامي فوجدته بالحجز وسكرتيرته تتحدث عنه كأنه رئيس جمهورية ولا يمكن لقاؤه بدون حجز موعد مسبق؛
ثم أردفت بصرامة بالغة (انتو ح تموتوا الأستاذ ولا إيه؟!) أظهرت لها كارت الأستاذ عمر فتغير كل شيء وأحضرت لي كرسيا وقبلت مني دفع 200 جنيه لفتح ملف القضية، وقالت الأتعاب مع الأستاذ، الحمد لله كان المبلغ معي، دخلت بعد قليل، كان مكتبه بالفعل مكتب رئيس جمهورية، لقيني بترحاب شديد وقدمت له الكارت وعرفته بنفسي ولم يسألني عن صلتي بالأستاذ عمر التلمساني؛
نظر فيما أعددت من أوراق، وقال سنأخذ منك أقل أتعاب 500 جنيه بس، قلت له ممكن الأسبوع القادم قال نعم في أي وقت، وبعد أن دفعت المبلغ وحتى اليوم لا أعرف أي شيء عن هذه القضية وما آلت إليه في القضاء الإداري؛
توجهت لجامعة عين شمس لأسجل لدرجة الدكتوراه، واعتمدت على الله وما أملكه من خبرات فدخلت في شراكة لإقامة مصنع كيماويات وبويات وكان أجر إدارتها كافيا لحياتي وزيادة، مكثت مضطرا في إجازة بدون راتب 8 سنوات وكان رزق اله لي فيها أضعاف مرتب الحكومة ولم أتأخر كثيرا في الحصول على الدكتوراه عن زملائي الذين سافروا في بعثات على نفقة الدولة.

أ‌.د. حسن فودة يبعث الأمل:

لم يكن التسجيل للدكتوراه أمرا سهلا لمن ليس معيدا بالجامعة ولا توجد جهة تصرف عليه ومتابع من أمن الدولة أينما ذهب، ولكن العلاقة الإنسانية التي ربطتني بأساتذتي كان لها أعمق الأثر في تخطي كافة الصعاب التي واجهتني في مساري العلمي، واستطاع أستاذي الفاضل حسن أنور فودة أن يحجز لي مكانا في معمل الأبحاث ووجهني بطريق غير مباشر أن أقوم بشراء الكيماويات اللازمة على نفقتي الخاصة، والحمد لله أنهيت رسالة الدكتوراه وحصلت على الدرجة العلمية بجامعة عين شمس.

أ‌.د. محمود الريس يعدل الكفة:

فور حصولي على الدكتوراه توفي إلى رحمة الله رئيس الجامعة الذي أوقفني عن العمل بدون وجه حق وتولى المسئولية بعده أ. د. محمود الريس، توجهت إليه والتقيت به وشرحت له الموضوع بشفافية كاملة وتقدمت له بطلب عودتي لعملي، وبالفعل وافق على أن أعود بإعلان إلى نفس وظيفتي وفرح بذلك رئيس قسم النبات وقتها أخي أ. د. سامي كامل ووافق على الإعلان وعدت إلى عملي وأقام الزملاء بالكلية حفلا بهيجا بهذه المناسبة وقالوا كلاما ذرفت له عيني دموع الفرح بعودة المياه إلى مجاريها، والحمد لله رب العالمين.
هكذا عشت في المنيا وفي المنيا شاركت في بناء صرح الدعوة الإسلامية في الجامعة وخارجها، وفي المنيا كانت سنوات من الكر والفر بين مفاهيم الإسلام وجماعاته ومحاولات رتق الصفوف وتوحيد الجهود وكانت النتائج بفضل الله أفضل مما نتوقع ونأمل والأهم من ذلك أنني ما زلت متعلقا بالمنيا ومحبا لكل من فيها حتى من اختلف معي في الرأي من أبناء هذه المحافظة المتميزة بطيبة القلب وصفاء الروح في تناغم خلاق بين الطبيعة والإنسان، فسلام على المنيا مكانا وسكانا إلى يوم الدين.

الإسماعيلية مدخل فلسطين:

غادرت المنيا إلى كلية العلوم بالإسماعيلية في يناير 1991، ومع أن سجلي السياسي كان يمنع قبولي في أي جامعة مصري أخرى ولكن رسالة توصية كريمة من أستاذي حسن أنور فودة إلى رفيقه أ. د. أحمد دويدار عبد البسيوني والذي كان يشغل وقتها منصب نائب رئيس الجامعة
وكذلك شجاعة وكر أ. د. أحمد خضير رئيس الجامعة وأ. د. حلمي منصور رئيس قسم النبات بالعلوم سهل لي مهمة النقل إلى الجامعة الجديدة ولله ثم لهم يرجع الفضل في إتمام هذا الانتقال الذي قصر مسافة السفر الأسبوعية بالنسبة لي 250 كم وهي المسافة من القاهرة إلى المنيا إلى 120 كم وهي المسافة من القاهرة إلى الإسماعيلية؛
ومن أعاجيب الأقدار أن أول ترشيح لي بالعمل معيدا بلغني أثناء الخدمة بالجيش كان لكلية علوم الإسماعيلية، وقتها في عام 1975 لم يكن للإسماعيلية محطة سفر أعرفها ولم أستطع التوصل لطريقة أسافر بها وبينما أنا كذلك بلغني خطاب آخر بالتكليف على جامعة المنيا فركبت القطار وذهبت إليها بسهولة ويسر ورضيتها موطنا لعملي الرسمي أو الحكومي أو الميري وكان بها الخير العميم الذي أوضحت بعض جوانبه، في الإسماعيلية عشت وما زلت حياة الزائر المتعجل وأكاد بعد 18 عاما بها لا أعرف الكثير من طرقات المدينة وأجهل كل مراكزها وقراها، حياتي كلها مع مجتمع الكلية الصباحي ومجتمع الأتوبيس الذي ينقلنا بين الجامعة والقاهرة؛
ومع ذلك فمن فضل الله علينا أن رصيد الحب والأخوة والتواصل مع الزملاء يزيد ولا ينقص وعندما ترشحت لعضوية نادي أعضاء هيئة التدريس من عامين حصلت على أعلى الأصوات بجامعة قناة السويس والحمد لله رب العالمين، ويبقى أجمل ما في الإسماعيلية أنها تذكرني دائما أنني أقترب من سيناء ثم فلسطين فبوابات القدس فالمسجد الأقصى، اللهم ارزقنا الصلاة فيه بعد تحرير أرضه من دنس المعتدين.

الفصل الثالث:جيل السبعينيات ... صحوة واعدة ونهاية غامضة!

البدايات

لعله من المفيد قبل أن نتعرض لفترة السبعينيات أن أوضح معنى العنوان، فكلمة جيل تعني زمنيا قرابة ثلث قرن (35 سنة تقريبا) ومجتمعيا تعني البشر الذين مرت عليهم تلك السنون وهم عاقلون راشدون وما قدموا به من فعاليات، وجيل السبعينيات هم مواليد 19481955 وواقعيا هم الذين كانت أعمارهم في عام 1970 حول العشرين وهم اليوم تتراوح أعمارهم حول الخمسة والخمسين، وأما كلمة الإسلامي فتعني وجود فاعلين آخرين من توجهات ليست محسوبة على الإسلاميين؛

وأنا هنا أكتب عن الإسلاميين عرفا دون غيرهم كما أنه من الضروري وحتى لا يساء فهمي فإنني أعتبر الإسلاميين لغة كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الإسلاميين عرفا هم المشاركون منهم في الصحوة الإسلامية شكلا وموضوعا خلال فترة السبعينيات التي نتحدث حولها.

كانت نكسة 1967 وهزيمتنا أمام الصهاينة وما وقع للجيش المصري خلال حرب الأيام الستة السوداء هي الباعث الحثيث لمشاعر الشباب الذي أحس أنه خدع لوقت طويل وأن الهزيمة كانت بسبب فشل النظام الاشتراكي الناصري وما عاناه من الفساد في معظم القطاعات واتفق مع هذا التفسير الناصريون أنفسهم وبدت جبهتهم في حالة انقسام وتشتت.

وقد علا صوت بعض الإسلاميين مبكرا ليقول إن الهزيمة كانت نتيجة لما قام به النظام من تعديات على الشريعة الإسلامية والبعد عن الدين لا سيما في الإعلام والتعليم والسياسة والاقتصاد، وقد وجدت هذه المقولة صدى واسعا لدى الكثيرين من الشباب والكبار؛

ومع أن مؤتمر القمة المنعقد بالخرطوم عقب الهزيمة مباشرة أعلن لاآته الثلاث التاريخية في مواجهة إسرائيل (لا صلح ... لا تفاوض ... لا اعتراف) إلا أن ثقة الشباب بالنظام الناصري كانت قد انتهت وبغير رجعة وحدثت عدة ثورات طلابية في مواجهة النظام لا تعدو أن تكون ردود أفعال نفسية ولم تكن لها صبغة محددة ولكن الغالب عليها الشعور الوطني العام لدى قطاعات الطلاب المشاركة بضرورة التغيير ونوجز من هذه الثورات الطلابية.

ثورة فبراير 1968:

حيث قامت مجموعات من طلبة حقوق القاهرة في مسيرة متجهة لمجلس الأمة منددة بالأحكام المخفضة التي صدرت ضد قيادات سلاح الجو المصري الذي تسبب في هزيمتنا بعد ما تحطم سلاح الجو كله على الأرض وبدون طيران بينما كان القادة يغطون في نومهم العميق صباح 5 يونيو بعدما قضوا ليلة حمراء وصفتها المصادر بعد ذلك بما لا يمكن كتابته في كتاب مثل هذا.
غير أن طلاب الحقوق لم يبقوا وحدهم وانضم إليهم في صباح السبت 14/ 12/ 1968 طلاب كلية الهندسة وعدد من طلاب الجامعة من كليات أخرى وقد حاصرتهم قوات الأمن حتى مقر المجلس وخدعوهم بالوعد أن مطالبهم سوف تجاب ولكن عليهم تسجيل أسماء قيادتهم ومطالبهم... وفي نفس الليلة كان الجميع بالمعتقلات والسجون بعدما قبض عليهم من منازلهم.

في هندسة عين شمس كانت معركة شرسة بين الطلبة والبوليس الذي لم يستطع منع الطلاب حيث تقع الكلية وسط الأحياء السكنية فأطلق النار في المليان فوقع عدد من الطلاب جرحى وكذلك من المواطنين فتفرق الكل أمام ضراوة القتال.

وظلت الأحداث حية في ذلك الوقت حتى استقر أمر الطلبة على ضرورة الاعتصام حتى تجاب مطالبهم وقد بلغ عدد المعتصمين حوالي 500 طالب بهندسة القاهرة انخفض بالليل إلى حوالي 200 طالب وقد أوجز البيان الصادر هذه المطالب بعد مقدمة طويلة في الآتي:
  1. الإفراج فورا عن جميع المعتقلين من الطلبة.
  2. إطلاق حرية الرأي والصحافة.
  3. اختيار مجلس أمة حر يمارس الحياة النيابية.
  4. إبعاد المخابرات والمباحث عن الجامعات.
  5. إصدار قوانين للحريات والعمل بها.
  6. التحقيق الجدي في مقتل العمال المتظاهرين بحلوان.
  7. إعادة محاكمة المتهمين في الطيران.
  8. التحقيق في انتهاك حرمة الجامعات واعتداء الشرطة على الطلبة.

ثورة 1969 بالإسكندرية:

أطلق شرارتها تلك المعاملة الدموية التي لاقاها طلاب المعهد الديني بالمنصورة عندما تظاهروا في 21/ 11/ 1968 مطالبين بتحسين أحوال الدراسة والعمل للأزهريين خريجي المعهد.
وقد التهب حماس الطلبة بجامعة الإسكندرية وخرجوا في مظاهرات صاخبة شارك فيها المواطنون وازدحم ميدان محطة الرمل بالمتظاهرين الذين طوقتهم قوات الأمن وأمطرتهم بالقنابل المسيلة للدموع ولكنهم واصلوا مظاهراتهم مطالبين بتغيير النظام برمته ومحاكمة المسئولين فيه.
وفي الوقت الذي صدرت فيه الأوامر للجيش أن يتحرك هطلت على الإسكندرية أمطار غزيرة لم يثبت لها أحد وخلت الشوارع من الناس والشرطة وكان ذلك سببا لانتهاء الثورة وفي المساء كالعادة واصلت قوات الحكومة اعتقال الناس والطلبة الذين شاركوا في التظاهرات.
وفي يوم 11 يناير 1969 فتحت الجامعات للدراسة بعد قرار إغلاقها الذي استمر قرابة العشرين يوما.
ومع استمرار غياب التيار الإسلامي في الجامعات في هذه الفترة وكذلك استمرار الاحتلال الصهيوني لسيناء والإحساس العام بالهزيمة والضياع فقد نمت بالجامعات التيارات اليسارية في مواجهة نظام الحكم الناصري لكنها لم تلق القبول لدى الطلبة أو المصريين عموما ... وظلت حالة الركود الفكري والسياسي تخيم على الجامعات حوالي أعوام 69/70، 70/71 ولكن العام الدراسي 71/72 شهد بعض الإرهاصات لنمو الحركة الإسلامية وتمثل ذلك في:
  1. صدور بعض الصحف التي تنادي بضرورة العودة للإسلام والاحتكام للقرآن: مثل جريدة (آراء حرة) التي أصدرها الطالب وائل عثمان بهندسة القاهرة، ومجلة الإيمان التي كنت أصدرها بعلوم عين شمس.
  2. ظهور ما يسمى (جماعة شباب الإسلام) بهندسة القاهرة ثم حصولها على موافقة الاتحاد العام للطلبة بأن يكون لها أفرع في الجامعات والكليات باعتبارها جناحا من أجنحة الاتحاد.
وقد أشهرت الجمعية نفسها في مؤتمر ضخم بجامعة القاهرة حضره الشيخ محمد الغزالي، وكان يرأس هذه الجماعة الطالب عدلي مصطفى ويساعده الطالب عصام الغزالي ومن أعضائها الطالب وائل عثمان صاحب كتاب "أسرار الحركة الطلابية" والطالب عصام الشيخ بالهندسة ونبيل يس بالعلوم.

الإسلاميون وفترة النمو الكبرى:

تعد فترة السبعينيات بمثابة فترة النمو الكبرى ومرحلة استعادة الهوية الإسلامية، واستعادة سيادة الطابع الإسلامي في المظهر العام والحركة الاجتماعية، وسيادة اللغة العربية والألفاظ الإسلامية، وأضحى الإسلام بالجملة هو موضوع ومحور المناقشات العامة والخاصة؛
ففي مرحلة السبعينيات سادت الجماعة الإسلامية وعلا صوت الدعوة إلى الله وامتلأت الجامعات والأحياء بالمساجد، واحتشد الناس صفوفا بين يدي الله خاشعين ضارعين ...
وتداول الرأي العام ألفاظ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشورى، والحجاب والنقاب، كما انتشرت الكتب الإسلامية ومعارض الكتاب الإسلامي والمحاضرات الإسلامية، وصارت الجامعات معبرة عن حالة التدين الجديدة في الأمة ومنبرا عاما تعبر فيه عن وجهة نظرها تجاه القضايا العامة، ومما لا شك فيه أن ذلك لم يكن مخططا له من قبل الذين أسسوا الجامعة المصرية في بداية القرن العشرين.
وطبيعة عملية النمو الكبرى هذه لا تختلف عن أي عملية طبيعية أخرى، فقد كانت محكومة بالتدرج والزيادة المضطردة بقدر ما توفر لها من عناصر النجاح والدفع إلى الأمام.
فأما عناصر النجاح فقد تمثلت في الظروف التاريخية والظروف السياسية والاقتصادية التي مرت بها الحياة المصرية والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:

أولا: سقوط الناصرية:

فلقد مات جمال عبد الناصر معنويا عام 1967 في الخامس من يونيو ودفن عام 1970 في 28 أغسطس، كانت هزيمتنا أمام شراذم اليهود عام 1967 أكبر تنبيه لنا جميعا أننا نسير في طريق خاطئ ومصير مشئوم طالما تقودنا هذه المجموعة التي كشفتها الهزيمة؛
فإذا هم جماعة من الفاسدين الذين يتقلبون بين أحضان الممثلات، وخرج الزعيم على الناس يبكي في انكسار وذلة محاولا تبرير ما حدث بأنه خيانة من جانب الأصدقاء، وانشغل الناس يفلسفون أسباب الهزيمة وكانت النتيجة التي اتفق عليها أكثر الناس ضرورة العودة إلى الله فليس لها من دون الله كاشفة، وترتب على ذلك عودة الكثيرين إلى دين الله أفواجا، وأول هؤلاء شباب الجامعات.

ثانيا: جذوة الإيمان الكامنة:

نجح فريق العلمنة والإذلال أن ينثر بعض الرماد على جذوة الإيمان فيغطيها بعض الوقت، ولكنها كانت موجودة وحية في نفوس الكثيرين من الأساتذة والمربين الذين التقطونا في بداية مرحة السبعينات من على أعتاب المساجد كأنهم يلتقطون حبات الياقوت والمرجان فرحين بنا سعداء بلقائنا وكأنهم كانوا يبحثون عن أولاد لهم قد فرقت بينهم أيام وأحداث.
في جامعة عين شمس التي بدأت فيها أولى خطواتي على طريق الله ما زلت أذكر حتى الآن الأستاذ الدكتور عبد الغني الوشاحي رحمه الله أستاذ طب الأطفال وهو يحملني مع آخرين في سيارته (الفولكس) الصغيرة إلى مسجد في مكان لم أكن أعرفه في ذلك الوقت (مسجد أنس بن مالك بالدقي) حيث نستمع إلى حديث طيب ومؤثر من الشيخ إبراهيم عزت ثم يعيدنا الأستاذ الجليل بسيارته إلى حيث كنا، ولا أحسب أنه كان يفعل ذلك بتكليف من أحد إلا حب الله ومرضاته ورغبته في مساعدة هذه النباتات الضعيفة من أمثالنا أن تنمو وتزدهر وتثمر.
وأذكر آخرين كانت لهم أدوار مشابهة من أمثال الأستاذ الدكتور محمد الكريمي أستاذ الفسيولوجيا بكلية الطب أيضا والذي كان يتبنى معسكراتنا في بدايتها، وفي كلية العلوم أذكر الدكتور محمود الخشان أستاذ الطبيعة الذي كان يجالسنا بالمسجد ويساعدنا على التحصيل، وأذكر الدكتور عبد المحسن زيكو الذي بحث عني أياما بعدما أخرجت أول مجلة حائط إسلامية حتى لقيني وأحسن ضيافتي وتعهدني بالصحبة إلى محاضرات الشيخ محمد الغزالي بجامعة القاهرة.

ثالثا: صراع الديكة بين الشيوعيين والرأسماليين:

في بداية السبعينات بدأ توجه السادات نحو الغرب عامة وأمريكا خاصة، وتخاصم مع الروس وطردهم من مصر، ولم يكن ذلك إلا مقدمة للارتماء في أحضان أمريكا، وهذا ما تم بعد ذلك في اتفاقية السادات، بيجن المسماة (بكامب ديفيد) المشئومة؛
وليس هذا مجال الحديث عنها، ولكن ترتب على هذا التوجه غضب الشيوعيين على السادات، في مهب الريح، ولجأ إلى اللعبة السياسية المعروفة بضرب الاتجاهات السياسية بعضها ببعض، فأغمض عينه عن التيار الإسلامي المتنامي ليسود بالجامعة ويحل محل الشيوعيين؛
وما زلت أذكر وأنا طالب بالجامعة في بداية السبعينات معسكراتنا الإسلامية التي كانت تعقد بالمدينة الجامعية وباشتراك رمزي، وكان يأتينا مندوب من وزارة الشباب يوزع علينا الجوائز في نهاية المخيم، كما كانت تصاريح المحاضرات والندوات غاية في السهولة واليسر من قبل القائمين على إدارة الجامعة في ذلك الوقت؛
وقد ساهم ذلك كله في الإسراع والتعجيل بسيادة الإسلاميين في الجامعات أثناء فترة السبعينات، كما أنني أذكر أن مطبعة جامعة عين شمس المركزية طبعت لي شخصيا كتيبا عن الحجاب الإسلامي وآخر عن قواعد تجويد القرآن الكريم بموافقة من إدارة كلية العلوم.
ولكن ... هل تم ذلك دفعة واحدة، أم صار في مراحل وخطوات.كما أوضحت سابقا، تم ذلك محكوما بسنة التدرج ومصانا بخطوات ثابتة مما أعطاه صفة الشباب والدوام إلى يومنا هذا، ويمكننا أن نلخص خطوات الحركة الدعوية الإسلامية بالجامعات على النحول التالي:
  1. مرحلة (القطاع الديني) في معسكر النشاط الصيفي العام.
  2. مرحلة (اللجنة الدينية) المنبثقة من اللجنة الثقافية باتحاد الطلاب.
  3. مرحلة (الجماعات الدينية).
  4. مرحلة (الجماعات الإسلامية) – (19731977).
  5. مرحلة استلام اتحادات الطلاب وتأكيد الثقة في الإسلاميين (19771979).
  6. مرحلة انقلاب السلطة وتحرشها بالإسلاميين.
  7. مرحلة الصدام والمواجهة.

وفيما يلي نلقي الضوء على تلك المراحل:

(1) مرحلة القطاع الديني في معسكر النشاط الصيفي:

كان المعسكر الصيفي من الوسائل المتبعة لحشد الشباب حول الفكر الحكومي، وفي كل إجازة صيفية يعقد هذا المعسكر ويقسم فيه الطلاب إلى قطاعات منها القطاع الديني إلى جانب القطاع الرياضي والقطاع الفني والقطاع الثقافي والقطاع السياسي ... إلخ.
ووسط هذا الحشد الطلابي المتنوع كان القطاع الديني في عام 1970/ 1971 يمثل موطن السخرية من ناحية الشكل والمضمون ...
ففي جامعة عين شمس حيث تخرجت كان المسئول عن القطاع الديني فتاة طالبة بكلية البنات!! تدعى صفاء نقف خلفها كل صباح في الطابور وكانت تتمايل أمامنا في الحركات الرياضية، في هذه المرحلة السنية الخطيرة، ودعك من تفاصيل أخرى حول القطاع الديني وطريقة معاملته بين القطاعات وما يطلق عيه من نكات وتهكمات، لقد كانت حقا تجربة قاسية على نفوسنا نحن القلة المتدينة التي قدمت إلى المعسكر منخدعة بالاسم (القطاع الديني).
وأما المعسكر فكان صورة للحياة الجامعية في ذلك الوقت فهو معسكر مشترك ومختلط بين فتيات وفتيان الجامعة، يمضون يومهم في البرامج وهم مشغولون عنها، فإذا جاء العصر حيث تنتهي فترات البرامج يجلس الجميع في الحديقة الواسعة على شكل شلل ومجموعات من البنين والبنات يتمازحون باللسان والأيادي والأرجل حتى ساعة متأخرة من الليل فيتوجهون كل إلى حجرته البنين في مبنى والبنات في المبنى الآخر.
وأما المادة الدينية التي كانت تقدم في معسكر القطاع الديني فكانت اجتهادات الطلبة المشتركين لبعضهم ومطالعاتهم الخاصة ... يتحاورون حولها في خيمة خاصة أعدت لهم ... وأذكر أننا كنا نتصارح معا في هذه الخيمة الخاصة ونبدي استياءنا عن الحالة العامة للمعسكر، وأذكر في هذه المرحلة أيضا أن شابا من كلية الطب هو الزميل عبد العزيز سويلم ..
كان يتسلل إلى خيمتنا بعد العصر من كل يوم ويعلمنا قراءة القرآن وتجويده وكنا نتشرب المعلومات بسرعة بالغة حتى خرجنا بعد عشرة أيام ومعظمنا يجيد التلاوة بدرجة عالية، وأحسب أن هذه كانت أكبر الفوائد التي تحققت لي شخصيا.ومن الفوائد الهامة أيضا، أننا تعارفنا وتعاهدنا على أن تدوم صلتنا على طول العام المقبل.

وعموما تميزت هذه المرحلة بما يلي:

  1. قلة أعداد المتدينين إلى حد الندرة.
  2. لا توجد فتاة واحدة تغطي شعرها ولا شاب ملتح.
  3. لا توجد مطبوعات إسلامية ولا محاضرات إسلامية.
  4. الصلاة لمن أراد ولم يشر إليها برنامج المعسكر.
  5. قيادات المعسكر وإدارته من اليساريين أو الناصريين مع صعوبة التفريق بينهما.
  6. العلاقات السائدة بين الأعضاء من الجنسين تحكمها تصورات ومبادئ غربية أو شيوعية.
وكانت حالة الجامعة مطابقة تماما للتوصيف السابق على طول فترة العام الجامعي.

ثانيا: مرحلة النشاط الديني المنبثق من اللجنة الثقافية (1972):

كانت الاتحادات الطلابية مثلها كالاتحادات العمالية والنقابية تمثل مرتعا خصبا لممارسة عملية تطويع الأفكار للسياسة العامة التي تهدف إليها الأجهزة الحاكمة حتى صار شكل الجامعة العام كأنها جامعة في موسكو أو واشنطن، ولم يكن غريبا أن ترى تحت كل شجرة من أشجار الجامعة طالبا وطالبة قد تعانقا وإلى جوارهما آخران قد جلسا ممددين يتداعبان بالأيدي والأرج؛
والويل لمن يحاول مجرد الاعتراض حيث يواجه بعبارات الاستهزاء ويوصف بأنه متخلف أو رجعي أو متزمت أو فلاح أو إلى آخر قائمة الألفاظ المحفوظة، فإن توجه إلى مسئول بالجامعة كانت الإجابة المشهورة: وأنت مالك؟ أي ما شأنك بهم؟

ولم تنجح الحكومة المصرية في مواجهة المد الشيوعي في الجامعة وانطبق عليها المثل القائل (سمن كلبك يأكلك) فعندما حاول الرئيس المصري أن يوجد لنفسه قاعدة شعبية تسانده أبت عليه الجامعة وما سمي بعد ذلك مراكز القوى، وكانت هذه القاعدة الطلابية تبعا لها ومن هنا جندت هذه المراكز التابعين لها ليقوموا بحملة مضادة لسياسة الرئيس الجديد؛

وفجأة امتلاك حوائط الجامعات خاصة القاهرة وعين شمس بمجلات حائط تسخر من الرئيس المصري السادات ومن سياسته، ورسمت له صورا كاريكاتيرية من أقبح الأوضاع وكذلك زوجته مما أشعل في صدره نار الانتقام.
أسست الحكومة خطتها في مقاومة هذا الاتجاه على أساس ضربه باتجاه آخر، ولعله من المعلوم لدى أجهزة الأمن والمسئولين في الإعلام والثقافة والتربية والأخلاق أنه لا يقضي على الشيوعية وما شابهها إلا الإسلاميين وإنفاذا لهذا المخطط وليس لأية دوافع أخرى اتخذت الحكومة عدة خطوات كان أهمها:
  1. اتصال الحكومة سرا بالقلة المتدينة من الطلاب ومثل الدولة في هذه الاتصالات على ما أذكر أ. د. أحمد كمال أبو المجد أ. د. صوفي أبو طالب وأ. د. رفعت المحجوب.
  2. رفع شعارات إسلامية والإعلان عنها والدعاية لها بأكبر قدر ممكن في أجهزة الإعلام ومن أشهر هذه الشعارات "دولة العلم والإيمان".
  3. الإفراج عن معتقلي الإخوان المسلمين.
  4. السماح لبعض علماء الإسلام بدخول الجامعة لإلقاء المحاضرات وأذكر من هؤلاء الشيخ محمد الغزالي السقا والشيخ سيد سابق والشيخ إبراهيم عزت، ود. حامد حسين من علماء الأزهر، وترتب على ذلك تنشيط حقيقي للدعوة الإسلامية في الجامعات المصرية بدت مظاهره في المجلات الإسلامية وفي الدعاية الصريحة للعودة للإسلام وإعلان ذلك في المحاضرات العامة واللقاءات الخاصة مع الطلاب وخلال عام 1973 اتسع النشاط الإسلامي ليشمل النواحي التالية:
  1. عقد حلقات تعليمية بالمسجد لتعليم قراءة القرآن ولعل أول ما طبع بالجامعة في هذا المجال هي مذكرة علم التجويد.
  2. التفكير في إيجاد شكل منظم لإدارة العمل الإسلامي فوجد ما يسمى بمسئول حلقة التجويد ومسئول المسجد ومسئول الطالبات ومسئول الإعلام لعمل مجلات الحائط ... إلخ.
  3. المطالبة بأن تكون لنا كإسلاميين حصة مالية في ميزانية الاتحاد وكانت في جامعتي عين شمس على ما أذكر 75 جنيها في العام للإنفاق على النشاط الديني.
  4. عمل قسم خاص بالمسجد كمصلى للطالبات.
بتصاعد النشاط الإسلامي والذي كان ينمو ويزداد بسرعة ملحوظة كان لا بد من الصدام مع الاتجاهات العلمانية سواء كان ليبرالية أو شيوعية، ولكن نصيحة الكبار كانت تؤكد أن الصراع بين الإسلاميين وخصومهم لا بد أن يستمر في خط الدعوة والبيان وأنه من الخطأ تحويله إلى مشاجرات، حققنا بعض التقدم في خط سير الدعوة كان من أهم مظاهره أن بعض الطالبات قد تجرأت وحضرت إلى الجامعة وعلى رأسها غطاء يخفي شعرها وبعضهن بدأن يخفين سيقانهن بارتداء البنطلون أسفل ما يسمونه بالجونلة، ولكن لم يكن هناك ما يسمى بالزي الإسلامي المعروف لدينا الآن.
أما من ناحية الوضع الرسمي للمتدينين فكانت الاتحادات ما تزال تسيطر عليها غيرهم وكذلك النشاطات الكبيرة كالمعسكرات والرحلات والندوات وحفلات التكريم للمتفوقين والأسر الثقافية الخاصة، ولكن هجومهم على الدين والمتدينين بدأ يتراجع شيئا ما.
وفي آخر العام الدراسي ينصرف كل منا إلى بيته ولم يكن هناك أي تفكير في أن نلتقي لممارسة العمل الإسلامي أثناء الأجازة الصيفية.

ثالثا: مرحلة الجماعة الدينية:

لم يستغرق هذه المرحلة طويلا، كان عمرها حوالي ستة شهور بداية من عام 1973 ولم تكن سوى مرحلة انتقالية من مراحل العمل الخائف المتوجس الذي لا يشعر قوته الذاتية إلى مرحلة العمل الصريح للإسلام ومعاداة غيره والجهر بذلك.
وتبلور ذلك في جمع المسئولين عن الأنشطة الإسلامية بالمسجد تحت مسئول واحد أطلق عليه اسم الأمير وسمي هذا التكوين بالجماعة الدينية التي سرعان ما غيرت اسمها إلى الجماعة الإسلامية
وذلك لأسباب:
أولا: أن الحركة التبشيرية في هذا الوقت كانت قد تصاعدت وذلك بتولي الباب شنودة رئاسة الأقباط في مصر، ووقعت أحداث الخانكة المشهورة والتي جرت على أثرها معركة بين المسلمين والنصارى.
ثانيا: أن أجهزة الإعلام كانت ما تزال تضرب على وتر أن الأديان كلها صحيحة وأن ما عليه النصارى أو اليهود يسمى دينا وله وجه من الصحة بينما الشباب الإسلامي يعتقد أن الدين عند الله الإسلام.
ثالثا: رغبة الشبيبة الإسلامية أن تعود الأمة لاسمها الذي أراده الله لها (هو سماكم المسلمين من قبل).من أجل ذلك لم يكتب لاسم الجماعة الدينية أن يستمر طويلا فتغير بعد ستة أشهر تقريبا إلى "الجماعة الإسلامية" ذلك الاسم الذي دارت حوله الأحداث بعد ذلك.
رابعا: مرحلة الجماعة الإسلامية: أو سمها إن شئت مرحلة المعسكرات الإسلامية ويصح أيضا أن تطلق عليها اسم مرحلة الترشيد في العمل الإسلامي وتقع أحداث هذه المرحلة منذ عام 1973 وحتى 1977.
فلم تكد تمر شهور ثلاثة منذ بداية عام 1973 حتى صار اسم الجماعة الإسلامية هو الاسم المقبول لدى جميع المتدينين بالجامعات المصرية وكأننا كنا على موعد ولم تمانع أية كلية أو أية جامعة في أن تضع لنفسها هذا الاسم (الجماعة الإسلامية بكلية ....).
وفي البداية كانت الجماعات الإسلامية بكليات الجامعة منفصلة تماما عن بعضها البعض، بل لم تكن موجودة في بعض الكليات وآخر الكليات إقامة للجماعة الإسلامية عادة كليتي الآداب والحقوق ومعاهد اللغات الأجنبية، وذلك يرجع لطبيعة الدراسة وكذلك التكوين النفسي والتربوي لطلاب هذه الكليات والمعاهد، وأسبق الكليات كانت الطب والهندسة والعلوم.
وقبل نهاية العام الدراسي بشهر تقريبا بدأ التفكير الجاد في أن يكون للجماعة الإسلامية معسكر منفصل عن الأنشطة الفنية والرياضية وما شابه ذلك.
والمعسكر الإسلامي يبدأ الإعداد له بطلب يقدم من أحد أمراء الجماعة الإسلامية للسيد مدير الجامعة يطلب فيه السماح بإقامة المعسكر في أرض المدينة الجامعية وباستخدام حجراتها وصالات الطعام بها مع تكلفة مبدئية للدعم المالي المطلوب صرفه من الجامعة يسلم إلى إدارة المدينة الجامعية، وفي العادة كان يرفق بالطلب البرنامج اليومي للمعسكر والمحاضرين وكذلك قائمة بالمسئولين من الطلبة، وكان يختار أستاذ من أعضاء هيئة التدريس كمشرف عام على المعسكر.
ولم يحدث مرة أن اعترضت إدارة الجامعة على إقامة المعسكرات التي كان يحضرها من (500 – 800) طالب في المتوسط ولمدة عشرة أيام.أما أسباب موافقة الجامعات على إقامة هذه المعسكرات فكانت كثيرة منها السياسي ومنها الأمني ومنها الاجتماعي.

فمن الناحية السياسية:

كانت الاتجاهات المعادية لحكومة السادات ممثلة في الناصريين ما تزال لها نوع من القوة والسطوة في الجامعات، وكان يعقد في جامعة عين شمس ما يسمى المؤتمر الناصري العام الدولي الذي يجمع ممثلين للناصريين من البلاد العربية الأخرى كل عدة أعوام وكانت حاجة الحكومة المصرية ماسة لدفع النشاط الإسلامي حتى تكون له قوة حقيقية تقف في وجه هذا التيار.
ومن ناحية أخرى كانت التحضير قائما على أشده لحرب أكتوبر 1973، ولم تجد الحكومة المصرية وسيلة للتعبئة العامة أفضل ولا أيسر من إذكاء الروح الإسلامية في الجنود والشعب، فلم يكن مقبولا مقاومة الحركة الإسلامية بالجامعات بينما أجهزة الإعلام تدعو لأخذ الثأر وإعادة الأرض المغصوبة.

ومن الناحية الأمنية:

فإن أجهزة الأمن تدرك دائما أن النشاط العلني يمنع تواجد الأنشطة السرية كأمر طبيعي، ولذلك يسهل عليها متابعة هذه الأنشطة العلنية ورصد نموها وحركتها مما يسهل التعامل معها في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب.
أما الطرف الآخر وهو الشعب فكان إقباله جارفا نحو الإسلام ودعاته خاصة بعد هزيمة يونيو 1967، وكانت المؤشرات كلها تشير إلى أن الأمة أصبحت تفكر بجدية في بديل للتجارب الفاشلة التي مرت عليها منذ داهمتنا حكومات العساكر سواء كانوا غربيين أو شرقيين.
لكل ما سبق من ظروف فإن إدارة الجامعة تركت الحبل على الغارب للجماعات الإسلامية، ولكن هذا لم يكن يعني أنها تركت الحبل من يدها خاصة وأن إدارة الجامعة نفسها كالعادة تكون مربوطة بحبل آخر تمسك به السلطات الحاكمة، وكلهم مربوط بحبل غليظ تمسك به القوة العظمى التي تحكم العالم.
وهكذا بدأت مرحلة المعسكرات الإسلامية وسط هذه الظروف البالغة التعقيد، وإثباتا للحقيقة فقد كان الشباب الإسلامي لا يهتم بالتحليل السياسي للأوضاع التي يعمل في ظلها ولم نكن نفكر في غير التدين والعمل بالإسلام كما نعي ونفهم.
ومرحلة المعسكرات الإسلامية التي نحن بصدد الحديث عنها أخذت أهميتها وتسميتها من خلال الإنجازات الكثيرة التي كانت تتحقق أثناء المعسكرات.ففي المعسكر الصيفي ينضم إلى النشاط الإسلامي بالجامعة أكبر عدد من الطلاب الذين تعرف أقدامهم طريق العمل الإسلامي لأول مرة.
وفي المعسكر الإسلامي المجال الخصب لتعارف الشاب المتدين بأقرانه تعارفا كاملا من خلال المعايشة اليومية الكاملة ومدارسة ما تيسر من الأحكام الإسلامية المتعلقة بقضايا المجتمع الداخلي والعالمي. والمعسكرات الإسلامية الصيفية كانت الفرصة للتحضير خطة العمل الإسلامي أثناء العام الدراسي القادم مع دراسة ما تم إنجازه في العام السابق وتلافي الأخطاء التنفيذية.

وكانت عملية التحضير هذه تتناول:

  1. الموضوعات الهامة على أساس المشكلات الفكرية التي تعرض للشباب.
  2. المحاضرين الذين سيتناولون هذه الموضوعات.
  3. المطبوعات التي تصدر.
  4. وقد انتشرت المعسكرات الإسلامية في جميع الكليات والجامعات المصرية حتى أصبحت أهم سمة لهذه المرحلة.
  1. ففي عام 1973 عقد المعسكر الإسلامي الأول لجامعات القاهرة وعين شمس.
  2. وفي عام 1974 عقد المعسكر الإسلامي الثاني لجامعات القاهرة وعين شمس والأول بالنسبة لجامعة الأزهر.
  3. وفي عام 1975 عقد المعسكر الإسلامي الثالث لجامعات القاهرة وعين شمس والثاني بالنسبة للأزهر والأول بالنسبة لجامعات المنصورة والزقازيق وطنطا.
  4. وفي عام 1976 عقد المعسكر الإسلامي الرابع لجامعات القاهرة وعين شمس والثالث بالنسبة للأزهر والأول بالنسبة لجامعات المنصورة والزقازيق وطنطا والأول بالنسبة لجامعة المنيا وأسيوط والإسكندرية.
  5. وفي عام 1977 كانت كل الجامعات المصرية قد بلغتها المعسكرات الصيفية الإسلامية وأصبحت تقليدا متبعا عند الجميع.

وفي العادة كان يسبق المعسكر العام بكل جامعة معسكرات مصغرة بكل كلية من كليات الجامعة كعملية تنشيطية استعدادا للمعسكر العام للجامعة الذي يمثل فيه عدد من طلاب الكليات الذين حضروا المعسكر الخاص بالكلية.والمعسكرات الإسلامية يمكننا أن نسميها معسكرات تعريف بالإسلام وتربية الأفراد على ذلك

ومن خلال البرنامج اليومي للمعسكر يمكنك أن تتبين ذلك بوضوح:

نموذج للبرنامج اليومي للمعسكر الإسلامي:

الذي يتكرر في جميع المعسكرات:

  1. 3.00 ص استيقاظ وتهجد
  2. 4.00 ص أذان الفجر
  3. 4.20 ص صلاة الفجر
  4. 4.50 ص أذكار الصباح
  5. 6.10 ص الاستعداد لطابور الرياضة.
  6. 6.30 ص طابور الرياضة.
  7. 7.30 ص الاستعداد للإفطار.
  8. 8.00 ص الإفطار
  9. 9.00 ص فترة حرة للقراءة.
  10. 10.00 ص محاضرة الصباح.
  11. 12 ظ صلاة الظهر.
  12. 12.45 ظ نوم وراحة.
  13. 2.30 ظ استيقاظ للغذاء
  14. 3.00 م صلاة العصر.
  15. 4.30 محاضرة المساء.
  16. 6.00 أذكار المساء.
  17. 7.00 م صلاة المغرب.
  18. 7.30م العشاء.
  19. 8.00 م صلاة العشاء.
  20. 8.30 م جلسات اللجان.
  21. 9.30 م النوم والراحة.

وكانت نتائج هذه المرحلة (19731977) كما يلي:

  1. أصبح الزي الإسلامي للطالبات هو السمة المميزة والجديدة للجامعات المصرية.
  2. انتشر الكتاب الإسلامي بالجامعات خاصة في أوساط الشباب عامة بما يجعه الكتاب الأول من ناحية الموضوعات والتوزيع والجودة في الإخراج والطباعة.
  3. أصبحت المحاضرات الإسلامية والدروس التربوية سمة من سمات الجامعة المصرية مما أثر كثيرا في تحسين أخلاق الطلاب وإشاعة الفضيلة بينهم وتنويرهم سياسيا واجتماعيا.
  4. برزت قيادات إسلامية من بين الشباب كان لها أثرها الملموس في توجيه الحركة الطلابية.
  5. تكون بالجامعات المصرية وكذلك الأوساط الطلابية رأي إسلامي عام.
وقد يسأل القارئ نفسه: كيف انتظرت الحكومة هذا الوقت الذي بلغ أربعة سنين دون مقاومة الحركة الإسلامية؟
وأجيب عليك فأقول:
أولا: هذه الإنجازات كانت تتم في هدوء بالغ وحذر شديد كما أنها كانت كلها مشغولة بداخل الحركة الإسلامية نفسها ولم تصدر أي نشرات تهاجم السياسيين أو تكدر الأمن العام.
ثانيا: أن الحكومات كانت مشغولة بنفسها وبصراعاتها الشخصية بين الناصريين واليساريين والساداتيين.
ثالثا: قبل ك ذلك وبعده إرادة الله الذي يقول للشيء كن فيكون.
رابعا: مرحلة استلام الاتحادات الطلابية (19771979)
إنها مرحلة الدخول في المناطق المحرمة ... إنها مرحة الوصول الإسلامي إلى منطقة السلطان والإدارة ولو على هذا المستوى الصغير مستوى إدارة اتحاد طلاب أو جامعة .. والوصول الإسلامي إلى مراكز التوجيه ... يعني إضاءة النور الأحمر في مكاتب المسئولين عن الإدارات الحكومية في الداخل والخارج على حد سواء.
وهذه المرحلة في حياة الجماعات الإسلامية جاءت نتيجة حتمية للمجهود المبذول في السنوات السابقة والتي أوضحت لجمهور الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المبادئ الآتية:
  1. أن الجماعة الإسلامية تجمع الشباب الجاد في تدينه والصادق في دعوى الإسلام عقيدة وأخلاقا.
  2. أن أفراد هذه الجماعات قادرون على إدارة شئونهم بكفاءة أفضل من أقرانهم من أصحاب الانتماءات الحزبية الأخرى.
بهذه الخلفية لدى الرأي العام تقدمت الجماعات الإسلامية بأفراد منها في انتخابات الاتحادات الطلابية ... وكانت المفاجأة ... الجماعات الإسلامية تفوز بمرشحيها على جميع الاتجاهات الحزبية أو الفكرية .. بما فيها حزب الحكومة مع وفرة إمكانياته وضراوة حملته والتي استخدم فيها التهديد المسلح وخطف أفراد من الجماعة الإسلامية بطريقة سينمائية وتكرر ذلك على مستوى الجامعة والاتحاد العام لاتحاد طلاب الجمهورية ... وانتهت العملية الانتخابية بقائمة من الإسلاميين يشكلون رؤساء الاتحادات الطلابية للجامعات المصرية.

أما تشكيل مكتب الاتحاد العام لطلاب الجمهورية فكان أكثر وضوحا وتعبيرا على نمو الحركة الإسلامية:

  1. رئيس الاتحاد العام لطلاب الجمهورية: محمود طلعت جلال الدكش مستقل ومتعاطف مع الجماعات الإسلامية وهو مرشح الجماعات الإسلامية الذي اختاروه لتخفيف الصدمة على الحكومة إلى حد ما ويعمل اليوم طبيبا بوزارة الصحة.
  2. النائب الأول لرئيس الاتحاد للشئون العربية: أبو العلا ماضي أبو العلا جماعة إسلامية، وهو اليوم وكيل المؤسسين لحزب الوسط ومن رواد الحركة السياسية بمصر.
  3. النائب الثاني لرئيس الاتحاد للشئون الخارجية: محمد جلال قنديل مستقل ومتعاطف مع الجماعة الإسلامية.
  4. النائب الثالث لرئيس الاتحاد للشئون الداخلية: عادل أسعد الخياط جماعة إسلامية، ويعمل اليوم مهندسا مدنيا بسوهاج.
  5. النائب الرابع لرئيس الاتحاد لشئون الإعلام والنشر: محسن عبد الفتاح الشرقاوي جماعة إسلامية، ويعمل اليوم بتجارة الأجهزة الكهربية بالمنصورة حسب علمي.

خامسا: مرحلة الردة الديمقراطية والتحرش بالطلاب:

رغم أن الجهود الضخمة التي بذلتها الحكومة عن طريق عناصرها في الإدارة الجامعية وكذلك الأمن والتي تمثلت في تهديد المرشحين الإسلاميين وشطب عدد كبير منهم الأسباب مختلفة وكذلك تزوير الانتخابات لصالح المرشحين من الحزب الحاكم في بعض الكليات والدعاية الضخمة لهم، رغم كل ذلك كانت النتيجة تقول بصراحة كاملة إن طلاب الجامعات المصرية قبلوا قيادة الإسلاميين لهم، وبالطبع كانت هذه النتيجة مزعجة لكل الأوساط المعادية في الداخل والخارج ومن هنا بدأ التفكير الجاد في استخدام طريق آخر وأساليب جديدة للتعامل مع الجماعات الإسلامية.
وقد جرت الأحداث بعد ذلك في طريق دام وعنيف وأعلنت الحكومة حربها الشعواء على الطلاب عموما وجاءت إلى الجامعات بخيلها وخيلائها وأعلنت حالة الطوارئ القصوى في صفوفي "بلوكات" الأمن وقطعت آلاف الأشجار لتصنيع منها العصي الغليظة التي هي سمة المرحلة القادمة وأرسلت أمريكا عشرات الأطنان من القنابل المسيلة للدموع ذات التركيبات السامة (السيانيد).
أما التدريبات الحديثة لأفراد الأمن المركزي فكانت تتم على أساس تقسيم الجنود إلى قسمين: قسم يرتدي الملابس المدنية ويرفع شعارات إسلامية ويهتف بأعلى صوته "لا إله إلا الله"، "حسبنا الله ونعم الوكيل" والقسم الثاني يهجم عليه بالعصي الغليظة ويشبعه ضربا بالعصي والنعال والركل حتى تتفرق جماعتهم ... ثم يتبادلا المواقع مرة ثانية، وفي هذا إشارة كافية للاتجاهات الحكومية في المرحلة القادمة.
ومنذ اليوم الأول رفضت الجهات المباحثية تسليم مكتب الاتحاد العام لرئيس الاتحاد الجديد الذي انتخبه الطلاب وأغلق مكتب الاتحاد وجلس على بابه المخبرون في حالة استعداد لضرب أي لحية تقترب من باب الاتحاد، وقد ظل الاتحاد العام يمارس عمله من خلال المكاتب الفرعية بالجامعات ولمدة ستة أشهر كاملة بعد تشكيله.
ولم تصرف ميزانية الاتحاد المقررة لها كالعادة فكانت أنشطته تقوم على تبرعات الطلاب أو حصيلة مصروفاتهم .. كما أن الميزانية المخصصة للاتحاد من المجلس الأعلى للشباب والرياضة قد ألغيت تماما.
وفي شهر يونيو 1979 صدر أغرب قرار جمهوري في حياة الجامعات المصرية بإلغاء الاتحادات الطلابية كلية وإعادة تكوينها بتشكيل جديد يحول دون أن تكون كلمة الطلاب للطلاب ...
وقد أصدر المكتب التنفيذي لاتحاد طلاب مصر مذكرة حول هذه القضية بعث بها إلى رئيس المجلس الأعلى للجامعات، أعرب فيها عن أمله في إعادة النظر في هذه اللائحة الجديدة وما تضمنته من قيود على الحركة الطلابية ...
ونحن ننقل هنا، نص المذكرة، لما لها من أهمية كبرى في إيضاح خطورة هذه اللائحة من ناحية، ومن ناحية أخرى، إيضاح الصورة الهادئة الواعية التي كانت تتعامل بها الجماعات الإسلامية مع الإدارة.

نص المذكرة:

السيد الأستاذ الدكتور رئيس المجلس الأعلى للجامعات.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ،،،
فقد فوجئت اتحادات طلاب الجمهورية المنتخبة شرعيا من القاعدة الطلابية، وفقا للقواعد المقررة قانونا، خلال العطلة الجامعية، بتجميد أموالها وإغلاق مقارها، وحظر اجتماعاتها بالطريق الإداري استنادا إلى قرار صدر من رئيس الجمهورية في التاسع عشر من يونيو 1979 برقم 265 بإلغاء لائحة اتحاد طلاب جمهورية مصر العربية، الصادر بالقرار الجمهوري رقم 235 لسنة 1976م.
(1) ولما كانت المادة 56 من الدستور تقضي بأن (إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية) فإن القانون يعتبر هو الأداة التشريعية التي تنظم بمقتضاه الاتحادات، وأن استخدام أية أداة تشريعية أخرى كقرار يصدر من رئيس الجمهورية أو من الوزير المختص يعتبر عملا غير دستوري ... ولا يعتد بما يقال من أن الاتحادات كانت منظمة من قبل بلائحة صادرة بقرار من رئيس الجمهورية؛
إذ أنه لم يكن هنالك محل للطعن في تلك اللائحة لعدم مخالفتها للأسس الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور، سواء بقصر إنشائها على مستويات تنظيمية محددة أو تقييد نطاق نشاطها أو بتحديد قواعد تشكيلها بما يفقدها الصفة الطلابية، كما فعل قرار رئيس الجمهورية الأخير رقم 165 لسنة 1979 وهذه المآخذ التي شابت القرار المذكور هي التي اشترط الدستور من أجل تفاديها، وحماية حق إنشاء النقابات والاتحادات منها، أن تكون الأداة التشريعية المنظمة لهذه المنظمات هي القانون، وإعمالا لحكم المادة 56 المذكورة من الدستور، فإن جميع النقابات المهنية القائمة والنقابات العمالية واتحاداتها، واتحاد الغرف التجارية، والاتحادات التعاونية منظمة بقوانين.
(2) إننا نخشى أن يكون الدافع إلى إصدار القرار الجمهوري رقم 265 لسنة 1979، هو وجه من اتهامات، وجهتها إدارات المباحث العامة إلى الجماعات الإسلامية التي ينتمي إليها الكثيرون من أعضاء الاتحادات الطلابية عن مسئوليتها عن بعض حوادث فردية أو ردود انفعالية إذا صح وقوعها بالصورة المعروضة ودون بيان لملابساتها لا تقرها الاتحادات الطلابية، وهي شخصيات اعتبارية لها مجالس تنطبق باسمها وفقا لنص الدستور، ولا توافق عليها الجماعات الإسلامية نفسها، كما أعلنت في رسالة مطبوعة تعليقا على ما جاء بالخطاب المشار إليه، وذكرت فيها بوضوح أنها ترفض كل أشكال العنف والعمل السري، وتتصدى للأفكار المتطرفة أو المنحرفة.
(3) قصر التنظيم الجديد لاتحادات طلاب الجامعات على مستوى واحد، وهو اتحاد طلاب الكلية أو المعهد من الطلاب النظاميين بقسم البكالوريوس أو الليسانس وينبني على ذلك:
(أ) استبعاد طلاب الدراسات العليا من اتحاد الكلية أو المعهد في حين أن هذه الخبرة الطلابية وهذا المستوى الدراسي الأعلى يحققان نفعا مؤكدا للعمل داخل الاتحادات الطلابية.
(ب) إلغاء الاتحادات بالكليات والمعاهد التي تشملها الجامعة الواحدة وحل حلها جهاز إداري على مستوى الجامعة، أطلق عليه اسم "مجلس تنسيق الأنشطة الطلابية" وهو ما يؤدي إلى فقدان الجامعة الواحدة، مما يتعارض مع التسمية المتعارف عليها للجامعة بوصفها تجمع بين أصحاب الدراسات العلمية المتنوعة، في إطار واحد.
(ت) اختفاء الاتحاد العام لطلاب الجمهورية كقمة للحركة الطلابية في مصر والممثل الشرعي لطلابها في تنظيم الأنشطة المختلفة بين اتحادات الجامعات أو الاتصال بالمنظمات الطلابية المناظرة في الأخرى، وهو ما يضر بسمعة مصر أمام سائر دول العالم ذات الاتحادات والتنظيمات الطلابية.
(ث) إلغاء اتحاد الدارسين أبناء مصر خارج الوطن، وهو التنظيم الذي كان موجودا في ظل اللائحة الطلابية الملغاة، الأمر الذي يفقد الطلاب المصريون في خارج البلاد الصلة التي تجمعهم، مما يسهل التأثير على بعضهم واستقطابهم في تجمعات أخرى.
(4) كما نص القرار الجمهوري رقم 265 لسنة 1979 على تشكيل مجالس اتحادات الطلاب ذات المستوى الوحيد المسموح به داخل الكلية أو المعهد من العميد أو من ينيبه من أعضاء هيئة التدريس رائدا يرأس مجلس الاتحاد، ومن أحد عشر عضوا بنفس الصلاحيات في الحضور والتصويت ...
خمسة من أعضاء هيئة التدريس هم رواد اللجان الخمس المشار إليه (اللجان هي:الثقافية الفنية، لجنة الأسر، اللجنة الرياضية، لجنة الجوالة، اللجنة الاجتماعية والرحلات)، ورئيس جهاز رعاية الشباب بالكلية أو المعهد، كأمين لصندوق الاتحاد ... وهو ما يجعل عدد الطلاب في مجلس الاتحاد خمسة من اثني عشر، مما يفقد الاتحادات صفتها الطلابية.
(5) وقيد التنظيم الجديد نشاط الاتحادات الطلابية ذات المستوى الواحد، المنفصلة عن غيرها من الاتحادات على الوجه التالي:
(أ) حرمت هذه الاتحادات من أداء الخدمات الطلابية كطبع المذكرات الدراسية، ومنح الإعانات الاجتماعية، وعهد بها إلى صناديق التكافل الاجتماعي لطلاب الجامعات، المشكلة تشكيلا غير طلابي، في حين أن الاتحادات الطلابية قامت بنشاط واسع غير منكور النفع في مجال الخدمات الطلابية، وفي مقدمته طباعة الكتب العلمية وتوصيلها إلى الطلاب بثمن زهيد، مساهمة في حل مشكلة الكتاب الجامعي، ومشروع الزي المخفض للطالبات، ومشروع أتوبيسات الطالبات ومعسكرات العمل داخل الجامعة، ورحلات الحج والعمرة ومشروع الكتاب الإسلامي وندوات ومحاضرات عامة وإسلامية.
(ب) استبعد حل المشاكل الطلابية من اختصاص الاتحادات وعهد به إلى رواد مجاميع الطلاب داخل كل كلية ومعهد، وهم من أعضاء هيئة التدريس فيها ... ولا يوجد ما يمنع "بطبيعة الحال" من أن يتولى أعضاء هيئة التدريس الجامعية، معاونة الطلاب لحل مشاكلهم، بل هو ما يقتضيه دورهم كأساتذة وآباء، ولكن لا يقبل أن يؤدي ذلك إلى حرمان اتحادات الطلاب من الإسهام في حل مشاكل أعضائها من الطلاب.
(ت) حظر على اتحادات الطلاب أن يكون لها (نشاط فئوي أو سياسي أو عقائدي) وهو حظر غير مفهوم من ناحيتين.
فهل يتصور ألا يناقش طلاب الكلية أو المعهد، المستقبل المهني أو الفني أو العلمي لما يتخصصون فيه باعتباره نشاطا فئويا.وهل يعقل أن تمنع اتحادات الطلاب من ممارسة الأنشطة العقائدية بصفة عامة، بمعنى ألا تناقش في ندوات أو محاضرات الشئون الدينية، في الوقت الذي يطالب فيه بعض المسئولين بتدريس الدين في الجامعات؟
(6) إن إلغاء الاتحادات الطلابية المنتخبة شرعا، وفقا للقواعد المقررة من القاعدة الطلابية في أنحاء الجمهورية بقرار رئيس الجمهورية رقم 265 لسنة 1979 وليس بقانون كما نص عليه الدستور وإقامة تنظيم جديد لهذه الاتحادات يفتقر إلى الأسس القومية التي يتطلبها الدستور تقتضي منا بحكم الأمانة التي وضعتها القاعدة الطلابية على أكتافنا يوم أن منحتنا ثقتها لتمثيلهم ورعاية مصالحهم أن نتقدم إلى المجلس الأعلى للجامعات؛
وإلى مجالس الجامعات وإلى أعضاء هيئات التدريس فيها، بعرض وجهة نظرنا في القرار الجمهوري المذكور، طالبين المعاونة الجادة في إعادة النظر فيما تتضمنه من قضاء على الحركة الطلابية وإضعاف لفاعلية اتحادات الطلبة وإفقادها لصفتها التمثيلية مما يتعارض مع التصريحات بتعميق الجامعية، لتجعلها مسئولة مسئولية تاريخية عن تحقيق هذا الطلب ...
وإن ثقتنا في أستاذتنا تجعلنا نؤمن بأنهم لن يترددوا لحظة في الوقوف موقف المدافع عن الكيان الطلابي الديمقراطي داخل الجامعات، حفاظا على التقاليد، وصونا للقاعدة الطلابية من الالتجاء إلى العمل السري ... الأمر الذي يضر بهم، ولا يتفق مع الصالح العام ..
ونرجو لكل ذلك التفضل بعرض هذه المذكرة على المجلس الأعلى للجامعات، حيث إن القرار الجمهوري رقم 265 لسنة 1979 المعترض عليه صدر دون الاستماع إلى وجهة نظر الطلاب، لمخالفته للدستور، ولتعارضه مع الديمقراطية، ولانعكاسها الضار بالكيان الطلابي داخل الجامعات ...
وفقكم الله إلى ما فيه الخير للجامعات والصلاح لطلاب العلم ... المكتب التنفيذي لاتحاد طلاب مصر

وقد استطاع الاتحاد العام لطلاب الجمهورية أن ينظم العديد من المؤتمرات داخل الحرم الجامعي في مختلف الجامعات للتنديد باللائحة الجديدة، ومطالبة المسئولين علنا وفي برقيات مكتوبة بإلغائها والعودة إلى اللائحة القديمة، وكان موضوع اللائحة الطلابية هو جزء أساسي من كل مؤتمر أو ندوة طلابية، تتناول أي موضوع آخر؛
ولم تفلح كل تلك الجهود في أثناء القيادات السياسية والجامعية عن موقفهم المؤيد للائحة الجديدة، اللهم إلا في عام 1984، حيث حدثت بعض التعديلات الطفيفة، التي لا تغير من جوهر اللائحة شيئا ... وما زالت الحركة الطلابية في مصر تبذل جهودها من أجل المطالبة بإعداد لائحة طلابية حرة، ترضي الطلاب وتخرج من الجامعة.

مؤتمر الأزهر:

وكان المؤتمر الذي عقده اتحاد طلاب الجمهورية في جامعة الأزهر الشريف، وحضره أكثر من عشرة آلاف طالب وطالبة واحدا من المؤتمرات الهامة التي تناولت قضية اللائحة وقضايا أخرى وأعلنت فيها الجماعة الإسلامية، باعتبارها ممثلة لجموع الطلاب، رأيها في أكثر من قضية بوضوح، وأصدرت بيانا تحت عنوان "حقائق ... ومواقف" جاء فيه:
وسط هذه الظروف الحرجة التي تجتازها أمتنا وتمر بها الحركة الطلابية كان لا بد لنا من وقفة نحدد فيها معالم الطريق، ونضع النقاط على الحروف، ونذكر بحقائق يجب ألا تغيب عن الأذهان، ونعلن رأينا واضحا صريحا باسم جموع الطلاب الواعية:
أولا: إن الطريق الذي ارتضاه طلاب مصر هو الإسلام بشموله وكماله، نظرية سلوكا ... سياسة وحكما ... منهجا وطريقا، بل إنه الطريق الذي نرتضيه لأمتنا، ونرفض التقاط الفتات من فوق موائد الغرب تارة أو موائد الشرق تارة أخرى! ... بل ونرفض زيف الشعارات مهما كان بريقها، وخبث الكلمات مهما كان رنينها.
ثانيا: اتحاد طلاب مصر، وهو القناة الشرعية الممثلة لجموع الطلاب، يرفض الوصاية بكافة أشكالها، ويرفض الوصاة في كافة صورهم، سواء كانوا رواد لاتحادات الطلاب من داخل الجامعات أو من خارجها، بل نقول: "ارفعوا أيديكم عن طلاب مصر".
ثالثا: إننا نرفض رفضا قاطعا ما يجري الآن من تخطيط وتدبير من أجل تقييد الحركة الطلابية والحركة الإسلامية، أو التضييق عليهما سواء في صورة الحرس الجامعي أو "البوليس الجامعي" بل نعتبر ذلك ردة إلى عهود الكبت والإرهاب والظلم والطغيان، في الوقت الذي ترفع فيه شعارات الحرية والديمقراطية.
رابعا: إن اتحاد طلاب مصر لن يسمح بتشويه صورة الحركة الطلابية الإسلامية في جامعات مصر، والممثلة في الجماعات الإسلامية والتي أثبتت بحق نقاءها وإخلاصها ووعيها ووطنيتها، وهذا ما شهد به المسئولون في كافة مواقعهم.
خامسا: إن اتحاد طلاب مصر يرفض رفضا قاطعا التشكيك والاتهامات التي تكال جزافا لطلاب مصر، فطلاب مصر ليسوا "قصر" أو "لا ولاية لهم" أو "دون المسئولية" أو "لا وعي لهم" كما يتردد ويقال... هل كان لهم الولاية، وعلى مستوى المسئولية، يوم أن كانت ترفع الشعارات الزائفة، الفارغة المضمون؟! وهل أضحى الطلاب قصرا ولا ولاية لهم يوم أن رفضوا الزيف، واكتشفوا الحقيقة، وارتضوا الإسلام طريقا؟!
سادسا: إنه قد آن الأوان لتعرف جماهير الطلاب الواعي تاريخ الحركة الإسلامية في مصر قبل الثورة، والممثلة في الإخوان المسلمين، ودورهم الوطني الضخم والصادق والمخلص لا ينكره إلا حاقد أو جاهل أو جامد ... بل نقول إن ما قدمته الحركة الإسلامية من آلاف الشهداء على أرض فلسطين وضفاف القناة وصور البطولة النادرة، كانت سببا للتآمر الصهيوني الصليبي الشيوعي لضرب الإخوان المسلمين، والذي بات معلوما كل شباب مصر، فلننتبه قبل أن تمسح الحقائق ويزيف التاريخ مرة أخرى.
سابعا: إننا باسم طلاب مصر نستنكر أي أسلوب قد يمارس من أجل استعداء أساتذة الجامعات على أبنائهم الطلاب وطليعتهم الإسلامية، وإننا لنؤكد أن العلاقة بين الطلاب وأساتذة الجامعة هي علاقة الأبناء بآبائهم، ونحن ومعنا آباؤنا الأساتذة نربأ أن تتحول هذه العلاقة الشريفة الطاهرة إلى نوع من الوصاية أو الإرهاب أو الشك والريبة.
ثامنا: إننا نعلن أن هنالك حملة عالمية محمومة على الحركة الإسلامية في العالم أجمع، تمثلت في مئات المقالات والبرامج في الصحافة والإذاعات العالمية، وكلها تهدف إلى تصدير الشك والقلاقل واستعداء الحكام على الشعوب المسلمة في المنطقة بأسرها، وأن مصطلحات "التطرف الديني، والتستر وراء الدين" وغيرها قد صنعت في صحافة وإذاعات الغرب والمشرق، وبدأ تصديرها إلى صحافتنا، فلننتبه جميعا، ولتنتبه صحافتنا لهذا المخطط الآثم، الذي يريدها فتنة لا تخمد، ونارا لا تنطفئ.
تاسعا: إن موقف طلاب مصر من "حادثة التكفير والهجرة" كان واضحا غاية الوضوح، فك الشباب المسلم بجامعات مصر أعلن استنكاره لتلك الفعلة الشنعاء ... ولكن كما قال الإمام الراحل الشيخ عبد الحليم محمود: "إن صحت هذه الحادثة، فنحن لا نخطئ الفكر ونجرمه .. والفكر لا يرد عليه إلا بالفكر".
عاشرا: إننا من خلال بياننا هذا، ومن خلال مواقفنا الواضحة هذه، يحدونا أمل في أن تفهم وجهات نظرنا على وجهها الصحيح، ومن خلال اللقاءات المباشرة بممثلي الطلاب وكلنا بقلوب ملؤها الإيمان، وعقول ملؤها الحكمة نتوجه إلى رئيس الجمهورية بطلب لقاء قريب، حتى تتضح الصورة وتفهم المواقف على حقيقتها".
انتهى البيان ونلاحظ أن "اللهجة" قد تغيرت، بعد أن أدركت الجماعات الإسلامية أن المسئولين لم يحركوا ساكنا، وأنه لم يصدر منهم أي رد فعل إيجابي، للتفاهم حول مطالب الطلاب وقضاياهم.ونلاحظ أيضا إعلان الجماعة الإسلامية عن موقفها من حركة الإخوان المسلمين، وأنها تكن لها كل احترام.
وملاحظة ثالثة هامة وهي حرص الجماعة الإسلامية على توضيح موقفها من "حادثة التكفير والهجرة" والتي راح ضحيتها فضيلة الدكتور محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف الأسبق، وإدانتها للحادث في حالة ثبوت قيام عناصر التكفير به ...
والجدير بالإشارة أيضا أن الجماعات الإسلامية في مختلف الجامعات، قد أدركت خطورة المفاهيم والأفكار التي ينادي بها شكري أحمد مصطفى أمير جماعة المسلمين "جماعة التكفير والهجرة"، فوقفت بكل قوتها في وجه انتشار هذه الأفكار، واستعانت في ذلك بالكتب والعلماء لدرء هذا الخطر.
ملاحظة أخيرة على البيان الذي صدر عقب مؤتمر الأزهر الشريف، أن الذي أصدره هو الاتحاد العام لطلاب مصر الذي ألغته لائحة 1979، فقد ظل الاتحاد يحاول جاهدا أن يثبت وجوده، أملا في إعادة الشرعية القانونية له ... دون جدوى
وقد استغرقت هذه الفترة حوالي 18 شهرا كانت نتائجها كما يلي:
أولا: أضحت الجامعة إسلامية من ناحية الشكل العام والتيارات الفكرية، فمن ناحية الشكل العام أصبحت الفتاة المحجبة هي الظاهرة التي لا يخلو منها مدرج أو معمل أو ممر ولم يكن ذلك شكلا ظاهريا فقط ولكن أكده وجود المضمون الإسلامي لدى الغالبية من الطالبات، وكان ذلك واضحا كذلك في الأعداد الضخمة من الطلاب التي أعلنت انتماءها للجماعات الإسلامية بالشكل والمضمون، أما من ناحية التيارات الفكرية فلم يعد هناك صوت مسموع للناصرية أو الشيوعية أو الاتجاهات الحزبية الأخرى وتحول أفرادها القليلون إلى حالة من الكمون بعد أن انصرف جمهور الطلاب من حولهم دونما أي تعرض من الإسلاميين لهم بسوء أو أذى.
ثانيا: استطاع اتحاد الطلاب أن يمد يده إلى طلاب المدارس الثانوية الذين رغبوا في أن تكون لهم جماعات إسلامية في مدارسهم إعجابا بمن هم الأكبر سنا ودراسة وقد تكونت لهم جماعات إسلامية بالفعل في أكثر من مدرسة ثانوية، كما امتد نشاط طلاب الجماعات الإسلامية إلى أحيائهم السكنية ووجدت مساجد نشطة ها صوت مسموع يعبر عن فهم في الإسلام يشبه فهم الجماعات الإسلامية ويمارس العمل بنفس الطريقة التي تدعو بها الجماعات الإسلامية في الجامعة.
ثالثا: تمكن الطلاب من المساهمة الفعلية في إحياء بعض السنن الإسلامية التي أميتت في وعلى رأسها الأفراح الإسلامية وإعلانها في المساجد (الوليمة) الاجتماعات الإسلامية للتهنئة بالمواليد (العقيقة)، وكان أهم هذه المظاهر إحياء سنة صلاة العيدين خارج المساجد وحشد المسلمين في مظاهرة إسلامية رائعة ... وقد بلغ عدد المصلين في آخر صلاة عيد قبل اعتقالات سبتمبر 1981 حوالي 200 ألف مصل في ميدان عابدين بالقاهرة وكانت هناك بالقاهرة تجمعات للصلاة في أحياء أخرى، كذلك حذت كل المحافظات حذو القاهرة، أما الإسكندرية فكان اجتماعها الرئيسي في الاستاد الرياضي وهكذا خرجت الجموع الإسلامية من الأحياء متوجهة لمكان الصلاة هاتفة "الله أكبر ... الله أكبر" وأصبح الناس يعيشون طوال العام انتظارا ليوم صلاة العيد وما فيه من شهود الخير وعزة الإسلام.
رابعا: الشعور لدى المسئولين بالحكومة أن الدعوة التي تقوم بها الجماعات الإسلامية دخلت في طور التأثير على طوائف الشعب المختلفة، ذلك لأن الطالب الجامعي ليس مقيدا بكلية ولكنه يتحدث إلى أهله وإلى أصدقائه في الحي الذي يعيش فيه مما أسمع المجتمع بما يدعو إليه الجماعة الإسلامية ... استقر لدى الجهات الحكومية أن سياسة الحرية والديمقراطية المعلنة لن تجدي ... فتقرر إلغاء الاتحادات الطلابية ومصادرة حريات الطلاب الانتخابية.
خامسا: فهم جمهور الطلاب أن حكومتهم ليست جادة في تنشيط الدعوة الإسلامية وأن المسألة عند الحكومة لا تعدو أن تكون مجرد إحداث توازنات فكرية في المجتمع، فتنشيط الدعوة الإسلامية ليس رغبة في الإسلام ولكن لموازنة الحركة التبشيرية المسيحية وكذلك الإلحادية الشيوعية، وتأكد ذلك بالمواقف من الثورة الإيرانية واستضافة الشاه بمصر والعلاقات المصرية الأمريكية واتفاقية كامب ديفيد المرفوضة شعبيا.
سادسا: صعدت الحكومة حملتها ضد الطلبة المتدينين إلى درجة عالية فلم يكن يمر أسبوع بغير تحرش بهم والقبض عليهم ومحاكمتهم لأتفه الأسباب وكثيرا ما كانت الأسباب تفتعل، كذلك أصبحت مجالس التأديب للطلبة المتدينين ظاهرة يومية وكانت نتائجها مقررة قبل عقدها وهي الفصل عاما كاملا للطالب وحرمانه من الامتحانات أو الفصل من الجامعة أو الكلية، لمجرد أن يكتب كلمة على السبورة أو يعلق مجلة أو يهتف هتافا يعبر عن رأيه.
سابعا: كان لهذا التضييق الحكومي ومعاملة الطلبة كخصم لهم وليس كمسئول عنهم بالإضافة إلى نجاح الثورة الإيرانية على يد أبنائها العزل أكبر الدوافع لظهور الاجتهادات الجديدة للعمل الطلابي في الجامعة والتصدي بالقوة والقيام بالأنشطة الطلابية رغم أنف اللوائح الجديدة المقيدة لهذه الأنشطة وكذلك التصدي بالقوة والقيام بالأنشطة الطلابية رغم أنف اللوائح الجديدة المقيدة لهذه الأنشطة وكذلك التصدي لأفراد الإدارة الذين بدأوا في محاولة لإعادة الجامعة إلى شكلها القديم؛
وذلك بإعادة النشاطات المتعارضة مع فهم الطلبة الإسلاميين كالغناء الغربي وفرق الموسيقى الأجنبية ومعارض التماثيل واللوحات والصور الفاضحة وتحدي الشعور الإسلامي بمظاهر الخلاعة والمجون بين الفتيات والفتيان مع التهكم من الحجاب، وكان واضحا أن فخا حكوميا ينصب للحركة الإسلامية بالجامعات لإدخالها إلى حلبة العنف الذي لم تكن لديها أية مقدمات لخوضه.
وضاعت أصوات المحذرين وسط التحدي الحكومي لعواطف الشباب فوقعت عدة أحداث عنيفة في أكثر من جامعة كانت مقدمة طبيعية لتضرب الحكومة ضربتها الأمنية ومعها ورقة تقدمها للشعب كمبرر لهذه الضربة، ونذكر من هذه الأحداث على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر:
ففي أسيوط:
قررت الجامعة بإيعاز من الجهات الأمنية أن تزيد من الاستحكامات الداخلية والمتاريس داخل الجامعة، فبدلا من أن يكون للجامعة سور واحد أقامت الجامعة عدة أسوار داخلية فحصرت كل مبنى من مباني الجامعة في سور خاص، وكان الغرض من ذلك أن تكون الجامعة عبارة عن شوارع محيطة بالكليات فلا يعد ما يسمى بالحرم الجامعي وهذا يسهل لقوات الأمن الدخول إلى أعماق الجامعة دون اعتراض عليها، كما أن التعامل مع مجموعات صغيرة من الطلاب أسهل من التعامل مع الجماعة ككل؛
وفهم الطلاب أن هذه استعدادات لضربهم وتصفيتهم بالقوة فانقسموا فريقين:
الفريق الأول: رأى أنه من الحكمة الانسحاب من هذا الموقف ... فليست ظروف الطلاب مواتية لدخول هذه المعركة.
والفريق الثاني: استشعر في نفسه القوة والاستعداد لمواجهة الحكومة بالقوة وكانت حجته في ذلك أن التهاون مع الحكومة في هذا الأمر سيدفعها إلى الاستهتار بالشباب المسلم والتنكيل به.
وبالفعل قامت المجموعة الثانية بهدم بعض هذه الأسوار الداخلية وشرعت في هدم الباقي، وهنا تدخلت قوات الأمن التي كانت في حصار دائم للجامعات، وانهالت القوات بأعداد كبيرة، وكانت معركة دامية بين الطلبة وسلاحهم الحجارة والقيادات الحكومية وسلاحهم العصي والرصاص والقنابل المسيلة للدموع، وبالطبع فالنتيجة حتما كانت خسارة كبيرة من الجانبين واحتجاز عدد من الطلبة كأسرى وتقديمهم للمحاكمة فيما عرف "بقضية السور".
وفي المنيا:
كان ضبط النفس من الطلبة رائعا، فقد مضت سنة كاملة وقوات الأمن تحاصر الجامعة من كل مكان وكانت العربات العسكرية المكتظة بالجنود تجوب شوارع المدينة باستمرار، والدخول إلى الجامعة بإبراز تحقيق الشخصية وكذلك الدخول للكليات بالكرنيهات، مع انتشار المخبرين بأعداد كبيرة بين الطلاب ولم يكن عمل هؤلاء مجرد جمع المعلومات، ولكن عددهم الكبير كان يشير إلى احتمال استخدامهم كقوة ضاربة في حالة تأخر القوات الحكومية.
وأصبحت الجامعة مثل جامعة أسيوط كأنها وحدة عسكرية، الأمر فيها والنهي ليس للأساتذة والطلاب ولكن الأساتذة والطلاب جميعا عليهم إطاعة الأوامر العسكرية الصادرة من جهات خارج الجامعة تماما، وفي ظل هذه الظروف كانت التوقعات تشير إلى حتمية وقوع معركة بين الطلبة والقوات الحكومية؛
ولكن ذلك لم يحدث نظرا لعدم وجود سبب لذلك، فقد ظلت الجامعة تحترم القيم الدينية التي تعلمتها في السنوات السابقة وظل الأساتذة والطلاب كذلك حراسا أوفياء للمكاسب الإسلامية التي حققتها الجماعة الإسلامية.
ويبدو أن الأوامر كانت تحتم وقوع معركة بين القوات الحكومية والطلاب وكان لا بد من اختلاق سبب لذلك، وكان السبب إعلان مكتوب يدعو فيه أحد المدرسين بالجامعة إلى حفلة غنائية تعقد في المدرج الكبير بالجامعة، وتحرك الطلبة على الفور لمحاولة منع الحفلة المختلطة بين الطلبة والطالبات كالعادة، وأصر المدرس على ذلك؛
وفي وقت الحفلة سبق طلبة الجماعة الإسلامية إلى المدرج وجلسوا فيه وشرعوا يقرأون القرآن فتدخلت القوات الحكومية لتلقنهم الدرس المطلوب ولم يكن الضرب هذه المرة بالعصي ولكنه كان بأسياخ الحديد مما نجم عنه تهشم عدد من الجماجم ونقل عدد كبير من الطلبة إلى المستشفيات ولما سالت دماء الطلبة غزيرة اندمج بقية الطلاب الذي عز عليهم رؤية إخوانهم في هذه الحالة، فانهالت جموع الطلبة من المدينة الجامعية وكانت معركة رهيبة استخدم فيها الطلبة كل ما يملكون حتى هزموا القوات الحكومية هزيمة منكرة وطاردوهم في المزارع المحيطة بالجامعة حتى ساعة متأخرة من الليل ...
ولم تستطع قيادة القوات الحكومية أن تجمع أفرادها فعادوا متسللين فرادى إلى معسكرهم المجاور للجامعة، وعاد الطلبة إلى الجامعة ليسيطروا عليها ليلة كاملة في جو من الفوضى والذهول ... والغموض في نفس الوقت.
انتهت هذه المعركة بما عرف بقضية "الحفلة" والنتيجة عدد من الجرحى وعدد من الطلبة المفصولين من الجامعة وعدد من الممنوعين من دخول الامتحان لمدة سنة وآخرين لمدة سنتين.

وفي القاهرة:

كانت أحداث المسجد الشهيرة فقد خصص الطلبة حجرتين كبيرتين كمسجد للطالبات وإلى جواره حجرة ثالثة كمكتب ومكان خاص بتفصيل الزي الإسلامي وكانت هذه الحجرات فيما سبق مخصصة لاتحاد الطلبة وبوصفهم مسئولين شرعا بالانتخاب الحر عن الاتحاد فقط قاموا بهذا العمل قاصدين التصرف فيما يملكون؛
وعندما قررت الحكومة إزالة نشاط الجماعة الإسلامية من الجامعة أرسلت من يطلب إزالة المسجد والمكتبة ومقر الزي الإسلامي، ولم يقبل الطلبة ذلك وتجمهروا في المكان تلقائيا بغير توجيه، وعلى الفور تدفقت القوات الحكومية على المكان وكانت مستعدة في مكان قريب وحاصرت وشرعت في الاشتباك مع الطلبة المتجمهرين؛
ولكن الطلبة قرروا الانسحاب وعلى الفور تقدم الجنود الحكوميون نحو المسجد والمكتبة ومقر تفصيل الزي الإسلامي وفعلوا بالمكان الأفاعيل وكأنهم يأخذون بثأر قديم بينهم وبين المسجد.وحدثت أحداث قريبة من ذلك في جامعة الإسكندرية والمنوفية لسبب أو لآخر.

الحرب بالتفريق (عام 1980):

ارتكزت جهود النظام الحاكم في هذه المرحلة على ضرب الجماعة الإسلامية باتجاه إسلامي آخر ترى أنه أقل تأثيرا في مجتمعه ... إنها سياسة تنشيط الاجتهادات الشاذة في الإسلام وذلك لهدفين:
الأول: تفريق الشباب حول رايات عدة فيمكن تصفيتهم على مراحل بحيث يضرب كل تجمع على حدة دون إعانة من الآخر.
الثاني: إظهار الحركة الإسلامية بالجامعة على أنها مجموعات متناحرة وأن الأمن يتدخل ليس لوقف الحركة الإسلامية وإنما لفك الاشتباك بين هذه الجماعات.
  • فكانت المجموعة التي تحمل شعارات الاستخفاف بالتعليم المدني كعلوم الزراعة والتجارة والطب والهندسة والصيدلة والعلوم وكان شعارها حول هذه المسألة "علم لا ينفع وتركه لا يضر" وقد استطاعت هذه المجموعة أن تقنع عددا من الطلبة بترك الجامعات والعمل كبائعين متجولين يبيعون الترمس والهريسة وعسل النحل على أرصفة المدينة ... وقاد هؤلاء نفر من حي شبرا أشهرهم عبد الله بن عمر وأسامة القوصي من طب عين شمس، ومعظم الذين سافروا السعودية وبقوا هناك حتى حادثة احتلال الحرم المكي 1979.
  • وكانت المجموعة التي فهمت الإسلام على أنه عودة لواقع الجزيرة العربية في زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تفرق بين ما كونه سنة واجبة الاتباع وبين ما هو عادة من عادات العرب فكانت المعارك الجدلية واليدوية حول "الجلباب والعصا" وضرورة دخول الجامعة بالجلباب والعصا والجلوس على الأرض والأكل عليها والاكتحال والتخضب بالحناء ... إلخ، كما نادت هذه المجموعة بحرمة قراءة الكتب الإسلامية التي ألفها دعاة معاصرون، وقادها وسيطر عليها جماعة التبليغ والدعوة ولكن بعد وفاة المرحوم الشيخ إبراهيم عزت.
  • وسمعنا عن الذين رفعوا شعار "الجماعة الإسلامية نحو فهم سلفي جديد" وكانت حجة هذه المجموعات الأخيرة أن الجماعة الإسلامية تسير متتبعة أثر الإخوان المسلمين، ولا بد أن يحدث لهم ما حدث للإخوان المسلمين من فرقة وتمزق إلى تنظيم علني وآخر سري وخلافات وصراعات واتهموا الإخوان بأنها جماعة تركت الجهاد وهادنت الحكومة، وترأس هؤلاء معظم قادة الجماعة الإسلامية بالصعيد وعلى رأسهم من الشباب كرم زهدي وأسامة حافظ من المنيا وناجح إبراهيم من أسيوط.
وحظيت معظم هذه الاتجاهات بتسهيلات إدارية غير مباشرة فعقدت لبعضها معسكرات بينما ألغيت معسكرات الجماعة الإسلامية تماما وقامت جامعات أخرى بتلبية رغبات مجموعة أخرى حتى سمنت وتضخمت واستشعرت أنها قوة، ومجموعة ثالثة سهلت لها الاجتماعات بالمساجد بينما حرم الآخرون.
وبالرغم من قلة عدد المنساقين وراء هذه التيارات إلا أنه شغلت الجماعة الإسلامية مدة عام كامل لإصلاح هذا العطب.وقبل أن تنتهي الجماعة الإسلامية من لم شملها وإصلاح ما فسد من ابنتها كان توقيت الضربة قد حان.

ثامنا: من المساجد إلى المعتقلات:

بدأ عام 1981 وما تزال الجماعة الإسلامية قوية فتية، وبالرغم من تصاعد المشاكل الداخلية إلا أن الجماعة الإسلامية كانت ماضية في عملها بانتظام، فالمؤتمرات كانت تعقد لمناقشة قضايا الأمة الداخلية والخارجية وكانت النشرات تصدر باستمرار تعبر عن حكم الإسلام في كل ما يدور من أحداث، وكانت توقع بالخط الواضح أسفل النشرة "الدكتورة حلمي الجزار الأمير العام للجماعات الإسلامية".
وفي عيد الفطر السابق على مقتل الرئيس السادات كانت صلاة العيد تضم 200 ألف مصل جاءوا تلبية لدعوة الجماعة الإسلامية للصلاة في ميدان عابدين بالقاهرة، ومثل هذا حدث في جميع المحافظات التي بها جامعات تقريبا، وكانت هذه مؤشرات صادقة تدل بوضوح على ثقة المواطنين في أبنائهم الذين يعملون تحت لواء الجماعة الإسلامية بقيادة الدكتور حلمي الجزار.
ومن ناحية أخرى فقد واكبت هذه الفترة الإعلان عن ميلاد أول اتحاد للجمعيات الخيرية الإسلامية مع جماعة الإخوان المسلمين وسمي هذا الاتحاد باسم "مؤتمر الدعوة الإسلامية الدائم".
وضم هذا الاتحاد جمعيات الخلفاء الراشدين ويمثلها الشيخ سليمان ربيع، وأبي بكر الصديق ويمثلها اللواء راشد، وشباب محمد، والهداية الإسلامية ويمثلها الشيخ حافظ سلامة، ونخبة من علماء الأزهر الشريف ويمثلها الشيخ محمد المطراوي إلى جانب ممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين (أ. عمر التلمساني، د. أحمد الملط، أ. جابر رزق، أ. عبد المتعال الجبري، أ. محمد عبد المنعم (الإسكندرية)، أ. محمد المسماري (محامي).
وزيادة في إيضاح وجهة هذا الاجتماع فقد اختير الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام للإخوان المسلمين، مسئولا عاما عن هذا المؤتمر.
كما أن بعض النقابات العامة كانت محسوسة النبض الإسلامي خاصة نقابة المحامين التي كانت تعلن رفضها الدائم للمعوقات المفروضة على الحركة الإسلامية ولمع في هذه المرحلة المرحوم محمد المسماري المحامي والمرحوم عبد الله سليم من العمار دقهلية والدكتور عبد الله رشوان، وكانوا جميعا متحلقين حول كبير المحامين الإسلاميين الأستاذ عمر التلمساني.

