ديمقراطية الإقصاء.. مصيرها الفناء

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ديمقراطية الإقصاء.. مصيرها الفناء

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ النبي الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد،،

إلى كلِّ حرٍّ في هذا العالم نسوقُ كلماتنا هذه قاصدين إيقاظَ معاني الإنسانية، وإحياء الضمائر في وعي كل مؤمنٍ ببشريته التي كرمها كلُّ دينٍ حتى جاء الإسلام وأكد على ريادتها ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: 70).

وتأتي هذه الكلمات لتفضحَ على رؤوس الأشهاد زيفَ الحكمِ الأمريكي الذي استيقظ العالمُ ليكتشف أنه استحال كابوسًا يحمل عنوان (النظام العالمي الجديد).. نظامٌ تقوده أمام الكواليس (أمريكا)، بينما تحركه خلفها أصابع بني صهيون الممتدة من أحلام (هرتزل) إلى واقع (شارون)!!

نظامٌ يَعِد بديمقراطيةٍ تسود العالم، وعندما يلهث الجميعُ خلف وعده لا يجد إلا السراب ولا يجني إلا الفرقةَ والخراب.. نظامٌ يرفع شعار الوحدة ويستحيل كلُّ من يستظلُّ بظله إلى عبدٍ لديمقراطية تكرِّس لبقاء الكيان الصهيوني، وتصبُّ في جوف نظامٍ أمريكي لا يُشبع نهمَه توسعٌ أو احتلال، أو استيلاء على مقدرات أو ثروات.

الإقصاء منهجهم

ورفعت أمريكا شعارَ (الآخرون هم الجحيم)، وانساق خلفها كلُّ المجتمع الدولي عامةً والغربي خاصةً، وعلَّقوا (قميصَ عثمان) الذي يحمل الاسم العصري (الإرهابَ) مطالبين الجميع أن يتوحَّدوا للأخذ بثأره، ومن يعلن الانضمام إلى حلفهم فهو (ديمقراطي)، ومن اختلف مع آليات القضاء على الإرهاب فهو لا محالة (إرهابي)، أو داعمٌ له، وربما مروِّج لعناصره أو محتضنٌ لهم!

وتجسَّد هذا النموذج في عراق ما بعد الاحتلال.. الوطن الذي سقط من على صهوته ديكتاتورٌ ليحلَّ محله عشرات الألوف من جنود المارينز الذين أعملوا آلتهم الديمقراطية في نحْر واغتصاب وتدمير شعبٍ كانت كل تهمته حاكمه الذي سقط؟

وفتحت الديمقراطية الأمريكية في وجه الشعب العراقي أبوابَ المعتقلات ليكون أمام الشعب خياران؛ إما الإيمان بديمقراطية المجنزرات وعربات الهامر.. أو الدفاع عن حريته، فيتحول إلى إرهابي مخرِّب مصيره السحق تحت أطلال منزله أو في غياهب معتقلاتٍ أمريكية بلغ عدد قاطنيها حتى 4/11/2005م (17 ألف معتقل)!!

وذات الديمقراطية الأمريكية التي تعلن الانحيازَ للشعوب هي التي تغضُّ الطرفَ عن وحشية الربيبة الصهيونية في إبادة الشعب الفلسطيني، رافضةً حتى قرار إدانةٍ لقصف المدنيين الفلسطينيين أو تجريف أراضيهم أو هدم منازلهم لبناء جدار العزل.

وذات الديمقراطية الأمريكية التي بادرت بفتح تحقيقٍ دولي عبر موفدها (ديفيد ميليس) لتُحدث فجوةً بين شعبين (لبنان- سوريا) هي ذاتها التي لم تر في اغتيال الشهيدين أحمد ياسين والرنتيسي أيَّ جُرم..

خافيير سولانا

وذات الديمقراطية الأمريكية التي تموِّل برامجَ الديمقراطية في دول العالم هي التي أعلن مجلس نوابها في (17/12/2005م) أنه سيوقفُ مساعداته الماليةَ للسلطة الفلسطينية حال خوض حركة حماس الانتخابات، وتبِعها (خافيير سولانا) المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي- بناءً على طلبٍ من مدير عام الخارجية الصهيونية- ليؤكد على أن السلطةَ الفلسطينية سوف تواجه مصاعبَ فيما يتعلق بالمساعدات حال مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية.

إنها الديمقراطية الأمريكية.. ديمقراطية القطب الواحد والعالم الواحد والوجه الواحد.. تُسيِّر العالمَ إلى حيث الفلك الأمريكي الذي رسمه بنو صهيون، حيث يجب على الجميع أن يرتدي قبعةَ النجوم الأمريكية ولا يقترب من الربيبة الصهيونية.. ديمقراطيةٌ تُقصي كلَّ من لا يرى فيها حلمه، وكل من لا تتقاطع معها رؤاه وأفكاره، معتبرةً أن الشعوب وحكامهم ليسوا إلا ترسًا في آلتها.

