زوجة يوسف قتة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
زوجة يوسف قتة ... الوجه البشوش رغم المحن

مقدمة

الحاج يوسف قتة

يقول الإمام البنا في رسالة "دعوتنا في طور جديد":

«نشأت هذه الدعوة والناس في انصراف عن الفكرة الإسلامية، وفي إعجاب بالفكرة الغربية المادية، فأخذت طريقها في هدوء إلى قلوب الطبقة الأولى من الناس، طبقة الجماهير المؤمنة السليمة العقائد والصدور، وظلت في نفوسهم أمنية عزيزة، وعاطفة متوقدة كريمة، وشعلة مشرقة منيرة، على حين كانت جمهرة المفكرين وأهل الرأي والتوجيه يروجون للفكرة الأخرى، ويهتفون بها، ويدعون الناس إليها، ويزينونها في الأسماع والأبصار والقلوب بمختلف صنوف التزيين والتحسين».

وصادف ذلك امتحان لدعوة الإخوان كشف عن جوهرها، ولفت أنظار الناس إليها، وجمع كثيرًا من القلوب النافرة حولها، وبذلك انتقلت الدعوة إلى القلوب المؤمنة والعقول المفكرة، وأصبحت قاعدة مسلمًا بها بعد أن كانت عاطفة متحمسة، ونظر إليها كثير من الناس على أنها مبادئ ممكنة التحقيق صالحة للتطبيق، فلم تعد حلمًا في الرءوس، أو وجدانًا في النفوس فقط».

نعم لقد تعرض الدعاة المخلصون إلى اضطهاد الحكام، وفي مصر تعرض الإخوان المسلمون وأزواجهم وذووهم إلى الاضطهاد الشديد منذ نشأة الجماعة حتى هذا الوقت، بل لقد غيب كثير منهم خلف الأسوار ما يقرب من ربع قرن دون تهمة واضحة، أو جرم اقترفه.

النشأة

في منزل مفعم أهله بالحب والإيمان نشأت نفيسة محمد إبراهيم وترعرعت بين أحضان أسرتها الكريمة عام 1925م، بميت السباع بمحافظة القليوبية، حتى إذا ظهر نجم جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م بمدينة الإسماعيلية وبدأت الدعوة تشق طريقها وسط صفوف الشعب المصري الكريم، حيث حملها الشيخ حامد عسكرية إلى مدينة شبراخيت بالبحيرة، كما حملها الأستاذ أحمد السكري إلى مدينة المحمودية، لم تكن القاهرة بمعزل عما يحدث؛

فقد تفاعل الأستاذ عبدالرحمن البنا أخو الأستاذ حسن البنا وشاركه الحمل الأستاذ محمد حلمي نور الدين في نشر دعوة الإخوان في القاهرة حتى إذا كان عام 1932م انتقل الإمام البنا إلى القاهرة وانتقل مركز الدعوة معه وأقر مجلس الشورى انتقال المركز العام من الإسماعيلية إلى القاهرة. (1)

في هذه الأجواء التحق محمد إبراهيم والد الحاجة نفيسة بدعوة الإخوان وتربى على يد الأستاذ البنا، وحمل كل ما تعلمه على يده فغرسه في أبنائه، ونشأهم تنشئة إسلامية، حتى التحق ابنه البكر إبراهيم بدعوة الإخوان وأصبح أحد رجالاتها، ثم أصبح الأستاذ محمد إبراهيم رئيسًا لشعبة روض الفرج بعد أن انتقل إليها، حيث كان يعمل موظفًا في السكة الحديد.

لم يكن للأستاذ محمد نفيسة وإبراهيم فقط، بل كان لها من الإخوة عبد الحميد وأحمد ومحمود ونعيمة، ومع ذلك لم تنل حظها من التعليم مثل كثيرات من قريناتها من بنات الشعب المصري في هذا التوقيت. (2)

ظلت تعيش في بيت أبيها وتتابع الأحداث واللقاءات التي كانت تتم في البيت بحكم مسئولية والدها لشعبة روض الفرج، وكانت تقوم على خدمة الإخوان حتى نضج سنها وأصبحت العيون تتطلع إليها، حتى تصادف أن كان الأستاذ يوسف قتة يبحث عن عروس فرشحها له الحاج أحمد السباعي، وهو من بلديات أبيها، وصديق أخي الأستاذ يوسف، وتم الزواج عام 1944م، وتنقلت مع زوجها في عدة أماكن بداية من حي عزبة حسني، ثم شارع جبرائيل صعب بالشرابية، ثم حارة الصبان بالشرابية حتى وفاتها. (3)

والأستاذ يوسف قتة من مواليد قرية دجوي مركز بنها التابعة لمحافظة القليوبية حيث ولد في 27/5/1913م، وبعد تخرجه عمل بشركة النيل العامة بالعباسية، وقد التحق بجماعة الإخوان المسلمين عام 1933م عن طريق أبناء خالته، وتتلمذ على يد الإمام البنا، بل كان أول من غرس فكرة إنشاء شعبة للإخوان في الشرابية بمعاونة بعض الإخوة.