أما الطرف الآخر الذي تمثله الحكومة وحزبها "الحزب الوطني الاشتراكي" فكانت حالته كما يلي:

في الخارج كان السلام مع إسرائيل قد استقرت قواعده وأصبحت العلاقات في مرحلة ما بعد السياسة، ودخلت في مرحلة التبادل التجاري والثقافي والفني واقتربت من مرحلة التبادل "الكروي" أو الرياضي.
وكان التزاوج الحكومي مع الأمريكان يصل إلى درجة الاتحاد الفدرالي أو قبل ذلك بقليل، فالأمريكان لهم في مصر ثلاث قواعد عسكرية تحت اسم "تسهيلات عسكرية"، وكل كبيرة أو صغيرة لا تمضي حتى يعلن الرئيس المصري بغير أدنى حرج أنه في مشاورات مكثفة مع الرئيس الأمريكي، أما العلاقات العربية فكانت مقطوعة تماما إلا مع النميري وقابوس.
وفي الداخل شهدت البلاد ومعها العالم أجمع أغرب عرض عسكري لقوات الشرطة، فعرضت أسلحة ثقيلة ومصفحات وأنواع أخرى لا عهد للناس بها من أسلحة المطاردة ومقاومة التظاهر وتعقب الهاربين، وقد أقر ك من رأي هذه القوات أن الأمة مقدمة على حرب أهلية بين الناس والحكومة وتلك بشائرها.
ومن الغرائب أن طلبة الشرطة الذين حضروا الاحتفال المسائي اشتركوا لأول مرة في الغناء بفرقة موسيقية بما لا تعهده الأمة في العسكريين من قبل، وليس ذلك فقط بل تعمد المغني أن يقدم أغنية خليطا بين اللغة العربية والإنجليزية (فرانكو أراب) على موسيقى الجاز الأمريكي، كان ذلك مؤشرا واضحا لطبيعة الثقافة والتطلعات في جانب الحزب الوطني وحكومته وأجهزته العسكرية "راجع شريط الفيديو للحفلة لدى التليفزيون المصري".
واستكمالا لهذه الاستعدادات فقد كانت الحكومة قبل ذلك بعام قد شرعت في بناء سجن (الاستقبال الدامي) بمنطقة طرة حيث كان ذلك مؤشرا واضحا أيضا أن النية مبيتة لاستخدام سياسة المعتقلات كما اتضح بعد ذلك، ويسع هذا السجن ألفين من المعتقلين في المتوسط، يمكن أن تزاد عند الضرورة إلى أربعة آلاف.
ومما اتضح أيضا أن كشوفا قوامها ألفين من القيادات الوطنية المعارضة للسادات ومعها سبعة آلاف من الجماعات الإسلامية كانت قد أعدت لاعتقالها كدفعة أولى كما صرح بذلك الرئيس السادات في خطابه الذي أعقب عملية الاعتقال الأولى.
وكانت المشكلة العويصة أمام السادات وحزبه هو الاسم الذي تسمى به العملية، وعقد اجتماعا كبيرا باستراحة الرئيس بالإسكندرية كما قررت جريدة الحزب بعد مقتل الرئيس حضرته قيادات الحزب الوطني والقيادات الأمنية عامة والمباحثية ومستشاري الرئيس لشئون الأمن القومي ... إلخ.
وكان موضوع الاجتماع "الصياغة السياسية للضربة الأمنية القادمة والاسم الذي يطلق على هذه العملية".وعرضت أسماء كثيرة فاز من بينهم اسم "الفتنة الطائفية" وتقرر أن تكون القضية القادمة تحت اسم "قضية الفتنة الطائفية".
"والفتنة الطائفية" مصطلح سياسي مخترع منذ عهد الاحتلال الغربي ويقصد به تخويف المسلمين من التعرض للعقائد المسيحية واليهودية بالنقد.ولكنه استخدم هذه المرة استخداما سياسيا جديدا حيث اعتبر من يعترض على سياسة الحكومات وتصرفات الحاكم حتى في المسائل العائلية أو الشخصية متهما بإثارة الفتنة الطائفية.
وتحت هذا التجريم الجديد صدرت قرارات 5 سبتمبر وبموجبها دخلت قيادات مصر كلها المعتقل ممثلة في كل ما لا ينتمي إلى حزب الحاكم.فالإسلاميون شيوخا وشبابا ومعهم عينة من السياسيين على اختلاف اتجاهاتهم وعدد من الصحفيين والإعلاميين وعدد من المسيحيين سيقوا إلى المعتقلات على ذمة الفتنة الطائفية، وعاد زوار الفجر بعد انقطاع دام عشر سنين وأعلنت حالة الاستعداد القصوى في أجهزة الاعتقال والقمع ودهموا البيوت في أوقات نومها واستيقظ الأطفال على صراخ الأمهات اللاتي فقدن أزواجهن إلى مكان وزمان لا يعلمها إلا الله.
وبين عشية وضحاها كانت الجماعات الإسلامية مودعة في السجون ممثلة في قياداتها وعدد كبير من أفرادها والقسم الباقي بين هارب وخائف أو هارب يتحين الفرصة للانتقام.
وكانت خطابات الرئيس السادات التي أعقبت عملية الاعتقال والقبض من أكبر العوامل التي ساعدت على تأجج ثورة الانتقام من شخصه ومن نظامه، حيث تعرض للجماعات الإسلامية وعلماء الإسلام بكلام وسب وشتم واستهزاء بكل ما يمت للحركة الإسلامية بصلة من قريب أو بعيد؛
وكانت كلماته بحق الشيخ أحمد المحلاوي سقطة قاصمة لرئيس دولة ظهر متشفيا في أحد مواطنيه المعتقلين حيث قال عن المحلاوي (مرمي في السجن زي الكلب) وذكر الشيخ حافظ سلامة قائلا (راجل مجنون)، بهذه الاعتقالات وهذا الخطاب المستفز استكمل السادات في نظر الشباب المتدين كافة أسباب الحكم بالإعدام، وكان الحكم عند البعض نهائيا لا نقض فيه مما جعلهم يباشرون التنفيذ على النحو الوارد في ملفات القضية.

المفاجأة التي شلت الجميع:

إنها مفاجأة اغتيال السادات على المنصة وهذه إحدى الروايات الشائعة لكيفية اغتيال السادات.
في حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف من ظهر يوم السادس من أكتوبر 1981 (وقفة عيد الأضحى) وبينما كانت فصول العرض العسكري تمضي برتابة وفق ما أعد لها فجأة ارتجت إحدى العربات وانحرفت إلى اليمين قليلا وتصور الحاضرون أن السيارة أصابتها لعنة الموتوسيكل وتعطلت؛
وعندما نزل منها ضابط ممتلئ قليلا تصوروا أنه سيسعى لإصلاحها وأنه سيطلب العون لدفعها إلى الأمام بعيدا عن المنصة، كما حدث من قبل في عروض عسكرية سابقة أقيمت في عهدي عبد الناصر والسادات لم شك أحد في عطل العربة الجرار بل إن قليلين هم الذين انتبهوا لذلك ...
وكان أول ما فوجئ به الحاضرون بعد ذلك هو رؤية الضابط الممتلئ الذي قفز من العربة وهو يلقي بقنبلة يدوية تطير في الهواء ثم ترتطم بسور المنصة منفجرة ... في ذلك الوقت كان المذيع الداخلي يحيي رجال المدفعية ويقول:
(إنهم فتية آمنوا بربهم!!) كان ذلك الضابط هو الملازم خالد الإسلامبولي الضابط العامل باللواء 333 – مدفعية ...
جرى خالد الإسلامبولي إلى العربة، وفتح بابها، وأمسك بمدفع رشاش ... عيار 9 مم، وكان ذلك الشخص هو عطا طايل ... وقبل أن ينتبه أحد، من الصدمة، ألقى خالد الإسلامبولي القنبلة اليدوية الدفاعية الثالثة في اتجاه المنصة، فسقطت بالقرب منها لكنها لم تنفجر هي الأخرى ... واكتفت بإخراج دخان كثيف منها ...
وقبل أن ينتهي الدخان، انفجرت القنبلة الرابعة، وأصابت سور المنصة أيضا ... وتناثرت شظاياها في أنحاء متفرقة .. لكن .. هذه الشظايا لم تصب أحدا .. وكان السبب هو سور المنصة الذي كان بمثابة (الساتر) الذي حمى من خلفها من شظاياها ... وكان رامي هذه القنبلة هو عبد الحميد عبد العال ... في تلك اللحظة انتبه أبو غزالة ..
وأحس أن ثمة شيء غير طبيعي يحدث .. وقد تأكد من ذلك بعد أن لمح الرشاش في يد خالد الإسلامبولي ... واكتشف أنه عار الرأس، ولا يضع البرية كالمعتاد ... وانتبه السادات هو الآخر ... وهب من مقعده واقفا ... وانتصبت قامته ... وغلا الدم في عروقه ... وسيطر عليه الغضب ... وصرخ أكثر من مرة: مش معقول ... مش معقول ... مش معقول .. وكانت هذه العبارة المكررة هي آخر ما قاله السادات ...

فقد جاءته رصاصة من شخص رابع كان يقف فوق ظهر العربة ويصوب بندقيته الآلية (عيار 7.92) نحوه وكان وقوف السادات، عاملا مساعدا لسرعة إصابته ... فقد أصبح هدفا واضحا، وكاملا، ومميزا ... وكان من الصعب عدم إصابته ... وخاصة أن حامل البندقية الآلية هو واحد من أبطا الرماية في الجيش المصري وقناص محترف ... كان ذلك هو الرقيب متطوع/ حسين عباس علي ... اخترقت الرصاصة الأولى الجانب الأيمن من رقبة السادات في الجزء الفاصل بين عظمة الترقوة وعضلات الرقبة ... واستقرت أربع رصاصات أخرى في صدره، فسقط في مكانه ... على جانبه الأيسر ... واندفع الدم غزيرا من فمه ... ومن صدره ... ووشاح القضاء الأخضر الذي كان يلف به صدره والنجوم والنياشين التي كان يعلقها ويرصع بها ثيابه الرسمية المميزة ...

بعد أن أطلق حسين عباس دفعة النيران الأولى، قفز من العربة، ليلحق بخالد وزملائه الذين توجهوا صوب المنصة ... في تشكيل هجومي، يتقدمهم خالد، وعبد الحميد على يمينه، وعطا طايل على شماله ... وبمجرد أن اقتربوا من المنصة أخذوا يطلقون دفعة نيران جديدة على السادات ... وهذه الدفعة من النيران أصابت بعض الجالسين في الصف الأول، ومنهم المهندسين سيد مرعي، والدكتور صبحي عبد الحكيم الذي سارع بالانبطاح أرضا ليجد نفسه وجها لوجه أمام السادات الذي كان يئن ويتألم ويلفظ أنفاسه الأخيرة ...
ومنهم فوزي عبد الحافظ الذي أصيب إصابات خطرة وبالغة وهو يحاول أن يكوم الكراسي فوق جسد السادات، الذي ظن أنه على قيد الحياة، وأن هذه المقاعد تحمي حياته، وتبعد الرصاصات المحمومة عنه ... كان أقرب ضباط الحرس الجمهوري إلى السادات عميد اسمه أحد سرحان ...
وبمجرد أن سمع طلقات الرصاص تدوي، سارع إليه وصاح فيه: انزل على الأرض يا سيادة الرئيس ... انزل على الأرض ... انزل ... ولكن ... كان الوقت كما يقول العميد أحمد سرحان متأخرا ... (وكانت الدماء تغطي وجهه وحاولت أن أفعل شيئا وأخليت الناس من حوله، وسحبت مسدسي وأطلقت خمسة عيارات في اتجاه شخص رأيته يوجه نيرانه ضد الرئيس، لم يذكر عميد الحرس الجمهوري من هو بالظبط الذي كان يطلق نيرانه على السادات ...
فقد كان هناك ثلاثة أمام المنصة يطلقون النيران (خالد، وعبد الحميد، وعطا طايل ... كانوا يلتصقون بالمنصة إلى حد أن عبد الحميد كان قريبا من نائب الرئيس حسني وقال له: أنا مش عايزك، إحنا عايزين فرعون ... وكان يقصد بفرعون أنور السادات!
وأشاح خالد لأبو غزالة قائلا: ابعد. قال ذلك، ثم راح هو وزملاؤه يطلقون الرصاص ... فقتل كبير الياوران، اللواء حسن عبد العظيم عام (51 سنة)؛
وكان الموت الخاطف أيضا من نصيب سبعة آخرين هم مصور السادات الخاص محمد يوسف رشوان (50 سنة) ... وسمير حلمي (63 سنة) وخلفان محمد من سلطنة عمان ... وشانج لوي أحد رجال السفارة الصينية ... وسعيد عبد الرؤوف بكر ... وقبل أن تنفذ رصاصات خالد الإسلامبولي، أصيب الرشاش الذي في يده بالعطب ... وهذا الطراز من الرشاشات معروف أنه سريع الأعطال خاصة إذا امتلأت خزانته (30 طلقة بخلاف 5 طلقات احتياطية)، عن آخرها ...
وقد تعطل رشاش خالد بعد أن أطلق منه 3 رصاصات فقط، مد خالد يده بالرشاش الأخرس إلى عطا طايل الذي أخذه منه وأعطاه بدلا منه بندقيته الآلية واستدار عطا طايل ليهرب ... لكنه فوجئ برصاصة تأتي له من داخل المنصة وتخترق جسده ...
في تلك اللحظة فوجئ عبد الحميد أيضا بمن يطلق عليه الرصاص ليجد رجلا يرفع طفلا ويحتمي به كساتر فرفض إطلاق النار عليه ... وقفز خلف المنصة ليتأكد من أن السادات قتل ... واكتشف لحظتها أنه لا يرتدي القميص الواقي من الرصاص ... وعاد وقفز خارج المنصة وهو يصرخ: الله أكبر الله أكبر!
في تلك اللحظة نفدت ذخيرة حسين عباس فأخذ منه خالد سلاحه وقال له: (بارك الله فيك ... اجر .. اجر ..) ونجح في مغادرة أرض الحادث تماما ... ولم يقبض عليه إلا بعد يومين ... أما الثلاثة الآخرون فقد أسرعوا بعد أن تأكدوا من مصرع السادات يغادرون موقع المنصة ... في اتجاه مسجد رابعة العدوية ... وعلى بعد 75 مترا وبعد قرابة دقيقة ونصف انتبه رجال الحراس وضباط المخابرات الحربية للجناة فأطلقوا الرصاص عليهم .. فأصابوهم فعلا ...
وقبضت عليهم المجموعة 75 مخابرات حربية وهم في حالة غيبوبة كاملة، وبعد أن أفاق الحرس من ذهول المفاجأة ... وبعد إصابة المتهمين الثلاثة، بدأ إطلاق النار عشوائيا على كل من يرتدي الزي العسكري، ويجري في نفس الاتجاه الذي كان يجري فيه الجناة فأصيب 3 أشخاص وفيما بعد ... ثبت من تحقيقات المحكمة أن عبد الحميد وعطا كانا ينزفان وهما يجريان ... وثبت أيضا أن رجال المجموعة 75 أخذوا أسلحتهم بعد إصابتهم ... وثبت كذلك بعض هذه الأسلحة كان بها ذخيرة، وقال العقيد محمد فتحي حسين (قائد المجموعة 75) أمام المحكمة؛
أن أسلحة بعض المتهمين كان فيها ذخيرة وأنهم لم يردوا على رجال المخابرات عندما أطلقوا عليهم الرصاص ... وكان عدم الرد على رصاص رجال المخابرات الحربية قناعتهم بانتهاء مهمتهم عند قتل السادات، ولأنهم اعتبروا أنفسهم شهداء منذ تلك اللحظة وفيما بعد شوهد ممدوح سالم في الفيلم التليفزيوني الإيطالي الذي صور الحادث وهو يلقي عددا من المقاعد في اتجاه السادات وشوهد وهو يشد حسني مبارك إلى أسفل .. وشوهد نائب رئيس وزراء سابق وهو يتسلل باحثا عن مهرب من هذا الجحيم.

مدرسة المعتقلات:

فور استعادة الدولة المصرية توازنها من وقع المفاجأة انتقلت السلطة تلقائيا لنائب الرئيس الذي أصدر فورا قرارا باعتقال كل من له نشاط ديني سياسي وبذلك أضيف عشرات الألوف من المعتقلين إلى الألف الذين تم التحفظ عليهم من قبل.
مثل الاجتماع الحاشد بالسجون للإسلاميين من جميع المحافظات المصرية من أسوان إلى الإسكندرية على اختلاف توجهاتهم وأعمارهم فرصة لم نكن نحلم بها ... فرصة في الحوار والدراسة العميقة لكل من هو معروض بالساحة السياسية وكل ما يخطط للحركة الإسلامية.
وكان معنا في المعتقلات في هذه الفترة عدد من الطلاب الوافدين بمدينة البعوث الإسلامية والقادمين للدراسة الإسلامية بالأزهر الشريف، مما جعل الاجتماع دوليا وليس محليا، وما زلت أذكر أسماء الثلاثة الأتراك الذين رافقوني في زنزانتي قرابة سبع شهور كاملة وهم الأخ، داوود تفير والأخ موسى كليكرك والأخ مصطفى أوزجان والأخير من كبار الصحفيين الأتراك الآن في مدينة اسطنبول في صحيفة (الزمان) التركية الإسلامية.
في المعتقلات عاشت المجموعات الإسلامية عاما كاملا تحولت خلاله المعتقلات إلى معسكرات عمل دائم، نظمت الندوات والمحاضرات وتكونت فرق للنظافة وفرق للتغذية وفرق للإعلام والصحافة وفرق للاحتفالات أقامت لنا أروع الاحتفالات بالعيدين والمناسبات الإسلامية.
وضرب جيل الصحوة الصغيرة والكبير مثالا رائعا في الصبر والثبات والرجولة أمام عنف النظام وضراوة التعذيب وعنت التحقيقات التي كانت تطول إلى ساعات الفجر كل يوم في ليل الشتاء البارد.وهكذا انتهت فترة السبعينيات لتخلف وراءها النتائج التالية.
أولا: تأكد أن سياسة تنشيط الاجتهادات الشاذة وتفريق العاملين تعتبر من أفعل الأسلحة لمحاربة الحركة الإسلامية وإضعافها.
ثانيا: أن الأمة المصرية تمتلك عقيدة إسلامية غضة طرية وفي حالة شوق وانتظار لاستئناف الحياة الإسلامية على أي مفهوم من المفاهيم المعتمدة.
ثالثا: أن الدعوة الإسلامية قد عبرت مرحلة التخويف بالسجن أو الإعدام فلم تعد هذه وسيلة مانعة أو مخيفة.
رابعا: لم يعد من الممكن تطويق الحركة الإسلامية حيث بلغت حدا من التكاثر والعمق بما لا يسمح بعملية التطويق أو المحاصرة.
خامسا: أن البيئة المصرية حبلى بميلاد جماعات إسلامية تعتبر الإخوان المسلمين ليسوا أهلا لقيادة الحركة الإسلامية وترفض الانضواء تحت قيادتهم.
هكذا كانت قصة الجماعات الإسلامية خلال عشر سنين، وكنت في ذلك مسجلا لما رأيته بعيني وعايشته بنفسي، وأرجو أن يكون ما كتبته موضحا لكثير من الغموض حول هذا الموضوع خاصة أن بعض الجهات تعمدت إثارة الدخان وإشاعة الشائعات حول هذه الظاهرة المصرية الصميمة.

جيل السبعينيات في طور جديد:

واصلت الصحوة الإسلامية جهودها بالجامعات والأحياء فور خروجها من المعتقلات في نهاية عام 1982، وبينما غابت قيادات هامة من الجماعة الإسلامية وراء القضبان بعد الحكم عليهم في قضية اغتيال الرئيس السادات، شرعت المجموعات الأخرى في العمل، في البداية الجديدة للعمل في فترة الثمانينات باتت الفوارق بين العاملين واضحة جلية.
فالتيار الذي اقترب من الإخوان وقبل العمل وفق منهج الإخوان شرع في تنظيم نفسه ولكن مع الكثير من التحديث في الأدوات الذي فرضته طبيعة العصر.
وأما التيار الذي اتخذ الجهاد المسلح طريقا للعمل الإسلامي فقد شكل لنفسه تجمعا منظما آخر وابتعد بمعظم عمله عن الجامعات، وترتب على تنظيماته وتدريباته موجة العمليات المسلحة التي هزت مصر منذ عام 1990 وحتى عام 1997 ومع صدور مبادرة وقف العنف في 5 يونيو 1997 نشطت مجموعة جديدة معترضة على المبادرة وقامت بالمذبحة المروعة في وادي الملوك بالأقصر والتي راح ضحيتها أكثر من 70 جلهم من السياح الأجانب؛
ثم صدرت المراجعات التي اتفق عليها قادة العمل المسلح في الداخل والخارج ونشرت للعموم في يناير 2002 وتوقفت موجة العنف كوسيلة للتغيير الداخلي حتى تفجرت دهب وشرم الشيخ والأزهر ثم الحسين 2009 والتي لم يعرف من وراءها حتى كتابة هذا المؤلف.
الفريق الأول الذي عملت معه وعايشته وما أزال أستأنف العمل على أصعدة ثلاث:
  1. الصعيد الأول هو الاهتمام بالدعوة الإسلامية بين الطلاب بالمدارس والجامعات.
  2. الصعيد الثاني الاهتمام بأعضاء هيئة التدريس بالجامعات.
  3. الصعيد الثالث العمل بالأحياء السكنية من خلال المساجد.
وسلكت الصحوة الإسلامية مسلكا قانونيا بحتا فجعلت وسيلتها للعمل:
  1. الاتحادات الطلابية.
  2. الأسر الجامعية المنبثقة من الاتحادات.
  3. نوادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية.
  4. النقابات المهنية في أواخر الثمانينات.
والمجال هنا للتحدث عن دور جيل السبعينيات بالجامعات والأحياء والمدن من خلال الاتحادات الطلابية ونوادي أعضاء هيئة التدريس والمساجد.

جهود الإسلاميين بالجامعات في الثمانينات

أولا: من خلال الاتحادات الطلابية

في القاهرة تشكلت لجنة مركزية من حسب السن (السيد عبد الستار، عبد المنعم أبو الفتوح، حلمي الجزار، أنور شحاتة، أبو العلا ماضي) واللجنة كلها من جيل السبعينيات المنتمين للإخوان وكان عبد المنعم وقتها عضوا بمكتب الإرشاد الذي يرأسه الأستاذ عمر التلمساني؛
والحديث هنا متعلق بدورهم كمؤسسين في هذا الجيل ومنتمين إليه وسوف أفصل العلاقة بين اللجنة والإخوان في الفصل القادم، تشكلت لجنة معاونة في معظم المحافظات، في الإسكندرية (إبراهيم الزعفراني، خالد داوود، سعيد لطفي) في المنصورة (عاصم شلبي وآخرون) في قنا (مصطفى حسن وآخرون) في أسوان (أسامة عبد المعطي وآخرون) كما لحق بهؤلاء الأول أسماء أخرى على مدى 8 سنوات من العمل.
واعتمدت الصحوة الإسلامية بالجامعات خلال فترة الثمانينات أسلوب تحديد الأهداف وتقسيمها إلى أهداف مرحلية وأهداف نهائية وكذلك تحديد الوسائل بدقة كاملة وتوصيف العقبات المحتملة وكيفية التغلب عليها، وتعمق الإيمان في نفوس الشباب بضرورة الالتزام بكافة الأصول الإدارية الحديثة في القيام بالواجبات الدعوية فتشكل بالجامعات جهاز طلابي يتعامل من خلال تقسيم الواجبات وتحديد الاختصاصات والمتابعة والتقييم وتصحيح الأخطاء أولا بأول، وإدراكا لأهمية التدريب الإداري تأسس المركز العلمي للبحوث والدراسات (معبد) تحت إدارتي لقيام بهذا الدور الهام.
اختلفت فترة الثمانينات عن السبعينات في أساليب العمل ووسائل الدعوة وطريقة إدارتها.فقد لاحظت مجموعة العمل الجديدة عدة أخطاء في مرحة السبعينات وراحت تعالجها.
نذكر من هذه الأخطاء:
  1. أسلوب الجماهيرية العشوائية في تسيير الدعوة في الجامعات، وعولجت هذه الظاهرة بالتوجه لأعضاء هيئة التدريس والنظر إليهم باهتمام خاص.
  2. الخلط بين أعداء الإسلام كمنهج حياة وبين المعترضين على سلوكيات المتدينين من القيادات الجامعية حيث كان الخطاب النقدي الموجه من الإسلاميين في السبعينيات يعم كل من ينتمي إلى إدارة الجامعة بوصفه جزءا من النظام الحاكم، ولكن مرحلة الثمانينات شهدت لينا واضحا في خطاب الإسلاميين لمعظم الإداريين بالجامعة بوصفهم يتلقون أوامر ويكرهون على تنفيذها في مواجهة الحركة الإسلامية وكثيرا ما كانت تدور حوارات بين الإسلاميين وهؤلاء الإداريين حول كيفية التخلص من هذه الأوامر وكيفية إفشالها على أرض الواقع.
  3. الانصراف عن قضايا الطلبة الحياتية الملحة كمشكلة الكتاب والسكن والملبس والمواصلات والبطالة بعد التخرج والاكتفاء بعرض عموميات إسلامية يغلب عليها الجانب العاطفي أكثر من الجانب التفصيلي العملي والواقعي، وقد عالجت الحركة الإسلامية ذلك القصور بإجراء دراسات جيدة حول القضايا الهامة التي تهم الطلبة من خلال الاستبيانات واستطلاعات الرأي بأسلوب علمي لمعرفة أحاسيس الطلبة وما يشغل أذهانهم ويسيطر على أفكارهم ومشاعرهم، ثم انخرطت المجموعات الإسلامية في تلبية هذه الحاجات وتقديم الحلول المناسبة لها والتحاور حول تلك القضايا، والكتابة لشرحها وتحليل أسبابها، ووصف علاجها.
  4. ولاحظت مجموعة العمل بالجامعات انصراف معظم المتدينين عن التحصيل العملي التخصصي زهادة فيه أو انشغالا عنه، وشرعت مجموعة العمل الإسلامية في علاج تلك القضية بالوسائل الناجحة فرصدت جوائز للمتفوقين دراسيا من أبنائها وعقدت لهم حفلات تكريم على أعلى مستوى ورصدت الكثير لمساعدة الطلاب المتميزين وأقامت معسكرات خاصة للتحصيل العلمي في شهور ما قبل الامتحانات وكذلك أوقعت عقوبات وجزاءات على المتخلفين دراسيا من أبنائها والعاملين في صفها بالوقف عن ممارسة النشاط الإسلامي الدعوي حتى يجتاز الطالب مستوى معين من التفوق الدراسي.
  5. وانتبهت مجموعة العمل الإسلامية بالجامعات إلى قصور الدور النسائي حيث كان مقتصرا على الاهتمام بالزي الإسلامي طوال فترة السبعينيات ... فعمد الإسلاميون في فترة الثمانينات إلى الاهتمام بالجانب التربوي والثقافي حتى صارت منهن نماذج قادرة على أن تنقل فكرتها إلى غيرها بالإضافة إلى استمرارها على طريق الصحوة في مرحلة ما بعد التخرج من الجامعة.
وقد أثمرت تلك الجهود المبذولة من قبل الكتيبة الإسلامية العاملة بالجامعات ثمارا يانعة تمثلت في استمرار المسيرة الإسلامية أثناء فترة السبعينات وامتدادها للثمانينات بمعدل أفضل، كما ترسخت أقدام الإسلاميين بالجامعات وشكلوا عينة واضحة في أعضاء هيئة التدريس الجدد بالإضافة لفوزهم بأغلب المقاعد في الاتحادات الطلابية من خلال الانتخابات الحرة ... وكان ذلك تعبيرا عن سلامة التنظيم الإسلامي بالجامعات وقدرة مجموعة العمل على التعامل مع المتغيرات المحيطة.
ولا يفوتني أن أذكر بأن التوجه الإسلامي في الثمانينات كان يقضي بالعمل من خلال المنظمات العامة القانونية والتي يمثلها هنا بالجامعات الاتحادات الطلابية، مع أن اللائحة التي تحكم الاتحادات الطلابية لا تعطي إلا هامشا ضيقا من الحرية للطلاب وتجعل أمر الاتحادات برمته في أيدي المشرفين والإدارة الجامعية ولكن الطلبة الإسلاميين استطاعوا بعون الله ثم بحسن الصلة بالأساتذة أن يمارسوا قدرا جيدا من النشاط الدعوي والطلابي في ظل تلك اللائحة الجائرة.
ومن اللافت للنظر أن الإسلاميين بالجامعات لم ينسوا التنويه إلى مجلس الشعب بهدف إقرارها ولكنه لم يفعل .. فعاودوا التقدم لرئيس جامعة القاهرة ثم وزير التعليم فوعدهم ببعض التعديلات في حدود جامعته فقط على سبيل التجربة.
كما أن رؤساء الاتحادات بالجامعات حاولوا أكثر من مرة إعادة الاتحاد العام لطلاب الجمهورية إلى سيرته الأولى ولكن تصديات الحكومات المتعاقبة كانت وما تزال أشرس من قدرات الطلبة ولم تفلح جموع الطلاب في استرداد حقهم بإقامة الاتحاد العام لطلبة الجامعات المصرية كما كان من قبل ...

استمرت جهود الإسلاميين من خلال الاتحادات طوال أعوام 82، 83، 84 تتنامى وتزداد.وفي عام 1984 استطاع الإسلاميون إعادة الجامعات إلى صورتها العامة في السبعينيات واستطاعوا بفضل الله وعونه إزالة كل أثر للعدوان على الجامعات أثناء فترة اعتقالهم طيلة عام كامل بعد اغتيال السادات.

وفي عام 1984 والأعوام التي تليه فاز الإسلاميون بمعظم الاتحادات الطلابية بالجامعات المختلفة ومثلت الاتحادات الطلابية أوعية للنشاط الطلابي الإسلامي الأساسية.وفي جامعة القاهرة كبرى الجامعات على سبيل المثال تمكن الإسلاميون من الفوز بالاتحادات طوال سنوات 84، 85، 86، 87، 88، 89، حيث كانت لهم أغلبية ملموسة بمجلس اتحاد الجامعة.

القضايا الهامة التي اهتم بها الإسلاميون بالجامعات

واكبت الحركة الطلابية الإسلامية بالجامعات كافة الأحداث التي مرت بها أمتها في هذه الفترة من الناحية السياسية، كما هتمت بالقضايا الطلابية والعالمية.

من أهم القضايا التي اهتمت بها الاتحادات الطلابية الإسلامية:

  1. قضية فلسطين والمسجد الأقصى.
  2. قضية أفغانستان.
  3. قضية ضعف المسلمين وسبيل النهوض بهم.
  4. قضية بطلان الصلح مع الصهاينة المحتلين.
  5. قضية الحريات.
  6. قضية الشورى والديمقراطية.
  7. قضية حقوق الإنسان.
  8. قضية الفساد الاجتماعي والسياسي وكيفية مواجهته.
  9. قضية المشاركة السياسية والفاعلية الاجتماعية.
  10. قضية الانتخابات العامة والمشاركة فيها.

في إطار القضايا الطلابية:

  1. قضية الكتاب الجامعي وسبيل تيسيره للطلاب.
  2. قضية إسكان الطلاب بالمدن الجامعية.
  3. قضية النشاط الطلابي ورفع الوصاية عنه.
  4. قضية اللائحة الطلابية والمطالبة بإعادتها لأصلها.

في إطار القضايا الاجتماعية:

  1. قضية المخدرات والإدمان وسبل الوقاية منها.
  2. قضية الصحة والرياضة.
  3. قضية البيئة والتلوث.
  4. قضية ارتفاع الأسعار وقلة الدخل.
  5. قضية القدوة الصالحة وأهميتها للمجتمع.
  6. قضية التفوق العلمي وأهميته القومية.

في إطار القضايا الطارئة:

  1. قضية حرب الخليج وما ترتب عليها من أضرار.
  2. قضية مؤتمر مدريد ورفضه شكلا ومضمونا.
وهكذا مارست الاتحادات الطلابية دورا هاما في توعية جموع الطلاب نحو تلك القضايا مستخدمة الوسائل المختلفة للتوعية والإرشاد كالنشرة والكتاب والمحاضرة والمسرحية، والمعارض الفنية واللوحات الحائطية والمناظرات الفكرية ... إلخ.
كما واكب الاهتمام بتلك القضايا نشاط طلابي هائل من خلال لجان الاتحاد المختلفة.فلجنة الثقافة كانت معنية بالندوات والنشرات والمناظرات الفكرية.
ولجنة الجوالة أقامت معسكراتها في كل مكان وضمت إلى صفوفها عددا هائلا من الطلبة، ولجنة الرحلات نظمت رحلاتها إلى جميع أنحاء القطر وتوجت ذلك برحلات الحج والعمرة، ولجنة الرياضة أقامت المباريات والمسابقات الرياضية على مستوى عال من الجودة والالتزام حتى كانت حديث الجميع، ثم كان موجة أشرطة الكاسيت الهادفة إحدى ثمار هذه اللجان الطلابية المختلفة.

مواقف الخصوم:

تحالف الحزب الحاكم مع التيارات الغير إسلامية (الشيوعيون، اليساريون، الناصريون، المسيحيون) في محاولة لتطويق النشاط الإسلامي ومحاصرته وفض الطلاب من حوله، وكانت أهم أسلحتهم خلال أعوام: 87/ 88/ 89/ 1990.

  1. التشويه الإعلامي.
  2. الحصار الاقتصادي والمالي.
  3. اعتقال إسلاميين وفصلهم دراسيا.
  4. تهديد أولياء الأمور.
  5. إطلاق يد البوليس بالجامعات ونشر المخبرين.
  6. تزوير الانتخابات.
  7. شطب المرشحين الإسلاميين من قوائم الترشيح.
  8. تعيين الاتحادات بعد إلغاء الانتخابات.
  9. تكوين أسر نشاط مضادة ودعمها بكل ما تريد.
  10. إرهاب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وإرغامهم على إنفاذ مخططات التزوير. وتعودت ساحات الجامعات وقبيل كل انتخابات تجديد للاتحادات الطلابية السنوية أن تشهد سلسلة من الأحداث الدامية بين الطلاب وقوات الأمن.

وكانت الأمور ترتب على النحو الذي يحتم وقوع صدام بين قوات البوليس التي تملأ الجامعات وبين الطلاب أعضاء الاتحادات وجلهم من الإسلاميين، وعلى الفور يعتقل الطلاب ويقدمون للمحاكمة والتي تقضي في النهاية بفصل بعضهم من الجامعة وحرمان الآخرين من دخول الانتخابات، فإذا تقدم غيره قامت إدارة الجامعات بشطب معظم الطلاب فلا يبقى إلا المتقدمون من قبل جهات الإدغرة الحكومية.

وفي البداية كان الشطب جزئيا ولكن في نهاية الثمانينات كان كليا في معظم الجامعات.وبالرغم من تصاعد حملة الضغط الحكومي للطلاب في النصف الأخير من الثمانينات فقد صمدت الجبهة الإسلامية وقاومت وتشبثت بمواقعها وكانت تواجه عميلة الشطب بدفع أعداد كبيرة من الطلبة للترشيح فلجأت الإدارة الجامعية إلى إلغاء العملية الانتخابية كلية.

وتميزت نهاية فترة الثمانينات بتصاعد الحملة الحكومية في مواجهة الطلبة الإسلاميين وتحولت الجامعات في أعوام 88/ 89/ 90 إلى ثكنات عسكرية مليئة بالعنف الذي فاق كل حد.

الحرب بالأفكار المخالفة منذ بداية التسعينيات

أثمرت جهود الإسلاميين في الجامعات أثناء فترات السبعينيات والثمانينات ثمارا طيبة في معظم ميادين الحياة الجامعية، ولكن الخصوم لم يهدأ لهم بال وتنادوا فيما بينهم وعقدوا المؤتمرات واللجان لبحث كيفية مجابهة الإسلاميين.

وقد تمخضت كافة دراساتهم عن ميلاد جبهة عريضة مكونة من العناصر التالية:

  1. المجلس الأعلى للشباب والرياضة.
  2. جهاز رعاية الشباب بالجامعات.
  3. الحرس الجامعي.
  4. أعضاء الحزب الحاكم من أعضاء هيئة التدريس.
وبالرغم من أن هؤلاء قد اتفقوا على هدف ضرب الحركة الإسلامية ومواجهة الإسلاميين بالجامعات لكنهم اختلفوا في الوسائل المؤدية لذلك تماما.

جهود جيل السبعينيات: من خلال نوادي أعضاء هيئة التدريس

اهتمت مجموعة العمل الإسلامية بالجامعات اهتماما بالغا بأعضاء هيئة التدريس وتم ذلك من خلال التنسيق بين أعضاء هيئة التدريس المشهود لهم بالتدين والتفاوض معهم حول ضرورة أن يكون لهم دور اجتماعي بالجامعات، وكلفت شخصيا من مجموعة العمل بأن أتحمل مسؤولية الاتصال والتنسيق مع أعضاء هيئة التدريس، وبدأت هذه المهمة بإجراء دراسة ميدانية في معظم الجامعات لواقع الأستاذ الجامعي وكيفية النهوض بهذا الواقع، وصدرت الدراسة في أول مؤلف أصدره تحت عنوان (الأستاذ الجامعي ... الواقع والأمل)

كما أسست المركز العلمي للبحوث والدراسات ليكون وسيلة صحيحة وقانونية للقيام بهذا الدور، ولم تكد تنتصف الثمانينات حتى كانت نوادي أعضاء هيئة التدريس تملأ سمع المجتمع المصري وبصره، وكان طبيعيا أن تزداد أعداد الإسلاميين بالهيئة التدريسية بالجامعة نتيجة لهذا الاهتمام.

الثلاثاء 25 أغسطس 1987 الموافق 1 محرم 1408 كان يوما له تاريخ في حياتي، إنه اليوم الذي تحقق فيه تكوين تنظيمي للصحوة الإسلامية بين أعضاء هيئة التدريس تحت مسئوليتي، وفي هذا اليوم عصرا توافد على مدرسة المكفوفين بالإسكندرية بمنطقة زيزينيا ممثلين لهذا الكيان الجديد، وكان من بين هؤلاء المرحوم الدكتور يوسف عبد الرحمن الذي عبر عن فرحته بالمخيم والمشاركة فيه بأن ارتدى طاقية بيضاء ودخل المدرسة بهذه الهيئة وقابلته على الباب ومددت يدي برفق وأخذت الطاقية وداعبته قائلا (بكرة من حضرتك)

ولكن السبب كان لعدم لفت الأنظار لهوية المستأجرين، وفي هذا اليوم فجرا وضعت زوجتي توأما عبد الرحمن وأسماء وتوقع بقية فريق إدارة المخيم عدم حضوري حفلة الافتتاح، وما بين الفجر وقت الولادة والعصر موعد الافتتاح يسر الله أمري وأنهيت كافة ما هو مطلوب مني وودعت زوجتي والتوأمين وسافرت إلى المخيم قبل وصول الكثيرين إليه، وتكلم في الافتتاح المرحوم ممدوح الديري وضرب بحضوري المثل في التجرد للدعوة وتقديمها على ما عداها مستدلا بما فعلت؛

لقد كان الحب في الله والتفاني في أداء المهام الإيمانية منتهى أمانينا ومصدر سعادتنا حتى حلقت طيور الظلام في سمائنا فبدلت وغيرت ومررت طعم الحياة من حولنا، في نهاية عام 1987 كانت نوادي أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية تتشكل معظم مجالسها من رجالات الصحوة الإسلامية الفتية، في القاهرة يرأس النادي أ. د. يوسف عبد الرحمن.

وفي الإسكندرية أ. د. نبيل هاشم وفي أسيوط أ. د. محمد السيد حبيب وفي الزقازيق أ. د. لطفي شهوان، وجميعهم من الإسلاميين ثم توالت جهود الإسلاميين في النوادي يرأسونها أو يعملون في مجالسها حتى نالوا ثقة الأوساط الجامعية في بقية الجامعات المصرية ... في المنصورة والمنيا والإسماعيلية وغيرها من الجامعات، نشطت نوادي أعضاء هيئة التدريس في ظل الإسلاميين نشاطا محمودا في كافة العمل الجامعي وأثمرت في ذلك ثمرات طيبة.

وعقدت النوادي المنتخبة حتى بداية التسعينيات ثلاثة وسبعين مؤتمرا مشتركا لها، وذلك لتبادل الرأي وإجراء المناقشات والحوارات حول أوضاع الجامعات المصرية وأعضاء هيئات التدريس وتوفير الجو الملائم لهم لتأدية رسالتهم الهامة من أجل التعليم والبحث العلمي.

وأصدرت النوادي عددا من الدراسات والتوصيات يجدر بنا دراستها للوقوف على حجم العمل الكبير الذي قامت به تلك النوادي (راجع كتاب الأستاذ الجامعي .. الواقع والأمل .. للمؤلف).

وأهم تلك التوصيات والتوجيهات يمكن إجمالها فيما يلي:

(1) وضعت النوادي مقترحا مفصلا لتعديل القانون الخاص بالجامعات (49 لسنة 72) طالبت فيه بـ:
(أ) الاستقلال المالي والإداري للجامعات.
(ب) اختيار كافة القيادات الجامعية عن طريق الانتخاب الحر المباشر.
(ج) ربط سياسة الشورى الجامعي باحتياجات المجتمع.
(د) ضمان حرية الرأي والتعبير والنشر والاجتماع بالجامعة ووضع الضمانات الكفيلة بتأمين الأعضاء على حاضرهم ومستقبلهم.
(2) وضعت النوادي اقتراحا تفصيليا لتصحيح هياكل رواتب أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم.
(3) إنشاء نظام التأمين الصحي من خلال كل نادي بالجامعات.
(4) إعادة جميع الأعضاء الذين نقلوا خارج الجامعة نتيجة قرارات سبتمبر 1981.
(5) الوقوف بحزم في مواجهة سياسات التطبيع مع الصهاينة وكافة مؤسساتهم العلمية.
(6) مكافحة التعديات البوليسية على الجامعات والمطالبة بإلزام الحرس الجامعي بمهمته المحددة في حراسة المنشآت الجامعية وتأكيد تبعيته لإدارة الجامعة.
(7) تأييد المطالب الطلابية الخاصة بإلغاء اللائحة الطلابية المجحفة والتي أصدرها الرئيس السادات لتقييد الحركة الطلابية.
(8) المشاركة الإيجابية بالرأي والاشتراك الفعلي في كافة القضايا القومية التي مرت بالأمة ومنها:
(أ) قضية الحريات والتعليم والديمقراطية.
(ب) قضية تطوير التعليم ومحاولات البعض محو الهوية الإسلامية للأمة تحت هذا الشعار والوقوف بحزم في مواجهة تلك المخططات.
(ج) قضية التنمية الزراعية وأهميتها وتوضيح خطورة التغلغل الصهيوني في مؤسساتنا الزراعية.
(د) قضية الحصار العلمي والتكنولوجي المفروض علينا من الغرب والأمريكان وكيفية التغلب عليه.
(هـ) قضية حقوق الإنسان عامة والإنسان المصري خاصة.
(و) التكامل العربي والإسلامي في كافة الشئون، والتعاون على درء الأخطار الخارجية التي تستهدفنا جميعا.
(ز) الوقوف بقوة مع الشعب العراقي في مواجهة الاستعمار الأمريكي.
(9) الاعتراض على تعيين المحافظين في مجالس الجامعات لتعارضه مع مبدأ استقلالها.
(10) المطالبة المتكررة والمستمرة من النوادي بإلغاء قانون الطوارئ وكافة القوانين المقيدة للحريات والتي اصطلح على تسميتها "بالقوانين سيئة السمعة"، والعودة لمعاملة الإنسان المصري بالقوانين العادية وعرضه على قاضيه الطبيعي.
(11) الرفض القاطع لإنشاء ما يسمى بالجامعة الأهلية لما يترتب عليها من مضار والمطالبة بالإنفاق على الجامعات القائمة واستكمال منشآتها ومعاملها وفي ذلك الاستغناء عن كل ما يقصد بإنشاء الجامعة الأهلية.
(12) رفض الاشتراك الصهيوني في عرض القاهرة للكتاب ومطالبة المسئولين بتنفيذ ذلك على الفور.
(13) مخاطبة الزعماء في إيران والعراق للوقف الفوري للحرب الطاحنة التي دارت بين البلدين.
(14) مؤازرة الشعب الأفغاني بقوة أثناء حربه ضد المحتلين الشيوعيين.
(15) المطالبة بتغيير اسم مجلس "تأديب أعضاء هيئة التدريس" الوارد بالقانون إلى مجلس المساءلة لأعضاء هيئة التدريس "وذلك حفاظا لكرامتهم واحترامهم.
(16) طالب المؤتمر الدائم لأعضاء هيئة التدريس بسرعة الأخذ بالشريعة الإسلامية في كافة القوانين تنفيذا لنصوص الدستور الذي اعتبرها المصدر الأساسي للتشريع.
(17) استطاعت نوادي أعضاء هيئة التدريس أن تكسر الحصار الحديدي الذي ضربته الدول حول الجامعات لتمنعها من أداء دورها نحو مجتمعها.
(18) أفرزت حركة النوادي شخصيات قيادية للعمل السياسي والاجتماعي على المستوى العام، استفادت منهم الأمة واسترشدت بهم في مواقفها الهامة والحاسمة.

تصاعد الصراع بين النوادي وخصوم التيار الإسلامي

نتيجة لهذه الحركة العريقة لنوادي أعضاء هيئة التدريس فقد وقع بالجامعات صراع بين توجهين:

التوجه الأول: والذي تدافع عنه نوادي أعضاء هيئة التدريس وهو التوجه الذي يؤمن بشمولية رسالة الجامعة واضطلاعها بالتربية المتكاملة لطلابها وضرورة تفاعلها مع مجتمعها وذلك ما نص عليه قانون تنظيم الجامعات الذي جاء في مادته الأولى:
"تختص الجامعات بكل ما يتعلق بالتعليم الجامعي والبحث العلمي الذي تقوم به الكليات والمعاهد التابعة لها في سبيل خدمة المجتمع والارتقاء به حضاريا، متوخية في ذلك المساهمة في رقي الفكر وتقدم العلم وتنمية القيم الإنسانية وتزويد البلاد بالمتخصصين والفنيين والخبراء في مختلف المجالات وإعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة وطرائق البحث المتقدمة والقيم الرفيعة، ليساهم في بناء وتدعيم المجتمع وصنع مستقبل الوطن وخدمة الإنسان والإنسانية؛
وتعد الجامعات بذلك معقلا للفكر الإنساني في أرفع مستوياته ومصدرا لاستثمار وتنمية أهم ثروات المجتمع وأغلاها وهي الثروة البشرية، وتهتم الجامعات كذلك ببعث الحضارة العربية والتراث التاريخي للشعب المصري وتقاليده الأصيلة ومراعاة المستوى الرفيع للتربة الدينية والخلقية والوطنية وتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات الأخرى والهيئات العلمية العربية والأجنبية، وتكفل الدولة استقلال الجامعات بما يحقق الربط بين التعليم الجامعي وحاجات المجتمع والإنتاج.
والتوجه الثاني: الذي يريد أن تكون الجامعة مطيعة للحاكم تعبر عن مراده وتتحدث بلسانه، كما أن هذا التوجه بطبيعة الحال أراد أن يدخل الجامعة في صراعات حزبية ويفرض على إدارتها قبول الخضوع لتوجهات الحزب الحاكم كشرط أساسي لاستمرار المسئولين عن الجامعة في مناصبهم.

وقد زادت حدة هذا الصراع بين التوجهين المتصارعين بالجامعات في مواقف عديدة أشهرها:

(1) قضية أرض نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة، حيث خصصت أرض على النيل لإقامة ناد اجتماعي وثقافي إضافة لمبناه الصغير المنحشر وسط الحي السكني بجوار الجامعة.
وقد اتخذ النادي كافة الإجراءات القانونية الطبيعية بتسجيل الأراضي والعقارات وجهز الرسومات الهندسية وأعلن عن يوم وضع حجر الأساس ودعي إليه السيد رئيس الوزراء والسيد وزير التعليم.
وقبل الافتتاح بحوالي 12 ساعة توجهه قوات مسلحة تابعة لوزارة الداخلية واحتلت الأرض بالكامل وهددت من يقترب بإطلاق الرصاص عليه.
وكانت قضية ذائعة الصيت استنكرتها كافة الأوساط، ولكن أسفر غبار المعركة عن انتصار البندقية والمسدس وسياسة الاستيطان والغصب في مواجهة من المدنيين أعضاء هيئة التدريس وبقيت القضية بين الجامعة والحكومة مستعرة حتى عام 2000 حيث أعطيت للنادي أرضا بديلة بجوار مسجد صلاح الدين في قبالة الجامعة.

قرارات وتوصيات المؤتمر التاسع والستين:لنوادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية:

انعقد المؤتمر العام التاسع والستون لنوادي هيئات التدريس بالجامعات المصرية بمقر نادي هيئة التدريس بجامعة القاهرة وبحضور جامعات القاهرة، والإسكندرية، وعين شمس، أسيوط، المنصورة، الزقازيق، بنها، المنوفية، حلوان، قناة السويس، طنطا، وقد ناقش المؤتمر القضايا المهنية والقومية التي اشتمل عليها جدول الأعمال وأصدر التوصيات التالية:

جامعة أسيوط:

(1) يؤيد المؤتمر العام قرارات وتوصيات المؤتمر الطارئ لأعضاء هيئة تدريس جامعة أسيوط على امتداد جلساته الأربع في 7، 14، 28/ 11، 8/12، ويستنكر المؤتمر بشدة موقف وممارسات رئيس جامعة أسيوط وما قام به من تحويل 63 عضو هيئة تدريس إلى النيابة العامة؛
ويعتبر ذلك سابقة خطيرة في تاريخ الجامعات المصرية، الأمر الذي سيترتب عليه عواقب غير مأمونة، ويعتبر المؤتمر أن أساتذة جامعة أسيوط قد مارسوا حقا مشروعا للأفراد والجامعات والنقابات في مصر بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 537 لسنة 1981 بشأن الموافقة على الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمنشورة في الجريدة الرسمية بتاريخ 14/ 4/ 1982؛
ويناشد المؤتمر السيد رئيس الجمهورية سرعة التدخل لاحتواء الأزمة وتطويق آثارها وبما يلبي رغبة القاعدة العريضة لأعضاء هيئة تدريس جامعة أسيوط، ويكلف المؤتمر العام المكتب الدائم بالاتصال وتكليف مجموعة من المحامين للتعاون مع المحامين بأسيوط في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية للدفاع عن حقوق أعضاء هيئة التدريس المحالين إلى النيابة العامة، فضلا عن التحقيقات الجارية الآن داخل الجامعة وما يترتب عليها.
كما يؤكد المؤتمر على ضرورة فتح أبواب الحوار بين النوادي والإدارات الجامعية للبحث عن أفضل السبل لحل مشاكل الجامعات لتجنب الاضطرابات والمحافظة على الاستقرار داخل الجامعات.

جامعة المنصورة:

(2) يدين المؤتمر العام موقف رئيس جامعة المنصورة وتدخله في شئون نادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، الذي وضع العراقيل أمام عقد المؤتمر العام بمقر النادي، ويعتبر ذلك محاولة لكتم الأصوات الحرة وخنق الأنفاس المخلصة، واعتداء على الديمقراطية التي ينادي بها السيد رئيس الجمهورية، وفتحا لباب القلاقل والتذمر والتوتر داخل الجامعة.

نوادي الجامعات:

(3) يحذر المؤتمر العام من خطورة إنشاء نواد باسم نوادي الجامعات لما قد يسببه ذلك من قلاقل واضطرابات في الأوساط الجامعية ويعتبر المؤتمر أن نوادي أعضاء هيئة التدريس القائمة بالجامعات المصرية هي الممثل الشرعي لأعضاء هيئة التدريس.
(4) لقد حققت نوادي أعضاء هيئة التدريس إنجازات كبيرة من خلال تعاونها مع وزراء التعليم السابقين أ. د. مصطفى كمال حلمي، أ. د. أحمد فتحي سرور، أ. د. عادل عز، مما كان له أثره الواضح في حسن الأداء للتعليم الجامعي وترسيخ معاني الانتماء والوطنية في الجامعة، إن المؤتمر العام يحرص على استمرار هذا التعاون با يخدم رسالة الجامعة في تحقيق الاستقرار والتنمية.

الاعتداء على السياح:

(5) يستنكر المؤتمر العام كل ممارسات العنف والإرهاب الموجهة للسياحة في مصر، وتعريض حياة السياح للخطر، الأمر الذي يتنافى مع قيم الإسلام وتعاليمه، ويناشد المؤتمر كافة القوى السياسية والنقابية والتجمعات الشعبية الوقوف ضد هذه المحاولات حفاظا على سمعة مصر وأمنها واستقراراها.

التطاول على الأزهر والقضاء:

(6) يحذر المؤتمر العام بشدة من الممارسات الصادرة من بعض الأقلام أو الأصوات التي تستهدف النيل من الأزهر الشريف ومن القضاء المصري العظيم وأساتذة الجامعات.
رئيس المؤتمر أ.د. بدر الدين غازي عطية

وتلك النماذج التي أوضحناها .. قليل من كثير نقصد به أن نوضح أن السياسات التي طبقتها الدولة في مواجهة حركة الطلاب الإسلاميين انسحب على أعضاء هيئة التدريس وحركتهم من خلال نواديهم ولكن بقدر حركتهم في مواجهة النظام ومعارضة سياساته.

ثلاثة تقارير خطيرة: لمواجهة الصحوة الإسلامية بالجامعات

التقرير الأول: حول مؤتمر الإعداد للقادة

مبنى المركز الكشفي، مدينة نصر الزمان 1/ 7/ 1992م

الذين يحضرون المؤتمر: مدعوون بصفة خاصة من قبل السادة رؤساء الجامعات، وهم أعضاء هيئة تدريس وموظفون من الجامعات ومختارون من الطلاب وذلك من جامعات: (الإسكندرية الأزهر الزقازيق قناة السويس المنيا أسيوط). ومعيدة واحدة من جامعة عين شمس، كلية الخدمة الاجتماعية.

المحاضرون: د. يوس والي، د. أسامة الباز، أ. محفوظ الأنصاري من جريدة الجمهورية، رئيس جامعة أسيوط، أ. عبد المنعم عمارة رئيس الشباب والرياضة، نور الدين فهمي رئيس جهاز الشباب، الشيخ محمد سيد طنطاوي مفتي وزارة العدل.

ومن الصف الثاني: د. خالد رفعت، من هندسة بورسعيد، د. عبد الوهاب زقطط، هندسة الزقازيق، د. حسن بكر، علوم سياسية أسيوط.

الهدف من المؤتمر: إعداد القادة الذي يحملون مفاهيم الحزب الوطني في محاولة لإعادة (شبه تنظيم طليعي بالجامعات).

الوسائل: محاضرات وحوارات جميعها حول الظاهرة الإسلامية وكيفية التغلب عليها.

ويدل التقرير الذي بين يدي على فشل الملتقى في تحقيق أهدافه ووقوع خلاف كبير في وجهات النظر بين المدعوين والمحاضرين وكثيرا ما أوصلتهم الحوارات إلى إيجابيات الظاهرة الإسلامية ولكن إصرار السيد عبد المنعم عمارة على التصدي لها كان الاتجاه الذي غلب، وقد فشل المجتمعون في التوصل لصيغة محددة للحركة نظرا لأن كل منهم ينتمي لجهة مختلفة.

وقد أبدى عبد المنعم عمارة اسيتاءه من أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة لأنهم رفضوا حضور حفلة بالجامعة في صحبته وحضر الحفلة وحده مع المحتفلين من أسرة الحزب الوطني بالجامعة.وقد أدلى كل من حضر بدلوه في المسألة وكان أشدهم على الشباب فضيلة المفتي الشيخ طنطاوي وبعض أفراد الصف الثاني.

التقرير الثاني: حول نادي حورس

(التنظيم الشبابي المكلف بمكافحة الإسلاميين في الجامعات المصرية)

والتقرير نشر على عددين بجريدة الشعب جاء في العدد الأول:

فكرة النادي: إحياء التنظيم الطليعي الذي شكله الاتحاد الاشتراكي في الستينيات ليكون جناحا شبابيا يتشبع بأفكار النظام مقابل الإمتاع والإنفاق على شهوات الشباب المنضمين إليه.
النشأة الحديثة: عقب الدورة الإفريقية حيث تم انتقاء فتيان وفتيات من الذين شاركوا في خدمات الدورة والترفيه عن اللاعبين والضيوف.
الأهداف: يلخصها السيد أشرف المهدي، مدير النادي فيقول: نريد أن ينقرض التيار الإسلامي تماما ويتم إصلاح مسار الاتحادات الطلابية.
التمويل: من خلال اشتراكات الأعضاء ومساهمات المجلس الأعلى للشباب والرياضية.
الانتشار: يوجد للنادي تجمعات في معظم المحافظات وعلى رأسها القاهرة، والإسكندرية، وأسوان والدقهلية والمنصورة، وجاري تأسيس فروع في كل من المنوفية، الإسماعيلية، بورسعيد.
التوجهات الفكرية: يقول رئيس النادي هناك ثلاثة مسائل لا دخل لنا فيها:
  1. الدين
  2. السياسة
  3. الأحزاب السياسية.
وما عدا ذلك يمكننا أن نقبله ونتعامل به.

أسباب الانتقادات الموجهة لحورس:

يقول رئيس النادي لعل السبب أن الشباب أثناء الدورة الأفريقية كانوا يسهرون معا إلى ساعة متأخرة فتيانا وفتيات وكثيرا ما كنا نبيت بالاستاد، وكان من الشباب من أوتي بأفعال تسيء إلى السمعة.وكذلك قد يكون السبب السرنجات المخدرة التي تم ضبطها مع الأعضاء عقب حفل يوم 27 فبراير الماضي.

سلوكيات أسرة حور في رحلة قطار الشباب إلى أسوان:

نقل التقرير وقائع كثيرة حول الحالة الأخلاقية المتردية لأعضاء التنظيم تصل إلى شرب الخمر والعبث الجنسي بين الفتيات والفتيان، والتطاول بالمطاوي ... وأن ذلك من الأمور المتعارف عليها في نادي حورس، بل إن بعض المشرفين يشارك الطلاب في هذه المهازل (طالع تقرير الشعب في عددي 5، 9 فبراير 1993).

التقرير الثالث: حول دراسة أعدتها جامعة المنوفية كلية الآداب

تحت عنوان: "الريادة المتكاملة للرعاية الطلابية".

وقد أرسلتها الجامعة للجامعات الأخرى بهدف الدراسة والمناقشة والتعميم.

ويعد التقرير محاولة جادة لمقاومة ظاهرة التدين بالأسلوب العلمي (كما يتصور صاحب التقرير) بالرغم من أن الدكتور صاحب التقرير حاول أن يغلف توجهاته تحت عنوان: "الريادة المتكاملة" والتقرير يبدي قلقه البالغ لوجود المتدينين بجامعة المنوفية ويصفهم كالعادة بالأوصاف المهينة.

ويحدد التقرير تسعة أهداف لتجربته التي يدعي أنها نجحت، ثم يشرح كيفية السير لتحقيق هذه الأهداف فيسرد كيف عقد كثيرا من الاجتماعات وكيف جند (4) طلاب بالتحديد أسماهم (بالرواد) لكل سنة دراسية ويشرح كذلك كيف كان الدور الرئيسي لهؤلاء منع الطلاب المتدينين (ويصفهم بالمتشددين) من إلقاء كلمات دينية بالمدرجات قبل الدروس والمحاضرات، وبدت المسألة على أنها خلاف بين الطلاب لا دخل للكلية فيه.

كما نسي نفسه تماما عندما قال في التقرير في صفحة (6) إن الطلاب الرواد المختارين كان من بين أدوارهم تذكير الأساتذة بمواعيد المحاضرات وهكذا أصبحوا أدوات لسيادته على الأساتذة أيضا وليس على الطلاب فقط، وهكذا تعب الدكتور كثيرا في هذا المجال بما يجعل لمطالبة في آخر التقرير وجاهة عند المسئولين.

وفي نهاية التقرير يقدم الأستاذ الدكتور مطالبه الآتية:

  1. ضرورة زيادة المكافأة المالية لأعضاء هيئة التدريس الذين يتفاعلون مع التجربة ومجازاة المتقاعسين عنها.
  2. يطبق ذلك على الطلاب أيضا فيفصل من الاتحاد ... المتقاعسون.
  3. يعاد النظر في قانون تأديب الطلبة بحيث تعطي للعمداء صلاحيات أوسع من ذلك.
  4. ضرورة العمل على تلبية حاجات الطلاب حتى لا يقعوا فريسة للتوجهات الإسلامية.

ماذا تعني هذه التقارير؟

تعني أن الجهات المناوئة للصحوة الإسلامية غيرت من خطتها القديمة المعتمدة على البطش البوليسي وأضافت إلى ذلك مواجهة تعتمد على الأفكار والتنظيمات المدنية، ويعتبر ذلك من أهم مكاسب الصحوة الإسلامية الجديدة التي بدأت مع جيل السبعينيات، وكان ذلك يعني أنها أجبرت الخصوم على الدخول في حوار حول القضايا المختلف عليها.

وكان ذلك لسببين:

الأول: استمرار الجماعة الإسلامية في الحوار الهادئ حول قضايا الإسلام والمسلمين ليضربوا المثل في القدرة على الحوار بالتي هي أحسن مبتعدين تماما عن العنف ووسائله.
الثاني: إن الجيل الجديد الذي نشأ في السبعينيات وامتد عمله في الثمانينات اتسم بسمات خاصة ولا يمكن وصفه بأنه مجرد امتداد لحركة الإخوان المسلمين القديمة ولكنه جيل استوعب تجربة الماضي واستفاد بها وتجنب ما وقعت فيه من الأخطاء (مثل التنظيمات السرية والعسكرة وسلطة الأمير المطلقة والصراع مع القيادة المعلنة وتكفير المخالفين واعتبار الحركة الإسلامية حركة انقضاضية على مجتمعها واعتبار القوة المادية من وسائل التغيير السياسي أو ما عرف بالخلع والإبعاد)
ومع قوة الصلة بقيادة الإخوان المسلمين متمثلة في مكتب الإرشاد والمرشد العام الأستاذ عمر التلمساني ولكن ذلك كان ضمن اتفاق واضح مفاده عدم وضع لافتة (الإخوان المسلمين) على الصحوة الإسلامية في الجامعات والأحياء، ولم يكن ذلك اعتباطا ولكن الجميع ممثلا في قيادة الإخوان وجيل السبعينيات كان يعي أن تجربة الإخوان المسلمين التاريخية لها ميزات ولها عيوب ومن الحكمة أن نجنب الصحوة الإسلامية الجديدة تحمل هذه العيوب التي ليس لها صلة بها ولا ذنب فيها.

أبرز معالم المرحلة:

الشخصيات:

في الفترة من 1970 وحتى منتصف الثمانينات برزت أسماء وشخصيات تمثل الصحوة الإسلامية، ويمكن تصنيف من أتذكر منهم على النحو التالي:

علماء وقادة:

  1. الشيخ محمد الغزالي السقا.
  2. الشيخ سيد سابق.
  3. الشيخ عبد الحميد كشك.
  4. الشيخ حافظ سلامة.
  5. الشيخ محمد نجيب المطيعي.
  6. الدكتور عيسى عبده.
  7. الشيخ محمود عيد.
  8. الشيخ أحمد المحلاوي.
  9. الشيخ محمود عبد المجيد العسال.
  10. الشيخ إبراهيم عزت.
  11. الشيخ عبد الرشيد صقر.

بالإضافة إلى علماء آخرين كنا نستريح له دون أن يقتربوا منا أو يشاركوا معنا في عمل ومنهم:

  1. الشيخ عبد الحليم محمود.
  2. الشيخ سليمان ربيع.
  3. الشيخ عبد اللطيف المشتهري.

القادة من الشباب:

في جامعة القاهرة:

برز منهم وائل عثمان وعصام الغزالي وعصام الشيخ وعبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان وسناء أبو زيد وحلمي الجزار وأحمد عمر ومحمود الراوي وعصام سلطان.

في جامعة عين شمس:

برز في الطب ماهر سالم ومصطفى طلبة ومحي الزايط وأحمد دغيدي وأشرف عبد العظيم وعبد العزيز سويلم وفي العلوم عبد المحسن زيكو والسيد عبد الستار (مؤلف الكتاب) وطه عبد الخالق وبدوي محمد بدوي وشكري مصطفي وسيد شيبة وفي الهندسة محمد الدبيسي وأسامة حامد وأسامة خضر وفي الأزهر أسامة عبد العظيم وعبد الله سعد ومحمد رشدي وفي الكليات العسكرية برز كارم الأناضولي.
  • في جامعة المنيا علي عمران ومحي الدين عيسى وأبو العلا ماضي وحشمت خليفة وأحمد عبد العال ومحمد أبو المعاطي وأحمد زكي وجمال عبد الصمد وكرم زهدي وفؤاد الدواليبي وأسامة حافظ وحسن يوسف وأبو ستيت وإبراهيم ذا النون وحسين سليمان وعاصم عبد الماجد.
كما ظهر في الأحياء حسن الجمل بالمنيل بالقاهرة والشيخ محمد المطراوي بالمطرية وفي مصر الجديدة مجموعة مسجد الشعراوي (جمال عبد الناصر سابقا) ومنهم عبد اللطيف الشريف مؤسس مصانع الشريف ورأفت عياد ومحمد رجائي ومجموعة النزهة
ومنهم محمد السعيد عبد اللطيف المشتهري ومحمود صالحين ومحمد عطية عيسى وحلمي اللق والدكتور فتحي عبد الوهاب وسيد عي حسن شبراخيتي وأحمد حجازي ومحمد شريف الفخفاخ ومحمد شرف الدين ومحمد عبد السلام شرف الدين، ومجموعة شبرا وأشهرهم عبد الله عمر الذي أعدم في حادثة احتلال الحرم المكي مع جهيمان، ومجموعات مشابهة في كل محافظة مصرية.
ومن هؤلاء المنتمين للجيل الشهيد فتحي الشقاقي مؤسس تنظيم الجهاد الإسلامي في فلسطين وكان يدرس بجامعة الزقازيق وعدد من مؤسسي حركة حماس منهم موسي أبو مرزوق وخالد مشعل وأسامة حمدان.

المعالم العقدية للجيل:

مع ملاحظة أننا نتحدث عن تاريخ وليس عن الواقع اليوم فقد اختلفت عقيدة المشاركين في الصحوة الإسلامية تجاه المجتمع والحكومات والمؤسسات والنصارى، فالعلماء القادة الذين ذكرتهم كانت منطلقاتهم العقدية الشعور بأن سبب تخلفنا وهزيمتنا هو بعدنا عن الله وتفريطنا في تعاليم القرآن والسنة بالمعنى العام ولم يكن في خلدهم أن نبرتهم الحادة في نقد الواقع الديني سوف تؤدي إلى ما هو أبعد من ذلك لدى الشباب؛

ولكن الذي سيطر على شباب الصحوة كان الفكر التكفيري، وأهم السمات التي ظهرت وشاعت بين الجيل بالتصريح أو التلميح كانت:

  1. النظرة للمجتمع على أنه مجتمع جاهلي والدليل عند الشباب هو المعاصي الفاشية وفي مقدمتها سفور النساء وبيع الخمر وتداوله والتعامل بالربا والحكم بغير ما أنزل الله.
  2. النظر إلى الدولة ومؤسساتها وأجهزتها على أنها غير إسلامية وتصريح قطاع ملموس بأن الحكومات كافرة وكل من يعاونها أو يتبعها ويسير في ركابها وخاصة الشرطة والجيش.
  3. الاعتقاد بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب شرعي على شباب الصحوة والدليل المشهور فيما بيننا هو حديث (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وفرضية تغيير المنكر القائم في النظام والحكومة والشعب ولو بالقوة.
  4. النظرة إلى الأقباط على أنهم أعداء يجب محاربتهم وقد تفاوت العداء للنصارى بين مجرد الكراهية والحذر في الوجه البحري إلى الشدة والعنف واستحلال الأموال والدماء عند الإسلاميين في الصعيد، وكان من أسباب ذلك التحول في الفكر المصري موقف البابا شنودة الذي بدأ فترته متشددا تجاه المسلمين ومعلنا لشعارات غريبة جديدة مثل وقوع ظلم على النصارى وتفرقة عنصرية وحرمان من الوظائف العليا في الدولة وهكذا تكهربت العلاقة بين المسلمين والنصارى وبرز مصطلح الفتنة الطائفية ليعبر عن هذه الحالة.
  5. النظر إلى القومية العربية كدعوة جاهلية هدفها صرف العرب عن دينهم واعتبار جامعة الدول العربية أداة استعمارية أسسها وأشرف عليها المحتل الإنجليزي وغزاها ميشيل عفلق لتكون بديلا عن الخلافة الإسلامية.
  6. النظر إلى العالم الغربي الغير مسلم (أمريكا وأوروبا والاتحاد السوفيتي وإسرائيل) كدار حرب وقوى معادية للإسلام ويشمل ذلك الشعوب والحكومات دونما أي تفرقة.
  7. عدم الإحساس بوجود العالمين الآسيوي والأفريقي ولذلك لا أثر لهما في أدبيات المرحلة.

الفعاليات والسمات البارزة للصحوة والتأثير في المجتمع:

شاركت الصحوة الإسلامية لهذا الجيل في عدة ظواهر اجتماعية ميزتها وأبرزتها عدة فعاليات واقعية يمكن رصدها على النحو التالي:

ظاهرة الزي الإسلامي للنساء واللحى للرجال وأسلمة المناسبات:

من أهم ما تميزت به الصحوة ظاهرة الإقبال على الزي الإسلامي للنساء وإطلاق اللحية عند الرجال، لم يكن ذلك من موضوعات الحركة الإسلامية في الثلاثينات أو الأربعينات وحتى السبعينيات ومن الثابت أن جيل المتدينين قبل الصحوة في السبعينيات لم يكن ملتفتا لهذا حتى أن قادة مشاهير في الحياة الإسلامية كانوا يدخنون السجائر وزوجاتهم ونساؤهم سافرات كنساء الطبقات المتغربة؛
وكذلك التمسك بالمظاهرة الإسلامية في الأعراس ومناسبات الموالد وعادت للحياة مصطلحات الوليمة للعرس والعقيقة للمولود والوكيرة للمنزل الجديد وانتشرت أدعية المناسبات كدعاء السفر ودعاء الأكل ودعاء الشرب ودعاء الزواج ودعاء المساء ودعاء النوم ودعاء القيام من النوم و ... إلخ، كل هذه كانت إبداعات الصحوة الإسلامية من حيث إخراج بطون الكتب وتحويلها إلى حالة شعبية عامة.
صلاة العيدين خارج المسجد:
غدت صلاة العيدين خارج المساجد وفي الساحات العامة وسيلة الصحوة الإسلامية لحشد الشعب خلفها مرتين كل سنة في عيد الفطر وعيد الأضحى وقد أحسنت الدولة صنعا عندما تبنت ذلك ونظمت وزارة الأوقاف معظم الساحات بنفسها، ولكن يبقى هذا الإحياء لتلك السنة التي أميتت من إنجازات جيل السبعينيات الإسلامي.
تداول الأشرطة الإسلامية:
ومن هذه الإنجازات كذلك استخدام تكنولوجيا أشرطة الكاسيت لنشر المواعظ والمحاضرات الإسلامية، وقد أصبح الشريط الإسلامي من سمات جيل السبعينيات ولا حسب أن شريط كاسيت في الدنيا نافس شريط الشيخ عبد الحميد كشك خطباء جيل الصحوة الإسلامية في السبعينيات.
انتشار الكتب الإسلامية:
ومن الإنجازات التي ميزت الصحوة الإسلامية لجيل السبعينيات حب القراءة وتحصيل العلم وترتب على ذلك حب الكتب والاهتمام بتحديثها وحسن إخراجها وتلوين أغلفتها، وترتب على ذلك رواج غير مسبوق للكتاب الإسلامي ليأخذ مكان الصدارة في معظم معارض الكتاب العربية والإسلامية حتى يومنا هذا.
الزواج المبكر الإسلامي والأسرة المستقرة:
من الظواهر التي ترسخت مع ازدهار الصحوة الإسلامية لجيل السبعينيات ظاهرة الزواج بين الشبان الإسلاميين والشابات المسلمات بطريقة تشبه الزواج العرفي ولكن بضوابط إسلامية من حيث الإشهار بالمساجد والبساطة المتناهية في التجهيزات (منزل بمساحة عش العصافير وكنبة وقلة وكباية)
وكانت الريادة في ذلك لجماعة شكري مصطفي لولا أنها كانت تقوم بذلك من وراء أهل الشاب والفتاة أحيانا، غير أن الجماعات الإسلامية، بالجامعات فعلت نفس الشيء بعلم تام من أهل الشاب والفتاة فكان فعلا محمودا وحاميا للشباب من الوقوع في الرذيلة ومقبولا في الفقه الإسلامي، بهذه الطريقة حدثت مئات بل آلاف الزيجات الناجحة والتي ترتب عليها بيوت مستقرة حتى اليوم ونشأ عنها ذريات صالحة ندعو الله أن يبارك فيها ويرعاها.

شركات توظيف الأموال والبنوك الإسلامية:

نجحت الصحوة الإسلامية في السبعينيات في لفت نظر المجتمع إلى ضرورة التحري في باب الكسب المالي والتأكد من أن المال الذي في أيدينا مكتسب من حلال وينفق في حلال، وأصبح السؤال المطروح مجتمعيا: هل البنوك حلال وهل فوائد البنوك حلال وما هو الموقف من شهادات الاستثمار والصكوك وأوعية الادخار بالفوائد وما علاقة ذلك بالربا الحرم شرعا؛
وبناءا على هذا الطرح واللغط كان لا بد من تقديم بديل يستوعب المدخرات ويوظفها، وهنا تقدم عدد من الإسلاميين بالبديل وهو ما عرف بشركات توظيف الأموال الإسلامية، وكان في المقدمة شركة الشريف وصاحبها عبد اللطيف أحمد الشريف، وكانت شركة الريان وصاحبها محمد الريان وأولاده، وكانت شركة السعد وصاحبها أشرف سعد، وكانت شركة الحجاز للتنمية العقارية والتعمير وصاحبها أحمد عبيد عيسوي، وكانت شركة الحجاز للتجارة والصناعة وصاحبها المهندس محمد شاكر، ثم لحق بهذه المجموعة شركات أخرى مقلدة ومستفيدة من المناخ الذي هيأته الصحوة الإسلامية.
كما تأسس أول بنك إسلامي هو بنك فيصل الإسلامي المصري ولحق به فتح فروع إسلامية بالبنوك العامة الأخرى، وهكذا أصبح للصحوة الإسلامية بعدا اقتصاديا مؤثرا تأثيرا بالغا في مجريات الحياة اليومية للمواطنين.

الشباب يحج ويعتمر:

من أهم المظاهر التي رافقت الصحوة الإسلامية إقبال الشباب على الحج والعمرة بعدما كانت من أعمال كبار السن، ونشطت رحلات الحج والعمرة الجماعية وأصبحت منافسة للرحلات الترفيهية والذهاب إلى المصايف العامة، وفي رحاب البيت الحرام قويت رابطة الشباب وزاد تعارفهم على آخرين من العالم الإسلامي مما سهل نقل الصحوة المصرية إلى بلدان عربية وإسلامية أخرى بالإضافة إلى ما نقله طلبة الأزهر الوافدين إلى بلدانهم عند عودتهم إليها.

الأحداث الكبرى في المرحلة

أهمية إلقاء الضوء على هذه الأحداث ترجع إلى ضرورة النظر للصحوة الإسلامية في مصر كأحد مكونات البيئة الإنسانية والسياسية السائدة في العالمين العربي والإسلامي في هذه الآونة، وبالتأكيد كانت هذه الصحوة جزء من هذه المكونات البيئية مما جعلها تتأثر بها وتؤثر فيها بشكل واضح.

موت الزعيم:

اندلعت الحرب في الأردن بين الملك حسين والفدائيين الفلسطينيين في معركة أيلول الأسود، وبلغ عدد القتلى 1600 قتيلا من الجانبين، وعقد مؤتمر مصالحة بين الجانبين بالقاهرة وفي اليوم الأخير لهذا المؤتمر عاد جمال عبد الناصر من المطار بعد وداع الملوك والرؤساء في حالة مرضية شديدة، ومات لتوه في الساعة الخامسة والنصف من مغرب يوم 28 سبتمبر 1970؛
هكذا بدأت السبعينيات بدون جمال عبد الناصر وبدون زعيم يملأ الفراغ الذي خلفه في الساحة العربية والعالمية، وقد بدا المصريون بعد موت جمال عبد الناصر كالأيتام على مائدة اللئام، هذا هو الشعور العام الذي سيطر على الكافة من المواطنين بغض النظر عن كلام السياسيين والمحللين في بعد الحدث لأربعين سنة؛
عبر المصريون والعرب عن حبهم لعبد الناصر وحزنهم على فراقه بمظاهر عدة وفي مقدمتها الملايين الذين حضروا جنازته، الفقراء لم يذوقوا السعادة ولو كثرت مظاهرها ومهما زادت الأجور ولم يعرفوا الكرامة كما عاشوها في عهد عبد الناصر، المصريون منذ وفاة عبد الناصر لم يلتفوا حول زعيم واحد، وعاشت مصر من يومها جماعات متناحرة تحت مسمى التعددية، النسيج الوطني أصبح في أضعف حالاته، المشروع القومي لم يعد له وجود؛
الحرب التي بدأها فور الانسحاب المهين سميت حرب الاستنزاف وكانت جادة ومكلفة للصهاينة ومقدمة حقيقة لهزيمتهم ولكن وفاته حولت الحرب إلى لعبة سياسية انتهت بالصلح مع العدو والرضوخ لمطالبه، هذه الحالة الجديدة حولت المجتمع إلى الفوضى والتراخي والأنانية، وفي هذا الجو فشل الكل في أن يحقق تقدما على المستوى الوطني، هناك مكاسب تحققت على مستوى الحكومات المصرية ولكن الوطن بقي يعاني الفقر والجهل والمرض وبالجملة كان الوطن هو الضحية وبقينا حتى اليوم دولة من العالم الثالث المتخلف.

انهيار الناصرية تنظيميا:

تأثرت القوى الناصرية بموت جمال عبد الناصر تأثرا واضحا وتشرذمت إلى مجوعات متنازعة، ثم اصطدت بالسادات وتحطمت وخفت بريقها تماما طيلة السبعينيات والثمانينات ولم يعد لها دور يذكر في الجامعات أو الأحياء والمؤسسات، انتهت منظمة الشباب والتنظيم الطليعي وأخيرا ألغي الاتحاد الاشتراكي بقرار من السادات وحلت محله المنابر ثم الأحزاب ثم تلاشى كل شيء وبقي السادات هو الزعيم الأوحد ولكن البيئة حوله محليا وعالميا كانت آخذة في عكس هذا التيار الديكتاتوري.

ظهور الصحوة الإسلامية ونموها:

وفي هذه الساحة الخالية من الزعيم ومنظماته كان طبيعيا أن تنموا قوى جديدة، وكانت إرادة الله ثم الشعب أن تكون القوة الجديدة إسلامية شبابية.
السادات من جانبه وجدها فرصة لتسوية الأرض والقضاء على ما فيها من بقايا الناصرية واليسار المتصارعة، معه، كما وجد في الصحوة الإسلامية أقوى وسائل التعبئة القتالية ليخوض الحرب التي خطط لها.
أصبحت كل الساحات مفتوحة للصحوة الإسلامية بما في ذلك القوات المسلحة التي استقبلت عشرات الدعاة والعلماء وعقدت لهم لقاءات بمعظم الوحدات العسكرية ... ودخلنا الحرب في رمضان وكان التكبير شعارنا.

حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر:

مع أن السمة الغالبة على تلك الحرب كانت إسلامية عقائدية، لكنها لم تفلح في تقوية الصلة بين السادات وشباب الصحوة الإسلامية، ومن خلال المواقع التي كنت أشغلها في هذه الصحوة سواء في الجامعة أو الحي والمساجد أستطيع القول بأن الحرب بدأت وانتهت ولم يشعر بها غالبية الشباب المتدين، الحرب كانت في بداية الصحوة (1973) وفي هذا التاريخ كانت العقيدة المسيطرة على الشباب أن الحاكم فرعون والجيش جيش هامان والشباب المتدين يمثلون موسى وهارون؛
وكان الخطاب الديني السائد يتمحور حول التفكير وجاهلية المجتمع، ومن هنا لم يعر الشباب المتدين أي اهتمام لحرب يخوضها جيش لا يحكمون له بالإسلام أصلا، على الجانب الآخر فإن السادات زاد الطين بلة في نظر الشباب بدخوله مفاوضات الصلح وأعلن أنها كانت حرب تحريك وليست حرب تحرير، وهذا الخطاب بذاته يعتبر من المحرمات في عقيدة الشباب المتدين في هذه الآونة.

محاولة انقلاب الفنية العسكرية:

تعتبر حادثة الفنية العسكرية أقوى الأدلة على ما ذهبت إيه من حيث استقلالية الصحوة وعدم تبعيتها للسادات حيث كانت العملية برمتها انقلاب على السادات ومحاولة للقبض عيه، في البداية يجب أن نقرر أن تكرار تجربة الانقلابات العسكرية لإقامة دولة إسلامية كان تفكيرا طفوليا متكررا لأجيال متعاقبة من الإسلاميين بدأ من التنظيم السري بقيادة السندي ومرورا بتنظيم يوسف طلعت وتنظيم عبد الفتاح إسماعيل ثم الفنية العسكرية؛
وفي كل مرة كان الفشل هو سيد الموقف، فنحن هنا لا نتحدث عن بطولة أو إبداع ولكننا نعرض الواقع الذي تم بالفعل لكي نأخذ منه العبرة والعظة ونكف عن هذا المنهج الضال ونكف عن حشو أدمغة الشباب بالمفاهيم التي تدفعهم لتكرار لخطأ مرات ومرات؛
ومثل عملية اغتيال السادات تماما كانت عملية الفنية العسكرية محسوسة لدى العديد من الإسلاميين الذين دعاهم صالح سرية للمشاركة في الانقلاب، في منطقة النزهة بمصر الجديدة حيث إقامتي في هذا الوقت تحدث معي أحد الإسلاميين حول مدى استعدادي أن أشارك في عملية لقلب نظام الحكم وكعادتي بدأت مناقشته حول الموضوع؛
وعندما قلت له يجب أن يتلقى المشاركون تدريبا على الأسلحة أولا ثم يختار منهم من يصلحون، قال (يبدوا أنك من الذين يقولون لو نعلم قتالا لاتبعناكم ...) انسى الموضوع ولا تحدث به أحد، وبينما كنت في رحلة التخرج بالساحل الشمالي برفقة زملائي الستة بقسم النبات وبإشراف الدكتور سيد فرج خليفة (رحمة الله عليه) وحرمه الدكتورة سهام محمد علي، أعلنت الإذاعة المصرية نبأ العملية وفشلها والقبض على معظم العناصر التي شاركت فيها، تلقائيا نظر إلي الدكتور سيد فرج مداعبا وقائلا (دي عملة تعملوها يا شيخ سيد ... عايزين تموتوا الراجل وتقعدوا مكانه؟) لم أعلق على ما سمعت ولم أكن أرغب في فتح الموضوع أصلا.
التفاصيل برمتها موجودة في ملفات التحقيق في القضية التي بدأت فجر الخميس 18 أبريل 1974، في صباح هذا اليوم كانت اللجنة المركزية مجتمعة برئاسة السادات، وتقضي خطة الانقلاب بالتوجه للكلية الفنية العسكرية والهجوم عليها في الوقت الذي يكون فيه عضو التنظيم كارم الأناضولي الطالب بالكلية قد خدر الحراس بتوزيع جاتوه منوم عليهم، والاستيلاء على أسلحة الحراس وما وجد في الكلية ثم تتحرك المجموعة إلى حيث اجتماع السادات والقبض عليه ومن معه وإعلان بيان الثورة الإسلامية؛
العملية فشلت تماما لأن جندي الحراسة لم يأكل ولم ينم وبدأ بإطلاق النار على المتسورين القادمين من الخارج وفورا حضرت قوات إضافية وتعاملت معهم بالذخيرة الحية وقتل حوالي 13 من الطرفين وقبض على الباقين والبقية معروفة ... تعذيب وحشي واعترافات على بقية التنظيم وحاكمة ثم خلطة أحكام معتبرة شوية إعدام وشوية مؤبد وشوية عشرة أعوام سجن وشوية إفراج، ولم يعلن بالطبع وحتى تاريخه بيان الثورة الإسلامية الأول في مصر.

الإفراج عن الإخوان المساجين:

فور الانتهاء من حرب أكتوبر 1973 شرع السادات في الإفراج عن الإخوان المسجونين، وأعادهم إلى أعمالهم بنفس درجة زملائهم الذين لم يعتقلوا، وفي عام 1976 سمح لهم بإصدار مجلة الدعوة القديمة وصاحب الامتياز المرحوم صالح عشماوي؛
واعتبر مقر مجلة الدعوة بالسيدة زينب (9 ش بورسعيد) بمثابة المركز العام وأنا شخصيا حضرت فيه اجتماعات تنظيمية عدة، ثم انتقل المقر إلى 1 ش التوفيقية ورفع عليه شعار الإخوان علنا وما زال حتى اليوم بالرغم من وضعه تحت المصادرة والإغلاق، وشكل خروج معتقلي الإخوان متغيرا في طريق الصحوة الإسلامية سوف يفصل في باب خاص بهذا المولف.

قضية التكفير والهجرة:

هكذا عرفت قضية شكري مصطفي، شاب من أسيوط لم يستكمل دراسته في معهد التعاون الزراعي بأسيوط نتيجة لاعتقله في قضية تنظيم عبد الفتاح إسماعيل عام 1965، في المعتقل وتحت شدة التعذيب الوحشي آن بأن المعذبين لا يمتون للإسلام بصلة وأنهم كفار وكل من تعاون معهم والحكومة التي يأتمرون بأمرها ثم تمدد الموضوع في عقله فأضاف والشعب الساكت عليهم كافر مثلهم؛
وبذلك عمم التكفير على الجميع عدا هو ومن معه من الأنصار، وأطلق على جماعته (جماعة المسلمين)، في هذه الأثناء زارنا في مسجد الفرقان والسيدة عائشة بالنزهة بمصر الجديدة شاب نحيف عليه مظاهر البؤس والفاقة وعرفنا بنفسه (عبد المحسن تاجر بيض) هكذا باقتضاب شديد؛
وقال إنه مكلف من أمير المؤمنين شكري مصطفي لإبلاغنا بالحق الذي هم عليه، وطلب منا أن نناظره فإن كان على حق فقد وجبت في أعناقنا بيعته، وبالفعل اجتمعنا في بيت الأخ محمد شريف الفخفاخ ورأس الاجتماع الدكتور فتحي عبد الوهاب الأستاذ بالطاقة الذرية وخطيب وإمام المسجد الحديث وكنا قرابة العشرين؛
غير أنه اتضح خلال المناقشة أن تاجر البيض خال تماما من المعرفة بالدين وأنه مجرد مردد لمقولات شكري، وانتهى الحوار بتوجيه كلمات شديدة لشخصه وخرج شبه مطرود من الجلسة، وانتهت علاقتنا به من ذلك اليوم ولم نره إلا بالجرائد معتقلا أثناء نظر القضية؛
خلال عام 1976 بدأ شكري يفرض أفكاره على الناس بالقوة، وحدث هرج ومرج ومشاجرات وسالت دماء في أكثر من حي، ثم ارتكب التنظيم جريمة قتل المرحوم الشيخ محمد الذهبي لأنه رفض أفكارهم وكتب ونشر في الصحف أدلة تثبت أنهم على خطأ، وكان مقتله على أيديهم سببا مباشرا لاعتقالهم والحكم عليهم بالسجن والإعدام والمحاصرة.

انتفاضة 18 و 19 يناير 1977:

يوم 18 يناير 1977 فوجئ العالم كله بما حدث في مصر، فقد انتفض الشعب انتفاضة تصاعدت حدتها حتى أصبحت في اليوم التالي 19 يناير قتالا حقيقيا في الشوارع بين الجماهير وبين السلطة، لم يتوقف إلا بعد الاستعانة بالقوات المسلحة وفرض حظر التجوال؛
يومها قيل إن السبب كان قرارات اقتصادية اتخذتها الحكومة فاقمت من أزمة المعيشة، وطغى هذا اسبب في أجهزة الإعلام الرسمية على الأسباب الأكثر عمقا، فقد تبين من التحقيقات والمحاكمات التي لم تتوقف منذ ذلك التاريخ، إن الشعارات الأساسية التي رفعها الشعب خلال الانتفاضة كانت أكثر شمولا، رفعت الجماهير شعارات تطالب برفض قرار مجلس الأمن 242، وإلغاء اتفاقية فض الاشتباك ومقاومة السيطرة الأمريكية؛
والمشاركة في نشاط الثورة الفلسطينية على أرض مصر العربية وفتح الحدود لعملياتها العسكرية ضد إسرائيل، وتوجت الجماهير مطالبها بشعار إسقاط السلطة الخائنة لقد ظهرت هذه الهوية العربية التقدمية الوحدوية واضحة خلال المحاكمة التي بدأت منذ يوم أول أبريل (نيسان) 1978 أمام محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة، حيث واجه 176 معتقلا من الطلائع تهمة تحريض الشعب وتحريكه وقيادته؛
ووقف معهم أكثر من خمسين محاميا يدافعون عنهم، وقد اختار المحامون زميلهم الدكتور عصمت سيف الدولة لافتتاح الدفاع، فاستطاع بمرافعته التي استمرت أربعة أيام أن يحول المحاكمة من محاكمة 176 معتقلا من طلائع الشعب إلى محاكمة للنظام المصري في المرحلة التاريخية التي بدأت من عام 1973؛
فجاءت مرافعته تأريخا دقيقا لأحداث وأسرار تلك المرحلة، وكان من أبرز محاور الدفاع الذي أحدث صدى واسعا، ما أقام عليه الدليل القانوني، من أن مصر تعيش في ظل انقلاب غير شرعي وأن من حق الشعب مقاومته بكل الوسائل المتاحة، كما كشف عن أمر لم يكن أحد قد انتبه إليه من قبل؛
وهو أن الأحكام الدستورية المطبقة في مصر تمنع بنصوص صريحة التفاوض والصلح والاعتراف بإسرائيل وفيما يتصل بالصحوة الإسلامية فمن الأمانة أن نقرر أننا كإسلاميين لم نشارك في هذه الانتفاضة ولم ندرك أبعادها ووقعنا في الفخ الذي نصبه الإعلام الحكومي في ذلك الوقت وتعاملنا معها بعنصرية حزبية دون النظر إلى المصلحة الوطنية التي كانت تفرض على الجميع التحرك لوقف تيار الانزلاق نحو مزيد من التهميش للفقراء وفتح مصر لأطماع الامتيازات الأجنبية العربية ويومها أشاع الإخوان أنها حركة شيوعية أو ناصرية وكلاهما لا يصلحان للتغيير مما قلل من مشاركة الشباب الإسلامي في الانتفاضة.

