ثناء محمد منصور

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ثناء محمد منصور

ثناء محمد منصور... أم الصابرين

لقد كتب عن دعوة الإخوان المسلمين الكثير؛ فمنهم من أنصف ومنهم من تحامل, ومنهم من ضعف في الدفاع عنهم ومنهم من تحرى العدل والحياد, وما زالت هذه الدعوة تحتاج إلى مزيد من الدراسة؛ فهي الدعوة الأم لكل الحركات الإسلامية المعاصرة على اختلاف مناهجها, وهي الدعوة التي قدمت الشهداء والمفكرين والعلماء والفقهاء والباحثين، ويرتبط أفرادها بمنهج ودعوة، ولا يرتبطون بأفراد ولا شيوخ بعينهم, ولم تتنازل عن شيء من منهجها إيثارًا للسلامة وتجنبًا للمحن.

فقد تعرض رجالها ونساؤها للفتن والحصار والتضييق, لكنهم أبوا التفريط في أي معلم من معالم الدين, وقدموا في سبيلها الشهداء الذين لم يغيروا أو يبدلوا حتى وهم على أعواد المشانق, وضربت زوجاتهم وأبناؤهم أروع الأمثلة في الصبر، ومن هؤلاء السيدة ثناء منصور التي استشهد زوجها محمد عواد فصبرت، واعتقل زوجها فيما بعد الدكتور محمد عبد المعطي الجزار فما جزعت؛ فكانت -بحق- أم الصابرين.

النشأة ومراحل الجهاد

ما كاد شهر يونيو 1947 يهل حتى زف إلى الحاج محمد حسن منصور نصر مولد ابنته ثناء، وما كاد يسمع هذا الخبر حتى تهلل وجهه بالسرور, وبالرغم من أن لها من الإخوة والأخوات تسعة غيرها، إلا أنها ملكت قلب والدها.

وفي قرية الزوامل التابعة لمحافظة الشرقية نشأ والدها، وكون أسرته بها، وكان يعمل بالزراعة, ورزقه الله بزوجة صالحة أنجبت له البنين والبنات، واجتهد أن يحسن تربيتهم، فدفع بها والدها منذ الصغر لحفظ القرآن حتى التحقت بمراحل التعليم، إلا أنها -كمثل قريناتها من الفتيات، وكما كان سائدًا في المجتمع المصري- لم تكمل تعليمها، حيث بقيت به حتى حصلت على الابتدائية، وخرجت منها وهي تحفظ أجزاء من القرآن الكريم، وأخذت تتعلم كل ما يعينها في مستقبلها، وعلى تحمل مسئوليتها فيما بعد, وحرصت والدتها على تعليمها كل شيء.

وما كادت ثناء تبلغ سن الزواج حتى سارع أبناء القرية يخطبونها لما اشتهر عنها من حسن الخلق, وفاز بهذا السباق في النهاية الشهيد محمد عواد، وظلت مع زوجها تنعم بالحياة حتى ألقي القبض عليه -ولد الشهيد محمد عواد بقرية الزوامل، وهي نفس القرية التي ولدت فيها، وتربى فيها، وبعد تخرجه عمل مدرسًا إلزاميًّا في إحدى المدارس الابتدائية بالقرب من قريته الزوامل,

التحق بالإخوان المسلمين في فترة الجامعة, وظل يعمل وسط الإخوان، وفي عام 1965 ألقي القبض عليه، وذهبوا به إلى السجن الحربي حيث التعذيب الرهيب له خاصة، واستمر التعذيب يومين، وبعد أن تأكدوا أنهم لن يستطيعوا أن ينتزعوا منه كلمة واحدة أمسك صفوت الروبي برأسه ونزل به إلى الفسقية، وأخذ يضربها في الحائط حتى تهشمت وتناثر مخه، وفاضت روحه في صباح يوم الجمعة 20 أغسطس 1965م، وبعد أن مات حملوه ودفنوه في الصحراء، وذهبت الشرطة العسكرية وقبضت على والده وأخيه بحجة أن ابنه هارب، ولن يفرج عنهم حتى يسلم محمد نفسه، كما اعتقلوا زوجته وظلوا في السجن حتى أفرج عنهم، وكانت المباحث توهمهم أنه هرب إلى السعودية وبقيت الأسرة تصدق كذب الشرطة العسكرية، وتظن أن محمدًا قد هرب حتى حلت على مصر نكسة يونيو 1967 م وسمح للإخوان بالزيارة.