كان يوسف قتة دائمًا وجهه بشوشًا لا تفارقه الابتسامة حتى في أحلك الظروف، فكان أحد الذين شاركوا إخوتَهم محنَهم بقلبٍ راضٍ ووجهٍ بشوشٍ؛ فما كادت الجماعة تعود إلى نشاطها بحكم المحكمة عام 1951م حتى سارع يوسف قتة بفتح شعبة الشرابية ليعيد الوهج والنور الذي كان قد خفت بعد قرار الحل عام 1948م.

وانطلقت شرارة ثورة 23 يوليو والتي شارك فيها الإخوان بجهدهم بهدف الوصول بالبلاد إلى بر الأمان، غير أن الظروف تغيرت وانقلب رجال الثورة على الإخوان، وقام عبد الناصر بعدَ حادثة المنشية في 26 أكتوبر 1954م باعتقال شباب الدعوة والزج بهم في غياهب السجون، وكان يوسف قتة أحد الذين اعتقلوا بعد هذا الحادث وزُجَّ بهم في السجون، وخرج يوسف بعد ثمانية عشر شهرًا عام 1956م، لكنه وُضع تحت ملاحظة المباحث، وظلت حياته تحت رقابة عيون عبد الناصر.

وما كاد عام 1965م يهل حتى اجتاح مصرَ طوفانُ الاعتقالات بعد القرار الذي أصدره عبد الناصر باعتقال كل من سبق اعتقاله، فاختُطف يوسف قتة من وسط أبنائه وزُجَّ به في السجن ليقضي ست سنوات وسط المحنة حتى أفرج عنه عام 1971م، وقد وصف تلك الحالة بقوله: «الإخوان رأوا الأهوال والعذاب الأليم في السجون والمعتقلات، ولم تكن الحكومة تعمل اعتبارًا للمسجون أو المعتقل، فماذا تنتظر منهم غير الكرابيج والكلاب المسعورة؟!».

وبعد خروجه ظل وفيًّا لدعوته حتى توفاه الله يوم الثلاثاء الموافق 26 المحرم 1428ه- 14/2/2007م. (4)

وقد رزقهما الله بهدى عام 1945م، وسمير في 21/ 1/ 1951م، وطارق وسمية ومحمد الذين كانوا صغارًا وقت محنة أبيهم الثانية.

امرأة في وجه المحن

كانت السيدة نفيسة رغم أنها لم تنل أي قسط من التعليم إلا أنها كانت تمتلك قلبًا تقيًّا ونفسًا زكية، استطاعت أن تواجه المحن بقلب راض، ونفس مطمئنة، فقد كانت مؤمنة بربها، راضية تمام الرضا بقضاء الله، ولذا فإن الله عز وجل ألهمها الصبر الجميل، وأنزل عليها السكينة والطمأنينة لحظة اعتقال زوجها بعد حادث المنشية فلم تجزع، وكان ذلك سمة نساء الإخوان في هذا العصر؛

حيث إنهن لم يجزعن بسبب اعتقال أزواجهن أو غيابهم خلف السجون عشرات السنين، فكن نموذجًا فريدًا لنساء هذا العصر، ولذا حقًّا علينا أن نكتب سير هؤلاء اللاتي تحملن في دين الله كثيرًا دون ذنبٍ إلا أنهن قلن: ربنا الله، وإن كان هذا حال المسلمات في كل عصر ومصر، وفي كل قطر من أقطار العالم، فقد سمعن كثيرًا عن مسلمات ضربن المثل العالي ليس في مصر فحسب، ولكن في كل وطن، ولو بحثنا لخرجنا بالكثيرات، ولكتبنا مجلدات عن سير هؤلاء المجاهدات.