اتفاقية كامب ديفيد:

اتفاقية كامب ديفيد عبارة عن اتفاقية تم التوقيع عليها في 17 سبتمبر 1978م بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل الراحل مناحيم بيغن بعد 12 يوما من المفاوضات في المنتجع الرئاسي كامب ديفيد في ولاية ميريلاند القريب من عاصمة الولايات المتحدة واشنطن؛
حيث كانت المفاوضات والتوقيع على الاتفاقية تحت إشراف الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، ونتج عن هذه الاتفاقية حدوث تغييرات على سياسة العديد من الدول العربية تجاه مصر بسبب ما وصفه البعض بتوقيع السادات على اتفاقية السلام دون المطالبة باعتراف إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره
وتم تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية من عام 1979م إلى عام 1989م نتيجة التوقيع على هذه الاتفاقية ومن جهة أخرى حصل الزعيمان مناصفة على جائزة نوبل للسلام عام 1978م بعد الاتفاقية حسب ما جاء في مبرر المنح للجهود الحثيثة في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط.

ردود الفعل:

أثارت اتفاقية كامب ديفيد، ردد فعل معارضة في مصر ومعظم الدول العربية، ففي مصر، استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته الاتفاقية وسماها مذبحة التنازلات، وكتب مقال كامل في كتابه "السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد" المنشور في بداية الثمانينات أن "ما قبل به السادات بعيد جدا عن السلام العادل"، وانتقد كل اتفاقات كامب ديفيد لكونها للم تشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
وعقدت هذه الدول العربية مؤتمر قمة رفضت فيه كل ما صدر، ولاحقا اتخذت جامعة الدول العربية قرارا بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجا على الخطوة المصرية.
استنادا إلى مقال نشر في جريدة "القدس العربي" اللندنية فإن العرب لم يكونوا الوحيدين المقتنعين بأن الاتفاقية كانت وحسب التعبير السائد آنذاك تفريط في منجزات النصر العسكري العربي في حرب أكتوبر وتركيز السادات على استرجاع سيناء على حساب القضية الفلسطينية؛
فقد تلقى السادات انتقادات من الاتحاد السوفيتي ودول عدم الانحياز وبعض الدول الأوروبية، ففرانسوا بونسيه سكرتير عام الرئاسة الفرنسية في عهد الرئيس جيسكار ديستان قال لبطرس بطرس غالي في قصر الإليزيه ناصحا قبل أن توقع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل:
"إذا لم تتمكن من الوصول إلى اتفاق بشأن الفلسطينيين قبل توقيع المعاهدة المصرية الإسرائيلية فكن على ثقة من أنك لن تحصل لهم على شيء فيما بعد من الإسرائيليين"، وحسب نفس المصدر فإن الفاتيكان كان على اعتقاد بأن السادات ركز بالكامل أهداف مصر وأهمل القضايا العربية الجوهرية الأخرى.
على الصعيد العربي كان هناك جو من الإحباط والغضب لأن الشارع العربي كان آنذاك لا يزال تحت تأثير أفكار الوحدة العربية وأفكار جمال عبد الناصر وخاصة في العراق وسوريا وليبيا والجزائر واليمن؛
واعتبر البعض الاتفاقية منافية لقرار الخرطوم في 1 سبتمبر 1967 والذي تم بعد هزيمة حرب الأيام الستة واشتهر بقرار اللاءات الثلاثة حيث قرر زعماء 8 دول عربية أنه لا سلام مع إسرائيل ولا اعتراف بدولة إسرائيل ولا مفاوضات مع إسرائيل، وحتى في الشارع المصري طالب المثقفون المصريون أمثال توفيق الحكيم وحسين فوزي ولويس عوض إلى الابتعاد عن "العروبة المبتورة" التي لا تروي العروبة إلا في ضوء المصلحة المصرية فقط.
ويرى البعض أن الاتفاقية كانت في صالح إسرائيل كليا حيث تغير التوازن العربي بفقدان مصر لدوره المركزي في العالم العربي وفقد العالم العربي أكبر قوة عسكرية عربية متمثلة بالجيش المصري وأدى هذا بالتالي إلى نشوء نوازع الزعامة الإقليمية والشخصية في العالم العربي لسد الفراغ الذي خلفته مصر وكانت هذه البوادر واضحة لدى القيادات في العراق وسوريا؛
فحاولت الدولتان تشكيل وحدة في عام 1979 ولكنها انهارت بعد أسابيع قليلة وقام العراق على وجه السرعة بعقد قمة لجامعة الدول العربية في بغداد في 2 نوفمبر 1978 ورفضت اتفاقية كامب ديفيد وقررت نقل مقر الجامعة العربية من مصر وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها وشاركت بهذه القمة 10 دول عربية ومنظمة التحرير الفلسطينية وعرفت هذه القمة باسم "جبهة الرفض"، وفي 20 نوفمبر 1979 عقدت قمة تونس العادية وأكدت على تطبيق المقاطعة على مصر، وازداد التشتت في الموقف بعد حرب الخليج الأولى إذ انضمت سوريا وليبيا إلى صف إيران؛
وحدث أثناء هذا التشتت غزو إسرائيل للبنان في عام 1982 بحجة إزالة منظمة التحرير الفلسطينية من جنوب لبنان وتمت محاصرة للعاصمة اللبنانية لعدة شهور ونشأت فكرة "الاتحاد المغاربي" الذي كان مستندا على أساس الانتماء لأفريقيا وليس الانتماء للقومية العربية، الصحوة الإسلامية كانت ضد هذه الاتفاقية واعتبرتها خيانة في حق الإسلام والمسلمين ولكننا كإسلاميين لم نكن ناضجين سياسيا بالدرجة التي نستشعر بها خطورة ما يجري.

الثورة الإسلامية في إيران:

هي ثورة شعبية بامتياز ودينية بامتياز وناجحة بامتياز أيضا، نشبت عام 1979 وحولت إيران من نظام ملكي دستوري، تحت الشاه محمد رضا بهلوي، لتصبح جمهورية إسلامية عن طريق الاستفتاء.
آية الله أو الإمام، كما هو معروف في إيران، روح الله الخميني يعد القائد المباشر للثورة في مرحلتها الأخيرة ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية بما وضعه من نظريات للحكم وإدارة الدولة وتنمية هيئتها الثورية الإدارية.
إنها ثورة فريدة من نوعها باعتبارها مفاجأة على مسرح الأحداث الدولية، وذلك من حيث السرعة التي حدث بها التغيير العميق، وكذلك الدور القيادي للدين فيه، كما أنه كان يعتقد أن النظام محمي كما يجب من قبل الجيش والأجهزة الأمنية التي أنفق النظام عليها ميزانيات ضخمة، إضافة إلى انعدام الأسباب الاعتيادية المعروفة للثورة، كالأزمات المالية، أو الهزائم العسكرية، أو عصيان الفلاحين، أو التمرد العسكري.
كانت نتيجة الثورة نشوء جمهورية إسلامية بقيادة عالم دين منفي يبلغ من العمر ثمانين عاما وهو موسوي النسب نشأ في قرية خمين، مدعوما من مظاهرات متقطعة لكن شعبية وحماسية طافت شوارع إيران وطهران التي كانت آنذاك مدينة عالمية، كما تؤكد التقارير، هذه النتيجة وجهت صفعة مدوية لكثير من النظريات والفرضيات.
كانت الثورة الإيرانية من أهم روافد القوة وبعث الأمل بالنسبة للصحوة الإسلامية في مصر، وأنا اليوم أتذكر بقوة المظاهرات التي شاركت فيها في جامعة المنيا وهي تطوف طرقات كلية الآداب وهتافها .. (يا خميني قل لإيران ... مصر جاية بالقرآن) وقوات الأمن المصري تمنعنا بعنف من الخروج إلى الشارع.

جريمة احتلال الحرم المكي:

بدأت أحداثها فجر يوم 1 محرم 1400 الموافق 20 نوفمبر 1979، حين استولى 200 مسلح (مصادر أخرى تقول 500) على الحرم المكي أقدس بقاع العالم عند المسلمين، في محاولة لقلب نظام الحكم في المملكة العربية السعودية إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز، هزت العملية العالم الإسلامي برمته؛
فمن حيث موعدها فقد وقعت مع فجر أول يوم في القرن الهجري الجديد، ومن حيث عنفها فقد تسببت بسفك للدماء في باحة الحرم المكي، وأودت بحياة الكثير من رجال الأمن السعوديين والمسلحين المتحصنين داخل الحرم، حركت الحادثة بسرعة مشاعر الكثير من المسلمين بعضهم شجبها وأنكرها ووقف ضدها وآخرون تضامنوا معها، وكان من المتضامنين مع جهيمان بعض زملائنا الذين التحقوا بالتيار السلفي وأذكر منهم المرحوم عبد الله بن عمر من شبرا وقد صدر عليه حكم بالإعدام ونفذ الحكم مع جهيمان.

خلفية دينية وتاريخية وسياسية:

تؤمن بعض المذاهب الإسلامية بقدوم مجدد للدين كل مئة عام مستندين في ذلك إلى حديث الرسول محمد: "يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لأمتي دينها" كما يؤمن البعض بقدوم المهدي المنتظر والذي ينتسب إلى آل بيت الرسول، وأن اسمه يكون "محمد"، واسم أبيه "عبد الله" كما في إحدى الروايات، وأن المهدي سيضطر إلى اللجوء إلى المسجد الحرام هربا من "أعداء الله" أطراف المعادلة أصبحت كاملة من وجهة نظر جهيمان العتيبي قائد العملية، القرن هجري الجديد قادم، وصهره ورفيقه يسمى "محمد بن عبد الله"، و"الفساد" مستشر، و"البعد" عن الصراط المستقيم ظاهر، إذن، لم يبق إلى بيت الله الحرام ليلوذ إليه "المهدي المنتظر" وتتحقق البشارة.
وفي سياق آخر كان نشاط التيارات الإسلامية في أوجه، بداية بالصحوة الإسلامية في مصر، وبدء تشكل التيارات التكفيرية في بعض المناطق السعودية والعالم العربي، والتحركات الإسلامية في سوريا، ومن جانب آخر إبرام معاهدة كامب ديفيد، وما يبدو من أنه بدء الاعتراف العربي الرسمي بانتهاء عهد الحروب مع إسرائيل وبدء الاعتراف بوجودها الطبيعي؛
وأخيرا انتصار الثورة الإسلامية في إيران الذي ولد لدى تيارات إسلامية أخرى تصور إمكانية تكرار مشابه لما فعله الخميني في إيران، وتخوف الحكومات العربية والعالمية في نفس الوقت من نجاح حركات إسلامية في السيطرة على بلدان أخرى في المنطقة، ونشوء دول أو جمهوريات إسلامية خارج نطاق السيطرة، ومن الجدير بالذكر أن أحداث الحرم بدأت بعد 16 يوما على بدء أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران.

مبررات الهجوم:

وقد برر جهيمان العتيبي قائد العملية هجومه باعتباره محاولة لتصحيح الوضع الذي تسبب به آل سعود، الفاقدين للشرعية، حسب زعمه، بسبب فسادهم وتدميرهم لثقافة البلاد وحضارتها ونهجهم في اتباع الغرب وموالاته، إضافة إلى دعوته إلى مبايعة محمد عبد الله القحطاني، خليفة للمسلمين، وإماما لهم على أنه المهدي المنتظر.
وشكلت هذه الحادثة ردود فعل عنيفة وضارة بالحركة الإسلامية واعتبرت دليلا على ما يمكن أن تصل إليه درجة الانحراف الفكري لدى المتدينين.

اعتقالات 5 سبتمبر 1981:

مثلت تلك الاعتقالات القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين السادات والشعب المصري، السادات فقد أعصابه ونفذ صبره، وخطب في المواطنين غاضبا وشتاما ومهددا، قوائم المعتقلين شملت كافة التوجهات الفكرية ومثلت فقدان التوازن لدى القيادة السياسية؛
في يوم 4 سبتمبر تم القبض على حوالي ألف من المعارضة وبقي حوالي 4 آلاف شملتهم قوائم الاعتقالات، كلنا شعر أن مصر أصبحت على كف عفريت، وإن أخطارا مخيفة تحدق بالوطن، وقد تحقق ذلك بالفعل بعد شهر واحد واغتيل السادات وأصبحت مصر تواجه وضعا خطيرا غير مسبوق.

اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981:

حكاية حادثة المنصة منشورة في أكثر من كتاب وموقع وجريدة، المقصود هنا وضعها في جملة نتائج مرحلة كفاح جيل السبعينيات الإسلامي لإقامة ما يراه دولة إسلامية وكيف عايشت أنا الموضوع بصفتي أحد أفراد هذا الجيل، كما تقدم فإن الصحوة الإسلامية انقسمت إلى عدة مدارس فكرية نهاية السبعينيات، حدثت قطيعة بين المدارس السلمية والمدارس الحربية المسلحة، ليس ذلك كراهية ولكن لزوم السرية من قبل المسلحين؛
وعلى ذلك فقد انقطعت عني أخبار الموضوع تماما ولم أدر به إلا قبل حدوثه بشهر تقريبا حيث زارني أحد الشباب المنتمي للإخوان عن طريقي والمجند بالقوات المسلحة أن زملاءه من المنيا يدعونه للمشاركة في عملية اغتيال لقيادة كبيرة قد تكون الرئيس انتقاما منه لقيامه باعتقال الآلاف من إخوانهم وذويهم، وانتهى الأمر برفض الفكرة من قبلي لأسباب عقدية وتنظيمية؛
ولكن الإقدام على العملية تأكد لي من أكثر من ملاحظة على م ن أعرف أنهم أصبحوا في الفريق المسلح، وفي يوم العرض العسكري كنت أتابعه لحظة بلحظة بواسطة راديو ترانزستور صغير انتظارا للحظة إطلاق النار، وحدث ما كان متوقعا ومنتشرا بين الجماعات الإسلامية لدرجة التواتر، وأسرعت للنزول إلى الشارع لمتابعة الموقف وسط الناس؛
كان الجميع لا يصدق ما حدث حتى الجماعات الإسلامية، وانتهى الأمر بالنسبة لي إلى مزيد من الحذر والتخفي وانتظار المجهول، في اليوم التالي ذهبت لصلاة العيد في مسجد لا يعرفني فيه أحد، واخترت مسجد الثورة بشارع صلاح سالم بمصر الجديدة، وهناك وجدت عبد اللطيف الشريف وآخرين ولكن لم يسلم أحد على أحد، اللافت للنظر أن المشاعر كانت متشابهة والحيرة تشمل الجميع؛
أما الأغرب أن الخطيب تحدث عن صراع موسى وفرعون ونهاية فرعون وختم بالآية (فما بكت عليهم السماء ...) وفور نهاية الصلاة عدت إلى البيت وخرجت بعد قليل فقد كنت على موعد مع الأخوين محي الدين أحمد عبسي وأبو العلا ماضي من المنيا هاربين من الاعتقال ومسافرين معي لقضاء العيد في قريتنا بعيدا عن أعين الشرطة، وبدلا من التفكير في استكمال طريق الاستيلاء على السلطة فإن عملية الاغتيال أحدثت تأثيرا عكسيا وسلبيا، أصيبت الصحوة الإسلامية بالتشرذم والانسحاب والخوف وراح كل فريق يحاول بالكاد لملمة أطرافه والكمون لأجل غير مسمى.

حسني مبارك يفوز بالرئاسة:

باغتيال الرئيس السادات خلا منصبه، كان ذلك تحديدا عقب ظهر يوم السادس من أكتوبر 1981، نفس الساعة التي عبر فيها الجيش المصري قناة السويس 8 سنوات، مصر في هذه الساعة بغير رئيس وبغير حكومة وبغير قائد أعلى للقوات المسلحة، بموجب القانون يتولى نائب الرئيس السلطة، ولكن نائب الرئيس ضمن الجرحى في عملية الاغتيال، المجموعة التي خططت ونفذت عملية الاغتيال لم تصدق أنها نجحت، المكلفون بالمتابعة والاتصال ببقية الخلايا الإسلامية المسلحة تعطلت أدمغتهم وانهارت قواهم أمام ضخامة الحدث ومواجهة الواقع؛
المطلوب الآن حسب المعلن الإسلامي طيلة نصف قرن مضي هو الاستيلاء على السلطة وإقامة الدولة الإسلامية التي بشر بها الإخوان المسلمون في الأربعينات والتنظيمات السرية المنسوبة وعمر عبد الرحمن في تنظيم الجهاد، ولكن التقدم لاستلام مقاليد السلطة عمليا يحتاج لرجال وآليات، لأول مرة يكتشف الإسلاميون جميعا أن اغتيال رئيس النظام ومن حوله ممكن
ولكن تسلم مقاليد الوطن بهذه الطريقة لم يعد ممكنا، المغرر بهم جميعا يقفون وظهرهم للحائط، أربعة من المهاجمين قبض عليهم في أرض المعركة، الخامس استطاع الفرار وسط هرج ومرج غير مسبوقين، على جبل عرفات أقيمت احتفالات من حجاج الجماعات بمناسبة سقوط الفرعون قتيلا؛
اليوم التالي كان يوم عيد الأضحى، الحجاج غادروا عرفات متوجهين لرمي الجمرات ورشق إبليس بالحصى، الحجاج بعد أيام يعودون لبلدانهم وبعد شهور يندمجون في مجتمعاتهم، ويعود إبليس يوسوس في آذانهم وتعود ريمة لعادتها القديمة؛
وهنا في ساحة العملية في مصر وصبيحة العيد تتوجه مجموعة من الخلايا النائمة في محافظة أسيوط لتقدم كل ما أمكن تجهيزه وإعداده ليكون قربانا للدولة الإسلامية المنتظرة، عشرات من الشباب الصعيدي المحترق للثأر والانتقام من رموز الحكم عامة وضباط المباحث خاصة، قرابة ثلاث أجولة من الرصاص الحي وعشرات من الرشاشات (وشفرتها رياض الصالحين) وعشرات من المسدسات (وشفرتها فقه السنة) والتوجه لمديرية أمن أسيوط ومحاصرتها والهجوم عليها وقتل قرابة المائة من فقراء المسلمين المرتدين لملابس الشرطة بحكم وظيفتهم، شاشة التاريخ تعلن نهاية الفيلم وتبدو كلمة النهاية بعرض الشاشة، الثورة الإسلامية انتهت يا سادة؛
في اليوم الثالث كنت معتقلا ومودع بغرفة الحجز في قسم مصر الجديدة، علمت أن صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب تولى السلطة بحكم الدستور لحين إجراء الاستفتاء على من رشحه مجلس الشعب؛
وعلمت أن المجلس رشح نائب الرئيس محمد حسني مبارك لرئاسة الجمهورية وعلمت بعد يومين أو ثلاثة أنه فاز بمنصب الرئيس، وعقب توليه السلطة واستقرار الأمور صدر قرار بترحيلي إلى معتقل أبو زعبل، وحتى اليوم مارس 2009 ما زال الرئيس في موقعه وما زال معتقل أبو زعبل يستقبل مصريين جدد معظمهم من التنظيم السري المحسوب على الإخوان المسلمين.

النهاية الغامضة:

علامة الاستفهام الكبرى التي تظهر في الأفق بعد هذا العرض لظاهرة الصحوة الإسلامية في السبعينيات وما ترتب عليها من وقائع وتغيرات تصبح منطقية والسؤال الذي ينبغي أن نجيب عليه هو:
كيف تم ابتلاع هذه الحركة الشعبية الإسلامية العملاقة وأي مغارة عميقة سحيقة غيبت هذه الصحوة؟ وأي مؤامرة حيكت لهذا الشباب النقي التقي حتى ينتهي ومعه شعب بأثره إلى لا شيء تقريبا؟
ترى .. من هؤلاء الذين أضاعوا على الأمة فرصة لا تعوض وزمنا يصل إلى الثلاثين عاما من الجهد لتعود مصر إلى نقطة البداية في أواخر الأربعينيات، دولة تنتمي إلى العالم الثالث المتخلف وحكومة متهمة بكل ألوان الفساد؛
وإسلاميون متصادمون مع الجميع حكومة ونخبة وشعب، وسجون ومعتقلات وتزوير للانتخابات وطبقية مذرية وغني فاحش للقلة وفقر مدقع للغالبية وتعليم خاص للأغنياء وجهل ومرض للفقراء ... وبالجملة عادت ريمة لعادتها القديمة وانطبق علينا قول الشاعر (... فلا مصر استقلت ولا السودان داما) وعليه العوض في الصحوة الإسلامية إلا أن يتغمدنا الله برحمته.
الإجابة على هذه الأسئلة الحائرة تتطلب سرد الأحداث والوقائع حول ما تم بشأن مصادرة الصحوة الإسلامية واستلابها وهذا هو موضوع الفصول التالية.

الفصل الرابع السريون الجدد وإعادة بناء الإخوان

عندما صدرت قرارات السادات بإطلاق سراح من تبقى من الإخوان المسلمين المسجونين لم يكن تبقى من جماعة الإخوان شيء في الأرض المصرية، لا توجد أسر ولا شعب ولا مناطق، لا توجد كتب إخوانية ولا حتى المأثورات، المفرج عنهم خليط من إخوان الأربعينيات والخمسينيات ومن لحق بهم في السجون من تنظيمات 65؛

غالبية المفرج عنهم كانوا في حالة إحباط تام الغالبية العظمى منهم ولو وجهوهم نحو بلاد النفط لحاقا بمن فروا في الخمسينيات والستينيات طلبا للرزق عند ملوك كارهين للثورة ومجلسها، الباقون في الوطن وهم قلة القلة انبهروا لظاهرة الصحوة الإسلامية التي تنامت وترعرعت أثناء غيابهم وراء القضبان، بعض الإخوان المفرج عنهم رأى أن الواجب يقتضي توعية الشباب الإسلامي بهموم الحركة الإسلامية خلال نصف القرن الماضي وتعريفهم بأخطائها؛

رفع هؤلاء شعار (دعاة لا قضاة) وكان معظم الشباب يتهكم على ذلك ويسمى الكتاب الذي حمل هذا العنوان (الكتاب الأزرق)، وقال فريق الكتاب الأزرق بأن قضيتنا تحسين حالة الأمة دينيا وليس الحكم عليها؛

وفي ساحة العمل اليومي شباب الصحوة الإسلامية يسمع ويستفيد وينطلق مسرعا إلى أهداف لم تتبلور بعد، ألمع الشخصيات الإخوانية وأكثرها جاذبية كان الأستاذ عمر التلمساني، ما زلت أذكره جذاب تجمله صراحة كاملة ولغة عربية فصيحة أخاذة، وحوله دائما جابر رزق وأحمد الملط رحمة الله على الجميع.

في الإسكندرية تعرفنا على عباس السيسي ملك الدعوة بالفكاهة والقفشات ومعه محمود شكري ومحمد عبد المنعم، وفي الدقهلية نسمع عن الإمام الغائب محمد العدوي الذي لا يظهر على أحد ويرى أنه المرشد الحقيقي، في البحيرة الدسوقي بقنينة ومعه محسن القويعي، في طنطا أحمد البس ومعه لاشين أبو شنب، في المنوفية الشيخ عبد الخالق الشامي، وفرج النجار وأبو الفتوح عفيفي، في بني سويف العفيف الطاهر حسن جودة ومعه محمود الصعيدي ...

في المنيا الشيخ محمود العسال صاحب الهيبة والوقار وملك التقشف وصديق الطلاب الفقراء ينشر فيهم العلم والعمل ويطعمهم قوت القلوب ورحيق الروح بعدما بنا لهم سكنا جماعيا من تبرعات المحبين، مركز سمالوط كان متميزا من الأيام الأولى وبه كوكبة من الصالحين كبيرهم الحاج محمود الكيال صاحب التواشيح التي تنقلنا إلى أعلى عليين والمتميز في فقه المواريث ومعه أمين المركز المجتهد الوقور علي عمران وحولهما صف من العاملين بجد لنصرة الإسلام القماري وعبد الله وصالح وخليفة ومحمد محجوب.

في أسيوط الشيخ عبود والحاج أحمد فاضل ودسوقي شملول وفي منفلوط العمدة محمد حامد أبو النصر، في سوهاج الأستاذ عيسى عبد العليم وفي قنا د. طه وفي أسوان م. يوسف عليان، ومع روعة الباقين في الوطن؛

وما لهم من فضل السبق والإصرار على إعادة بناء ما تهدم فلم يكونوا على طريقة واحدة ولا ثقافة واحدة ولا فهما واحدا، ولذلك يلاحظ الخبير بإخوانه فروقات واضحة بين الإخوان من محافظة إلى أخرى، ولكن كان لا بد من اتفاق على طريقة للعمل، عندما جلسوا ليتفاهموا برزت خلافات الماضي وطلت رؤى قديمة حسبها البعض قد ماتت وانتهت؛

بعض الإخوان رفض العودة للماضي واعتباره تاريخا قد توقف وعارض مجرد وجد مسمى (الإخوان المسلمين) أو أي تنظيم لهم، وأعلن حربا على الفكر السري لما تسبب عنه من مآس تاريخية معروفة؛

البعض رأى بالإضافة إلى ما سبق العودة كمؤسسة فكرية تمارس التوجيه بالكتابة والنشر والدراسة والحوار (محمود عبد الحليم)، والبعض رأى أن التنظيم السري المحكم الحديدي هو الحل (مصطفي مشهور وأحمد حسنين ومن تأثر بهم من تنظيمات 65)، وغلب رأي القائلين بالعمل العام بين شباب الصحوة مع إصدار مجلة الدعوة وتأسيس دار نشر؛

واعتبار الإخوان رافدا فكريا من روافد الصحوة دون وضع لافتة الإخوان على الصحوة الإسلامية مبررا ذلك بعدم تحميل الجيل الجديد أخطاء السابقين وخلافاتهم ولأن هذا الجيل قد يأتي أعمالا تحمل على أنها من الإخوان وهي ليست كذلك، ورأى هذا الفريق وجود نظام تنسيق بين الإخوان ويس تنظيما سريا أو علنيا؛

وقال هذا الفريق فليكن بيننا نوع مبسط من التنسيق الإخوان فيه سواسية كأسنان المشط، وتبنى هذا الرأي عمر التلمساني وأحمد الملط وجابر رزق ومحمد سليم وصلاح شادي ومحمد فريد عبد الخالق وعبد اله رشوان وغالبية الإخوان الذين تواجدوا في مصر في هذا التاريخ، كما اتفق الجميع على رفض فكرة إعادة النظام الخاص السري رفضا قاطعا.

ويتفق معي في هذا السياق شهادة الأستاذ محمود عبد الحليم ورأيت من المفيد إثباتها هنا:

شهادة الأستاذ محمود عبد الحليم:

(عن كتاب حسام تمام "تحولات الإخوان المسلمين").
محمود عبد الحليم عاصر الأحداث الفاصلة في تاريخ جماعة الإخوان إذ انضم إليها في السنة الأولى من انتقالها من الإسماعيلية إلى القاهرة وشارك في تأسيس أول لجنة طلابية في تاريخها وكان واحدا من خمسة تأسس على أيديهم النظام الخاص للجماعة سنة 1940 وواحدا من مائة تشكت منهم أول هيئة تأسيسية للجماعة سنة 1941م وكان صاحب فكرة شعارها الذي ما زالت تحتفظ به إلى الآن "سيفان ومصحف" ومع ذلك ترك التنظيم في نهاية السبعينيات ليختفي تماما من الساحة الإخوانية.
  • لماذا توقفت في كتابك "الإخوان المسلمون ... أحداث صنعت التاريخ" عند بداية السبعينيات ولم تصدر جزءا رابعا عن تاريخ الجماعة في عهد السادات وعهد مبارك بما أسقط من الكتاب حقبة تاريخية كاملة رغم أن الكتابة عنها وفيها كانت أيسر بكثير ووثائقها وأحداثها وشخوصها ما زالت حاضرة؟
لأنني كنت أكتب عن تاريخ شاركت في صنعه وأحداث كنت قريبا منها أو ممن صنعوها وكنت في هذه الفترة في مواقع تسمح لي وتمنحني الحق في الكتابة عن الأحداث والتأريخ لها، أما فيما بعد الخروج من السجن وطوال الفترة التي تلته فقد اختلفت الحال بما ينزع عني أهلية الكتابة عنها لذا فضلت أن يقتصر كتابي على ثلاثة أجزاء فقط تتوقف أحداثها مع بداية عصر السادات لأن ما بعد ذلك لا يمكنني الكتابة عنه بما يفيد ولو كتبت لكنت غير صادق مع نفسي، لا تنس أنني لا أعتبر نفسي مؤرخا مهمته كتابة التاريخ بل أنا كتبت التاريخ كشاهد عليه وليس باحثا فيه أو مؤرخا له بالدرجة الأولى.
  • لكنك عضو بالهيئة التأسيسية للإخوان وهي أعلى هيئة بالجماعة ولم يعرف عنك الانفصال عنها كما أنك كنت المؤهل للكتابة في تاريخ الإخوان خاصة بعد أن أصدرت كتابك الذي يمكن اعتباره المرجع الأول لكل من يكتب عن تاريخ الإخوان، ألم يتح لك ذلك الاستمرار في تسجيل تاريخ الإخوان خاصة أن أحدا غيرك لم يتصد لهذه المهمة؟
لهذا قصة لم أشر إليها من قبل وربما لا يعرفها الكثيرون ... فبعد خروجنا من السجون في أوائل السبعينيات جرت مشاورات بين القيادة التاريخية للجماعة حول الكيفية والشكل الذي يمكن أن تعود به الجماعة إلى الوجود وتستعيد نشاطها داخل المجتمع المصري وعلاقتها خارجه واتصل بي الأخ عباس السيسي (من قيادات الإسكندرية)
وطلب رأيي في ذلك فاقترحت عليه فكرة جديدة تماما عما كان متداولا وقتها بين هذه القيادات وتقوم على التخلي تماما عن السعي لبناء تنظيم للجماعة على النحو والكيفية التي كانت عليها من قبل والابتعاد تماما عن الشكل التقليدي والمعروف للجماعة بما فيها اللافتة أو العنوان "الإخوان المسلمين" واقترحت أن يأخذ نشاطها وجهة ثقافية وفكرية بعيدا عن التنظيمات السرية والعمل السياسي المباشر تحاشيا لتكرار الصدام والمواجهة مع الأنظمة الحاكمة التي كنت قد وصلت بشأنها إلى قناعة أقرب لليقين بأن العلاقة معها قد صارت إلى الفراق الذي لا يرجى بعده لقاء.
  • وكيف تم التعامل مع فكرتك؟
جرت حولها بعض المشاورات والمناقشات ولكنها لم تأخذ الوقت الكافي للإنضاج ربما بسبب تسارع الأحداث والتفاعل السريع بين الإخوان والمجتمع والذي حال دون دراسة هذه الفكرة كأسلوب ومنهج جديد في العمل، والعودة وعاد الحال إلى ما كان عليه دون أي تغيير؛
ولم ينفذ من فكرتي سوى جزء بسيط منها ولكن دون المعنى والمغزى الذي كنت أقصده حيث اكتفت القيادات بتأسيس دار الطباعة التي أطلق عليها "الإسلامية" رغم أن هذه الصفة لم تكن تضيف إليها شيئا ولم تكن لتفيد خاصة وأن الجماعة كانت في بداية مسيرتها للعودة ومن المفترض أنها تحت الأنظار.
  • وهل أدى هذا الخلاف إلى الابتعاد أو الانفصال عن الإخوان؟
لا ... لم أشأ الانفصال رغم اختلاف القناعات وقبلت الاستمرار في العمل معهم ولكن كفرد وليس كقيادة كما كان الحال، ولكنني اخترت أن أعمل فيما أعتقد أنه أكثر فائدة ونفعا وهو تصحيح أفكار ومفاهيم الإخوان وتجلية بعض المواقف والأحداث التاريخية وهو ما عكفت عليه بعد خروجي من السجن وحرصت أن تظل بالإخوان جيدة باستمرار فقبلت مثلا العمل تحت مسئولية الأخ عباس السيسي الذي كان قد أصبح مسئولا عن محافظة الإسكندرية رغم أنه كان تلميذي قبل ذللك وتحت مسئوليتي؛
وإن كنت قد رفضت عرضا من الأستاذ عمر التلمساني بترشيحي كعضو في مكتب الإرشاد الذي كان قد أعيد تشكيله وقتها فقد كنت قد حددت وجهتي كما أن هذا المنصب يتطلب التواجد بالقاهرة أو السفر إليها أسبوعيا على الأقل وهو ما لم أكن مرحبا به أو قادرا عليه خاصة وأن حالتي الصحية ومعاناة السجن والتعذيب كانت تحول دون ذلك.
  • لكن هل يمكن النظر إلى هذه الواقعة كبداية لما صار يعرف بالخلاف بين من يقولون بأولوية الفكرة والدعوة ومن يقولون بأولوية الجماعة والتنظيم؟
أعتقد أن هذا الخلاف قديم في الجماعة وربما يرجع تاريخه إلى أوائل الخمسينيات التي شهدت فصل عدد من كبار الدعاة والقيادات من التنظيم بسبب مخالفات إدارية وتنظيمية أو بسبب خلافاتهم مع قيادات الجماعة.
  • وماذا عن موقفك ... هل أنت مع مبدأ الجماعة والتنظيم أولا أم مع الدعوة والفكرة غير المتقيدة بإطار تنظيمي؟
الأمور لا تحسب هكذا ... لا يمكن أن أدعو إلى إلغاء أو تفكيك الكيانات والتجمعات الإسلامية الموجودة تحت دعوى خاصة وأنها تمارس دورا مهما في الدعوة الإسلامية لكن ما أرفضه تماما هو أن تسجن فكرة ودعوة عالمية وتوضع عليها القيود باسم مصلحة التنظيم أو أن يدعي تنظيم أو جماعة ما أنه الممثل للإسلام أو أن يكون معيار التعامل مع الآخرين هو شكل العلاقة مع التنظيم
وأعتقد أن ذلك كله قناعات راسخة لدي حتى قبل أن ألتحق بتنظيم الإخوان وربما كان ذلك سببا للخلاف مع قيادات الإخوان في الخمسينيات فيما يخص واقعة فصل الشيخ محمد الغزالي من الجماعة لأنني رفضت مسلك بعض القيادات التي تعاملت معه بشكل غير لائق وتجاهلت قيمته كعالم وداعية له وزنه وعطاؤه الذي لا ينكره أحد؛
وظللت على علاقة وطيدة به وأذكر أننا التقينا بعدها وتعانقنا وكأن شيئا لم يحدث لأنني اعتبرت ما حدث مجرد تجاوزات إدارية وخلافات لا صلة لها مطلقا بتقييم الإنسان إسلاميا، كما أنني وقفت في صف عودة صالح عشماوي صاحب امتياز مجلة الدعوة بعد فصله من الجماعة حينما أقر بخطته وطلب العودة.المشكلة دائما فيمن يعطون لأنفسهم حق الحكم على الآخرين دينيا بحسب مواقعهم التنظيمية.

السريون الجدد يخالفون إجماع الإخوان

سارت الأمور في العلن على طريقة الأستاذ عمر التلمساني، ونال بطريقته ثقة جميع الأوساط الدعوية كالجامعات وجميع المؤسسات الدعوية كالأزهر والجمعيات الخيرية كالجمعية الشرعية وجمعية الخلفاء الراشدين وأنصار السنة المحمدية، وأقام درس الثلاثاء بمسجد الخلفاء الراشدين، وشرع في تأسيس اتحاد للجمعيات الإسلامية، وأصبح صديقا محببا للجميع حتى السادات غير أن المتعودين على العمل السري لم ترق لهم طريقة التلمساني، ومع كثرة الشباب المتدين وتهافته على كل قديم، ما كان للصياد المتربص أن تفوته الفرصة، وعادت ريمة لعادتها القديمة وبدأت فكرة تكوين نظام خاص جديد قديم وبنفس شخصياته القديمة (مصطفي مشهور وأحمد حسنين ومن تبعهم من بقايا تنظيمات 65 التكفيرية)؛

وكنت واحدا ممن بايعوا المرحوم الحاج مصطفى على السمع والطاعة في المنشط والمكره ضمن التنظيم الجديد ولكن بنية مختلفة عنهم كما تكشف فيما بعد، فقد كنت أتصور أنه يأخذ البيعة نيابة عن المرشد المعلن عمر التلمساني وأننا جميعا في مركب دعوي واحد، كما أنني في هذا العمر (حوالي خمسة وعشرين سنة) لم يكن لي أي دراية بتاريخ التنظيمات السرية الإخوانية؛

وعشت مع الحاج مصطفي مشهور أحلى سنوات العمر من مارس 1975 وحتى سفره فجأة في أغسطس 1981 قبل اعتقالات 3 سبتمبر 1981 الشهيرة، وعندما عاد الحاج مصطفي مشهور في وسط عام 1986 وجدني منهمكا في العمل ضمن منظومة الأستاذ عمر التلمساني بكل قوة ودأب، وزارني في بيتي بمدينة نصر وتداول معي الأمر وتأكد أنني ضمن فريق العمل الإخواني المكلف من الأستاذ عمر التلمساني فلم يفاتحني في شيء مخالف؛

ولكن من حيث الواقع العملي فقد بدأت متاعبي معه ومع الفريق الذي حوله، ومن تاريخ الانضمام الأول حتى اليوم جرت أحداث جسام يجدر بكل مخلص أن يعيها، ولنبدأ قصة المتاعب مع السريين الجدد من أولها.

كان الطبيب حديث التخرج محمود عزت يعمل بالعيادة الخاصة بمصنع الشريف في شبرا الخيمة، كنت وقتها رئيس المعامل وضبط الجودة بشركات ومصانع الشريف ومعيدا بكلية العلوم جامعة المنيا وطالب ماجستير بكلية العلوم بجامعة عين شمس وأحد أعضاء تنظيم إسلامي جديد بالقاهرة تشكل من بقايا تنظيم الفنية العسكرية بعد فشل المحاولة الأولى للإطاحة بنظام السادات، ولم يكن لي علاقة بالعيادة ولم ألتفت إلى وجود محمود عزت قط ولا أذكر السبب الذي دعاني من أجله لزيارته بالبيت.

كنت مشغولا في هذه الأيام بالعمل الإسلامي في حي النزهة ومساجدها التي كانت تعج بالنشاط الدعوي البعيد عن مسمى الإخوان المسلمين والمصبوغ بصبغة الجماعات الإسلامية أو الصحوة الإسلامية التي فصلناها في الفصل السابق، قبلت الدعوة وزرته في البيت، مد يده وأعطاني مصحفا وخيرني في تلاوة السورة التي أحبها؛

مباشرة عمدت إلى سورة غافر فقد كانت آخر ما حفظت من كتاب الله، أعجب كثيرا بطريقة تلاوتي فلم يدعني أكمل السورة وقال يكفي هذا القدر، ولما كانت صلاة الجمعة على الأبواب فقد هممت بالانصراف شاكرا له حسن استضافته ورغبته في التعرف على شخصي، على السلم وضع يده في جيبه وأعطاني ورقة مطوية بشدة حتى صارت بمساحة 4 سم مربع.

أخذتها واحتياطيا فتحتها على السلم وأخذت عنها فكرة سريعة ثم وضعتها في جيبي ولم أقرأ ما فيها بدقة حتى رجعت للمنزل عقب صلاة الجمعة.

كانت ورقة بسيطة للغاية مكتوبة بالقلم الرصاص وتبدأ بعرض ما في المجتمع من منكرات وتعلق ذلك على بعد المجتمع عن الدين وتعرض البديل تلقائيا بضرورة التمسك بالدين والعمل على نصرته والبحث عن الجماعة المناسبة للقيام بهذا الدور.

بعد مرور عدة أيام همس أحد الموظفين بمصانع الشريف ويدعى محمد عليوة برغبته في عقد تعارف بيني وبين الحاج مصطفي مشهور، وبطبيعتي كنت تواقا أن أعرف كل شيء عن التنظيمات الإسلامية ومناهجها وطرق عملها عسى أن أجد تنظيما أفضل مما أنا فيه ونضيف جهدنا إليه، فوافقت على الفور وحدد الموعد واصطحبني إلى بيته بكوبري القبة وتركني وانصرف.

مضى اللقاء الأول في التعارف التفصيلي على شخصي واتفقنا على الموعد القادم واستأذنته أن يحضر معي واحدا آخر من التنظيم الذي نشكله حتى ننقل الصورة جيدا لمن خلفنا وقبل الحاج مصطفى، وفي الموعد حضرت ومعي طالب بكلية طب عين شمس (عادل عبد الخالق من مصر الجديدة)؛

ووجدت عند الحاج رابع هو الأخ صيدلي (ممدوح الدسوقي)، واستمرت حواراتنا حول المبادئ العامة للدين ومواصفات الجماعة المسلمة التي ينبغي مبايعتها، كان الحديث من طرف واحد ونحن نستمع ونرد في حدود ضيقة جدا، وخلال شهرين من اللقاءات كان كل منا قد حدد طريقه واختار؛

قررت أن أعمل مع الإخوان ووفقا لفهم حسن البنا وبقيادة عمر التلمساني كمرشد وقيادة مصطفي مشهور المباشرة وكذلك ممدوح، وأما عادل عبد الخالق فقد رفض فكر الإخوان ونقل ذلك لبقية زملائنا في التنظيم الصغير، جلسنا جلسة أخيرة معا وحاولوا كثيرا استعادتي إليهم ولكنني أخبرتهم بقراري النهائي، ومن يومها كأن الأرض انشقت وابتلعتهم ولم تقع عيني على واحد منهم ولو قدرا.

لطلب الحاج مصطفي مشهور لقاء منفردا معي وأخبرته بما حدث فقال: أنت اليوم من الإخوان ووجبت في عنقك البيعة فمد يدك وبايعني، وكانت البيعة على بركة الله.

ما بعد البيعة:

دعاني الحاج مصطفى لحضور أول اجتماع إخواني موسع في بيت أحد الإخوان بعمارة الشريف بمصر الجديدة حضر الاجتماع معظم الإداريين بمصانع الشريف وجلهم من الإخوان المفرج عنهم حديثا (مجموعة الشريف) وقدمني الحاج مصطفى لهم وأردف قائلا: أخ جديد صحيح معضم ولكن عليكوا تنجدوه (من التنجيد) كان رحمة الله عليه من الظرفاء وضحكت وضحك الجميع وقضينا وقتا طيبا وبدأت الحياة التنظيمية المعتادة، عضوا بالأسر الإخوانية، ثم المسئول الثالث بأول قسم للجماعة وهو قسم الطلاب برئاسة مصطفي مشهور؛
ثم سفر الحاج مصطفى ثم اكتشاف التنظيم السري ثم العمل مع التنظيم الشرعي بقيادة التلمساني ثم عودة السريين وكشف مخططهم في العملية سلسبيل لقلب نظام الحكم في الإخوان ثم الانتقال القسري إلى قسم المهن وتولي المسئولية عن نقابة المهن العملية ثم إجراء الانتخابات والفوز بمقعد في مجلس الشوري
ثم كشف الاجتماع واعتقال المجتمعين ثم قضية 1995 أمام المحاكم العسكرية والحكم بسجني ثلاث سنوات ثم قضية حزب الوسط ثم الخروج من السجن ثم المواجهات مع السريين الجدد في أكثر من موقع حتى مرحلة كتابة الرسائل الإصلاحية فانتخابات 2005 فالمواجهات العلنية التي أكدت ضرورة إصدار هذا الكتاب لبيان الحالة التي وصلنا إليها بعد استيلائهم على جماعتنا، ويمكننا تقصي هذه الأحداث وملابسات حدوثها تحت العناوين التالية:

حالة الاقتراب من الجماعات الإسلامية:

عندما أفرج السادات عن الباقين من الإخوان في السجون كانت الصحوة الإسلامية بلغت الذروة في الجامعات، وكان طبيعيا أن يفرح الإخوان بهذه الصحوة بوصفها حققت ما عز عليهم أن يحققوه، وكانت الفرحة بادية على وجوه معظمهم بالفعل، ولكن بدت مشاعر فريق السريين مختلفة ووجهوا نقدا واضحا لسلوكيات الشباب واهتمامهم بالهدي الظاهر وحجاب المسلمة والخلافات في الفروع، ونسي معظم السريين أن المرحلة العمرية للشباب لها متعلقاتها النفسية والسلوكية؛
وبينما كان اقتراب الإخوان من شباب الصحوة يستهدف نقلهم إلى وضع أفضل من حيث الفهم والسلوك كان أسلوب السريين مختلفا وأهدافهم مغايرة لذلك فقد كثرت أحاديثهم وحكاياتهم حول السجون والزنازين والمحمصة والتعذيب والكرابيج والعروسة والتحقيقات؛
وكان قد صدر كتاب البوابة السوداء للأستاذ أحمد رائف في أبريل 1974 ليصب مزيدا من الزيت على النار المشتعلة بما قدمه من صورة تفصيلية لأحداث التعذيب في السجون الناصرية لأول مرة، ثم صدر كتاب في الزنزانة للأستاذ علي جريشة في نفس السياق، ومارس السريون أسوأ عملية تضعيف وتجريح لقادة الصحوة من العلماء مثل محمد الغزالي وسيد سابق وإبراهيم عزت وحافظ سلامة وعبد الحميد كشك والشيخ الشعراوي وبطرق عديدة؛
إن تجريح المخالفين في الرأي وإعداد لوائح اتهام لهم سيبقى وسيلة من وسائلهم المستنكرة، وطالت حملة التضعيف والجرح رموز الصحوة من الشباب مثل أسامة عبد العظيم وعبد الله سعد بجامعة الأزهر وقيل إنهم يتاجرون في الكتب الجامعية مستغلين مقاعد الاتحاد؛
وأنهم يتربحون من ذلك مبالغ طائلة تصل إلى عشرات الجنيهات، كما كان هناك عملية حصار مضروب على بعض الشخصيات الإخوانية بدون مبرر مفهوم مثل الأستاذ فريد عبد الخالق والأستاذ صلاح شادي والدكتور المحامي عبد الله رشوان والشيخ محمد المطراوي والشيخ عبد المعز عبد الستار وصالح عشماوي وصالح أبو رقيق وكان الحاج مصطفي مشهور يحذرنا كثيرا من التحدث إلى أحدهم أو مجرد الاقتراب من أشخاصهم؛
بالتوازي كان هناك تكبير وتضخيم لما وقع لبعض المعتقلين الإخوان من تعذيب، وكيف تعاملوا مع الجلادين بنظرات التحدي والاحتقار، بينما ضعف آخرون وبايعوا جمال عبد الناصر أو تراجعوا عن مبادئهم تحت ضغوط العائلات والأولاد، وسميت العملية (بالزحلوقة) التي تأخذ الأخ من ضعف إلى ضعف حتى يحصل على قرار الإفراج؛
وصور السجن في حد ذاته على أنه بطولة وتضحية بالرغم من أنه ليس كذلك وليس من اختيار أحد بإرادته، والمحصلة الطبيعية لمثل هذا العرض والدأب عليه أن انحلت عرى الوحدة بين شباب الصحوة وتنازعتهم توجهات متصارعة بين قيادات الإخوان أنفسهم وبينهم وبين التوجهات الإسلامية الأخرى وانتهى الأمر إلى التفتت والتنازع.

الصدام والمفاصلة بين الإخوان والجماعات الإسلامية:

لم يمض على خروج الإخوان من السجون غير أربعة أعوام حتى بدت ساحة الصحوة الإسلامية عام 1979 مليئة بالصراعات، وأصبح السؤال المطروح من قبل قادة الجماعات الإسلامية: من مع الإخوان ومن ليس معهم؟ وهل نقبل القيادات الإخوانية القديمة كقيادة للصحوة أم نبقي العلاقة معهم ودية تشاورية تعاونية؟ ومن الذي يمثل الإخوان تحديدا؟
وبطبيعة الحال بدأ كل فريق يبرز أسباب موقفه وحشد فريق الرافضين للإخوان انتقاداته للإخوان بالجمة ودون مقدرة على تبين الفروق بين أجنحتهم المتصارعة، وتصنف الشباب في معظمه مع أو ضد الإخوان وتاهت معالم الطريق من بين أقدام الصحوة الإسلامية وانتشرت في الجامعات صراعات الشباب على الإمامة في مساجد الكليات وفي مساجد الأحياء السكنية وبلغ الصراع حد استخدام الأسلحة البيضاء في أكثر من موقع (في المنيا حدثت معركة دامية يوم العيد على كورنيش النيل بين محبي الإخوان ومعارضيهم، وفي آبا الوقف مركز مطاي طعن بالسكين أحد مناصري الإخوان ... من قبل معارضي الإخوان)؛
واختلفوا كذلك حول من تصدر النشرات باسمه وتحت أي شعار، وبالجملة كثرت المهاترات التي أثرت كثيرا على تقدم الصحوة وحالت دون وحدتها، من ناحيتي كنت قد حزمت قراري وحددت وجهتي بالعمل مع الإخوان بقيادة عمر التلمساني كمرشد، ولكنني ويشهد على ذلك كل الذين تعاملت معهم في هذه المرحلة كنت أعتبر ذلك خصوصية تنظيمية لا يترتب عليها مقاطعة أي فصيل يعمل لنصرة الإسلام مهما كان توجهه الفكري وفهمه للدين، ولقد تعاملت مع طلبة الصحوة الإسلامية في جامعة المنيا خمس سنين قبل أحداث المنصة ولم يشعر أحد منهم أنني شيء غيرهم.
أنهت أحداث المنصة الموقف تلقائيا لمصلحة الإخوان حيث ركزت الشرطة عملها في مواجهة المنفذين الذين مروا بنفس الدورة التي مر بها النظام الخاص السري من قبل وانتهى الأمر إلى نبذ العنف وكتابة المراجعات وهو نفس ما آلت إليه مجموعة السريين بعد أحداث عدة من ممارسة العنف امتدت من الأربعينات وحتى أحداث تنظيم 65 مرورا بالصدام مع الثورة وتفكير وتدبير البعض لأكثر من مرة لاغتيال رئيس الدولة غير أن السريين الجدد لم يصدروا مراجعات حتى اليوم يعترفون فيها بأخطائهم.
وبانتهاء أحداث المنصة وصدور الأحكام بشأنها وعودتنا من السجون إلى المساجد انطلقنا نحن الإخوان بقيادة عمر التلمساني وفي غياب السريين الذين تركوا مصر وانسحبوا ينسجون خيوط العملية السرية الرابعة في مواجهة الإخوان والوطن؛
انطلقنا نحن في تحمل المسئولية الدعوية في ساحة شبه خالية من الجماعات الإسلامية تقريبا خلال فترة الثمانينات مما أتاح لنا فرصة عمل ذهبية تمكن بها فريق العمل بقسم الطلاب والمهن من التمدد بالجامعات واكتساب مقاعد الاتحادات الطلابية بالكامل تقريبا وكذلك مقاعد مجالس أندية أعضاء هيئة التدريس ...

موقفنا من السادات وعرض الجمعية:

لم ألتفت إلى ما قدمه الرئيس السادات للإخوان في شبابي، فقد كنت من أعدائه على طول الخط وكنت أنظر إليه كفرعون موسى، اليوم أطالع كتب الإخوان أنفسهم فأجد اعترافاتهم أنه:
  1. أصدر قرارا جمهوريا بالعفو والإفراج الفوري عنهم.
  2. أصدر قرارا جمهوريا بإعادتهم إلى أعمالهم.
  3. أصدر قرارا جمهوريا بأن يعودوا إلى أعمالهم على نفس درجة زملائهم الذين لم يعتقلوا.
  4. أصدر قرارا جمهوريا بإلغاء قانون المراقبة على المفرج عنهم.
  5. أغمض عينه تماما عن حركتهم الدعوية في الداخل والخارج.
  6. أعطى فرصة واسعة لتدفق رأس المال على كبرى شركات توظيف الأموال ومعروف أنها إخوانية التوجه والهوى.
  7. أعاد مجلة الدعوة منبرا هاما للإخوان 1976.
  8. عرض السادات بجد أن يكون للإخوان جمعية مشهرة قانونية، وعرض الأستاذ عمر ذلك على بقية الموجودين من الإخوان وأذكر أنهم رفضوا ذلك.
  9. تصالح مع المرحوم الأستاذ: عمر التلمساني وكان يدعوه بصفة رسمية لحضور الحفلات الرسمية لرئيس الجمهورية، وسمعت الأستاذ عمر يقول إن السادات استشاره في اتفاقية كامب ديفيد وقد تحفظ الأستاذ عمر عليها موضحا سبب ذلك التحفظ بأننا لن نستطيع مهما حاولنا أن نوقف الإفساد الصهيوني للمجتمع المصري عامة والشباب خاصة لو فتحنا حدودنا للصهاينة.
  10. كل ما فعله السادات من وجهة نظري كان اعتذارا للإخوان من السادات بلغة مفهومة (والحر تكفيه الإشارة ...)، ومع ذلك لم نستطع كحركة أن نشكل حالة وطنية تحدث التغيير المنشود بطريقة سلمية، وكما ضاعت فلسطين ونحن شهود وقعت اتفاقية كامب ديفيد ونحن شهود وانتهى السادات مقتولا ونحن شهود وانتهت فرصة الحركة الإسلامية في الحرية بنهايته مقتولا برصاصها.

الهروب المشين ونتائجه:

انتهت السبعينيات بخصام واضح بين الصحوة الإسلامية والسادات، السادات من جانبه شعر بمرارة من موقف الإخوان وأعلن ذلك مرارا وتكرارا، وراح يحمل الإخوان مسئولية تجييش الصحوة الإسلامية في مواجهته وقيادتهم لحركة التمرد عيه، والحقيقة أن هذه طبيعة فهمنا نحن شباب الصحوة للدين في هذه المرحلة، وإن كانت هناك مسئولية للإخوان فهي صمتهم على هذا الفهم وموافقتهم الضمنية عليه؛
لقد انتقد الإخوان أكثر تصرفات الشباب حتى قصر الجلباب وطول اللحية وقاوموا ذلك ونجحوا فيه ولكنهم لم يقاوموا حركة التمرد المسلح في مواجهة السادات بأي شيء بل كان بعضهم يتصور أنه صدام قد يؤدي إلى انتهاء الحكم وسقوط مع عدم قدرة الشباب على إدارة الدولة وأن الأمر سيؤول لهم في النهاية تلقائيا (نظرية الفوضى الخلاقة) وما تزال هذه عقيدة بعض أعضاء مكتب الإرشاد حتى اليوم؛
وهكذا أصبح السادات معزولا عن الإسلاميين ومكروها من الناصريين ومحاربا من اليساريين، فعلى من يتوكأ في شيخوخته السياسية والعمرية؟ لم يبق إلى جواره ناصحا إلا المتأمركين، ونجح هؤلاء في السيطرة على قراره وتوجهاته وصوروا له الأمر بطريقتهم ووضعوه في خيار واحد هو إما أنت وإما المعارضة؛
وتصرف السادات مثل كل القادة العسكريين وتعامل مع الموضوع بلغة (اتغدى بيه قبل ما يتعشى بيك)، فكانت اعتقالات 3 سبتمبر 1981 التي شملت قادة المعارضة جميعا إسلاميين ومسيحيين وناصريين ويساريين، ووقع المحظور وكانت أحداث المنصة وانهارت الدولة المصرية تماما لمدة 24 ساعة على الأقل، ودخلنا نفق الطوارئ وقوانين الإرهاب وعصر الهامش الضيق المتاح للحريات أو الحياة على رصيف الوطن؛

وهنا ملاحظات هامة لم أرد أن يذكر أو أراد شكورا وهي:

منذ صدور قرارات الاعتقال ومباشرة تنفيذها من صباح 3 سبتمبر بالفعل كان طبيعيا أن يكون هناك قرار جماعي إخواني بشأن الموقف من ذلك وكيف ستكون طريقة المواجهة وبالفعل توجهت للمسئول المباشر عني تنظيميا في مصر الجديدة (محمود عزت) لمعرفة التوجيهات فلم أعثر له على أثر، وتوجهت للمسئول الأعلى (مصطفي مشهور) فلم أعثر له على أثر، وكان الأستاذ عمر التلمساني معتقلا؛
وبصراحة تأثرت كثيرا وشعرت بالحزن من هذا التصرف المشين، نحن الذين نخطب على المنابر قائلين للشباب إن القيادة الناصحة سباقة وهي التي تبادر بإنارة الطريق للجنود وإفهامهم طبيعة الموقف والتشاور معهم بشأن التدابير الواجب اتخاذها نحو الظروف التي تمر بها الدعوة والأفراد، والانتهاء إلى ما نسميه تقدير موقف أو حالة؛
ولكن لم يحدث شيئ من ذلك وحدثتني نفسي قائلة يبدو أن القيادة هربت وتركتني ومن خلفي وحدنا؟ وبقيت أياما وأنا خائف أترقب ولا أبيت في بيتي، وأقول لنفسي: هذه أفكار شيطانية وحتما سوف يتصل بك أحدهم ويبلغك بالمطلوب والموقف ولكن استمر غياب القادة.
في الخامس والعشرين من سبتمبر طرق باب بيتي بغير موعد أحد شباب الإخوان المجندين وكنت مسئولا عنه أيام الدراسة بكلية العلوم، وأبلغني بأن الجماعة الإسلامية قررت القيام بعمل عسكري انقلابي واسع ويرتبون لذلك، وقد أرسلوني لأعرف وجهة نظر الإخوان وليكونوا على علم بذلك حتى يتعاونوا معهم ويساعدوا في مرحلة نجاح الانقلاب.
(لاحظ أن المندوب في الواحد والعشرين وأنا في الثلاثين).
طلبت منه تأجيل الرد يوما واحدا، وخلال هذا اليوم ذهبت إلى كل مكان يحتمل أن أجد فيه أحد المسئولين ولكن بدون جدوى، عاد إلي وأخبرته أنني لم أجد مسئولي لأتخذ قرارا وليس أمامنا إلا العمل بالأصل وهو حرمة الاغتيالات، انصرف أخي المجند، وانتشرت إشاعة الاغتيال وبلغت درجة التواتر وبتنا (والراديوهات) على آذاننا ننتظر تنفيذ العملية؛
وبالفعل تمت العملية يوم 6 أكتوبر 1981 وكان يوم وقفة عرفات واهتزت الدنيا كلها بينما نحن الإخوان بغير قرار ولا رؤية واضحة نحو الموقف والسبب هروب القادة المشين ومن أشهر من هربوا في تلك الأيام مصطفي مشهور ومحمود عزت وجمعة أمين ومحمد البحيري ومحمد عبد المعطي الجزار وصبري عرفة الكومي وخيرت الشاطر ومحمد إبراهيم وكل رجال النظام الخاص وبقيت القيادة التقليدية عمر التلمساني وجابر رزق وأحمد الملط ومن على طريقتهم من شباب الصحوة الإسلامية.

قضية اختفاء محي وأبو العلا ومحمود الراوي:

أثناء فترة الهروب طيلة شهر سبتمبر 1981 توافد على القاهرة أعداد وفيرة من شباب الجماعات الإسلامية ممن كان مطلوبا اعتقالهم في وجه بحري ووجه قبلي، الجميع رأى أن الاختباء في القاهرة أسهل، وكان من بين هؤلاء إخواني م. محي الدين وم. أبو العلا ماضي وكلاهما من قيادات العمل الإسلامي بالمنيا وما حولها ولهم صلة وثيقة بالقيادات الإسلامية من كافة الاتجاهات؛
ولكنهم جزاهم الله خيرا اختاروني دون غيري ليكونوا ضيوفا علي، وقبلت مهمة إخفائهم ورأيت ذلك مكرمة، وفور اغتيال السادات كان لا بد أن يوضعوا في مكان أمين وقد كان والحمد لله وانضم إليهم م. محمود الراوي وملخص قصة الهروب يبدأ من الإحساس الكامل بأن الأخوين محي عيسي وأبو العلا ماضي لم يشاركوا في عملية الاغتيال وأنهما بريئان منها براءة كاملة.
وكانت الجماعات الإسلامية قد اندفعت في مواجهات مع النظام المصري بقيادة السادات ولكن من حيث الواقع فكانت الشرطة المصرية هي الممثل للحكومة على أرض الواقع ... ولذلك احترفنا في الجماعات الإسلامية كثيرا من عمليات تضليل الشرطة ومن ذلك تعود بعض الشباب على التوجه إلى محطات مترو حلوان والتقاط البطاقات الشخصية المفقودة من أصحابها والمعروضة في لوحة المحطة وكان من السهل نزع الصورة الأصلية ووضع صورة جديدة محلها.
وبهذه الطريقة حصلت على بطاقتين أحدهما باسم إبراهيم ووضعت عليها صورة محي والأخرى باسم حسن ووضعت عليها صورة أبو العلا.
وكانت المهمة الثانية البحث عن ملاذ آمن لدى شخصية شجاعة تفرست في كافة المحيطين بي وأخذت من بينهم المهندس محمد عبد السلام شرف الدين لأسباب عديدة ... أولها لم يكن له ملف سابق بالأمن المصري ولم يسبق اعتقاله أو التحقيق معه وثانيها أنه يمتلك الجرأة والشجاعة على القيام بهذا الدور وثالثها أنه يعمل بالمقاولات ذات الطبيعة الصعبة في قلب الصحراء وبعيدا عن الشواطئ في قلب البحر لإقامة الفنارات على الجزر ومد خطوط الكهرباء عالية الضغط ...
وكانت طبيعة عمله ومساعديه يجعلهم دائما بعيدا عن المناطق السكانية وتحول بينهم وبين الاحتكاك بالمواطنين أو الشرطة، وبالفعل فاتحته وقبل أن يسأل أجبت عن كافة استفساراته من حيث براءتهم من الاغتيال وقدرتهم على الالتزام بما يتفق عليه كونهم من اليوم مجرد عمال باليومية سيلتحقون به من أجل العمل كتراحيل ليس أكثر ... والأصل في هذه الحالات لا يطلب عقد عمل ولا بيانات شخصية ... وقبل مشكورا ذلك.
وفي يوم العيد التقيت بالأخوين وزيادة التمويه في خرجت بهم في رحلة طويلة بعيدا عن القاهرة لكشف ما قد يوجد من مراقبة لهم.
وتوجهت بهم إلى بلدتي بمحافظة كفر الشيخ ... ولكن الحياة لا تخلو من مفاجئات ... فبينما نحن على مسافة 20 كم من مدينة قطور في الطريق إلى بلدتنا خرجت سيارة صغيرة مسرعة من طريق جانبي واعترضت الأتوبيس فجأة واصطدم بها ثم انحرف يسارا ليصدم في شجرة ضخمة فتشطره نصفين ويقع تصادم مروع.
اقتلع الصدام كافة مقاعد الأتوبيس وتكردس الركاب عند المقدمة ووقعت كسور وجراحات وبدأ عويل المصابين ... انشغل الجميع بالحاثة وسارع أهل القرى نحو الموقع للإنقاذ وحضرت سيارات الشرطة والإسعاف وبدأت عملية إخلاء المصابين ...
وفي هذه اللحظات تذكرنا أننا في حالة هروب واكتشفنا أننا محاصرون بالشرطة من كل ناحية وأن نظارة محي الطبية قد تحطمت ويصعب عليه الحركة دونها ... ولكننا في أسرع من البرق استعدنا توازننا وجمعنا شملنا ولممنا شعثنا وأطلقنا أقدامنا للريح عدوا بعيدا عن الموقع ...
وبينما الكل متجه ناحية الحادثة كنا نحن نتجه بعيدا عنها وكأننا ذاهبون لاستدعاء الشرطة والإسعاف ... وعند أول منطقة سكنية ركبنا سيارة بالأجرة واتجهنا نحو الهدف ... كانت كل تصرفاتنا بالإشارة والنظرات وكافة أفعالنا آلية (أتوماتيكية) كأننا تروس ماكينة واحدة توافقت على فعل ما تريد.
وقبل العصر بلغنا بيت العائلة في قريتنا والتقطنا أنفاسنا وقدم لي ولضيوفي الغداء اللذيذ المعتاد في مثل أيام العيد ... ولكن خلال ساعة من الزمن بدأ أشقائي يشعرون بأن الأمر ليس طبيعيا ... فلم أتعود الذهاب إليهم بأغراب! يوم العيد من كل عام كما أنني لم أتعود زيارتهم بغير أهل بيتي.
في المساء طرق الباب كبير الخفراء في القرية وخرجت لمقابلته في الفرندة الخارجية حتى لا يدخل إلى المندرة ويلحظ وجود الهاربين وفور لقائه همس في أذني وشقيقي قريب يسمع "فيه إشارة وصلت من المركز بالإبلاغ عن أي أغراب يتواجدون بالقرية ثم أردف قائلا و كان عندكم حد غريب اتصرفوا فيه بسرعة
ولم يعطنا فرصة للتعليق وانصرف سريعا كان لا بد من مصارحة أشقائي بالأمر وكانوا على قدر المسئولية فقلت لهم تحملوا استضافتنا يوم أو يومين وسأتوجه للقاهرة لإتمام اللمسات الأخيرة المتعلقة بالمكان الذي سوف يقيمون فيه كان في خلدي أن أجهز لهم فراشا مناسبا وملابس كافية وأدوات نظافة لمدة طويلة.
وهكذا ... بالفعل في الصباح توجهت إلى القاهرة وتركتهم في البيت ... وما أن غادرت بيتنا حتى (كما حكي لي بعد ذلك) بدأ التليفزيون بعرض خمس صور لأفراد مطلوبين هم (عبود الزمر، ناجح إبراهيم، أبو العلا ماضي، محي الدين عيسى، طارق الزمر) لم يصدق أشقائي أن الصورة والأصل أصبحت في بيتنا؛
وتصرفوا بحكمة وشجاعة فلم ينتظروا للصباح ... وفي سيارة خاصة تم نقل الهاربين إلى مكان أمين بعيدا عن بيت الأسرة وفور خروجهم بأقل من ساعة كانت قوة من الشرطة تداهم البيت وتبحث عنهم ولكنها لم تعثر على غرباء، واعتبر ذلك بلاغا كاذبا، هنا في القاهرة لم أتمكن من بلوغ بيتي وتمت عملية اعتقالي قدرا في إحدى الكمائن ...
وتصرف الأخوين وفقا لخط السير الذي شرحته لهم والتقوا بالمهندس محمد شرف الدين وسكنوا المكان الجديد في منطقة بالصحراء الشرقية يقام بها مشروع جديد على أنهم مجرد عمال ترحيل.
ظل الإخوان على المنهج المتفق عليه ثمانية أشهر بينما كنت أنا في المعتقل تمارس معي كافة أنواع الضغوط المعتادة للاعتراف بمكانهم ولكن الله أعانني فلم يعرف مكانهم أحد إلا أطراف الموضوع الأربعة م. شرف والهاربين والعبد لله.
تشكلت فرق للبحث عنهم في كافة أنحاء الجمهورية وكانت تصل الفرق إلى معلومات شبه صحيحة فيأتون إلي في السجن لاستكمال المعلومات ولكن الله ألهمنا القدرة على إذابة ما لديهم من معلومات صحيحة وتحويلها إلى شيء غير ذي قيمة.
في نهاية المطاف مل الهاربان الهروب واقتربوا من المدينة المزدحمة وتحركوا في مطاعمها ... وحاولوا رؤية ذويهم وأصدقائهم على اعتبار أن التحقيقات في القضية انتهت من شهور ... وحبب إلى محي ومحمود الراوي التوجه إلى مدينة البعوث الإسلامية لزيارة أصدقاء لهم من المنيا طلبا لإرسال السلامات إلى ذويهم بالمنيا؛
وفور توجههم إلى المدينة وقعت عليهم أعين المخبرين وجلهم من المنيا ويعرفون محي لصفاته الفريدة (الطول الفارع والنحافة المتناهية والنظارة الطبية المقعرة ..) وتنادوا في نفس واحد محي الدين عيسى ... محي عيسي ... امسك ...، وتكاثروا بالعشرات في عملية مطاردة لمحي عيسي وهو يهرول بسرعة ناحية السور للخروج قفزا وقبل السور بقليل أمسك أحدهم بملابسه وعلى الفور لم يتردد محمود الراوي في التقاط قطعة من الحديد في الموقع وعاجل المخبر بضربة قاتلة على رأسه وسقط المخبر مغشيا عليه وتراجع المطاردون من هول المفاجأة وقفز محي ومحمود عدوا فوق السور ودخلوا بين مقابر الإمام وسكنوا أحد المقابر ...
أدركت الأجهزة الأمنية ما يحدث واجتمعت كافة فرق البحث في أقل من عشر دقائق ومعهم الصور المطبوعة ومواصفات الهاربين وطوقت المقابر قوات الأمن بالآلاف في حلقة محكمة وراح الباحثون يضيقون الحلقة شيئا فشيئا حتى لم يعد أمامهم سوى المقبرة الأخيرة ... توجهت إليها كافة الأسلحة وعلا صوت الميكرفون " ... ارم سلاحك ... ارفع إيدك ... سلم نفسك ..." أمامك دقيقتين ...
قبل مرور دقيقة واحدة خرج محي ومحمود رافعين أذرهم إلى السماء وتم القبض والكلبشة والربط مع الجنود وفي موكب مهيب سيق الاثنان إلى مكاتب التحقيقات وتحت التعذيب الوحشي دلا على عنوان أبو العلا ماضي وتوجهت القوات للقبض عليه وتمكنت من ذلك وتحت التعذيب الوحشي اعترفوا على المهندس محمد شرف وتم القبض عليه ووجهت المباحث له سؤالا واحدا .. من أوصل هؤلاء إليك؟
فقال: السيد عبد الستار المليجي .. وهنا اتحلت العقدة وتم الإفراج عنه بعد يومين وأحيلا الأخوة الثلاثة إلى سجن طرة وفي الصباح طالعت الخبر في الجريدة اليومية وبعد يوم واحد تم الإفراج عني ونظرا لكونهم بريئان من عملية الاعتقال فقد أفرج عنهم بعد شهور قليلة وأصبحت تلك الأحداث جزءا من التاريخ.

في سجون 1981:

بعدما تأكدت من سلامة خطة إخفاء الأخوين محي وأبو العلا بحيث لا يمكن تتبعهم عدت قافلا إلى القاهرة، ونظرا لتوقع وجود كمين في بيتي لمكتبي بإدارة مصانع الشريف بشارع أبو سمبل بمصر الجديدة لأستطلع الأمر ممن لم يغادروا القاهرة؛
وكنا في عطلة عيد الأضحى والوقت قبيل العشاء والمكان كله مظلم تقريبا، تحسست الموقع ولم أر ما يفلت الأنظار فتسللت إلى باب الإدارة في الطابق الثاني، وفور دخولي تابعني شخص غريب ودخل ورائي وعليه علامات التوتر، تفحصته بدقة ولمحت مسدسه في خصره وأدركت أنه كمين، سألني متماسكا: حضرتك المهندس محي عيسي؛
فقلت: لا أنا سيد عبد الستار، تركني وخرج وتذكرت وقتها أن محي عمل مهندسا بمصانع الشريف لمدة شهرين وطبيعي أن يتوقع هروبه هنا وعلى ذلك تشابهت هيئتي معه ولو من حيث الطول والرفع، وبعد حوالي دقيقتين عاد وطلب مني في لطف تحقيق الشخصية، وما أن رأى بطاقتي مدون بها في خانة العمل (معيد بكلية العلوم، جامعة المنيا) حتى عاد ينظر إلى بعد أن وضع البطاقة في جيبه وقال لازم نفحص حضرتك في القسم.
وفي قسم مصر الجديدة بميدان الجامع أحضروا ضابط أمن الدولة (كان اسمه عادل وعيناه خضراوان)، وما أن رآني حتى ظهرت عليه ابتسامة صفراء وهو يقول (الحمد على السلامة يا سي السيد) وفورا صدر قرار باعتقالي، في القسم مكثت خمسة أيام، وتقلب على أكثر من خمسة مخبرين في هيئات متنوعة وكلهم يحاول بأساليب متنوعة معرفة معلومات عن الهاربين؛
وكلما أخبرت أحدهم بأنه مخبر مكشوف يطلب الذهاب للحمام ثم لا يعود ويأتي آخر بأسلوب جديد، وفي نهاية المطاف كان الترحيل إلى أبو زعبل، وهناك سكنت عنبر 4 ووجدت به من سبقني من أبناء القاهرة والقليوبية وبدا العنبر كرنفالا للجماعات الإسلامية من كل لون، أكثر من عشر جماعات حتى كان منها ما يسمى نفسه جماعة الخشبتين الخلة والسواك؛
وممن سبقني للعنبر من الإخوان الأخ مختار نوح المحامي المصر على إقامة درس الثلاثاء الإخواني والشيخ عبد الهادي من أسوان ومجموعة فرماوية مثيرة للضحك في كل ما تأتي من أعمال وطبيب بيطري يدعى أحمد شبه مجنون ويدعي أن كل شيء في حياتنا ملوث بالخنازير؛
والعدد الإجمالي في العنبر الذي سعته عشرون يبلغ 72 معتقل وحمام واحد والطابور على الحمام مستمر بالحجز 24 ساعة، استقبلوني مرحبين مهللين مكبرين ولم يكن معي شيء تقريبا لأنني معتقل من الطريق وكنت ما زلت ببدلتي كاملة وبالكرافتة، صحيح كانت متسخة من النوم في الحجز ولكنها بقيت بدلة كاملة وآخر تمام.
بعد أسبوع خضنا ملحمة الحلاقة زيرو ونقلنا إلى العنبر السياسي من أجل إجرائها ثم عدنا إلى عنبر أربعة ويوم السادس والعشرين من أكتوبر جاءت النداهة المسائية، ونادت بالميكروفون (السيد عبد الستار المليجي ... لم هدومك واستعد للترحيل)
كان هذا يعني الذهاب إلى ساحة الموت بسجن التحقيقات بملحق طره، وبسرعة البرق لبست شرابي المبلول وحزائي ووضعت الكرافتة في جيبي وتسمرت على الباب الحديدي بلا وعي تقريبا، إنها لحظات الإقبال على الموت وهو الأمر الذي ينبغي خوضه بشجاعة وحزم.
ولم تمر دقيقة حتى رأيت خلفي كل العنبر مصطفا وراء الشيخ عبد الهادي يصلون من أجلي صلاة الحاجة، وبينما كان صوت دعائهم يرج الأرض والسماء جاء حاملي الكلبشات وقيدوني في أحدهم وأسرعوا بي إلى سيارة شرطة وفي المقعد الخلفي ربطوا معي صول آخر وجلس بجوار السائق ضابط مسلح بالرشاش؛
وفور خروجي للشارع سارت أمامي سيارة لا يكف ميكروفونها من تحذير المواطنين (على الجميع أن يركن يمين الطريق) وخلفي سيارة حراسة بها ست جنود مشهرين الرشاشات.
كانت زفة عظيمة مهيبة تشعرك أنه لا مناص من الإعدام مهما طالت التحقيقات، وفي الطريق من أبو زعبل إلى طره تذكرت كل الماضي وذكريات الطفولة ونضالات العشر سنين الفائتة واسترحت نفسيا لكل ما أديت وحمدت الله كثيرا وقلت في نفسي ليكن ما يكون فقد فعلت كل ما آمنت أنه يجب على فعله.
على أبواب سجن الاستقبال الرهيب عصبوا عيني بعصابة سوداء ثقيلة، وتقدم نحوي من راح يتأكد أنني لم أعد أر شيئا، مرت لحظات ثم سحبني جندي إلى داخل السجن الذي انفتحت بوابته بصوت مسموع، لم أتلق علقة الاستقبال المعتادة وسألت أول مسجون فأخبرني قائلا (النهار ده بس أوقفوا التعذيب لأن كمال السنانيري مات ... الله يرحمه ..)
استمرت التحقيقات ثلاثة أشهر ونصف حول قضية الاغتيال، وقضية تهريب الأخوين محي وأبو العلا وتأكدوا من أطراف أخرى أنهم كانوا بحوزتي حتى يوم اعتقالي، وانتهوا لقرار (سوف تبقى مكانهم حتى تدل عليهم) وبعد ثلاثة أشهر وأيام أعادوني إلى أبو زعبل، ويوم عودتي أحسست أنني دخلت الجنة بالفعل وكانت لحظة زوال الغمامة السوداء من على عيوني ورؤية النور والبشر في أبو زعبل ميلاد جديد.

براءتي من قضية الاغتيال:

أسفرت التحقيقات مع حوالي 800 من المهتمين بمعاونة مجموعة الاغتيال عن اتهام 302 منهم وتبرئة الباقين وكنت من بين الذين برأتهم التحقيقات بالسجون بينما نقل الباقين إلى نيابة أمن الدولة وبدأت محاكمتهم فور الحكم على مجموعة العشرين التي باشرت عملية اغتيال الرئيس.
لقاء جابر رزق كان أول من لقيني بسجن أبو زعبل فور عودتي من التحقيقات أخي جابر رزق (رحمة الله عليه) ما زلت أذكر محياه وهو يتسلق باب الزنزانة ليكلمني من فتحته الصغيرة ويقول (الحمد لله على سلامتك يا أخ سيد)
ولأنني عدت شبه عاري تقريبا من سجن الاستقبال فقد لاحظت عليه التأثر الشديد لما أنا عليه، وانسحب سريعا ليعود بعد دقائق ويناديني ويمد يده لي بغيار داخلي وجلباب بلدي شبه جديد وهو يقول جلابية أخوك لاشين إن شاء الله تيجي مقاسك؛
وبالفعل تحولت صورتي في دقائق من شحات إلى عمدة، دعوت له بالخير وما زلت حتى اليوم أترحم عليه كثيرا، وفي أول فسحة سارع إلي وجلس معي لأروي له كل ما وقع في سجن الاستقبال من تحقيقات وطمأنته أن التحقيقات لم تتناول أي شيء يتعلق بدوري في الإخوان.في التنظيم الأصيل للتلمساني والتعرف على عبد المنعم لأول مرة.
لم يمض على خروجي من السجن بضعة أيام حتى اتصل بي أخي جابر رزق واستضافني في بيته بشبرا، وأبلغني رسالة مؤداها أن الحاج مصطفي مشهور يسلم عليك ويقول لك اجمع من تعرفهم من قسم الطلبة وابدءوا العمل برئاسة أخيك عبد المنعم أبو الفتوح؛
وقلت: أنا لا أعرف عبد المنعم ولم يكن معنا في القسم فقال (الخميس القادم نصوم ونفطر سوى وأعرفك عليه)، وبالفعل تم ذلك وتعرفت على عبد المنعم أبو الفتوح وخلال شهر تقريبا وفي ظروف أمنية بالغة الشدة تكونت أول لجنة مركزية للاتصال والمتابعة بعد أحداث المنصة تحت قيادة الأستاذ عمر التلمساني والدكتور أحمد الملط والأستاذ جابر رزق
وشكلت اللجنة من (م. محمد سليم، د. محمد حبيب، د. ممدوح الديري، د. السيد عبد الستار، د. عبد المنعم أبو الفتوح، د. أنور شحاتة، وانضم إليها آخرون تباعا)، وكان لهذه اللجنة مهمتان، الأولى الاتصال بالمحافظات والثانية إعادة تكوين قسم الطلاب كأول أقسام الجماعة.
وتمت المهمتان بنجاح وبدت جماعة الإخوان لأول مرة منذ أحداث 1954 تعمل بانتظام وتوافق واضحين، ودعي إلى قسم الطلاب المركزي كل من د. حلمي الجزار والمهندس أبو العلا ماضي، وهنا ملاحظة هامة جدا:

التنظيم السري في الخارج:

تبين لي أن ما قمت به لم يكن بموافقة الحاج مصطفى وبدى ذلك فور عودته بعد ست سنوات من الهروب في الخارج حيث قابلني بفتور شديد ولم يفتح معي موضوع تنظيمه الجديد الذي شكله في الخارج من المبعوثين والمعارين في السعودية واليمن والخليج والكويت، من جانبي لم أشعر لحظة أنني أخطأت في شيء فالعهد الذي بيني وبني الحاج مصطفي مشهور كان على أساس أن التلمساني هو المرشد وهو ينوب عنه في البيعة لا أكثر؛
ولم أكن على علم بخلافات الإخوان القديمة، لقد طالعت مؤخرا هذا التاريخ بهدف التعرف على جذور المشكلة المزمنة وواضح أن عمر التلمساني كان طيلة عمره كما عرفناه عفا متعاليا على الصغائر مؤمنا بوحدة الصف ووحدة القيادة وضد التنظيمات السرية، بينما الحاج مصطفى كان يؤمن بجدوى العمل السري في تحقيق أهداف الدعوة وإيمانا منه بعقيدة إسلامية التنظيم وجاهلية ما عداه.

الإخوان والجامعات (قسم الطلاب):

بحمد الله وتوفيقه بلغ قسم الطلاب ذروة لم يصلها من قبل، وبلغت جماعة الإخوان درجة راقية من الثبات والنمو والتأثير، وأسسنا أول مركز دراسات متخصص في مجال رفع كفاءة الإخوان في شتى ما يحتاجونه من دورات وأسميته (المركز العلمي للبحوث والدراسات، معبد)؛
وكانت النتيجة رغم التضييقات الأمنية فوز طلبتنا بكافة مقاعد الاتحادات الطلابية تقريبا، وفوز أساتذتنا بكافة مقاعد مجالس إدارة نوادي هيئة التدريس عدا جامعة واحدة ألغيت فيها الانتخابات، (طالع كتاب تاريخ الحركة الإسلامية في ساحة التعليم "مكتبة وهبة" لتعرف كافة التفاصيل ولاحظ الصور المرفقة لأول اجتماع تنظيمي للإخوان تحت إدارة التلمساني وقبل هبوط التنظيم الخاص السري بالصراعات والفشل) هداهم الله.

صراع التنظيم السري مع تنظيم التلمساني ومظاهره:

لم يكد عام 1985 ينصرم حتى بدأت إرهاصات القلق على أعصاب التنظيم السري، وبدأت طلائعهم تتقاطر على مصر بغير مبررات معقولة لعودة المعارين، ولوحظ أنهم يأتون ويرفضون الاندماج فيما هو قائم، وبدءوا حملة من الشائعات حول إخوانهم الباقين هنا في رحاب الوطن؛
فنشروا مقولة (الحي أبقى من الميت) وكانت تعني أن العمل بالأحياء (التنظيم السري) يفضل على العمل بالنقابات والجامعات والمؤسسات العلنية، وبدأنا نشكو من شح الأفراد وقلة المعاونين في هذه المؤسسات، واقترح اعتبار الجامعة حي له إدارة مستقلة وبدأ العمل بالفعل بهذا المقترح، ثم ألغي المقترح وعدنا للمتاهة الأولى، كان الهدف هو إضعاف نقاط التميز لتنظيم التلمساني وتقوية العمل السري تحت قيادة جديدة وافدة، والترتيب لانتخابات مخططة تعطي للمبعوثين والمتسعودين والخلايجة المجندين للتنظيم السري مشروعية تنظيمية في القيادة.
في الحي الذي أعيش فيه (شرق القاهرة) نزل من السعودية أحد الإخوان الشراقوة ويدعى محمد العريشي، وتعرفت عليه أول مرة في منزل محمود غزلان بالمعادي بواسطة ممدوح الديري، وبعد سنة تقريبا أدمجوه في تنظيم الحي، وهو الذي تسبب في مشكلة الأزهر وظل ينفخ في نارها حتى انتهت بانفصال خيرة شباب الإخوان بجامعة الأزهر؛
ومن يومها والإخوان بدت كالأم التي تأكل أولادها، وهبط علينا من الكويت المهندس أشرف عبد السميع، وكان صريحا في كونه جاء على تنظيم مواز، فعندما دعوته للانضمام إلى أسرتنا لأننا كنا نسكن في بيت واحد صرح لي قائلا (أنا جاي من الكويت لأعمل مع الأستاذ العريشي) والعجيب أنه انتقل إلى الدقي فور انتهاء أول انتخابات وكأنه أدى المهمة وانصرف إلى غيرها كما أنه كان ضمن المعتقلين في العملية سلسبيل لقلب نظام الحكم في الإخوان.
وكان مما كشف وجود التنظيم السري وبدأ محاولاته الانقلابية الموقف التالي الذي لا أنساه للمهندس (أشرف عبد السميع): فقد دعاني لزيارته في بيته، ولما دخلت وجدت عنده اجتماعا به قرابة العشرين من الإخوان الذين أعرف معظمهم، وجلست حيث انتهى المجلس وكانت جلستي قدرا في قبالة الداخل إلى الصالة ولا بد للداخل أن يراني، فإذا به يطلب مني بغضب واضح الانتقال إلى زاوية في مكان لا يراه أحد ولأنني في بيته فلم يكن بمقدوري أن أخالفه؛
وبعد دقائق اتضح السبب، فقد وزع علينا أقلام رصاص وقصاصات ورق أبيض قائلا مطلوب منا أن نختار عدد كذا ليكونوا مجلس الشعبة (يعني هناك انتخابات بدأت دون علمي بالحي وأنا المتواجد قبل الداعي لها بخمسة عشرة سنة في الموقع يعني الجهاز السري اشتغل من ورانا ورتب الانتخابات كما يريد)
واتضح أنه تعمد إخفائي في هذه الزاوية حتى لا يراني الناخبون ولا يختارني أحد، ولكن كانت النتيجة على عكس ما أراد، قد يرى البعض أن هذا لعب عيال صغيرة، وأنا مع هذا البعض ولكنني أوضح بهذا المثل حجم شحنة الكراهية التي شحنوهم بها في الخارج ليفرغوها نارا حامية في قلوب الإخوان هنا
وفي نفس الحي ظهر الأخ (محمد مهدي عاكف) عام 1987 ومارس دورا خطيرا يتعلق بتصفية قسم الطلاب سوف أشرحه بعد قليل، وفي أمسية كنا فيها عند الأستاذ مختار نوح مدعويين على إفطار الخميس للتشاور حول انتخابات نقابة المحامين دخل علينا رجل لا نعرفه بصحبة عبد المنعم أبو الفتوح وعرف نفسه قائلا (أخوكم مسعود السبحي)
ولما لم يكن هناك سبب لوجوده فقد اعتبرته عنصرا جديدا من عناصر السريين، كانت طريقتهم دائما على هذا النحو، يأتي أحدهم فيندس وسطنا بصفته أخ جديد قادم من هنا أو هناك لا ليتعاون معنا ولكن ليشارك في محاصرتنا، ثم تقاطر العائدون واحدا تلو الآخر وكلهم بنفس الروح ونفس الجمود العاطفي والتخشب الإنساني، وكم كنت أستغرب المواقف قبل أن تكتمل عندي الصورة وتظهر معالمها الدميمة.
وفي غضون هذه الأيام كذلك هبط علينا مبعوث جديد يدعى (محمود حسين)، وكانت الرسالة أنه عائد إلى كلية هندسة أسيوط، وكلفنا أنا والأخ أبو العلا ماضي أن نستقبله في مطار القاهرة ونقوم بخدمته، وفي المطار تعرف عليه أبو العلا وعرفني به ولكن الغريب كان برود عاطفته نحونا مع أنها أول مرة نلتقي به؛
لقد كان لوحا ثلجيا يمشي بيننا على قدمين، قلت في نفسي يبدو أن هناك مصنع في أوروبا ينتج لمصر إخوان بلاستيك، وبمرور الأيام اتضح أنه من التنظيم السري الموازي وما شاء الله عليه، بسرعة الصاروخ ضرب الكل في أسيوط، ثم تعين في 2006 عضوا بمكتب الإرشاد بدون انتخابات (رجل مزكى على الشريعة السرية)، أنا أعرف من الإخوان الأفاضل بأسيوط العدد الوفير، ولكن لحكمة يعلمها الله لا يرقى أحدهم إلى مرتبة المعلبين في الخارج؟!