وفي إحدى الزيارات أخبر أحد الإخوان أهل الشهيد محمد عواد أنه استشهد تحت التعذيب، ودفن مع غيره من شهداء الإخوان في جبل المقطم، وعلمت الزوجة بما حل بزوجها فتماسكت راضية بقضاء ربها.

بعد أن اعتقل محمد عواد ظلت الزوجة الوفية تنتظره بالرغم من إلحاح أهلها عليها بالجلوس معهم حتى يعود زوجها، لكنها أبت وظلت مع أسرته حتى تأكد لهم استشهاده، فضغط عليها أهلها بالعودة فعادت إلى بيت أبيها، وكانت بين الحين والآخر تذهب لزيارتهم، وظلت تبكي فراق رفيقها، إلا أنها كانت سعيدة بفوزه بالشهادة في سبيل الله.

يا دعوة الإسلام لن أنساك

لا لن أميل على هواي هواك

لا لن أضل وأبتغي معوجة

أمشي عليها طارحًا لهداك

ما كنت أعرف ما الشجاعة في الوغى

أو ضرب هامات العدا لولاك

يادعوة الإسلام نورك عمنا

والصبح والإشراق بعض سناك

بقيت في بيت أبيها، ثم ضغطوا عليها بالزواج من ابن عمها، وكان متطوعًا في الجيش، وقد كان، وقد رزقت منه بابنة سمتها عبير.

على طريق الدعوة مرة أخرى

يقول الإمام الشهيد حسن البنا:

"إذا لامست معرفة الله قلب الإنسان تحول من حال إلى حال، وإذا تحول القلب تحول الفرد، وإذا تحول الفرد تحولت الأسرة، وإذا تحولت الأسرة تحولت الأمة، وما الأمة إلا مجموعة من أسر وأفراد".

ويقول الشهيد سيد قطب:

"عندما نعيش لذواتنا ولشهواتنا تبدو لنا الحياة قصيرة، تافهة، ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود! أما عندما نعيش لغيرنا، أي: عندما نعيش لفكرة؛ فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض! … إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة، نربحها حقيقة لا وهمًا، فتصور الحياة على هذا النحو، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا.. فليست الحياة بعدد السنين".

لم تستمر مع زوجها الثاني كثيرًا فابتلاها الله بفقدها له في حادث, فصبرت وما جزعت حتى عوضها الله بزوج صالح -نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله- هو الدكتور محمد عبد المعطي الجزار -ولد في 18/1/1937، والتحق بالتعليم حتى تخرج في كلية العلوم جامعة القاهرة وعين معيدًا بهيئة الطاقة الذرية عام 1960، وحصل على الدكتواره في قسم الرياضة الطبيعية, اعتقل في أغسطس 1965 وحكم عليه بالمؤبد، وعذب عذابًا شديدًا، وظل في السجن حتى أفرج عنه عام 1975م، تعرض للمحنة مرة أخرى عام 2006م حيث تم اعتقاله.

بعد أن اقترنت به انتقلت للحياة معه في موطنه بالخانكة التابعة لمحافظة القليوبية، وقد تزوجها عن طريق الأستاذ أمين سعد والذي كان يعيش في أنشاص شرقية، ولقد رشح للدكتور الزواج من الأخت ثناء زوجة الشهيد محمد عواد فوافق.

بعد وفاة زوجها الثاني تقدم لخطبتها الكثيرون، غير أنها كانت ترفضهم لتعلقها بالدعوة، وعندما تقدم لها الدكتور وافقت بعد أن علمت تاريخه في الدعوة وسجون عبد الناصر، وكان ثمرة هذا الزواج أن رزقهما الله البنين والبنات؛ ففي يوليو 1976 رزقها الله بسمية، والتي تخرجت في كلية الصيدلة جامعة الزقازيق، ثم طلحة والذي ولد عام 1977م وتخرج في كلية هندسة عين شمس، ثم سهيلة والتي ولدت في عام 1979 وتخرجت في كلية التربية النوعية، ثم صالح والذي ولد في 1981م، ثم سارة وقد ولدت أواخر عام 1984 م، ثم مجاهد والذي ولد عام 1989م.