اللعبة قديمة

بدعوى ذات الديمقراطية الأمريكية وقف فرعونُ هاتفًا في قومه ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر: 29)، فكانت النتيجة ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾ (الزخرف: 54) وبنفسها خرجَ بجنده إلى البحر وخرج بوش بجنده إلى أفغانستان ثم العراق وتبعته نظم الغرب وأذناب الشرق.. الكل شاهرٌ سيفَ الديمقراطية في وجه كل إسلامي ليبتره، ليس من اليوم بل بدأت اللعبة منذ زمن؛ وإلا فلمَ تدخلت فرنسا في الجزائر لتلغي انتخابات عام 1992م وترمي بالوطن في دوامة عنف؟! وكذا حدث في موريتانيا طوال حكم معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.

بل وحملت الديمقراطية الغربية على كل من يرى غيرَ رؤية بني صهيون فيما يخص أسطورة (الهولوكست) أو المحرقة؛ فحوكم روجيه جارودي بتهمة إنكارها وِفق قانون (جيسو) في التسعينيات واعتُقل المؤرخ البريطاني (ديفيد إيرفينج) في النمسا منتصف شهر نوفمبر الماضي.

وأعمل سيفُ الديمقراطية الغربية نصْلَه في قلب الحريات؛ فحرَّمت فرنسا (الحجابَ) بناءً على تقرير لجنة (برنار ستافي)، وكانت التبعيةُ للإعلام المصري حين منع كلَّ محجبةٍ إعلامية من الظهور على التلفاز!

وسيف الديمقراطية هو الذي نال من أحد رجال الأعمال البارزين من المسلمين مُجمِّدًا لأرصدته، ومنع الدعاة من دخول أراضي أمريكا، وسلَّم المعارضين الإسلاميين للمحاكمات، وهو ذاته الذي لم ير في كتابات (تسليمة نسرين) ومن قبلها (سلمان رشدي) أي تعدٍ على الحق الإسلامي.

والواقع أن سيفَ الديمقراطية الغربي عادةً ما يُسلَّط على رقاب من يرفع الراية الإسلامية، ولذا لم يكن مستغربًا أن تصدر التعليمات الأمريكية غير المعلنة بحظر نشاط الحركات الإسلامية وتضييق مجال عملها كما حدث مع حزب العدالة والتنمية المغربي وحركة النهضة الإسلامية في تونس.

فيا أيها المسلمون:

لئن كانت هذه هي ديمقراطيتهم فإن واقع منهجكم منهم ببعيد، وحريتكم التي تحملون لا تفرق بل تتسع لتشمل كل دين ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)﴾ (سورة الكافرون)، وأصل الإسلام البناء ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: 8) وبناء الحق يفتح أبوابه لكل شئون الدنيا ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ (الأنعام: 38) ولا فرق في حفظ الحقوق بين مسلم وغيره لأن الأصل حفظ الإسلام لحقوق النفس والمال والعِرض، وهذه الصورة في مجملها ما يسعى الغربُ لإقصائها عن وعي مواطنيه؛ فيربِّي صغاره على ملامح مشوَّهة للإسلام ورسوله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، حتى يرسموه من خيالهم بطريقةٍ لا تليق بذاته الشريفة، وبالتالي دور كل مسلم أن تشغله طاقة البناء عن فعل الهدم في زمنٍ صار الباني فيه (كالقابض على الجمر)، وما أشرف أن نلقى الله وأيادينا منشغلة بالبناء.

ويا أيها الإخوان: أنتم من حرَّاس الشريعة التي قال عنهم الإمام الغزالي: "الشريعة أصلٌ والملك حارس وما لا أصلَ له مهدوم وما لا حارسَ له ضائع"، فليكن ما يشغلكم هو إِرث الشريعة الذي تحملون.

الإمام الشهيد حسن البنا

الإمام البنا هذا الرجل الرباني

ولقد قال الإمام حسن البنا: "إن غايةَ الإخوان تنحصرُ في تكوين جيلٍ جديدٍ من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بصبغةٍ إسلامية في كلِّ مظاهر حياتها ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة: 138)، وإن وسيلتهم في ذلك تنحصرُ في تغيير العُرف، وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم".

فلا يحملنَّكم ما يصنعه الغربُ بديمقراطيته المنقوصة على نسيان مهمتكم، وليكن النخيلُ وسموُّه ديدنكم (يرميه الناس بالحجر فيرميهم بأطيب الثمر)، ولا يُعجزنكم طغيانُ الباطل وسواد منهجه لأن ما يحمله الإسلام للبشر أعظمُ بشرط تعاظم هِمم من يحمله (ورجلٌ ذو همَّة يُحيي أمة).

وليكن تحرككم تحركَ الواثقِ من منهجه ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ (آل عمران: 85)، المنشغلِ بهمِّ دعوته﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾ (الأنعام: 162) المعتزِّ بالانتساب إليه ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون: 8)، المتيقنِ من حسن العاقبة ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)﴾ (سورة المجادلة).

فأديروا حوارات مع كل متشككٍ، ورسِّخوا الأصولَ في نفس كل حائر، وردُّوا الشبهات عن حوض دعوتكم دون وجل وبغير يأس، فمن سار على الدرب وصل، ومن امتلك البدايةَ ملك الطريق و﴿لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ (الروم: من الآية 4).

وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، والله أكبر ولله الحمد