العملية ... سلسبيل .. لقلب نظام الحكم في الإخوان وتوابعها:

أنشأ التنظيم الجديد شركة (سلسبيل) صورة طبق الأصل من (المركز العلمي للبحوث والدراسات، معبد) من حيث الشكل والأدوار، (كاد المريب يقول خذوني فأنا تنظيم موازي).
فقد تأسس المركز العلمي للبحوث والدراسات (معبد) عام 1983 ليكون مساعدا للباحثين والدارسين بالجامعات المصرية على إتمام بحوثهم بمدهم بالمراجع والكيماويات والأجهزة، وشكله القانوني شركة توصية بسيطة، ونظرا لكوني مسئولا في هذا الوقت عن متابعة عمل الإخوان بين أعضاء هيئة التدريس؛
فقد كان مناسبا بحكم طبيعته أن يقوم بدور الاتصال والمتابعة بجميع الجامعات المصرية، وشكلت به لجنتان واحدة للخبراء والثانية للمستشارين، وشكلت اللجنتان بطريقة طبيعية وشفافة بمراسلة كافة عمداء الكليات المصرية، ومن ضمن الخبراء والمستشارين بالطبع الإخوان المتواجدين بالجامعات، ولذلك كان اجتماعهم بالمركز ونشاطهم من خلاله قانونيا ومنطقيا، وحتى يسهل الاتصال بالطلاب كنا نقيم باسم المركز كل عام مصيفا لتعليم لغة الكمبيوتر ودورات تصفية للتنمية البشرية المتكاملة، وقد أفادنا كثيرا في هذا المجال.
فور اكتمال طلائع الغزو المعد في أوروبا والسعودية والكويت واليمن تشكل منهم تنظيم مصغر تحت لافتة (شركة سلسبيل)، بمجلس إدارة مكون من: أحمد عبد المجيد بصفته (مالك الشركة الأم في لندن)، خيرت الشاطر (رئيس مجلس الإدارة)، حسن مالك (عضو)، محمد إبراهيم (عضو)، طاهر عبد المنعم (عضو)، عدد من الإخوان المراسلين بكل محافظة كما تأسس فرع لشركة سلسبيل بالمنيا تحت قيادة د. محمد سعد الكتاتني ود. كمال الفولي ليكون المسئول عن تسويق التنظيم السري في الصعيد؛
وبدا التنظيم يجمع معلومات تفصيلية حول جميع الإخوان ويسجلها في كروت باسم كل عضو، وجمعت المعلومات في شركة سلسبيل دون أي علم من الأستاذ عمر التلمساني أو العاملين معه؛
وبدأت هذه المنظمة الجديدة تصنف الإخوان دينيا تبعا لمواصفاتها الخاصة، وفور قدوم الحاج مصطفي مشهور فقد اعتمد على جهل الإخوان بالصراعات التاريخية الداخلية (بين إخوان الفضاء العام وإخوان الفضاء الخاص) أو بين النظام الخاص السري ومكتب الإرشاد وأعاد ترتيب الإخوان بالشكل الذي يتوافق مع اجتهاداته الشخصية، وطموحاته التنظيمية وتجنب التعامل معي وكافة الإخوان الذين يعملون مع الأستاذ عمر بوصفه المرشد الحقيقي للإخوان؛
حيث ارتكزت نظرية عمل الحاج مصطفي مشهور على اعتبار نفسه المرشد الحقيقي والأستاذ عمر التلمساني مجرد صورة مرشد (أو مرشد صورة) وهو نمط التفكير المسيطر على كل مجموعة التنظيم الخاص السري من السبعينيات، وعقيدتي أن هذا اجتهاد له عليه أجر واحد؛
ومن المعلوم تاريخيا أن تجربة العمل بهذه الطريقة جرت على الإخوان متاعب كثيرة وتسبب تاريخيا في قتل المرشد الأول حسن البنا بعدما غافلوه وقتلوا رئيس الوزراء النقراشي بغير إذنه وباجتهادهم الخاطئ، وهي نفسها طريقة التفكير التي عرقلت عمل المرشد الثاني حسن الهضيبي، وها هي اليوم تشق صف الإخوان، وتثير الشكوك والريبة فيما بينهم وتنتهي بهم إلى التنازع والفشل والحياة على رصيف الوطن.
ولكن كيف كانت نهاية المتورطين في العملية سلسبيل لقلب نظام الحكم في الإخوان؟ كان جهاز أمن الدولة وراءهم خطوة بخطوة وتركهم يعملون بدأب واجتهاد في جمع المعلومات الذي عجز هو عن جمعها عن الإخوان، ولما اكتملت عمليتهم ونضجت الثمرة وحان وقت قطافها تقدم ضباط أمن الدولة بقيادة العقيد محمد قمصان وقبضوا على المعلومات مرة واحدة بضربة واحدة في ساعة واحدة، وكانت قضية سلسبيل الشهيرة والتي لم تقدم لمحكمة رغم خطورتها لأن أجهزة الأمن اعتبرت مجلس إدارة سلسبيل أبطال أمنيون أدوا للمباحث خدمة جليلة.
وهكذا سلم الإخوان الكرام الأفاضل أعضاء النظام الخاص السري لمباحث أمن الدولة أهم وأخطر معلومات عن الإخوان بشكلهم الجديد، وهم جميعا شركاء عرفا وقانونا في المسئولية عن هذا الاختراق الأمني في الوقت الذي يدعون أنهم أحرص على الدعوة من غيرهم!!
والسؤال المطروح هو: هل تم التحقيق معهم من قبل أي جهة إخوانية؟ وما نتائج التحقيق؟ وما هي الدروس المستفادة؟ وأعجب من ذاك أن مجموعة سلسبيل مضت في مخططها فور خروجها من الحبس الاحتياطي وكأن شيئا لم يكن؟!

الإبعاد إلى النقابات وما ترتب عليه:

في الوقت الذي كان التنظيم السري يرتب الأمور لنفسه بطريقة متسرعة في الأحياء والمدن، كانت هناك خطوات تتخذ لوقف نشاط الأقسام الناجحة في الجماعة بحجة أنها تقدم للمجتمع قيادات غير راضية عن تصرفات النظام الخاص، وكان أقوى هذه الأقسام قسم الطلاب، فلقد نجح القسم في العمل من خلال الاتحادات الرسمية في كافة الجامعات بغير استثناء حتى الجامعة الأمريكية استطاع الأخ عصام سلطان (المحامي)، أن يكون فيها مجموعة عمل جيدة.
وعلى مستوى نوادي هيئة التدريس فقد صارت كل مجالسها من الإخوان تقريبا، كما كان قسم الطلاب هو المصدر الرئيسي للإخوان الجدد بغير منازع، وأدخل هذا القسم منذ عام 1982 وحتى سلبته مجموعة الخاص عام 1988 آلاف من الشباب في جماعة الإخوان.

انقلاب مهدي عاكف في قسم الطلبة:

كان من الطبيعي أن يكون العاملون في قسم الطلاب ولكن حدث العكس، ففي اجتماع عقد في بيتي بمدينة نصر حضر (محمد مهدي عاكف) برفقة (عبد المنعم أبو الفتوح) وأخبرنا أنه سيتولى رئاسة القسم بقرار من مكتب الإرشاد، وما لم تكن هناك كالعادة أسباب مقنعة، فقد استخدموا سياسة الركل إلى أعلى.
واستطرد (محمد مهدي عاكف)، سيكون عبد المنعم مسئولا عن قسم النقابات المهنية.وكالعادة لم يترك فرصة للنقاش وانصرف بحجة أنه مسافر، ولفنا غم وهم كبيرين، كنا نحس من خلال مواقف كثيرة أن شيئا ما يدبر بليل ولكننا أمرنا بإحسان الظن.
ولم يطل الانتظار ففي الاجتماع التالي وكان في بيتي كذلك قال (محمد مهدي عاكف) بصفته رئيس القسم:
(أنا عارف أنكم عاملين رديف لكل واحد فيكم يا ريت يحضروا معاكم الاجتماع القادم)، وحضر معنا الرديف في الاجتماع الثالث، وفي الاجتماع الرابع وجدتني وحدي مع الرديف من القسم وهو يقول (رئيس القسم مكاني سيكون د. رشاد البيومي وسيدعوكم للاجتماع به قريبا)؛
بذلك قطعت رأس قسم الطلاب وفصلت عن جسده وصاروا به في توجهات جديدة ظهر آخرها في استعراض الأزهر المشهور وفي الملصق الذي غطى حوائط الجامعات وسبب المتاعب للطلبة وللجامعة وإدارتها ومنطوقة (طلاب الإخوان المسلمين)، وانتهى القسم إلى خارج الاتحادات وانتقل عمله إلى كشك على رصيف الجامعة أطلقوا عليه (الاتحاد الموازي) ..

قسم الطلبة في قبضة النظام الخاص:

ومن الجدير بالذكر توضيح ماذا حدث معي شخصيا بوصفي الوحيد الذي تركوه بعض الوقت من قيادة قسم الطلاب الأساسية، طلب مني الحاج مصطفي مشهور وبحكم المعرفة القديمة والراسخة بيننا أن أستمر في قسم الطلبة مسئولا عن أعضاء هيئة التدريس ولكن تحت رئاسة (محمود عزت)
وقلت له: يا عم الحاج تكفي رئاسة (رشاد البيومي)، ولماذا رئاسة أخرى وسيطة، فقال (اعتبره الأصل وأنت مساعده) فقلت منفعلا المفروض يا عم الحاج أن يكون لي مساعد إن أردتم ذلك لأنني أعمل في هذه المهمة لأكثر من خمس سنين، ثم إنني بصراحة لم أعد أثق في محمود عزت منذ أن تركني وحدي وسافر والمحنة على أشدها عقب أحداث المنصة، تغير وجه الحاج مصطفى وأحسست أنه أخذ الكلام على نفسه وقال:عموما فكر في الموضوع وأنت حر.
كان هذا آخر عهدي بقسم الطلاب وبالرغم من عدم صدور قرار واضح في اللقاء فلم أدع لحضور الاجتماعات من رئيس القسم الجديد حتى اليوم ومنذ عام 1989، وخلال أعوام أربعة بعد ذلك تركت مفتاح مكتبي (المركز العلمي للبحوث والدراسات) بمدينة نصر للأخ الدكتور (محمود أبو زيد) بطب القصر العيني وكثيرا ما كان يعقد اجتماعات متعلقة بقسم الطلاب في مكتبي وأنا أسكن فوقه مباشرة دون دعوتي للاجتماع، ومع ذلك فقد كنت أستريح كثيرا لموقفي هذا، كما أن ثقتي في محمود أبو زيد لم تتغير حتى اليوم.
خلال عام 1988 بدأت أتردد على نقابة المهن العلمية وأدرس القوانين المنظمة لها وأجمع المعلومات حول مجلسها وتاريخها، والحمد لله كان تاريخها مشرفا ومشجعا للعمل ضمن مجلسها مهما بدى عليه من ضعف في الأداء، وسريعا أبلغني عبد المنعم بوصفه رئيس قسم المهن بأن أنتقل إلى قسم المهن لأتحمل المسؤولية عن العلميين ونقابتهم وكان، واستمر العمل بنقابة العلميين حتى كانت قضية محاكمة المهنيين العسكرية عام 1995، وهي المحاكمات التي استغلها التنظيم السري لينقض على موقعي بالنقابة ويسلمه لأحد المتعاونين معه ويدعى أحمد حشاد ويعمل باحثا بهيئة المواد النووية.

الإخوان والنقابات:

تكفي هنا الإشارة إلى أن جميع قيادات قسم الطلاب تم إبعادهم إلى قسم المهن والنقابات بالإخوان ووجدنا أنفسنا نحن الفريق المتكامل مرة ثانية في قسم واحد جديد (عبد المنعم أبو الفتوح، السيد عبد الستار، أنور شحاتة، أبو العلا ماضي، محمد عبد اللطيف، صلاح عبد الكريم، حسام حسين)

وممثل لكل مهنة على النحو التالي: "حسب ذاكرتي"

الزراعيين: د. توفيق مسلم (المعلمين: أ. علي لبيب، الأطباء عبد المنعم أبو الفتوح، العلميين: السيد عبد الستار، الصيادلة تغيروا كثيرا، أطباء أسنان: تغيروا كثيرا، المحامين: مختار نوح، الصحفيين: محمد عبد القدوس، الإعلاميين: بدر محمد بدر، المهندسين: محمد علي بشر) وأصبحنا الفريق الذي أوكل إليه أخونة النقابات المهنية.

لم يكن ذلك تكريما من التنظيم السري المتربص بإخوانه والمصر على أن يقبض على مقاليد كل شيء ولكن فلسفتهم كانت تقوم على اعتبار قسم الطلاب من أهم الأقسام التي تشكل شخصية الفرد في المستقبل؛
وأن بقاءنا في قسم الطلاب معناه استمرار إدخال عناصر جديدة تفهم وتعمل على طريقة الإخوان المسلمين وليس على نمط السريين، ومن هنا وجب إبعادنا ثم دفننا في النقابات المهنية بوصفها بيئة شاقة أو أشغال شاقة، وكذلك فإن عادتهم القديمة هي الافتئات والسطو على مجهودات الآخرين وسلب ما تم تعميره وتشجيره من الأرض ودفع غيرهم إلى أرض صحراوية أخرى ولكن خاب ظنهم وطاش سهمهم وندموا كثيرا على ما فعلوا؛
ففي غضون عامين أصبحت النقابات المهنية أعلى صوت إخواني في مصر، وسمعت الدنيا كلها بالنقابات المهنية في مصر واستطاع فريق المبعدين أن يحقق بفضل الله تقدما ملموسا في حركة النقابات المهنية على كافة الأصعدة، وارتج لما حدث نظام الحكم فأصدر القانون 100/ لسنة 93 ليوقف زحفنا وما استطاع فكانت قضية النقابات المهنية عام 1995 وساقونا للمحاكمات العسكرية مع آخرين، وبذلك تراجع النشاط في النقابات المهنية؛
كما أن أعضاء النظام الخاص وجدوها فرصة ونحن وراء القضبان فأكملوا عمل النظام وملأوا مواقعنا بعناصرهم بعدما زودوهم بأسلحة فتاكة من الكراهية لأشخاصنا حتى يكونوا لنا بالمرصاد عند انقضاء فترة حبسنا.

أول انتخابات داخلية والترتيب لها ونهايتها:

ظل هذا الفريق السري من الإخوان يشعر أنه غريب في أوساط الجيل الإخواني الجديد وأن القيادة الطبيعية للجيل جلها ممن قادوا العمل الطلابي في السبعينات، وعلى الرغم من طيبة قلوب هذا الجيل وخلوه من ضغائن الماضي وطهارته من أدران الصراعات الداخلية القديمة
فلم يرق لفريق النظام الخاص أن يلتزم بخط الإخوان الجديد المعلن وهو توريث الدعوة بنقائها وطهارتها والإبقاء على جيل الصحوة في المقدمة وإحسان توجيهه وإبعاده عن الشقاق والنفاق وسوء العلاقات التنظيمية التي لوثت سمعة الإخوان في الأربعينيات الخمسينيات الستينيات، وبدأ هذا الفريق يستغل توجهات الجيل في تولي المسئوليات بالانتخابات فقرر أن تكون الانتخابات هي الوسيلة التي تحقق لهم مشروعية التحكم في الإخوان فماذا حدث؟
في سرية تامة وخلال ثلاث سنوات وهم يغيرون في البنية التصويتية بالقاهرة وغيرها ويغيرون الدوائر الجغرافية وينقلون الحدود من مكان إلى مكان وينقلون أفرادهم من محافظة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى وبأي سبب، وفجأة بدءوا العملية الانتخابية على النحو التالي:

يأتيك واحد من إخوان الحي وبيده ورقة استدعاء (نفس طريقة المباحث) مكتوب على الورقة (اجتماع الشعبة الليلة في منزل فلان والساعة كذا) ويعرض عليك الورقة على الباب ثم يضعها في جيبه ويفر هاربا دونما أن يعطيك فرصة للسؤال عن أي شيء ولا حتى سبب الاجتماع؛

في المكان تدخل فتجد معجنة بشرية يتصاعد منها لهيب حرارة الأنفاس، ستون شخصا في مساحة مخصصة لخمسة أو عشرة، المنظر كأننا معتقلين في سجن مهين، خليط لا تعرف معظمه ولا من أين أتوا وبعد دقائق يوزع على الحاضرين ورقة وقلم رصاص مبري؛
ويقول أحد الحاضرين مطلوب اختيار عدد كذا لمجلس الشوري وعدد كذا لمجلس المنطقة وأمامك دقيقة واحدة وتسلم الورقة، وقبل أن تمر دقيقته يبدأ الأستاذ في جمع الأوراق ويأخذ معه فردين آخرين وينتحيان إلى غرفة جانبية وبعد دقائق يخرجون علينا ويقولون النتيجة، انتهى الاجتماع متشكرين عظم الله أجركم، فيحمل كل واحد بلغته تحت إبطه مخافة إحداث صوت على السلم ويعود من حيث أتى.
وهناك تسأله زوجته: مالك يا راجل مسهم كده كان مصيبة وقعت على راسك؟ وهو يشير لها صه صه هذا أمر قالوا لنا في شأنه ولا تحدث به نفسك بعد اليوم.

مصطفي مشهور يسقط في انتخابات مجلس الشوري:

وهكذا تمت أول انتخابات إخوانية منذ عام 1948 فماذا كانت النتائج، كانت مصيبة على رأس السريين، فقد أسفرت عن مجلس شورى غالبيته من جيل السبعينات، وكان من نتائجها الفجة الكريهة أنا الحاج مصطفي مشهور نفسه الذي أشرف على إعداد الأمور كلها رسب في انتخابات القاعدة في شعبته، وأجريت محاكمة للمتهم بتدبير ذلك، ولا أعرف كيف سويت المسألة بالضبط لكن الذي أتيقن منه أنها أثرت بعمق في نفس الحاج مصطفي مشهور وزادت من حدته وتخوفاته.

انتخابات أول وآخر إرشاد:

بنفس طريقة الانتخابات السابقة جرت انتخابات مكتب الإرشاد فقد دعينا عدة مرات وألغي الموعد ثم دعينا واجتمعنا بالمقر الرئيسي في 1 شارع التوفيقية صباح الخميس 17 يناير 1995، وهناك توالت المفاجآت، مجلس الشوري المكون من 85 عضوا أضيف عليه بالتعيين 30 عضوا، معظم الإخوان السريين في حالة توتر أو توجس، تشعر من حركتهم وتجهمهم وكأننا مقدمون على حرب أو في ساحة القتال ...
أي حاجة غير الحب في الله، كانت التعاملات والملامح والتعليقات كلها تقول:اليوم يوم الملحمة، وأجريت الانتخابات بعد كلمة طلبها عصام العريان ولمدة خمس دقائق وكان خلفي رشاد البيومي يقول بصوت مسموع لسيد نزيلي ومتهكما على عصام:(حضرته لازم يتكلم ويخطب في كل اجتماع) وانتهت الانتخابات وأعيدت على المقعد الأخير بين محمود عزت وخيرت الشاطر.
لم تكن النتائج مغايرة لتوقعاتي فعن نفسي كنت أعتبر مكتب الإرشاد بمثابة لجنة حكماء وحتى هذه الانتخابات وما قبلها لم أحاول مرة مطالعة اللائحة ولم يشغلني يوما ما فعلوه، لقد كنت من المستغرقين للنخاع في القيام بواجباتي التنظيمية وهي المقدمة على ما عداها؛
ولم يكن هناك سوى مفاجأة واحدة غير منطقية وهي فوز سكرتير الأستاذ عمر التلمساني اللواء إبراهيم شرف بمقعد في مكتب الإرشاد، حيرتني كثيرا هذه الواقعة لأنني أعرف أنه مجرد سكرتير من الإخوان، ثم كانت المفاجأة أنه ضابط جيش وأنه على رتبة عقيد.
كان بيننا اتفاقات مشددة بعدم ضم الضباط لتنظيم الإخوان لغرضين الأول مخافة الاختراق المخابراتي، والثاني لأن هذا يزيد من تخوفات الدولة فالضباط وظيفتهم الحرب وليس الدعوة، وما زلت حتى اليوم أعتبر وجود الأخ إبراهيم شرف في مكتب الإرشاد نموذجا توضيحيا لطريقة تفكير مجموعة التنظيم السري الخرقاء.
ثم ماذا بعد:
لم يجتمع مجلس الشوري من يومها ولا مرة واحدة وكأن مهمته انتهت بانتخاب مكتب الإرشاد، ومن ناحية الواقع لم يعد له أي دور في الجماعة حتى القرار الوحيد وهو ضرورة السير في الإجراءات القانونية لإشهار حزب سياسي يمثل الإخوان، اعتبره مكتب الإرشاد غير ملزم وواقعيا وبعد مضي 13 عام لم يتقدموا خطوة واحدة نحو لجنة الأحزاب، أو نحو أي صيغة أخرى لاكتساب المشروعية القانونية.
ومن وجهة نظري المتواضعة فالسبب ليس لجنة الأحزاب ولا الأوضاع الأمنية فهذه نتائج وليست أسباب ولكن السبب الرئيسي أن إخوان النظام الخاص السري لا يستطيعون العمل في ظل أي قانون، أو لائحة إنهم أمة همجية بمفهوم الدولة الحديثة يرفضون القانون أو العهد أو الدستور أو اللائحة أو العدالة ... كل هذه المعاني تمثل أعداء بالنسبة لهم.
وأعتقد أن أية أوضاع قانونية سليمة داخلية أو تشريعية سوف تنهي دورهم واسأل التاريخ عنهم تنجي لك الحقيقة، فهذا حسن البنا يسيل دمه على الإسفلت والسبب الحقيقي جرائم القتل التي ارتكبوها بغير مشورته، وهذا حسن الهضيبي محاصر في بيته ثم مخبأ في مكان غير معروف والسبب تصرفات التنظيم الخاص وهؤلاء هم الإخوان المسلمون معلقون كالذبائح في ساحات السجن الحربي والسبب إقدام التنظيم الخاص على محاولة قتل جمال عبد الناصر باعترافاتهم هم وليس الحكومة، وهذا جهد التلمساني وفريق العاملين معه في مهب الريح والسبب هم هم أعضاء النظام الخاص؛
سيقول البسطاء من الإخوان كيف تقول ذلك وكان معهم ابن البنا وابن الهضيبي، وأقول: إن هذا جزء من سياسة الخداع للإخوان فمن المعروف أن الأستاذين المحترمين سيف الإسلام حسن البنا ومأمون حسن الهضيبي لم يكونا يوما مع من عكروا حياة أبويهم ولكن سياسة (حلق حوش) التي يمارسها أرباب النظام الخاص رأت ضرورة احتجازهما رهينة لدى النظام الخاص بأي ثمن والوسيلة إغرائهم بكراسي كبيرة يتوسدونها حتى لا ينضموا لأي فريق إخواني آخر فيكتسب بهم شرعية تاريخية؛
ولكن من حيث الواقع ليس لسيف الإسلام أي دور في سياسة التنظيم وأخيرا صرح عاكف في الصحف معلقا على ما أسماه انتخابات مكتب الإرشاد التي لم يفز فيها سيف الإسلام (الإخوان مش عايزينه) وهو يطلق كلمة الإخوان خداعا ولكن الواقع يعني إخوان النظام الخاص السري، وأما المرحوم مأمون الهضيبي فقد فعلوا به ما فعلوه بأبيه وأدخلوه على تنظيم لا يعرف عنه شيء وملأوا أذنه نارا تجاه من خالفهم في الرأي، وكثيرا ما كان يصاب بالغثيان الحقيقي عندما يلتقي ببعضنا فيكتشف أننا إخوان مسلمين عاديين جدا، وقد حدث هذا معي شخصيا ولذلك تفاصيل في باب الرسائل الإصلاحية.
وأما كون هذا آخر مكتب إرشاد فلأن الحاج مصطفي مشهور فور توليه القيادة بمظاهرة (بيعة المقابر) ألغى معظم نتائج الانتخابات وانقلب عليها وجمد مجلس الشوري واتبع سياسة التعيين في المواقع التي تخلو في مكتب الإرشاد أو غيره.

قضية 1995 وما ترتب عليها:

لم يمض يوما واحدا على انتخابات مكتب الإرشاد حتى بدأت عملية اعتقال مجلس الشوري بعدما تم تسجيله صوت وصورة، جرت عملية الاعتقالات على دفعات خلال عام 1995 وكان آخر مجموعة 9 أكتوبر من نفس العام واكتمل عددنا 82 متهم وقسمتنا الداخلية على رقمين لقضيتين 9، 11/ 95 عسكرية عليا ثم أضيفت علينا قضية 13/ 95 بها متهمين اثنين واحد خارج البلاد وواحد مقبوض عليه ... جرت المحاكمات بسرعة بالغة وصدرت أحكام على 54 والباقي براءة.
بدأنا في سجن مزرعة طره حتى صدور الأحكام وبعدها بأسبوع نقلنا إلى سجن ملحق طره، ومع أن الأمر يحتاج لمؤلف خاص ولكن الذي يهمنا هو مواقف فريق التنظيم السري مع إخوانهم في السجن (بالله عليك عزيزي القارئ خبرني: نروح فين بعد السجن حتى يؤمن هؤلاء بأننا إخوانهم وشركاؤهم في جماعة الإخوان؟!)؛
بدأ محمود عزت ومحمد الصروي يكتبا تقارير سرية حول الإخوان بالسجن ويرسلاها إلى الحاج مصطفي مشهور في الخارج عن طريق الزوجات الزائرات.
عندما أراد أن ننظم السجن ونعين مسئولا بالانتخابات رفض المساجين من أعضاء مكتب الإرشاد أن يدخلوا ضمن عملية التصويت وقالوا مخالفين لائحة الجماعة (نحن أعضاء مكتب الإرشاد بره وجوه) ووصل الأمر بمحمود عزت أن يفتح خطاب شخصي مرسل من أحد الإخوان لزوجته في الخارج ليتجسس عليه ويعرف ماذا يقول لزوجته، وكان يوما أسود من قرون الخروب بين الإخوان بعضهم وبعض لأن صاحب الرسالة أخبرته زوجته أن الخطاب وصلها مفتوحا وكاد صاحب الرسالة أن يقتل من فتح الخطاب كما كاد أن يموت هو من الصدمة النفسية والتوتر والتشنج.
عندما جاء دوري بحكم نتائج الانتخابات في تسلم إدارة السجن لمدة ثلاث شهور، تكاتفوا ليفسدوا كل عمل أقوم به ليثبتوا أنني غير قادر على الإدارة، وبلغ العراك معهم مبلغا عظيما ونكدوا علينا العيشة حتى في يوم العيد، ثم كانت واقعة الخريطة التي كشفت عقائدهم الكامنة في أعماق عقولهم وقلوبهم، فقد صنعت خريطة مجسمة مصر بغرض تذكير الإخوان المساجين بوطنهم الذي حرموا من الحركة بين جنباته، وحتى لا ينسوا معالمه بطول فترة الحبس؛
فقال أحدهم (هذا صنم يجب إزالته) ومنعوا أنصارهم من مساعدتي في إتمام القاعدة الخرسانية المخصصة للخريطة، لكنني مضيت وأتممت المشروع، وكان له أثر إيجابي في نفوس أولادنا أثناء الزيارة، لم نعقد حلقة دراسية أو علمية إلا حولوها نكد في نكد أو حرضوا الإخوان على مقاطعتها، حتى حلقة علوم القرآن من كتاب الشيخ مناع قطان حاولوا إفشالها.
كان أحدهم يقول ممنوع أي شيء سوى حفظ القرآن وبطريقة (سيدنا) وادعى أنه أخبر الناس بطريقة سيدنا، وهكذا صارت الأيام معهم ثقيلة وكئيبة وجمعوا علينا هم السجن وهم الخلافات والشحناء في معظم الأيام.
وفي الشهور الستة الأخيرة أصروا ونحن مغلق علينا في سجن مساحته لا تتجاوز ألف متر مربع أن يقسموا الإخوان إلى أسر؟! وعينوا على كل أسرة نقيب (لاحظ أننا قيادات الإخوان المسجونة بحكم محكمة عسكرية) والهدف هو تشديد الرقابة على حوارات الإخوان وكتابة تقارير حول ما يتداولونه من قضايا وأفكار.

للعلم والتاريخ:

قائمة المحكوم عليهم في القضية 8 والقضية 11 – لسنة 1995 أحد عشر من القاهرة والجيزة وهم:

  1. صبيح على صبيح صاحب شركة نسيج
  2. السيد عبد الستار المليجي أستاذ بكلية العلوم الإسماعيلية
  3. حسن الجمل صاحب شركة فراشة بالمنيل
  4. عبد المنعم أبو الفتوح طبيب
  5. عصام العريان طبيب
  6. رشاد نجم وكيل وزارة التموين على المعاش
  7. محي الزايط طبيب
  8. محمد سعد عليوة طبيب
  9. محمد الصروي مهندس بشكل أبو زعبل
  10. سيد نزيلي موظف بالشئون
  11. محمود عزت أستاذ بطب الزقازيق

أحد عشر من الإسكندرية:

  1. إبراهيم الزعفراني طبيب
  2. محمد حسين موظف
  3. السيد مصطفى سمك طبيب
  4. جمال ماضي
  5. مصطفى حلمي كيميائي بشركة الدخان
  6. فهمي عامر موظف بشركة سياحة
  7. أسامة مسعد مهندس زراعي
  8. محمد شحاتة
  9. عبد العزيز زويل موظف بنقابة أطباء الإسكندرية
  10. طلعت فهمي مدرس
  11. حامد المداح أصغرنا سنا 31 سنة والوحيد العازب ويعمل موظف بمستوصف للإخوان.

من بقية المحافظات:

  1. محمد خيرت الشاطر من المنصورة ويعمل مدير شركة حاسبات
  2. عاشور غانم موظف من المنوفية
  3. أحمد محمود مهندس من السويس
  4. بشير العبد مدرس من العريش
  5. علي عز الدين ثابت أستاذ بطب أسيوط
  6. أمين سعد مدرس بالشرقية
  7. محسن القويعي مهندس زراعي بدمنهور
  8. محمد سويدان مدرس ابتدائي بدمنهور
  9. جمال بطيشة مهندس من دمنهور
  10. طلعت الشناوي مدرس بسنفا دقهلية
  11. د. علي عمران باحث بمركز البحوث الزراعية بالمنيا
  12. محمود بسيوني مهندس بطوخ قليوبية
  13. محمود الكيال موجه بالتعليم من سمالوط المنيا
  14. محسن راضي صاحب شركة دعاية وإعلام في بنها
  15. أنور شحاتة طبيب من شبين منوفية
  16. محمد فؤاد عبد المجيد طبيب من كفر الشيخ
  17. محمود حسين فلسطيني وأستاذ في هندسة أسيوط
  18. رزق عبد الرشيد مهندس من منوف
  19. عبد الخالق الشريف محاسب من بني سويف
  20. على الداي طبيب عيون من دمياط
  21. محمد فرج مهندس دواجن من بورسعيد
  22. نبيل عزام مدرس وخطاط من بورسعيد
  23. الحاج حلمي مصطفى حمود كبير الإخوان في بورسعيد وتاجر أقمشة
  24. محمد طه وهدان أستاذ مساعد بزراعة الإسماعيلية
  25. محمد القصبي مدرس بمدرسة الإخوان بطنطا
  26. علي متولي مدرس بالشرقية
  27. محمد العريشي محاسب بالشرقية
  28. محمد السيد حبيب أستاذ بعلوم أسيوط
  29. محمد عبد الغني طبيب الزقازيق
  30. أحمد فرج مدرس بالفيوم
  31. عيسى عبد العليم موجه بسوهاج ولحق بهم في القضية 13/95 عبد الوهاب شرف الدين صاحب شركات خدمات بحرية بالسويس

ولحق بهم من قضية حزب الوسط كل من:

محمد مهدي عاكف موجه تربية رياضية على المعاش
  1. محمد بدوي موجه بالتعليم على المعاش
  2. مصطفى الغنيمي طبيب بطنطا
  3. الأستاذ الدكتور المحترم محمود العريني أستاذ بزراعة عين شمس على المعاش
  4. عبد الحميد الغزالي أستاذ بالاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة
  5. حسن جودة موجه بالتعليم على المعاش
  6. محمود أبو رية موظف بجامعة الدول العربية على المعاش ومن المنصورة.

قضية حزب الوسط ومن وراءها:

كانت قضية حزب الوسط وما جرى حولها من نقاشات كالقشة التي قصمت ظهر البعير، تصورت في البداية أن التشاتم بين الإخوان في الخارج على صفحات الجرائد كان مجرد خطة إعلامية لتوافق الحكومة على الحزب؛
ولكن اتضح أن المصيبة جلل والفتنة عارمة، بدا أرباب التنظيم السري منفعلين وراحوا يكيلون الشتائم لوكيل المؤسسين ومن معه، حاولت وقف نزيف الأخوة والحب في الله والعيش والملح ولكنهم استمروا في غرس أظافرهم في قلوبنا، أعددت محاضرة لساعتين مزودة بما استطعت من وسائل الإيضاح لأثبت في نهايتها أن الإخوان القائمين على الحزب صادقون في مسعاهم ومحبون لجماعتهم وأن أفضالهم كثيرة ولا ينبغي الهجوم عليهم من خلال معلومات من الجرائد، ولكن لم يستطع كل ماء الإخوة الذي بذلناه لهم أن يطفئ نار العداوة في نفوسهم، وانتهى الموضوع إلى قطيعة بين الإخوان.
تقاطرت التقارير على المتربصين بنا وحدثت اجتماعات وبانت العداوات التي كانت مستورة حتى مع زوجتي وأنا وراء القضبان بقضية الإخوان قالوا لها تنقلين أفكر زوجك للأخوات، وتعاملوا معها بغير ما يجب، وعندما خرجت قابلني الحاج مصطفي مشهور بوجه متغير وسألني عما سمعه عن وجهة نظري في قضية حزب الوسط أو محرقة حزب الوسط التي أججوها للإخوان؛
وقلت له كلاما مختصرا جدا حتى لا أفسد الجلسة الأولى ومجمله (ما رأيته في الموضوع هو ما سوف أقوله لله يوم القيامة لأنه حدود علمي وأنا مسئول أمام الله عما أعلم ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، طلب مني أن ألتقي في اليوم التالي بمكتب الإرشاد وذهبت والتقيت وأعدت كلامي أمامهم كما هو، رأيت في عيونهم الكثير من الغضب وسوء التقدير، تركت المكان وانصرفت بعدما أخبرتهم بأنني باق في الإخوان ومنتظر التكليف وأنني في بيتي حتى تجدون العمل المناسب لي بالجماعة.
زارني من الإخوان في بيتي من أعتز بأخوته وهو الأخ عبد الرحمن سعودي وأخبرني أنه علم بوجهات نظري قبل خروجي من السجن، ونصحني قائلا إخوانك في مكتب الإرشاد تحديدا وهذه نصيحتي لا يتحملون أي حوار في هذا الموضوع.

الانكماش التنظيمي والعودة إلى رفقاء الزنازين:

تواصلت مع الإخوان أزورهم وأطمئن على أحوالهم، فإذا بالوجوه تغيرت والمواقع تبدلت كل شيء قد تغير وتبدل، تأكدت أن المؤامرة قد اكتملت وأن التنظيم الخاص السري قد هدم كل ما بنيناه لا لفائدة ترجى ولكن فقط لتكون أمة هي أربى من أمة؛
وتذكرت قول الله تعالى (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة) (النحل: 92) كل المواقع تم احتلالها بأحد الرفقاء المساجين سابقا أو الهاربين الخلايجة أو المتسعودين أو مندوبيهم؛
حتى الذين عاشوا لأكثر من خمسين سنة بالخارج جاءوا ليأخذوا غنيمتهم من المناصب الفانية، وقيل لهم زورا وبهتانا (والله خير الشاهدين) أن جيل السبعينيات يوشك أن يستولي على قيادة الصحوة الإسلامية، فرصتنا اليوم وقيادتهم وراء القضبان أن نعيد القيادة المفقودة والسلطان القديم، هلموا إلى قصعتكم قبل فوات الأوان، وقد كان ،وراح الإخوان يأكل بعضهم بعضا عيانا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لقد كانت هناك مشكلة حقيقية يمكن أن تشق الإخوان شقا عندما هجموا على قسم الطلاب في منتصف الثمانينات وأشاعوا حوله أكاذيب كثيرة، ولكن قيادات القسم من جيل السبعينيات كانت أعقل من الكبار وبالصبر والمثابرة طوقنا الفتنة وكظمنا غيظنا وعفونا عن إخواننا وانصرفنا بكل ما نملك من جهد نحو النقابات المهنية كما أرادوا حتى أصبحت الأعلى صوتا في مصر.
وكان هناك مشكلة قاصمة يمكن أن تحدث لو حققنا فيما جرى لمجلس الشوري المنتخب في التسعينيات من حيث زيادة آخرين عليه والكذب أن ثمة لائحة تسمح بذلك، وعندما همش دوره حيث لم يجتمع سوى ليأتي بمن أرادوا ثم ألغي تماما بدون مبرر مقبول، ولكننا صبرنا واحتسبنا الأمر عند الله وطوقنا الفتنة وكظمنا غيظنا وعفونا عن إخواننا.
ثم كانت مشكلة حزب الوسط ونحن وراء القضبان فلم يتخلق من بيدهم الأمر بما يجب أن تكون عليه جماعة المسلمين، وسعى الشيطان بينهم وركب على أكتافهم وأغراهم بالسوء فحولوا الجماعة إلى ساحة حرب وجيشوا الجيوش ضد إخوانهم بحزب الوسط واشتعلت الفتنة هنا وهناك، ونقلوا إلينا كل سوءاتهم لتلاحقنا وراء القضبان، ولأن صبر الإنسان له حدود فإن مؤسسي الحزب رأوا أنه لم يعد ثمة سعة في النفوس وأن التنظيم السري يصر على إيذاء الإخوان والسير بهم في متاهاته القديمة السوداء ولم يجدوا بدا من الاستمرار في المشروع الذي أوصى به مجلس شورى الجماعة.
إن طريقة التنظيم السري القديمة هي هي، يكيل لك الضربات في الظلام بالمكر والخديعة والمقالب والدسائس ويشوه سمعة الإخوان في عيون بعضهم ويوغر صدورهم فإذا تحدثت مشيرا إلى مصادر التخريب قالوا: ألم نقل لكم إن هؤلاء كذا وكذا! وأنهم يفضحون الجماعة!
ولماذا لا يكون النصح داخليا؟ والجماعة لا تدري لسنين طويلة كم عانينا من هؤلاء وكم تحاورنا معهم وكم قاومنا غرورهم وشرورهم، وتحسب الجماعة أن الأمر وليد الساعة، نحن ندرك من نهاية الثمانينات أننا مقبلون على خطر الوقوع في براثن السريين ولكننا تريثنا طويلا في إعلان ذلك حتى أصبح هذا التأخير في البلاغ مما نعاتب عليه اليوم.

ضرب الحصار حول قيادات السبعينيات:

عقب هزيمة يونيو 1967، انتفضت مصر متجهة إلى الله فيما سمي بالصحوة الإسلامية كان على رأس هذه الصحوة علماء أجلاء وقادة ودعاة، وحولهم كوكبة من الشباب المقبل على الله، من هؤلاء العلماء نذكر، عبد الحميد كشك خطيب عين الحياة وإمام أكبر صلاة جمعة في العالم أجمع، ومحمد الغزالي السقا أفضل خطباء الأوقاف في ذلك الوقت، وسيد سابق صاحب كتاب فقه السنة، وعبد اللطيف المشتهري رئيس الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية، وجميل غازي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية، والشيخ حافظ سلامة مؤسس مسجد النور بالعباسية، والشيخ إبراهيم عزت إمام التبليغ والدعوة وسليمان ربيع مؤسس جمعية الخلفاء الراشدين، ومن الشباب الذي استجاب وأقبل وعمل تحت قيادتهم مئات بل آلاف، ومثل هؤلاء في المحافظات أمثال الشيخ أحمد المحلاوي في الإسكندرية.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: أين هذا الجيل من قيادة الحركة الإسلامية، ومن الذي نحاهم وحل محلهم، وكيف تم ذلك؟ لقد كان الشاغل الأعظم للسريين دائما أن يذكر لنا عيوب لهؤلاء الدعاة ويعتبرهم جبناء وجهلاء بالدين حتى لا يفكر أحد في الاقتراب منهم أو السير في ركابهم أو الرجوع إليهم في أي أمر من الأمور، لقد ارتكب التنظيم الخاص السري عملية إقصاء عنصرية بأساليب متنوعة حتى وضع نفسه في مكان المؤسسين من العلماء والشباب وراح يدعي لنفسه تاريخا في الحركة الإسلامية المعاصرة التي صادر جهود أبنائها لخدمة أهدافه الخاصة، ووضع شباكه في طريق الصحوة حتى استولى على محصولها من الرجال.
ومن المفيد هنا أن يعرف الجميع أن الوقت الذي بدأنا فيه تكوين تنظيم للإخوان كان المتفق عليه هو شعار (توريث الدعوة) بمعنى نقل خبرة الإخوان التاريخية للجيل الجديد ومساعدته على تفادي الأخطاء التي وقع فيها الإخوان تاريخيا؛
وكذلك تحذير الجيل الجديد من الفكر التكفيري الذي يبدأ بتكفير الحكام ثم ينسحب على المعاونين لهم ثم يتوسع فيشمل كل من هو خارج التنظيم السري، والتحذير الشديد من استخدام العنف المسلح كوسيلة للتغيير السياسي، ولكن ما إن اخضرت الأرض ونما زرعها الإسلامي الجديد حتى هجم عليها السريون فصادروها لأغراضهم وغيروا سماتها بدهان زائف ثم وضعوا خفراءهم على مداخلها.

تجربتي الشخصية مع السريين:

قد يكون ما حدث معي شخصيا نموذجا لما حدث مع الآخرين ولكنني آثرت أن أكتب عمما وقع لي توخيا لصدق الرواية والشهادة، فما أستشهد به أحداثا وقعت لي ومعي، وليست منقولة عن آخرين.

الحصار في النقابة وعدوانية التنظيم السري:

بعض الإخوان يتصور أن استبدال شخص بشخص في موقع نقابي حق مطلق للتنظيم السري للإخوان دون مراعاة حقوق أعضاء النقابة، أو اعتبار النقابات بمثابة امتداد تنظيمي للجماعة أو شعبة من شعبها، ومع اعتراضي المعلن على هذا الفهم ومقاومتي المستمرة لتبقي النقابات المهنية ملك لأعضائها بالتساوي؛
فإن المفترض أن يكون التغيير متعلقا بالكفاءة النقابية وليس لأغراض وصراعات تنظيمية، ولقد ثبت خلال غيابي ثلاث سنين معتقلا بسبب نشاطي الإخواني عامة والنقابي خاصة أن فريق السريين بالنقابة الذي تولى المسئولية قد أفسد معظم ما تم إصلاحه فيها؛
وعندما خرجت من السجن وجدت هذا الفريق قد ألغى أهم مشروعات النقابة وهو مشروع تكافل العلميين، كان حجم المال الذي توفر له أربعة ملايين جنيه، وعجز كبير السريين بالنقابة د. رشاد البيومي عن الاستمرار في المشروع أو استثمار المال للأعضاء في شكل قانوني آخر من أشكال الشركات على كثرتها، فصفوا المشروع وأعدموه وما تزال بعض أمواله باقية بغير تصرف حتى اليوم؛
كما أن جميع النشاطات المتميزة وعلى رأسها مشروع (السلع المعمرة) قد أوقفت لعجزهم عن إدارتها وسقوطهم ضحايا لعمليات نصب من أقرانهم في البزنس ومن آخرين، وأما مشروع المظلة الطبية فلم يتقدم خطوة واحدة للأمام ويمثل وصمة في جبين المشرف عليه لسوء إدارته؛
كما أن هذه الفئة أنهت دور مجلس النقابة ولم يعد يجتمع غير مرة واحدة في العام، وبالجملة عندما قامت لجنة بتقييم عمل هذا الفريق السري كشفت عن قصور فاضح في أدائهم النقابي وقصور مشين في تحمل الأمانة (التقرير سوف ينشر قريبا، ضمن كتاب الإخوان والنقابات)، وعجزوا حتى عن أن يجمعوا المتأخرات وعجزوا عن أن يتقدموا بتعديلات قانونية لمجلس الشعب تعوض النقابة عما فقدته بتوقف تحصيل الدمغات؛
وكما فشلوا في كل ما تقدم فقد فاجأوا الجمعية العمومية المنعقدة في 28/ 12/ 2008 بأنهم أجروا مبنى (دار العلميين) بمدينة نصر لشركة مصنعي الموبيليا الدمياطية وكما باعوا وأفشلوا وفشلوا في كل المشروعات السابقة فقد باعوا شرف المهنة وحولوا (دار العلميين) مخالفة لكل قرارات اللجان وهيئة المكتب والمجالس السابقة إلى دار للنجارين والأسترجية؛
لقد فشلوا في إدارة عمارة من ستة أدوار خالصة للعلميين، وسجل التاريخ أن 35 من القيادات السرية، عجزوا عن إدارة عمارة من ستة أدوار فتركوها للأسترجية والنجارين ليديروها لهم مقابل إيجار يقولون إنه مجزي وهو في الواقع مخزي، والحقيقة أن القيادات التي فعلت ذلك هم جميعا من التنظيم السري وهو الذي يتحمل تبعة هذا الفشل المريع، كل شيء يدل على تراجع وضعف وتهاون في الأمانات، فما معنى إبعاد الكفاءات وتثبيت الفاشلين في مواقع تخص العلميين المصريين؟!
نحن جميعا سمعنا عن الجاسوس الأمريكي على روسيا الذي لم يكن له عمل تخريبي سوى تعيين الفاشلين والاستغناء عن الناجحين، فهل يحوز أن تكون هذه سياسة للمتدينين عندما يمسكون بالسلطة؟
فور خروجي من المعتقل السياسي كابدت مع هؤلاء في النقابة عيشة كئيبة وكلما وصلتهم وحاولت التقرب إليهم فاجأوني بعدوان جديد حتى كان آخر مجلس في 11 – 10 – 2008 (مطعون في صحته أمام القضاء الإداري) ومع أنني غبت عن المجلس لأعطيهم فرصة التصرف بكل حرية ودرءا لأي تصرف يزيد الجفوة لكنهم فاجأوا المجلس بموضوع لم يكن مدرجا بجدول أعماله وهو إعادة انتخاب هيئة المكتب ورشحوا في مكاني أقرب الإخوان العلميين إلى قلبي والغائب عن النقابة معارا للسعودية منذ عشر سنين؛
وقطعوا بذلك صلة الأخوة بيني وبينه بلا رحمة أو تعقل متصفين بكل ما نهى الله عنه (... يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض ...)، إن طبيعة السريين القديمة الجديدة أنهم إذا حكموا أو ملكوا لدغوا لدغات يتصورون أنها مميتة متناسين حكم الله المبرم (... ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ...)
هؤلاء منذ استيلائهم على هيئة المكتب في غيابي لا يعقدون مجلس النقابة إلا مرة واحدة في العام قبل عرض الميزانية على جمعيتهم العمومية وبذلك لا يسمحون لأعضاء مجلس النقابة أن يطلعوا على محاضر مجلسها إلا بعد مرور عام كامل وهي فترة كافية لينسى الأعضاء ما تم في المجلس خوفا من كشف ما بالمحضر من مخالفات لإرادة العلميين، وكم ستكشف الأيام عن مخازي لهؤلاء، إن تجربتنا في العمل النقابي كشفت بوضوح أن الإخوان ليسوا نسيجا واحدا، وأننا أجنحة متباينة لم تتحاور أو تتفاهم مع بعضها بالتي هي أحسن، حتى انطبق علينا قول الشاعر:
(يعاف الذئب يأكل لحم ذئب ... ويأكل بعضنا بعضا عيانا)
كانت فترة اعتقالي من عام 1995 وحتى عام 1998 بسبب نشاطي النقابي والدعوي فترة عابرة في حياتي، وأشعر أنني نسيتها تماما بعد ترك باب المعتقل بمتر واحد، وفورا توجهت إلى نقابة المهن العلمية عقب خروجي من المعتقل لأمارس عملي أمينا عاما لها كما كنت يوم اعتقالي، لم أفكر لحظة أن أحدا بالمهن العلمية ينكر الدور الذي أدته النقابة طيلة الخمس سنين التي توليت فيها منصب الأمين العام، وكانت المفاجأة أنني وجدت الذي شغل موقعي (د. أحمد حشاد) يرفض ترك منصب الأمين العام ويرفض عودتي إليه، ويواصل قائلا: (الإخوان أمروني بكده)، سألته: أي إخوان تقصد؟ لم يرد.
توجهت للدكتور: رشاد البيومي بوصفه المحرك الأساسي لتصرفات الدكتور أحمد حشاد ولكونه تعين في مكتب الإرشاد ونحن وراء القضبان وسألته صراحة، هل هناك قرار بإبعادي عن هيئة مكتب النقابة؟ فقال لا ولكن الإخوان شايفين إنه يعني مفيش بأس من إنه يكون فيه حاجة يعني ... وبقى وقتا ملموسا لا يجد عبارة مفيدة، تدخلت مقاطعا؛
وقلت: ستكون فضيحة يا دكتور إذا قال الناس إن الحكومة أعادت السيد عبد الستار إلى عمله مكرما فور انتهاء فترة حبسه بينما إخوانه في الله أزاحوه عن مكانه بغير مبرر، لم يرد كعادة أرباب التنظيم السري ...
وواصلت حديثي: إذا كان الأمر كذلك وحتى نخفف من الفضيحة فعلينا أن نستر الموضوع ونخرجه بطريقة إنسانية، واقترحت عليه أن يدعوني ويرحب بي أمينا عاما كما كنت أمام المجلس الذي سوف ينعقد بعد أسبوع وأنا من جانبي سوف أعتذر بحجة انشغالي بأعمالي البحثية التي تأخرت ثلاث سنوات بسبب الحبس، ووافقني على ذلك وانصرفنا، وجاء يوم المجلس وعشت لحظات طيبة مع أعضائه الذين واسوني كثيرا على حبسي وبدأت وقائع الجلسة.
وانتظرت أن يقوم الدكتور ببدء خطوات السيناريو المتفق عليه ولكن كانت المفاجأة عكس ذلك، فيصرح الدكتور المحترم قائلا: نرحب بأخينا الدكتور سيد في مكان الأخ فلان الذي سافر للإعارة ونتمنى له التوفيق مع إخوانه الأمناء المساعدين، ونشكر الدكتور فلان على مجهوداته في موقع الأمين العام ونبارك له استمراره في الموقع.
كان الموقف يمثل لي صدمة جديدة في أشخاص ابيضت منهم الرءوس، وكيف يتصرف بالمخالفة على ما اتفقنا عليه مع أن النتيجة واحدة، ولقد مر على ذلك اليوم عشر سنين والموقف لا يغادر خاطري، لاحظوا معي أن الذي خالف الحل الإنساني عضو عين بمكتب الإرشاد وواحد من التنظيم السري الجديد وهو هو نفس الشخص الذي سعيت إليه بصحبة د. ممدوح الديري عام 1983 في وجود المرحوم عمر التلمساني للمعاونة في نشاط قسم الطلاب بجامعة القاهرة فأبى وقابلنا بجفاء شديد ورفض التعاون معنا بإصرار وتعلل أنه مشغول برسالته للدكتوراه؛
اليوم بعد أن أخضرت الأرض وتثبتت أركان الإخوان بمجلس نقابة المهن العلمية، يدعي ملكيتها لنفسه ويتخذ إجراءات في مواجهة من سبقه بالعمل وبطريقة مذرية، وبدون أسباب معلنة، ويدرك كل من يتصل بالنقابة أن سيادته يشغل منصب وكيل النقابة ومع أهمية ذلك إداريا فلا يأتيها غير مرات معدودة في كل عام، منهم مرة عند انعقاد الجمعية العمومية.
ويعلم الجميع بالنقابة أن فريق التنظيم السري لم يعد له عمل سوى إعاقة عمل السيد عبد الستار وسد منافذ الهواء عليه، فهل هذه تصرفات إسلامية؟ أو حتى إنسانية؟ أو تتصل بأي صلة بأمانة العمل النقابي؟
ولا يتصور القارئ أن المسألة شخصية ترجع لشخصي أو حالة فردية ولكنها نفس حالة الفساد الذي لحقت نقابة المحامين وقصتها منشورة ومشهورة حتى صارت نموذجا للتفسخ الإخواني بسبب سوء إدارة التنظيم السري، واليوم لا يوجد بالنقابة مختار نوح ولا خالد بدوي ولا جمال تاج الدين وهم الثلاثة الأول الذين أوكلنا إليهم تثبيت وجود الإخوان في مجلس نقابة المحامين، وفي الانتخابات الأخيرة تمكنت قائمة الحزب الوطني من كنس فريق التنظيم السري بزعامة طوسون كنسا وأنهى كل شيء ... فهل يعترف السريون مرة واحدة بفشلهم في كل مجال؟
وكذلك الحال في المهندسين والصيادلة والأطباء والتجاريين والزراعيين والصحفيين وسوف أفصل ذلك بمشيئة الله في الكتاب القادم حول الإخوان والنقابات ليرى الجميع أن النقابات مرت بمرحلتين مختلفتين مرحلة ازدهار ثم مرحلة انكسار وتراجع بسبب سياسات التنظيم السري وسيرى الجميع أن التنظيم السري أوجد مشكلة عويصة بكل نقابة من النقابات مما قلل من قدرتها وشل حركتها.

الحصار في الطباعة والنشر:

تأسست دار الطباعة والنشر الإسلامية لتكون مطبعة لكتب الإخوان بالدرجة الأولى، وفرحت كثيرا بتأسيسها ووضعت كل مدخراتي القليلة آن ذاك (800 جنيه) أسهما بها، وعندما حدثت مشكلة توظيف الأموال وهجمت الحكومة على الشركات سارعت بتأليف كتابي الثاني لأوضح الموقف لعموم الناس بصفتي كنت رئيسا لمراقبة الجودة بمصانع وشركات الشريف ومن القريبين من كافة الشركات التي طالتها قرارات نيابة الأموال العامة؛
أوضحت في الكتاب خطورة ما اتخذته الدولة من قرارات وضررها على الاقتصاد المصري وأضفت مع ذلك موقف الحكومة في قضية سلسبيل وموقفها في قضية اغتيال الدكتور فرج فودة المسلم، وكان الكتاب برمته صحيفة اتهام لتصرفات الحكومة وعنوانه (الإسلاميون والإرهابيون) وكل ما فيه يقول إن الحكومة تصرفت في الموضوع بدوافع سياسية وليست اقتصادية، وتوجهت طبعا بكل شجاعة وثبات نحو مطبعتنا الغراء لتطبع الكتاب ..
أخذوا مني الكتاب وطبعوه فورا وغلفوه بالسيلوفان وأرسلوه للتوزيع، وبعد حوالي شهر كلمني موظف بالشركة اسمه حسن وطلب مني زيارتهم، هناك وجدتهم جمعوا الكتاب من السوق وطالبني الموظف باستلام الكمية اليوم وليس غدا (ألفين كتاب تقريبا)، وبعد عدة أيام وجدت بالبريد خطابا يقول (خصمنا ثمن الطباعة من أسهمك بالشركة وباقي عليك مبلغ كذا يرجى المسارعة بسداده)، وحتى اليوم لا أعرف لماذا تصرفوا على هذا النحو المشين لأي دار نشر محترمة.
الكتاب الثاني معهم كان الأول في سلسلة تحت عنوان (النصر أو الشهادة) وفكرتها كانت اختيار شخصية نموذجية معاصرة في كل مؤسسة وتقديمها في كتاب لتكون قدوة للجيل، ووقع اختياري الأول على أهم مؤسسة وهي القوات المسلحة المصرية، واخترت من بين أبطالها اللواء صاعقة جمال عبد المجيد غانم، البطل الذي هزم شارون في الثغرة ومنعه بالقوة والشجاعة من الوصول إلى الإسماعيلية؛
كان رحمة الله عليه نموذجا وقدوة لكل ضابط مجاهد بحق يرجو الله واليوم الآخر، جمعت كل المعلومات حول شخصه من المهد إلى الشهادة وتوجهت لمطبعتنا بنية صافية، وكما حدث سابقا أتموا الطباعة ثم فاجأوني بطلب ثمنها، قلت لهم أنا قدمته لكم لتنشروه، قالوا: نحن هنا دار طباعة، وقد انفصلنا تماما عن دار النشر، ادفع واستلم وتعاقد مع دار النشر ومكتبهم في الأوضة التانية، ودفعت وأخذت كتابي ورحلت واعتقلت بعد ذلك بأسبوع في قضية النقابات وتصورت ليلتها أن الكتاب هو السبب لكثرة ما فيه من انتقادات لاتفاقية كامب ديفيد.
بعد انتهاء فترة حبسي متهما بإدارة جماعة الإخوان المسلمين سارعت إلى مطبعتنا للمرة الثالثة (كم كنت على نياتي وكم كنت لا أرى من إخواني أي عيب مهما عظم؟!)
وتقدمت لهم بأهم مؤلف كتبته في فترة السجن على مدى ثلاث سنين وعنوانه (علم النبات في القرآن الكريم) وهو كتاب علمي متأدب يهدف إلى نشر الثقافة العلمية في ثوب قرآني، ولكنهم هذه المرة كانوا صرحاء فلم يعدوا بطباعته فورا ولكن وعدوا بدراسة ذلك؛
وبعد حوالي سنة كنت قد سافرت إلى أمريكا لبعض أبحاثي في الهندسة الوراثية ومن هناك اتصلت واطمأن على الكتاب وسمعت بأذني ما لا ينسى، الأخ محمد الجزار يقول للأخ حسن: قله مش ح نطبعله حاجة، وصمت وبيده السماعة ينتظر لمدة دقيقة حتى يستجمع قواه ويقول لي د. محمد الجزار بيوعدك أن تنتهي المراجعة خلال أسابيع وكان المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قد عاد من حائل بعد هروب ربع قرن وبسرعة قلدوه منصب كبير المراجعين بدار الطباعة والنشر (مهنة تنظيمية كمهنة الرقيب).
وهكذا حرمني التنظيم السري ومن أواخر الثمانينات من الدار التي كنت من أوائل المساهمين فيها، اليوم بفضل الله طبعت كتبي الهيئة المصرية للكتاب والهيئة المصرية لقصور الثقافة ومكتبة وهبة ودار الشروق الدولية ودار الوفاء وجاري التعاقد مع دور أخرى بفضل الله ورحمته وليهنأ السريون بدار نشرهم المحترمة!

الحصار في مجال صلة الإخوان والتراحم بينهم:

من تصريحات السيد الهمام المرشد العام محمد مهدي عاكف لجريدة البديل قوله عندما سألوه عن شخصي (وهو بيجينا من وقت لآخر ...) وهو اعتراف صريح بأنني لم أقطع صلتي بأحد رغم كل الإساءات التي ارتكبوها في حقي؛
ويعلم الله أنني حاولت صلة هذا الفريق بكل وسيلة ممكنة وقبلت التنقل من مهمة إخوانية إلى أخرى دونما ملل ورغم ملاحظتي أنها كانت مجرد عملية احتواء وتعطيل وتجميد ولكنني اعتبرتها وما زلت شعرة معاوية حتى يحكم الله بيني وبينهم، وكنت كلما تأزمت نفسي ذهبت لمن أتوسم فيه التعقل والفهم ليتوسط بيني وبين فريق السريين المفترين، ذهبت إلى الإسكندرية وشرحت الموقف للأستاذ محمد عبد المنعم فراح يضرب كفا على كف مستغربا من أفعالهم، ووعدني بالتدخل ولم يصلني رده.
رافقت د. محمد سعد الكتاتني من مصر الجديدة إلى شقة البرلمانيين بالمنيل وشرحت له كافة تفاصيل المؤامرات الدائرة في الصف وكان تعليقه (يعني استولوا على الأموال والتنظيم) ثم أردف قائلا: إذا كانوا يفعلون ذلك بواحد إخواني حتى النخاع فماذا هم فاعلون مع غيره؟
ولأكثر من سنة لم يرد علي بشيء، عندما فكرت في موضوع الجمعية كمخرج من الأزمة الداخلية أكثر من الخارجية، ولاحظت التوتر والهياج في استقبال المشروع توجهت للأستاذ إسماعيل الهضيبي فرفض التدخل أو حتى التعليق وقال أنا من السبعينات راكن لأني معترض على طريقة العمل واليوم ليس لي رأي في أي شيء، وتوجهت للأستاذ محمد فريد عبد الخالق وتحمس للوساطة وأتمنى له التوفيق، وكذلك د. عبد الحميد الغزالي ود. إبراهيم الزعفراني ... فهل ينجحون؟ أتمنى الهداية والتوفيق للجميع.

مع الإخوان في أمريكا:

فور عودتي لعملي بكلية العلوم جامعة قناة السويس وبعد غياب ثلاث سنين خلف القضبان استقبلني الأستاذ الدكتور: أحمد شكري رئيس الجامعة استقبالا حسنا وأخبرني أنه حافظ على حقي في البعثة العلمية ولم يعطها لأحد غيري، وأعلمني أنه باستطاعتي أن أبدأ إجراءات السفر للدولة والجامعة التي أفضلها لمدة ست شهور بحثية، شكرته كثيرا على موقفه وانصرفت لإتمام إجراءات السفر؛
واستطعت الحصول على موافقة جامعة بولاية إنديانا الأمريكية وكانت هي الأنسب لتخصص الهندسة الوراثية الذي رغبت التدريب على فنونه، هناك كان في استقبالي بالمطار أخوين كريمين من المبعوثين المصريين (طارق زايد مبعوث جامعة الزقازيق وجهاد قنديل مبعوث جامعة عين شمس) وعلى رأس المستقبلين أ. د. رونالد كولبو رئيس القسم المضيف بالجامعة وكانت لحظات سعادة وتعارف على عالم جديد وصحبة جديدة؛
وعشت مع المصريين والعرب بالمركز الإسلامي هناك ستة أشهر هنية، من معمل الأبحاث إلى المسجد الأنيق مرورا بطبيعة خلابة ومع صحبة إسلامية سمحة ومحبة غامرة.
وتعرفت في هذه الأيام على كبير المسلمين بالمدينة المهندس محمد صبحي (أبو هاني) وأسرته الكريمة وأثمرت محبتنا في الله بعد خمس سنين من التزاور زواج ابنه هاني بابنتي أسماء وصرنا متصاهرين ببركة الأخوة الطاهرة ونسأل الله دوام الود بيننا.
قبل عودتي بشهر ونصف تعرفت هناك على د. صلاح سلطان ذكرني بحضوره عضوا في مخيم للإخوان كنت ضمن إدارته، وصل بنا الحوار إلى أن طلب مني أن أعاونه في تدريس مقرر حول الإعجاز العلمي في القرآن لتقديمه لطلبة ما أسماه (الجامعة الإسلامية الأمريكية) بولاية ميتشجن، ولبيت له طلبه رغم ضيق الوقت وصعوبة الإمكانيات، كتبت المقرر في مذكرة وسجلته مشروحا على ستة أشرطة فيديو وستة أشرطة كاسيت وأرسلت له المجموع مع امتحان تحريري للدارسين.
وعقب انتهاء الستة أشهر عدت قافلا إلى الوطن ومستريحا لما تم تجاوزه في الستة أشهر المتاحة، والحمد لله فلم يكن أحد من السريين في هذه البقعة من العالم.

تدخل السريين بالحصار في الجامعة الصغيرة:

بعد عودتي من أمريكا بشهرين حضر للقاهرة د. صلاح سلطان رئيس الجامعة الصغيرة والتقى بي في نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وألح في ضرورة عودتي لمساعدته في إدارتها، وفور عودته لأمريكا أرسل لي كافة الأوراق اللازمة لاستخراج التأشيرة الأمريكية، قبل سفري توجهت للحاج مصطفي مشهور وأبلغته بما أنا عازم عليه وسألته إن كان هناك ثمة توجيهات لي أو للإخوان في أمريكا يراها أو يكلفني بها واتفقنا على أن يسجل ذلك على شريط فيديو؛
وحضرت بالفعل اليوم التالي بعد الاتفاق مع مصور الروضة المعتاد، أثناء تصوير الحوار بيني وبين الحاج مصطفى كان هناك اثنان يقفان ويتابعان كل ما يقال وكأنهما يقفان على الجمر (محمود عزت ومسعود السبحي)
وما أن انتهى الحديث حتى تقدما للمصور وصادروا الشريط بحجة المونتاج والمراجعة، وانتهى الوقت ولم يعيدا لي الشريط وسافرت من غيره، بلغت أمريكا 24/ 8/ 2001 وكانت المفاجأة، أن التنظيم السري الذي صادر الشريط استدعى أحد أفراده بالكويت ([[عبد الوارث سعيد]) ونقله إلى نفس الجامعة وتسلم نفس العمل الذي تعاقدت عليه عشت شهرا واحدا أتأمل (التنظيم الخاص السري) وأفراده وسوء تصرفاتهم وظلامية أفكارهم، بوقوع أحداث 11/ 9 توقف العمل بالجامعة، وفي أول فرصة للسفر حصلت عليها أسرعت بالعودة إلى بيتي وأسرتي مرددا قول ربي (الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين).

حتى أنت يا بروتس؟!

أثناء هذه المواقف المخزية للتنظيم السري اتصلت بمدير مكتب الإخوان في لندن (إبراهيم منير) بصفته وبحكم موقعه التنظيمي ولأنه يعرفني جيدا والتقينا في أعمال إخوانية مشتركة في لندن واستانبول وغيرها من العواصم وسافرنا معا وأكلنا عيش وملح في بيته بلندن؛

نقلت له ما حدث ودعوته أن يتدخل فإذا به يقول (ما أنت يا دكتور موقفك مش واضح)، أدركت من كلامه ولهجته أن الأمر كما توقعت، إنها تعليمات التنظيم الخاص السري وهو أحد أفراده القدامى (مجموعة إمبابة التي شاركت في حادث المنشة).

انتخابات مجلس الشعب 2005:

لم تشهد الساحات بلبلة وخداعا كما حدث معي في انتخابات 2005، باختصار شديد التقيت قدرا بالأستاذ الدكتور فاروق فهمي أستاذي في الكيمياء بجامعة عين شمس قبل الانتخابات بشهرين، وتجاذبنا أطراف الحديث حول المشكلة المالية المتعلقة بنقابة المهن العلمية وعدم قدرتها على دفع معاشات الأعضاء؛
وانتهينا إلى أن عدم تواجد ممثل للعلميين بمجلس الشعب سبب في تفاقم المشكلة، واقترح علي أن أترشح في الانتخابات للعمل على تمرير قانون تطوير ودعم نقابة المهن العلمية المقدم للمجلس من قرابة ثلاثة أعوام ولا يوجد في المجلس من يتبناه، وعندما عرضت الأمر على عائلتي بكفر الشيخ اتفق هذا مع رغبتها وكانوا قد عرضوا علي ذلك من شهر فات.
توجهت على الفور إلى لجنة الانتخابات بمكتب الإرشاد وعرضت عليهم فقبلوا وسألوني عن الموقع المناسب للترشح وقلت لهم بلدي بكفر الشيخ فوافقوا وطلبوا التنسيق مع الإخوان في كفر الشيخ، تمسك إخوان كفر الشيخ بمن رغبوهم ولم يوافقوا على إخلاء مقعد فئات من بين 18 مقعد بالمحافظة، نقلت ذلك للجنة فوجهوني للترشح في كوبري القبة شريطة موافقة مسئول المنطقة (الترزي/ عبد المنعم دحروج
وتوجهت إليه فوافق، أبلغت اللجنة ومضيت في تحضير الأوراق وأتممتها وتوجهت في أول يوم لأقدمها، وفي طابور المتقدمين وجدت الأخ الفاضل الدكتور الشيخ عبد الحي الفرماوي، سألته عن دائرته الانتخابية فقال (كوبري القبة) فئات، فقلت: يعني ح نترشح ضد بعض؟!
استغرب كثيرا، وقال يبدوا أن الأمر فيه خطأ، وعرض أن نتصل برئيس اللجنة (د. محمد حبيب) طلبته على تليفوني الموبيل فلم يرد، طلبه الدكتور عبد الحي فرد عليه وأبلغه أن يمضي في ترشحه بكوبري القبة، تناولت التليفون المحمول وتكلمت مع د. محمد حبيب فأبلغني أنهم نقلوا د. عبد الحي من دائرته الطبيعية بالمطرية ليترشح بكوبري القبة وسوف نبحث لك عن دائرة أخرى تترشح فيها، من جانبي أيقنت أنها حلقة جديدة من سلسلة مهازل التنظيم السري السوداوية ورددت في نفسي (وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا)
لقد كان من الأولى مصارحتي برغبتهم في عدم ترشحي حتى لا أستخرج الأوراق الرسمية وأسير في الإجراءات وهي مكلفة ومرهقة كذلك، وأفقت على نداء د. حبيب ... ألو ... ألو ... فقلت له: سأنتظر حتى اليوم قبل الأخير لتقديم أوراق الترشيح فإن لم يصلني رد فسوف أترشح في الدائرة التي أراها مناسبة.
لم يصلني رد كما توقعت وترشحت حيث محل إقامتي ومعظم معارفي بالقاهرة بحي النزهة بمصر الجديدة، لم يكتف التنظيم السري بما جرى بل جند نفسه لمحاربتي ومساعدة مرشح الحزب الوطني د. حمدي السيد وتمكينه من الفوز، جندوا من كانوا تحت إدارتي الإخونية لمدد طويلة ليقولوا للناخبين انتخبوا مرشح الحزب الوطني ولا تنتخبوا أخانا؛
وكانت أعجوبة الانتخابات ومسار استهجان العقلاء، ولولا أن الدائرة مضاف عليها المرج والسلام وبركة الفيل والكيلو أربعة ونص ومناطق عشوائية لم يكن لي بها علم لتحقق فوز ملموس مع أن الدعاية التي سمحت بها السلطات الحكومية والإخوانية لم تتجاوز العشرة أيام الأخيرة من رمضان.
والسؤال: ماذا يضير السريين لو نجح أحد الإخوان بمقعد في المجلس ولو بمجهوده الفردي وبمساعدة أهله وعزوته ومحبيه؟ وإذا كان أرباب التنظيم السري يعتبرون مرشح الحزب الوطني جدير برعايتهم ومساعدتهم بينما أحد الإخوان يلقى منهم العداء والعنت إلى هذا الحد، فعلى أي معيار عقلي أو نقلي يمكن فهم سلوكيات هذه الفئة؟!
هكذا تبدوا مواقف هذه الفئة الباغية مع من يعارضها بالرأي حتى ولو كان من الإخوان المسلمين عند العامة والخاصة.

حتى دعم فلسطين حاربوه عنادا:

في اجتماع للقوى الوطنية بمكتب الإرشاد تقرر عقد عدة مؤتمرات لدعم المحاصرين في غزة وتقرر أن يكون مؤتمر الإخوان في شرق القاهرة بمبنى دار العلميين بمدينة نصر تحت إدارة لجنة الإغاثة قرابة 600 ألف جنيه تبرعات لفلسطين، وشاركني في إدارته من الحي د. مصطفى النجار صاحب مدونة أمواج في بحر التغيير وهو شاهد على مجريات المؤتمر الأول كلها؛
وفي الموعد كانت النقابة قد جهزت المكان لاستقبال الفين من شرق القاهرة، وعشرة متحدثين من القوى الوطنية، ولكن حضر المتحدثون جميعا ولم يحضر الجمهور ولا أحد من الحي، وكان أمرا غريبا، وتبين أنهم ندموا على المشاركة في المؤتمر الأول فأصدر التنظيم السري تعليمات بإفشال الثاني لأن المؤتمرات تديرها لجنة برئاستي، وهكذا وصل عنادهم وضررهم إلى فلسطين وتصرفها.

التجسس على الإخوان:

عدة مواقف معي شخصيا، الأول فور خروجي من سجن طره عام 1998، قبل مضي عشرة أيام على خروجي جاءتني دعوة من شركة صناعية أعمل معها كمستشار علمي لأكون ضمن وفدها المسافر إلى معرض دولي صناعي بألمانيا، وهناك التقيت ببعض معارفي من الإخوان وحملتهم السلام إلى الدكتور كمال الهلباوي كبير الإخوان بلندن؛
وما أن بلغه سلامي حتى هاتفني والمرسال عنده وتكلم معي طويلا مواسيا على فترة الحبس وشارحا لي بعض مضايقات إخوانه له في الغربة، وعندما عدت من رحلتي كتبت رسالة عادية وفكاهية إلى الأستاذ محمد عاكف حيث كان ما يزال في السجن، إلى هنا الأمور عادية، ولكن بعد أيام طلبني الحاج مصطفي مشهور لأزوره، وزرته بالفعل، وفاجأني وهو يقول: صحيح أنت أرسلت لإخوانك المساجين، فقلت وكل علامات الاستغراب على وجهي: نعم، وإيه العيب في كده؟
واستطردت ... الرسالة عادية جدا ومرسلة للأستاذ عاكف وهو تنظيميا المسئول عن السجن في هذه المرحلة، غير أنه رحمة الله عليه لم يكن يتحمل أي شيء يمر دون علمه وبموافقته حتى خطابات الود بين الإخوان تحاور معي بشأن ما ورد في الرسالة وكان غير الراضين عن توصيف لوضع أ. كمال الهلباوي وأبى رغبته في أن أتوقف عن الكتابة للإخوان بالسجن، السؤال هو: من أبلغ مشهور بخطاب المليجي إلى عاكف؟ والإجابة واضحة: إما عاكف نفسه وإما الجواسيس.
الموقف الثاني متعلق بالشيخ عبد المنعم تعيلب وترجع معرفتي به من عام 1985 وما بعدها، في وقتها كان الشيخ يعيش في مكة كواحد من الإخوان الهاربين إلى السعودية، أما أنا فكنت أصحب فوجا كل عام من أعضاء هيئة التدريس لأداء فريضة العمرة، كنا نستأجر بيتا واسعا مناسبا للمعتمرين ونعقد حلقات منزلية لتدريس المفاهيم الإخوانية التي ترغب في تزويد المعتمرين بها؛
وحتى يبدو الأمر عاديا كنا نستضيف علماء مصريين مقيمين هناك ومنهم سيد سابق وعبد المنعم تعيلب، هنا في القاهرة عام 1998 وعقب انتهاء فترة حبسي علمت أن التنظيم السري استدعى الرجل بعد غياب 50 سنة هاربا في السعودية ليعينه رئيس حي شرق القاهرة في التنظيم السري، وهو ما اعتبرته من جانبي انقلابا على نتائج انتخابات 1994 وأما الواقعة فتتلخص في مكالمته لي لزيارته في بيته؛
وعندما زرته في بيته إذا به يقول لي: الكلام اللي سمعت إنك تتداوله مع زوارك من الإخوان من شأنه أن يعرضك لمتاعب داخل الجماعة ...قلت له: كلام إيه ومن بلغك؟ فقال (مش مهم مين بلغني المهم الكلام) فقلت: أعتقد أن من حق الإخوان أن يزوروا أخاهم بعد غيابه محبوسا بقضيتهم ثلاث سنين ومن حقي أن أقول لهم ما أرى أنه في مصلحة الإخوان، ولو أن كلامي فيه شيء فنناقشه معا في جلستنا؛
أما الذي ليس من حقك هو أن تتجسس علي في بيتي مخالفا شرع الله نقطة احتدمت الجلسة ويبدو أن الشيخ لم يتوقع ردي عليه أو لم يكن مستعدا فسكت ثم استأذنته وخرجت غاضبا ولم أره من يومها والسؤال المطروح هو: من أبلغ الشيخ بحوار جرى مع عدد من الإخوان في بيتي؟
إنهم الجواسيس، لقد كان بوسع الشيخ أن يدير معي حوارا أخويا علميا راقيا حول الموضوع مباشرة فيفيد ويستفيد ولكنها الطريقة السرية الإرهابية التي تقوم على إرهاب الأعضاء بإيهامهم أنها تعرف كل شيء عنهم وتسمع سرهم ونجواهم.

الموقف الثالث: تجسس على حزب العمل:

فور خروجي من السجن السياسي نهاية عام 1998 زارني مهنئا الأستاذ عادل حسين (رحمة الله عليه) ثم كرر الزيارة مرتين ليحدثني عن سوء معاملة مكتب الإرشاد له ولحزب العمل وطلب مني التوسط في ذلك، وسوف أضع التفاصيل التي انتهت إليها تلك العلاقة في كتاب قادم بإذن الله حول علاقتنا بالقوى الوطنية؛
وقبل انتخابات عام 2000 لمجلس الشعب زارني مسئول بحزب العمل وأخبرني بأن هيئة الحزب ترغب في ترشيحي ممثلا لحزب العمل الإسلامي في الانتخابات القادمة، وكان جوابي واضحا وصريحا بأن الأمر يتطلب موافقة مكتب الإرشاد قبل ذلك ووعدته أن تتم زيارتهم خلال الأسبوع وأخبره بالنتيجة؛
وبعد هذا اللقاء بيوم واحد فوجئت بأحد الإخوان بالحي (أحمد شوشة) يزورني صباحا في مكتبي بمدينة نصر ويخبرني أن الأستاذ مأمون عايزك تزوره في البيت، وتوجهنا مباشرة لبيته الواقع بالقرب من ميدان الجامع بمصر الجديدة، وكان المفاجأة أنه يكلمني عما دار بيني وبين الأستاذ عادل حسين ويقول: يا دكتور سيد أنت من قيادات الإخوان فكيف تترشح على قوائم حزب العمل؟
وأوضحت له أنني عرض على ذلك وكانت إجابتي واضحة بأن الأمر يتطلب موافقة مكتب الإرشاد، وكنت عازما على زيارتكم بالروضة خلال يوم أو يومين لأستطلع رأي مكتب الإرشاد، فقال: أنا أبلغك أن مكتب الإرشاد لا يوافق على هذا الترشيح، وقلت: وأنا ملتزم بقرار مكتب الإرشاد ولن أترشح على قوائم حزب العمل رغم عدم قناعتي بالقرار.
انصرفت من عنده وأنا غير مستريح البتة لهذه الطريقة من السلوك التجسسي على الإخوان وعلى حزب العمل، ولكنني عندما راجعت تاريخ النظام الخاص وجدت أن التجسس على الأحزاب والجمعيات والجماعات والإخوان كان من أهم أدواره ولهم في ذلك قصص وروايات يفخرون بها؛
ومن أشهرها قصة الحاج أسعد السيد أحمد الذي كلف من قبل الجهاز السري بالتجسس على حزب مصر الفتاة فانضم لحزب مصر الفتاة وترقى في صفوفه حتى وصل إلى أن يكون في الحرس الحديدي الذي أنشأه الحزب لحراسة زعيمه أحمد حسين ثم كشف أمره عندما قبض عليه في قضية السيارة الجيب مع الإخوان.

خلاصة ما تقدم

يمكننا تلخيص ما تقدم في النقاط التالية:

  1. في عام 1975 كان ما تبقى من الإخوان المسلمين في مصر عدد محدود من الأفراد، فالذين وقعت عليهم الأحكام في قضايا 1954، 1965 انفضوا عن الدعوة في عمليات مبايعة جماعية معروفة ومن بقي على إخوانيته وخرج منهم توجه مباشرة نحو بلاد النفط، لم يكن هناك كتاب واحد للإخوان ولا حتى المأثورات ولم يكن هناك أسرة ولا شعبة ولا قسم طلبة ولا قسم مهن ولا مرشحين ولا غيره ولا أحد يمكن أن يتلفظ بكلمة إخوان.وأما الجماعات الإسلامية تحت مسمى الصحوة الإسلامية في الجامعات والمدارس والمساجد فكانت ملء السمع والبصر موجودة بالمساجد والمدارس والجامعات، والحجاب الذي لم تتطرق إليه جماعة الإخوان من قبل أصبح أوضح ظاهرة على المجتمع المصري ومع الحجاب اللحى والجلابيب، وأما الكتاب الإسلامي فقد غدا الأول انتشارا وتوزيعا وربحية، كل هذا تم في غياب تام للإخوان.
  2. لم يكن هناك اتفاق على طريقة عمل محددة لإعادة تكوين الجماعة في مصر وسعى كل واحد حسب اجتهاده في موقعه، وكان من أبرز هؤلاء الأستاذ عمر التلمساني في القاهرة.
  3. تبنى قادة التنظيم السري القديم (مصطفي مشهور وأحمد حسنين وأتباعهم من تنظيم 65، (وليس كل من اعتقل في قضية 65 يدخل في زمرتهم) فكرة إعادة التنظيم السري الخاص واعتبار رئيس التنظيم هو المرشد الحقيقي ولا مانع من وجود مرشد صورة حسب تعبيراتهم لصرف نظر أجهزة الأمن عن المرشد الحقيقي، وعندما طرحت الفكرة رفضت بشدة وإنكار من غالبية قادة الإخوان القدامى وبرز من الرافضين للنظام الخاص أسماء عمر التلمساني ومحمد فريد عبد الخالق ومحمد حامد أبو النصر وإسماعيل الهضيبي ومحمود عبد الحليم وصلاح شادي وأحمد الملط وجابر رزق ومحمد سليم وعبد المعز عبد الستار وعبد الله رشوان وكافة الإخوان الذين عايشوا أخطاء النظام السري سابقا.
  4. كعادة أرباب التنظيم الخاص السري خالفوا القرار الجماعي والتفوا عليه واستمروا في العمل بطريقتهم في التجنيد للتنظيم الخاص مستغلين انشغال الرافضين لذلك بالعمل الدعوي العام الذي مثله خير تمثيل المرحوم عمر التلمساني، وكذلك مستغلين عدم إلمام جيل السبعينيات بعمق الصراع التاريخي بين أرباب النظام الخاص السري وجماعة الإخوان المسلمين بمجموعها وقيادتها التاريخية.
  5. كنت واحدا من العاملين مع الحاج مصطفي مشهور ومن أوائل الذين أوكلت إليهم مهام متقدمة في تنظيمه الذي كنت أتصور أنه تنظيم الإخوان الطبيعي وليس النظام الخاص داخل الجماعة وهم لم يصرحوا لنا بهذا أبدا.
  6. كانت عملية اغتيال السادات وهروب قائد التنظيم الخاص ومساعديه خارج البلاد سببا لانكشاف الأمر للمرحوم عمر التلمساني ومساعديه أو أنه اعتبر ذلك في مسارعته لتطويق الخطر بتشكيل جديد يرأسه المرحوم الدكتور أحمد الملط والمرحوم جابر رزق والمهندس محمد سليم وكنت واحدا من هذه اللجنة التي أوكل إليها مهمة الاتصال بالمحافظات للتنسيق بين الإخوان وتقوية الاتصال بالطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية.
  7. في الخارج استمر الحاج مصطفي مشهور وفريقه في العمل على المصريين المعارين للسعودية والخليج واليمن والطلبة المبعوثين في أوروبا وأمريكا، وصنع منهم تنظيما خاصا سريا ينتمي لقيادة خاصة منفصلة تماما عن القيادة في القاهرة، كما أن حركة مصطفي مشهور في الخارج وطدت علاقته بالقيادات الإخوانية في الدول الأخرى على مدى ست سنوات، وكنا هنا جميعا ممنوعون من السفر بقرار من الداخلية.
  8. يمكننا القول إن هذا هو تاريخ وجود تنظيمين في جماعة الإخوان الجديدة، التنظيم المعلن بقيادة عمر التلمساني وأحمد الملط وجابر رزق، والتنظيم السري المخالف بقيادة مصطفي مشهور ومجموعته، وهي اللحظة التاريخية التي بدأ فيها الصراع بين التنظيمين.
  9. كعادة التنظيمات السرية فقد تمت عملية اختراق منظمة طيلة السنوات التي تواجد فيها رأس التنظيم بالخارج، (19811987)، حيث كان أفراده يأتون ومعهم رسالة من الإخوان في الخارج تشير إلى أنهم على فكر الإخوان وكانوا يستوعبون من جانبنا هنا بحسن نيتنا وعدم التفاتنا لمخططاتهم الانقلابية علينا، ولكننا لاحظنا أكثر من مرة أنهم يأتوننا كخشب مسندة محشوة بالكراهية والتآمر ولا تشعر في أحدهم البتة بما تعارفنا على تسميته بالحب في الله.
  10. فور شعورهم بوجود أعداد كافية منهم ومع بدء مرض الموت للمرحوم الأستاذ عمر التلمساني، عادت قيادة التنظيم السري (المرحوم مصطفي مشهور ومحمود عزت وخيرت الشاطر) وأوجدت لنفسها مقرا إداريا تحت مسمى شركة سلسبيل، وبدءوا مرحلة جديدة تستهدف إحلال عناصرهم محل الإخوان المرابطين في الوطن، واستخدموا في ذلك كل الأساليب المنافية لآداب وتعاليم الإسلام وفي مقدمتها تشويه سمعتنا والافتراء علينا والكذب على جموع الإخوان.
  11. فور موت المرحوم عمر التلمساني وقبل خروجه من ثلاجة الموتى شغل المرحوم مصطفي مشهور مقعد المرشد وجمع أنصاره من حوله وقال إن الإخوان بايعوه، ونسي لعجلته في الاستيلاء على السلطة في الإخوان أن هناك واحد من الإخوان أكبر منه سنا يدعى محمد حامد أبو النصر، وحسب اللائحة فهو الأحق بمنصب المرشد العام، ولم يكن ليغيب ذلك عن ذهن مصطفي مشهور إلا لأنها كانت لحظة نشوة بانتصار النظام الخاص السري على الإخوان وتمكنه من قلب نظام الحكم في الإخوان وبلوغ أحد قادة الجهاز السري منصب المرشد الأول مرة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين.
  12. أرسلوا إلى الأستاذ محمد حامد أبو النصر ليخبروه بمبايعة الإخوان لمصطفي مشهور مرشدا وحسب رواية الرسول لي وهو الدكتور محمد حبيب شخصيا أنه تحرج من إعلامه بتولي مصطفي مشهور للمنصب فقدم له الأمر على أن الإخوان في القاهرة يستأذنوه في ذلك إشفاقا على صحته، ولكنه بادر الرسول باستعداده للانتقال من منفلوط إلى القاهرة ليباشر مهام المرشد العام حسب اللائحة، وأسقط في يد مصطفي مشهور وفريق السريين ولم يكن هناك مفر من الانسحاب التكتيكي وقبول الأمر الواقع، وانسحب مصطفي مشهور خطوة واحدة للخلف ليحتل موقع نائب المرشد، وأسكنوا المرشد محمد حامد أبو النصر في شقة بمنيل الروضة بعمارة مملوكة للمرحوم حسن الجمل، وعينوا عليه عدد من مخابرات النظام الخاص تحت مسمى (خدامين الأستاذ) من أشهرهم محمد أسامة الموجود حتى اليوم كموظف استقبال مكان الأخ شحاتة هدهد في التوفيقية سابقا، وكان المرحوم محمد حامد أبو النصر لكبر سنه كثير التغيب عن المقر بشارع التوفيقية، وفعليا كان نائبه المرحوم مصطفي مشهور يدير كل أمور الجماعة حسبما يرى.
  13. في الفترة من وفاة عمر التلمساني وحتى وفاة محمد حامد أبو النصر عمل التنظيم السري الوافد مع مصطفي مشهور على مشروعين، الأول تحطيم الذين يدرك أنهم رافضون للانضواء تحت إدارة التنظيم السري والرافضين لطريقته في الفهم والعمل، والمشروع الثاني الإعداد لانتخابات داخلية مفصلة تفصيلا خاصا لتحقيق لهم مشروعية تنظيمية، وحتى لا يقال ثانية يتولى أكبر الإخوان سنا منصب المرشد.
  14. بدءوا بتشويه سمعة قسم الطلاب ووصفوه بالقسم المارق والقسم المنعدم التربية والقسم الباحث عن الشهرة والقسم السابق على الجماعة في الحركة وقالوا للبسطاء بأن السابق على الصف في الصلاة كالمتأخر عن الصف وكلاهما تبطل جماعته وقارنوا زورا بين القسم وحركته وبين هذه الحالة وبين هذه الحالة وهو قياس فاسد عند علماء الفقه والأصول من نواح كثيرة، وتصاعدت موجة العداء ضد قسم الطلاب وكان أول الضحايا مسئولي القسم بجامعة الأزهر بقيادة د. محمد رشدي، وكلفوا (محمد مهدي عاكف) بتصفية قيادة القسم المركزية بالكيفية التي شرحتها سابقا وتسليم القسم في النهاية لأحد أنصارهم (د. رشاد البيومي) وتم ركل طلائع قسم الطلاب إلى ما تصوروه نهايتهم في النقابات المهنية ولما نجح المبعدون في إدارة النقابات المهنية طاردوهم في النقابات وكرروا نفس المقولات ووضعوا أمامهم نفس العراقيل.
  15. في هذه الأثناء حدثت قضية سلسبيل وتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن التنظيم الخاص نوى وباشر بالفعل الإجهاز على كل ما تبقى من الإخوان المناوئين للتنظيم السري وأصبح شعارهم أنا ومن بعدي الطوفان، فقد سلموا لمباحث أمن الدولة معلومات مفصلة ودقيقة عن كل من عمل أو يعمل في الإخوان المسلمين وتصرفوا تجاه الموقف بدم بارد محملين خطأهم القاتل على القدر وحسب علمي لم تتم أي مسألة لمن تسببوا في ذلك حتى اليوم بل على العكس عوملوا معاملة الأبطال.
  16. وقبل أن تجف دماء الإخوان في مذبحة سلسبيل وعلى طريقة (غلوش غلوش) فاجأوا الجميع بلعبة الانتخابات المفبركة بأياديهم وكان ما كان وانتخب مجلس شورى، ولم يعجبهم فأضافوا عليه 30 صوت ممن لم يفوزوا في الانتخابات ثم اجتمع مجلس الشوري وصعدهم إلى سدة الحكم في الجماعة المسكينة ثم ركلوا مجلس الشوري إلى الأبد فقد أتم مهمته وجاء بمن أرادوا فلم يدع للاجتماع ولا مرة واحدة من 1995 وحتى اليوم واكتفى قائد التنظيم بنفسه حاكما مطلقا يفعل بالإخوان ما يريد (هكذا تعلم أعضاء التنظيم السري الديكتاتورية من جلاديهم).
  17. وغيابنا وراء القضبان فرصة للتنظيم السري، فألغى غالبية نتائج الانتخابات وأحلوا قومهم في معظم المواقع التنظيمية وعينوا أنفسهم سريعا بمكتب الإرشاد بدلاء عن الأعضاء المعتقلين ولأول مرة في تاريخ الإخوان يسيطر أعضاء التنظيم السري الخاص على مكتب الإرشاد والأقسام الفنية والأموال في القاهرة ومعظم المحافظات ويكون نائب المرشد العام الفيزيائي مصطفي مشهور هو خامس خمسة أداروا النظام الخاص في الأربعينات من القرن العشرين: (الخمسة هم: مصطفي مشهور، أحمد حسنين، محمود الصباغ، أحمد زكي، عبد الرحمن السندي).
  18. فور وفاة المرحوم محمد حامد أبو النصر تمت أغرب بيعة في تاريخ الإخوان وأطلق عليها تاريخيا اسم (بيعة المقابر) ليصبح الفيزيائي الحاج مصطفي مشهور ومن المقابر وبواسطة مظاهرة مجهولة الأعضاء المرشد الحقيقي ولم يعد هناك مرشد صورة بعد اليوم، وتولى بنفسه وجهازه الخاص تصفية البقية الباقية من قيادات السبعينيات في عملية حزب الوسط الرهيبة التفاصيل.
  19. أعلنت حالة الطوارئ القصوى على الإخوان وتم تصنيف الإخوان مع أو ضد حزب الوسط، وعرض الكل على أخدود الفصل من الجماعة وتشويه السمعة ما لم يسب ويلعن مجموعة الوسط ويكفر بها وأعلن النظام الخاص في الإخوان مبدأ بوش (من ليس معنا فهو ضدنا) وما زال ذلك معمول به حتى اليوم.
  20. كانت هذه الحالة التي أوصلنا إليها أرباب النظام الخاص هي دافعي للقيام بكل محاولات النصح والإصلاح فور خروجي من السجن وأخذت المحاولة في هذه المرة شكل الرسائل الإصلاحية التي خصصت لنصوصها والتعليق عليها فصلا خاصا، إن مجرد الإعلان عن قرب صدور هذا المؤلف بالموقع الإسلامي (إسلام أون لاين) حرك آلة الشر في التنظيم السري لتقول بهتانا إني أعلنت هذه الإصلاحات لأنني أحصل على منصب في مكتب إرشاد التنظيم السري ...