لقد بلغ الوفاء بها لزوجها الشهيد محمد عواد، وقد عاونها زوجها الدكتور الجزار على ترسيخ هذه الصفة وإحيائها أن أسماء أبنائهما التي سموهم بها هي نفس الأسماء التي اتفق الشهيد محمد عواد معها على تسمية أبنائهم بها، خاصة سمية وطلحة وسهيلة، ومن نعم الله عليها أن يسر لأبنائها سبل الالتزام بدينه، فساروا على نهج والدهم ووالدتهم داخل جماعة الإخوان المسلمين.

مواقف حية

لقد ضربت لقريناتها من الفتيات مثالاً رائعًا في الصبر والحب والوفاء وحسن العشرة والعمل من أجل نيل رضى الله؛ فبالرغم مما حدث لها من أزمات، إلا إنها أحسنت التعامل مع هذه الأزمات؛ فعندما اكتشفت أجهزة الأمن تنظيم 1965م قضاء وقدرًا واستغلته أبشع استغلال في محاولة لاستئصال شأفة الدعوة والقضاء على رجالها هجموا على بيتها في منتصف الليل في بداية الأسبوع الثالث من شهر أغسطس عام 1965م حيث كان زوجها الشهيد من أوائل من قبض عليهم، وعذبوا عذابًا شديدًا داخل السجن الحربي، فأبت الزوجة أن تغادر بيت زوجها وتنتقل إلى بيت أبيها، وأصرت على البقاء مع أهل زوجها بالرغم أنه لم يكن لهم عائل يعولهم، وعاشت مع أم زوجها وزوجة أخيه حيث اعتقلوا أباه وأخاه بحجة أنه هارب.

وتحملت العذاب كل يوم؛ حيث كانوا يهاجمون البيت بحثًا عن محمد عواد, وكانوا يعيشون في حالة صعبة لغياب العائل، ولخوف الناس من الاقتراب منهم حتى لا يصيبهم عذاب السجن الحربي, وفي يوم من الأيام قال لها والد زوجها: لا تنتظري محمدًا؛ لأنه لن يعود, وظلت تودهم حتى إن زوجها الدكتور أخذها وزاروا أهل الشهيد محمد عواد في عام 1977 وما زال يودهم ويودونه.

ومن المواقف التي تدل على خلق زوجها وتفهمه للظروف، وتدل أيضًا على حسن إدارتها لحياتها, أن ابنتها عبير والتي أنجبتها من ابن عمها, لم تتخل عنها بعد موت أبيها، بل أخذتها وعاشت في كنف زوجها الدكتور الذي أحسن رعايتها وتربيتها، حتى تخرجت في الجامعة، وتزوجت أحد الإخوة بجامعة عين شمس، كما كانت الأم لا تفرق بين أحد من أبنائها.

عاشت ثناء منصور بهذا القلب الذي صقلته التجارب, فجعلته كالجبال الرواسي لا يلين في مواجهة المحن, بل هو قلب حي ينبض بمعاني الإيمان، وبالرغم من بلوغها الستين ربيعًا إلا أن قلبها ما زال ينبض بالحيوية والشباب، فتراها تتنقل وسط الأخوات وتشاركهن الأعمال، بل حملت بين جنباتها معاني الأخوة الحية فنراها تسأل وتتابع أخبار الإخوان وتتقصى ما يحدث لهم.

لقد شهدت شوارع ومساجد مدينة الخانكة بدورها في نشر الدعوة وسط أهلها، فعرفوها مسلمة نشطة محبة لدينها ملتزمة بتعاليم ربها.

المراجع

  1. حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الدكتور محمد عبد المعطي الجزار يوم 4/11/2007م.
  2. جابر رزق: محمد عواد الشاعر الشهيد، دار الوفاء للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1405هـ - 1985م، ص(9-15).
  3. رسالة من الشهيد سيد قطب إلى أخته حميدة قطب، مجلة الفكر التونسية، العدد السادس، مارس 1959م.
  4. محمد الصروي: الإخوان المسلمون تنظيم 1965 الزلزال والصحوة، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

للمزيد عن الإخوان المسلمون والمرأة

من أعلام الأخوات المسلمات

.

.

أقرأ-أيضًا.png

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

تابع مقالات متعلقة

متعلقات أخرى

وصلات فيديو

.