ولعل السرد التاريخي الماضي للصراع بين وبين أرباب هذا التنظيم المقيت والمكروه من الإخوان طيلة تاريخهم الماضي والحاضر يوضح لهؤلاء السذج من الإخوان أنني أمارس مقاومتهم منذ عام 1983 وأحاول ردهم عن غيهم بالحسنى والمثابرة والسرية من داخل الجماعة ثم راسلتهم عشر سنين كاملة دون أن يدري أحد بذلك واليوم قد فسد الملح وعادت الجماعة على مفترق الطرق لا أعتقد أن هناك مجال للصمت بعد ذلك وإلا انطبق علينا قوله صلى الله عليه وسلم (الساكت عن الحق شيطان أخرس) إن الذين لاموني على طول صمتي هم الذين يلومونني على كلامي اليوم وعقيدتي أنهم الملامون على طول غفلتهم.

شهادة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح كما نشرت الشروق

عبد المنعم أبو الفتوح "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر "9".
تحدث د. عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين وأبرز رموز التيار الإصلاحي بها، في الحلقات السابقة من مذكراته "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر" التي تنفرد صحيفة "الشروق" بنشرها، عن نشأته الدينية والفكرية والسياسية؛
بدءا من ارتباطه بثورة يوليو وقائدها جمال عبد الناصر الذي اعتبره صاحب مشروع ثوري يسعى إلى تغيير وجه مصر والعالم، وصولا إلى حالة الانكسار التي أصيب بها معظم شباب جيله بعد النكسة، أبو الفتوح خلص في تلك المذكرات إلى أن الصراع بين قيادة الثورة والإخوان كان سياسيا بدليل استعانة عبد الناصر بالعديد من رجالهم، في البداية كالباقوري وعبد العزيز كامل.

إعادة بناء تنظيم الإخوان بعد حادث المنصة:

قضينا معظم من اعتقلوا من الإخوان وخاصة أبناء جيلي نحو عام في المعتقل، فلم نخرج إلا في سبتمبر من عام 1982، وكان أول ما شغلنا بعد الخروج من المعتقل هو البدء في إعادة تنظيم جماعة الإخوان من جديد والاهتمام بالبناء الداخلي، وهو ما شرعنا فيه فور الخروج مباشرة، خاصة وأن نظام الرئيس حسني مبارك لم يغلق الباب مباشرة في وجه الإخوان فقد استمر نشاطنا قويا إلى نهاية عقد الثمانينيات تقريبا، وإن كنا على قناعة وقت خروجنا أن عصر السادات لن يعود بما كان فيه من انفتاح وحرية في العمل والتنظيم السياسي.
يمكن القول بأن الدكتور أحمد الملط هو أبرز من حملوا عبء هذه المرحلة وتولوا عملية إعادة البناء، وكان أول ما فعله رحمه الله الاتصال بمجموعتنا التي كانت ناشطة في قيادة الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية، وكان كلامه واضحا في أن الأولوية هي لإعادة البناء الداخلي وهو ما بدأ العمل فيه على قدم وساق تحت مسئوليته مباشرة بعد أيام قليلة من خروجنا من المعتقلات، وقد كنت على رأس تلك المجموعة المسئولة عن إعادة البناء وترتيب صفوف الجماعة التي اهتزت كثيرا بعد أحداث سبتمبر 1981.
وقد أطلق على مجموعتنا (مكتب مصر) تمييزا عن التنظيمات القطرية للإخوان خارج مصر، ووضعنا خطة لتقسيم القطر المصري إلى قطاعات، فكان الأخ ممدوح الديري هو مسئول شرق الدلتا، والأخ إبراهيم الزعفراني مسئول غرب الدلتا، والأخ أنور شحاتة مسئول وسط الدلتا والأخ محمد حبيب مسئول قطاع الصعيد، والأخ السيد عبد الستار المليجي مسئول القاهرة ...
ولحق بنا في هذه المجموعة الإخوان جابر رزق وإبراهيم شرف رحمهما الله، ثم بدأنا في ترتيب المكاتب الإدارية للجماعة في كل محافظات مصر والتي تنقسم إلى مناطق وشعب، مع التركيز على تعميق وتقوية التنظيم ووضع القواعد الإدارية التي تضمن فاعليته وكفاءته وانسجام تكويناته وتراتيبته، وهو عمل استغرق الجهد الأكبر من نشاط الجماعة ما يقرب من سنوات متواصلة، فلم يأت عام 1987 حتى تبلور التنظيم وظهر بشكله الضخم واستقر النظام الإداري للجماعة.

الفصل الخامس:الإخوان في قبضة التنظيم السري

يتساءل بعض الإخوان وعموم الناس حول الضرر الذي يقع على الإخوان من جراء تسلم المنتمين لفريق النظام السري للسلطة في الجماعة بغض النظر عن سوء الطريقة وسوء الآليات وفساد ذات البين؟ ويقولون أنتم فريق من الإخوان وهم فريق من الإخوان، فلم هذه الضجة حول السريين وتوليهم المسئوليات؟

ووجهة نظري أن الأمر ليس بهذه البساطة والسطحية لأسباب:

إن فساد ذات البين هي الحالقة التي تحلق الدين وليس ممكنا أن تعيش جماعة عقائدية بغير الحب في الله، ومجالات العمل تسع الجميع فلماذا يفضل السريون السير على جماجم إخوانهم، لماذا اللجوء إلى الخديعة والمكر؟ لماذا الإقصاء والإبعاد لمن يعترف الجميع بفضائلهم الدعوية والاخلاقية؟
كما أنه لا يجوز أن نقر أحدا على ظلمه بحجة أنه من الإخوان، وما حدث من انقلاب على الشرعية التنظيمية يعتبر ظلما بينا لا يقره مؤمن.
كما كل اعتقاد يعتقده الإنسان يترتب عليه طريقة في الآراء تتمشى مع ما في الوجدان من عقيدة وفهم، فالذين فعلوا بإخوانهم هذه الأفاعيل وتنكروا لما اتفقنا عليه لا يؤمن لهم جانب ولا يؤتمنون على إدارة حركة إصلاحية إسلامية.
إن وجود السريين في موقع القيادة جعلتنا جماعة مغايرة للجماعة التي حلمنا بها وتبايعنا على نصرتها عملنا لها، لقد افتقدنا الإخوان وجماعة الإخوان وفقدنا الحب في الله الذي جمعنا وفقدنا خشوع القلب الذي ذقنا حلاوته أيام الصحوة الأولى وأصبحنا قطعان من الموظفين الجامدين المتناحرين الفاقدين لأدنى مراتب الحب في الله وهي سلامة الصدر واتصفت جماعتنا اليوم بصفات تحول بينها وبين نصر الله المأمول ومن ذلك:

(1) التنظيم السري يكره العلماء والمبدعين (يريدنا جسدا بلا رأس):

من الظواهر اللافتة للنظر خروج المتخصصين من براثن جماعة التنظيم السري في حالة هروب مذعورين، وكثرة استقالاتهم من التنظيم، ويرجع ذلك لأنهم يفاجأون بمعاملة دون المستوى اللائق بالعلماء والمتخصصين، كما أن هناك عشوائية تخصصية واضحة في شتى المجالات.
أول المجالات المنتهكة في جماعة السريين اليوم هو مجال العلوم الشرعية نفسها، وهي العلوم التي يدعون أنهم يحترمونها، ومن المعتاد والمتكرر أن يقال للعالم الشرعي من الإخوان هذا رأيك ولكننا مخيرون أن نأخذ به أو ندعه لرأي علماء آخرين، ولكن أي علماء وأي إجماع وكيف ومتى؟ والجواب دائما: ما لكش دعوة!!
إن العلماء المؤهلين شرعيا من الإخوان مثل عبد المعز عبد الستار والقرضاوي وعبد الستار فتح الله سعيد هم آخر ما يرجع إليه في المسائل كلها دقيقها وجليلها، ويستعاض عنهم بهواة العلوم الإسلامية ومقيمي الشعائر الذين لا يجيد الواحد منهم ترتيب أمر الزاوية الصغيرة التي يرتزق من خدمتها؛
ولقد شغلني هذا الوضع كثيرا بوصفنا جماعة إسلامية تنادي بالعودة إلى الشريعة الإسلامية، ودفعني هذا الاهتمام إلى التوجه إلى أحد العلماء لأسأله عن اللجنة الشرعية في الإخوان، من هم؟ فأخبرني بكل أسى أنه لا يعرف بوجود لجنة شرعية أصلا!
فسألته: وكيف تتصرف جماعتنا بدون هذه اللجنة ونحن معرضون كل يوم لاتخاذ قرارات وتداول أفكار وإصدار بيانات تتعلق بالفكر والحركة والتنظيم؟ فقال زينا زي الحكومة بالضبط! وآخر شيء يرجع إليه المسئول هو حكم الله في المسألة!
ثم قال بحسرة واضحة: إخوانك اليوم لا يسألون عن الحلال والحرام ولكنهم يسألون عما قال وقرر القائد الهمام!! والمرشد التمام! والنقيب الرقيب!! وأقل من ذلك! هذه ثغرة في التربية يجب تداركها!

(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا فيما قضيت ويسلموا تسليما) .. (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ... (ومن لم يحكم بما أنزل الله ...) هكذا الحال في مجال العلوم الشرعية، وأما في مجال العلوم السياسية، فلا تملك جماعتنا متخصصا واحدا مرموقا في السياسة..

ويتعجب المتابع من صدور مؤلف بعنوان (الإخوان والديمقراطية) من تأليف متخصص في الزراعة عضو في مكتب إرشاد السريين يسمى (محمود غزلان) والأعجب من ذاك قبوله بهذا الدور وكأنه لا يدرك الأسس العلمية المعمول بها في الجامعات ومراكز البحوث والدراسات، والتي تقضي بمنع من لم يحصل على درجة الدكتوراه في التخصص أن يحاضر فيه أو يصدر فيه مؤلف.
وفي علم التاريخ فإن تاريخ الإخوان اليوم يكتب بواسطة متخصص في المسطحات المائية هو الأستاذ جمعة أمين ولا لوم عليه لأنه لم يعمل بالبحث العلمي في أي يوم من حياته، ولا يعرف الأصول المرعية في المؤلفات التخصصية، وقد لا يدرك أن كتابة التاريخ تخصص قائم بذاته وله قسم في كليات الآداب، ولكن اللوم على من خوله هذه المهمة.
وما أكثر المتناقضات في عالم السريين اليوم، لقد أصبحنا صورة مشوهة للصراع بين أهل الخبرة والمقربين للتنظيم السري، فالمقربون لهم مطلق الحرية أن يخوضوا في كل المسائل، وأهل الخبرة لهم في جماعتنا خفي حنين.
يوسف القرضاوي مثلا ينفي دائما أنه من تنظيم الإخوان المسلمين، محمد عمارة كذلك، طارق البشري كذلك، محمد سليم العوا كذلك، فهمي هويدي كذلك، جميع هؤلاء يجاملون الإخوان بحضور مؤتمراتهم ولكنهم في الوقت نفسه لا يجدون في الجماعة على حالها الآن تحت قيادة السريين مكانا مناسبا لهم ويحافظون على وجود مسافة واضحة وظاهرة بينهم وبين التنظيم السري، فهل بحثنا عن السبب الحقيقي؟
وإياك أن تسقط في شرك السريين الذين يضحكون عليك بالقول أن هؤلاء جبناء خائفون من بطش الحكومة، فالحقيقة أنهم لا يقبلون أن يكونوا تحت إدارة السريين المذرية بكرامة العلماء والمفكرين.

(2) التنظيم السري يسحق الأفراد ويقودهم كالقطيع:

يأتي الدور على البيئة التي تصنع المفكرين وكيف جرفها السريون وأنهوا خصوبتها لكثرة ما يرتكبونه من جرائم في حق أبناء هذه الجماعة المبتلاة، يشعر الأخ في تنظيم السريين أنه عديم القيمة، ليس من حقه أن يفكر فالجماعة تفكر له، والقيادة تعلم كل شيء وهو لا يعلم أي شيء، ولا يجب أن يعلم غير ما هو مكلف بعمله، القيمة العليا للتنظيم فقط أما هو فيمكن الاستغناء عنه في أي وقت دون أي تأثير يذكر لفقده، ويتطاول السريون كثيرا فيصفون إخوانهم الأسوياء بالتمرد لمجرد أنهم لا يقرون العبودية التنظيمية؛
تاريخنا الفكري له دخل في ذلك فالعلاقة بين المسئول والمرؤوسين توصف بأنها (الراعي والرعية) وحديثا يأخذ المسئول في التنظيمات السرية دور الراعي الذي يمسك بالعصا ويرد النعاج الشاردة بزعقة زاجرة أو ضربة مؤلمة وللراعي حق تقسيم الأغنام إلى خمسات أو ستات، وله حق إضافة نعجة أو خصمها، وله حق تولية صغاره رعيان على أجزاء من القطيع وله الحق في أن يذبح ما شاء ويعزل من شاء وينتف وبر من شاء؛
وأما الرعية أو القطيع فوجوههم دائما في الأرض تتناول ما بين أرجلها من العشب أو الفتات وعندما ترفع بصرها لأعلى فلكي تعبر عن البشع بأخذ نفس هواء نصف نقي بعيدا عن غبار الأقدام المتكاثرة على العشب.
إنها صورة مذرية للجماعات البشرية ولكن مع بشاعتها فهي الطريقة الحقيقية التي تدار به جماعات التنظيمات السرية حتى اليوم، أدبياتنا في هذا المقام كثير مثل (هذه الجماعة إن لم تكن بكم ستكون بغيركم أما أنتم فلن تكونوا بغيرها)
ويتعلل أصحاب هذا الاستخفاف بقيمة إخوانهم أنها مقولة لحسن البنا، وهم يرونه لذلك كلاما مقدسا دون النظر في معانيه، والعقلاء يفهمون من هذه المقولة أن عمل الفريق يفوق عمل الفرد ولا يعني أبدا أن الفرد ليس له قيمة وإلا صرنا تجمعا من العاجزين المهازيل، وهم كذلك غافلون عن عقيدة حسن البنا في أقوال البشر وهي (كل الناس يؤخذ من كلامه ويترك إلا رسول الله)؛
وبناء على الفهم الخطأ تحولت تلك المقولات البشرية إلى عقيدة يسبح السريون بحمدها، الله يقول لعباده (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات)، ويصف حرص رسوله على المؤمنين بقوله (حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم)، والسريون يتخلقون بأخلاق الشيوعيين ويعتبرون إخوانهم مجرد تروس في آلة الجماعة.
ومن هذه الأدبيات المستخدمة بطريقة خاطئة مقولة (من لم يكن في الفلك أدركه الغرق)، وتقال هذه العبارة بمعنى فرضية الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين دون غيرها لضمان الفوز بالجنة، ثم يزيد الطين بلة بعبارة يرددها كل رويبضة وهي (السمع والطاعة)؛
ويشرح السريون معناها لغيرهم باستفاضة وتقعر بينما هم لا يسمعون أحدا ولا يطيعون غير أهوائهم وما اتفقوا عليه في عرفهم المظلمة، لقد تتبعت تاريخهم فوجدته سلسلة من التمرد على القوانين واللوائح والاتفاقات الداخلية والخارجية؛
ومما لا شك فيه أن مثل هذه المقولات التي تطلق في غير محلها ترهب الأفراد من مجرد التفكير في حال جماعتهم وما يلزمها من تصحيح وتجديد أو البحث عما هو أفضل لها، ولو طبق هذا المعنى على كل جماعة لما انتقل مئات الأفراد من الطرق الصوفية وانضموا لجماعة الإخوان ومنهم حسن البنا نفسه، لقد بدأ حسن البنا صوفيا (حصافيا)، ثم رأى أن الطريقة الحصافية لا تستوعب طموحاته فغيرها بطريقة جديدة أسماها مع إخوانه (الإخوان المسلمين)، ولم يقل أحد من العقلاء حتى اليوم إن حسن البنا خائن للحصافية منكر لجميلها متمرد على قيادتها ...؟
وسلوك السريين في هذا الباب جملة بمثل نوعا من الإرهاب الفكري المذموم، كما أنه يخالف قولنا إننا جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين ولسنا الفرقة الناجية وغيرها في النار.
إن الإسلام الحنيف اعتبر الفرد (21 سنة في القانون) العاقل مكلف ومسئول على أساس أنه حر وليس عبدا لأحد قط، والعلاقة بين المسلم وجماعة المسلمين حتى في وجود النبي صلى الله عليه وسلم مقننة ومرتبطة بأحكام الشرع الحنيف ويظهر إيمان الفرد بالجماعة المسلمة عندما يكون هناك تكليف جماعي يتشارك فيه المسلمون ويحدد فيه دور الفرد من حيث الفعل المطلوب والمكان والزمان وكافة التفاصيل المصاحبة لهذا التكليف؛
أما هذا الإبهام في العقد بين الفرد والجماعة فهو السبب في المشكلات المتكررة في داخل الصف الإخواني، وهو الثغرة التي استغلها السريون للنيل من تماسكنا وأخوتنا، فالجماعة بقيادة السريين تعلن ملكيتها لأفرادها ومسئوليتها عنهم مسئولية تامة كمسئولية السيد عن عبده، والفرد يأتي من الأعمال ما يرى أنه يقع في دائرة حريته الفردية؛
فإذا كان الفعل حسنا من وجهة نظر الأمير سارع بالافتخار بما قدم على أنه فعل الجماعة وليس فعل الفرد، (كما تفتخر مصر بأحمد زويل بعد حصوله على جائزة العلوم، وكما تفتخر الإخوان في مصر ببطولات حماس في فلسطين وحزب الله في جنوب لبنان).
وتدعي الجماعة أن الفرد لم يكن لينجح منفردا وكان كل الناجحين في العالم منتمون إلى جماعتنا، أو بمعنى آخر إن جماعتنا ملجأ للفاشلين الذين لا يملكون قدرات النجاح وحدهم، وإن وقع الفرد في خطأ أو ارتكب جناية من أي نوع سارعت بالتنكر للفرد؛
وأعلنت: (ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين)، إن الإبهام في طبيعة العلاقة بين الفرد والجماعة يصب دائما في محصلة سحق الأفراد ومصادرة حريتهم لصالح الأمراء الذين يرون أنفسهم الجماعة ويرون الجماعة ذواتهم وشعارهم في ذلك المبدأ الديكتاتوري "الشعب أنت وأنت الشعب وأنت الزعيم".
وأحسب أن ذلك التصور أقرب إلى الشيوعية من الإسلام فالشيوعية تنظر للفرد على أنه مجرد ترس في آلة المجتمع أو الجماعة الشيوعية، إن تأكيد حرية الفرد في التصرفات والتأكيد على مسئوليته القانونية عن تصرفاته واعتبار ذلك هو الأساس، وأن التكليف الجماعي طارئ واستثناء هو الضمانة القوية لوجود صف متماسك وفعال عن إيمان واقتناع وهو الدافع الأقوى للتضحية والعطاء.

(3) جماعة السريين كالمجنونة تأكل أبناءها وتخمش وجهها:

مضت جماعة الإخوان المسلمين تحت قيادة الأستاذ عمر التلمساني من عام 1976 وحتى وفاته في منتصف عام 1986 لم نسمع فيها عن حادثة انشقاق ولا شقاق ولا نفاق ولا فصل ولا تجميد، ولم تكن حتى نعرف هذه المصطلحات الغريبة المستهجنة، وما أن تسلل السريون الجدد إلى مفاصل الجماعة وتمكنوا من رقبتها حتى تفجرت من الداخل؛
بدأ الموضوع باغتياب قسم الطلاب وزعزعة الثقة في المجموعة التي تديره، وقال السريون عنهم إنهم يسبقون الجماعة ويتحركون بخطوات متسرعة، وقيل إنهم يتحكمون في تربية الجيل الجديد على مبادئ الثقافة والحوار والمناقشة وحرية إبداء الرأي وهي عند السريين مبادئ منكرة، وانتهى الأمر بتصفية تلك القيادات معنويا وجرحها أمام قواعد الإخوان في جو من الغيبة والنميمة لم يشهده الصف من قبل؛
وانتهى الكيد اللئيم بنزع القسم من أيدي مؤسسيه ووضعها في أيدي حاسديه، ولك أن تتصور ما فعلوا، بدءوا بجامعة الأزهر فقصموا ظهرها وشتتوا فريق العاملين فيها في هجمة مشهورة عرفت بمشكلة د. محمد رشدي، وداروا على كل جامعة يغيرون كل من فيه رائحة الكرامة، وانتهى الأمر الآن إلى خراب غير مسبوق، لقد أصبح طلابنا يعيشون على رصيف الجامعات تحت مسمى الاتحاد الموازي؛
وفي كل عام أكثر من مئة قضية يقيمها الطالب الإخواني المحترم على أستاذه ويوقف عميد كليته متهما أمام القاضي، والنهاية دائما حرمان الطالب الإخواني من الامتحانات أو شرف الانتماء بأستاذه، وبعد معركة محمد رشدي وفصل أكثر من 120 عضو من الإخوان وإبلاغ المحافظات بمقاطعتهم وضرب الحصار عليهم كانت عملية تصفية إخوان جنوب القاهرة ثم كانت عملية تصفية إخوان حزب الوسط ثم كانت عملية تصفية إخوان نقابة المحامين، ثم ثم ثم ...
واليوم عملية تصفية السيد عبد الستار ودخول المرشد العام بنفسه على خط المواجهة، وتلفيق لوائح اتهام تصلني من حين لآخر فأترحم على أيام العقلاء الطيبين الذين لقيناهم في مشارق الأرض ومغاربها تحت مظلة الحب في الله، لقد أصبحنا في ظل السريين جماعة كالمجنونة التي تخمش وجهها بأظافرها وتتحاور على صفحات المجلات وشاشات الفضائيات بعدما أغلق السريون كل منافذ الحوار ورفضوا كل صور العدالة والمساواة وهي أعلى قيم الإسلام.

(4) جماعة التنظيم السري خارج نطاق الشرعية القانونية:

تعتبر الدولة الحديثة بمفهومها السياسي نموذج للتمدن البشري الذي حض عليه الإسلام، والدولة الحديثة في أفضل التعاريف السياسية تتكون من أرض وشعب وحكومة وقانون، والبديل عن الدولة المدنية هو الفوضى والهمجية والانحطاط الحضاري والتخلف التقني والتعرض للغزو الخارجي في عالم يؤمن بالقوة كأسلوب تعامل بين الدول وأهم مظاهر القوة هو قوة مؤسسات الدولة؛
من هنا فالمفترض أن تكون جماعتنا أحرص الناس على الالتزام بقانون الدولة المدنية والسعي لتقويتها والمشاركة الفعالة في تثبيت أركانها تمشيا مع إسلامنا، وفي حالة كون هذه الدولة ظالمة أو فاسدة فالقانون وحده هو الذي ينظم طريقة الخروج عليها وآليات تغييرها فيما يسمى ويعرف في كتب القانون بـ (تقنين الثورة) بوصفها أوقات تغيير جماهيري مؤقتة وليست دائمة؛
وهذا ما عناه طارق البشري في كتاباته تحت عنوان (أدعوكم للعصيان المدني) وتحت عنوان (شرعية الخروج على الشرعية) وحاشا لمستشار مرموق مثل البشري أن يدعو إلى فوضى وأنا تناقشت معه في ذلك وأتفق معي حول هذا المفهوم؛
إنها دعوة للخروج على حالة المشروعية المبنية على القوة وليس الحق إلى حالة شعبية جماهيرية تعيد الحق لصاحبه الطبيعي وهو الشعب، وفي حالة جماعتنا وكونها ليست الشعب بل جماعة واحدة من الشعب لا تزيد عن 1% من تعداده، لا يجوز لها أن تتعامل مع قضية التغيير بمنطق أنها تمثل الشعب، ووجهة نظري التي تؤيدها الواقع أن هذا مستحيل؛
نحن لا نملك حق التعبير عن الشعب بأي حال من الأحوال ولا نعبر عن الإسلام ولكن نعبر عن فهمنا له ولو أردنا أن نتعامل مع الدولة القائمة بمنطق (مشروعية الخروج على المشروعية) فلا بد أن نكن ضمن منظومة وطنية جامعة لكل أطياف الأمة أو معظمها، وهذا ما حاولته بنفسي مع خمسة آخرين (الستة المؤسسين لحركة كفاية هم: م. أبو العلا ماضي، د. محمد إدريس. أ. جورج إسحاق. م. أحمد بهاء الدين. أ. أمين إسكندر. د. السيد عبد الستار).
لتكون نواة لهذه الحالة الوطنية، ولكن للأسف الشديد تعامل السريون من الإخوان مع الحركة الوليدة كعادتهم بروح عدائية وارتكبوا حماقات وقالوا في حقي كلاما حراما واعتبروا حركة كفاية منافسة لهم وقال أحد السريين: بالنص إنها محاولة لسحب بساط العمل الوطني من تحت أقدام الإخوان!
كما أن هناك فريق من السريين ما زال يعتبر الدولة المدنية علمانية بمعنى أنها كافرة ومتنكرة للشريعة الإسلامية، وللأسف الشديد أن الثقافة السطحية والجهل المطبق بالقوانين المعمول بها في البلاد يجعل الغالبية من الشباب والبسطاء يصدقون هذا الزعم ويبنون حركتهم على أساسه؛
كما أن أجواء السرية المقيتة والعمل في إطار من الخوف والتربص والتلفت والارتعاش يعمق تلك المفاهيم، وفي هذه البيئة الكئيبة وحدها يجد السريون متعتهم ويمارسون تضليلهم للبسطاء، الدستور ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، والخبراء بالتشريعات يدركون أن القوانين المخالفة للشريعة ... تعد على أصابع اليد الواحدة؛
ووجود الأزهر والأوقاف ومجمع البحوث الإسلامية، كل ذلك لا يقنع السريين بإسلامية الدولة وهم ماضون في خطتهم لتقويض أركانها بقدر ما يستطيعون، أحدهم أمير شبرا على مدى 27 سنة الأستاذ حمدي إبراهيم (لاحظ طول مدة تواجده في السلطة مع أنه من أكثر الذين يتحدثون عن الزهد في المناصب والجندية وفضلها) سأله الشباب عن سبب عدم مشاركة الإخوان في نجدة ضحايا الدويقة فكان رده (هذه مشكلة الحكومة ودورنا أن نضاعف مشكلاتها حتى تسقط!!).
الشواهد التاريخية تؤكد أننا تحت قيادة السريين لم نعلم طبيعة العلاقة بيننا وبين الدولة القائمة وأننا تعاملنا منذ البداية وحتى اليوم بطريقة لي ذراع الحكومات وتهديد وجودها بمحاولات متكررة لتقويض كيانها وأطلقنا الرصاص على وزراء ورؤساء وزارات، وأدخل السريون الجماعة في مواجهة تاريخية مقيتة مع الثورة التي كانت من أحلام البنا والتي دفع الكثير من إخوانه بالجيش للمشاركة في الإعداد لها، وانتهينا إلى كوننا ضمن أعداء الثورة وضمن المتآمرين على مشروعها ومشروعيتها؛
وما زال وضعنا السياسي على هذا النحو لم يتغير وما زال التعامل معنا أمنيا وليس سياسيا بوصفنا جماعة خارجة على القانون، هذا هو الواقع اليوم ولكن السؤال الأهم هل نحن نحاول أن نغير هذا الوضع إلى الأفضل؟ وما هي وسائلنا؟
وجهة نظري أن مجرد وجود السريين في القيادة منذ عام 1988 وحتى اليوم تقريبا قضي على كل محاولات التلمساني لتغيير الصورة الذهنية لدى الدولة عن الإخوان، وعادت الصورة إلى ما هو شبه حالتها أيام الصراع الأول عام 1954، وما لم نفكر بجد في تغيير أوضاعنا فإن الدولة وهي الأقوى والأرسخ لن تغير موقفها وسيبقى الصراع على حالته على المدى المنظور على الأقل؛
وأما كيف يكون التغيير من جانبنا فهذا شرحه يطول ويحتاج لحوار فيما بيننا لم تتوفر شروط البدء فيه حتى اليوم، ومع ذلك فالرسالة الإصلاحية الأولى التي وردت في تاريخ الإصلاح الداخلي في الفصل الأول تسلط الضوء على هذا الموضوع بشيء من التفصيل.

(5) جماعة التنظيم السري خارج نطاق المشروعية التنظيمية:

مما لا شك فيه أن إصرار فريق من أصحاب التوجهات السرية على الاستيلاء على سلطة القرار في الجماعة أوقعهم في أخطاء ومخالفات واضحة، فبمجرد تولي الحاج مصطفي مشهور سلطة القرار ورئاسة الإخوان ألغي كافة نتائج الانتخابات التي جرت عام 1994؛
ومن أمثلة ذلك في منطقة شرق القاهرة التي أعيش فيها على سبيل المثال، تولى الشيخ عبد المنعم تعيلب رئاسة المنطقة بالتعيين وهو الغائب عن مصر لمدة أربعين سنة، وفي مصر الجديدة تولي القيادة المهندس عادل فريد وهو الذي لم يكن له أي وجود في تنظيمات الإخوان منذ خروجه من معتقله وحتى توليه تلك المسئولية في عام 1996.
تم ذلك في مواقع أخرى وهو ما يمكن أن نسميه (قيادات من تحت المخدة) سحبها التنظيم السري وفاجأ الإخوان بها، كما أن مجلس الشوري لم يدع للاجتماع لمدة عشر سنين وتمت تعيينات بمكتب الإرشاد دون انتخابها بواسطة مجلس الشوري، وحتى انتخاب المرشد نفسه تم بطريقة ثورية جماهيرية كما يفعل العسكر تماما وأطلق عليها (بيعة المقابر) وهو الاسم الذي يقلل من شأنها وطريقتها ونتائجها، واستمرت عملية استباحة كرامة الإخوان ودهس حقوقهم المشروعة في الاختيار؛
وبلغ الأمر أن يأتي السريون بأنصار لهم من المحافظات ويعطون لهم مقرات وظائف في القاهرة ويمهدون لهم بلوغ قمة الهرم التنظيمي بالتزوير والتدليس، أبشع الأمثلة التي رأيتها في الحي الذي أسكنه تمثلت في نقل المدرس من هندسة المنصورة حسام أبو بكر إلى مدينة نصر ودعمه من قبل النائب الثاني للمرشد العام خيرت الشاطر بوصفه بلدياته حتى تولى رئاسة المنطقة الشرقية خلال أربع سنوات من نقله والمنطقة التي نحن بصددها فيها أكثر من خمسين قيادة إخوانية تاريخية تعمل بالدعوة من عام 1970؛
كما شهدت القاهرة في وجود النائب الثاني الدقهلاوي خيرت الشاطر (فك الله أسره) هجوم من الدقهلية لم يسبق له مثيل على كافة المواقع المركزية فرئيس قسم التربية دقهلاوي ورئيس قسم المهن دقهلاوي ورئيس قسم الإعلام دقهلاوي (م. عاصم شلبي كما أعن عن نفسه بالجرائد)
وفي أعمال الوظائف المساعدة فحدث عن الدقهلاوية ولا حرج، نحن إذا أمام ظاهرة تشبه ما فعله صدام حسين عندما جعل كل المناصب في الدولة لأبناء بلدته تكريت، ليضمن ولاءهم وانتفاعهم في نفس الوقت (زيتنا في ترابنا)، ولو لاحظنا أن المرشد العام نفسه من كفر عوض سيطه مركز أجا دقهلية لاكتشفنا أنه كان هناك زمان التكريتيين وانتهى، وبدأ هنا زمان (الدقهلاويين) في الإخوان، والخبير بتاريخ العلاقات الإخوانية يدرك كيف كانت الأحوال متوترة باستمرار بين المرحوم عمر التلمساني والمرحوم محمد العدوي مؤسس التنظيم السري بالدقهلية.
ومن الأمثلة الفجة في النقابة التي أنتمي إليها (نقابة المهن العلمية) أن يأتي التنظيم السري بأحد أبناء السويس (ك. محمود السعيد) ليسمه منصب أمين الصندوق في النقابة العامة بالقاهرة وكذلك أمين الصندوق المساعد من الدقهلية (المدرس بالمعهد الأزهري بطلخا سعد عبد الغني)
بينما في القاهرة 35 ألف علمي عضو بالنقابة أعرف منهم المئات من الإخوان وغيرهم أصحاب الكفاءات والقدرات والمناصب العلمية التي تناسب هذا المنصب وتليق به، إنني في حالة استغراب لاستجلاب إخوان من المحافظات للعمل بالمواقع القيادية بالقاهرة وكأن المحافظات تحققت فيها الدولة الإسلامية وأستاذية العالم بينما القاهرة ما تزال في الجاهلية الأولى ومحتاجة لخبراء أجانب (أدانب) من المحافظات المتقدمة تكنولوجيا (تقنيا) مثل الدقهلية والسويس والإسكندرية.
السريون يضحكون على أنفسهم عندما يقولون أجرينا انتخابات، والمعلوم في التنظيمات السرية أن الأمير يقرر كل شيء، فكشوف الناخبين من صناعته ولا يعلمها غيره ومن أحب، ولا يوجد مرشحون ولجنة الفرز ممن يثق بهم والنتيجة معروفة سلفا لأن جميع من يخالفونه في الرأي ليسوا مدرجين أصلا في من لهم حق حضور الانتخابات، فهل يسمى هذا العبث انتخابات؟
النتيجة أن تنظيمات الإخوان الداخلية اليوم لا تمتلك أي نوع من المشروعية التنظيمية، وتعتبر العلاقات الداخلية نوع من الصراع والمغالبة بين التوجهات المختلفة، والمغلوب دائما هو الأخ الخجول الحريص على سمعة الإخوان وأما فريق السريين الشرهين للسلطة فمن صفاته استباحة حقوق الآخرين في تاريخ الإخوان، وانتهت العملية بأن حكمت الجماعة بالسريين لأول مرة في تاريخها فتحولت بحق إلى جماعة مقهورة.

جماعة السريين جماعة القهر والإرهاب الفكري:

ليس أدل على ذلك من العنف الذي مارسه السريون مع الموقع الإلكتروني لمجموعة شباب (إخوان نت) والذي انتهى بتهديد الشباب وغلق موقعهم، والحديث في مثل هذه الحقوق يسمى عند السريين (إرجاف في الصف)، وهي كلمة تصف المنافقين عقيدة بنص الآية وهذا يعني أنهم يكفرون أعضاء الجماعة المطالبين ببعض حقوقهم المعرفية، نحن أمام ظاهرة كتم أنفاس الإخوان وقهرهم وسحق تطلعاتهم.
لقد أراد أحد الإخوان المطالبين بتحسين أحوال الجماعة أن يطالب القيادات الفاشلة بالتنحي فلم يمتلك الجرأة على ذلك فقال (رأيت فيما رأى النائم أن مكتب الإرشاد أصدر قرارا بعدم تولية المناصب في الجماعة لمن هم فوق الستين ...) وعموم المشتغلين بالنقد الأدبي يدركون أن أسلوب (كلية ودمنة) يلجأ إليه الكتاب في زمن الخوف من الحكام، فهل هناك دليل على ما تعانيه الجماعة من إرهاب فكري أوضح من ذلك؟
لو كان هذا العضو في الجماعة آمنا حرا يقول ما يعتقد أنه في الصالح العام لما لجأ لهذا الأسلوب، وهو الذي يعمل طبيب أسنان معروف، ويبلغ من العمر ما هو فوق الثلاثين.

جماعة السريين تزدهر وتعيش على التوتر المجتمعي:

خطابنا السياسي المفعم بألفاظ تفسيق المخالفين وأحيانا تكفيرهم يعتبر جرس إنذار للجميع بأن الأمر يمكن أن يتحول من الكلام إلى الفعل.
أرى خلل الرماد وهيج نار
ويوشك أن يكون لها ضرام

فإن النار بالعودين تذكو

ونار الحرب أولها كلام

والدولة من جانبها تنظر للموضوع بجد وتأخذ أقصى درجات الاستعداد والحذر، لا سيما أن أفراد من الإخوان وغيرهم من الإسلاميين استخدموا السلاح من قبل كوسيلة لفرض وجهة نظرهم على المخالفين لهم، والنتيجة إعداد مليون جندي لمواجهة التنظيم السري إذا تحول من الكلام إلى الفعل، هؤلاء الجنود المليون ليسوا إلا مليون فلاح وعامل مصري مخصومون من قوة العمل الإنتاجي في أهم فترات العمر؛
وأعتقد أننا مشاركون في هذه المحنة بدخولنا اليومي في مشاحنات في الانتخابات العامة والجامعات والمناسبات السياسية المختلفة دونما أي نتيجة تتناسب مع الخسائر الفادحة، نحن مشاركون في هذا الإثم باستعراضات القوة المتكررة في الجنازات الحاشدة والأعراس المسيسة والمؤتمرات الملتهبة والصرخات المستفزة، لقد أصبحت مواسم الانتخابات مواسم خوف وفزع ليس لبيوت المرشحين وذويهم ولكن للمجتمع كله، حتى الطلبة وانتخابات الطلبة لم تعد تمر إلا بمعركة تنتهي بخسارتنا للمواقع وتعطيل الدراسة ورفع حالة التوتر إلى درجتها القصوى.
إن حكومة السريين لو قامت لها قائمة فلن تسمح أبدا بوجود تنظيم آخر سري أو علني، إخواني أو علماني يهدد وجودها ولو كان على رأسه أعبد أهل الأرض، وسوف تلجأ حكومة السريين حتما إلى أسلوب الحسم العسكري وما أسهل سوف المبررات لذلك.

منهج السريين الثقافي متشدد ومتطرف:

نقلا عن جريدة الدستور الأحد 5 أكتوبر 2008 (انتقد د. يوسف القرضاوي المنهج التربوي لجماعة الإخوان المسلمين المعاصرة (تحت قيادة السريين) وقال إن مجلس الجماعة لم يكن على خط فكري واحد حيث دخلت على الإخوان أفكار جديدة، بعضها من التيار السلفي الذي يغلب على كثير من المنتمين إليه:التشدد والحرفية وأوضح أن أكثر الذين تأثروا بالتيار السلفي: الذين يعيشون في السعودية والكويت؛ويظهر ذلك في الموقف من قضايا المرأة والتعددية السياسية والأقليات ونحوها (لاحظ أن مصطفي مشهور كون تنظيمه في الخارج أساسا من هؤلاء المذمومين)
وقال القرضاوي إن هذه الأفكار تحمل بذور تكفير المجتمع، والعزلة الشعورية، والاستعلاء على الآخرين، ورفض الاجتهاد وتطوير الفقه، إلى آخر هذه الأفكار وأضاف القرضاوي إلى عيوب المنهج التربوي الرسمي الملزم للإخوان: أنه يوقعهم في التناقض، المكشوف أحيانا، والمقنع أحيانا أخرى، فبعض الكتب المقررة عليهم مثل كتبه ترى أن الشورى واجبة، وأن الشورى ملزمة، وأن النزول على رأي أكثرية أهل الحل والعقد واجب؛
على حين يرى كتاب آخر لبعض الدعاة: أن العمل برأي الأكثرية من الأمراض التي دخلت على الحركة الإسلامية، وأن الواجب هو العمل برأي الإمام، وإن خالف الأكثرية، بعد أن يستشيرهم، ويعلق القرضاوي أن بهذه الرؤية تكون الجماعة شرعت للاستبداد، وأعطت الحجة للحكام الذين يقهرون الأمة، ويضربون برأيها عرض الحائط وأوضح القرضاوي أن القيادي الإخواني القديم الأستاذ محمد فريد عبد الخالق، أحد قدامى الإخوان، ورئيس قسم الطلاب لسنين عديدة، وأحد المقربين من المرشد الأول والثاني: البنا والهضيبي شاركه الرأي وأنه كان لديه ملاحظات على منهج الإخوان في التربية والتثقيف؛
ويقول إنه أوصى بعمل مقترحات لتدخل على المنهج، إلى أن يوضع منهج جديد، يتفادى ما ذكر من السلبيات ويتضمن الإيجابيات المنشودة وقال: لذلك لم تكن كتبي، أو كتب الشيخ الغزالي، أو محمد فتحي عثمان، وأمثال هؤلاء مما يحسن أن يوضع في صلب المنهج، لأنهم يعتبروننا "عقلانيين" ويسمينا بعضهم "معتزلة العصر وكان من الأشياء التي اعترض عليها القرضاوي في إعداد اللائحة وقبلها المشاركون "صيغة القسم" أ. ه.
وتصدر كتب المنهج الثقافي تحت أسماء مستعارة وغير حقيقية بما يجعلها تدخل تحت عنوان (الوجادات) أي الكتب التي لا تنسب لأحد مما يجعلها من الناحية الدراسية غير جديرة بالاهتمام بسبب عدم القدرة على توجيه النقد لها أو تصحيح ما بها من أخطاء لأنها مجرد وجادة لا تخص أحدا من العلماء.
ولو كنا جادين في التعليم الديني على أساس سليم لاتخذنا من الأزهر وجهة نظر لنا لتخريج قيادات دعوية صالحة، ولو أمعنا النظر فيما ورد في وثيقة تطوير الأزهر لوجدنا فيه مؤسسة مثالية لتحقيق كل ما نصبوا إليه وزيادة.

يقول د. محمد عمارة في مقال له:

لقد وقف خلف تطوير الأزهر الشريف الذي صدر له القانون 103 لسنة 1961م رجال عظام لا يشك عاقل في إخلاصهم للإسلام ... والعلوم الإسلامية، التي هي رسالة هذه المؤسسة الإسلامية على مر تاريخها الطويل.
ومن هؤلاء الرجال العظام شيخ الأزهر الإمام محمود شلتوت (1310–1383 هـ 1893–1973) ... والرجل العظيم الذي صاغ قانون التطوير، الأستاذ محمد سعيد العريان (1323–1384 هـ 19051964م) ...

والذي وضع في المادة الثانية من قانون التطوير هذه العبارات التي تحدد رسالة الأزهر، فتقول:

الأزهر هو الهيئة الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره، وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر وفي الحضارة، وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس في الدنيا والآخرة، كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمي والفكري للأمة العربية وإظهار أثر العرب في تطور الإنسانية وتقدمها ...
وتعمل على رقي الآداب وتقدم العلوم والفنون، وخدمة المجتمع والأهداف القومية والإنسانية والقيم الروحية، وتزويد العالم الإسلامي والوطن العربي بالمختصين وأصحاب الرأي فيما تتصل بالشريعة الإسلامية.
والثقافة الدينية والعربية ولغة القرآن، وتخريج علماء عاملين متفقهين في الدين يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة في النفس وقوة الروح، كفاية علمية وعملية ومهنية لتأكيد الصلة بين الدين والحياة والربط بين العقيدة والسلوك وتأهيل عالم الدين للمشاركة في كل أسباب النشاط والإنتاج والريادة والقدوة الطيبة للمشاركة في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
كما تهتم بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية.وغير هذا الحديث الجميل عن رسالة الأزهر في ظل التطوير تحدثت المذكرة الإيضاحية لقانون التطوير 103 لسنة 1961م عن العديد من المبادئ المبتغاة من وراء هذا التطوير ومنها:
أولا: أن يبقى الأزهر وأن يدعم ليظل أكبر جامعة إسلامية، وأقدم جامعة في الشرق والغرب.
ثانيا: أن يظل كما كان لها منذ أكثر من ألف سنة حصنا للدين والعروبة، يرتقي به الإسلام، ويتجدد ويتجلى في جوهره الأصيل، ويتسع نطاق العلم به في كل مستوى وفي كل بيئة، ويزاد عنه كل ما يشوبه، وكل ما يرمي به.
وإذا كان الأزهر يشكو اليوم من ضعف مثل كل شيء في مصر أصابه ما أصاب غيره حتى جماعتنا تشكو من نفس الضعف وسوء الإدارة.

جماعة السريين محظورة في جميع المؤسسات:

جماعتنا تحت إدارة السريين باتت محظورة من النشاط القانوني في كل المجالات.في المجال السياسي تعثرت محاولات تأسيس حزب سياسي للإخوان بسبب إشكالية داخلية وليست خارجية وتتمثل في إصرار السريين وعناصر النظام الخاص أن يكونوا ضمن قيادة الحزب السياسي، وتجربة الدولة مع هؤلاء مريرة بكل المقاييس، فكل موقع تواجدوا فيه حولوه إلى منصة لإطلاق النار على كل من لا يتوافق مع أفكارهم حتى من إخوانهم في الجماعة، والبديل الآمن هو أن يوضع في قيادة الحزب عناصر إخوانية ليس بينها وبين الدولة ثأر قديم؛
ولكن أصحاب الثأر القديم يقولون إن جيلا جديدا من الإخوان في قيادة الحزب معناه نهاية القدماء إعلاميا وواقعيا، وهنا تبدو إشكالية الصراع بين الأجيال وإن كانت من طرف الأقدمين فقط، وتبقى الجماعة في النهاية تراوح مكانها في قضية الحزب السياسي فلا هي تلغي الفكرة ولا هي تتقدم بأوراق ومؤسسين ووكيل إلى لجنة الأحزاب.ولنفس السبب محرومون من التقدم بأوراق جمعية خيرية.
ونحن جماعة محظورة من الالتحاق بشرف الخدمة العسكرية، وهي المدرسة الوحيدة التي تعلم فنون القتال الحديثة، ونحن بذلك لا نشارك في أي ملحمة من ملاحم الجهاد المعاصرة، لقد تخلفنا عن المشاركة في حرب 56 وحرب 67 وحرب 73 وأي حرب قادمة ما لم نفكر بجد في واقعنا المرير وكيفية تحسينه.
ومحرومون من العمل بالشرطة ولا يقبل بكلية الشرطة من كان له قريب من الدرجة الرابعة من الإخوان المسلمين، ومحرومون من العمل الدبلوماسي ومحرومون من العمل في المخابرات، ومحرومون من العمل بالجامعات، فلا يعين معيدون بالجامعات لهم صلة بالإخوان إلا بشق الأنفس وبالقضاء الطويل الأمد، وهكذا جرت علينا قيادة السريين ومشاحنات السياسة وصراعات السلطة عزلة تامة عن جميع مراكز التأثير في الدولة، بينما فتحت هذه المواقع على مصراعيها لغير أفكارنا، فهل كسبنا شيئا بالسير خلف السريين ومناهجهم وأفكارهم أم أن الخسارة أعظم؟
إن تغيير الوجوه القيادية في الإخوان لا يضر الجماعة في شيء قط ويمكن الاستفادة بالجميع في المواقع المناسبة لإمكانياتهم ولا ينقص هذا من قدر أحد منهم! أما حالة التصلب التي نواجهها في هذا المجال تجعل القدامى من الإخوان في موضع الاتهام باتباع سياسة (أنا ومن بعدي الطوفان).

جماعة السريين متهمة بغسيل الأموال:

آخر ما اتهمت به جماعتنا تحت إدارة هذا الفريق السري تهمة غسيل الأموال، وإنا لله وإنا إليه راجعون، لقد كنا فخورين باتهامنا بمخالفة النظام سياسيا فأصبحنا بفشل السريين وسوء إدارتهم متهمون في شرفنا الاقتصادي وسمعتنا المالية، ولا توجد نار بدون دخان، ولطالما حذرنا أصحاب المشروعات الخاصة في الجماعة من مغبة سلوكهم المالي وخلط أموال الدعوة بقروشهم والدخول بالمجموعة في مضاربات مشبوهة فلم يعوا ولم يسمعوا فكانت النتيجة كما تعلمون!!
ضاعت أموال الدعوة بالملايين (85 مليون صودرت في قضية الشاطر) وضاعت قروشهم وضاعت سمعتنا في قضايا عديدة منها توظيف الأموال ومنها غسيل الأموال، والملاحظ أن هناك تطور في منطوق الاتهام الموجه للمتهمين من الإخوان؛
بدأ بالاتهام بقلب نظام الحكم ثم أصبح اتهاما بقلب نظام الحكم بالقوة ثم أصبح أدار وآخرين جماعة على خلاف القانون ثم زيد لتعطيل القانون والدستور ثم كان الاتهام الأخير بتهمة غسيل الأموال، المتوقع تصاعد الاتهام إلى ما هو أشد من ذلك في حالة استمرارنا على نفس الوتيرة من الفعاليات، والأشد من ذلك هو الاتهام بمخالفات تتعلق بالسمعة الشخصية والعائلية لا قدر الله؛
إن الدولة لا تتهم أحدا من فراغ وسياستها تجاه خصومها أن تجعل من المخالفة الصغيرة اتهاما كبيرا بحجم الخصومة وعلى قدرها، ودورنا أن نبادر بإصلاح الصغير من المخالفات قبل أن يكون وسيلة لتلويث سمعتنا جميعا، فهل يستجيب السريون للنصيحة؟!

جماعة السريين في مأزق تاريخي:

هل نحن حزب سياسي؟ أم جماعة دعوية؟ أم أننا جمعية خيرية؟ وهل نبقى على التنظيم السري أم نستغني عنه؟ وهل نحن في حاجة لهذا التنظيم المتفرع أم أن كل محافظة يمكن أن تكون أدرى بحالها وإمكانياتها؟ وما قيمة مكتب الإرشاد؟ هل يرشدنا إلى أي شيء نافع؟ أم أصبح دوره ملاحقة الإخوان الناصحين بقرارات التجميد والمحاصرة والفصل غير المعلن والفصل المعلن؟
هل لدينا أزمة توظيف واستيعاب فصرنا نوزع على الإخوان مجرد ألقاب مملكة في غير موضعها؟ هل نحن في حاجة لتسريح أفرادنا الزائدين المكدسين بلا عمل يذكر؟ ومتى تقوم الدولة الإسلامية التي حدثتنا عنها جدتنا في الأسر الإخوانية من أيام فحت البحر؟ وماذا يصنع مكتب الإرشاد ومجلس الشوري والمكاتب الإدارية بهذا الخصوص ونحن غير قادرين حتى عن حماية أفرادنا من الاعتقال؟
هل ستكون دولتنا السرية ديمقراطية كما يقول بعضنا أم ستقوم على ولاية الفقيه؟ وما شكل السجون فيها؟ هل ستكون زنازين مضاءة بالمشاعل وتتدلى من حوائطها الجنازير حيث يربط النزيل إلى حين قضاء العقوبة أو موت النزيل؟ وهل هناك عقوبة بالخازوق مثلا؟ أم ستكون حدائق واسعة بها ما لذ وطاب من الفواكه والخضر؟ هل نطبق القانون المدني أم العسكري بعد أن نسميه جهادي؟
إن طرح أي قضية مهما بلغت بساطتها على مجموعة من الإخوان يسبب جدلا لا ينتهي، وجدالا لا يحسم وذلك لسبب بسيط هو إننا لا نتحاور ولكن نتجادل ونبقى دائما على مفترق الطرق في معظم القضايا، لقد مثل طرح البرنامج الحزبي للإخوان فضيحة مدوية وظهرنا أمام الدنيا مجرد تجمع من الشراذم الفكرية المتصارعة.

جماعة السريين بلا هدف محدد:

هل هدف السريين نشر الدعوة الإسلامية وزيادة العلم بالدين؟ ولو كان هدفهم كذلك فلماذا لا ندخل أبناءنا للأزهر فيتخرجون دعاة مؤهلين لذلك؟ هل لدينا مؤسسة تعلم الدين أفضل من الأزهر؟ وما قيمة علماء الدين في التنظيم السري؟ ومتى استمع السريون القدامى والجدد لفتوى العلماء؟
ولماذا يصر أعضاء في مواقع تنظيمية على فتح وإدارة مدارس أمريكية المناهج والسمات، ولماذا نجد أن معظم أولاد السريين وغيرهم من الإخوان يتعلمون في مدارس اللغات الأجنبية؟ هل لدينا تصور لطبيعة التعليم والتربية التي نرغبها لمجتمعنا؟ وما هو الجهد المبذول في قضية التعليم والمدارس؟ هل يساوي جهدنا جهد الكنائس الكاثوليكية أم أقل؟ وكم مدرسة بنينا؟ وهل يحتاج نشر التعليم الديني تنظيم سري؟
أم أن هدف السريين ما زال قلب نظام الحكم وتغيير الدستور بالقوة؟ وهل باتت القوة وسيلة ممكنة للتغيير السياسي في مصر؟ ولو صدقنا أن السريين تابوا وأيقنوا باستحالة ذلك .. فلماذا كل هذا التضخم في تجنيد البسطاء وصغار السن بما يشعر الجميع أن معركة حربية مهولة على وشك الاشتعال، لماذا سياسة الحشد ونفش الريش في الجنازات والأفراح والمناسبات؟ ولماذا المقاتلة على مقاعد البرلمان حتى الموت في دولة لا يقتنع السريون بالقانون المنظم لها ويعملون على هدمها؟
ما هي أهداف السريين المرحلية خلال العشر سنين الحاضرة مثلا؟ هل ما يزال الهدف مجرد البقاء واستدامة المشاغبة مع النظام والمعارضة؟ وهل لدينا أي وسيلة لقياس ما تحقق من أهدافنا؟
نحن ما زلنا منذ الخمسينيات من القرض الماضي جماعة محظورة وخارج نطاق المشروعية القانونية والتنظيمية وندار اليوم بجهاز سري لا يمتلك أي قدرات تؤهله لإدارة نقابة صغيرة وفقا للقانون، والسريون بطبيعة تكوينهم النفسي والفكري لا يحبون القانون ويكرهون الانضباط على أي لائحة.
هل نتذكر هدفنا المتعلق ببناء دولة إسلامية وتحقيق وحدة إسلامية وأستاذية العالم؟ هذه مصطلحات ماتت على الشفاه الإخوانية، وجف عودها وذبلت أزهارها تحت وطأة التصحر الأخوي وعنف الصراعات الداخلية التي يديرها السريون الجدد على جثة الأحلام الإخوانية القديمة، بالجملة فلم تعد جماهير الإخوان تحلم بأكثر من الشغب الموسمي في انتخابات الطلاب أو الشعب أو الشورى
ثم الشغب من أجل تصاريح زيارة المسجونين والمعتقلين، وإذا أكرمنا القدر وهجمت أمريكا أو إسرائيل على جزء من العالم الإسلامي صحونا من غفوتنا وفركنا عيوننا وانطلقنا في مظاهرات وصخب لا يؤثر على الحدث بشيء يذكر، وأحيانا نتصرف كالدبة التي قتلت صاحبها، فإذا انتهت المذبحة عدنا إلى أوكارنا انتظارا لفعل إسرائيلي قادم، نحن بقيادة السريين جماعة رد فعل وليس جماعة فعل.هكذا فعل بنا الجهاز الخاص السري وهكذا أصبحنا محاطين بالخلافات والفتن ونعيش على رصيف الوطن.

شهادة الدكتور يوسف القرضاوي

نقلا عن جريدة الدستور الأحد 5 أكتوبر 2008 انتقد د. يوسف القرضاوي المنهج التربوي لجماعة الإخوان المسلمين المعاصرة (تحت قيادة السريين)، وقال إن مجلس الجماعة لم يكن على خط فكري واحد حيث دخلت على الإخوان أفكار جديدة، بعضها من التيار السلفي الذي يغلب على كثير من المنتمين إليه: التشدد والحرفية وأوضح أن أكثر الذين تأثروا بالتيار السلفي: الذين يعيشون في السعودية والكويت؛

ويظهر ذلك في الموقف من قضايا المرأة والتعددية السياسية والأقليات ونحوها (لاحظ أن مصطفي مشهور كون تنظيمه في الخارج أساسا من هؤلاء المذمومين) وقال القرضاوي إن هذه الأفكار تحمل بذور تكفير المجتمع، والعزلة الشعورية، والاستعلاء على الآخرين، ورفض الاجتهاد وتطوير الفقه، إلى آخر هذه الأفكار.

وأضاف القرضاوي إلى عيوب المنهج التربوي الرسمي الملزم للإخوان:

أنه يوقعهم في التناقض، المكشوف أحيانا، والمقنع أحيانا أخرى. فبعض الكتب المقررة عليهم مثل كتبه ترى أن الشورى واجبة، وأن الشورى ملزمة، وأن النزول على رأي أكثرية أهل الحل والعقد واجب ...
على حين يرى كتاب آخر لبعض الدعاة: أن العمل برأي الأكثرية من الأمراض التي دخلت على الحركة الإسلامية، وأن الواجب هو العمل برأي الإمام، وإن خالف الأكثرية، بعد أن يستشيرهم، ويعلق القرضاوي أن بهذه الرؤية تكون الجماعة شرعت للاستبداد، وأعطت الحجة للحكام الذين يقهرون الأمة، ويضربون برأيها عرض الحائط

وأوضح القرضاوي أن القيادي الإخواني القديم الأستاذ محمد فريد عبد الخالق، أحد قدامى الإخوان، ورئيس قسم الطلاب لسنين عديدة، وأحد المقربين من المرشد الأول والثاني:البنا والهضيبي شاركه الرأي وأنه كان لديه ملاحظات على منهج الإخوان في التربية والتثقيف؛

ويقول إنه أوصى بعمل مقترحات لتدخل على المنهج، إلى أن يوضع منهج جديد، يتفادى ما ذكر من السلبيات ويتضمن الإيجابيات المنشودة

وقال:

لذلك لم تكن كتبي، أو كتب الشيخ الغزالي، أو محمد فتحي عثمان، وأمثال هؤلاء مما يحسن أن يوضع في صلب المنهج، لأنهم يعتبروننا "عقلانيين" ويسمينا "معتزلة" العصر وكان من الأشياء التي اعترض عليها القرضاوي في إعداد اللائحة وقبلها المشاركون "صيغة القسم" أ. هـ.

استقالة المرشد تكشف عن مخاطرة السريين

شهادة الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد حول مكتبه بالروضة.

مهدي عاكف في أول حوار صحفي بعد أزمة الانسحاب:

  • حوار مجدي الجلاد وشارل فؤاد المصري وأحمد الخطيب 24/ 10/ 2009

على الرغم من أن محمد مهدي عاكف، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، كان قد أعلن قبل فترة أن ولايته تنتهي في يناير المقبل، ولا يريد الاستمرار، فإن أحداثا وقعت في مكتب الإرشاد دفعته إلى اتخاذ قرار بالانسحاب، وهو الوصف الذي يفضله على "الاستقالة" والسبب المعلن هو الخلاف حول تصعيد عصام العريان إلى مكتب الإرشاد.

يقول مرشد الإخوان في حواره مع "المصري اليوم" إنه سيعود ليكون واحدا من "الإخوان" ويكشف للمرة الأولى عن صفقة عقدت مع "مسئول كبير" لم يسمه تم بمقتضاها ترشيح 150 إخوانيا لانتخابات مجلس الشعب ويلمح إلى أن تدخلات إسرائيلية أمريكية أوقفت فوز الجماعة بـ 50 مقعدا إضافيا ويبدي عاكف استعداده للدخول في أي اتفاقات جديدة.

وفي هذا الحوار، يحدد عاكف موقفه من ترشيح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية، ويرد على مطالب الأستاذ محمد حسنين هيكل للجماعة بمراجعة أفكارها وإلى نص الحوار.

(يمكن مراجعة المقال بالجريدة وننقل هنا ما يتعلق بموضوع الكتاب):

  • ولكن ما يحدث في الجماعة بسبب انشقاقات داخلية وليس بسبب الأمن ... ما حجم الخلاف؟
الخلاف بدأ بعد وفاة محمد هلال، رحمه الله، وطلبت عمل إجراءات لتصعيد عصام العريان، لأن "الدور عليه" حسب تفسيري للائحة، ولكن مكتب الإرشاد كله فسر اللائحة بأسلوب مختلف وإصراري كان من منطلقين المنطلق الأول هو أن هذه رؤية المرشد وتفسيره ولا بد أن يحترم، والمنطلق الثاني هو أن ذلك حق من وجهة نظري، ولكنهم رفضوا، والأمر انتهى وأنا أحبهم وأحترمهم وطلبت منهم في خطابي الأخير أن يساعدوني في فترة عملي.
  • هل الدكتور محمد حبيب هو الذي يدير الأمور الآن، وهناك من يقول إن هناك مرشدا سريا وآخر إعلاميا؟
عندما أصبحت مرشدا قلت إن كل عضو في مكتب الإرشاد معه اختصاصات مرشد الإخوان كاملة وكل قرارات الأعضاء أراجعها.
لا أعرف والأمن يعرف عددنا بالضبط،ولكنني لا أعلم كم عددنا بالضبط لا في داخل مصر ولا خارجها وفي مجلس الشوري عددهم يتراوح بين 95 و 105 أفراد معظمهم لا أعرفهم.
  • هل الجماعة مطالبة الآن بمراجعة أفكارها؟
من يرى في فكر الإخوان خطأ فأهلا وسهلا به ويقوله لنا ونراجعه.
  • هل تم عرض صفقة عليك من قبل؟
حدث عام 2005 حيث زارني أحد المسئولين الكبار وكان هناك حديث عن سفر الرئيس مبارك إلى أمريكا، وقال أرجو ألا تقوموا بأي شوشرة على زيارة الرئيس هناك وأبديت استعدادا وجاء للقائي مرتين وطلبت في إحداهما أن يحضر اللقاء معنا نوابي وبالفعل تم اللقاء وكتبنا فيه بنودا كثيرة واتفقنا عليها ثم ذهب والتزم بما اتفقنا وقبل انتخابات 2005 كان هناك عدد من الإخوان في السجن وعلى رأسهم عصام العريان؛
وكانوا يريدون الانتخابات لهم وطلبوا ألا يكون هناك زخم فيها وقلت وأنا أيضا أريد ذلك وقمت بترشيح 150 شخصا، وأوفيت بما وعدت به في اللقاء الذي تم بيني وبين الأمن واتفقنا أن تسير الأمور بشكل عادي وبدأ الإخوان المرشحون يعقدون الندوات وينظمون المسيرات في الشوارع
وجميع من في السجون أفرج عنهم وفوجئت باكتساحهم في المرحلتين الأولى والثانية وفي المرحلة الثالثة قال لي شخص ما إن شارون اتصل بجورج بوش وأن الأخير اتصل بمبارك فأبلغوني أنه لن ينجح أحد في المرحلة الثالثة على الرغم من أننا كنا نتوقع أن ينجح 50 مرشحا وتحديدا في المنصورة والشرقية وهما من معاقل الإخوان وتم ذبحنا في المرحلة الثالثة.
  • هل يوجد بينكم وبين الأمن اتصالات؟
لا يوجد أي تفاهم بيننا وفي الماضي وكانت هناك بعض القيادات الأمنية تتحدث معنا ولكن الآن لا يوجد أحد.
لا ..
  • معنى ذلك أن البعض من أعضاء المكتب ضده؟
هذا ليس صراعا وهذا معناه أن هناك "ناس لا ترتاح معه".
  • ولكن هناك إجماعا ضده ... هل تعتبر ذلك ظاهرة صحية؟
هذه ظاهرة صحية جدا ووضعت على ذلك علامات استفهام ولم أفسرها حتى الآن.
  • هل هناك احتمال أن يكون قد حدث اختراق أمني للجماعة؟
فيه حد بيقولي المكتب مخترق شتمته لا أحب مطلقا أن يقول لي أحد ذلك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تذكروا أصحابي بسوء أمامي، والأمن يفعل كل شيء، وعندما يفعل ذلك ألا يعرف أنه في صالح الإخوان وضده.
لا ... لأن فكره مطابق لفكر محمد عاكف، وكل من يقول ذلك فهو مخطئ.
  • هل هناك سر لا تعرفه؟
نعم ولست في عجلة أن أعرفه وهناك شيء غامض.
إذا كان واجب الإعلان، سأعلنه وإذ كان لا يستحق لن أعلنه. (أ. هـ).

خلاصة ذلك كل

هناك خلاف على مجهول يسمونه لائحة وهي وثيقة لم يطلع عليها 99% من الإخوان، والمسموح لهم بقراءتها بعض (قساوسة) التنظيم السري لا أكثر، وتفسيرها: موكول إلى (كهانهم) المحدودين.

المرشد لا يعرف الحد الأدنى من المعلومات حول التنظيم الذي يرأسه، فكيف يديره وكيف يعبر عنه، ومن غيره يعرف؟إن كنت لا تعرف فتلك مصيبة وإن كنت تعرف وفينا كل هذه المثالب وسكت عنها فالمصيبة أعظم.

صفقة بين السريين ومباحث أمن الدولة أعطتهم قبلة الحياة في انتخابات 2005 فظهروا كالأبطال وملأوا الدنيا ضجيجا مدعين أن قوتهم المتنامية حققت امتلاك 88 مقعدا في مجلس الشعب بينما الحقيقة أنهم كانوا عرائس من الخرق البالية تحركها المؤسسات الأمنية لا لمصلحتهم ولا لمصلحة الوطن ولكن فقط لتحسين صورة الرئيس؛

كل مظاهر الشجاعة التي أبدوها أيام الانتخابات اتضح أنها كانت كحركة الطفل تحت عين أبيه ليس أكثر، حقا إنها فضيحة المرحلة السرية بامتياز، ولطالما اتهموا غيرهم وكل من يعارضهم أنه عميل للأمن، ساء ما يحكمون، وخاب ما يفعلون.

هناك سر في المكتب يبحث عنه المرشد أو هكذا يدعي، فالسر الذي يبحث عنه موجود في كافة مراسلاتي له بوضوح، إنه النهم والشره نحو المال والسلطة في الجماعة المخدوعة من قبل الضباع الجائعة من تنظيم المكفراتية وأذنابهم والمعوجة أولئك الذين مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية حسب وصف النبي لأمثالهم؛

هذا النهم والشره دفعهم دفعا إلى قتل إخوان كثر قتلا معنويا وإنسانيا، وآخر القتلى كان العريان، يا سيادة المرشد السر أنت أحد سدنته فلا تتنصل منه اليوم متظاهرا أنك تبحث عنه وهو كالثعبان في جيبك أنت تنكره ورأسه مطلة على محدثك.

وإني أحمد الله الذي أظهر الحق الذي دعوت الإخوان إليه فلم يصدقوني وانخرط بعضهم في رجمي بغير حكمة ولا بينة والقرضاوي يصف الحالة بأنها خيانة في الحديث الذي نشرته جريدة الشروق بتاريخ السبت 24 من أكتوبر 2009 قال الشيخ يوسف القرضاوي.

إن غلعاد الإصلاحيين خيانة للدعوة والجماعة والأمة كلها فبخسارة هذه العناصر الإصلاحية القوية لن يبقى في الجماعة إلى المتردية والنطيحة وما أكل السبع، وأكد الأستاذ عصام تليمة (مدير مكتب القرضاوي بقطر) بأنه تأكد من تصريحات الشيخ القرضاوي بنفسه فكرر له نفس ما أعلنه وزاد على ذلك بالقول: لو صح ما حدث مع عصام العريان من منعه من مكتب الإرشاد، فهذه جماعة لا تستحق الحياة.

الفصل السادس:التنظيمات السرية الإخوانية في ميزان الإسلام

جذور المشكلة (الإخوان والتنظيم السري ضدان لا يلتقيان)

من هم الإخوان المسلمون؟

كتب المرحوم الأستاذ الشهيد حسن البنا رسائل مطولة في التعريف بالإخوان ورسالتهم ومعظم المعاني التي تتصل بفكرتهم، غير أنه كان في كل مرحلة من عمر الدعوة يضيف معان جديدة ويتوسع في الأهداف والمقاصد بقدر ما يتكون لديه من الخبرات وبقدر الزيادة في الأنصار والمريدين، حتى شعار الجماعة نفسه تغير مرات عدة فكان وشاحا أخضر يلبس من أعلى الكتف مكتوبا عليه الإخوان المسلمون؛

ثم أصبح هلالا وفي وسطه مصحف، فلما زاد الأنصار وكثر عدد المريدين صار الشعار إلى سيفين وبينهما مصحف، وفي خطبته في المؤتمر الخامس المنعقد بمناسبة مرور عشر سنين على تكوين جمعية الإخوان المسلمين أسهب في كل المسائل المتعلقة بالإخوان وفكرتهم؛

ثم كان المؤتمر السادس عام 1940 آخر المؤتمرات الإخوانية، ثم اختار لنفسه مائة شخصية وسماها الهيئة التأسيسية للإخوان عام 1941، ثم اختار المائة المختارون اثني عشر شخصا أطلق عليهم مكتب الإرشاد، ثم توالت التفريعات الإدارية بقدر ما تحتاج الحركة من أقسام ولجان ثم ماذا؟

سلك (رحمة الله عليه) طريق الدعوة لمبادئه وفق فهمه للإسلام بك همة وإخلاص وجرب عمليا ما اعتقد أنه صحيح، واجهته ظروف الواقع ومكابدات الحياة فلخص الخبرة العملية الواقعية التي مارسها بناء على الأسس النظرية التي آمن بها، فكان آخر ما قاله بعد مرور عشرين سنة من عمره الدعوي: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لعدت بالإخوان إلى أيام المأثورات) ..

وأقر بنفسه أن الخطب النارية والمواعظ المنبرية ووضع الأسس النظرية يجيدها كل فصيح لبق وكل عالم مجتهد، ولكن الواقع شيء آخر وأقر بنفسه بعد عشرين سنة من الدعوة والتربية والجهاد أن المحيطين به محتاجون إلى دخول العناية الفائقة وأن الذين ظنهم خلاصة الخلاصة تحت مسمى النظام الخاص كانوا وبالا على دعوته وأول من انسلخ عن بيعته؛

وأن الجميع محتاجون إلى هدأة الليل ومجالس الذكر وإعادة النظر في الكثير مما فهموه عن الإسلام وطرق الدعوة إليه، فهل هناك اليوم أي صلة بين هذا السلوك العملي الفطري الطبيعي لشاب مثل حسن البنا وبين حملة المباخر حول ضريحه مرددين أن كل ما قاله حسن البنا من الثوابت، وأين هؤلاء من قول العلماء العاملين (كل الناس يؤخذ من كلامه ويرد إلا رسول الله)؟!

وأحسب أن هذه الخاتمة للإمام الشهيد كانت من توفيق الله لرجل أخلص قلبه لله واجتهد فأصاب في مسائل وكان له أجران أو أخطأ في أخرى فكان له أجر واحد، وهو بهذه الخاتمة الموفقة قد أعاد الأمانة إلى أصحابها ونصح للإخوان نصيحته الأخيرة؛

وأعتقد اليوم وأنا على مشارف الستين من عمري أنه بذلك قد أعاد النظر في مجمل أفكاره الحركية وأعترف بأن الخوض في القضية الوطنية وتحمل المسئولية عن المجتمع بالصيغة الإسلامية يتطلب رجالا بمواصفات إيمانية واستقامة سلوكية لم يتوفروا له من بعد مما يلزم معه العودة إلى أيام المأثورات وإتقان الصياغة في الفهم والسلوك على نسق آخر وفق معطيات التجربة التي مر بها والواقع الذي تبدى له بعد عشرين سنة من العمل.

ومن هنا فإن الذين يحرفون الكلم عن مواضعه مستشهدين بكلام البنا قبل هذه المقولة ودون مراعاة للظرف الزماني والمكاني والمرحلة السنية للداعي والدعوة إنما يظلمون الرجل ويكذبون عليه جهلا أو عمدا.

وأما المرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي رحمة الله عليه، فلم أعثر له على كلام يفيدنا في هذا السياق، والكتاب المنسوب إليه تحت عنوان (دعاة لا قضاة) لا يخصه من بعيد ولا قريب وثابت أنه من وضع آخرين، لقد عاش الرجل فترته في دوامة الصراع في مواجهة السريين وفي جماعة من الشركاء المتشاكسون، وبلغ الخلاف بينهم إلى درجة إشهار الأسلحة وإطلاق الرصاص، وفي مثل هذه الظروف قد يكون الصمت أصدق من الكلام، وقد فعل رحمة الله عليه وصام عن الكلام المباح.

أما الأستاذ عمر التلمساني فيقول عن الإخوان في كتابه ذكريات لا مذكرات:

إن الإخوان ليسوا ملائكة ولكن من أوضح مميزاتهم أنهم يعرفون سيئاتهم كما يعرفون حسناتهم، والعصمة للرسل والأنبياء والكمال لله وحده.
لا نقول للناس اتبعونا فلسنا أفضل ولا أعلم من أحد ولكن نقول اتبعوا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفذوا الأوامر واجتنبوا النواهي، ثم بعد ذلك لا عليكم أن تكونوا في جماعة الإخوان المسلمين أو لا تكونوا، وإن كنا نناديكم اليوم فإننا ننادي لنحقق قوة الوحدة والتضامن.

وأفهم مما سبق أن قضية الالتزام بالكتاب والسنة كانت هي الأصل والأساس عند المؤسسين وأن التنظيم ولوائحه سواء كان سريا أو علنيا ما هو إلا وسيلة طبيعية يقتضيها تقسيم المهام الدعوية، وأما اعتبار الالتزام بالتنظيم أساس لتصنيف الإخوان بين إخوان الفضاء العام وإخوان الفضاء الخاص، أو بين ثقة مجروح وبين أمين وخائن وبين مجاهد وقاعد فهو خطأ وخطيئة؛

كما أنه من المقرر عقيدة وخلقا وعرفا وعلما أن الإخوان المسلمين بكل مؤسساتها المعروفة لم تقر يوما بما يسمى النظام الخاص أو التنظيم السري أو إخوان الفضاء الخاص أو أي شيء يشبه هذه الخزعبلات التي تحلو في عين أصحابها على طريقة (القرد في عين أمه غزال).

هذا كلام المرشدين وهذا فهمي لما قالوا وهو ما بايعت إخواني عليه ومتمسك به، إلى يوم يبعثون.

التنظيم السري في الإخوان!!؟؟

لو تصورنا جماعة الإخوان المسلمين وقد بلغت عشرة آلاف عضو، ولها مرشدها المعروف الأول حسن البنا، وقد نجح في تشكيل هيئة تأسيسية مكونة من مائة عضو، واختاروا من بينهم مكتب إرشاد، وتكون منهم ما تحتاجه الجماعة من اللجان والتخصصات لتسيير عملها، ودار دولاب العمل وفق ما هو متفق عليه في الهيئة التأسيسية وتبعا للبرامج المقرر؛

وفجأة رأي أحد الأعضاء أن هذا الذي يدور في ساحة الجماعة لا يروق له، وتحدث بذلك مع من توسم فيه الإحساس بنفس المشاعر فوافقه فصارا اثنان ثم أربعة ثم خمسة، ثم دعاهم لجلسة خاصة واتفقوا على أن يكون لهم أمير أو مسئول أو نقيب وبرنامج خاص يتدارسونه فيما بينهم مع مجاراة الجماعة وهيئتها التأسيسية وعدم إعلامها بذلك جزئيا أو كليا؛

هنا تصبح هذه العصابة بمثابة الخلية الأولى في تنظيم سري خاص في الإخوان المسلمين، ليس لهم أن يكون مسلحا أو غير مسلح فأمر السلاح هو أهون المطالب لمن أراده، وليس المهم طبيعتها الفكرية فهم سيخدمون فكرتهم الخاصة ويبذلون لها كل جهدهم سواء كانت تكفيرية اعتزالية أو تكفيرية عسكرية، وسيحاولون تسخير كل إمكانيات الجماعة المتاحة لهم لدعم مواقفهم وتنميتها وتغليبها على ما عداها وتلك طبيعة البشر.

وليس المهم أن يكون الداعي لذلك فرد من أفراد الإخوان أو عضو بمكتب الإرشاد أو حتى المرشد نفسه كما حدث في الخطأ الأول، فما دام الأمر حدث خارج المؤسسة المتفق عليها ففاعله مدان كائنا من كان بوصفه يضع اللبنة الأولى في إمارة الديدان أو ديدانستان.

بهذه البداية البسيطة نشأ التنظيم السري في الإخوان ونمى وتوالد كالدود وتسلح ثم انسعر وأحدث في جسد الإخوان والوطن من الطعنات ما أصابها في مقتل وشل حركتها وأعاق بلوغها لأهدافها النبيلة ولطخ ثوبها الأبيض بالدماء والسواد على مدار التاريخ المعاصر في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات والثمانينات من القرن الماضي وحتى اليوم.

نحن بصدد فرقة باطنية داخل الإخوان، يؤمنون أن دماءهم أنقى من غيرهم، وأن عقولهم أذكى وأن قدراتهم التنظيمية أكثر دقة وبراعة وبالجملة يرون في أنفسهم (شعب الله المختار بالإسلامي ..)، لا يحبون النور ويعشقون العيش في الظلام، يخالفون سنة (رهبان بالليل فرسان بالنهار) فينشطون بالليل وتكثر فيه مؤامراتهم ونجواهم بالإثم والعدوان ويغيبون في النهار وتؤذيهم شمسه ووضوح الرؤية فيه؛

فيهم الكثير من طباع الدود حيث يبنون دولتهم تحت الأرض وليس فوقها، فيهم الكثير من طباع الضباع، فلا يسعون لفريسة كالأسود ولكن يأكلون من كد الآخرين ويعيشون على بقايا موائد المجدين، هدفهم الضم والاستحواذ على المتدينين المبتدئين وليس توظيف الطاقات ومساعدة العاملين.

هذه المجموعات البشرية البدائية كثيرا ما تضر البشر المتحضرين ما لم يأخذوا حذرهم، وكما يهدم النمل الأبيض العمارات الشامخة فهؤلاء يهدمون الجماعات ويثيرون الفتن ويوجهون لمخالفيهم في الرأي طعنات خائنة قاتلة، والإخوان المسلمون عانوا من هؤلاء الكثير من الأذى وتلقوا منهم طعنات قاتلة مرات عدة.

كانت الطعنة الأولى حادثة اغتيال المستشار أحمد الخازندار أمام منزله في حلوان في 22 مارس 1948 ثم حادثة السيارة الجيب في 15/ 11/ 1948، وقد ترتب عليهما صدور قرار حل الجماعة فقيامهم بتكليف طالب في العشرين من عمره بقتل رئيس الوزراء النقراشي، وترتب على ذلك القبض على آلاف الإخوان والمواطنين ثم قتل حسن البنا، ثم إنهاء دور الإخوان تماما وشل حركتها وعجزها لمدة عام ونصف عن اختيار مرشد لها.

وكانت الطعنة الثانية عندما نجحت الجماعة بالكاد في اجتياز محنتها واختيار مرشد من خارجها ليقوم بقيادة سفينتها التي صارت في مهب الريح فكان أرباب التنظيم السري له بالمرصاد، فحاولوا إقصاءه بالقوة وفشلوا وكانت موقعة تاريخية مشينة حيث تجمع الإخوان في مواجهة التنظيم الخاص بأسلحتهم النارية لولا تدخل العقلاء وسحب الأسلحة والمسلحين من المركز العام.

ولم يجد المرشد الجديد مفرا من أن يقاومهم بأسلوبهم فشكل لنفسه تنظيما سريا مسلحا بقيادة يوسف طلعت، ولم يكن الجديد أفضل من القديم فقد واصلوا فسادهم في الأرض وأفسدوا الاتفاق الذي توصل إليه المستشار حسن الهضيبي مع الثورة بأن يكون كل من الإخوان والثورة في طريقه لا يعترض الآخر؛

وأصروا على التحضير للقيام بعمليات ضد الثورة الوليدة التي كانت من أحلام الإخوان أيام البنا وجل قادتها كانوا من الإخوان، وذهبت مجموعة من اختطافه من الطائرة ونقله إلى المركز العام ثم لاذوا بالفرار (برواية محمد مهدي عاكف لقناة الحوار)، ثم كان حوادث أخرى في مواقع أخرى ثم كانت سنوات المحنة السوداء التي طالت بالإخوان عشرين سنة كاملة بسبب طيش وغرور الذين لا يقدرون مغبة ما يصنعون.

ثم كانت الطعنة الثالثة عندما تجمع نفر ممن يحملون نفس الأفكار وبدءوا تدريباتهم إعدادا لقلب نظام الحكم وقتل الرئيس، وسارع أحدهم البقال بقرية سنفا دقهلية بشراء قنبلة يدوية من قروي ساذج اختلسها من تحت سرير أخيه المجند بالقوات المسلحة والذي اختلسها بدوره من وحدته العسكرية ولتبدأ محنة 1965 والتي راح ضحيتها ثلاثة أعدموا شنقا (منهم المظلوم الأستاذ سيد قطب صاحب كتاب في ظلال القرآن) بالإضافة إلى سجن وتعذيب أكثر من ثلاثين ألف مواطن مصري.

وما أن فتح الله أبواب الزنازين وأفرج عن المسجونين المظلومين عام 1975 حتى عاود النظام الخاص (الجهاز السري) نشاطه بنفس الأفكار ونفس الطريقة ليدخلوا الإخوان اليوم في النكبة الرابعة التي لا يعلم أحد متى وكيف تنقضي.

ومن الطبيعي أن تفاجأ جماعة الإخوان المعاصرة بهذا القول وينبري لإنكاره كل جاهل بالتاريخ وكل منتفع بالفوضى والهرج التي أصابت صف الإخوان وأصابت كل الوطن، ولكنني أرى دولتهم الدودية منتهية لا محالة مع أول محراث قادم ليقلب الأرض ويعرضها للشمس والهواء.

وأمام هذه الحقائق التاريخية الدامغة فإننا نستطيع أن نقرر أن الإخوان المسلمين شيء والتنظيم السري شيء آخر يختلف عنها تماما، وأن الإخوان المسلمين جماعة الصالحين قد تأذت كثيرا من فعل هؤلاء وخبصهم ولبصهم على مدار التاريخ وبالجملة فالإخوان والتنظيم السري ضدان لا يلتقيان وعلى كل راغب في العمل الجماعي أن يختار الفريق الذي يعمل معه، إما الإخوان وإما التنظيم السري.

التنظيمات السرية الإخوانية:

تدل وقائع التاريخ أن جماعة الإخوان المسلمين سقطت في شرك العمل السري أربع مرات حتى اليوم، في المرة الأولى تشكل التنظيم السري بقرار من المرشد العام الأستاذ حسن البنا وهو في الخامسة والثلاثين من عمره (1941) ووضع على رأسه الشاب محمود عبد الحليم المهندس الزراعي الإسكندراني ولكنه استقال من المهمة لظروف خاصة لم يوضحها؛
ثم حل محله موظف بوزارة الزراعة يدعى عبد الرحمن السندي وكان المبرر حماية الدعوة من خصومها، وانتهى أمر هذا التنظيم بالتمرد على الجماعة ومقاتلتها والخروج على قواعد الدين والقانون في وقت واحد ثم تسبب في مقتل البنا كبير الإخوان كرد فعل طبيعي لمقتل النقراشي كبير الحكومة وقتها، وانتهى التنظيم بقرارات الفصل التي صدرت من المرشد الجديد حسن الهضيبي.
التنظيم السري الثاني شكله الأستاذ الهضيبي تحت ضغط الشعور بالخطر من جهتين، الأولى بقايا التنظيم السري المنحل والثانية مجلس قيادة الثورة الذي بدأ يطارد الجماعة لوقوع خلافات حادة بينها وبينه، وأوكل التنظيم الجديد إلى نجار يدعى يوسف طلعت، وانتهى التنظيم الثاني بالقبض على معظم أعضائه ثم القبض على المرشد والإخوان وإعدام رئيس التنظيم عام 1954 والأربعة الذين اتهموا بالاشتراك في محاولة قتل عبد الناصر في ميدان المنشية.
التنظيم السري الثالث تشكل في بداية الستينيات بقيادة تاجر حبوب من دمياط يدعى الشيخ عبد الفتاح إسماعيل وهدفه قتل عبد الناصر ومعاونيه وقلب نظام الحكم بالقوة، وانتهى التنظيم بالقبض على أعضائه وإعدام رئيس التنظيم ومعه الشهيد سيد قطب صاحب الظلال، واعتقال كل من باشر عملا تنظيميا إسلاميا وسبق اعتقاله من قبل.
التنظيم السري الرابع تشكل بالسجون على مشارف الخروج منها بعد وفاة عبد الناصر (حوالي عام 1973)، ورئيس التنظيم الرابع هو الحاج الفيزيائي مصطفي مشهور من السعديين شرقية ومساعده الأول الحاج أحمد حسنين من قليوب قليوبية والأعضاء معظمهم ممن بقي من تنظيم الشيخ عبد الفتاح إسماعيل، وقد استكمل قوته فور خروج الإخوان بتجنيد شباب من الجماعات الإسلامية وكنت واحدا من هؤلاء؛
وبعد انكشاف أمره بينما قائده هارب خارج البلاد بعد اغتيال السادات واصل مشهور تجنيد المصريين بدول الخليج والسعودية والطلبة المبعوثين للدراسة بالخارج في أوروبا وأمريكا وعاد من الهروب عام 1986 ليكمل تحقيق أهداف التنظيم.
هدف التنظيم الرابع كان مغايرا للسابقين، فقد كان الهدف هو قلب نظام الحكم في الإخوان أولا ليستولي على مقدرات الجماعة ويتخلص من ازدواجية القيادة ويصبح مطلق اليد في قرار الإخوان، ثم يأتي الهدف وهو استخدام الجماعة لقلب نظام الحكم في مصر وفقا لخطة التمكين المضبوطة في مقر التنظيم الأساسي تحت مسمى شركة سلسبيل.

وفي الفصل الرابع من الكتاب كافة التفاصيل حول التنظيم السري الرابع.

أولا: النظام الخاص (بيضة الشيطان)

كما ورد في كتاب (النقط فوق الحروف ... الإخوان المسلمون والنظام الخاص) للأستاذ أحمد عادل كمال وهو أول وأبرز من كتب عن أعضاء النظام الخاص (التنظيم السري) هناك روايتان لنشأة التنظيم السري الأول في الإخوان، الأولى أنه نشأ من المكلفين بجمع السلاح القديم من الصحراء الغربية وتجديده تمهيدا لإدخاله إلى المجاهدين في فلسطين من أواسط الثلاثينات؛

وبعد انتهاء الحرب احتفظوا ببعض الأسلحة والمتفجرات وأدوات التدريب لأنفسهم، والتفوا حول المرحوم عبد الرحمن السندي، واعتبروا أنفسهم في حالة جهاد ويلزمهم استمرار التدريب والتسلح، ثم نمي الجهاز وتفرع حوالي 1945، والقصة الأخرى أن الإمام حسن البنا هو الذي أنشأة من وراء ظهر الهيئة التأسيسية وكلف بذلك الأستاذ محمود عبد الحليم وهي الرواية التي تصدقها وثائق عديدة.

وأيا كان السبب فالنتيجة واحدة أن جماعة الإخوان في عمومها لم تكن تعرف بأي حال من الأحوال أن ثمة مسلحين سريين يسكنون دارها ويختبئون في ردهاتها، وأصبحت جماعة الإخوان تفاجأ لأكثر من مرة بمن يطعنها في ظهرها بالطعنات الموجعة، واليوم ونحن نعاني الأمرين من بقايا هؤلاء وأفكارهم كان لا بد من إلقاء الضوء على جذور المحنة التي تمر بها جماعة الإخوان اليوم وهي المحنة الرابعة بسبب أفكار الجهاز الخاص قديما وحديثا.

يقول الأخ عادل أحد الكوادر التاريخية للنظام الخاص عن نفسه وبنفسه في كتابه:

(ولدت عام 1926 بحي السيدة زينب بمدينة القاهرة لأبوين من أواسط الطبقة المتوسطة، كان أبي موظفا حكوميا بمصلحة الطرق والكباري، وكنت باكورة إنجابهما.
لم أختلط بأقراني ومن هم في مثل سني، ولكني انطويت في المنزل عاكف على هوايات أستطيع مزاولتها بين الجدران، هويت جمع طوابع البريد وقطع العملة الأجنبية والرسم ولعب الشطرنج مع والدي وأخي الأصغر، وبقيت على هذا حتى أخرجني عن هذه العزلة اتصالي بجماعة الإخوان المسلمين) أ. هـ.
(كان والدي كبير العناية بتعليمي وتعليم إخوتي، ولقد كانت أسرتنا أسرة تهتم بالتعليم، فكان الوالد يقضي معنا ساعات الليل والنهار الواحد تلو الآخر في مذاكرة لدروس مدارسنا، واستمر معي على ذلك حتى نلت الشهادة الثانوية (التوجيهية) عام 1942م ثم دخلت كلية تجارة بجامعة فؤاد الأول فتخرجت فيها عام 1946 في سن العشرين دون أن أفقد عاما واحدا من سني دراستي.
خلال ذلك اتصلت بدعوة الإخوان المسلمين عام 1942م (لاحظ أن سن الانتماء 16 سنة فقط لا غير)، وتخرجت في الكلية عام 1946م، وعملت بالبنك الأهلي المصري بعد تخرجي، ثم قبض علي في 15 نوفمبر 1948م لاتهامي في قضية السيارة الجيب، (لاحظ أن سن الشباب المتهم 22 سنة فقط لا غير)
وبقيت بالسجن إلى مارس 1951م (سنتان وربع وراء القضبان) ... ثم أعيد اعتقالي في سبتمبر 1965م ضمن من شملهم قرار الرئيس جمال عبد الناصر باعتقال كل من سبق اعتقاله!وبقيت بالمعتقل حتى فبراير 1971م بعد مثوله صاغرا بين يدي الديان بنحو من أربعة أشهر (ست سنوات وراء القضبان).
(لاحظ أن العمر الدعوي في هذا التاريخ هو 29 سنة قضى منها الأخ عادل كمال ست سنوات يتعلم، وسنتان متوقف عن العمل الدعوي وعشر سنوات وراء القضبان نتيجة قيامه بعملية واحدة ملخصها نقل كمية أسلحة قديمة بعربة ليس بها بطارية سليمة مما أدى إلى فشل النقلة ومع ذلك يتحدث عنها بفخر وانتشاء شديدين ويحسبها جهاد في سبيل الله)
إن أمر التنظيم الخاص وكل من شارك في نشاطه يحتاج مراجعات تاريخية حتى لا تقع الحركة الإسلامية في شرك الأوهام الجهادية مرة أخرى، ويا ليتنا ندرك أن الجهاد بمعنى الحرب لا يكون أبدا بقرارات فردية ولا يكون من المسلمين في مواجهة المسلمين، وبالمناسبة فهناك ملاحظتان تربويتان هامتان على أبناء الحركة الإسلامية أن يلتفتوا إليهما
وأن الجهة المختصة في ذلك هي القوات المسلحة فقط لا غير ومن أراد أن يكون مجاهدا مقاتلا بقلبه بالتقدم لمؤسسة القوات المسلحة وليس إلى أي جماعة أو فرقة مهما كان اسمها ومهما كانت دعوتها.
الأولى: هناك ضرورة ملحة لإيجاد منهج للدراسات الإسلامية يتلقاه الطالب في المدارس والجامعات حتى لا يقع فريسة لأفكار تحرفه عن الحياة الصحيحة سواء كانت هذه الأفكار علمانية أو حتى إسلامية مجتزئة تهدف لتجنيد الشباب في مثل ما وقع فيه هذا الشاب.
ثانيا: في حالة غياب هذا المنهج وقيام أي جهة خيرية متطوعة بسد هذا الفراغ فعليها أن تتقي الله في المتعلمين وتحذر صبغهم بآرائها الحزبية قبل أن يفهموا أصول الدين التي تمكنهم من اختيار أقوم السبل لممارسة الحياة المستقيمة.

ويواصل الأخ عادل كمال شرح طريقة تجنيده للعمل السري قائلا:

(في يوم من فبراير 1946م دعاني حسين عبد السميع إلى منزله في موعد حدده وأكد علي الميعاد لأن هناك مقابلة هامة ورفض أن يزيد على ذلك حرفا، وفي الموعد وجدت رجلا لم أكن أعرفه في انتظاري عرفني به حسين على أن الأخ أحمد حجازي من الإخوان الموثوق بهم، ثم تركنا حسين وانصرف، وبدأ أحمد حجازي حديثه معي بسؤالي عن رأيي في بعض المواضيع العامة؛
وظل يتدرج بالحديث حتى وصل به إلى موقفنا من الحكومات الضعيفة أمام الاستعمار والوزارات الخائنة، ورغم تعريف حسين وتزكيته للأخ أحمد حجازي فقد كنت حذرا معه في حديثي لأني لم أكن أعرفه من قبل فظل يستفرغ ما في جعبتي وأنا لا أريد أن أنطق إلا بصعوبة حتى اتفقنا في النهاية إلى أن الأخذ بفريضة الجهاد هو الذي يميز الإخوان عن سواهم، بعد ذلك تطرق إلى كيفية هذا الجهاد ووسائله؛
وذهب يسألني إذا كان الواجب يحتم علينا أن نتجهز وأن نتدرب، وأجبت بأن الأمر عسير، فأين نتدرب ومن أين السلاح وكيف يتم هذا في غفلة من عيون الحكومة، قال وقد عيل صبره من مطاولتي "هذا أمر قد فرغنا منه" بهذه الإجابة الحاسمة انفتح له قلبي فوافقته، وانصرف أحمد حجازي بعد أن بايعته على السمع والطاعة والكتمان) أ. هـ

وهنا ملاحظتان هامتان:

الأولى هي أن الشاب الفريسة كان كل ما يشغله هو حسب نصوصه (كيف يتم هذا في غفلة من عيون الحكومة) ولم يسأل عن حكم الله في قضية العمل المسلح، وهذا يدل على ثغرة في التربية الدينية ولو تعلم دينيا بطريقة صحيحة لكان أول ما يسأل عنه هو (ما حكم الله فيما تدعونني إليه؟).
والثانية تتعلق برد الأمير حيث قال في ضجر (هذا أمر قد فرغنا منه) فلا شرح ولا تنوير ولكن تخويف وتغرير وهو ما بان عند تنفيذ العمليات ومنها استخدام سيارة بطاريتها فارغة في عملية كانت لا بد أن تفشل.
واليوم يقود التنظيم السري بنفس الطريقة ويقولون للطلبة والشباب في الإخوان لا تفكر فالجماعة تفكر لك، والإخوان أعدوا للأمر عدته، وتأتي أوامر وتوزع على الناس وريقات ويقال الإخوان بعتوا والإخوان أمروا ... ولكن أي إخوان؟ من بالتحديد؟ وما وظيفته؟ الله أعلم!!

ويمكن أن تلاحظ عدة سمات بارزة في شخصية الأخ الفريسة منها:

  1. العزلة عن المجتمع المحيط به، وهو ما يترتب عليه تلقائيا الجهل بأحواله وحقيقته وكذلك سهولة تجنيده وملء عقله بأي أفكار عن المجتمع من قبل أي جهة ترغب ذلك، وإسلاميا فالسنة النبوية الكريمة فضلت من يخالط الناس ويصبر على أذاهم على من يعتزل الناس ولا يصبر على أذاهم.
  2. كان من السهل على من لا صلة له بالناس المواطنين أن يجند لارتكاب مخالفات ضدهم تصل إلى حد قتلهم.
  3. حتى جماعة الإخوان المسلمين التي يقول أنه أوى إليها فقد عزله الجهاز الخاص عن مخالطتها مخالطة طبيعية ولم يكن السريون يحضرون دروس الإخوان ولا يلتقون بحسن البنا ولا يستفيدون بعلمه وروحانيته لذلك نالت الجماعة منهم الأمرين، وكون مع آخرين على شاكلته وطباعه مجموعة خاصة داخل جماعة الإخوان الكبيرة مثلت على مدار التاريخ أكبر مصادر الضرر التي أصابتها وبلغ الأمر إلى درجة مقاتلتهم للإخوان بالأسلحة النارية.

ويلاحظ كذلك أنه لم يحدثنا عن أي اهتمام لأسرته بالدين وعلومه، ولم يحدثنا عن موقف الأسرة من انضمامه للجهاز الخاص، هل وافقت أم رفضت، أم كان الأمر من ورائها؟ وكيف تناسى حض الإسلام على طاعة الوالدين والبر بهما؟ وما موقفهما عندما علما أن ولدهما محبوس بتهمة ارتكاب عمل جنائي؟ وهل يجوز اختطاف الأبناء من أسرهم دون علم الأبوين وتجنيدهم في عمل كهذا؟

ثم يواصل الأخ عادل كمال حديثه المحزن طريقة مبايعة أمير النظام الخاص فيقول:

(وفي الفترة التي قضيناها مع أحمد حجازي أيضا أدينا البيعة الواجبة على إخوان النظام الخاص، فحدد لنا أحمد موعدا لقيناه فيه بمسجد قيسون بالحلمية الجديدة في صلاة العشاء، وبعد الصلاة انصرف أحمد ونحن نتبعه عن كثب في خطوات سريعة، وظل يسير في الطرقات الملتوية بالحلمية والصليبة حتى طرق بابا ضخما من الخشب لمنزل كبير قديم، وفتح لنا فدخلنا وصعدنا على سلم مظلم إلى غرفة كان بها مكتب من الخشب القديم قرضت قوائمه فهو أشبه بالطبلية على الأرض .. (كأنك في فيلم دراكولا أمير الظلام).

كانت الغرفة مضاءة إضاءة قوية، وتركنا بها أحمد وقام إلى غرفة مجاورة ثم عاد ومعه عبد الرحمن السندي فعرفنا به على أنه رقم (1) في هذا التنظيم وبعد أن حدثنا عن النظام وأهدافه واستوثق من استعدادنا استدعاني عبد الرحمن وحدي فقمت معه، وإذ بدأت أخطو إلى الغرفة المجاورة وقد أمسك بيدي فوجئت بها في ظلام دامس وقد فاح في أرجائها روائح البخور والعطور الشرقية ثم أجلسني على الأرض.

وجاء صوت الرجل الجالس في الظلام لا أتبين منه شيئا، يذكرني بمبادئ الدعوة التي جندنا أنفسنا لنصرتها وإلى أن الجهاد من أركانها وهو سبيلها، وإلى أني بأداء هذه البيعة أضع نفسي تحت تصرف القيادة سامعا مطيعا لأوامرها في العسر واليسر والمنشط والمكره معاهدا على الكتمان وعلى بذل الدم والمال، وقد ذكر ثقة القيادة فينا ومع ذلك أشار إلى أن خيانة أو إفشاء سر سوف يؤدي إلى إخلاء سبيل الجماعة ممن يخونها.

وبايعت على ذلك وقد مددت يدي فوضعتها على مصحف ومسدس وقد وضع يده فوق يدي ولئن لم نر شخص الرجل فلقد كان واضحا من صوته أنه الأستاذ صالح العشماوي، ثم قام عبد الرحمن وأخذ بيدي في الظلام الذي ما زلت لا أتبين خلاله شيئا فخطونا نحو باب الغرفة إلى الغرفة الأولى شديدة الاستضاءة، فجلست بها لا أكاد أرى شيئا من شدة الضوء لفترة في حين أخذ عبد الرحمن أخانا عبد المجيد فأدى بيعة مماثلة ثم عاد به وأخذ طاهر فبايع أيضا ثم عاد.
في تلك الليلة أيضا أعطانا أحمد أرقامنا السرية التي كان علينا أن نتعامل بها بدلا من أسمائنا فكان رقمي (16)، ورقم عبد المجيد (17) ورقم طاهر (18)، وانصرفنا إلى بيوتنا وسعادتنا لا تعدلها في الدنيا سعادة) أ هـ.

وأنا أسأل القارئ مهما كانت ثقافته الدينية أو العسكرية:

هل هناك أي صلة بين هذه التصرفات وبين دين الله كتابا أو سنة، وهل في القرآن أو السنة أن المجاهدين تبايعوا على الموت في حجرة مظلمة أو في جو مرعب ومخيف على هذا النحو؟ والأغرب من ذلك أن الذين مارسوا هذا الانحراف الديني والإنساني يحسبوه علينا جهادا في سبيل الله ويطالبون مقابلة بالسيادة على إخوانهم وتقديم فروض الولاء لهم بوصفهم قادة مسئولين؟

ويواصل الأخ عادل كمال حديثه عن ارتكاب النظام الخاص جريمة التجسس على المسلمين مسميا ذلك مخابرات الإخوان، مع أن الآية صريحة في تحريم التجسس ووردت بصيغة النهي (والنهي عند علماء الأصول وعلماء الفقه يدل على التحريم) في قوله تعالى في سورة الحجرات آية 12 (.... ولا تجسسوا ...)

فيقول سيادته:

(وكان يتبع النظام الخاص قسم للمخابرات يبدو أنه أنشئ مبكرا، فأدخل بعض إخوان النظام في الأحزاب والهيئات الأخرى بمصر حتى نكون يقظين لما يجري على الصعيد السياسي في مصر، وكان من الأمثلة الناجحة في هذا الشأن الأخ أسعد السيد أحمد الذي انضم إلى حزب مصر الفتاة حتى وصل إلى الحرس الحديدي الذي أنشأه لحمايته زعيم الحزب الأستاذ أحمد حسين، ذلك الحرس كان مكونا من ستة أفراد، وأصاب الملل أسعد من تلك المهمة لأنها كانت تحرمه من التردد على دور الإخوان حتى لا ينكشف أمره؛
فذهب يعرض على الزعيم أن يندس في صفوف الإخوان ليأتيه بأخبارهم، وأعجب الزعيم جدا بالفكرة فرد موسى إلى أمه، انكشف أمر أسعد بعد ذلك في قضية السيارة الجيب، وتطوع الأستاذ أحمد حسين كمحام للدفاع عنه، وكان أهم ما عني به أن يتبين أمرا ... هل كان أسعد من الإخوان واندس على مصر الفتاة، أم كان من مصر الفتاة واندس على الإخوان فقبض عليه معهم؟).

ومما لا شك فيه أن هذا يدل على مدى توتر العلاقة بين الإخوان ومصر الفتاة وهنا سؤال: ألم يكن الأولى والأعقل هو الحوار بين الفرقاء وإزالة أسباب التوتر؟ أم لم يكن بين الفريقين رجل رشيد يقوم بالدور المتوافق مع تعاليم الإسلام وهديه؟ إن الدعاة إلى الله إذا انزلقوا بدعوتهم إلى هذه المخاطر والأخطاء فسوف ينتهون حتما إلى فشل ذريع، إن الله طيب ولا يقبل إلا ما كان طيبا، ولقد انزلق هذا الفريق إلى التجسس على الإخوان أنفسهم واستحلوا ذلك وما يزالون حتى يومنا هذا كما بينت في الفصل الثاني.

ويتحدث عن قضية السيارة الجيب التي كانت السبب المباشر في صدور قرار بحل الجماعة وتبع ذلك قيام الجهاز باغتيال رئيس وزراء مصر فقامت الحكومة باغتيال حسن البنا نفسه.

يقول الأخ عادل كمال:

عهدة المدرسة:

ذكرنا أن مجموعات النظام الخاص كانت تتلقى دروسا في بيوت أعضائها عن مختلف أنواع الأسلحة ولا سيما المسدسات والقنابل اليدوية والمتفجرات والقنابل والتوصيلات الكهربائية لتفجير الشحنات الناسفة، كذلك كانت هناك رسائل ومطبوعات خاصة بتلك الدراسات.
هذا فضلا عن التقارير التي كانت يحررها إخوان النظام دراسة لهدف من الأهداف أو عملية من العمليات أو لمجرد التدريب على تلك الدراسات وأوراق الإجابة لامتحانات مراحل النظام، تلك الأوراق التي صدرت أخيرا أوامر عبد الرحمن إلى مسئول النظام عن منطقة القاهرة بإعدامها.
هذه الأوراق وعديد من الأسلحة التي ذكرناها كانت في حاجة إلى مكان لتحفظ فيه، وكنا قد استأجرنا شقة بحي الدمرداش وضعت هذه الحاجيات التي يمكن أن نطلق عليها أدوات أو عهدة المدرسة التي كان يتعلم عليها إخوان النظام بالقاهرة في إحدى حجراتها بينما شغل اثنان من الإخوان الطلاب حجرتين أخرتين.
ورئي التخلص من هذه الشقة، وكان أحد إخواننا عادل النهري طالبا بإعدادي الطب ويسكن العباسية، كانت له حجرة خاصة ينزل إليها من حديقة منزله بعدة درجات وكانت أسرته تسكن فوق تلك الحجرات، وقد استضاف الأخ عادل تلك العهدة مدة طويلة في حجرته تلك فكانت تملؤها، وانتهى العام الدراسي وكان من متقضى دراسته أن يتمها في كلية الطب بجامعة فاروق الأول بالإسكندرية لضيق الأماكن بالقاهرة.
وقد شرح لنا عادل ذلك قبلها بوقت كاف، وأبلغت بدوري المسئول فوقي رحمه الله فوعد بإعادة البحث عن شقة، ومرت الأيام وعاد أخونا ينبهنا إلى اقتراب موعد سفره وتكرر الوعد بأخذ وديعتنا من عنده، وظل الأخ يذكرنا حتى اليوم السابق لسفره فأرسلته مباشرة إلى المسئول فوقي ليتفاهم معه؛
ولم يعد لي في ذلك اليوم حتى ظننت أن الأمر قد قضي، ولكن في اليوم التالي وأنا أغادر بيتي صباحا في طريقي إلى عملي حضر لي طاهر عماد الدين وسلمني رسالة من المسئول بنقل تلك الحاجيات اليوم بأي طريقة، وأنه قد اتفق مع إبراهيم محمود ليأخذها في مسكنه؛
وأنه لذلك سيكن في انتظارنا في محله (محل ترزي) بالعباسية طوال اليوم، وعرض على أن يقدم جهده وخدماته، فاتفقت معه على موعد معين في العباسية، وانصرفت إلى عملي وأنا حائر .. كيف أنقل تلك الحمولة؟ وقلت في نفسي لعل المسئول قد اتفق مع أخينا إبراهيم على شيء في هذا الشأن، كنت أخرج من عملي الساعة الواحدة لأعود إليه في الرابعة، كان ذلك يوم الإثنين 15/ 11/ 1948م وكنت صائما.
وغادرت عملي إلى محل إبراهيم محمود فلم أجده وأفادني شريكه أنه نزل إلى البلد لشراء حاجيات للمحل، وقلت في نفسي لعل إبراهيم يعمي على شريكه ولعله أن يكون منتظرنا في مسكنه القريب، غير أني لم أجده به؛
وانصرفت أضرب أخماسا في أسداس، وأنا في تلك الحيرة صادفت مصطفى كمال وكان من إخوان النظام وفي عهدته سيارة جيب مملوكة للنظام كانت مشتراة حديثا من مخلفات الجيش الإنجليزي ولم تكن لها أرقام، وناقشته في المشكلة فوافق على استخدام السيارة في النقل وعرض أن يأخذ العهدة في بيته حتى نجد لها مكانا، وهكذا تراءى لي أن المشكلة قد حلت فجأة.
ومررنا في طريقنا بطاهر حيث كان ينتظرنا، ثم إلى بيت أخينا طالب الطب عادل النهري فحملنا ما كان لديه على العربة وكانت حمولة فوق طاقتها، غير أنه تبين لي أن بطارية العربة ضعيفة وأنها تتوقف أثناء دورانها، ورغم أني أوجست من ذلك خيفة إلا أنه لم يكن أمامي خيار آخر، وفي عودتنا إلى بيت مصطفى قابلنا إبراهيم مصادفة فانصرفنا جميعا إلى بيته حيث أفرغنا حمولتنا.

سقوط السيارة:

كان إبراهيم يسكن في بيت رجل يريد أن يحمله على إخلاء مسكنه لتشغله ابنته التي على وشك الزواج من مخبر في البوليس السياسي! ولم نكن نعرف ذلك، وحضر ذلك المخبر حال تفريغنا الحمولة ورآها، فارتاب في محتوياتها، ولم يخف علينا جميعا ما وراء ذلك، فانتهزت فرصة اختفاء الرجل عن أعيننا واستنتجت أنه ذهب لإبلاغ رؤسائه بما رأى.
وأعدت كل الحمولة إلى العربة لننطلق بها، وقد تم لنا ذلك عاد الرجل، ووجدنا صعوبة في إدارة محرك السيارة بسبب ضعف البطارية، وبدا الموقف حرجا إلى الغاية، وراح المخبر يصرخ فجري سائقنا، وبذلك صار الموقف ميئوسا منه فتركنا كل شيء وانطلقنا نبتعد والمخبر والناس من خلفنا، حتى قبض على طاهر وعلى، أما مصطفى فقد استطاع الفرار، وعاد إبراهيم إلى محله حتى قبض عليه ليلا (أ. هـ).

سقوط حظ:

كنت ومصطفي مشهور وطاهر وإبراهيم نرتدي بدون أي اتفاق بنطلونا من الفانلة الرصاصي وبلوفر مصادفة عجيبة، فلما فر مصطفى تناقل الناس أن شخصا يرتدي بنطلونا وفانلة وبلوفر قد فر وهنا مر من المنطقة مصطفي مشهور أحد المسئولين الخمسة عن النظام يحمل حقيبة جلدية بها مجموعة خطيرة من أوراق النظام؛
كان يرتدي بنطلونا وفانلة وبلوفر، وتصايح به الناس أنه هو الهارب المطلوب وقبضوا عليه وشهد الشهود الذي استحضرهم البوليس أنه كان معنا في السيارة!! وأنكرنا جميعا أننا كنا بها، كما أنكر كل منا معرفته بالآخرين وقد أدهشني وجود مصطفي مشهور مقبوضا عليه معنا) أ. هـ.

(وليحكم القارئ بنفسه على الأداء الطفولي الذي يفخر به حتى اليوم أعضاء النظام الخاص، وليحكم العسكريون المحترفون على يزاد ما يسمى عند هؤلاء بطولات وما تزال تروي في تاريخ الجماعة حتى اليوم ليقتدي بها آلاف المخدوعين).

لاحظ عزيزي القارئ عدد المخالفات الإدارية والتكتيكية في العملية:

  1. المسئول عن الأسلحة والمفرقعات والمستندات كان لا يعبأ بالموضوع لأنه ليس في بيته ولا في حوزته وتراخي كثيرا في نقل الأسلحة حتى اليوم الأخير قبل سفر من يتحمل المسئولية عنها.
  2. الطالب عادل النهري الذي كان في أقصى درجات الهلع بسبب قيامه بهذا التخزين من وراء أسرته وبدون علمها والأسرة سوف تقدم حتما بتنظيف الحجرة بعد سفره وتكتشف هذه المصيبة في بيتها.
  3. إبراهيم محمد الذي قبل أن يتسلم العهدة في لحظة حرج من إخوانه هرب من مكان انتظارهم (محل الترزي) وبذلك أنقذ من تسلم هذه التهمة وتخزينها في بيته والدليل على هروبه أنه كان يراقبهم من على بعد فلما تأكد أنهم وجدوا مكانا آخر أظهر نفسه لهم قبل المواقع ليشارك شكليا في العملية.
  4. بدون ترتيبات استخدام الجناة سيارة جيب بدون أرقام مملوكة للجهاز الخاص ويقودها مصطفى كمال.
  5. إبراهيم محمود يسكن في بيت أحد سكانه (مخبر سري) وبينه وبين أسرة المخبر (حماة) خصومة وصراع .. ومع ذلك توجهوا للمكان بكل هذه الأسلحة والذخائر والمعدات؟!
  6. الحمولة كانت فوق طاقة السيارة وزيادة على أربع ركاب والسيارة عطلانة لعطل البطارية.
  7. مصطفى كمال سائق السيارة يهرب فور اكتشافهم لأن السيارة أصلا ليست باسمه وهروبه يخل مسئوليته تماما ولسان حاله يقول (ليذهب الباقون للجحيم).
  8. في لحظة الانكشاف أطلقه الجناة الصغار جميعا أقدامهم للريح وفروا هاربين في عملية الانسحاب غير منظم تماما وقد أرى بهم الأهالي فطاردوهم وكأنهم يقولون (إمسك حرامي) فقبض على اثنان بواسطة الأهالي وليس بواسطة الشرطة، وواحد فقط ليدل على الباقين، بقي فيه واحد فوق البيعة.
  9. مصطفي مشهور لم يلاحظ كل هذا الهرج والمرج في الموقع وقدم هدية جديدة للشرطة وهي كافة مستندات الجهاز الخاص الذي يرأسه مع أربعة آخرين، والنتيجة أن كل ممتلكات الجهاز الخاص سلمت في نصف ساعة لأجهزة الأمن بواسطة قادته ومساعدة المواطنين المصريين وفقط واحد مخبري سري لا غير والحصيلة السيارة جيب المملوكة للجهاز والأسلحة والذخائر وكافة المستندات وثلاثة قادة مصطفي مشهور، عادل كمال، وطاهر عماد الدين.
  10. المستندات واعترافات الثلاثة قدمت الشبكة كلها للمحاكمة، في أقل من أسبوع ... ودقي يا مزيكة للجهاز الخاص العظيم الأداء المتخصص في التربية والمحرر للوطن والمحارب للأعداء في البر والبحر والجو.
  11. وتدل القصة من أولها إلى آخرها أن الجهاز كان مجموعة أشبال يلعبون بالنار، وكان أول من أحرقته النار جماعة الإخوان نفسها ومرشدها الذي اغتيل بجريرتهم.
  12. كما يهمنا لفت الأنظار لاسمين هامين كانا في القضية الكارثة تلك وهما المرحوم مصطفي مشهور والمرحوم أحمد حسنين، ومع احترامنا لهما فقد كانا بذاتهما وراء قضية التنظيم السري الخاص الجديد الذي أدخل الجماعة محنتها الرابعة التي نعاني منها اليوم ونحاول معالجة آثارها وكانا مسئولان عن تسليم حقيبة معلومات أكبر وأشمل من حقبة الأربعينات لمباحث أمن الدولة في القضية المشهورة بقضية سلسبيل حيث أشرفا على ترتيبات جمع المعلومات عن إخوان مصر لتستخدم في قلب الحكم في الإخوان ولكن للأسف الشديد لم يتوخيا الحيطة والحذر كما كانوا في شبابهم بالضبط واستولت أجهزة الأمن على الجهد كله في ساعة من الزمن.

ويتحدث الأخ عادل كمال عن ليلة تشييع الشهيد حسن البنا بكل رومانسية ودونما أي شعور بأن النظام الخاص كان السبب المباشر لوقوع القتل فيقول:

الجنازة:

واتصل البوليس السياسي بالشيخ أحمد عبد الرحمن البنا والد الإمام الشهيد في بيته ليخبروه الخبر ويخبروه بين أمرين أن يحضروا جثمان ابنه إلى بيته بدفنه دون أي احتفال أو جنازة أو يقوموا هم بدفنه بمعرفتهم دون أن يراه
وفي ثبات وصبر وإيمان اختار الشيخ الأمر الأول، وتحت جنح الظلام في جوف الليل حملوا جريمتهم وجريمة عهدهم بل جريمة عصرهم إلى ذلك المنزل المتواضع بالحلمية الجديدة، ولم يغفلوا عن حصار البيت، فلا أحد يدخل ولا أحد يخرج.
ورفضوا استدعاء الحانوتي للقيام بما يلزم فقام الشيخ بنفسه وبدون معاونة من أحد بتغسيل ولده الشهيد إمام الهدى في عصره الذي لم يجاوز الثالثة والأربعين من عمره غسله وكفنه، وأحضروا له نعشا فوضعه فيه، ثم طلب إلى رجال البوليس حمل الجنازة فقالوا تحمله النساء!
وكان الرجل شيخا كبيرا وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا، فعاونه في حمله نساء بيته المؤمنات الصابرات إلى مسجد قيسون للصلاة عليه هي مسافة مجهدة، وكان البوليس ينتشر في المنطقة وقد أمر بإغلاق النوافذ والأبواب حتى لا يرى أحد هذه الجنازة التي لم يذكر التاريخ قديمة ووسيطة وحديثه مثيلا لها ..
لا في الشرق ولا في الغرب ولا في أي مكان أو زمان، لم يسمح لأحد أن يرفع إصبعه بالشهادة، ومن فعل اعتقل، واستطاع أفراد قلائل من الإخوان الوصول إلى المكان فاعتقلوا، مثل محمد الغزالي الجبيلي وإبراهيم صلاح ومحمود يونس رحمه الله.
لاحظ أن إبراهيم صلاح الشجاع الوفي كلفه الأستاذ عمر بالقيام بمهمة الاتصال الخارجي باسم الإخوان في الثمانينات ولكن الجهاز السري اعترض وعين ممثل آخر تابع لهم هو يوسف ندا.
وتم الدفن في مقابر الأسرة بالإمامين وهناك في قصر النقراشي بمصر الجديدة كانت زوجته تمنح هداياها إلى المخبرين اللذين أطلقا الرصاص على الإمام الشهيد خمسين جنيها وبدلة من حلل زوجها المتوفى التي لم تعد لها قيمة لكل منهما، يذكرنا هذا ما جاء في إنجيل متى: "أن يهوذا باع المسيح إلى الرومان ليقتلوه بثلاثين مثقالا من الفضة" أ. هـ.

وأقول من جانبي في هذا عبر ودروس كثيرة منها:

أن الجماعة التي تفاخرت بقوتها وشعبيتها طيلة العشرين سنة الأولى من حياتها قد انتهت إلى الصفر يوم استشهاد البنا حتى أنها لم تستطع دفن مرشدها ولا عمل جنازة لوداعه.

وهناك ملاحظتان هامتان:

  1. لو بحثنا عن السبب المباشر لوجدناه الجهاز الخاص السري الذي ارتكب من الحماقات ما يهدم عشر جماعات كالإخوان المسلمين، فهل نسلم قيادتنا مرة أخرى لمن انتمى لهؤلاء الذين بغوا علينا قبل بغيهم على غيرنا؟!
  2. الأخ عادل كمال يستكثر على زوجة النقراشي أنها فرحت لمقتل الإمام الشهيد!!
هل من الإنسانية يا سادة يا محترمين يا سدنة النظام الخاص السري أن تقتلوا زوجها وتنتظرون أن ترسل لكم الورود والتحيات والتشكرات، أم أن فعلها كان من باب الوفاء لزوجها؟!
إن قتل النقراشي كان جريمة كاملة الأركان وفاعليها هم النظام الخاص الذي خالف أمر الجماعة كعادته، وحسب قانون الفوضى والثأر توجه الانتقام إلى كبير عائلة الإخوان تلقائيا وقتله.
والأولى أن تلوموا أنفسكم يا سدنة السريين والسرية يا من أجرمتم في حق الإخوان والإسلام والعدالة والمشروعية بدلا من توجيه النقد لأرملة النقراشي.
وباستشهاد الإمام الشهيد حسن البنا يكون الجهاز الخاص قد سدد لجماعة الإخوان طعنته الأولى القاتلة وعلق في رقبة الجماعة ظلما وعدوانا دمه بريئا لم ترتكبه؛
وها نحن نستعيد التاريخ لنأخذ العبرة والعظة التي تقضي بضرورة إبعاد المنتمين لهذا الفكر عن طريق الدعوة ونذكر بمقولة البنا (هؤلاء ليسوا أخونا وليسوا مسلمين) زجرا لهم وتحذيرا من خطرهم والبنا في ذلك لا يكفرهم أو يخرجهم من الملة ولكنه يقتدي بالرسول عندما قال في أكثر من حديث: ليس منا من فعل كذا وكذا ... بمعنى أن من يرتكب هذه المخالفات فليس على هدينا وطريقتنا.

ثانيا: التنظيم السري والهضيبي:(هل يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين؟!)

أدى استشهاد المؤسس الشاب حسن البنا رحمة الله عليه في 12 فبراير 1949 إلى تصدع بناء الإخوان ومرت بهم أيام عصيبة، الخوف يملأ القلوب والملاحقات الأمنية بالليل والنهار، وقضى الإخوان في هذه الحال قرابة الثلاث أعوام بدون مرشد حتى استمتعوا لأول خطاب لمرشدهم الجديد المستشار حسن الهضيبي في 23 أكتوبر 1951؛

وتجمع الروايات أن الذين رشحوه كانوا يعتبرونه مرحلة مؤقتة ووسيلة عبور من أزمة حيث لم تفلح كل الجهود لكي يتفق الفرقاء على مرشد من بين مكتب الإرشاد القديم أو ما عرف بالهيئة التأسيسية.هنا عدة ملامح تاريخية مهمة وفوائد تربوية لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا.

الملمح الأول يوضح أن مزاعم التربية في الأربعينات لم تكن بالدرجة التي أشاعوها عن أنفسهم ولو تلقى الإخوان بالفعل حظا معقولا من التربية والتعليم لاستطاعوا بسهولة ويسر أن يتفقوا على واحد منهم ليقود المسيرة ولكن عز على القوم أن يتفقوا، وللمرة الثانية تتأكد نظرة حسن البنا النهائية بان إخوان المرحلة الأولى كان يلزمهم العودة إلى أيام المأثورات.

الملمح الثاني أن تولية المستشار الهضيبي المسئولية كان عملية تنطوي على غرر واضح حيث كان اختياره كما اتضح من الشواهد التاريخية ليكون مرشد صورة وليس حقيقة وتصوروا أن هذا يمكن أن يكن مقبولا منه.

الملمح الثالث أن هذا يدل على أنهم لم يدرسوا شخصيته بعناية كافية فقد بدا الرجل محتفظا بكرامته ومصرا على الإمساك بكل خيوط الجماعة التي تحمل مسئوليتها، ولا يستطيع أحد أن يلومه على ذلك.

ولكن كيف كان موقف النظام الخاص وهو موضوعنا الأصيل في هذا المؤلف؟!

يواصل الأستاذ أحمد عادل كمال توضيح طبيعة العلاقة بين الجهاز الخاص والمرشد الجديد فيقول:

(جاء الرجل جديدا على جماعة لا يعرف أفرادها من قبل ولا يعرفوه، ولنضع النقط فوق الحروف لقد سار في عهده الأول معتمدا على فريق معين من الإخوان دون الآخرين، هو الفريق الذي رشحه ليكون مرشدا، ورغم محاولات الآخرين أن يشعروا بأبوته لم يشعروا، وهنا تختلف الآراء، يقول الأولون إن الآخرين لم يكونوا متعاونين معه، ويقول الآخرون إنه كان يحابي ذلك الفريق) أ. هـ.

وعلى هذا التصور لم يكتف السريون بالتسبب في قتل المرشد الأول وواصلوا غير عابثين عرقلة مسيرة المرشد الثاني.

ويواصل أحمد عادل كمال حديثه المأساوي حول إصرارهم العمل منفصلين عن قيادة الجماعة فيقول:

(وما إن صدرت الأحكام في قضية السيارة الجيب وأفرج عن عدد منا يوم صدور الحكم وكنت منهم حتى بدأنا نتفاهم حول تجميع النظام، وفي حديث بيني وبين أحمد زكي وكان أكبرنا وضعا في النظام وأكثرنا تصورا للأمور قال إن الأمر أصعب من هذه البساطة الظاهرة بكثير، وكان صادقا صائبا، وفي زيارة لعبد الرحمن السندي حيث كان ما زال محبوسا بمستشفى قصر العيني وجدته أكثر حماسا من أحمد زكي في ضرورة المبادرة بإعادة تشكيل النظام الخاص وكان يشكو بمرارة من عدم حماس من يتعاونون معه وعدم مقدرتهم على القيام بهذا الأمر.
وبدأنا اتصالاتنا لتنفيذ ما رأينا أنه لا بد من تنفيذه فكانت اجتماعات، كان أكثرها بمنزل جمال فوزي بحي الروضة أو بعيادة الدكتور أحمد الملط (خالفهم وتركهم في مرحلة لاحقة) وكان يشهد هذه الاجتماعات معنا المهندس حلمي عبد المجيد وإسماعيل عبيد ومحمد شديد وسيد أبو سالم وكان يرأسنا أحمد زكي ...
لم تكن اجتماعاتنا قاصرة على بحث ما يخص النظام الخاص بل تناولت كل ما كان يهم الجماعة في تلك المرحلة، تناولنا فيها مواضيع القضايا والمسجونين ودار المركز العام ومظاهرة البرلمان ودبرناها بالاتفاق مع الأستاذ صالح العشماوي) أ. هـ.

ولعله واضح في هذا المقطع أن النظام الخاص القديم والجديد شيء واحد، الأصل فيه العمل من وراء القيادة المعروفة للكافة وبدون تنسيق ولا تواصل معها، والسمة المسيطرة على أعضائه هو أنهم الأفهم والأقدر وما عداهم مجرد صور لا حياة فيها ولا فهم لها، إنها نظرية شعب الله المختار العنصرية الممقوتة مهما كان مسمى صاحبها.

وفي المقطع التالي من الكتاب سترى كيف رفض الجهاز الخاص من القدم الاحتكام للدين صراحة أو الالتزام بالفقه والشريعة واتخذ إلهه هواه.

يقول الأخ عادل كمال:

(كان هناك اعتراض على إعادة تكوين النظام الخاص، قالت مجموعة: إننا فكر عقيدة والعقيدة تنتشر بالدعوة وإبلاغ الناس وتبصيرهم بها وإفهامهم أصولها ومقاصدها، ولا يمكن أن تنتشر بالقوة والانقلاب، هذه واحدة، والثانية أن دعوى الجهاد في سبيل الله لا تكون إلا بتعيين الإمام يعني في حالة قيام الدولة المسلمة، فالدولة هي التي تكلف الأفراد بأعباء الجهاد، والإمام رئيس هذه الدولة هو الذي يعلن الجهاد، أما حيث لا يكون لنا دولة فإنه لا يحق لأي إنسان أن يعتبر نفسه مسئولا عن الجهاد واستعمال السلاح.
وقادهم هذا إلى إثارة مسألة هل نحن الجماعة المسلمة بمعناها الشرعي؟ أو نحن جمعية من المسلمين؟ وانتهوا إلى أننا جماعة من المسلمين ولسنا الجماعة المسلمة وعليه فلا يحق لنا أن نعلن جهادا ولا أن نقاتل أو نقتل باسم الإسلام أحدا وإلا كان خائنا سفاحا.
كما أثار بعضهم وليس كلهم اعتراضا آخر بأن بأن قادة النظام قد تنكبوا الطريق حين جعلوا من تعليماتهم لإخوان النظام أن يكذبوا إذا لزم الأمر، فيزعمون أنهم ليسوا من الإخوان وأنهم لا يعرفون ما يسألون عنه في حين أنهم يعرفون، وليس الكذب من الإسلام ولا التقية من مذهب أهل السنة، كانت دعوتهم أننا في حاجة إلى دراسة الإسلام والاستزادة منها؛
فئة أخرى من إخوان المحيط العام (لاحظ أنهم اعتبروا أنفسهم القلب واللب وغيرهم القشرة والمحيط العام) اعترضوا على تشكيل النظام بدعوى أن في قيامه ازدواجا في الجماعة، وزعموا أن الأخ يتمزق بين تعليمات المحيط العام للجماعة وتعليمات النظام الخاص؛
كان أبرز هؤلاء وعلى رأسهم الدكتور (أحمد الملط) رئيس مكتب إداري القاهرة، بما في ذلك النظام الخاص، هذا أو لا يكون نظام خاص، وأبى في إصرار عنيد أنه من الناحية التنظيمية يمكن أن يكون رئيسا لتشكيل عام وأن يكون سواه مسئولا عن تنظيم خاص وأن يقوم بينهما نوع يتفق عليه من التعاون؛
خصصت الدكتور بالذكر لأنه كان أكثر هؤلاء إصرارا وجهرا في مقاومة النظام الخاص، واتجه إلى أن يفرض رأيه بأن يجعل من هذا الموضوع الخاص بتنظيم سري مشكلة تناقش بصورة علنية في كل مكان) أ. هـ.

وهنا أقول:

ما أشبه اليوم بالبارحة، فما فعله الدكتور أحمد الملط سابقا، هو نفس ما أفعله اليوم ولكن بعد طول النصح الداخلي ومحاولة إرجاع السريين بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن كما يقال في الأمثال (الطبع غلاب، ويموت الزمار وصوابعه بتلعب، والمتربي في السرية ينام بالنظارة البنية).

ويواصل حديثه حول خلاف النظام الخاص مع جماعة الإخوان والمرشد العام الهضيبي فيقول:

(لم يكن هناك وفاق بين الأستاذ الهضيبي مرشد الجماعة وبين عبد الرحمن السندي المسئول الأول عن النظام، وكان عبد الرحمن يرى أن تصرفات الأستاذ المرشد لا تتفق مع تصريحاته في اجتماعاته معنا، وعلى ذلك فقد حدث بين الرجلين مناقشات واحتكاكات؛
واستمر الحال على ذلك فترة قام بعدها بعض الوسطاء بالإصلاح بين الرجلين فعاد عبد الرحمن السندي إلى وضعه الأول، ولكن عادت المتاعب مرة أخرى، وفي الواقع أن أسباب المتاعب كانت ترجع كلها إلى نشاط العناصر المناوئة للنظام داخل الجماعة في معاداته).

الفتنة الكبرى:

كان هذا يحدث داخل الجماعة، وفي 15/ 11/ 1953م دعا جمال عبد الناصر مكتب الإرشاد العام على العشاء في بيته، لم تكن العلاقات بين الإخوان وبين الثورة على ما يرام، وبلغنا أنه في تلك المأدبة جرى حديث عن النظام الخاص؛
وقال جمال إنه يتكلم بصراحة وانفتاح وأن هذا النظام هو دليل سوء نية الإخوان تجاه الثورة وقال إنه كان يفهم وجوده أيام الملك قبل الثورة، أما الآن فلم يعد لاستمرار وجوده سوى معنى واحد هو أن الإخوان ينوون السوء بحكومة الثورة، وبلغنا أنه كان هناك وعد من الطرف الآخر بتصفية هذه المشكلة(!)
ويبدو أن ذلك الوعد كان مؤقتا إلى أجل محدد، كذلك كان لجهود إخوان الاتجاهات الأخرى أثرها في ذلك القرار، أولئك الذين ما فتئوا يوغرون صدر الأستاذ المرشد على عبد الرحمن السندي بالذات.
وفي 23/ 11/ 1953م طلعت جميع صحف الصباح بهذا الخبر المثير دون مقدمات معقولة تدعو إليه .. وتنقل الخبر عن جريدة الأهرام.
  1. فصل أربعة من أعضاء الإخوان المسلمين.
  2. اجتماع هام لمكتب الإرشاد إلى منتصف الليل.
  3. أعضاء مجلس الثورة يتعشون عند المرشد العام.
عقد مكتب الإرشاد لهيئة الإخوان المسلمين مساء أمس اجتماعا هاما برئاسة فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام ودام هذا الاجتماع من الساعة السابعة حتى منتصف الليل.

فصل أربعة من الأعضاء:

وقد أذاع مكتب الإرشاد في منتصف الليل البيان التالي:

قرر مكتب الإرشاد العام فصل السادة أحمد زكي حسن وأحمد عادل كمال وعبد الرحمن السندي ومحمود الصباغ من هيئة الإخوان المسلمين، وبهذا القرار تنقطع صلتهم بالدعوة والجماعة انقطاعا تاما.
ويتناول أعضاء مجلس قيادة الثورة العشاء مساء اليوم على مائدة الأستاذ حسن الهضيبي وسيحضر المأدبة جميع أعضاء مكتب الإرشاد أ. هـ.

وتابع معي عزيزي القارئ رأي النظام الخاص (التنظيم السري في ذلك) يقول: أحمد عادل كمال:

ولم يكن هذا القرار المفاجئ حكيما على أي وجه من الوجوه، فبه راحت الفتنة تجتاح الإخوان، واجتمع بعض الإخوان واتفقوا أن يذهبوا إلى بيت المرشد العام بالروضة لسؤاله عن أسباب القرار، وبطبيعة الحال لقد قلنا إننا لم نسأل ولم يوجه إلينا أي اتهام أو تحقيق؛
وكان ذلك حقا ومثيرا بطبيعة الحال، ولم يستطع الطرف الآخر أن يدعي أن شيئا من ذلك قد حدث، وصلى الإخوان المتفقون العصر في مسجد الروضة ثم صعدوا مسكن الأستاذ الهضيبي المقابل له وجرى الحديث بصورة غير مرسومة بينهم وبينه وأفلتت أعصاب بعضهم من عدم اقتناعهم بما يجري وبعدم تقديم أي تبرير لهذا القرار فطالب المرشد بالاستقالة؛
ولكن بعض الحاضرين من هؤلاء الإخوان آثر أن لا تجري المناقشة على تلك الصورة فانتقلوا جميعا إلى دار المركز العام للإخوان بالحلمية، وهناك طلبوا أي مسئول في الجماعة أن يحضر للتفاهم معهم والإجابة على أسئلتهم حول قرار الفصل.

وكعادته في حصاد عمره (يقصد الأستاذ صلاح شادي) ذكر أن عبد الرحمن السندي هو الذي أرسل هذه المجموعة من الإخوان إلى بيت الأستاذ الهضيبي لإرغامه على الاستقالة وعمل انقلاب (!) ينصب فيه صالح عشماوي مرشدا، ولم يكن عبد الرحمن ولا غيره من السذاجة بحيث يظن أن تعيين المرشد وتبديله يتم بانقلاب، ولكن الذي حدث أنه بعد أن ذهبوا باتفاقهم وكانت النفوس معبأة والأعصاب مشدودة حدث ما حدث في بيت فضيلة المرشد ثم ذهبوا إلى دار المركز العام وبدءوا يتصلون بي وبعبد الرحمن.

(لاحظ اللغة الرقيقة التي استخدمها أحمد عادل كمال في وصف جريمة انقلاب النظام الخاص على الشرعية التنظيمية في الإخوان وهو ما يتكرر بالتمام من مجموعة النظام الخاص السري كما أوضحت من قبل).
وفي ذلك الوقت كان إخوان آخرون من الطرف المقابل يجمعهم نجيب جويفل وصلاح شادي يتجمعون ويستعدون في عربات لاقتحام الدار على الإخوان المحتجين والالتحام بهم، كما أنهم أخذوا يتسلحون ببعض السلاح.
وكان عبد الرحمن السندي رحمه الله ميالا إلى عدم التراخي وإلى إجهاض ذلك القرار بكل ما يمكن، ولمس الإخوان بالمركز العام تناقضنا فحضر وفد منهم لمقابلتنا حضر صلاح العطار وإبراهيم صلاح ود. عبد العزيز كامل وقد تعهد أن يسعى بكل جهده لحل الأزمة بصورة مرضية؛
وأجاب على بعضهم بأنه سوف يستقيل من الإخوان إذا فشل في أداء تلك المهمة وعلى ذلك انصرف الإخوان المعتصمون من الدار، وعلى الأثر حضر الآخرون فاحتلوها، ووضح من سير الأمور بعد ذلك أن الطرف الآخر لن يحيد عن موقفه الذي تورطت فيها الجماعة بأسرها. (لاحظ النصوص التي تؤكد وقوف النظام الخاص في وجه الجماعة بأسرها).

الفتنة تستمر:

وأرسل السكرتير العام (الأستاذ عبد الحكيم عابدين رحمه الله) إلى جميع المكاتب الإدارية للإخوان خطابا نصه:

حضرة الأخ الكريم رئيس مكتب إداري ...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أرجو أن تبلغوا جميع الإخوان في محيط المكتب الإداري أن مكتب الإرشاد العام قرر بجلسته العادية المنعقدة في مساء يوم الأحد الموافق 15 ربيع الأول سنة 1373 هـ والموافق 22 نوفمبر سنة 1953م فصل السادة:
  1. أحمد زكي حسن.
  2. أحمد عادل كمال.
  3. عبد الرحمن السندي.
  4. محمود الصباغ.
ولقد صدر هذا بعد الاستماع إلى البيانات العديدة التي عرضت على المكتب عن أخطائهم المتلاحقة في حق الدعوة والجماعة خلال العامين الماضيين والتي ثبت منها أنهم سلكوا مسلكا لا يتفق وأغراض الجماعة وأنهم نقضوا البيعة وخرجوا على الدعوة.
ولينصرن الله من ينصره، والله أكبر والحمد لله. السكرتير العام.

ولم يكن المنطق مقنعا فتعالت الاعتراضات، ثم اجتمعت لجنة العضوية للهيئة التأسيسية بالجماعة وقررت إزالة صفة العضوية عن كل من صالح عشماوي ومحمد الغزالي وأحمد عبد العزيز جلال، وبعد ذلك صارت قرارات الفصل تصدر تباعا حتى منح ذلك الحق للمكاتب الإدارية فصارت تزاوله ضد إخوة بذلوا من حياتهم وأعصابهم في سبيل الدعوة ما بذلوا ...

(لاحظ كيف ينتقم أعضاء الجهاز الخاص السري اليوم من معارضيه السلميين، وانظر كم صدرت من قرارات الفصل والتجميد والوقف منذ وفاة الأستاذ عمر التلمساني وحتى اليوم).

وأصدر الإخوان الثلاثة بيانا جاء فيه:

إن مكتب الإرشاد لم يستدع الإخوان الأربعة الذين فصلهم رغم إعلانه أنه تحري صحة الأدلة دون أقل إخلال بواجب التبين والتحقيق، وأول ضرورات التحقيق مواجهة المتهم بالتهمة والأدلة وإعطائه فرصة الدفاع عن نفسه قبل الحكم عليه.
إن مكتب الإرشاد كون لجنة من الشيخ محمد فرغلي والأستاذ عمر التلمساني والأستاذ حامد أبو النصر للنظر في تظلمات المفصولين.
وأن اللجنة قد استدعتنا وعندما سألناها عن سبب فصلنا طلب الأستاذ عمر والأستاذ أبو النصر أن نتفاهم مع الشيخ فرغلي وحده لأنهما لا يعرفان التفاصيل وأن من مصلحة الدعوة عدم معرفتها علما بأنهما من أعضاء المكتب الذي قرر فصلنا ... إلى آخر ما جاء في البيان.

حدث عجيب:

لقد اجتمعت الهيئة التأسيسية يوم الخميس 3 ربيع الثاني 1373 هـ، 10 ديسمبر 1953 م ووافقت بعد مناقشات عاصفة على قرار لجنة العضوية بفصل الإخوان الثلاثة أعضاء الهيئة التأسيسية صالح عشماوي ومحمد الغزالي وأحمد عبد العزيز جلال؛
كما أيدت الهيئة جميع الخطوات التي اتخذها مكتب الإرشاد العام وعلى تجديد الثقة التامة بالمرشد العام، وأثناء انعقاد الهيئة كان عدد من الإخوان الغاضبين يزيد على الأربعين يجتمع في مسكن أحد الإخوان قريبا من المركز العام ومعهم بعض الأسلحة لمهاجمة الهيئة في اجتماعها إذا اتخذت مثل هذا القرار؛
ولم يكن لي علم سابق بذلك الاجتماع حتى أبلغني به مشكورا واحد منهم انتابته الشكوك بشأنه، وذهبت فورا إليهم وبعد بعض الجدل والمناقشة التي لم تطل استطعت أن أفض الاجتماع، ولم أنصرف حتى انصرفوا جميعا فرادى إلى بيوتهم: (راجع بنفسك تفاصيل أشد وعورة من ذلك في كتاب أحمد عادل كمال وعنوانه، النقط فوق الحروف ... الإخوان المسلمون والنظام الخاص).

الخلاصات مما تقدم:

  1. ورد في هذه المقاطع عدة أسماء من الإخوان الذين عايشناهم بعد عفو السادات عنهم في السبعينات وعملنا معهم من بداية عام 1973 تقريبا وهم: الأستاذ حسن الهضيبي والأستاذ عمر التلمساني والأستاذ محمد حامد أبو النصر والأستاذ مصطفي مشهور والأستاذ أحمد حسنين والدكتور أحمد الملط والأستاذ صلاح شادي والأستاذ إبراهيم صلاح.
  2. لاحظ أن الإخوان الذين مثلوا جماعة الإخوان المسلمين ودافعوا عنها والتزموا بمنهجها ومرشدها طوال الأحداث كانوا هم حسن الهضيبي وعمر التلمساني ومحمد حامد أبو النصر وأحمد الملط وصلاح شادي وإبراهيم صلاح، وأن المخالفين للجماعة والمنشقين عليها والمعارضين لمرشدها والمتسببين في نكبتها كانوا أعضاء النظام الخاص مصطفي مشهور وأحمد حسنين.
  3. لاحظ أن اللجنة التي شكلها مكتب الإرشاد للنظر في تظلمات المفصولين من الجهاز الخاص كانت مكونة من ثلاثة هم: محمد حامد أبو النصر وعمر التلمساني والشيخ محمد فرغلي.
  4. إذا فهمت ذلك واصطحبته معك فسوف تفهم طبيعة الصراع القديم الجديد الذي دار بين الفريقين في عودة الإخوان في السبعينيات.

ثالثا: التنظيم السري الثالث (عيال وكبريت ...)

مجموعة من الشباب الصغير السن انساقوا وراء وهم المرحلة السنية المتكررة في أجيال الصحوة الإسلامية من بداية تكوين النظام الخاص وحتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي مرورا بحادث المنصة وأحداث اليوم له بأسيوط وكل حوادث القتل والعنف في بداية التسعينيات؛

الوهم المسيطر كان دائما، نحن قادرون على قلب نظام الحكم بالقوة والسلاح وإعلان البيان الأول للثورة الإسلامية والقبض على من بقي حيا من الحكام الكفرة وعلى رأسهم جمال عبد الناصر وجعلهم عبرة لمن يعتبر بتعليقهم على أعواد المشانق في ميدان التحرير حتى تأكل الطير من رءوسهم وتشبع الكلاب من أرجلهم، ليس هناك شيء مهم بعد ذلك حيث لم يتوفر للشباب الذي مارس العنف أي تصور عن كيفية إدارة الدولة بعد نشر البيان الأول.

وتبدأ معاناة مصر مع هذه النكبة من قرية سنفا دقهلية، في هذه القرية سال لعاب بقال القرية وعضو التنظيم السري (يوسف القرش) على قنبلتين سرقهما أحد المجندين باليمن من وحدته وعرضهما للبيع شقيقه ليشتري بثمنهما دخان وكيف؛

وبالقبض على القرش وتعذيبه اعترف على غيره وبتعذيب غيره اعترف على ثالث ثم رابع ثم خامس، ثم توالت الاعترافات من الصغار على الكبار نسبيا لتصل يد المحقق إلى ما يطلق عليه القيادة العليا وهم (عبد الفتاح إسماعيل وعلي العشماوي وأحمد عبد المجيد إسماعيل المعروف بأحمد كشكول)

ثم صدر القرار الشهير باعتقال كل من سبق اعتقاله وإعادة فرز الشعب لاستخراج واستجواب كل جنين متعاطف مع التنظيم الذي يستهدف قلب نظام الحكم وهكذا دخلت مصر كلها في حالة تعذيب نفسي وبدني ولم يتحقق إصدار البلاغ الأول للثورة المزعومة.

ومع سذاجة الفكر وسوء الإعداد فقد خلفت لنا كمية من العاهات النفسية والتعقيدات الإدارية ما تزال لها أثر كبير في إدارة العمل الدعوي والتنظيمي حتى كتابة هذه السطور، بل لا أكون مبالغا إذا قلت إن السريين القدامى مثل الحاج (مصطفي مشهور)، يعتبرون بردا وسلاما إذا قارناهم بالسريين المنتمين إلى تنظيم 65؛

ولا أكون مبالغا إذا قلت إن الفساد التنظيمي الذي دفعني لكتابة هذا الكتاب أساسه هذه المجموعة التي حولها التعذيب الناصري إلى نسخ مكررة لنفس شخصية الذين عذبوهم من حيث الغلظة والتمادي في الباطل والشوفانية المفرطة، وعبادة الذات وحب السيطرة واستحلال الكذب على الإخوان والمواطنين بناء على تصورات شخصية مقطوعة الصلة بالإسلام شكلا وموضوعا، ومع تسببهم في تعذيب الآلاف من المواطنين الأبرياء فإنهم مصرون على أنهم أبطال وقادة في الحركة الإسلامية، ويحجزون لأنفسهم في قمة الهرم الإداري للإخوان مقاعد ومناصب ورتب ورواتب!

ومن هنا تأتي أهمية مكافحة التنظيم السري الرابع الذي قاده المرحوم مصطفي مشهور وتمكن به من قلب نظام الحكم في الإخوان لصالح السريين، وليمتطوا صهوة الإخوان لأول مرة في تاريخها، وبذلك دخلت الجماعة جحر الضب مرة رابعة، وباتت تعاني متاعب شتى وظلامية وانحراف عن منهج الإسلام في إصلاح الأمم وتحولت إلى مجرد جماعة شغب وورقة تستغلها النظم الحاكمة لتتخذ المزيد من الإجراءات القمعية ولتصدر المزيد من القوانين الاستثنائية بينما أرباب التنظيم السري يتصورون أنهم في ساحة جهاد في سبيل الله ومن ورائهم مئات الضحايا والمخدوعين.

إن قضية استيلاء السريين على السلطة في الإخوان تهدد مسيرة الحركة الإسلامية كلها وتدخلنا في صراعات ومهاترات وجدليات لا تنتهي (راجع الفصل الثالث)، ومن هنا وجب التنبيه لخطورة ما وصلنا إليه، وعلى كل المدركين لذلك أن يبذلوا ما يستطيعون من الجهد الإصلاحي الداخلي قياما بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعملا بمبدأ (أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم على أرضكم).

من مذكرات د. عبد العزيز كامل

وزير الأوقاف الأسبق وعضو الهيئة التأسيسية للإخوان

لخصه وأعده للنشر: أ. د. حمادة حسني.

أستاذ التاريخ المعاصر جامعة قناة السويس.

كشفت مذكرات الدكتور عبد العزيز كامل عضو النظام الخاص بالإخوان المسلمين ووزير الأوقاف الأسبق التي صدرت مؤخرا عن "المكتب المصري الحديث" عن مفاجآت جديدة حول واقعة مقتل الخازندار، وخلافات عبد الرحمن السندي زعيم النظام الخاص مع حسن البنا مرشد الجماعة الأول، خلال الجلسة التي عقدت في اليوم التالي لواقعة الاغتيال، والتي بدا فيها البنا متوترا للغاية حتى أنه صلى العشاء ثلاث ركعات.

وأدان كامل في مذكراته التي قدم لها الدكتور محمد سليم العوا، عدم إيمان حسن البنا بمبدأ الشورى، وكذلك اتباع النظام الخاص أسلوبا يشبه النظم الماسونية، وعدم حنكة الجماعة في اتخاذ القرارات بل والتسرع فيها اعتقادا منها أن الله سيتكفل بإصلاح أخطائهم.

وفجر كامل مفاجأة بكشفه عن وجود علاقات بين الجماعة الإسلامية التي كان يرأسها أبو الأعلى المودودي في باكستان والإخوان، وسعى المودودي إلى ضرورة التنسيق بينه وبين الإخوان في طريق العمل.

وتناولت المذكرات ما أسمته بـ "صدمة سيد قطب من ضحالة فكر قيادات الجماعة"، كما تعرضت لما حدث للهضيبي المرشد الثاني للجماعة أثناء الاعتقال.

الدكتور عبد العزيز كامل في ذمة الله الآن، وقد كتب مذكراته وأوصى بنشرها بعد أن ظلت حبيسة الأدراج أكثر من خمسة عشر سنة، وقد حكى فيها مشوار حياته، بداية من ميوله الصوفية ثم التحاقه بدعوة الإخوان المسلمين والعمل مع قيادتها، وقد شاء القدر أن يوجد في مواقع متباينة، من معتقل القلعة إلى السجن الحربي ومن التدريس بالمدارس الابتدائية إلى الجماعة وصولا إلى كرسي الوزارة ...

وقد ذكر أنه كم من مرة انتقل من مكان إلى آخر وفي يده قيد حديدي، ومرة أخرى كانوا يفرشون تحت قدميه بساطا أحمر ليقف على منصة الشرف يستعرض الحرس، ومرة تعبر به سيارة صامتة شوارع القاهرة وعلى عينيه عصابة سوداء.

تعرف عبد العزيز كامل على فكر الإخوان عندما التقى بصديق له يدعى محمد عبد الحميد في آداب القاهرة عام 1936 وقرأ له تلخيصا لدعوة الإخوان المسلمين على أحد دواليب الكلية، ثم تلقى منه دعوة للحضور بالمركز العام للإخوان المسلمين في 13 شارع الناصرية بالسيدة زينب للاستماع إلى حديث حسن البنا الأسبوعي يوم الثلاثاء، وهذا المقر هو الاول للجماعة بالقاهرة.

يومها ركز البنا في حديثه على الإيمان والعبادة ثم انتقل إلى فريضة الجهاد، وهو ما يعد شرحا لخواتيم سورة الحج، التي لا تجد عضوا في الجماعة إلا وحفظها، وأوضح البنا أن المسلم هو أستاذ الإنسانية وأن أمته أستاذة العالم، وأن عليه أن يوقن بذلك.

واعتبر كامل حديث "البنا" انتقالا بالدعوة إلى الصعيد العالمي، وحاول كامل أن يدرس جوانب شخصية المرشد الأول للجماعة، ولماذا لم يختر لنفسه اسم الرئيس أو ما شابهه، وأدرك فيما بعد أن لقب المرشد نبع من اتباع البنا الطريقة الحصافية بالبحيرة، وتردده على مجالس الذكر فيها مما ترك لمسة صوفية على تصرفاته.

وانتقل كامل في مذكراته إلى أحداث صباح يوم 22 مارس 1948 عندما تم اغتيال المستشار أحمد الخازندار أمام منزله في حلوان، وهو متوجه إلى عمله، على أيدي شابين من الإخوان هما: محمود زينهم وحسن عبد الحافظ، وأرجع كامل الحادث إلى مواقف الخازندار المتعسفة في قضايا سابقة أدان فيها بعض شباب الإخوان لاعتدائهم على جنود بريطانيين في الإسكندرية بالأشغال الشاقة المؤبدة في 22 نوفمبر 1947.

وقد استدعي البنا للتحقيق في مقتل الخازندار ولكن أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة.وسرد كامل ما دار في الجلسة الخاصة التي عقدتها الجماعة برئاسة البنا وحضور أعضاء النظام الخاص حول مقتل الخازندار حيث بدا المرشد متوترا على حد قوله وعصبيا وبجواره عبد الرحمن السندي رئيس النظام الخاص الذي كان لا يقل توترا وتحفزا عن البنا؛

إضافة إلى قيادات النظام أحمد حسنين، ومحمود الصباغ وسيد فايز وأحمد زكي وإبراهيم الطيب ويوسف طلعت وحلمي عبد الحميد وحسني عبد الباقي وسيد سابقو صالح عشماوي وأحمد حجازي ومصطفي مشهور ومحمود عساف.

وفي هذه الجلسة قال المرشد:

إن كل ما صدر مني تعليقا على أحكام الخازندار في قضايا الإخوان هو "لو ربنا يخلصنا منه" أو "لو نخلص منه" أو "لو حد يخلصنا منه" بما يعني أن كلماتي لا تزيد على الأمنيات ولم تصل إلى حد الأمر، ولم أكلف أحدا بتنفيذ ذلك، ففهم عبد الرحمن السندي هذه الأمنية على أنها أمر واتخذ إجراءاته التنفيذية وفوجئت بالتنفيذ.

ولفت كامل إلى أن البنا مساء يوم الحادث ولهول ما حدث صلى العشاء ثلاث ركعات وأكمل الركعة سهوا وهي المرة الوحيدة التي شاهد فيها أعضاء التنظيم المرشد يسهو في الصلاة.

ورصدت المذكرات احتدام الخلاف بين البنا والسندي أمام قادة النظام الخاص، وهو ما ظهر حين قال كامل للبنا: أريد أن أسألك بعض الأسئلة وتكون الإجابة بنعم أو لا فأذن له البنا فسأله:كامل: هل أصدرت أمرا صريحا لعبد الرحمن السندي باغتيال الخازندار، وهل تحمل دمه على رأسك وتلقى به الله يوم القيامة؟

فأجاب البنا: لا.

فقال كامل: إذن فضيلتكم لم تأمر ولا تحمل مسئولية هذا العمل أمام الله؟

فأجاب البنا: نعم.

فوجه كامل أسئلته إلى السندي بعد استئذان البنا.

سائلا: ممن تلقيت الأمر هذا؟

السندي: من الأستاذ البنا.

كامل: هل تحمل دم الخازندار على رأسك يوم القيامة؟

السندي: لا.

كامل: إذن من يتحمل مسئولية الشباب الذين دفعت بهم إلى مقتل الخازندار؟

السندي: عندما يقول الأستاذ إنه يتمنى الخلاص من الخازندار فرغبته في الخلاص منه أمر.

كامل: مثل هذه الأمور لا تؤخذ بالمفهوم أو بالرغبة.

وسأل المرشد: هل ستترك المسائل على ما هي عليه أم تحتاج منك صورة جديدة للقيادة وتحديد المسئوليات؟

فرد البنا: بل لا بد من تحديد المسئوليات.

واستقر الرأي على تكوين لجنة تضم كبار المسئولين عن النظام الخاص، بحيث لا ينفرد السندي برأي أو تصرف وأن تأخذ اللجنة توجيهاتها الواضحة من البنا نفسه، وفق ميزان ديني، وهو الدور الذي قام به الشيخ سيد سابق، وأوضح كامل أن سابق أصبح ميزانا لكبح حركة الآلة العنيفة داخل الإخوان.

وذكر كامل أن هذه المرة الأولى التي خضع فيها السندي للمحاسبة أمام البنا وقيادات النظام الخاص وكذلك الأولى بالنسبة للمرشد، التي يقف فيها صراحة أمام نفسه إلى الدرجة التي دفعته لأن يقول للسندي: أنا لم أقل لك ولا أتحمل المسئولية، ورد السندي: لا .. أنت قلت لي وتتحمل المسئولية.

وحكى كامل أنه التقى صلاح عبد الحافظ المحامي شقيق أحد المتهمين في مقتل الخازندار ووجده ناقما على الجماعة التي أوقعته في تلك الظروف، وسعيه إلى إثبات أن أخاه يعاني من انفصام في الشخصية حتى ينجو من الإعدام.

وأشار كامل إلى أن عام 1948 ومطالع 1949 كانت أكثر الأعوام دموية عند الإخوان، ولهذا فتحت لهم المعتقلات وأعدت قوائم بالآلاف كانت تحت يد رجال الثورة حين أرادوا توجيه ضربتهم للإخوان سنة 1954 وما بعدها.

بعد هذه الأحداث نقل البنا (لعبد العزيز كامل) رغبته في التفرغ لتعليم وتربية وتكوين الشباب مائة شاب فقط يقابل بهم ربه ليجادلوا عنه يوم القيامة كان هذا الفكر قد تبلور في ذهن البنا بعد نصيحة تلقاها من عبد الستار سيت سفير باكستان في القاهرة بأن يعتني البنا بمن يتوسم فيهم الذكاء والوصول يوما إلى مقاعد الحكم وبعدم العجلة، وسيكون لديه وقتها جيل قادر على التغيير.

وعرج كامل على فكر الإمام مؤكدا أن البنا لم يؤمن بمبدأ الشورى، وأن الشورى عنده غير ملزمة للإمام، وإنما هي معلمة فقط، وقد كتب البنا هذا الرأي ودافع عنه ولم يتحول عنه، بل وسرى هذا الفكر إلى من حوله في أواخر الثلاثينات وهي السنوات الأولى لكامل في الإخوان؛

حيث كان يسمع كثيرا كلمة "بالأمر" رغم أنها كلمة عسكرية، لهذا لا يجد عضو الإخوان من يناقشه إذا كلفه رئيسه المباشر بأي أوامر بل ينبغي أن يكون هذا محل تسليم، وهي نقطة الخطورة التي أصابت جسم الإخوان بالخطر من وجهة نظر كامل، حيث أسس البنا النظام الخاص على السمع والطاعة والكتمان وهو ما سهل خروج النظام عن أهدافه.

وبالنسبة للنظام الخاص يقول الدكتور عبد العزيز كامل: كان عبد الرحمن السندي المسئول رقم "1" فيه، رغم معاناته من روماتيزم في القلب، ولذا كان السؤال الذي يدور في خلد كامل دائما هو:كيف يتحمل السندي مسئولية نظام يحتاج منه إلى المرور على المحافظات والإشراف على التدريب والرحلات الخلوية؛

حيث أصوات طلقات الرصاص والقنابل اليدوية، ويتساءل كامل كيف تمنع صحة السندي إتمامه للدراسة الجامعية وتساعده على الإشراف على هذا الجهاز الخطير الذي يحتاج إلى أعلى درجات اللياقة البدنية والفكرية؟

كما أن شعوره، بمكانته لدى المرشد وأفضليته على أعضاء مكتب الإرشاد وتمسكه بموقعه يفقده القوامة لقيادة الجهاز، وكشف كامل عن أن الترشيح لعضوية النظام يخضع لسلسلة من الاختبارات تتركز على قدرة المرشح على السمع والطاعة، فكان يحمل حقيبة من مكان لآخر ولا يعرف ما فيها ويراقب تصرفاته أحد أعضاء النظام وقد لا يكون فيها أكثر من ملابس عادية، أو قطع من الحديد تشعره بالثقل؛

وقد يؤمر بنقلها من بلد لآخر، أو الاحتفاظ بها أياما، ولديهم وسائل يعرف من خلالها ما إذا كانت الحقيبة فتحت أم لا، فإذا اجتاز تلك الاختبارات تحددت له ليلة البيعة داخل شقة لأحد قادة التنظيم في حي السيدة عائشة قرب جبل المقطم ويبيت عنده المرشحون يتعبدون طوال الليل ثم يؤمرون واحدا بعد الآخر بالدخول إلى غرفة مظلمة، لا يرى فيها أحد، ويجلس على الأرض بعد خطوات محددة، ويمد يده إلى حيث يوجد مصحف ومسدس وتمتد يد ممثل المرشد ليبايعه على السمع والطاعة والكتمان دون أن يرى وجهه.

ويذكر كامل تجربته حين دخل كي يبايع المرشد ولم يكن الصوت غريبا عليه فقال:

ما هذا يا عشماوي وهل من الإسلام أن أضع يدي في يد من لا أعرف؟ ثم أنني أعرفك من صوتك وأتحدث معك كل يوم ما هذه الأساليب التي أدخلتموها على عملنا ولا أساس لها في ديننا؟ فأجاب صالح عشماوي وكان عضوا في مكتب الإرشاد ورئيس تحرير مجلة الإخوان: هذا نظامنا.

بعد البيعة يذهب من أقسم إلى جبل المقطم يتدرب على إطلاق النار فترة قصيرة، حيث كانت الأسلحة مخبأة في مكان هناك حتى لا يضطروا إلى حملها كل مرة، ويعودون بعد هذا إلى منزل البنا وبصحبتهم السندي في لقاء قصير يحييهم فيه ويدعو لهم بالخير.

وانتقد كامل هذا الأسلوب السري الذي اتبعته الجماعة معتبرا أن طقوس الانضمام إلى النظام الخاص أشبه بالنظم الماسونية، فضلا عن آثار هذا الأسلوب الوخيمة على طريقة العمل الإسلامي.

وأبدى كامل استياءه من فكر الإخوان، لأنهم لا يبذلون الكثير من الوقت والجهد في تقليب الأمور واتخاذ القرارات ودراستها بعمق، اعتقادا منهم بأنهم إذا أخطأوا فإن عناية اله ستتكفل بإصلاح هذا الخطأ.

ورصد كامل صدام الإخوان مع ثورة يوليو بعد سعي الإخوان إصدار مجلة جديدة بجانب "مجلة الدعوة" ومحاولة سيد قطب وحسن الهضيبي احتواء الأزمة، حيث تقدم كامل باقتراح يقضي بالاكتفاء بسلسلة من الرسائل، لأن المجلة ستضطر الإخوان إلى اتخاذ مواقف؛

وقد تعودهم على أساليب النقد والمعاداة أكثر من طرح الاقتراحات البناءة، كما أن المجلة ستؤدي إلى توسيع الهوة بين الإخوان والثورة وهو ما حدث بالفعل، حيث اضطر الرقيب إلى حذف مقالات ورسوم كاريكاتورية مما زاد حدة التوتر.

وصل في هذا الوقت "ظفر الأنصاري" إلى القاهرة وهو أحد المقربين من أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية، وأخبر كامل أن لديه رسالة من المودودي إلى حسن الهضيبي مرشد الإخوان الأسبق، وبالفعل التقيا به؛

ودارت رسالة المودودي حول حتمية عدم صدام الإخوان بالثورة بأي طريقة، لأن الجماعة الإسلامية وقتها كانت تخوض تجربة قاسية مع حكومة باكستان فزعماؤها في السجن ونشاطها مقيد ومن الممكن أن يستطيع الإخوان تقديم العون لهم إذا حافظوا على قوتهم أما إذا دخلوا في صراع مع عبد الناصر فلن تتلقى الجماعة الإسلامية أي دعم مادي أو أدبي منهم، وكان المودودي يأمل في تعاون الجماعات الكبيرة مثل الإخوان والجماعة الإسلامية.

ويوضح كامل أن الجماعة الإسلامية لم تكن تؤمن بالعنف بعكس الإخوان المسلمين، فالمودودي يعرف أن يدهم قد تتحرك بالسلاح سريعا في حالة اشتباكهم مع الثورة، وهو ما لا يريده لهم، وحاول كامل أن يعضد وجهة نظر المودودي عند الهضيبي، لأن الخاسر من الصراع هو الشعب والإسلام.

إلا أن موجة الاعتقالات بدأت مع مطلع عام 1954 بالهضيبي وعبد القادر عودة وعبد الحكيم عابدين وحسن عشماوي، ومنير الدله، وصلاح شادي بالإضافة إلى عبد العزيز كامل الذي لفت انتباهه عدم وجود قادة النظام الخاص في المعتقل معهم.

واستعراض كامل جزءا من التحقيقات التي أجريت مع حسن عشماوي الذي كان على صلة طيبة بعبد الناصر وإحدى حلقات الوصل بين الإخوان والثورة حين عاد من التحقيق وعلى وجهه علامات الدهشة فقد عثروا على أسلحة في مزرعته وسألوه عنها فأجاب: لا أستطيع الرد إلا بعد استئذان عبد الناصر!

مشيرا إلى أن الأسلحة كانت للضباط الأحرار وعندما ضيقت عليهم حكومة الملك طلب منه عبد الناصر أن يحفظها في مزرعته، وأوضح كامل أن الاعتقالات الأولى في 1954 قسمت الإخوان إلى شريحتين، الأولى تعاونت مع الثورة والأخرى زج بها في المعتقلات.

وأشار كامل إلى أن تجربة المعتقل مع الإخوان كانت قد كشفت لسيد قطب ضحالة فكر قيادات الإخوان وهو ما كان يسر له به حين يلتقيه في السجن.

الفصل السابع:رسائل الإصلاح الموجهة إلى مكتب الإرشاد

تقديم

انتهت العلاقة بيني وبين مكتب إرشاد السريين إلى حالة من القطيعة والتنافر غير مسبوقة في العلاقات الإخوانية، من ناحيتي فلم أتوقف عن العمل ضمن إطار الإخوان في كل ما كلفوني به من أعمل مهما كانت طبيعتها؛

معظم الأعمال كانت تعبر عن رغبة السريين في مضايقتي ودفعي أن أعلن انسحابي من الإخوان، ومن جانبي كنت أعتبر الإخوان في مجموعهم أناس طيبون ومعظمهم لا يدري شيئا عما يجري في مكتب الإرشاد من مخالفات وصراعات وانتهاكات لحقوق الإخوان، ومن جانب السريين فقد أشاعوا عني إشاعات كثيرة لا سيما في المنطقة التي أعيش فيها (شرق القاهرة) بهدف إسقاطي في الانتخابات والتخلص من معارضتي لهم بأسهل السبل؛

ورغم هذه الإشاعات فقد عز عليهم عدم تصديق الإخوان لهم وانتخابي عضوا بمجلس الشوري، وفي أول انتخابات بين العلميين المسئولين عن النقابة العامة بالقاهرة حتى في أشد أوقات الخلاف معهم تم اختياري مسئولا باقتراع سري؛

ومع ذلك استمر السريون في مخاصمتي ومحاصرتي بطريقة فجة، وقد حز في نفسي أن أعضاء اللجنة التي أنتجت التقرير المنشور في الفصل الأول برئاسة د. محمد بشر قد انخرط معظمهم في العمل مع المخالفين بحكم الدراسة المقدمة؛

ورأيت في ذلك ازدواجية لا تليق بالمتدينين ولا تليق بأستاذ جامعي يقف معلما أما طلاب يرونه قدوتهم، من هنا فقد بدأت أكتب رسائلي وأبعثها لمكتب الإرشاد عساه يتوب ويئوب إلى ما فيه خير المسلمين، واستمرت المراسلة من جانبي بغير كلل واستمر عنادهم كذلك بغير توبة أو مراجعة؛

ثم كانت الطامة الكبرى عندما فرطوا في الرسائل كعادتهم وسرقت من مكاتبهم واستقرت عند أجهزة الأمن التي تخترقهم من كل ناحية ثم نشر بعضها وقالت الصحافة الإخوان ينشرون غسيلهم القذر، وهو ليس غسيل الإخوان ولكنه الغسيل القذر التاريخي للتنظيمات السرية التي تعادي الإخوان منذ أيامها الأولى الخوالي وحتى يومنا هذا، ولم يكن هناك بد من توضيح هذا اللبس ونشر هذا الكتاب الذي يتضمن هذه الرسائل.

الرسالة الأولى: (دفاعا عن الإخوان المسلمين ورحمة بهم)

بخصوص تفعيل مجلس الشوري المسلمة للأستاذ مأمون الهضيبي بصفته المرشد العام للإخوان المسلمين 2/ 12/ 2003

السيد الأستاذ المستشار محمد المأمون الهضيبي (المرشد العام) حفظه الله ورعاه.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

دعواتي أن تكون دائما بخير وصحة وعافية وتوفيق من الله لما يحبه ويرضاه، وبعد.

فإن ثقتنا فيكم هي التي تدفعني للتعامل مع إخواني بكل شفافية ووضوح، والتقدم بمثل هذه المقترحات وأدعو الله أن يكون على أيديكم كل خير ونفع لنا وللمسلمين أجمعين.

طالعت مقالكم في جريدة آفاق عربية ورأيت أن أكتب إليكم حول ما جاء بها بخصوص صعوبة عقد مجلس الشوري لظروف أمنية، وقد كنت أعتقد أنني وحدي من أعضاء المجلس الذي لا يستشار في أمر الجماعة التي أنفق كل حياته من أجل إقامتها وإعادتها للحياة ولكن بدا لي أن المجلس كله لا يستشار في شيء لما أبديتم من أسباب، وأرى والله أعلم أنه يمكن تفعيل مجلس الشوري بآليات كثيرة دون اجتماعه مرة واحدة،

ومن ذلك:

  1. جمع المجلس على مجموعات صغيرة (10 – 12) مع لجنة من مكتب الإرشاد.
  2. أن تمر هذه اللجنة على مجموعات من مجلس الشوري على مستوى القطاعات.
  3. أن يمر شخص واحد على عدة مجموعات من المجلس قريبة منه ويكرر ذلك مع ثالث ورابع حتى نجمع آراء المجلس عند خمسة ثم يتم الاجتماع بهم.

هكذا فإن كثرة الآليات ممكنة لا تترك مجالا للاعتذار عن الشورى بأي سبب من الأسباب.

  • كما أرى والله أعلم أن من أهم واجبات المرشد العام أن يدفع الجماعة دفعا نحو الشورى بوصفها صمام الأمان لتماسكها وذلك من خلال قيامه بذلك في كل ما يمكن من الأمور الجليلة والدقيقة وأن يفتعل لذلك المناسبات ولو لمجرد تدريب الجماعة على ذلك وأرى أن هذا أقرب للتقوى وأحب إلى الله وأعون على صحة القرارات.
  • ولعل مسألة انتخاب نائب للمرشد العام تكون مناسبة جيدة لتفعيل مجلس الشوري، وهو ما يحول دون إغضاب البعض في مكتب الإرشاد إذا جاء الاختيار من طرفكم مع أنه حق من حقوقكم، فالانتخاب من شأنه أن يريح ضمير الجميع ويقطع دابر الفتنة.

إن لجوء الجماعة إلى مبدأ التعيين وتوقف مسيرة الشورى والانتخابات على النحو الذي أراه يعرضنا للنقد من غيرنا ويضعف قوتنا في مطالبة الآخرين بالشورى والديمقراطية، وأصبح هذا الكلام يقال علنا ولا نستطيع الرد عليه لما نلمسه من واقع، ولا يدفع عنا مجرد القول بأن الشورى تتم فيما حولنا من الإخوان؛

ولكن الصواب يكمن في تفعيل آليات الشورى المعتمدة وفي مقدمتها قاعدة تولي القيادات بالانتخاب مهما صغرت، ولو لمجرد التدريب لتفعيل مجلس الشوري بوصفه أهم أوعية الشورى في الجماعة، وبأي آلية مما اقترحت أو غيرها، وأتمنى أن يتسع وقتكم لساعة نلتقي فيها لمزيد من الحوار حول هذه وغيرها في الوقت الذي تفضلون.

2/ 12/ 2003

الرسالة الثانية:(دفاعا عن الإخوان المسلمين ورحمة بهم)

بخصوص مشروعية مكتب الإرشاد وضبط حركة الأموال في الجماعة

المسلمة للأستاذ محمد مهدي عاكف.

بصفته المرشد العام للإخوان المسلمين.

السيد الأستاذ الفاضل محمد مهدي عاكف (المرشد العام) حفظه الله ورعاه.

السادة الأساتذة الأفاضل أعضاء مكتب الإرشاد المنتخبون.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد.

في إطار الأخوة الإيمانية التي تجمعنا والسعي الدائم لتكون جماعتنا في الحالة التي ترشحها لنيل مرضاة الله، وتعينها على تحقيق ما تصبو إليه من الخير، تقدمت برسالتي المؤرخة في 2/ 12/ 2003 إلى السيد المستشار محمد المأمون الهضيبي بصفته المرشد العام لجماعتنا (مرفق)؛

وقد تفضل سيادته مشكورا بعد يومين بطلبي لمقابلته بشأن الخطاب، وتحقق اللقاء بالفعل يوم الخميس 1/ 1/ 2004، وحضر اللقاء السادة الأفاضل د. محمد السيد حبيب، ود. محمود عزت، ودام اللقاء ساعة ونصف الساعة، وعزمت على مواصلة الكتابة إلى سيادته حول انطباعاتي عن اللقاء وما أسفر عنه من نتائج لتكون بين يديه كما أراها.

ولكن كان قضاء الله أسبق وفرق بيننا الموت الذي كتبه الله على كل نفس وهو ما كنت أخشاه، فرحمة الله عليه وغفر الله ونقاه من الذنوب والمعاصي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وتقبل الله صالح عمله وجعله مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا اللهم آمين واليوم، وبعد أن وضع الله الأمانة في عنقكم أجد من الواجبات أن أواصل معكم السعي في الخير كما أراه من وجهة نظري وفي حدود علمي ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وكل إنسان مسئول على قدر علمه.

أستاذنا الفاضل محمد مهدي عاكف .. (المرشد العام) حفظه الله ورعاه.

كانت ملامح اللقاء مع فضيلة المرشد العام السابق رحمة الله عليه على النحو الآتي:

  1. استفاض رحمه الله في بيان وجهة نظره معظم وقت اللقاء وبدا منفعلا، وكان ذلك مخالفا لكل توقعاتي، وأدركت أن شخصا ما نقل له عني ما يغضبه مني إلى هذه الدرجة، وحاولت إشفاقا عليه أن أنهي الحديث مرات عدة ولكنني لم أستطع.
  2. أعلمني رحمه الله أن الخطاب قد عرض على مكتب الإرشاد وتمت مناقشته، وأن هناك دراسة أخرى قدمت حول العمل بالشورى وناقشها مكتب الإرشاد كذلك، وانتهى مكتب الإرشاد إلى أن العودة إلى مجلس الشوري المنتخب في أي شأن من شئون الجماعة سوف يثبت للحكومة أننا نظمنا صفنا ويعرضنا للخطر وعليه فإن كل الآليات المقترحة لتفعيل مجلس الشوري في خطابك غير مقبولة وليست ممكنة التطبيق.
  3. أوضحت له رحمه الله أن نصف الشورى أفضل من عدمها وأن سلوك طرق أخرى للشورى مع إهمال مؤسستها المنتخبة يعرض جماعتنا لأخطار داخلية كثيرة وإنني مستعد للقيام بتجربة عملية لإثبات إمكانية الشورى من خلال مؤسستها المنتخبة، وبآليات كثيرة مأمونة ومضمونة وأوضحت أن السلطات ليست في حاجة إلى دليل على أننا منظمين إذا أرادت أن تتخذ معنا أي إجراء تراه.
  4. أعلمني رحمه الله بأنه نمى إلى علمه مطالبتي بأن يكون للجماعة نظام مالي، وتساءل مستنكرا: هل يمكن لجماعة في وضعنا أن يكون لها نظام مالي؟ ولهول ما سمعت فلم أتفوه إلا بجملة واحدة هي (نعم ممكن إن شاء الله).
  5. مضى رحمه الله في حديثه حول موضوعات شتى حتى وصل بنا الحديث إلى الخطاب الذي أرسلته إلى الأمين العام للحزب الوطني لنقد سياسته في إدارة الشئون الوطنية، والظروف التي كتب فيها الخطاب، وأوضحت من جانبي أن الأمر كان في إطار نقابي بحت وأنه شاركني في ذلك الأمين العام وهو يكبرني سنا ومقاما وهو من الإخوان المحبين، وكان ثالثنا في المهمة أمين الصندوق وعرض الأمر على مجلس النقابة وهو الجهة التي أقرت الخطاب و 90% من المجلس من الإخوان المسئولين في الجماعة، ومع ذلك فقد عزمت على كتابة تقرير أوفى إليكم ولكن وصل الخطاب قبل نضجه إلى مكتب الإرشاد عن طريق قسم المهن ونشر بجريدة الإخوان دون علمي ودون إذني كذلك مع أن الواجب يقتضي بقاءه في ثوبه النقابي لمصلحة النقابة ولمصلحة الإخوان كذلك.

وتدخل د. محمود عزت قائلا:

ولماذا لم تعلم رئيس قسم المهن على الأقل؟ وسألته بدوري: وهل أعلمتني يوما بمن هو رئيس قسم المهن؟ وتملكني الغضب من هذا التدخل غير الموفق ودفعني ذلك للقول: وهل أعلمتني بأي مسئول عن أي شيء؟

إنني لا أعرف أي مسئول عن أي شيء منذ خروجي من السجن في أكتوبر 1998 وحتى كتابة الخطاب الذي نناقشه، ولقد صودرت جميع مسئولياتي في الجماعة دون أي سبب واضح، ووقعت في حقي إساءات بالغة من أعضاء في مكتب الإرشاد دن أي مبرر، وأحل البعض لنفسه أن يلوك سيرتي ونحن وراء القضبان في قضية تخصنا جميعا، وفي اليوم الذي عرفت المسئول حملته رسالتي على الفور، ولماذا كل هذه المساءلات مع عدم الاعتراف لي بأي نوع من الحقوق؟

ومن الذي يمارس هذا الهدم في جماعة أنفقنا في بنائها زهرة شبابنا وكل عمرنا ومالنا وسخرنا لذلك بيوتنا وأهلينا وأموالنا ومكاتبنا ومصانعنا ولم نبق على شيء قط في سبيل نصرتها؟ وقد أثر ذلك فيه رحمه الله وبدا كأنه يسمع كلاما جديدا وغريبا فأسند رأسه على الكرسي وأغمض عينيه لحظات ثم قام وارتدى البالطو وسألني: ه معك سيارة؟ فقلت: نعم. وانصرف رحمه الله إلى منزله، ووقفت لحظات مع د. حبيب ثم انصرفت بدوري.

السيد الفاضل الأستاذ محمد مهدي عاكف حفظه الله ورعاه.

اليوم وقد آل إليكم، فأرى من واجبي أن أضع هذه الأمور بين أيديكم:

  1. تفعيل مجلس الشوري أمانة في عنقكم، وأول واجباته تحقيق الشرعية لأعضاء مكتب الإرشاد من خلال استكمال المجلس بالانتخاب لكل الذين خلت أماكنهم.
  2. الحجج التي تساق للحيود عن ذلك واهية وغير مقبولة ولا معقولة وتعرضنا للخطر الداخلي وأراها معصية في ميزان الشرع.
  3. كثرة المعينين في مكتب الإرشاد ومكاتب المحافظات وغير ذلك من مستويات المسئولية، مع إقصاء المنتخبين يعتبر أمرا خطيرا له دلالات سلبية من الوجهة التربوية والإيمانية كذلك، وهو دليل على أن فريقا من الإخوان يرى نفسه فوق الجماعة وفوق الساءلة ويعطي لنفسه حقوقا مطلقة وهي ذات السلبيات التي تودي بالجماعات والحكومات والدول وتتعارض مع ما قامت من أجله جماعة الإخوان.
  4. بقاء الجماعة بغير نظام مالي كامل، يقوم على أساس عمل ميزانية سنوية تعرض على مجلس الشوري على الأقل لهو أمر تشيب له رءوس الصالحين من الإخوان وغير مقبول ولا عذر له وهو أمر يتعارض مع قاعدة الشفافية وهي أهم ضمانات الثقة في القيادة، والشفافية هي التي دفعت الفاروق عمر وهو من هو أن يبين للمسلمين لماذا يلبس ثوبا أطول من ثيابهم ومن أين له هذا؟ وأمام عيني وتحت يدي من الوقائع ما يدل على أن أموال الجماعة لا تدار بطريقة صحيحة، ومن أمثلة ذلك أن بعض الإخوان وهبت له سيارة وآخرين لم يحصلوا على هذه المنحة، وبعض الإخوان وهبت له شقة وآخرين لم يمنحوا شقة، وبعض الإخوان حصلوا على قروض استثمارية بالملايين والبعض الآخر لا يجد عملا يسد رمقه، وبعض الإخوان يعالج في الخارج وبعضهم يموت ولا يجد أرض الأدوية الوطنية والأسماء عندي لمن يطلبها.
  5. إن اجتماع الآلاف في الأفراح والجنازات أمر تفرح به الصحف والمجلات، ولا يجب أن ننسى أن جماعات بدأت عملها بعدنا وأقل منا عددا وأقل منا علما بالدين هي التي تحكمنا بغير رضانا وهي التي تملك السلطة والثورة في بلادنا ، والقائلين بأن ذلك لأسباب خارجية فقط يضاهئون من حيث لا يدرون قول القائلين بأن الدين سبب في تخلف المسلمين، والحق الذي أراه، أن فساد ذات البين التي أشاعها البعض بما ينقله من كلام عن إخوان محددين والعمل على إقصاء من لا يستريح لوجهات نظرهم في مسائل مختلف عليها أصلا وبأساليب لا تليق بالمسلمين ولا بالإخوان وترك الحبل على الغارب لهؤلاء وأفعالهم التخريبية، والسكوت على سلبياتنا وغض الطرف عنها يعتبر ذلك كله عقبة كأداء تحول بيننا وبين بلوغ أهدافنا النبيلة الطاهرة.
  6. بناء على ما تقدم فإنني بحكم موقعي أوجز طلباتي القانونية تحديدا في الآتي:
(أ) تحقيقا لشرعية ومشروعية مكتب الإرشاد فالواجب يقتضي استكمال مكتب الإرشاد بما يتفق مع اللائحة عن طريق الذين يلون المتوفيين والمعتقلين في الأصوات حسب آخر انتخابات جرت وليس بالتعيين، أو عمل انتخابات على الأماكن الشاغرة وعددها ثمانية من بين أعضاء مجلس الشوري، مع مراعاة أن يكون منهم تسعة أعضاء من القاهرة وخمسة أعضاء من الأقاليم (2 عن الجنوب، 1 عن شرق الدلتا، 1 عن وسط الدلتا، 1 عن غرب الدلتا).
(ب) التحقيق فيما بلغني به الأخ الدكتور رشاد البيومي من أن مجلس الإرشاد أصدر قرارا بعدم عودتي لموقعي كأمين عام لنقابة المهن العلمية عقب انتهاء فترة حبسي، وقد انعكس ذلك عند إخواني في النقابة عامة على أنني ارتكبت جرما في حق جماعتي، ولما كان ذلك القرار قد صدر دون التحقيق معي في أي شيء فإنني أراه قرارا ظالما وأطالب بإلغائه وإعادتي إلى موقعي الطبيعي كأمين عام لنقابة المهن العلمية، مثل كل الذين عادوا إلى مواقعهم فور الإفراج عنهم أو توضيح أسباب هذا القرار.
(ت) التحقيق فيما قاله لي الأخ الدكتور محمود عزت أنه قال لمكتب شرق القاهرة لما سألوه عني (سيبو الأخ سيد شوية) وهذا نص عبارته لي وبناء على هذا التوجيه الصريح بعدم التعامل معي من أمين المكتب فقد قاطعني الإخوان بشرق القاهرة وما يزالون حتى اليوم متصورين أنني ارتكبت عظائم وكبائر في حق الإخوان، وقد بدت منهم تصرفات وتجاوزات كثيرة في حقي وحق زوجتي وما يزالون على هذا الموقف حتى اليوم وطيلة السبع سنين الماضية.
(ث) التحقيق فيما قاله لي الأخ الدكتور حسين شحاتة في حضور الأخ المهندس محمد منصور من أنه علم من مسئوله أنني وآخرين ننظم انقلابا داخل الإخوان وأن مجموعة الانقلاب نظمت نفسها قسمين قسم يعمل من الخارج وقسم باقي يعمل بالداخل، وكان هذا الكلام بعد عام من وجودنا معا في أسرة واحدة كلها من المسئولين الكبار في السن والمقام؛
ويبدو أنني كنت محل اختبار طيلة هذا العام، وإلا لماذا تأخر هذا التصريح إلى ما بعد العام، وهل يجلس إخوان في أماكن أخرى في أسرة واحدة في نفوس بعضهم هذه الوساوس عن البعض الآخر؟ إنني أريد أن أعرف هذا المسئول وما هي أدلته على ما يقول.

أستاذنا الفاضل المرشد العام

عندما أطالب بالنظر في هذه المظالم التي وقعت لي ولغيري ممن أعرف فإنني أنظر للآخرة قبل الدنيا، ورد المظالم في الدنيا أيسر على الذين حملوا بها من استيفائها عنوة في الآخرة، وسلامة الصدر تتحقق بالعدل بين الإخوان، والأخوة تقتضي أن نسارع بتصفية هذه الأحمال قبل فوات الوقت وفجأة الموت أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يلقى كلامي هذا آذانا صاغية للنصح وقلوبا سليمة من كل شك وأن يحمل على المحمل الحسن ويقع من إخواني المسئولين على أحسن ما تحب لجماعتنا ونرضى، وما توفيقي إلا بالله، اللهم إني قد بلغت، وأنت على ذلك من الشاهدين.
د. السيد عبد الستار المليجي 3/ 3/ 2004م

الرسالة الثالثة:(دفاعا عن الإخوان المسلمين ورحمة بهم)

حول ما نشر بجريدة المصري اليوم

السيد الأستاذ الفاضل محمد مهدي عاكف (المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

وكل عام وأنتم بخير ودعواتي أن يكون الإخوان كلهم بخير وعافيةوبعد ...

حول ما نشر بجريدة المصري اليوم عدد الأحد 27 رمضان 1426 هـ الموافق 30 أكتوبر 2005م أود أن أوضح ما يلي:

أولا: لم أقرأ الجريدة يوم الأحد وعلمت من آخرين بما نشر وهذا هو السبب في تأخري مدة يوم على مراسلتكم.
ثانيا: عنوان الخبر جاء مخالفا تماما لما صرحت به ونصه (أنا لم أفكر لحظة في مفارقة جماعتي والإخوان ستبقى جماعتي وأنا مشارك في بنائها بكل وقتي وجهدي ومالي طيلة الـ 35 عاما الماضية وليس هناك بيني وبين إخواني في مصر والعالم أي شقاق أو انشقاق) وأتمنى أن يكون هذا فهمنا جميعا.
ثالثا: فيما يتعلق بعلاقة الإخوان بالنظام الحاكم كان نص عبارتي في سياق توجيه النصح للحاكم هو (أن الإخوان موروث قومي مملوك للوطن المصري ويجب المحافظة عليه ولكن الصحفي اختصر كلمة (يجب المحافظة عليه) عمدا أو سهوا أو جهلا بقيمتها ، الله أعلم.
رابعا: ما قلته حول مرشح الحزب الوطني د. حمدي السيد كان ردا على الكلام السيئ الوارد في طعنه على ترشحي حيث ذكر أنني من أصحاب السوابق وسجنت على جناية ارتكبتها ثلاث سنين، وكان حري به وهو أستاذ جامعي أن يترفع عن الكذب وهو يعلم أنني سجنت سياسيا بسبب معارضتي للفساد وأن الاتهام الذي ذكرته المحكمة نصا هو (أدار وآخرين على خلاف أحكام القانون جماعة الإخوان المسلمين الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقانون) وكلها أسباب تشرفني.
خامسا: محافظة على ما بيننا من الود والحب في الله وهو أغلى ما نملك في دنيانا فقد قررت كظم غيظي وإعلان عفوي عمن ظلمني والتوقف تماما عن الإدلاء بأي تصريحات تتعلق بالموضوع وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد، هذا للعلم والتاريخ والنشر لما ترونه مناسبا من الإخوان والإعلام.
أخوكم

الدكتور السيد عبد الستار المليجي

الإثنين 28 رمضان 1426 هـ

الرسالة الرابعة:(دفاعا عن الإخوان المسلمين ورحمة بهم)

تقرير مقدم إلى السادة الفضلاء أعضاء مكتب الإرشاد حول الأزمة التي نشأت عن ترشحي في دائرة النزهة وكيفية مواجهتها

أولا: توصيف الأزمة:

مثل ترشحي لمقعد الفئات بدائرة النزهة ضمن 15 مرشح لنفس المقعد أزمة في العلاقة بيني وبين بعض الإخوان الذين صوروا الأمر على أنه ضد د. حمدي السيد وهو لم يكن كذلك وتناولت بعض الصحف هذا الموضوع بطريقة عمقت مشاعر الحيرة والغموض لدى الكثيرين وصدرت تصريحات من النائب الأول للمرشد العام الأخ الأستاذ الدكتور محمد السيد حبيب بأن الجماعة ستعطي أصواتها لمرشح الحزب الوطني د. حمدي السيد
ثم تبع ذلك صدور قرار من المرشد العام الأستاذ محمد مهدي عاكف إلى الإخوان بالدائرة للتصويت لمرشح الحزب الوطني (حسب كلامه لي تليفونيا) وباشر الإخوان هذا الفعل يوم الانتخابات في معظم اللجان التي بلغها الأمر ومثل هذا الموقف صدمة شديدة لكافة الأوساط التي تعرف الدكتور السيد عبد الستار، وخاصة أهالي منطقة النزهة التي تعرفه منذ عام 1970 كواحد من العاملين بمنهج الإخوان قبل أن يعرف أشخاصهم؛
وكذلك عائلته الصغيرة التي عاشت معه كل المحن التي أصابته من جراء انتمائه للإخوان، وكذلك عائلته الكبيرة بمحافظة كفر الشيخ التي ما تزال تعزية بكل وسائل العزاء من جراء موقف الإخوان منه، كما أن هناك علامات استفهام كبيرة ما تزال مطروحة حول الموضوع، وهو الأمر الذي يتطلب معالجة حكيمة ومسئولة ومعلنة حتى تزول هذه الآثار على خير بمشيئة الله.

ثانيا: الأسباب:

تبدو من وجهة نظر في:
  1. ضعف إدارة اللجنة المركزية للانتخابات مما أوقعنا جميعا في جملة أخطاء.
  2. وجود مشكلة بين المرشح ومنطقة شرق منذ ثماني سنوات بدون تحقيق وبدون حل.
  3. معظم المتناولين للموضوع ليس لديهم المعلومات الكافية حوله مما جعلهم يخوضون فيما لم تتوفر لديهم معلومات كافية عنه.

ثالثا: أطراف الأزمة:

  1. الدكتور السيد عبد الستار المليجي.
  2. مجلس إدارة مكتب شرق القاهرة الإخواني (د. حسام أبو بكر، عبد المنعم دحروج، محمد صبيح، د. عبد المنعم البربري، م. أحمد شوشه).
  3. اللجنة المركزية الإخوانية للانتخابات (د. محمد السيد حبيب، د. محمد علي بشر، د. محمد مرسي).

رابعا: طريقة الحل من وجهة نظري يجب أن تتم وفقا للخطوات الطبيعية التالية:

  1. يدلي كل طرف بمعلومات وما قام به مكتوبا وهذا يحل مشكلة غياب المعلومات لدى الجميع.
  2. توضع المعلومات أمام لجنة تختارها الأطراف الثلاثة.
  3. يتم حوار حول الموضوع بين أطرافه الثلاث ولجنة التحكيم.
  4. يعرض الموضوع على مكتب الإرشاد ليصدر فيه القرار المناسب.
  5. يعلن هذا القرار بأسبابه للإخوان وعموم الناس.

ومن جانبي وتعبيرا عن رغبتي في حل الأزمة وتجاوزها فكل ما عندي من معلومات ووقائع هو على النحو التالي:

(1) في 9/ 10/ 1995 اعتقلت ضمن قضية النقابات المعروفة وكانت مهامي في الجماعة هي:
(أ) عضو بأسرة تتكون من (يونس وخيرت وعبد المنعم وشرف وسليم).
(ب) عضو مجلس الشوري عن مدينة نصر منتخبا.
(ج) عضو بقسم الاتصال برئاسة أ. عاكف المرشد الحالي.
(د) عضو بالأمانة العامة بقسم المهن المركزي برئاسة د. عبد المنعم أبو الفتوح.
(ه) عضو بالأمانة العامة بقسم الطلبة المركزي برئاسة أ. د. رشاد.
(ذ) مسئول عن العلميين وممثلهم في قسم الهمن.
(ح) الأمين العام لنقابة المهن العلمية مكلفا من قسم المهن.
(2) خرجت من محبسي في 9/ 10/ 1998 وتوجهت في اليوم التالي للحاج مصطفى وسلمت عليه وكان بيني وبينه حديث طويل حول الأحداث التي جرت أثناء وجودنا في المعتقل وتعرف تفصيليا على وجهة نظري فيها بكل وضوح وشفافية ووضعت نفسي تحت تصرف الجماعة بقيادته.
(3) لفت نظري إلى أنه من الأفضل زيارة السادة أعضاء المكتب وفعلت في اليوم التالي حسب اتفاقي معه وتحاوروا مع ي بشأن بعض القضايا في اجتماع للمكتب وبينت موقفي منها وعقيدتي نحوها بكل شفافية وكررت للجميع بأنني في النهاية ملزم بالرأي الذي تتفق عليه الجماعة عبر مؤسساتها المسئولة ومن جانبي انتظر تكليفاتكم لي بالعمل وفق ما ترونه مناسبا.
مضت سنة 1998 ولم تصدر لي تكليفات بعمل من أي جهة وفي بداية 1999 توجهت إلى الحاج مصطفى طالبا العمل واقترحت عليه تشكيل لجنة للبحث في الاستفادة من رصيدنا الكبير من الأفراد وشرحت له وجهة نظري فوافقني ولكنه عاد بعد يوم وأخبرني بقوله (سنشكل اللجنة وكن أحد أفرادها) وشكلت بالفعل برئاسة د. بشر وعضوية 15 من قيادات الإخوان بالمحافظات وأعدت تقريرها في ثلاثة أشهر وقدمته لسيادته (الأسماء مذكورة مع الرسالة الأولى).
(4) لم تصدر لي تكليفات بعمل بعد ذلك فانشغلت في البحوث العلمية وترقيت لدرجة أستاذ مساعد وأعقب ذلك سفري لمدة 6 شهور لأمريكا لإجراء بحوث على نفقة الجامعة.
(5) كان سفري هروبا من الجو الخانق الذي كنت أحس به في منطقة شرق القاهرة دون تصريح منهم بأي شيء ولكن جميع وظائفي التنظيمية باتت مشغولة بآخرين ولم يعد هناك ثمة اتصال بالجماعة غير الأسرة الباردة المتقطعة من جانبهم وأحسست بأن مهمة الأسرة تجميدي ومراقبتي ولا شيء غير ذلك حيث لم أدع لأي فعالية مما تعودنا عليه.
(6) حدثت مواقف مشينة في نقابة المهن العلمية أفهمتني بأن ثمة موقف ضدي ينفذ عمليا دون إعلان وبدون توجيه أي اتهام لي أو التحقيق معي في شيء وقيل إنه قرار مكتب الإرشاد.
(7) سارعت إلى الأستاذ مأمون وشرحت له ذلك فأوضح لي أنه لا يوجد أي قرار كهذا على الإطلاق وتوجه إلى نقابتك ومارس عملك، ثم طلب خيرت وأمر بحل مشكلة شرق معي.
(8) انخرطت في العمل بالنقابة وفرح الإخوان كثيرا بعودتي إليها وتعاونا على تحسين أحوالها كثيرا وتمت مراجعة شاملة مالية وإدارية لخمس سنين ماضية والحمد لله دبت الحياة في أوصالها وعادت تؤدي بعض أدوارها القديمة غير أن موقف منطقة شرق لم يتحسن.
(9) علمت أن منطقة شرق أجرت انتخابات فيما بينهم دون حضوري فحزنت وأبلغت وقيل كلام لا يقنع الأطفال من مثل لم نستطع الوصول إليه لإبلاغه.
(10) أبلغني من شهر فقط عضو مكتب شرق (د. عبد المنعم البربري) إنهم اتخذوا قرارا منذ 8 سنوات بعزلي بغير تحقيق معي في أي شيء ودون إبلاغي بهذا القرار ويشهد على ذلك أربعة من الإخوان أحدهم عضو بمكتب الإرشاد (د. عبد المنعم أبو الفتوح).
(11) كان هذا التصريح من هذا الشخص بمثابة طعنة في قلبي وصدمة أليمة لمشاعري وتفسيرا واضحا لكل تصرفات الذين خانوا وخابوا وجبنوا عن إعلامي بجريمتهم النكراء وحسبي الله ونعم الوكيل فيهم ومن عاونهم حتى يتوبوا ويرجعوا.
(12) كان موضوع الترشح في بدايته لأسباب مهنية لنقابة المهن العلمية ثم للعمل على فك الحظر السياسي ولا أكثر من ذلك غير أن إبلاغي بهذا القرار بعد العمل به على مدى 8 سنوات جعلني أمضي معلنا أنني من الإخوان المسلمين رغم أنف الذين أجرموا في حقي دونما سبب واحد.
(13) أما موضوع الانتخابات فهو أهون شيء في المسألة حيث إن لجنة الانتخابات، وجهتني للترشح في كفر الشيخ بشرط التنسيق مع إخوان كفر الشيخ الذين رفضوا ترك الموقع لي فأحالتني اللجنة إلى كوبري القبة بشرط التنسيق مع الأخ دحروج الذي رحب بي وأبلغني صراحة بدون لبس أنهم لديهم مرشحين فئات وأنه مريض وعامل عملية ولن يترشح عمال وأبلغت د. حبيب بذلك فقال لي على بركة الله.
في طابور الترشيح صباح السبت قابلت د. الفرماوي قدرا وسألته عن موقع ترشحه فقال في كوبري القبة، ومثل ذلك مع سوابق مكتب شرق جريمة جديدة تضاف لسوابقها واتخذت قرارا سريعا بالتوجه للترشح في كفر الشيخ مكاني الطبيعي وبين أهلي بعدما تخلى عني إخوتي وصاروا يلعبون بي الكرة على هذا النحو المذري.
ولكن الدكتور الفرماوي أقسم أن ينسحب هو وأقسمت عليه أن يبقى فاقترح الاتصال بالدكتور حبيب لتبين الأمر وحدث وأخبرني د. حبيب بأن قرار نقل د. الفرماوي من المطرية حيث مكانه الطبيعي حسب إقامته إلى دائرة كوبري القبة وهو المكان الذي وجهت إليه وصله مساء الجمعة ولم يجد وقت لإبلاغي؛
وما دام هناك وقت فسوف يبحث لي عن مكان جديد وأبلغته من جانبي أنني سوف انتظر قرار اللجنة السبت والأحد والإثنين فإن لم يصلني قرار فسوف أترشح في المكان الذي أراه مناسبا لي الثلاثاء ولما لم يصلني قرار حتى الآن فقد ترشحت في النزهة دونما أي تفكير في الأشخاص المرشحين بها ولم يكن في خلدي أن بها د. حمدي السيد ولا غيره وحتى مرشح الإخوان في العمال غير معروف لي بالمرة ولم أره ولم أسمع به من قبل.

المطلوب:

التحقيق في هذه الوقائع مع كل من كان له دخل فيها وتوضيح الأمور للجماعة وإعادتي لكافة مسئولياتي يوم اعتقالي في 9/ 10/ 1995
التوقيع القاهرة في 22/ 11/ 2005

الرسالة الخامسة:دفاعا عن الإخوان ورحمة بهم

حول اجتماع لجنة المكتب للنظر في شكوى الانتخابات

السيد الأستاذ الفاضل والأخ الكبير فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

واسمحوا لي أن أعرض عليكم الآتي:

تلقيت مكالمة تليفونية من الأخ أمين مكتب الإرشاد الدكتور محمود عزت يطلب مني زيارة الأخ الدكتور محمود غزلان في بيته ولما كان الأصل فينا إحسان الظن بالإخوان فقد توجهت للمكان في الوقت المحدد وفوجئت أنه يتحدث معي بشأن الشكوى التي قدمتها بتاريخ 22/ 11/ 2005 وكان يحضر اللقاء إخوان كريمان هما الدكتور محمد سعد عليوة من الجيزة والشيخ حمدي إبراهيم من شبرا، وبدى لي الأمر، وكأن هذه لجنة تتقصى الحقيقة حول الشكوى التي قدمتها؛

ولقد أحزنني كثيرا هذا التصرف من نواحي عدة أذكرها لحضرتكم على النحو التالي:

  1. أنه انقضى على الشكوى التي قدمتها فوق الثلاثة أشهر، وهو الأمر الذي شق على نفسي وأحزن قلبي، واعتبرت القضية قد نسيت أو شطبت من جدول أعمالكم، لقد كنت أتصور أن جهادي في الصف وضمن إطار الجماعة لمدة 30 عاما حتى اليوم، قضيناها معا عملا متواصلا في سبيل الله، يحقق لي بعض الاهتمام من السادة المسئولين في الجماعة، فيسارعوا متوصلا في سبيل الله، يحقق لي بعض الاهتمام من السادة المسئولين في الجماعة، فيسارعوا على الأقل بزيارتي لا سيما أن معظمهم بيننا وبينه عيش وملح وسجون ومعتقلات، وأن الإخوان المسلمين ليست تنظيما وفقط ولكنني أفهمها شيء أكبر وأعم من التنظيم.
  2. إنني أرى أن اللجنة التي تستطيع التحقيق من شكواي يحسن أن تكون من أشخاص شاركونا في عمل سابق فأعمالنا في الجماعة كما تعلمون تتسم بقدر من السرية حتى يكاد الكثيرين من الإخوان لا يعرفون ما يقوم به غيرهم من إخوانهم، والذين عملت معهم في المكتب اليوم هم حضرتكم والدكتور رشاد والدكتور حبيب والدكتور عبد المنعم، وأما الدكتور محمود غزلان (مع احترامي لإخوته) فلا أعرف عنه شيء قط، وأعتقد أنه لا يعرف عن عملي بالجماعة شيء وكذلك الشيخ حمدي إبراهيم فهذه أول مرة اجتمع به في جلسة إخوانية.
  3. لم يتناول الحوار أي شيء عما شكوت منه وانصب الحوار كله على الموقف من الانتخابات الأخيرة وهو الموقف الذي جاء كثمرة مرة لتصرفات خاطئة من مكتب شرق القاهرة طيلة السنوات الأخيرة.
  4. سلمني الأخ الدكتور محمود غزلان ورقة من مكتب شرق ليست موقعة من أحد وهو ما يفقدها الكثير من الجدية، وتمثل برمتها استمرارهم في إثارة الغبار حول حقيقة موقفهم الخاطئ وعدم الرد على الأسئلة التي طرحتها عليهم
ومنها:
(أ) ما الذي كلفتني به الجماعة يوما ولم أقم بأدائه بكل جدية؟
(ب) ما هي الأسباب التي دعتهم لأخذ قرار بعزلي وإثارة الشبهات من حولي؟ ومن الذي أصدر القرار تحديدا؟

وفيما يتعلق بالورقة المقدمة من شرق حول طريقة نزول الانتخابات ففيها من الأخطاء ما يلي:

رتبت الورقة آلية للانتخابات تبدأ بترشيح المنطقة للمرشح وتنتهي إلى لجنة الانتخابات العامة، وأنا معهم في ذلك، ولكن ما الحل والمنطقة قد عزلتني من سنين دون سبب معلن؟ وما ولا يتهم على مثلي وقد عزلوني دون أن يكلفوا أنفسهم حتى بإعلامي أو التحقيق معي؟ ولماذا يعتبرونني الآن ضمن إطارهم المزعوم؟
ثم أنني أقسم بالله لا أعرف أي مسئول في مكتب شرق معرفة شخصية تمكنني من أن أعود إليه في أي شيء، ولذلك كان طبيعيا أن أتوجه في الأمر إلى اللجنة العامة مباشرة وأعلمها بأن أسرتي بمحافظة كفر الشيخ ترغب في ترشيحي وعدد من العلميين طلبوا مني ذلك لمناصرة قوانين النقابة بالمجلس واللجنة هي التي وجهتني إلى إخوان كفر الشيخ ثم إلى الأخ عبد المنعم لمناصرة قوانين النقابة بالمجلس واللجنة هي التي وجهتني إلى إخوان كفر الشيخ ثم إلى الأخ عبد المنعم دحروج في كوبري القبة، فأين الخطأ في موقفي؟
تحدثت الورقة كذلك عن كيفية نزول الانتخابات وقالت إن الحي لم يرشحني لسببين الأول: أنني غير متواجد بين الإخوان في مدينة نصر وهذا كلام يتجاوز الحقيقة ولا يؤخذ في الاعتبار لأنني أعمل في مدينة أخرى، ووقت وجودي بالقاهرة أقضي معظمه في نقابة المهن العلمية بتكليف من الإخوان أنفسهم، كما أن الفترة التي يتحدثون عنها تخللها سفري إلى الخارج لمدة عام على مرتين.
وأردف الكاتب يقول إنني لا أحضر أسرتي والحقيقة أنني من أكثرهم محافظة على الأسرة فور علمي بها، وكثيرا ما كنت أذهب إلى المكان فلا أجد إلا صاحب البيت فنمكث الساعة دون حضور ثالث ثم ننصرف وأسأل إن شئت في ذلك الأخ محمد يونس واسأل كذلك عن الفترة الأولى الأخ مصطفى سليم ناظر مدرسة الرضوان؛
أما الكتائب التي دعيت إليها في السبع سنوات الماضية فكانت واحدة بقيام م. علي إسماعيل وحضرتها وكنت المتحدث الرئيسي بها وواحدة في الإسكندرية بقيادة أيضا وحضرتها وواحدة ببيت في شارع الطيران لطبيب أسنان بقيادة م. ممدوح وكنت متحدثا بها وكانت كل هذه الدعوات خلال عام 1999 تقريبا ثم انقطعت دعوتهم لأنهم لأنهم والله أعلم ليسوا مقتنعين بفهم جماعة الإخوان المسلمين لما يكون مطروحا للحوار، ويرغبون في فهم معين يريدون فرضه على الكتائب والأسر، ولذلك عملوا بالمثل (الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح).
وأما السبب الثاني الذي زعموا أنهم لم يرشحوني من أجله فإنني أستحلفك بالله أن تقرأه وتتمعن فيه، ونصه أنني (لا أعتبر رمزا داخل المنطقة والدائرة) وأنا أسأل لتقرير الواقع وليس ذكرا لفضائل: هل السيد عبد الستار الخطيب بمسجد الرضوان طيلة وجوده في مدينة نصر والأمين العام لنقابة المهن العلمية وصاحب مئات المقالات بالصحف والمجلات ومؤلف العشرات من الكتب ومدير وصاحب المركز العلمي الذي تخرج في دوراته مئات الإخوان ومئات الطلاب الوافدين والمؤسس الأول لجماعة الإخوان بمنطقة النزهة قبل انتقاله إلى مدينة نصر ورئيس المعامل وضبط الجودة بمصانع وشركات الشريف؛
هل هذا الشخص بالله عليك يكون أقل شهرة ورمزية من مرشحة الفئات بمدينة نصر الدكتورة مكارم أو مرشح العمال الأخ عصام مختار؟ (على سبيل المثال مع احترامي الكامل لأشخاصهم) اترك الإجابة لحضراتكم ولا أقول في من كتب هذا إلا (العيب من أهل العيب مش عيب) وحسبي الله ونعم الوكيل.
ادعت الورقة أنني زرت الأخ محمد صبيح في بيته وأنا أقسم بالله أنني حتى هذه الساعة لا أعرف أين يقع بيت الأخ محمد صبيح رغم محبتي له واحترامي ولإخوته ولكنني أعجب لكثرة الكذب ممن يدعي أنه من الإخوان المسلمين ويعلم أن عموم المؤمنين ليسوا كذابين.
ادعت الورقة أنني زرت الأخ دحروج في بيته وقال لي إن الأمر يرجع إلى لجنة الانتخابات، وهذه كذبة أخرى، لأن الأصل أنني كنت مرسلا له من لجنة الانتخابات وليس هو الذي ذكرني بذلك، وأنني حصلت على عنوانه وتليفونه من المكتب بالروضة، كما ادعت الورقة أنه أخبرني، بأن مرشح الفئات في كوبري القبة هو الدكتور الفرماوي؛
وأنا أقسم بالله أن نص كلامه (أنه مريض وعامل عملية) وأنه ترشح قبل ذلك ولم يفز وأن ليس بالمنطقة مرشح فئات وأهلا بك وسهلا إذا وافقت اللجنة على ذلك، وهذا ما نقلته للجنة الانتخابات، وقال لي الدكتور حبيب على بركة الله فتوجهت للترشيح بناء على ذلك.
أثبتت الورقة أنني اتصلت بالدكتور الفرماوي أسأله عن الدائرة التي سيترشح فيها، وهذه حقيقة، ودلالاتها أنني لم أكن أعرف حتى مساء سبت الترشيح ولم أعرف من أي جهة كذلك إلا في طابور المرشحين ولو لم ألمح وجود الدكتور الفرماوي لترشيح كلانا في ذات الموقع.
أثبتت المذكرة أنني التزمت بقرار الدكتور حبيب للمرة الثانية فقد انسحبت من دائرة كفر الشيخ ثم انسحبت من دائرة القبة من أمام مرشح الإخوان وفيهم من هو أصغر مني سنا هناك ومن هو أكبر مني سنا هنا.
ادعت الورقة أنني ترشحت ضد د. حمدي السيد وهذا كذب محض لأن الأصل في ترشيحي لم يكن لشيء غير فك الحظر السياسي بسبب قرار المنع المستيقن من حدوثه، ولتأخر قرار اللجنة بالموافقة على الترشيح وفي جلسة مطالبتي بالتنازل لصالح الدكتور حمدي السيد أبلغني الدكتور البربري بأنني معزول من قبل الحي وكانت هذه أول مرة يصرح لي بها بهذا القرار فاستشطت غضبا من الجميع ولم أعد أرى لأحد منهم حتى في مجرد التحدث معي واعتبرتهم خانوا كل عهد وميثاق بين الإخوان وبعضهم.
ادعت الورقة أن الدكتور محي الزايط حاول الاتصال بي ولم يجدني، وأنا أسأل لماذا دائما في المواقف التي يرغبون فيها أن أغيب يقولون خروج ولم يعد ولم نعثر عليه؟ وانظروا في كلامهم المتكرر حاولنا ولم نجده!
لماذا وجدني فورا الدكتور محمود عزت عندما اتصل بي ليوجهني لزيارة د. محمود غزلان ولماذا وجدني الدكتور محي نفسه عندما طلبني بشأن وفاة زوج شقيقته ولماذا وجدني الأستاذ عاكف عندما طلبني بشأن حادث ألم بولدي ولماذا تأتيني عشرات المكالمات اليومية من الداخل والخارج، إخوانية ونقابية وعلمية واجتماعية فتجدني بينما دائما مكتب شرق لا يجدني، هل هذا كلام معقول أو مقبول؟
تحدثت المذكرة أنني تصرفت في طريقة الدعاية وكأنني مرشح الإخوان المسلمين، وأنا أكرر أنني متمسك بالانتماء لجماعتي ومصر على ذلك ولو كره مكتب شرق فصفة الإخوان المسلمين اكتسبتها واقعيا وليس منحة من أحد ولكن بما ألزمت به نفسي من العمل وفق منهج الإخوان طيلة عمري الماضي كله وكوني من الإخوان المسلمين هو مشروع حياتي الأساسي وما عداه مجرد خادم له؛
وفي سبيل ذلك تكلفت ما يتكلفه كل أخ صادق من ثمن بداية من الوقت والمال ومرورا بالسجن والاعتقال والتعذيب والمنع من السفر والمحاربة في الرزق والعمل، ولن يستطيع أحد في شرق أو غرب أن ينزع عني هذا الثواب ولن يحدث في المستقبل.
ادعت الورقة أنني اتصلت بالإخوان أطلب منهم العون في الانتخابات وأنا أعتبر هذا شهادة لي وليست علي، ولو تعرضت لأي موقف أحتاج فيه معونة من المسلمين فسوف أبدأ دائما بإخواني في الجماعة أينما كنت وأعتبر هذا من حقي عليهم ومن حقهم علي وسواء عاونوا أو امتنعوا فأمرهم موكول إلى الله حسب نياتهم.
أتمنى أن تتداركوا الأمر وأن تعيدوا النظر في موقف مكتب شرق الذي لا أعرفه حتى هذه اللحظة وأن تعقدوا اجتماعا برئاستكم أو الدكتور حبيب مع من يمثل مكتب شرق حتى ننهي هذا الموضوع على خير وفي إطار من الأخوة التي نتمناها وننشدها.
وأفوض أمري إلى الله ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

وتمنياتي لكم بالتوفيق لما يحبه الله ويرضاه ..

التوقيع ( ) 26/ 2/ 2006

الرسالة السادسة:(دفاعا عن الإخوان المسلمين ورحمة لهم)

26/ 3/ 2006 للمرة الثانية في عام واحد تزوير الانتخابات الإخوانية في مدينة نصر

فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ محمد مهدي عاكف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

هل حقا صارت الأمور في جماعة الإخوان المعاصرة إلى ما رأيته بعيني مساء الأحد 26 3/ 2006؟

اختصارا للوقت أسرد الوقائع كما حدثت:

دعاني بإلحاح نقيب الأسرة لحضور اجتماع في عنوان محدد وقبل موعده بيوم واحد.ذهبت في الموعد، وبعد صلاة المغرب نظرت في الحاضرين وعددهم 31 فلم أتعرف على أكثر من ثمانية.سألت عن سبب الحضور فقيل بعد قليل سيأتي المسئول ونعرف السبب!
بعد قليل دخل الأخ صادق الشرقاوي ومعه آخر.سألت من بجواري: من هذا؟فقالت إنه الأخ حسام أبو بكر مسئول المنطقة!
ولما كانت معلوماتي أن مسئول المنطقة شخص آخر فقد أدركت أن انتخابات جرت دون علمي وترتب عليها مسئوليات جديدة وتصعيدية حتى درجة مسئول المنطقة.
ولما كانت المعلومات التي توفرت عندي تدل على حداثة المسئول بالمنطقة مقارنة بغيره فإنني أعتبر الأمور تبعث على الشك والريبة وأن احتمالات التزوير قائمة وأقلها العمد في استبعاد بعض الإخوان منها، ويعتبر هذا هو التزوير الأول والأخطر لأنه ترتب عليه مسئوليات هامة.
وأما التزوير الثاني فقد كان أمام عيني على النحو التالي:
  1. أخرج مسئول المنطقة قائمة ووزعها على الحاضرين وبها 21 اسم وقال يتم اختيار مسئول للشعبة من بين هؤلاء الذين تنطبق عليهم الشروط.
  2. نظرت وراجعت الأسماء فل أجد اسمي فوجهته لذلك.
  3. تلعثم قليلا ثم قال:أصل العاملين بالنقابات والجامعات ما بينتخبوش في مسئولية الشعب.
  4. فقلت لو كان هذا صحيحا لماذا يوجد اسم الأخ جمال تاج الدين ويدرج في الكشف ويطبق الشرط على السيد عبد الستار فقط؟
  5. قال المسئول:وجود الأخ جمال تاج الدين خطأ.
  6. قال الأخ جمال:أنا عايز أعمل بالحي.
  7. قال الأستاذ المسئول:إذا تتنازل عن النقابة؟ لم يرد جمال تاج وبدى محتارا ومستنكرا.ولم نصل لحل مع إصرار المسئول على استبعادنا وتم الاختيار من عشرين بعد شطب اسمي واسم الأخ جمال؟والسؤال هل هذا طبيعي وهل العاملين في النقابات أصبحوا خارج تنظيم الإخوان؟ أم من حقهم بناء هرم تنظيمي يخصهم وحدهم؟ ولماذا كانت دعوتي لمثل هذا الاجتماع؟
  8. أردف المسئول يقول إن اللائحة كده.
  9. قلت له وأين هذه اللائحة؟ قال الإخوان كلهم قرأوها وأقرها مكتب الإرشاد.
  10. سألت الإخوان الحاضرين: هل كلكم طالع اللائحة ما عدا أنا؟ فاتضح أن عشرة فقط طالعوها من 31 حاضرين.
  11. لفت نظرهم إلى أن الإخوان الحاضرين لا يعرف بعضهم بعضا وأردف آخر أنه لا يعرف ثلث الموجدين ويراهم مرة وأردف ثالث، أنا مع د. سيد لأن هناك أخ أره منذ الإعدادية، واقترحت عليهم تقسيم الحاضرين لمجموعتين متعارفتين وكل مجموعة تختار من بينها نصف العدد المطلوب، ورفض طلبي وتم انتخاب مسئول ونائبه ومجلس الشعبة من قائمة مزورة؟ وبهذه الطريقة التعسفية.
  12. قدموا قائمة أخرى بها 38 اسم لينتخب منهم الجمعية العمومية وعددهم تسعة.
  13. للمرة الثانية لم أجد اسمي بالكشف ووقفت لأستوضح السبب وبعد جدل ورشوشات بين المسئول جيرانه أضافوا اسمي بالقلم الرصاص، شكرتهم على تفضلهم بوضع اسمي بالقلم الرصاص.
  14. لاحظت أخطاء إدارية كثيرة تتعلق بالمناطق وحدودها الجغرافية مما يصعب على الإخوان معرفة مدى صحة تمثيل الموجودين لمناطقهم، فعلى سبيل المثال لماذا دعيت للشعبة وجاري مباشرة م. علي إسماعيل لم يدع؟ ألسنا منطقة واحدة؟ وسألت عن آخرين في المنطقة فقيل أن المنطقة السادسة أصبحت ضمن مصر الجديدة ولو كان الأمر صحيحا فلماذا لم أعتبر ضمن مصر الجديدة وأنا من المنطقة السادسة؟ الأمور كلها تبعث على الريبة وتنبعث منها روائح التزوير الكريهة.
هل تجري الانتخابات الآن في كل جماعتنا على هذا النحو الانتقائي؟هل هناك فريق من الإخوان أستحوذ على التنظيم ورسم خطة لاستئصال فريق آخر ولو بتزوير العملية الانتخابية على هذا النحو الفج؟
أعتقد أن من يفعل هذا يلعب بالنار، والتاريخ شاهد على هذا المنهج الاستبعادي نهايته سوداء، فهل نترك هؤلاء حتى يخرجوا ما تعبنا فيه أعواما متطاولة؟أطلب التحقيق فيما حدث مع المسئولين عن كشوف الناخبين وإجراء الانتخابات وأعتبرها مزورة ومهدرة وغير صحيحة.
وتفضلوا بقبول التحية والاحترام. التوقيع

التعليق على الرسالة:

لاحظ عزيزي القارئ أن (أ. د. عبد المنعم البربري) أحد أعضاء مكتب شرق صرح لي أيام الانتخابات (2005) أن هناك قرار باستبعادي من التنظيم، وهنا التنظيم يدعوني لحضور الانتخابات؛
ومن ذلك يتضح لكل ذي عينين أن هناك تنظيما سريا يتخذ قرارا داخل الصف دون علم القيادة، المعلنة وهو القول الذي يجادلني فيه حتى اليوم الإخوان، ويتضح أن بيننا كذابين يكذبون على الجماعة ويبلغون المحافظات والأحياء والكتائب والأسر بتعليمات صادرة منهم شخصيا مصورين إياها على أنها أوامر القيادة وما هي كذلك، فمتى نعترف بالواقع ونعمد إلى تصحيحه؟ إن أول درجات العلاج هو تشخيص المرض بدقة وما دام بعضنا ينكر الشمس في رابعة النهار فسوف نبقى ندور في حلقة مفرغة.
كما يلاحظ اليوم أن هناك شبه استغناء تام عن إخوان القاهرة واستجلاب آخرين من الأقاليم لممارسة العمل، وخاصة من محافظة الدقهلية، بلد النائب الثاني للمرشد وبلد المرشد كذلك، كما تطالعنا الصحف من حين لآخر بتصريحات مهندس سكندري تحت صفة المكتب السياسي بينما رئيس المكتب التزم الصمت، وفي القاهرة مركز (حوار) يديره نائب اسكندراني مع وجود نواب من القاهرة وفي نقابة المهن العلمية يرأس اللجنة السرية الإخوانية علمي اسكندراني مع كثرة الإخوان العلميين بالقاهرة ويساعده سويسي ودقهلاوي، والإخوان تعاني القاهرة من كثرة هجرة أبناء الريف للحضر!!
هل هناك عيب في خريجي جامعات القاهرة وعين شمس وحلوان والأزهر حتى تتجنبهم القيادات السرية؟ أم أن إخوان المحافظات الأخرى أقاموا دولة الإسلام في محافظاتهم وجاءوا لفتح القاهرة الخالية من الكفاءات الإخوانية؟ لماذا يكلفنا التنظيم السري بدلات سفر وبدلات مبيت للضيوف وشقق مفروشة ولوكاندات مستأجرة لأبناء المحافظات المسجلبين حسب مقاسات التنظيم السري؟

الرسالة السابعة:(دفاعا عن الإخوان المسلمين ورحمة بهم)

دعوة لإنقاذ المهن العلمية ومحافظة على سمعة جماعتنا السبت 23 – 12 – 2006

السيد الفاضل سعادة الأستاذ المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين

الأخ الفاضل مسئول قسم المهن المركزي

الأخ الفاضل مسئول مهنة العلميين بالقسم ومعاونوه.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد ...

تعتبر النقابات المهنية التي تدار بواسطة المهنيين الإخوان معيارا لأداء الجماعة المتوقع في حالة فوزها بالسلطة العليا في البلاد، ويفرض علينا ذلك أن نولي اهتماما خاصا لتحسين أدائنا بالنقابات التي ما زالت تحت إدارتنا وفي مقدمتها نقابة المهن العلمية، وهي التي تعتبر خالصة للعلميين الإخوان دون منازعة تذكر.

منذ قرابة الخمس سنين وأنا أحاول جاهدا أن أشارك بكل جهدي في تحسين هذا الأداء بالتعامل مع الواقع الإداري والضعيف الموجود بكل صبر وتحمل، كما أنني أبديت ملاحظاتي كتابة لكافة الإخوان المسئولين تقريبا،وانتهيت برئاسة لجنة لتقييم الأداء في النقابة وتقديم مقترحات محددة لتحسين الأداء والتفعيل في المجتمع؛

وانتهى الموقف بتحميل المسئولية في التقصير على موظف (مدير الحسابات) والعضو الوحيد بهيئة المكتب من غير الإخوان، وقد أعلنت وقتها لكل مجلس النقابة بأن هذا ينافي العدالة ويظهرنا كجماعة تخالف ما تدعو إليه، واليوم وبعد سنوات نجد أنفسنا في نفس الموقف من حيث قصور الأداء وتعطيل شبه تام لمجلس النقابة العامة ومجالس الفروع ومجالس شعبتين من الخمسة وبدت معظم الفروع كأنها مبان خاوية تسكنها الأشباح.

وفي النقابة العامة بقيت قضايا ومشكلات العلميين الكبرى بغير حركة نحو الحل، ولا يعرف للمجلس ولا هيئة المكتب (عدا أمين الصندوق) أي حركة أو نشاط يمكن رصده في سبيل تحسين أوضاع الأعضاء على اختلاف تنوع تلك المشكلات (ضعف المعاشات ثم توقفها،بدل العدول، بدل التفرغ، إصدار قانون مزاولة المهنة، إصدار قانون زيادة الدخل، جمع المتأخرات المالية وخاصة الاشتراكات المتأخرة (12 مليون)، البحث العلمي وضعف ميزانيته، غياب الخطة القومية في البحث العلمي) ونقابة العلميين (70 ألف عضو + 100 مليون جنيه عقارات ورأس مال ثابت + مكتب رئيسي بقلب القاهرة + 20 فرع ومكتب بالمحافظات) تعاني فوق ذلك من ظاهرة ضعف الأداء النقابي في المجالات الثلاث الرئيسية

وهي:

  1. رفع كفاءة الأعضاء والارتقاء بهم مهنيا.
  2. تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية والإسكانية والعناية بكبار السن.
  3. المشاركة في العمل الوطني العلمي.

وأرى أن مرد ذلك يرجع إلى ضعف الهيكل البشري القائم بالعمل في المركز الرئيسي والفروع عددا وخبرة، وإصرار البعض من الإخوان على التمرس بموقعه والبقاء فيه دون قيامه بواجبات الموقع، وانصراف الإخوان العلميين عن الفروع في معظم المحافظات وعدم السعي لترك المواقع للأكفاء من غيرنا، ولو تحسن الهيكل البشري لأمكن التغلب على المشكلات وأداء الأمانات كما يحب الله وريضى.

في هذا الإطار وتغليبا للمصلحة العامة على الخاصة، وحرصا على كل يوم من أعمارنا التي تسرع بنا نحو الآخرة، وخوفا من حساب الله قبل الناس، واحتراما للعلميين في كل مكان؛

أقترح ما يلي من الخطوات لإصلاح الهيكل البشري المكلف بالعمل:

  1. ضرورة حصر الإخوان العلميين بالقاهرة والمحافظات بكل فئاتهم وأعمارهم ووظائفهم، وتمكينهم من اختيار مسئول لكل محافظة.
  2. ينتخب من القاعدة الإخوانية الكاملة الممثلة لكل المحافظات ثلاثة (مسئول ومساعد للشمال ومساعد للجنوب) على أن يكونوا في سن العمل أي دون الستين من العمر ومن المقيمين بالقاهرة ولهم سابقة خبرة بالعمل النقابي.
  3. يضاف إلى قائمة كل محافظة من غير الإخوان عدد مناسب من العلميين المحترمين في أوساطهم ويقوم الإخوان العلميين باختيار عشرة من المجموع ستة من الإخوان وأربعة من غيرهم ليشكلوا فريق عمل للقيام بواجبات مجالس الفروع.
  4. منعا لازدواجية العمل يقوم قسم المهن المركزي بالتعامل مباشرة مع الثلاثة المنتخبين من القاعدة وفي المحافظات ينتخب مسئول للعلميين من إخوان المحافظة ويكون ضمن العشرة المهتمين بعمل النقابة.
  5. تستكمل الهياكل الإدارية للنقابة العامة والشعب والفروع بمن عليهم الدور في آخر انتخابات أجريت ثم بترشيحات من العشرة المنتخبين.
  6. يستكمل الهيكل الإداري من الموظفين فيكون هناك موظف لكل لجنة وموظف لكل شعبة وسكرتارية للأمانة لا تقل عن ثلاث موظفين أكفاء.
  7. يراعي أن الكتلة الداعمة للنقابة توجد في 26 كلية علوم وعلينا احترام هذا الواقع وتمثيل كليات العلوم في كافة تشكيلاتنا.
  8. هيئة المكتب الحالية في النقابة العامة لم تعد قادرة على الوفاء بمهام المنصب والأمثل للجميع أن تقدم استقالتها في نهاية عام 2006 لتبدأ هيئة مكتب جديدة في التخطيط لعام 2007.
  9. علينا أن نتفق على أن علاقة الجماعة بالنقابة تكمن في اختيار الفريق الذي يعمل بكل نقابة وعلى هذا الفريق أن يدير العمل وفق قانون النقابة وحسب متطلباتها.
  10. في حالة كون قسم المهن ليس لديه الوقت لعمل ذلك فاعتبروني متطوعا تحت تصرف القسم للقيام بذلك كله في غضون شهري يناير وفبراير 2007.
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد ...

التوقيع:

السبت 23/ 12/ 2006

الرسالة الثامنة:(دفاعا عن الإخوان المسلمين ورحمة بهم)

أموال الإخوان المسلمين– من أين وإلى أين؟ في 8/ 2/ 2007

السيد الفاضل سعادة المرشد العام الأستاذ محمد مهدي عاكف.

السيد الأستاذ الدكتور سعادة نائب المرشد العام أ. د. محمد السيد حبيب

تحية طيبة وبعد ...

من المهم قبل المقدمة أن أذكر الجميع بأنني كتبت في هذا الموضوع بإسهاب إلى فضيلة الأستاذ مأمون الهضيبي وإلى فضيلة الأستاذ محمد عاكف منذ الشهر الأول لتوليه المسئولية فلا يتصور البعض أنني أذكر بتلك المشكلة بعد وقوع الكارثة الحالة بنا اليوم وكل الخطابات محفوظة عندي؛

وها أنا أعيد التذكير والذكرى تنفع المؤمنين وأفضل الذكرى ما كان، والواقع يساعد على الاستفادة بها إعمالا للمثل القائل (فليكن الطرق والحديد ساخنا) وليتنا نتعاون جميعا على تقديم النصيحة في أحسن أسلوب، وقبولها على أي أسلوب؛

في هذا الإطار فقد وجب التقديم بالقول إن جماعة الإخوان المسلمين لم تعد شأنا خاصا لأعضائها ولقيادتها دون شعبها، وأصبحت بفضل الله وعونه ثم بإخلاص أبنائها لرسالتها أهم أحداث التاريخ المعاصر، ولن أكون مغاليا إذا قلت إن نجاح المجتمع المصري في مسعاه من أجل التغيير يتوقف على مدى إحساس قواعد الإخوان المسلمين قبل قيادتهم بمسئولية الجماعة عن ذلك، وأن الإخفاق لا قدر الله في عملية التغيير سيكون مسئولية الإخوان كغيرهم.

الأمة كلها مسئولة عن استمرار حفنة من غير الأكفاء في السلطة والإخوان في مقدمة المسئولين عن ذلك، وليس لواحد منا نحن الإخوان أن يفرح أو ينتشي بتحقق بعض المكاسب النقابية ثم البرلمانية طالما ظل غير الأكفاء في السلطة وظلت المعارضة من الإخوان وغيرهم تحت التهديد المستمر بالاعتقال والسجن ومصادرة الأموال والممتلكات.

النصر الحقيقي للإخوان هو الحصول على الحرية للمصريين جميعا ومنهم الإخوان المسلمين، ولأن الإخوان ملكا لشعبها فمن حق الأمة المصرية أن تعرف كل شيء عن الإخوان وما يفكرون فيه وما ينوون التوجه إليه؛

صحيح أن لكل جماعة أسرارها ولكن المحظورة أن تكون معلومات مباحث أمن الدولة عن الإخوان أشمل من معلومات الإخوان عن أنفسهم أو معلومات شركائهم في المعارضة أو معلومات الشعب الذي يحبهم ويحتضنهم ويدافع عنهم، في هذا الإطار فلا أجد حرجا البتة من مصارحة شعبنا الحبيب وقواعد الغراء عن بعض ملامح الملف المالي في أهم جماعات التغيير المعاصرة جماعة الإخوان المسلمين.

الكل يعلم أننا في الإخوان المسلمين اليوم نعاني من مشكلتين:

الأولى: مشكلة الإخوان والعنف.
والثانية: مشكلة الإخوان والأموال.

وفيما يتعلق بالمشكلة الأولى فقد نجح جيل الإخوان في السبعينيات وما بعدها أن يثبتوا للكافة أنهم في تعاملهم مع ملف الأوضاع الداخلية وكافة قضايا التغيير السلمي سلميون ومسالمون ومتسامحون مهما بلغت تعديات الآخرين عليهم، ونجحوا أيضا في إثبات أن العنف تاريخيا كان من تصرفات بعض الأفراد المنتمين لتنظيم الإخوان الخاص أو السري ومن وراء قيادتهم وقال الإمام البنا عن المستخدمين للعنف المسلح في الداخل؛

وعلى النحو الذي جرت به الأحداث وقتها (ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين) والأستاذ الهضيبي حل التنظيم السري الخاص المسلح القديم بقيادة السندي وفصل كبارهم حفاظا على سمعة الإسلام والداعين إليه وشكل تنظيما سريا جديدا بقيادة يوسف طلعت، وقال الأستاذ عمر التلمساني لوزير داخلية النظام بالحرف (كل من ضبطه يمارس العنف المسلح في مصر فاعلم أنه ليس من الإخوان ولا تتردد في القبض عليه فأنا غير مسئول عنه).

وأما قضية الأموال فبقيت إشكالية حادة تواجه دعوتنا وبتنا نحن الإخوان المسلمين، قبل غيرنا، في حاجة ماسة للمداولة والحوار حول سبل حلها جذريا، وأنا من المؤمنين بأن ملف الأموال أسهل علينا من غيره وأننا قادرون بعون الله من التعامل مع هذا الملف لأكثر النظم العالمية شفافية ووضوحا لو أردنا.

وأود معالجة هذا الموضوع في نقاط محددة أحسب أننا متفقون عليها وهي:

أولا: نحن الإخوان جميعا ندرك أن الصورة الطبيعية للمبتدئين عند الجمهور هي صورة الزاهد المتواضع الذي يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، وأن الناس في غالبيتهم لا يقبلون صورة الدعاة المرفهين المنعمين على النحو الذي يعيشه بعضنا حتى ولو كان من ماله الخاص.
ثانيا: في باب الأموال لا يصح عند المجتمع ولا يطمئن المدعويين إلا الشفافية، ولا تتحقق الشفافية في الأموال إلا بإعلان الأرقام الصحيحة المتناسبة مع المتظاهر المالية في الواقع، وتأكيدا على ذلك ففي المسجد المجاور لبيتنا تشكك الناس في ذمة إمام المسجد لأنه اشترى شقة متواضعة جدا في عزبة النخل وقال بعضهم (يبدو أن الشيخ بيخنصر من التبرعات)؛
من أين للشيخ فلان أن يشتري شقة ملك في عزبة النخل، وتمر الأيام ويدرك الشيخ ما يدور حوله من الشبهات فيخطب فيهم موضحا بقوله (يا ناس أنا ورثت ورثت فدان أرض عن أبي وبعته بستين ألف واشتريت الشقة بخمسين والعشرة الباقية سددت بيها الديون لفلان وعلان بالمسجد واسألوهم)، وهنا فقط استغفر الناس واعتذروا عما ظنوه بشيخهم وإمامهم.
إذا حفظنا هذه الصورة فمن حق المجتمع أن يتشكك في ذمتنا المالية وهو يسمع أن الحكومة ضبطت في منزل الأخ فلان القيادي (اتنين مليون جنيه)، وفي منزل قيادي آخر (170 ألف دولار)، ولأن كان هذا يبدو طبيعيا جدا مع عموم الأثرياء لكنه لن يكون مقبولا أبدا في حق الدعاة إلى الله؛
لن يقبل مجتمع مصر وغالبيته من الفقراء أن ينقاد دعويا لقيادات أرستقراطية وكانزة للمال على هذا النحو، المنتمين للجماعة أنفسهم يشعرون أن هناك تفاوت طبقي غير مبرر ولا مفهوم، بين قيادات غنية تلعب بالفلوس، وبين إخوان فقراء لا يجدون ثمن الفول والطعمية، ويموت أطفالهم مرضا لأنهم لا يجدون ثمن الدواء، لا يجوز أن نضع رءوسنا في الرمل غير عابئين بالأثر السلبي لهذه المتناقضات.
ثالثا: بعض الإخوان المسلمين من القيادات الجديدة يناقش القضايا على محك يجوز ولا يجوز شرعا، وليعلم هذا وهؤلاء السائرين على دربه أن المسألة المالية في مجتمع فقير لها معايير أخرى وحيثيات يجب أن تحترم، نعم نحن درك أن التأويلات الأرستقراطية للدين وأحكامه أكثر مما تعد أو تحصى، ولكننا نؤمن أننا كجماعة دعوية معنيون باختيار التأويل الذي يبيض وجهنا في الدنيا والآخرة، كما علينا أن ندرك أن الشاغل لعقلية الناس هو القدوة التاريخية للدعاة الأجلاء الزاهدين؛
الناس يحفظون جميعا أن رسول الله مات ودرعه مرهونة عند يهودي مقابل شعير اقترضه لأهل بيته وما دمنا نقول ونعن أن الرسول قدوتنا فلا بد من أن يتطابق الواقع مع الادعاء، وأنا غيري قرأ أن الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان عاش حياته في بيت من الطوب اللبن وجل أثاثه من الكنبات والحصير والقلل القناوي وقبقاب للوضوء وجملة مقتنياته الخاصة كانت في حدود عشرة جنيهات بأسعار وقتها.
وأنا زرت بنفسي وشاهدت بعيني شقة الأستاذ عمر التلمساني في حارة المليجي في غمرة في السبعينيات فزاد قدره عندي وتعلق بحبه قلبي وكنت له أسمع وأطيع مطمئنا على آخرتي لأن بيته كان مفروشا بالحصير البلاستيك وقدم لي الشاي في كوب من البلاستيك ثمنه قروش في وقته وأثاث بيته كان هو هو الذي تزوج به في الثلاثينات؛
فهل بقيت هناك أي علاقة بين قدوتنا التاريخية ومن يعلن عنهم تحت مسمى قيادات إخوانية، أن يكون من الإخوان أثرياء فهذا طبيعي ومقبول أما أن يكون في قيادات الدعوة التي تعيش على التبرعات أثرياء على النحو الذي نرى فالأمر يحتاج إلى شروحات وتوضيحات لطمأنة الرأي العام على تبرعاته للإخوان وكيف تنفق؟
رابعا: الخلط بين المال وقيادة الدعوة قد أصاب الاثنين في مقتل وتجربتنا الطويلة خير شاهد على ذلك، ومن يدرس ما حدث في قضية شركة سلسبيل وما جره علينا مشروع سلسبيل برمته يدرك أن مصائب جمة حطت على جماعتنا منذ وطئت مصر أقدام هذا المشروع الذي تم تحضيره وتجميعه في لندن، وأعيد تركيبه في مصر وكان وما زال يرمي إلى الإخوان بالمال ويرسخ لقاعدة من يملك المال يملك التنظيم؛
وتوضح الدراسة المتأنية أن المال العام للجماعة استخدم لتكريس السلطة الدعوية في أيادي لا تحسن الحركة بالدعوة ولا تمثل عند الرأي العام نماذج للتدين ولا يسمع منها أحد كلمة طيبة ولا وعظ ولا إرشاد، ولو فتشت في طول البلاد وعرضها فتكاد لا تعثر لأحدهم على شريط مسموع، ولا كتاب مقروء، ولا مقالة منشورة، ولا خطبة محفوظة، ولا نصيحة تذكر بشأن الدين الذي قامت الجماعة للدفاع عن أركانه؛
وأضحت جماعتنا اليوم تقاد بالصرافين والمصرفيين وليس بالعلماء الواعظين، وبيني وبين من يدعي غير ذلك الإحصاء والتحليل لكافة طبقات القيادات الإخوانية العليا والوسطية والطرفية ولننظر كم تكون نسبة علماء الدين في قيادة جماعة قامت على أساس الدين.
خامسا: القول بأن الوضع الأمن لا يسمح بإعلان شفاف للحالة المالية هو قول مردود على قائليه والحقيقة الواضحة الجلية التي لا يماري فيها إلا المكابرين أن مباحث أمن الدولة تعرف كل مليم لدى الإخوان والمحبين للإخوان وجيران الإخوان حتى الجار السابع وتهجم على بيوت القيادات المالية في وقت تأكدها من وجود الملايين في هذا البيت أو ذاك؛
وتعرف بدقة كاملة حجم ما تم إنفاقه على الحملات الانتخابية وما تم إنفاقه في حفلات الإفطار في السيتي ستارز، وتدرك حجم السفريات التي يقوم بها بعضنا والمطبوعات التي نصدرها والمقارات والشقق التي نمتلكها، والوحيد الذي لا يعرف حقيقتنا هم قواعد الإخوان والشعب المصري الذي يمولنا ويتعاطف معنا فعلى من نخفي حقيقة أوضاعنا المالية؟ الضحية هو فرد الإخوان الذي لا يستطيع الرد أو تبرير ما يحدث، والمتعاطفون معنا الذين تحمر وجوههم خجلا من هجمات الإعلام المضلل ولا يجدون ما يدافعون به عنا.
سادسا: علينا أن نتفق أننا جماعة ولسنا جماعة استثمار ولا يجب أن نجمع من المال إلا ما هو مطلوب لتسيير دولاب العمل الدعوي بالفعل وعند الحاجة إليه وعلى ذلك فمسألة فرض اشتراكات دورية ثابتة على أعضاء الجماعة يجب إعادة النظر في جدواها بعدما أصبحنا أكبر جماعة ممولة لوزارة الداخلية من جراء ما تصادره من أموال مكدسة في بيوت القيادات الجديدة.
سابعا: في مواجهة ما نشرت تحت عنوان الفساد المالي في جماعتنا فليس أمامنا في باب الأموال اليوم طريق آخر غير الشفافية وإفادة الرأي العام المصري بكافة التفاصيل المالية عن جماعتنا، وللشفافية طريق وحيد

وهو:

  1. إعلان ميزانية الجماعة في مصر ونشرها بالصحف والتعود على ذلك سنويا.
  2. إعلان الذمة المالية لكافة القيادات الإخوانية التنظيمية المتمثلة في أعضاء مكتب الإرشاد وأعضاء مجلس الشوري ومسئولي المحافظات.
  3. رجال الأعمال من أعضاء الإخوان لا شبهة عليهم البتة لأنهم بطبيعة الحال يتقدمون بميزانياتهم السنوية لكافة الأجهزة الرقابية التي تراقب الشركات وكل المطلوب لهم ه نشر الميزانيات سنويا تحسبا لغدر النظام واتقاء للخلط بين أموال شركاتهم وأموال التبرعات التي ترد لجماعة الإخوان.

نحن بذلك سوف نصحح أوضاعنا المالية أولا بأول، وسوف نقطع الألسنة الحداد التي تتناولنا بالنقد وسوف نطمئن قواعدنا بسلامة تصرفاتنا المالية وسوف نضرب المثل لغيرنا من التجمعات الوطنية وسوف ننتصر على خصومنا في أهم مجالات الصراع معهم وهو مجال طهارة اليد والعفة عن المال العام، وتفضلوا سيادتكم بقبول وافر التحية والاحترام.

أ‌.د. السيد عبد الستار المليجي

عضو مجلس شورى الإخوان

والأمين المساعد لنقابة المهن العلمية

تعليقا على هذه الرسالة:

أثارت هذه الرسالة جدلا واسعا في كافة الأوساط وكانت أهم نقاط الجدل:
  1. كيف تطالب جماعة محظورة بإعلان ميزانيتها في الصحف؟ وأجيب: المفترض أن يكون ذلك في إطار البحث عن حلول لمشكلة الحظر، أما الرضى بالواقع والانغماس في متاهاته فسيترتب عليه مزيد من العنت لنا ومزيدا من الفشل لأهدافنا، وليس هناك طريق ثالث نسلكه.
  2. كيف تطالب جماعة سرية بإعلان ميزانيتها؟ وأجيب: من يقولون بذلك يؤكدون قولي بوجود تنظيم سري يدير الجماعة، وهو ما أفسد كل شيء في جماعتنا، ولو كنا من حيث الواقع نقوم بنشاطات خيرية ودعائية وطباعة ونشر ومؤتمرات، ومظاهرات ومواسم انتخابات، وكلها يمكن أن تقيم ماليا من قبل من له خبرة، وما أكثر الراصدين لنا من جهات رصد كثيرة، ويمكن أن يستنتج من نشاطنا بسهولة الرقم التقريبي للمال المتوفر للدعوة، وعدم إعلان ذلك من جانبنا يكن ممارسة للسرية على أفراد الجماعة فقط، والانفراد من قبل حفنة من السريين في القرار المالي، وهو ما ترتب عليه بالفعل فسادا ماليا.
  3. جاءت القضية 404/ 2009 المعروفة باسم التنظيم الدولي لتؤكد أن جميع تصرفات الإخوان المالية تحت سمع وبصر جهات الأمن المصرية وأن ضررا بالغا يقع على الإخوان من جراء تصرفات غير مسئولة من حفنة مغامرة تقامر بسمعة الإسلام والمسلمين.

الرسالة التاسعة:(دفاعا عن الإخوان المسلمين ورحمة بهم)

(وضع النقاط على الحروف)

السيد الفاضل الأستاذ محمد مهدي عاكف ... المرشد العام للإخوان المسلمين

السادة الفضلاء أعضاء مكتب الإرشاد المنتخبون.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بناء على الرسائل السابقة التي بعثت بهل إليكم ولم يصلني عليها رد حتى اليوم، وتصحيحا لما نشر بالأهرام اليوم السبت 14/ 4/ 2007 فاسمحوا لي أن أعرض على حضراتكم الوقائع التالية كشهادة للتاريخ ولتستفيد أجيال المسلمين من أخطاء من سبقوهم حتى يتجنبوا الوقوع فيما وقعنا فيه من أخطاء:

  1. عقب خروجي من المعتقل السياسي بأبو زعبل بعد اتهامي الخطأ بالاشتراك في اغتيال السادات وكان ذلك في أكتوبر 1982 أخبرني المرحوم الأستاذ جابر رزق أن الحاج مصطفي مشهور يطلب مني تسليم كافة الإخوان العاملين معي بقسم الطلبة إلى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وأن تعملوا جميعا معه لإعادة تنظيم القسم وأن تبدءوا العمل بالجامعات ... وأكد لي قريبا د. عبد المنعم أبو الفتوح أن هذا الطلب كان من الأستاذ عمر التلمساني شخصيا وليس من الحاج مصطفي مشهور، لكنهم أبلغوني بهذه الصيغة لعلمهم أن مسئولي المباشر كان الحاج مصطفي مشهور.
  2. خلال شهر تقريبا تشكلت لجنة من أ. د محمد حبيب، أ. د. ممدوح الديري، د. عبد المنعم أبو الفتوح، أ. د. السيد عبد الستار، د. أنور شحاتة، والمهندس: محمد سليم، والأستاذ جابر رزق، وشرعت اللجنة في القيام برحلات مكثفة لزيارة المحافظات والاتفاق معها على اعتبار هذه اللجنة هي قسم الطلاب المركزي ولجنة الاتصال بين مكتب الإرشاد بالقاهرة برئاسة الأستاذ عمر التلمساني وبين المحافظات.
  3. عملت هذه اللجنة بما كلفت به وأنجزت مهمتها بنجاح ملحوظ خلال عام تقريبا ثم غاب عنها كل من أ. د. حبيب، د. ممدوح الديري ليتفرغا للعمل مع الأستاذ عمر التلمساني حسب علمي في هذا الوقت كما انضم إليها كل من المهندس أبو العلا ماضي والدكتور حلمي الجزار والأخ أحمد أشرف عبد الوارث.
  4. في نهاية عام 1985 كان تنظيم الإخوان بمصر قد اكتمل تماما بالقاهرة والمحافظات وتحدد مسئول كل محافظة ورئيس كل قسم تحت قيادة المرحوم أ. عمر التلمساني، وعقد أول اجتماع علني جماهيري وإخواني قطري في يوم الجمعة 29/ 11/ 1985 بمسجد الخلفاء الراشدين بمناسبة عقد زواج أحد إخوان القاهرة والاجتماع مسجل فيديو وصور فوتوغرافية ويمكن بسهولة أن ترى من خلال الصور تواجد ممثلين جميع المحافظات والأقسام.
  5. خلال عام 1986 عاد من لندن إلى مصر بعد غياب 6 سنوات كل من المرحوم الحاج مصطفي مشهور، الدكتور محمود عزت، المهندس خيرت الشاطر، وأسسوا مع الأخ حسن مالك المهندس أحمد عبد المجيد المقيم في لندن شركة سلسبيل للحاسبات وبدأت تضم لنفسها كافة الذين تواجدوا في الخارج في هذه الفترة من المبعوثين؛وأحسست أن هناك عملا تنظيميا يجري بالشركة وبدا أن الأمر ليس مجرد شركة كمبيوتر، ثم كانت قضية سلسبيل المعروفة، وقد اطلعت اللجنة على محضر التحقيقات عن طريق أحد المحامين في هذا الوقت وتبين لنا من المحاضر أن الدكتور محمود عزت، والمهندس خيرت الشاطر قاموا بجمع معلومات مكتوبة عن جميع الإخوان بمصر وصنفوا الإخوان وفق رؤيتهم إلى مراتب ودرجات ودون علمنا جميعا وأن هذه المعلومات أصبحت برمتها عند مباحث أمن الدولة، ولم يكن مفهوما لي في هذا الوقت السبب الحقيقي والدافع وراء القيام بهذا العمل الذي يتنافى مع أسبط مبادئ تأمين المعلومات، وأبسط قواعد الانضباط التنظيمي، ولا يتناسب مع أدنى درجات الأخوة لا سيما أننا كلجنة كنا ضمن هذه التصنيفات التي سلمت بيسر لجهاز مباحث أمن الدولة.
  6. في بداية عام 1988 حسب ذاكرتي وبدون مقدمات أبلغنا أ. محمد مهدي عاكف أنه أصبح مسئولا عن قسم الطلاب وأعضاء هيئة التدريس من قبل مكتب الإرشاد وسيكون د. عبد المنعم أبو الفتوح مسئول عن الطلاب ... وسيتولى د. محمود عزت الإشراف على أعضاء هيئة التدريس، وحدثت حوارات ومناقشات لم تصل إلى أي شيء معقول. وإبعادا للخلاف والفرقة قبلنا هذا التغيير غير المبرر وانسحبنا في هدوء للعمل بقسم المهن وزادت علامات الاستفهام من جانبي حول ما يجري وراء الكواليس، وهل هناك صراع بين تنظيمين بالجماعة أحدهما بعلم المرشد العام والآخر بقيادة الحاج مصطفي مشهور، ومساعداه د. محمود عزت والمهندس خيرت الشاطر؟ وزاد من شكوكي أن الحاج مصطفى التقى بي وأعطاني أمرا صريحا بتسليم أعضاء هيئة التدريس إلى د. محمود عزت، وكنت مسئولا وقتها عن أعضاء هيئة التدريس بالقطر وقد أسست لذلك مؤسسة (المركز العلمي للبحوث والدراسات – معبد) من مالي الخاص وحققت الجماعة من خلالها نجاحا ملموسا تمثل في نجاح عناصرنا في كافة نوادي أعضاء هيئة التدريس بالقطر، ولذلك بدا طلبه لي غريبا وليس في محله، وراجعته في اختياره لمن يخلفني، وأنهيت حواري معه بأنني لا أستطيع العمل في لجنة واحدة مع د. محمود عزت لتجارب سابقة تجعلني لا أثق في قدرته على القيام بهذا الدور، ومع ذلك أصر وانتهى أمري بالاكتفاء بالعمل في قسم المهن ونقابة المهن العلمية.
  7. بعد وفاة أ. عمر التلمساني (رحمه الله) وقبل غسله وتكفينه ودفنه، علمت أن عددا من أنصار الحاج مصطفى اجتمعوا واختاروه مرشدا عاما وعندما ذهب مندوب المجتمعين لإخبار المرحوم الأستاذ محمد حامد أبو النصر كانت طريقة عرض الموضوع عليه مفاجأة وغير متقبله لكونه الأكبر سنا والأقدم جهادا فأوحى له المندوب بأن الإخوان يستأذنوه في ذلك، وإلا فهم يرشحوه للمنصب فأبلغ المندوب أنه قبل المنصب كمرشد عام للإخوان، وأسقط في أيدي الإخوان الذين نصبوا مرشدا بغير مشورة كافية وبطريقة مستعجلة ومستهجنة، وأعلن اسم المرحوم محمد حامد أبو النصر مرشدا عاما للإخوان المسلمين.
  8. طيلة وجود المرحوم محمد حامد أبو النصر في منصب المرشد العام كان الحاج مصطفي مشهور يقوم بدور المرشد كاملا، وكانت كل خيوط الجماعة في يده، وكل الاتصالات تتم عن طريقة ومن خلاله، من حيث الواقع وأثناء هذه الفترة أحسست بأن الأمور في الجماعة أصبحت محل نزاع بين طرفين طرف هو المجموع الذي عمل مع المرحوم عمر التلمساني في إقامة جماعة الإخوان بمصر عقب الخروج من محنة 1981 والطرف الآخر هو الحاج مصطفي مشهور ومن عادوا معه من لندن ومن استدعاهم من السعودية والخليج لمعاونته في القبض على نواصي التنظيم في مصر، وأحسست أن هناك عملية إحلال في المسئوليات تتم دون وجود أي سبب مقنع وتم استدعاء المزيد من الأفراد من السعودية ودول الخليج بدون ضرورة حقيقية وزرعوا في الأحياء وأسندت إليهم أعمال غيرهم.
  9. أسندت أعمال خطيرة إلى فريق القادمين من لندن مثل تصفية شركات أحمد عبيد ولدي مستندات تدل على انعدام الشفافية في مجلس التصفية وحصول هذا الفريق على أموال طائلة من وراء العملية مقابل عملية الغرر في التصفية ومشاركتهم في ذلك فهم الذين عرضوا على المستثمرين أراضي بالساحل الشمالي من خلال خرائط رسموها في مكاتبهم ووقعوا ضامنين على المستندات ثم هربوا من المسئولية عند التسليم ويشترك في هذا شركة سلسبيل وصاحبيها خيرت الشاطر وحسن مالك وكذلك مكتب المحاسب حسين شحاتة ومكتب المهندسين أحمد شوشة وسراج اللبودي.
  10. في بداية 1990 كانت المجموعة التي عملت مع الأستاذ عمر التلمساني قد نقلت كلها إلى قسم المهن وشرعت تعمل في النقابات المهنية وبالرغم من نجاح العمل بالنقابات حتى صارت أقوى مظاهر الحركة في هذا الوقت فقد أطلق الفريق الآخر إشاعات طافت المدن والقرى مؤداها أن العمل بالأحياء هو الأصل وإن العاملين بالنقابات ليسوا إخوانا ولا يوثق بم، ودار نزاع شديد بين الإخوان العاملين في النقابات والإخوان في الأحياء حول الأفراد. وكان صراع مثله قد جرى بين قسم الطلبة والأحياء قبل عامين من ذلك، ولم تقدم الأحياء للمهن ما يلزم من المعاونات رغم توفرها في معظم الأحيان، وما زالت النقابات محاصرة من تنظيم سلسبيل لندن الخليج حتى اليوم.
  11. في عام 1994 جرى الترتيب لانتخابات داخلية وحدثت بها وقائع تزوير في المنطقة التي أقطنها (شرق القاهرة) تبين فيها تأكيد وجود صراع بين الفريقين في الجماعة حيث كانت الشخصيات المستبعدة دائما ممن عملوا تحت قيادة الأستاذ عمر التلمساني والذين ينتمون للإخوان كجماعة، وليس لبعض قياداتها بصفة شخصية، واستبعد عددا وافرا من الجيل الذي بنى الجماعة في السبعينيات، وكنت أرى ذلك بوضوح في تصرفات عدة أشهرها الطريقة التي فصل بها د. محمد رشدي ومجموعة الإخوان بجامعة الأزهر في هذا الوقت بواسطة شكوى من أ. محمد العريشي (منتدب من السعودية ليسكن في مدينة نصر رغم أنه من الزقازيق) إلى د. رشاد البيومي (الذي رفض العمل مع اللجنة التي شكلها أ. عمر من قبل) كتبت في حضوري في نصف ورقة وقدمت من العريشي إلى البيومي وفصل فيها في الحال، واعتبر محمد رشدي من هذه اللحظة مفصولا، وعين د. محي الزايط مسئول على الجامعة وللأسف أنه قبل المنصب واندمج في حرب ضروس على كل من أحب محمد رشدي وعمل معه من الإخوان، وكانت الطامة الكبرى ذلك الفجر في الخصومة لدرجة فصل العاملين مع محمد رشدي من أسرهم الإخوانية بالمحافظات، وسيطر على الجماعة في هذه الأيام جو من الإرهاب التنظيمي والتجسسي المقيت.
  12. انتهت الانتخابات وأفرزت مجلس شورى للإخوان في مصر، وعقد في يناير 1995 اجتماع مجلس الشوري المشهور، والذي تم تصويره بالفيديو كاملا وسجلت كل وقائعه من قبل مباحث أمن الدولة في واقعة غير مسبوقة، ولم يعرف المسئول عنها حتى اليوم، وفي هذا الاجتماع انتخب مكتب إرشاد جديد، غير أن مكتب الإرشاد لم يدع مجلس الشوري بعد هذا الاجتماع ولا مرة واحدة وتمت إدارة الجماعة بواسطة مكتب الإرشاد وحدة طيلة السنين الحادية عشرة الماضية وحتى اليوم، وانتهى دور مجلس الشوري تماما باختيار مكتب الإرشاد ثم انصرفنا كل إلى بيته.
  13. خلال عام 1995 جرت وقائع القضية 8/ 11/ 1995 وصدرت الأحكام العسكرية على 54 من الإخوان، كان الدليل الدامغ في القضية هو شريط الفيديو المصور للأعضاء، ومع ذلك لم يحقق في هذا الموضوع ولم نعرف حتى اليوم كيف اتخذ قرار الاجتماع، ولماذا؟ مع أن مدير الدار اللواء إبراهيم شرف أخبرني عقب خروجي من السجن (حيث كنا في أسرة إخوانية واحدة بمدينة نصر) أنه كان يعلم أن أمن الدولة لديها علم بموعد الاجتماع وحذرته من عمل الاجتماع.
  14. خلال عام 1996 جرت وقائع حزب الوسط وكنت وراء الأسوار مع بقية المحكومين وانتهت باستقالة معظم الفريق الذي عمل مع أ. عمر التلمساني قبل قدوم مجموعة لندن ولم يتبق من هؤلاء إلا المحكوم عليهم في السجن ومن بينهم: د. عبد المنعم أبو الفتوح، د. السيد عبد الستار، د. علي عمران، د. أنور شحاتة.
  15. أما د. السيد عبد الستار فقد صدر قرار سري وهو ما يزال خلف الأسوار بمنع اتصاله بالإخوان دون إخطاره بذلك حتى عام 2005 واغتصب آخرون جميع مواقعه في الجماعة وحتى اليوم دون إبداء أسباب لذلك.
  16. أما د. علي عمران فقد شغل مكانه د. محمد سعد الكتاتني رئيس فرع سلسبيل في المنيا، ودون إبداء أسباب لذلك أيضا.
  17. أما د. عبد المنعم أبو الفتوح فقد نفعته حصانة عضوية مكتب الإرشاد، ومع ذلك فقد كثرت حوله الشائعات والاتهامات والتعديات، وكان أخطرها طريقة التعامل مع مشكلة جنوب القاهرة في غيابه مع علم الجميع بمكتب الإرشاد أنها تمسه وأشقائه وإخوانه في حي جنوب القاهرة.
  18. في عام 2005 جرت انتخابات داخلية لاختيار مجلس شورى جديد لم أدع إليها ولم أخطر بها، وتأكد لي بذلك عزم فريق المعتدين على استكمال جريمتهم ضد إخوانهم، ودون أسباب أو تحقيق.
  19. ثم جرت انتخابات لاختيار مسئولي الشعب ومجالسها في عام 2006 ودعيت إليها فلم أجد اسمي في كشوف الناخبين، وبالتالي المرشحين، واعتبرتها مهينة ومزورة من أولها إلى آخرها لا سيما أن الذي كان يديرها أحد أبناء المنصورة المزروعين في مدينة نصر وأثبت وجهة نظري أمام جميع الموجودين انصرفت.
  20. أرسلت خطابات للسيد المرشد العام بكل ملاحظاتي ولكي تعرض على مكتب الإرشاد ولم يأتني رد حتى اليوم.

استشف من هذه الوقائع (والله أعلم):

(أ) أن المرحوم الحاج مصطفي مشهور (مع تقديري الكامل لجهاده وجهوده واحترامي لأخوته وسبقه)، منذ عودته إلى مصر خلال عام 1986 أعاد إقامة النظام الخاص داخل الجماعة باعتباره تنظيما خاص به دون علم السادة المرشدين عمر التلمساني، محمد حامد أبو النصر، أو دون علم كامل وواضح على الأقل وأنه بذلك أعاد للجماعة نفس المشكلة التي قضت عليها من قبل وعطلت من قبل وعطلت عملها طيلة الأعوام من تاريخ استشهاد الإمام حسن البنا وحتى عام 1975.
(ب) أن الذين رفضوا رأي الحاج مصطفي مشهور وطريقته في العمل ومعاونيه (د. محمود عزت والمهندس خيرت الشاطر وفريق سلسبيل و آخرين) والذين أعلنوا أنهم لن يقبلوا بأي حال الانتماء لشخص بعينه دون جماعة الإخوان كمؤسسة قد جرى التعامل معهم بالحيلة والخديعة والمكر وتشويه سمعتهم بالإشاعات حتى تم إبعادهم واحدا تلو الآخر دون أي خطأ منهم في حق الله ورسوله أو جماعة الإخوان المسلمين.
(ج) أن كل هذا جرى بأساليب غير معلنة لجماعة الإخوان المسلمين ومن وراء ظهرها وأن الإخوان المسلمين في المحافظات كانوا ضحية للإشاعات التي روجها هذا الفريق ضد إخوانهم المظلومين (وحسبنا الله ونعم الوكيل وكفى بالله شهيدا) وأن هؤلاء الإخوان لم يفرطوا في حق جماعتهم في شيء قط ولم يألوا جهدا في العمل لنصرة دين الله من خلال جماعة الإخوان المسلمين وبذلوا كل ما يستطيعون من جهد ضمن أطر العمل الجماعي الصحيح ولم يشذوا عن قرار للجماعة قط.
(د) أن مجلس الشوري في ظل هذه الأوضاع (تزوير الانتخابات في منطقة شرق القاهرة على الأقل واستبعاد إخوان لهم حق المشاركة) يفتقد إلى المشروعية وكل ما يتولد عنه من مجالس أو قرارات.
(22) أطلب من السادة أعضاء مكتب الإرشاد أن يراجعوا هذه الوقائع وأن يحققوا فيها معي ومع غيري (وفي الكثير غيرها وهو مسجل عندي) وأن يعيدوا النظر في موقفهم من إخوانهم الذين جرى استبعادهم وأن يتقوا الله في إخوانهم وفي جماعة الإخوان المسلمين المظلومة برمتها من هذه التصرفات التي تفتقد إلى المشروعية وتفتقد إلى نبل الأخلاق وصراحة المؤمنين وشهامة الرجال الأوفياء لدعوتهم.
(23) أذكر نفسي وإخواني أن جماعة الإخوان المسلمين في طورها الجديد منذ عام 1975 قامت على أكتاف جيل جديد من الأوفياء الأصفياء، شباب الجماعات الإسلامية بالجامعات المصرية، من أمثال عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان وحلمي الجزار بجامعة القاهرة وأحمد الدغيدي ومصطفى طلبة بعين شمس ومحمد رشدي وإشراف التابعي بجامعة الأزهر وإبراهيم الزعفراني وخالد داود بجامعة الإسكندرية، ومحمد الكيال وعلي عمران ومحمد القماري وحسن يوسف ومحي الدين عيسى وأبو العلا ماضي في جامعة المنيا، ومحمد حبيب وأسامة السيد ومحمد كمال في جامعة أسيوط، وعبد الواحد علي في سوهاج، وسيف ومصطفى حسن في قنا والمهندس أسامة السيد والمهندس يوسف عليان في أسوان وبواسطة هؤلاء ولج إلى الجماعة طوابير من محبيهم وعلى أياديهم البيضاء، كما قام قسم الطلاب عام 1982 على أكتافهم ونهض نهضة ملموسة حتى أصبح الصوت الإسلامي بالجامعات أعلى الأصوات؛
كما نهض قسم المهن على أكتافهم في بداية التسعينيات وأصبحت النقابات المهنية أقوى المؤسسات التي تدار بواسطة الإسلاميين، ومع ذلك فقد لاقى معظم هؤلاء من فريق الوافدين القادمين من لندن بقيادة الحاج مصطفى والدكتور محمود عزت والمهندس خيرت الشاطر معاملة غير كريمة ولا مقبولة ووسدت الأمور إلى آخرين وتحولت جماعة الإخوان المسلمين إلى جماعة المستثمرين، وأحسب أن المستقبل أصبح مهددا ما لم نتدارك الأمر بالتوبة والإصلاح.
اللهم إني قد بلغت وشهدت بما علمت اللهم فاشهد ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أخوكم الأستاذ الدكتور السيد عبد الستار المليجي

الخميس 12/ 4/ 2007

الرسالة العاشرة:(دفاعات عن الإخوان ورحمة بهم)

بيان إلى الرأي العام المصري والعالمي من أ. د. السيد عبد الستار المليجي عضو مجلس الشوري بالإخوان المسلمين حول ما نشرته بعض الصحف منسوبا إليه
  • أكرر ما قلته مرارا من أنني أعتز بجماعة الإخوان المسلمين وأفخر بانتمائي إليها وما زلت وسأبقى وفيا لها وحارسا أمينا على لوائحها ومنهاج عملها، وستبقى رؤيتي الثابتة أنها أفض المنظمات الإصلاحية مقارنة بغيرها، وأنها أمل أمتها في إحداث تغيير حقيقي يسترد الوطن ويحرر إرادة المواطنين.
  • إن استخدام المراسلات الإصلاحية المتبادلة بين الإخوان لتبرير الهجوم الظالم على بيوت الإخوان ومصادرة ممتلكاتهم الخاصة وتعطيل شركاتهم وتقديمهم لمحاكمات عسكرية يعتبر فسادا سياسيا لا ينطلي على عاقل، فإن سياسة البغي هذه تمارس ضدنا منذ عشرات السنين قبل هذه الرسائل.
  • ما نشر بالصحف اليومية لم يكن معبرا عما ورد بالرسائل المتبادلة بيني وبين إخواني بمكتب الإرشاد، لا في الهدف ولا في المضمون وقد مورست عمليات اقتطاع وتشويه وإضافة على النصوص بما أخرجها عن سياقها الأصلي تماما وكان ذلك مخالفا لكل آداب مهنة الصحافة ويتحمل وزره الذين اقترفوه، ومن جانبي فإنني أدرس الموقف القانوني الذي يمكن اتخاذه تجاه ذلك الاعتداء على مراسلات تتسم بالصفة الشخصية ولم تكن بغرض النشر.
  • إن الحوار الداخلي في جماعة الإخوان المسلمين بغرض التصحيح والمراجعة يعتبر سنة ماضية في الإخوان من قديم وهو ما يبيض وجه جماعتنا ويرفع قدرها، وليس هناك جديد في الأمر يتطلب هذه الضجة الإعلامية كما أنني لا أدعي أي نوع من السبق في ذلك فقد سبقني كثير من الإخوان على اختلاف مواقعهم الدعوية بمراسلة إخوانهم المسئولين حول ما يرونه معززا لمسيرتنا الإصلاحية الدائمة وتوفيقه.
  • أعتذر لإخواني عن كل الآلام التي سببتها تلك النصوص المنشورة منزوعة من سياقها، ونتمنى أن يجمعنا الله معهم على الخير دائما.
والله أكبر ولله الحمد 29/ 4/ 2004

الرسالة الحادية عشر:(دفاعا عن الإخوان المسلمين ورحمة بهم)

محضر اجتماع لجنة الثلاثة في 5/ 5/ 2007 والمنعقدة لمتابعة مشكلة نشر الوثائق

السيد الأستاذ فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين.

السادة الفضلاء أعضاء مكتب الإرشاد المنتخبون.

السادة أعضاء اللجنة الموقرة المشكلة من مكتب الإرشاد لاستطلاع موقف الدكتور السيد عبد الستار فيما نشر من الوثائق وهم:

  1. الأستاذ جمعة أمين.
  2. الأستاذ حمدي إبراهيم.
  3. الدكتور محمد مرسي.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... فيما يلي محضر الجلسة الأولى بين اللجنة وصاحب الوثائق، وجدول أعمال مقترح للجلسة القادمة.

أولا: محضر جلسة 5/ 5/ 2007:

في تمام الساعة الثانية من ظهر يوم السبت 5/ 5/ 2007 عقدت الجلسة بمقر مكتب الإرشاد بالروضة وحضرت اللجنة كاملة وكذلك صاحب الوثائق المنشورة، وبدأت الجلسة بكلمة مستفيضة من الأستاذ جمعة أمين حول نعمة الجماعة وفضل الله علينا بأن اختارنا للقيام بمهمة الدعوة إليه، وضرورة التعاون على استمرار هذه المسيرة؛
وبين كذلك أنه التقى بالكثيرين من الإخوان خلال الأسبوع الماضي على استمرار هذه المسيرة، وبين كذلك أنه التقى بالكثيرين من الإخوان خلال الأسبوع الماضي وشعر بأن نشر هذا الكلام الواردة في الوثائق المنشورة سبب جرحا عميقا لهم ينبغي المسارعة بعلاج هذه الجراحات بأسرع ما يمكن، وعلق د. السيد عبد الستار أنه لا يخالف الأستاذ جمعة في أي شيء مما قاله سوى ضرورة مراعاة حقوق الأفراد بجوار حقوق الجماعة مع الاتفاق على أن حق الجماعة أكبر وأوسع؛
وبين د. السيد عبد الستار أنه نشر من تلقاء نفسه بيانا لعلاج هذا الأثر السلبي الناجم عن النشر، وأنه لم يكن سببا في النشر بدليل نشر محضر لجنة التحقيق في مشكلة الانتخابات اليوم بالأهرام بينما صاحب الموضوع لم يعلم بهذا المحضر إلا من الجرائد؛
فالنشر يخرج من مكتب الروضة وليس من مكان آخر، وأوضح الأستاذ جمعة أن البيان المنشور بالأمس غير كاف من وجهة نظره، وأنه لا بد من صدور بيان آخر أكثر تفصيلا وأما الموضوعات التاريخية الواردة بالوثائق فيلزم لها وقت أطول، وتدخل الدكتور السيد عبد الستار
وقال: لا مانع عندي من صدور بيان آخر وبالصيغة التي تراها اللجنة على أن نستأنف جلساتنا لرد الحقوق إلى أصحابها فيما ورد بالوثائق المنشورة، واتفق الجميع على صدور البيان المرفق وتأجيل بحث ما ورد بالوثائق إلى الأسبوع القادم، وانتهى الاجتماع في تمام الساعة الخامسة عصرا.

ثانيا: جدول الأعمال المقترح لجلسة السبت 12/ 5/ 2005:

  1. تشكيل لجنة قضائية من خارج المكتب حسب نصوص القانون الأساسي للجماعة.
  2. تسليم الرسائل إلى اللجنة وملخص للوقائع المطلوب التحقيق فيها من وجهة نظر المرسل والرد على الأسئلة الابتدائية بشأنها.
  3. تحديد موعد جلسة التحقيق التالية.
هذا وبالله التوفيق أخوكم أ. د. السيد عبد الستار المليجي

الرسالة الثانية عشر: (دفاعا عن الإخوان المسلمين ورحمة بهم)

باسم الإخوان المسلمين ترتكب هذه الجرائم

فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف ... المرشد العام للإخوان المسلمين. تحية طيبة وبعد ...

هذه وقائع حقيقية حدثت في نقابة المهن العلمية أثناء شهور النصف الأول من عام 2008.

الوقائع تبدأ بإعلان لشركة تجارية في مجال الأدوية تطلب مساحة 500 متر مربع على الأقل بالإيجار بغرض استخدامها إدارة ومخازن للأدوية والمستلزمات الطبية.

رئيس لجنة المبنى (أ. د. السيد عبد الستار المليجي) يتصل بالشركة ويعلمها بوجود طلبها لدى نقابة المهن العلمية حيث يوجد مساحات قدرها 4500 متر مربع بمبنى دار العلميين.

أصحاب الشركة يعاينون المكان ويوافقون على استئجاره.يتم تفاوض بين رئيس لجنة المبنى والشركة حول قيمة الإيجار للمتر ومدة العقد.

يتم تشاور مع أمين الصندوق بشأن كل التفاصيل ويتوصل رئيس اللجنة وأمين الصندوق إلى رأي نهائي، وبموجب ذلك أتفق على أن المدة سبعة سنين وليس عشرة وإضافة بند لزيادة سنوية في قيمة الإيجار.

تقدم المستأجر بطلب رسمي وفقا للشروط التي تبلورت وقبل رئيس اللجنة الطلب وحرر مذكرة تفصيلية بهذه الوقائع لعرضها على هيئة المكتب المزمع عقدها السبت 7/ 2/ 2008.لم يحضر الأمين العام (أ. د. أحمد حشاد) فتلغى هيئة المكتب وتؤجل لأسبوع.

نظر لمرور حوالي 15 يوم على الإعلان فإن المستأجر اقترح أن يعقد معه عقدا ابتدائيا وفقا للشروط ليطمئن ويستقر ولا يبحث عن مكان آخر، وبالفعل لم يجد رئيس لجنة المبنى غضاضة في التوقيع على هذا العقد ممثلا للنقابة لا سيما أن الأمر متفق عليه مع أمين الصندوق وأن العقد مجز للنقابة من كل ناحية.

انعقدت هيئة المكتب في 9/ 2/ 2008 ووافقت على كل الإجراءات السابقة بقرار صريح وجازم (توجد نسخته الأصلية).تسلم المستأجر الموقع بمحضر رسمي وتسلم صورة من محضر جلسة هيئة المكتب التي وافقت على الإيجار مكتوبا بخط يد الأمين العام.

شرع المستأجر في إعداد المكان بالتجهيزات اللازمة وخلال 27 يوم حوله إلى مكان متسع وحضاري وثمين وتكلف ذلك خمسون ألف جنيه على نفقة المستأجر وكان العمل ما يزال جاريا لمزيد من التحسينات.

انعقدت لجنة إخوانية تتشكل من (جيولوجي. أشرف حمدي مقاول من الإسكندرية رئيسا + كيميائي، محمود السعيد على المعاش من السويس عضوا + د. محمد همام بمعهد التبين عضوا + د. محمود محمدين بمعهد بحوث البترول عضوا + د. أحمد حشاد بهيئة المواد النووية عضوا)

ولم يكن اجتماعهم بصفة نقابية ولكن بوصفهم كما يدعون اللجنة السرية المخولة من المرشد العام لإدارة نقابة المهن العلمية، واستمر اجتماعهم السري المغلق لمدة 4 ساعات؛

وأسفر عن النتائج التالية:

  1. أرسلوا يوم الأحد التالي للاجتماع محمد همام وبصحبته نجله إلى فريق العمل المكلف من قبل المستأجر لإجراء التشطيبات وأمرهم بالخروج وإلا سيبلغ الشرطة أنهم مغتصبون للمكان، وخوفهم بشدة وغضب مدعيا أنهم لا تربطهم بالنقابة أي عقود وأن ما معهم من الأوراق باطل، وعند انصرافهم مستسلمين استوقفهم وأمرهم بأخذ أدواتهم في صورة مهينة ومذرية، وأثناء ذلك أفهموه أنهم يتعاملون من مدة شهر مع د. السيد عبد الستار فبادرهم بالقول (ما عندناش حد بالاسم ده ولو فيه ما لوش صفة) وتمت عملية طرد العمال في غيابي بهذه الصورة.
  2. أخبرني المستأجر بما جرى وكنت لحظة إبلاغي في اجتماع بمكتب الإرشاد بالروضة بخصوص ما يجب عمله تجاه مشكلة معبر رفح بين فلسطين ومصر وكان الاجتماع يضم عددا من القوى السياسية المتوافقة مع الإخوان المسلمين في مثل هذه المواقف.
  3. اتصلت بـ محمد همام ورجوته كثيرا أن يتوقف عما يعمل حتى أنهي الاجتماع وأعود إلى الموقع لأعرف ما الموضوع وما هي الحكاية ولكنه أبى واستكبر وقال كلاما كاذبا (من مثل لا يوجد وبينهم عقد) وأضاف كلاما سخيفا وغريبا ومتعجرفا مثل: (أنا المفوض من الإخوان وأنت ما لكش صفة والموضوع انتهى وأخذنا فيه قرارات نهائية) وأصر على إنفاذ عملية طرد المهندس والعمال.
  4. توجهت للمكان وبلغته حوالي الساعة الثانية والنصف ووجدت الأمر حقيقة لا خيالا، وحاولت التحاور معه فردد نفس الكلام وأصر على موقفه وحاول معه المستأجر الذي حضر للموقع مستغربا وغير مستوعب لما يحدث من تعديا عليه وعلى عماله، وانتهى الأمر بأن أدخلت العمال بنفسي فسارع هو وأغلق الأبواب بالجنازير وصادر المفاتيح في جيبه، وهنا لم يعد إلا أن نشتبك معا بالأيدي، نظرت حولي فوجدت ولده يقف مراقبا لما يحدث وعز على كثيرا أن يشاهدنا أبناؤنا في مثل هذه الحالة فانسحبت من المكان فورا وتركت له كل شيء.
  5. في اليوم التالي توجه محمد همام لقسم الشرطة وحرر محضرا قال فيه إجمالا (أنه توجه لمبنى النقابة فوجد ناسا لا يعرفهم يغتصبونها فأخرجهم بالقوة وهو يريد استدعاءهم لأخذ التعهدات عليهم بعدم تكرار ذلك).

وزيادة في لدد الخصومة من جانب اللجنة السرية الإخوانية أرسلوا خطابا مسجلا للمستأجر يبلغوه بفسخ العقد لأن الذي تعاقد معه غير ذي صفة.

كل هذا دون الرجوع لرئيس لجنة المبنى بقرار من مجلس النقابة وهو الذي يباشر العمل في الموقع ممثلا للنقابة منذ عام 1991 دونما انقطاع إلا بسبب الاعتقال بتهمة: (أدار وآخرين جماعة الإخوان المسلمين على خلاف القانون للعمل على تعطيل الدستور وقلب نظام الحكم).

واليوم جاء د. محمد همام ليفعل كل هذا مخولا ممن يدعون أنهم اللجنة السرية الإخوانية المأمورة من مكتب الإرشاد بتسيير نقابة المهن العلمية؟

صباح السبت 8/ 3/ 2008 عقد اجتماع حاشد حضره الدكتور النقيب وهيئة المكتب والمستأجر (الدكتور أشرف السداوي، والدكتور محمد يوسف) وحاول النقيب استرضاء الرج لما لمسه من دماثة خلقه وعرض عليه أن يعاد الإعلان ويتقدم ضمن آخرين ولكنه قال: أنا تعاملت مع إنسان محترم ولولاه ما أخذت هذا المكان وعندي بدائل أفضل منه بكثير وما أراه اليوم أنني سوف أتعامل مع غيره هذا يخيفني من المستقبل،

ثم استطرد قائلا:

كيف أتعامل مع هؤلاء بعدما حرضوا البواب ليطردني بالقوة؟ وكيف أتعامل وأنا مدير لشركة محترمة مع هذا البواب بعد اليوم؟ وأنهى كلامه قائلا: أريد حقوقي المالية بالعدل والإنصاف ومهما أغضبتم الله في تعاملكم معي فلن أغضب اله في تعاملي معكم.

انتهى الاجتماع دونما قرار واضح وبعراك بين الإخوان بالنقابة وتبادل شتائم فميئة ومذرية وكان كبير الشتامين للأسف الشديد المدعو أ. د. أحمد حشاد الذي بلغ به الأمر أن يحاول تزوير محضر هيئة المكتب الذي وافقا فيه على الإبعاد وإلغائه وكتابة محضر مخالف؛

فلما أن صورة من المحضر بخط يده لدى المستأجر ويستحيل أن تصل الأمور بك يا دكتور إلى هذا الحد ويصبح مزورا في أوراق رسمية أثقلت لسانه وملكه الغضب وقال لي كلمة من الكبائر وكأنه يهذي حيث قال .. أنا مش مزور أنت الذي أصبحت مسيلمة ...؟ وهكذا عبر عما في قلبه من سواد وقتامة لمجرد أني أمنعه من التزوير صيانة لسمعة الجماعة المظلومة بأمثال هؤلاء.

السبت 31/ 3/ 2008 عقدت هيئة مكتب برئاسة الدكتور النقيب وقررت دفع 54 ألف جنيه قيمة الأعمال التي قام بها المستأجر بالإضافة إلى 36 ألف جنيه مقدم إيجار دفعه عند التعاقد.

(وعجبا لمن يأخذ من أموال الأعضاء بالآلاف وينفقها وهو مستريح البال جدا لمجرد إرضاء غرور اللجنة السرية التي تقول إنها إخوانية ومكلفة من المرشد الأستاذ، محمد مهدي عاكف ومكتب الإرشاد وقسم المهن بالجماعة، مع العلم أن هيئة المكتب عامة والأمين العام أ. د. أحمد حشاد خاصة قدم إليه طلب جماعي من الموظفين يطلبون الاستقالة لأنه يرفض زيادة رواتبهم تلاتة جنيه في الشهر، ولو طلب عضوا مساعدة طبية بـ 100 جنيه يا ويله ويا ظلام ليله كما أن المعاشات متوقفة 75% من السنة).

بعد حوالي عشرة أيام من هذه الوقائع طالعت إعلانا بالأهرام يوم الجمعة في العقارات عن تأجير الموقع والمخابرة على رقمي تليفون محمول، وبالمراجعة تبين أنها تليفونات أشرف حمدي ومحمود السعيد أعضاء اللجنة السرية، وهذا مخالف للقانون ويثبت نية الفساد والتلاعب بالأموال العامة؛

فليس أحد من هؤلاء عضوا في لجنة المباني وعندما أبلغت النقيب بدا مندهشا لأن الأمر لم يعرض عليه، وفورا تفضل سيادته بإلغاء الإجراء الإخواني المعيب وتم الإعلان مرة ثالثة بطريقة صحيحة لتنضاف تكلفة خمسة آلاف خسارة جديدة يتحملها رئيس اللجنة السرية وأعضائها عند الله يوم القيامة، وبعد مضي شهر من الإعلان شكلت لجنة لفض المظاريف وكنت واحدا من أعضائها ليبقى رئيس لجنة المسلمين للاستئجار.

المفاجأة التي سودت وجوه اللجنة السرية أن المتقدمين كانوا واحد فقط لا غير، ويطلب الإيجار بسعر يقل 25% عما كنت قد أجرت به ولمدة عشرين سنة، بالرغم من أنهم نشروا الإشاعات في كل مكان أنني أجرت بسعر منخفض ولم يذكروا أن ذلك قرار هيئة المكتب.

الوقائع السابقة وبالشكل الذي جرت به تشكل جريمة تبدد للمال العام ومحاولة تربح من وراء منصب عام والمتهمون هم أعضاء اللجنة السرية الإخوانية.

في النهاية فقدنا المستأجر وفقدنا الدخل المالي لقيمة الإيجار وقدره 700 ألف جنيه (فقط سبعمائة ألف جنيه مصري لا غير) على مدى سبع سنين، وفقدنا نعمة الثقة والأخوة سمعتنا بين الناس ولم نكسب شيء.

الذي يهمني هنا هو أن كل هذه الجرائم ترتكب باسم الإخوان المسلمين ... فهل هذا يجوز يا فضيلة المرشد العام؟! وهل صحيح ما يتردد في الوسط العلمي اليوم أن شركات إخوانية مكلفة بالاستيلاء على مبنى دار العلميين وتحويله إلى مقر إخواني تدار فيه الاجتماعات السرية لقسم المهن وقسم التربية وأقسام أخرى للجماعة؟

وهل أصدرتم أوامر لقسم المهن أن يتعامل معي على هذا النحو جزاء ما قدمته من عمل مشترك معكم شخصيا وآلاف من الإخوان على مدار 35 عاما؟ وهل ستحققون مع اللجنة السرية الإخوانية فيما تقوم به من فساد يطول شرحه باسم جماعتنا المظلومة؟ أم سيركن هذا النداء كما فعل بغيره؟

أعتقد أنه طف الصاع ولم يعد بالعمر بقية للصمت على كل هذه الجرائم التي ترتكب باسم الإخوان المسلمين؟ ولذلك سوف أنتظركم 60 يوما وفقا للقانون العام، وفي حالة عدم إرجاع المبالغ المالية التي خسرتها النقابة بسبب اللجنة السرية الإخوانية وحل هذه اللجنة السرية بقرار واضح وصريح سوف أكون مضطرا لتقديم البلاغ للنائب العام مضافا إليه جرائم أشد وأنكى حتى يأخذ القانون مجراه؛

وتذكر يا سيادة المرشد العام أنني كنت المسئول عن إدارة العمل بقطاع العلميين لمدة السبع سنوات التي سبقت اعتقالي عام 1995 وأنني رئيس لجنة مراجعة عمل النقابة في الفترة التي غبت فيها عنها معتقلا .. وأن هذه المراجع بها من الوقائع والمستندات ما يعرض هيئة المكتب برمتها للتحقيق الجنائي وأن هذه الأوراق في حوزتي بصفة طبيعية فأرجوك لا تدفعني لاستخدامها.

الأمين العام المساعد. أ.د. عبد الستار المليجي 27/ 6/ 2008

تعليقا على هذه الرسالة:

  1. لم يقم مكتب الإرشاد بأي فعل تجاه الشكوى كالعادة.
  2. بعد خراب النقابات وعندما زادت مشاكل الإخوان انقساماتهم وتصارعهم في جميع النقابات أعادوا د. عبد المنعم أبو الفتوح ليشرف على قسم المهن ممثلا لمكتب الإرشاد مع الإبقاء على واحد من الدقهلية (محمود دومة) رئيسا للقسم وأقالوا (رشاد البيومي، وهذا يعني فشل السريين في إدارة النقابات وإن كانوا كعادتهم لا يعترفون بالخطأ أبدا.
  3. في نقابة المهن العلمية وهي موضوع الشكوى، بدلا من الاعتراف بالأخطاء الجسيمة والعودة للحق عقد السريون مجلسا للنقابة في يوم السبت 11 أكتوبر 2008 وفاجأوا المجلس بإدراج موضوع لم يكن في جدول الأعمال يتعلق بتغيرات في هيئة المكتب وانتهى التصويت المعد له من قبل اللجنة السرية بوضع أعضاء اللجنة في هيئة المكتب وإبعاد صاحب النصيحة من مكانه بهيئة المكتب.
  4. عندما خلا لهم الجو بالتزوير الذي مارسوه، تم تأجير المبنى كله (6000 متر مربع عدا 500 متر مربع في الدور الأرضي) لشركة معارض موبيليا من دمياط، وخالفوا قرارات جميع المجالس واللجان السابقة التي قررت ضرورة الاحتفاظ بدورين على الأقل لاستخدامات العلميين المصريين ورفع روحهم المعنوية بوجود دار للعلميين يجتمعون فيها، ويقيمون فيها احتفالاتهم ومؤتمراتهم وهو الهدف الرئيسي الذي من أجله بنينا وله عملنا، ولأن طبيعة هذه المجموعة لا تدرك الأبعاد الإنسانية فقد تحولت دار العلميين إلى دار الأسترجة والنجارين والأسطوات.

إن الفاشلين إداريا وإنسانيا عجزوا عن إدارة عمارة من ستة أدوار على أي نحو من الأنحاء فباعوا إخوانهم وباعوا دار العلميين للأسترجة والنجارين مع أنه كان من الممكن الجمع بين المصالح كلها لو توفر لديهم شيء من الحكمة، كما أنهم خالفوا القانون مخالفة صريحة كما فعلوا في المجلس السابق ذكره.

حيث ينص القانون 120 لسنة 1983 المنظم لنقابة المهن العلمية في المادة 22

(يدعي الأعضاء لحضور الجمعية العمومية بدعوة شخصية قبل يوم الانعقاد بخمسة عشر يوما يبين فيها زمان ومكان وجدول أعمال الجمعية العمومية، ويعلن عن ذلك في الصحف التي يختارها مجلس النقابة ولا يجوز للجمعية العمومية أن تناقش في غير المسائل المدرجة في جدول أعمالها، ومع ذلك يجوز للمجلس أن يعرض للمناقشة المسائل العاجلة التي تمت دراستها قبل جلسة الجمعية، ولأي عضو من أعضاء من أعضاء النقابة أن يقدم إلى مجلس النقابة أي اقتراح يرى عرضه على الجمعية العمومية العادية وذلك قبل موعد عقدها بأسبوع على الأقل) أ. هـ

فالقانون أو كل التحضير للجمعية العمومية من ألفه إلى يائه إلى مجلس النقابة وليس هيئة المكتب أو لجنة سرية من هيئة المكتب، وهذا دليل واضح ومتكرر على أننا أمام مجموعة بدائية لا تستطيع الالتزام بالقانون ولا تحبه ولا تقدر على تكلفته مع أنه أوفر من فوضاهم ولأنه من صفات الدولة المدنية المتحضرة ولذلك يحلون لأنفسهم دهس المجلس الذي خدعوه حتى جاء بهم جزاء وفاقا.

فالمجلس لم يوافق على جدول أعمال للجمعية العمومية، ولم يعلنوا عن جدول أعمال للجمعية العمومية ولم يوزع على الأعضاء ساعة انعقاد الجمعية العمومية حتى من باب احترام المجتمعين، ثم عرضوا فجأة موضوع تحويل دار العلميين إلى دار للأسترجة والنجارين والأسطوات وصوروا ذلك على أنه إنجاز، وهو في الواقع عمل غير قانوني وغير إنساني وغير علمي وكان ينبغي ألا يحدث أصلا بوصفه مخالفا لكافة ما تم التخطيط له من قبل.

من جانبي فلم أتقدم للنائب العام حتى اليوم بما في حوزتي من المستندات (29/ 12/ 2008) وما زال عندي أمل أن يعتذروا ويتراجعوا ويعود أبناء المحافظات الزاحفين على القاهرة إلى فروعهم ويتركوا نقابة القاهرة للقاهريين من إخوانهم ويتركوا النقابة لأصحاب المهنة وهم عيون مصر وعلماؤها، فهل ينتهون أم أن الأمور ستمضي في طريق آخر؟

الرسالة الثالثة عشر:جمعية الإخوان المسلمين للتنمية البشرية وخدمة المجتمع

عود حميد إلى الأصل مشروع مقترح للوفاق الداخلي والوطني بتاريخ: مايو 2008

السادة الأفاضل المعنيين بالأمر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد ...

فعلى قدر الجهد المبذول في البناء يصعب على أصحاب هذا الجهد أن يقفون مكتوفي الأيدي وهم يرون ما بنوه يتعرض للهدم والضياع، وجماعة الإخوان المسلمين من المشروعات المصرية التي شارك فيها جمهور غفير من المواطنين المخلصين لقضية العروبة والإسلام، والحمد لله الذي شرفني أن أكون واحدا من هؤلاء وما أزال؛

واليوم أرى ويتأكد لي كل يوم أن مصر تمر بأزمة سياسية خطيرة، تتمثل في إصرار الحكومة على إعادة الإخوان المسلمين، وللمرة الرابعة في حياتها إلى الثلاثية المشئومة (جماعة محظورة قانونيا – قادتها خلف القضبان – إلغاء لمساحات الحرية المتاحة لها).

وقد تأكد عزم الحكومة على المضي في مخططها إلى نهايته والشاهد على ذلك ما جرى في انتخابات مجلس الشعب المرحلة الثانية والثالثة وما جرى في انتخابات مجلس الشوري والمحليات، كما أن هناك خطة تطبق لتكرار نفس الموقف في النقابات والجامعات وغيرها، كما أنني أشعر (وهذا هو الأهم) بأن هذا ليس قرارا حكوميا فقط ولكنه يلقى قبولا عند قطاعات من القوى الوطنية والحزبية ومعظم قادة المؤسسات العامة.

لقد صرح أحد الشخصيات المحترمة وطنيا بالقول (ربنا يريحنا من الحكومة ومن الإخوان)، وصرحت أصوات أخرى (متى نستريح من ثنائية الحكومة والإخوان)، وبالجملة هناك ضجر عام من شدة وقع الصراع السياسي بين الحكومة والإخوان ويرى البعض أن هذا الصراع التاريخي جرت وقائعه على جثة الوطن، وأن مصر هي التي تدفع الثمن تخلفا وفقرا وحرمانا من الحرية.

ومن هنا فقد وجب على كل فرد في هذه الجماعة يحب الخير لها وللأمة التي احتضنتها أن يشغل نفسه بضرورة وجود مخرج من هذه الأزمة، نحن الإخوان المسلمون الأصلاء خرجنا للعمل تطوعا من أجل أمتنا، والأمة تطالبنا اليوم باتخاذ الموقف الذي يريحها وعلينا أن نفكر بعمق وروية في هذه المعضلة التاريخية، وهذه الشحناء الوطنية التي دامت لستين عاما أو يزيد، ولعل اتفاق الفرقاء في لبنان يلهمنا بضرورة العمل من أجل الوفاق وتهدئة الساحة المصرية، حتى يتفرغ المواطن لمهام العمل والإنتاج وتتفرغ الجامعات للبحث والدراسة، وتتفرغ النقابات لمهام تطوير المهن وحمايتها، ويتفرغ الدعاة للوعظ والإرشاد، ويتوجه المواطن إلى العمل والمسجد غير خائف ولا وجل.

ولا يتصور أحد هذه دعوة لترك مجالات العمل السياسي، ولكنها دعوة للبحث عن وسائل مأمونة ومجدية ومعتبرة وقانونية، لعمل سياسي محترم بالمعنى العلمي الوارد في كتب السياسة، وبالممارسة الإنسانية التي تتم في البلدان المحترمة ديمقراطيا، إن الصراعات الجارية بين الإخوان والحكومة لا تمت للسياسة بصلة، وكل من الحكومة والإخوان يتواجدون بقوة الواقع، والواقع في بلادنا يتطلب إعادة التفكير في كل ما يحيط بنا وتدبر معانيه ومراميه، حتى نتمكن من إنجاز توافق وطني حقيقي وفعال ومستمر.

بفضل الله قدمنا الخير الكثير

إن مجالات العمل الصالح التي أنجزت فيها جماعتنا كثيرة والحمد لله، فحسن البنا رحمة الله عليه أحيا مفاهيم إسلامية كانت منسية ومتروكة وأخرج المفهوم الصحيح للإسلام من بطون كتب السابقين عليه من أهل الفضل والعلم وجعله ثقافة عامة الشعب ولم يكن له فكر خاص كما يزعم بعض المتمسحين فيه؛

بل كان الإسلام ولا شيء غيره هو مبدؤه ومنتهاه، ولم يلزم أنصاره باتباع مذهب فقهي معين، واكتفى بجمع الأنصار على ما هو متفق عليه، تاركا مواضع الاختلاف لمناقشات العلماء وليس للعامة وطلبة المدارس والجامعات، وأحيا الروح الوطنية في نفوس إخوانه، فشاركوا في حرب فلسطين والقناة، ضمن إخوانهم المصريين، وقدم جهدا مشكورا في مجال تحديث إدارة الجماعات الدعوية تمثل في وضع لائحة إدارية.

الشيخ الشاب حسن البنا والسياسة:

كان من ميزات فهم الشاب حسن البنا للإسلام أنه أوضح أحكام الدين المتعلقة بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم ومهمة الحكومات ودورها في الإسلام، وهو في ذلك لم يقدم جديدا غير مسبوق ولكنه من القلائل الذين تشجعوا على طرح هذه المسائل وتعريف الناس بها في زمن أتحدت فيه قوى عالمية ومحلية على محاربة المسلمين وشريعة الإسلام ومحاولة تنحيتها عن كل ميادين الحياة ومنها الإدارة العليا للدولة، لقد كان دور البنا تعليمي إرشادي فقط لا غير؛
وهذا دور العلماء المحترمين في كل مكان وزمان، وخطى في طريق العمل السياسي في زمانه ربع خطوة فرشح نفسه للبرلمان وترشح معه من الإخوان أربعة ولكنه تراجع خلال أيام واختار مصلحة الدعوة وحريتها في العمل، وعندما فلت عقال بعض الشباب من حوله وأتوا بما أحزنه وأغمه ونكد عليه حياته وعكر صفو دعوته قال كلمته المشهورة (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لعدت بالإخوان إلى أيام المأثورات)
حسن البنا شعر بما أشعر به اليوم بأن الأنصار من حوله والبيئة الشعبية والرسمية ليسوا جميعا مؤهلين لممارسة السياسية المحترمة الشفافة الصريحة فلم يكابر ولم يشعر أنه غير شيء من مبادئ الدين، وهو الذين تبرأ من بعض أنصاره بأعلى صوته قائلا (ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين)، من هنا علينا أن لا نخلط الأوراق، ونتصور أننا بترك هذا الجحر الضيق المظلم الكئيب الكذوب المسمى انتخابات عامة وما هي كذلك قد تركنا كل شيء، علينا أن نشعر أن مجالات العمل النافع للوطن واسعة وشاسعة ورحبة ونحن بفضل الله مدربين عليها ونجيد فنونها.
ليس مطروحا أن نتراجع عن عقيدتنا أو فهمنا للإسلام.يتساءل البعض كيف نحرم من العمل السياسي ونحن دعوة تؤمن بشمولية الإسلام وأنه مصحف وسيف أو فكرة وجيش ... إلخ.

وأقول:

هل معنى إيماننا بشمولية الإسلام لجميع مناحي الحياة أن نقوم نحن بكل وظائف الدولة؟ وهل سنشكل جيشا كما ورد في كلام الإمام البنا؟ المفهوم الصحيح لهذه الكلمات أنه تعبير صحيح عن فهم الإخوان للإسلام ولكن في الدولة الحديثة توجد مؤسسات لكل وظيفة قومية فالحرب والسلاح مهمة الجيوش والمجندين، والطب والعلاج مهمة وزارة الصحة والأطباء، والزراعة مهمة وزارة الزراعة والفلاحين، والتعليم الديني مهمة الأزهر والأوقاف، وتبادل السلطة وممارسة السياسة مهمة الأحزاب السياسية وهكذا؛
ونحن كعمل أهلي تطوعي يمكننا مساعدة أي جهة وفق قانونها، وأعتقد أن جمعية الإخوان المسلمين عندما أنشئت كانت جمعية معاونة للأزهر في مجال التعليم الديني ومعاونة للأوقاف في مجال عمارة المساجد ومعاونة للشئون الاجتماعية في مجالات البر وإعانة الفقراء.
وللإنصاف لا بد أن نقر أن كل نشاطات الإخوان التي تجري وفقا للقانون شجعتها الدولة ووافقت عليها، وأوضح مثال على ذلك (الجمعية الطبية الإسلامية) التي أسسها الدكتور المرحوم أحمد الملط ولها اليوم عشرات المستوصفات والمستشفيات التي تعمل بانتظام تام ولم تتعرض لها الدولة يوما إلا إذا استخدمت كمقرات لعمل غير طبي، وكذلك لجنة الإغاثة الإنسانية بنقابة الأطباء، ولجنة الإغاثة والطوارئ باتحاد الأطباء العرب، وأمثلة أخرى.
وتبقى القيمة العظمى لكلام الإمام البنا ومن على دربه تذكير الأمة والمؤسسات بأن الله في كل هذه المهام أحكام يجب الالتزام بها.إن مهمة الإخوان تعليمية إرشادية ودعوية في الأصل والمنشأ ولم تكن تنفيذية إلا في حدود ما سمح به القانون العام.

المشروع المقترح

بمشيئة الله وعونه سوف أتقدم بطلب إشهار جمعية خيرية وفقا لقانون الجمعيات على النحو التالي:
اسم الجمعية: جمعية الإخوان المسلمين للتنمية البشرية وخدمة المجتمع.
دائرة عملها: جمهورية مصر العربية ومركزها الرئيسي بالقاهرة.
العضوية: مفتوحة لكل من يرغب في العمل تحت هذا الاسم ويلتزم بالقانون ويدفع اشتراك الجمعية.
مجلس الإدارة: يختار من الأعضاء وفقا لقانون الجمعيات.
الأهداف:
  1. (المشروعية، الشفافية، الانضباط).
  2. تحقيق المشروعية القانونية لكافة الأعمال.
  3. تحقيق الشفافية التامة في تداول الأموال وتجنب الفتنة والريبة وإمساك دفاتر قانونية ومحاسبية لكافة التصرفات المالية قبضا وصرفا.
  4. انضباط الاجتماعات الإدارية وتسجيل ما يصدر من القرارات منعا للتلاعب والكذب باسم الإخوان.

النتائج الإيجابية المتوقعة:

  1. تحقيق الأمان والطمأنينة للأعضاء والدولة وجريان أعمال الثقافة والبر تحت سمع وبصر الأجهزة الرقابية ووفق القانون.
  2. شفافية العلاقات وقطع دابر الفتن بين كافة أعضاء الجمعية.
  3. شفافية التعامل مع كافة مؤسسات الدولة والرأي العام.
  4. شفافية حركة أموال التبرعات قبضا وصرفا.
  5. الفص التام بين ما هو دعوي وخيري توافق عليه الدولة وبين ما هو سياسي وإنقاذ الشق الأكبر من عملنا الذي يتضرر ويتعطل بالصراع السياسي الذي أرى أنه لا يناسب جماعة الإخوان اليوم.

وعلى كل من يجد في نفسه القدرة على تحمل المسئولية في ذلك أن يتصل بعنوان الجمعية.

تحت التأسيس وهو:

مكتب الدكتور السيد عبد الستار المليجي.

ت: 0123570626

فاكس: 0226208951

بريد إلكتروني: [email protected]

وعندما يصل الموافقون على المشروع إلى العدد المناسب سوف ندعوهم لاجتماع تأسيسي ينتخب فيه مجلس الإدارة ويلي ذلك التقدم للجهات الرسمية فورا.

لنا يد العون في التنفيذ والله من وراء القصد، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، وفقنا لما تحبه وترضاه آمين.

أ‌.د. السيد عبد الستار المليجي

تعليقا على الرسالة:

  1. بمجرد صدور هذه الرسالة وتناولنا من وسائل الإعلام المختلفة صدرت تعليمات إلى كافة الأسر الإخوانية كل محذرة من تسول له نفسه التعاون مع هذه الجمعية، وأردفت الرسالة أن من أراد العمل من خلال جمعية خيرية فعليه إنشاء جمعية خيرية مع عدد من إخوان التنظيم المناسبين لذلك ولكن قاطعوا جمعية السيد عبد الستار.
  2. حسب علمي فقد قامت أعداد من الإخوان بالفعل بإنشاء عدة جمعيات خلال عام 2008، وقد سعدت بذلك لأن الهدف يتحقق جزئيا ولو على أيدي آخرين.
  3. الإخوان الذين تجاوبوا مع فكرة الجمعية وقبلوها في إطار ما يشعرون به من مخالفات داخلية كانت لهم ملاحظات.
أولا: أن البعض يرى في إنشاء جمعية باسم (الإخوان المسلمين) تفريقا للجماعة وشق لصفها، وأن الجماعة على ما فيها من عيوب ما يزال لها دور ملموس في الشارع المصري، وقد أوضحت أن هذا اتهام للنوايا وهو لا يجوز كما أنني قدمت الرسالة كغيرها إلى مكتب الإرشاد، وله أن يتبنى بنفسه خوض التجربة، ولو نجح عدد من الإخوان في اكتساب وضع قانوني للجماعة فحتما سيكون ذلك في مصلحة الجماعة وليس ضدها، وإن كان ضد هواة التنظيمات الخاصة السرية أو ما أطلق عليه بعض الباحثين (غواية التنظيم السري).
ثانيا: البعض أوضح أن الدولة لن توافق على شيء باسم (الإخوان المسلمين) ولو كان المتقدمين بالطلب من المشهود لهم بالتعقل والالتزام بالمشروعية، وسوف تتكر مشكلة حزب الوسط مع الجمعية، وقالوا دعنا ننتظر حتى نرى كيف ستتصرف الدولة مع حزب الوسط، ولم أجد ما أرد عليهم به لأن كلامهم له حظ من الواقع، ولو حدث ولم توافق لجنة الأحزاب على حزب الوسط الجديد فإن الدولة تكون بذلك محرضة لقطاعات عريضة من الشعب المصري أن يتبنى العنف ومخالفة القوانين بشأن عملية تداول السلطة ويبقى ميزة لحزب الوسط حتى لو لم يوافق عليه أنه مصر على أن يسلك طريق المشروعية القانونية.
ثالثا: اقترح البعض خروجا من هذه المشكلات تأسيس جمعية باسم آخر، وقد أوضحت لهم أن الأمر ليس مجرد جمعية ولكن الهدف هو تحقيق المشروعية والشفافية لجماعة الإخوان، وقطع دابر الفتنة بين الإخوان أنفسهم، وبينهم وبين فريق السريين منهم، وهي الفتنة التي تستفيد منها الحكومات المتعاقبة وتتخذها تكأة لضرب الجماعة والمعارضة برمتها، واستمرار الوطن في حالة التوتر وتحت نير القوانين السيئة السمعة، وما يزال الحوار مستمرا ووجهات النظر تتفاعل حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

تعليقا على مجمل الرسائل الموجهة إلى مكتب الإرشاد

أولا: استمرت المراسلة من عام 1998 وحتى عام 2008 أي عشر سنين من النصح بالمراسلة وقبل ذلك كانت هناك حوارات ومصارحات حول أوضاع جماعتنا الداخلية أي أن النصح الداخلي استمر عشرين سنة كاملة والذي أخرجه عن خصوصيته هو الكلام غير المسئول الذي تحدث به بعضنا ردا على إعلاني محاولة تأسيس جمعية خيرية باسم الإخوان المسلمين للتنمية البشرية وخدمة المجتمع.
ثانيا: الرسائل كلها توضيحات ومتابعة لما ورد بالرسالة الأولى التي نتجت عن عمل لجنة كنت صاحب فكرتها وشكلها مكتب الإرشاد، وهو ما يوضح أن الأمر ليس بدعة جديدة وأن القضية ليست شخصية ولا ردة فعل كما يروج المنتفعين.
ثالثا: أليس غريبا أن يهمل مكتب الإرشاد منذ 1999 وحتى اليوم تقرير اللجنة وكافة الرسائل ويصر على أن تبقى الأوضاع الخطأ على حالها حتى اليوم؟
رابعا: في حوار مع بعض أعضاء مكتب الإرشاد أخبرني بأن معظم هذه الرسائل لم تعرض على مكتب الإرشاد، وهذا يعني حبسها عند المرشد ونائبه وأمين المجلس وبفرضية صدق هذا القول فإنه يؤكد ما أقول من وجود تنظيم سري يتصرف وفق هواه ويضلل مكتب الإرشاد وغيره من تشكيلات الجماعة يكذب على الجميع ويوقع العداوة والبغضاء بين الجميع ليبقى هو في النهاية مسيطرا ولكن بعد نشرها لم يبق عذر لأحد؟
خامسا: الرسائل المنشورة تمثل ما سلم لمكتب الإرشاد في الفترة المتأخرة حول طريقة إدارة أعمال الجماعة، وهناك عدد وافر من الدراسات شاركت فيها مع غيري من الإخوان وقدمت لمكتب الإرشاد في فترات سابقة على هذا التاريخ، ولكن السمة الغالبة للتعامل مع الدراسات هي الإهمال والعزوف عن الحوار حول مقترحات التحسين والتجويد، وتعامل المكتب في ذلك يشبه إلى حد كبير تعامل حكومات العالم الثالث مع البحوث العلمية التي ضاقت بها أرفف مكتبات الجامعات ومراكز البحث العلمي وبقيت دون أن يستفاد بها في شيء، وبقينا نحن نذوق مرارة هذا الإهمال جيلا بعد جيل.

الفصل الثامن:آخر ما ورد من الهم

منذ أعلنت بالصحف عن مشروع التقدم بجمعية خيرية باسم (الإخوان المسلمين للتنمية البشرية وخدمة المجتمع) وكأن الحرب قد أعلنت، وتتابعت ردود الأفعال بالصحف والمجلات لتظهر أننا نعيش في مأزق حقيقي وخطير، لقد تعجبت كثيرا من التصورات التي باتت تحكمنا، كنت أتوقع القول بأن جمعية باسم الإخوان تحقق المشروعية التي يتمناها كل عاقل متحضر، وكل من يؤمن أن الدولة المدنية التي يحكمها القانون أقرب إلى الإسلام من حياة الكهوف ودكاكين التنظيمات السرية أو على طريقة تنظيمات (تورا بورا) المطاردة باستمرار؛

ولو فرضنا جدلا أن واحدا من الإخوان أسس جمعية خيرية بهذا الاسم ولم يشارك بها إلا خمسين من الإخوان فما هو الضرر الواقع على المستمرين على طريقة (تورا بورا) وهم آلاف مؤلفة؟ فليستمروا على طريقتهم، وليساعدوا الفكرة على الأقل من باب التجربة العملية الجادة المكتملة، فإن نجحت فلأصحابها ولغيرهم وإن فشلت لا قدر الله فنحن ماضون في طريقتنا.

لقد مثلت ردود فعل سدنة السرية القديمة صدمة لكل العقلاء وهو ما عبرت عنه حوارات الصحف والفضائيات على كثرتها، وفيما يلي قدرا من هذه الآراء والتفاصيل الكاملة يمكن الحصول عليها من المواقع الإلكترونية لهذه المصادر.

  1. نشرت البديل في 22/ 5/ 2008 في صفحتها الأولى:قيادي إخواني يقترح تحويل الجماعة إلى (جمعية دعوية).
  2. نشرت البديل في 23/ 5/ 2008 في صفحتها الأولى:(جدل داخل الإخوان بسبب اقتراح تحويل الجماعة لجمعية دعوية) وفي صفحتها الخامسة جاءت التفاصيل.
  3. نشرت البديل في 1/ 6/ 2008 في صفحتها الأولى: المليجي يعلن تقدمه بطلب لإشهار جمعية خيرية باسم الإخوان المسلمين، وفي صفحتها الخامسة وردت التفاصيل.
  4. في 4/ 6/ 2008 نشرت المصري اليوم في صفحتها الأولى (قيادات إخوانية تطالب بالتحقيق في نتائج انتخابات مكتب الإرشاد ... وعاكف ينفي ... المليجي يتهم عزت وحبيب بإجراء الانتخابات سرا ... ويؤكد عدم شرعيتها ويستشهد بالعريان والغزالي) وفي الصفحة السادسة جاءت التفاصيل.
  5. في 6/ 6/ 2008 نشرت روز اليوسف في صفحتها الخامسة: (المليجي يفتح النار على صقور الإخوان: محمود عزت أعاد التنظيم الخاص وطرد مخالفيه من الجماعة).
  6. ونشرت روز اليوسف في 6/ 6/ 2009 أيضا حوارا مع الأستاذ منتصر الزيات جاء فيه: الإخوان يتشدقون باحترام أحكام القضاء ويهدرون أحكامه في نقابة المحامين.
  7. في 7/ 6/ 2008 نشرت الأهرام ص 32 عضو بمكتب الإرشاد يبني مصنعا لمشروب أمريكي في أسيوط.
  8. في 14/ 6/ 2008 نشرت الأهرام ص 7 سقوط النزاع المزيف عن وجه النضال الإخواني.
  9. في 14/ 6/ 2008 نشرت البديل في صفحتها الـ 11: انتخابات الإخوان لعبة التغيير داخل المعارضة، وأوردت الجريدة مقالين الأول للدكتور جمال حشمت من إخوان دمنهور ومرشح الإخوان عن دائرتها في مجلس الشعب عام 2005، وبعنوان: استبداد النظام يحدد طموحات الجماعة، والمقال الثاني للباحث خليل العناني الباحث بمعهد بروكينجز للأبحاث – واشنطن وبعنوان: فقدان الأمل في التغيير.
  10. في 16/ 6/ 2008 نشرت الفجر ص 5: الإخوان يبايعون نظام مبارك للتخلص من حكم المؤسسة العسكرية.
  11. في 18/ 6/ 2008 نشرت البديل في ص 12 حوارا مع المستشار علي جريشة بصفته الملقب بالمرشد السري للإخوان جاء فيه: لم أنخرط في أي علاقة تنظيمية مع الإخوان طوال حياتي، وفي اليوم التالي كان العنوان: هذه قصتي مع المسئول الأمني رفيع المستوى، وجاء في آخر الحوار سؤال: ما رأيك في الدعوة التي يطالب بها د. السيد عبد الستار المليجي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين بتحويل الجماعة إلى جمعية دعوية؟ فأجاب: هذا موضوع يستحق الدراسة من الجميع بما في ذلك مكتب الإرشاد.
  12. في 21 يونيو 2008 نشرت البديل في صفحتها الأولى: العريان: انتخابات على مقعد مرشد الإخوان ولن أفصح عن موعدها.
  13. في 25/ 6/ 2008 نشرت الدستور حوارا مع الدكتور محمد سعد الكتاتني.
  14. في 28/ 6/ 2008 نشرت البديل ص 5: مدير برنامج الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن: مهدي عاكف لا يعرف كيف يخاطب الرأي العام ... وأمريكا ستقبل جمال مبارك رئيسا. وفي ص 15: الجدل حول مسلسل (الجماعة) يتزايد وقد يص إلى القضاء.
  15. في 4/ 7/ 2008 نشرت البديل في ص 11 مقالا للأستاذ حسام تمام الباحث عنوانه: الإخوان وحركات الاحتجاج الجديدة.
  16. في 8/ 7/ 2008 نشرت البديل مقالا مطولا للباحث د. عمار علي حسن بعنوان: مستقبل الإخوان المسلمين ... التجديد أو التراجع. ونشر الجزء الثاني يوم 9/ 7/ 2008.
  17. في 9/ 7/ 2008 نشرت البديل مقالا للباحث خليل العناني بعنوان: الإخوان والوطني ... الأصل والصورة ..
  18. في 10/ 7/ 2008 نشرت الأهرام مقالا لــ د. محمد كمال بعنوان: الدين والدولة ودروس الأزمة التركية.
  19. في 10/ 7/ 2008 نشرت البديل مقالا للأستاذ عبد الغفار شكر من قيادات التجمع المحترمين بعنوان: اندماج الإخوان المسلمين في الحياة السياسية.
  20. في 12/ 7/ 2008 نشرت الدستور المصرية في صفحتها الخامسة (د. عبد الستار المليجي يؤكد: إشهار جمعية الإخوان الأهلية سيتم خلال عشرين يوما لإنهاء حالة الاحتقان التي تعيشها مصر والمطاردات الأمنية للجماعة).
  21. في 13 / 7/ 2008 نشرت البديل حوارا مطولا على ثلاثة أيام مع المرشد العام الأستاذ محمد مهدي عاكف كان عنوان اليوم الأول: أنا بتاع النظام الخاص ... ولكني أكره السرية، وكان عنوان اليوم التالي: ما ليش دعوة بمبارك .... كبر السن لن يعوقني عن أداء المهام المطلوبة مني طالما إن (مخي صاحي)، وفي اليوم الثالث كان العنوان: كل المشاكل المتعلقة بالنصارى مفتعلة، وفي هذا اليوم 15/ 7/ 2008 ورد ذكر موضوع الجمعية والمليجي؛

وفيما يلي الجزء الأخير من الحوار:

ماله إبراهيم صلاح

يوسف ندا طبعا ..
  • دعني أسألك عن الدكتور سيد عبد الستار المليجي؟
ليس في خاطري ..
  • إلى هذه الدرجة لم تعد تحبه؟
بالعكس فنحن بيننا علاقة نسب.
  • ما رأيك في الاقتراح الذي أعلنه لتحويل الجماعة إلى جمعية دعوية والابتعاد عن العمل السياسي؟
هو حر.أنا لا شأن لي به ولا برأيه دعه يفعل ما يشاء أنا لن أعترض عليه ولن أتحدث معه.
  • لماذا وصل المليجي إلى هذا الحال داخل الإخوان؟
أنا عملت مع سيد زمان في قسم الطلاب وهو ما شاء الله عليه لديه قدرة طيبة على الكتابة وطاقة ضخمة للحركة فعندما كان يعمل مع الإخوان حقق إنجازات ضخمة ولكن عندما وقف من الإخوان موقفه هذا أثناء المحاكمات العسكرية لفظه الإخوان ومع ذلك فهو يأتي إلينا من فترة لأخرى.
أنا لا أتعاون معه ولا أهتم بما يقول وأتركه يقول ما يشاء والجماعة مفتوحة اللي عايز ييجي أهلا وسهلا واللي عايز يمشي أهلا وسهلا.
ربنا يديله الصحة والعافية.
  • ألا تخالف عضويته في مكتب الإرشاد أثناء وجوده في السجن اللائحة الداخلية للجماعة؟
لا ليس مخالفا للائحة فسبق أن تم اعتقالي 3 سنوات وظللت محتفظا بعضويتي في مكتب الإرشاد.
  • اللائحة تتحدث عن أن عضو مكتب الإرشاد يفقد عضويته إذا قامت ظروف تحول دون قيامه بمهامه لمدة 6 شهور؟
بانفعال: طب أنا هخالف اللائحة ومن باب الذوق وسأبقى على عضويته في مكتب الإرشاد وأعتقد أن هذا لا يضايق أحدا.
(21) في 15 يوليو نشرت البديل بالصفحة الخامسة: المليجي يرد على عاكف، الإخوان المسلمون وبينهم المرشد لا يحملون كارنيهات عضوية ولا تثبت صفاتهم في بطاقاتهم الشخصية. عضويتي في مجلس شورى الإخوان مسجلة بالصوت والصورة .. ومكتب الإرشاد تجاهل 15 شكوى لي بالتحقيق مع قيادات بالجماعة.
(22) في 16/ 7/ 2008 نشرت الدستور المصرية بصفحتها التاسعة تحقيقا بعنوان: الإخوان المسلمون بين الديمقراطية والسمع والطاعة، واستطلعت رأي كل من الأستاذ مختار نوح المحامي والدكتور جمال حشمت والباحث خليل العناني والدكتور محمود عزت والدكتور محمد سعد الكتاتني.
(23) في 19/ 7/ 2008 نشرت البديل في ص 1 تصريحا لمفيد شهاب: الإخوان زي إسرائيل ... كيانات غير شرعية ... ونحن لا نتحاور إلا مع الكيانات غير الشرعية.
(24) في 22/ 7/ 2008 نشرت المصري اليوم تنويها أوليا عن حوار مطول معي وجاء في صفحتها الأولى: عضو في مجلس شورى الإخوان يكشف: الجماعة لديها (تنظيم خاص) يضم متطرفين، المليجي: أفراد التنظيم يستثمرون الأموال الواردة من الخارج في مشروعات غير معلومة.
(25) في 23/ 7/ 2008 نشرت البديل مقال المستشار طارق البشري ص 7: شرعية الخروج على الشرعية.
(26) في 24/ 7/ 2008 نشرت جريدة الخميس (عمرو الليثي) في صفحتها الثانية: الدكتور عبد الستار المليجي: لا يستطيع أحد أن يفصلني من الجماعة حتى عاكف نفسه، الإدارة الحالية لمكتب الإرشاد ديكتاتورية وتفعل ما تريد.
(27) في 24/ 7/ 2008 نشرت جريدة المصري اليوم الجزء الأول من الحوار تحت عناوين: ص 1 عضو مجلس شورى الإخوان يكشف لـ (المصري اليوم): أسرار التنظيم الخاص الذي يدير الجماعة 6، وفي صفحة 6 جاءت التفاصيل: عبد الستار المليجي عضو مجلس شورى الجماعة لـ (المصري اليوم): الإخوان لديهم تنظيم خاص ولجان سرية تدير النقابات، فوجئت بلجنة إخوانية سرية في نقابة العلميين تطلب مني تنفيذ أجندة بعيدا عن مكتب الإرشاد، التنظيم الخاص جمع معلومات عن كل الإخوان بعد عودته من الخارج وتم الكشف عنها في شركة سلسبيل، النظام الخاص السابق حاول قتل جمال عبد الناصر ...
وأعضاؤه اعترفوا بذلك، بعض قيادات الإخوان هربت قبل اغتيال الرئيس السادات وهناك شبهة تنسيق مع أجهزة الأمن، محمود عزت يقود التنظيم منذ 1987 ويضم العائدين من الكويت واليمن وبعض الطلبة المبعوثين، التنظيم الخاص يعقد لقاءات سرية دون علم المرشد ... ويدير الأموال التي يتلقاها من الخارج في استثمارات لا يعرفها أحد ... الجزء الأكبر .. من الإخوان يعملون تحت الأرض ... لكن فكر التسليح انتهى.
(28) في يوم الجمعة 25/ 7/ 2008 نشرت المصري اليوم الجزء الثاني وورد في صفحتها:
الأولى: عبد الستار المليجي: عدد الإخوان والمتعاطفين لا يتجاوز 100 ألف.
وفي التفاصيل ص6: الإخوان ورقة تستخدمها الدولة .. وعددهم لا يتجاوز 100 ألف بالمتعاطفين، الجماعة تصرف أموال (الصدقات) على الاستثمار وأعضاؤها يكذبون في سبيل الله، الأموال تستخدم لـ (الإفساد التنظيمي) داخل الجماعة .. وعاكف ليس بيده إدارة أمور الإخوان، بعض الإخوان يهاجمون زملاءهم بـ (أسماء مستعارة) ... والتعامل مع الأمن تهمة جاهزة لمعارضيهم، محمد حبيب مجرد ديكور لأنه بلا عزوة إخوانية ... والتلمساني نقله لمكتب الإرشاد لـ (يطيب خاطره) هناك أكثر من عشر محافظات دون إخوان وجميع الحروب الكبرى لمصر لم تشارك فيها الجماعة، الإخوان يمرون بالنكبة الرابعة وتنظيمهم الخاص يسعى لإشاعة الفرقة بينهم.
(29) في 25/ 7/ 2008 نشرت الدستور ص 1: حبيب ردا على اتهام الإخوان بمحاولة اغتيال عبد الناصر: لماذا تنبش الجماعة الإسلامية في الماضي.
(30) في 28 / 7 / 2008 نشرت صوت الأمة حوارا مع د. محمد حبيب ص 7.
(31) في 29/ 7/ 2008 نشرت المصري اليوم في ص 1 علي جريشة يرد على اتهامات المليجي للإخوان، وفصلت ذلك في ص 5.
(32) في 30/ 7/ 2008 نشرت البديل مقالا للكاتب أحمد بهاء الدين: هل عاد التنظيم الخاص؟
(33) في 30/ 7/ 2008 نشرت روز اليوسف حوارا مع د. علي الدين هلال علق فيه على انتخابات مكتب الإرشاد سلبا وقال إن فكرة الانقلاب لا تزال في أعماق الإخوان.
(34) في 15/ 8/ 2008 نشرت مجلة شارع الصحافة في عددها الأول ملفا حول تصريحاتي وبعض ردود الإخوان عليها وصورة كاريكاتورية على صفحة الغلاف.
(35) في السبت 17/ 8/ 2008 نشرت الدستور في ص 3 ك المليجي: لدي خصومة مع الإخوان حتى أطلب الصلح ... ولكن أطلب إجراء تحقيق برئاسة جريشة ... لا يوجد انتخابات صحيحة داخل جماعة سرية وأنا عضو مجلس شورى مزور.
(36) في 20/ 8/ 2008 نشرت الدستور تحقيقا موسعا عن النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين من إعداد عبد المنعم محمود، ونشر في نفس اليوم والعدد حوار مع أحمد حمروش من الضباط الأحرار جاء فيه أن انتماء ناصر للإخوان كان استثمار لشعبيتهم.
(37) الجمعة 22/ 8/ 2008 لقاء مع علي نويتو جاء فيه: لم أقل إن الإخوان حاولوا قتل عبد الناصر وساءني ما ذكره المليجي.
(38) في 27/ 8/ 2008 نشر الجزء الثاني من دراسة عبد المنعم محمود.
(39) في 28/ 8/ 2008 نشرت الدستور رسالة أحمد عادل كمال لعاكف.
(40) عندما بدأ رمضان توقفت عن التصريحات كما وعدت وسكت الجميع احتراما للشهر الفضيل.

حول الفضائيات:

  1. السبت 26/ 6/ 2008 سجلت معي قناة العربية ساعة حول ما ورد بجريدة المصري اليوم وأذاعت منه في اليوم التالي عقب النشرة حوالي عشر دقائق.
  2. سجلت معي قناة الجزيرة لقاء خاصا لمدة دقائق.
  3. سجلت الجزيرة حلقة (ما وراء الخبر) وحاورني فيها د. محمد سعد الكتاتني.
  4. سجلت الجزيرة معي حلقة (مباشر مع) وعلق فيها من الإخوان د. جمال حشمت وم. أحمد محمود وم. محمد البشلاوي والأخ المدرس إسماعيل ترك من قلين كفر الشيخ.
  5. سجلت معي قناة (إن – بي – إن) اللبنانية ساعة كاملة حول الموضوع.

الفصل التاسع:سيناريوهات المستقبل

جمعية خيرية وحزب سياسي

أولا: مشروع الجمعية الخيرية:

في ظل الأوضاع القائمة والظروف الدولية الحاضرة توسع العالم في مجال المنظمات غير الحكومية توسعا ملحوظا، وبعض هذه المنظمات غير الحكومة يضارع وينافس الدول من حيث التأثير في واقع الحياة، وأوضح الأمثلة في المجتمع المصري على سبيل المثال هو دور الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية في ظاهرة التدين وحركة بناء المساجد وتنظيم دروس العلم وفتح المعاهد لإعداد الخطباء وأخيرا دخلت الجمعية الشرعية معترك العلاج الطبي والإغاثة الإنسانية وحققت تقدما ملموسا في هذا المجال.
على الجانب المسيحي تعتبر الكنيسة الكاثوليكية رائدة بناء وإدارة المدارس من الابتدائي إلى الثانوي، ويصل عدد مدارسها اليوم قرابة 400 مدرسة منتشرة على كل مساحة مصر.وهناك جمعية مصر الخير التي تتبنى إقامة المشروعات الصغيرة وتجمع من رجال الأعمال قرابة الـ 100 مليون جنيه سنويا.
ويمكن القول إن ما نقوم به كجماعة يمكن تحقيق معظمه من خلال جمعيات خيرية مشهرة تتخصص في جانبي الدعوة وخدمة المجتمع كما اقترحت عمليا على مكتب الإرشاد، وكافة الاعتراضات على مشروع الجمعية الخيرية تعتبر واهية ومردودة

ومنها:

(1) عدم موافقة الدولة على جمعية باسم الإخوان: وهذه شماعة من لا يريدون الانضباط الإداري والمالي ويفضلون العمل بالفوضى التي لا يمكن معها محاسبة أحد أو مساءلة موظف، كما أن هذا الفريق الرافض أصلا للمشروعية يضع العقدة في المنشار عندما يتصور أن وزارة الشئون الاجتماعية المختصة بتسجيل الجمعيات مجبرة أن تقبل جمعية خيرية بمؤسسين بينهم وبين القيادة السياسية ثأر قديم وتجارب مريرة أدت إلى انعدام الثقة المتبادل بين الطرفين، ولو طرحنا السؤال بطريقة أخرى فقلنا: لماذا لا تقبل الدولة تسجيل جمعية خيرية للإخوان؟ وبحثنا عن الأسباب وحاولنا معالجتها بشفافية وشجاعة لتوصلنا إلى نتائج أفضل.
ومن أسباب الرفض أننا تعودنا كإخوان أن نستخدم المؤسسات التي نمتلكها لغير الغرض الذي أسست من أجله، وعدم مراعاة الحدود الفاصلة بين المهني والدعوي والسياسي والخدمي، نحن نمارس كل شيء من أي شيء ونقول كل ما نريد في أي وقت ومن فوق أي منصة نرتقيها؛
حتى الجنازات التي أجيزت للعبرة والاعتبار والاتعاظ بالموت حولناها إلى مهرجانات سياسية نقول فيها كلاما نقديا للنظام والحزب الحاكم بعيدا كل البعد عن وقار الموقف وخصوصيته، كما ننحو بالأفراح نفس المنحى حتى أصبحت مهرجانات لكلمات وعظية كأننا في جنازة والجمهور الحاضر أصلا للتهنئة تبدو عليه كل علامات الأسى والحزن والاستعطاف والثأر ولا وجود لفرحة أو بشرى أو أمل.
هذه سمتنا الغالبة وهي السبب في عدم الموافقة على جمعية خيرية باسم الإخوان، وما الحل؟ الحل هو مواجهة الموقف بشجاعة وشفافية وجد، والبداية اختيار مؤسسين للجمعية معروفين بالتعقل والتروي والتفاعل المجتمعي والقبول عند متخذي القرار ولو على سبيل التجربة، والحل أن نكون مستعدين لعدم الخلط بين مجالات عمل الجمعية المشهرة وبين ما نريد نحن عمله؛
الحل أن يكون هناك حوار مع أجهزة الدولة بهذا الشأن وقبول الاشتراطات المنصوص عليها قانونا بوصفهم جهة متمكنة وقادرة على الموافقة أو عدم الموافقة لا سيما أننا بصدد بدايات لبناء الثقة بين الأطراف ولسنا بصدد تصفية حسابات مع أحد في هذا الوطن، علينا أن نتقدم بطلبنا كمواطنين عاديين لأننا كذلك بالفعل وليس لمجرد إبراء الذمة، ولو تحقق شيء من التوافق الداخلي للجماعة على ذلك لحلت معضلات كثيرة واستفادت الأمة من جهود أبنائها بطريقة أفضل.
(2) يقول بعضنا: نحن الإخوان نقوم بالعمل الخيري بدون جمعية ولدينا بعض الجمعيات التي نعمل من خلالها وهي كافية.
وأرى أن هذا كلام مخالف للواقع فما نقوم به قليل القليل مما هو مطلوب، ولو طالعنا النموذج الإرشادي لميادين عمل وأنشطة الجمعيات المعد من قبل وزارة الشئون لتأكدنا من ضعف ما نقدمه بطريقتنا السرية المرتعشة الغير محسوبة ولا مقيمة تقييما صحيحا، هناك جمعيات بنت قلاعا للعمل الخيري المؤسسي الذي يقصده ملايين المحتاجين للرعاية الاجتماعية والمهنية، إن بعضنا استسهل العمل السياسي على أنه وظيفة كلامية تقوم على مهاجمة المسئولين والاستغراق في ذلك إلى ما لا نهاية.
أما العمل الخدمي فهو الحسنة الباقية والنافعة والتي يمكن أن يترتب عليها خير كثير في الدنيا والآخرة، إن ما قامت به سيدة واحدة هي ابنة الشيخ الحصري في مدينة 6 أكتوبر خلال أربع سنوات من العمل يدين جماعتنا التي تضم آلاف الرجال والنساء الذين يفشلون عن تقديم ما قدمت امرأة واحدة في مجال العمل الخيري؛
ليس كافيا للرجال أن يفرحوا بتوزيع ألف كرتونة مساعدات رمضانية وعلينا أن ندرك أن قامتنا أطول من هذا وأن الأفق الذي يجب أن نتطلع إليه في مجال النهوض بالأمة والنهوض معها أبعد من هذا بكثير، نحن مسئولون أمام الله عن خروج مصر من قائمة العالم الثالث المتخلف إلى قائمة العالم الأول المتقدم وتلك هي مهمة كل وطني مؤمن بالله واليوم الآخر.

ثانيا: مشروع الحزب السياسي:

المشكلات التي تواجهنا في إشهار حزب سياسي تتشابه مع معوقات إشهار الجمعية، وتنقسم إلى معوقات داخلية ومعوقات خارجية، أما الداخلية فأهمها أننا لم نتقبل بعد طرق وآليات العمل السياسي في الدولة الحديثة، غالبية الإخوان ما يزال بينه وبين الآليات الديمقراطية عداوة وسوء تفاهم؛
فريق السريين لا يعطي (مجرد حق التصويت) لكل أعضاء الجماعة ويميز بينهم تميزا عنصريا معيبا ويقسمهم إلى محبين ومتعاطفين ومؤيدين وجميع الفئات الثلاث ليس له حق التصويت ولا حق الترشح، والقسم المميز قسم الإخوان العاملين مقسمين إلى مناصرين للتنظيم السري فيدعون إلى الانتخابات ومعارضين تفوت عليهم فرصة الحضور بأساليب ملتوية وماكرة وتحسم النتائج في النهاية بعدد 20% من الإخوان ويقال إن لدينا مؤسسات تتخذ القرارات؛
والنتيجة أن المسئولين يجثمون على أنفاس الإخوان مدة تصل إلى ربع القرن وليس لديهم أدنى استعداد للتنازل أو السماح بانتخابات صحيحة تأتي بغيره، لدينا وكيل نقابة في موقعه من عشرين سنة ولا يحضر لعمله سوى مرة أو مرتين في العام، ولدينا أمين عام في نقابة لربع قرن أو يزيد، والإشكالية السيكولوجية أن هؤلاء بعينهم يتحدثون عن الشورى والديمقراطية قائلين (نحن نتعبد إلى الله بالشورى).
بعضنا يؤمن أن المرأة ليس لها حقوق سياسية أو تنظيمية، والأخوات المسلمات في جماعة السريين ليس لهن حق التصويت ولا حق الترشح ولا حق انتخاب المسئولات ولو فيما بينهن، وبذلك يقتطع نصف قوة المجتمع الإخواني أكثر.
بعضنا يضيف إلى قائمة المحرومين في الأرض من الحقوق السياسية الأقباط ويرى أن عليهم دفع الجزية ويجب أن يضيق عليهم في الطرقات، ولست هنا أعني تصريح مؤسس العمل السري الحديث فحسب ولكن المشكلة تكمن في المنهج الثقافي والتربوي الذي لا يرقى إلى ما كانت عليه الحياة في دولة المدينة المنورة وما سنه الهادي البشير صلوات الله عليه وسجله في وثيقة دستور المدينة المنورة الهامة، كما أن المنهج الثقافي والتربوي يغذي منهجا خفيا شعوريا نفسويا يؤدي إلى رفض الحياة في دولة يحكمها الدستور والقانون بوصف ذلك علمانية كافرة فاسقة ملعونة؛
كما أن هناك عمد من السريين ببقاء قسم التربية في قبضتهم حتى تستمر الجماعة تدور في رحى أفكارهم التكفيرية دونما أي اقتراب من آليات استلام السلطة في الدولة المعاصرة، وما يطبق على الإخوان داخليا هو إيمان راسخ في عقول السريين أنه الطريقة الإسلامية المثلى مهما قال العلماء المتخصصون الثقة وبينوا خلاف ذلك؛
إن مشكلتنا مع الحزب تعتبر محكا حقيقيا لطبيعة العلاقة بين الإخوان أعضاء الجماعة وبين حكام الجماعة اليوم ممثلين في فريق السريين، فالجماعة ممثلة في مجلس الشوري منذ عام 1994 اتخذت قرارا واضحا جليا يأمر مكتب الإرشاد بالتقدم بحزب سياسي وفقا للقوانين المعمول بها؛
ولكن مكتب الإرشاد يرى أنه فوق المجلس الذي جاء به ويتصرف على أنه جهة تنفيذية وتشريعية والكل في الكل وأن شعبه من الإخوان وفيهم مجلس الشوري لم ينضج ولم يفهم ولا يقدر الظروف المحيطة ولذلك لم يتقدم بطلب تأسيس حزب حتى اليوم، ويفضل العمل بتنظيم سري مباغت ومطبخ داخلي سري يسهل السيطرة على قراراته، ويكون من الموالين لمن في السلطة الإخوانية؛
وهي نفس طريقة التفكير السائدة عند معظم حكومات العالم الثالث ولا فرق في هذا المجال بين الحكومة الرشيدة ومكتب الإرشاد الحاكم، وهذه الممارسة الداخلية تعتبر مصدر خوف الكثيرين حتى من الإخوان على مصير الوطن لو امتطى السريون صهوة جواده وهم على هذه العقيدة السياسية المعيبة.
وداخليا أيضا فلدينا مشكلة من يمثلنا في الحزب من سيكون وكيل المؤسسين وهل نتقدم بحزب سياسي على رأسه مكتب الإرشاد بتركيبته الفكرية الحالية أم نتقدم بحزب يمثلنا فيه اللجنة السياسية وما حولها، وما هي العلاقة بين الحزب والتنظيم السري الفاقد للمشروعية القانونية والمشروعية التنظيمية، وكيف يكون الحال وطبيعة الحزب أن يكون مفتوح العضوية لكل المواطنين المصريين مسلمين وأقباط ورجال ونساء، هل يستطيع فريق السريين إدارة حزب سياسي وفقا للقانون؟
هناك أسئلة كثيرة لم تحسم في داخل الإخوان والحوار ينتهي بمكتب الإرشاد اليوم بتركيبته الفكرية إلى قرار مؤلم وحيد هو (ليس في الإمكان أفضل مما نحن عليه، جماعة محظورة وتنظيم سري يديرها ومحكمة عسكرية ومساجين ومعتقلون بالآلاف ولكننا موجودون على الساحة وعقبة كأداء في وجه النظام الحاكم وبيننا الجنائز ويوشك بعضنا أن يختم بالقول ... وقتلاهم في النار وقتلانا في الجنة)
ويعني هذا أن البرنامج الذي خرج من رحم مجهولة وقيل إنه برنامج حزب الإخوان كان مجرد ذر التراب في عيون المتهمين بالشأن السياسي، ويعني هذا أن جماعة السريين تناور ولا تحاور وتضحك على مجتمعنا الداخلي والخارجي وليست جادة في شيء مما تدعيه.
وأما المعوقات الخارجية فأهمها أن أي حكومة تحب البقاء في السلطة إلى يوم يبعثون وترى من واجبها ومن ضرورات البقاء إضعاف المنافسين والمعارضين ومنهم جماعة الإخوان المسلمين، وفي اليوم الذي مارس فيه الجهاز الخاص بقيادة السندي ثم التنظيم السري بقيادة يوسف طلعت جريمة إطلاق الرصاص على مواطنين مصريين فقد أعطى المبرر للحكومات أن تلاحق الإخوان كخارجين على القانون والشرعية؛
كما أن إصرار الذين على دربهم وفكرهم في البقاء على رأس التنظيم اليوم يجدد هذا المبرر ويدعمه، وترى الحكومات المتعاقبة أن بقاء الإخوان خارج إطار الشرعية القانونية يعطي للحكومات فرصة دائمة للانقضاض على الإخوان وهدم أبنيتها وإرغامها على التراجع والتقهقر وتستمر هذا التراجيديا التاريخية على مدى سبعين سنة على جثث المواطنين من الإخوان والشرطة وعموم المصريين، وتتعطل مسيرة التنمية لأكثر من ستين سنة من جراء هذا الصراع النكد.
إن موافقة الحكومة الحالية بتركيبتها الفكرية للإخوان المسلمين بوضعها الفكري والتنظيمي الحالي على حزب سياسي يعتبر من المستحيلات.
المطلوب هو تغيير فكري وتنظيمي في الإخوان أولا قبل النظام حتى يتمكن الجيل الإسلامي الجديد من النضال والسعي والتفاوض على حزب سياسي لا يكون منبثقا من الجماعة ومرتبطا بقيادتها وجزء من تنظيمها بقدر ما يكون متبنيا لفكرة صلاحية الشريعة الإسلامية لإدارة حياة عنصرية كاملة وفقا للمعايير العلمية والتقنية والعمرانية التي ترفع من قيمة الإنسان وتصون كرامته وتحافظ على حقوقه.

ثالثا: الإصلاحات الداخلية الشاملة:

علينا أن نراجع مسيرتنا في الثمانين سنة الماضية ونتمسك بالصحيح الموافق للكتاب والسنة ونرفض ما عدا ذلك، والاعتراف بالخطأ أعلى مراتب الشجاعة.
هناك ملفات لا بد من الاهتمام بها وهي:
  1. ملف استيلاء الجهاز السري على مقاليد الجماعة وعسكرتها بأساليب غير إسلامية ولا أخلاقية وحتمية إلغاء العمل السري تماما واستنكاره فلم يعد له فائدة ترجى، والعودة بالجماعة لتكون ودية أخوية وليست تنظيمية تسلطية متصارعة، وتبسيط النظام المتبع ليحقق مجرد التنسيق بين الإخوان في القطر، وإعادة التفكير في التشكيلات المركزية في إطار نمو قدرات المحافظات ونظام الحكم المحلي ووجود جامعة بكل محافظة، ولتكن البداية التحقيق مع المنشقين تحت مسمى شركة سلسبيل وأسماؤهم معروفة لنا جميعا؟
  2. نحن مطالبون أن نستخدم مصطلحات حقيقية ومستساغة لدى القاعدة العريضة من المواطنين وعلينا أن نعيد النظر في مصطلحات (الشعبة) التي تعني نظاما مباحثيا حيث يقال شعبة مباحث القاهرة أو شرق إلخ، وكلمة (الكتيبة) التي تعني نظاما عسكريا وكلمة (الأسرة) التي تعني نظاما كشفيا للأشبال فهل نحن كذلك أم أن هذه مصطلحات تجاوزناها؟ وهل هي مقدسة ومن فرائض الدين الإسلامي أم هي مجرد اجتهادات تعبر عن تأثر بالبيئة والظروف المحيطة في الزمان الغابر؟
  3. نحن في حاجة لإيجاد نظام تعليم ديني مساعد لجهود الأزهر والأوقاف ومصرح به من الجهات الفنية المختصة ومجاز شرعيا وتربويا، ومحتاجون لممارسة التربية والشورى من خلال مؤسسات تعليمية علنية (مدرسة – جامعة – معهد دراسات – جمعية تنمية بشرية ... إلخ).
  4. نحن محتاجون لتلبية نداء الفطرة فيكون عملنا بالنهار وليس بالليل، ولنجعل الليل للمناجاة الفردية بين العبد وربه ولكي يعتني كل منا بأهل بيته وأولاده.
  5. نحن مطالبون شرعا قبل الموت بفتح ملف الأموال ومحاولة إعادتها من مغتصبيها لصرف في مصارفها الشرعية، والعمل على وجود نظام مالي محكم وشفاف وواضح لجموع المساهمين، وحتى يتحقق ذلك يجب وقت نظام الجباية المسمى بنظام الاشتراكات الشهرية تماما فلسنا في حاجة إليه، دعم فلسطين من خلال الهلال الأحمر المصري أكثر أمنا من نظامنا المراقب والمرصود والمتابع أمنيا ودوليا، والصرف على الفقراء من خلال الجمعيات القائمة من المسلمين أجدى وأفضل ويحقق الشفافية، ومصاريف النشاط الثقافي تقوم بها كل محافظة وهي أتفه من أن تكون وسيلة للقبض على الإخوان وتسويد صحائفهم، نحن بذلك سوف نطرد عن جماعتنا هذا الذباب المتكدس على عسلها والملوث لطعامها والناقل لعوامل الأمراض من جيل إلى جيل.
  6. نحن مطالبون أخويا بفتح ملف المهمشين والمحاصرين في جماعتهم بسبب ما يقدمونه من نصيحة مخلصة وهم من عيون الإخوان القدامى وجيل السبعينيات والعودة بالإخوان بيتا جامعا لكل محبيها والمتفقون معها في الفهم والعمل.
  7. نحن مطالبون بفتح ملف تزوير الانتخابات الإخوانية بداية من بيعة المقابر المرفوضة لائحيا وإسلاميا إلى التعيينات في مكتب الإرشاد وتهميش دور مجلس الشوري، وعلينا أن ندرك أن ما بني على باطل فهو باطل مهما علا صوته وتبرج في زينته.
  8. نحن مطالبون بكشف عناصر التكفير المتسللة في أوساطنا وواجهتها بالحجج والبراهين وعلاجهم نفسيا وتعليميا حتى يبرءوا مما هم فيه.
  9. نحن مطالبون أن نتوب عن أعمال التجسس على المعارضين منا والمصلحين فينا وعلى الأحزاب ونعلن إدانتنا لمن مارسوا هذه الفضائح تاريخيا، وأن نتخلى عن النظرة الاستعلائية البغيضة والانتفاخات الكاذبة تجاه الآخر فما ذم الإسلام شيء أكثر من ذمه للكبر والمتكبرين الذين ينكرون الحق ويحتقرون الناس (الكبر بطر الحق وغمط الناس)، والذين يرون في أنفسهم الجدارة والكفاية بالمناصب والسلطان لا لخبرة أو تميز في الأداء والعطاء ولكن فقط لكونهم من تنظيم الإخوان المسلمين.
  10. نحن مطالبون أن نشعر ونؤمن أننا جزء من هذه الأمة ولسنا أوصياء عليها وأن أفراد الشعب والحكومة والمؤسسات والمدارس والجامعات والجيش والشرطة والقضاء والبرلمان ومجلس الشوري ما يزال مفتاح شخصيتهم جميعا الإسلام ولا شيء غيره وأن الفارق بيننا وبينهم في العموم قد يكون مجرد فارقا معرفيا في بعض المسائل الشرعية يمكن تداركه ولكن هذا لا يعني وجود فارق في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر بين الإخوان وبقية المواطنين، وعلينا أن نعترف أن في هذه المؤسسات من هو أفضل من بعضنا وأن فينا من هم أسوأ من بعضهم.أما الاستمرار وفينا كل هذه العيوب والمثالب فهو الجري وراء السراب يحسبه بعضنا دولة إسلامية وأستاذية العالم حتى إذا فات العمر وحانت لحظة الموت لم يجده شيئا ووجده الله عنده فوفاه حسابه، والبقاء لله.
  11. والكتاب ماثل للطبع تفجر مكتب الروضة وتناثرت أشلاؤه على أثر مشكلة رفض غالبية المكتب تصعيد الدكتور عصام العريان لعضوية مكتب الإرشاد مع أحقيته في ذلك وتفرق المكتب على تفسير اللائحة وعدم قدرتهم على الحسم في الموضوع وعدم وجود جهة قضي بين المتخاصمين مما أظهر أنه لم يعد يجدي أي إصلاح لجماعة تعيش على خلاف القانون العام وبعيدا عن رقابة الأجهزة الرقابية بالدولة، لقد أصبحت مشكلة انعدام المشروعية التنظيمية وتزوير إرادة الإخوان بالإضافة إلى تواجدنا بدون ترخيص مشكلتان عويصتان تمنعان الجماعة من الاستمرار وتجعلها متعرضة لانقراض حتمي وكل من عليها فان، وبهذه المناسبة تقدمت بتصور للحل نشرته في مقال على موقع (إسلام أون لاين) مضمونه تشكيل لجنة قومية لتوفيق أوضاع الإخوان حسب القانون العام، تتشكل من شخصيات لها دراية بالإخوان ولها دراية بالقانون، واقترحت من هؤلاء: أ. د. أحمد كمال أبو المجد، أ. د. محمد سليم العوا، المستشار طارق البشري، والمهندس حسب الله الكفراوي، والشيخ سالم عبد الجليل وآخرين، ويبقى السؤال: هل يقبل التنظيم السري المتحكم هذا المقترح، وهل تقبل الحكومة الحالية هذا المقترح؟ أم أن كلاهما مستفيد من الفوضى العارمة التي أصابت كل شيء في أمتنا؟ هذا سؤال ستجيب عنه الأيام.
شهادة (4) للدكتور محمد سليم العوا

نشرت بجريدة المصري اليوم بتاريخ الإثنين 28/ 9/ 2009 ص 10:

المسألة الثالثة، التي اقتضت مزيد بيان، هي مسألة الجماعات السياسية الإسلامية في الدولة الإسلامية.

وحاصل القول عندي في مسألة العمل السياسي الإسلامي أنه دعوة إلى تمثيل المرجعية الإسلامية في المجتمع، والأصل أن تقوم بذلك الأحزاب السياسية التي تؤمن بتلك المرجعية وهي بالضرورة تؤمن بمدنية الدولة ومؤسساتها وقوانينها وقضائها وسائر سلطاتها، مع إيمانها بوجوب التزام الدولة في ك ذلك بثوابت الإسلام، والعلماء يعرفون كم هي محدودة العدد؛

والوقوف عند قيمه التي تحتمل تطبيقات متعددة متنوعة في العصر الواحد أو العصور المتتالية، وفي المكان الواحد أو الأماكن المختلفة، ولا تزال حكومتنا بل حكوماتنا المعاقبة تمنع حزب الوسط الذي يدعو إلى هذا كله من العمل العلني المرخص به، وكأنها تفضل العمل الممنوع على العمل المشروع لحاجة تدركها ولا نفهمها (!)
وكل ما تحتمله النصوص القرآنية والنبوية العربية المقررة لهذه القيم من أفهام واجتهادات وتأويلات فهو جائز مقبول لا يترتب فيه أحد على أحد إلا بمقدار ما يجري من نقاش بين العلماء في فهم الدليل ومدى صحة التأويل، والدور الذي يجب أن تقوم به الجماعات الإسلامية هو الدعوة والتربية والتوعية بأصول الإسلام وفروعه، والرعاية الاجتماعية المبنية على تعاليم الدين، فذلك أنفع للإسلام نفسه، وللعمل السياسي المهتدي بهديه، من اشتغالنا المباشر بالسياسة الذي لا يجلب عليها إلا محنا متوالية، كلما خرجت من واحدة دخلت في التي بعدها (!)
ومهما يكن الرأي فيما يصيب هذه الجماعات وأعضاءها، فإن العافية أوسع لها، وأنفع لدعوتها، وأجلب للخير المطلوب، وأبعد من الشر المكروه، والله غالب على أمره عليم الناس أم لم يعلموا.
ولا يجوز أن تكون الدعوة إلى الإسلام سرية، ولا أن تتخذ العنف وسيلة لإكراه الناس على قبولها أو للانتقام من خصومها، ومن يفعل ذلك، أو يروج له، فإنه لا خلاف بين العلماء المعتمد عليهم في خطئه، وهذا الخطأ يجب قياسه والمحاسبة بمقدار القول أو الفعل بلا زيادة ولا نقصان.

خاتمة

قد يختلف البعض مع ما ورد في هذه الدراسة، ولكن المهم هو أن نتفق على أن هذه الدراسة ما كان لها أن تخرج للحياة إلى لوجود مشكلة فكرية وتنظيمية حقيقية، وقد يختلف البعض حول طبيعة هذه المشكلة، ولكن المتفق عليه أن النظام الخاص أو السري القديم والجديد هو أهم عناصرها والقاسم المشترك في كل ما واجهنا من عقبات، ومتاعب وقد يختلف البعض حول خطورة وتأثير هذه المشكلة على مسيرة الإخوان، ولكن المتفق عليه هو ضرورة إصلاح هذا الخلل الفكري والتنظيمي لكي ترسو سفينة الإخوان على بر الأمان.

وهذه الدراسة بالكيفية التي وردت تعتبر محاولة من واحد من الإخوان بدون أي رتب تنظيمية لوصف الداء والدواء، ويبقى الدور على الصف ومدى حرصه على الخروج من أزمته وكذلك المحيطين به ومدى حرصهم على صحته والاستفادة من طاقاته وخبرته، ومن جانبي فإنني ماض وفق المنهج الذي تبايعنا عليه أول مرة مهما انحرف عنه غيري لأنني وقتها آمنت أنني في بيعة مع الله قبل أن تكون مع البشر وبيعة الله أولى بالوفاء ...

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.