ظلت الزوجة في انتظار زوجها حتى فرّج الله عنه ضمن عدد كبير من الإخوان الذين أفرج عنهم عام 1956م، غير أن الحياة لم تسر بالصورة التي يرجوها كل بيت ينشد الأمان، فمن تهديد في الرزق، لمراقبة مستمرة حتى وقت الخروج للصلاة، أو للزيارات في البيت والسؤال، وكأن الإخوان الذين خرجوا شاركوا إخوانهم الذين حكم عليهم بالسجن كما شاركوا ذويهم، وكأن حصار شعب أبي طالب عاد من جديد، غير أن الفرق أن الذين حاصروا الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه كانوا كفارًا، أما الذين حاصروا الإخوان وذويهم وكل عابد لله هم من بني جلدتنا، ويحسبون أنفسهم على المسلمين.

ومرت السنوات على هذه الحال حتى كان شهر سبتمبر عام 1965م، حيث فتحت أبواب جهنم من جديد على الإخوان، ليس فقط التنظيم الجديد كما ادعى زبانية عبد الناصر، لكنها فتحت على كل من سبق اعتقاله منذ عام 1948م، من له يد في التنظيم الجديد، ومن لم يكن له صلة بشيء، وارتفعت السياط، وازدادت حدة النيران، والتسابق بين رجال المباحث العامة ورجال المباحث العسكرية لانتزاع أي اعتراف حتى ولو زورًا يدين أحدًا من الإخوان.

بدأت الأم المكلومة تحتضن أبناءها وتحنو عليهم وترعاهم بمنتهى الرقة لتمسح من ذاكرتهم مشهد اعتقال الوالد، وتنسيهم ذكريات هذا المشهد الرهيب الذي حدث بعد منتصف الليل.

جاهدت الزوجة نفسها وحبست أنفاسها وآلامها وأحزانها داخل صدرها لتبدو متماسكة حتى تستطيع تحمل مسئوليتها تجاههم وتكون لهم الأم والأب، حيث كان أكبر أولادها ابنتها هدى والتي لم تتجاوز الثمانية عشر ربيعًا، وأصغرهم كان لم يلتحق بالمدرسة بعد، فكانت تدبر حالها بأقل الإمكانيات المتاحة، غير أنها كانت تجد صعوبة في الوفاء باحتياجات أبنائها في الوقت الذي كان الوالد يحتاج أيضًا لبعض الاحتياجات مثل الأطعمة والملبوسات، والذهاب إليه في [ملف مذبحة طرة|[مزرعة طرة]] بين الحين والآخر، بعد أن حكمت عليه المحكمة بثلاث سنوات، غير أن الحقيقة التي أدركها جميع الإخوان أنهم لن يخرجوا بعد انتهاء المدة، وأن ملفاتهم سودت عليها عبارة: "ينتقل إلى المعتقل بعد انتهاء فترة حكمه".

مرت الأسرة بأزمة مالية شديدة لم تستطع الوالدة تحملها، مما دفعها إلى البحث عن عمل لابنتها هدى بالثانوية العامة وتعثرها في إيجاد المال الذي تستطيع أن تدفع بها إلى كلية العلوم، ووفق الله الأم في إيجاد هذا العمل لابنتها بعد مساعدة أهل الخير في إيجاد عمل في إحدى شركات المقاولات، ساعد على تدبير النفقات للأسرة بعض الشيء مع المساعدة التي كان يتكفلها عم الأولاد ثم من بعده الجد. (5)

يقول الأستاذ طارق قتة:

«لقد كانت الوالدة عليها رحمة الله قدوة يقتدى بها، ومثالاً رائعًا للصبر والجلد عند وفاة ابنتها رفيقة عمرها وسلاحها في مواجهة تحديات الحياة وصعابها والتي كانت نعم المعين بعد الله عز وجل فاحتسبتها عند الله، وحملت في قلبها حزنًا تنوء به الجبال الرواسي، فالابنة توفيت والزوج معتقل والأسرة تكاد لا تجد الطعام، وكان من أسباب وفاة هدى، أنها حينما زارت والدها في السجن الحربي بعد سنة من صدور الحكم عليه وشاهدته في لباس السجن
(البدلة الزرقاء وحليق الرأس وتبدو على ملامحه سمات المهانة والمعاملة السيئة) أصابها اكتئاب وإحباط مما تسبب في اعتلال صحتها وانهيارها ثم وفاتها، ونتيجة كتمان ألم حزنها في قلبها على وفاة ابنتها أصيبت بجلطة فقدت على أثرها يدها اليمنى وقدمها؛ حيث أصابهما شلل نصفي، كما أنها عجزت عن الحركة والنطق، لكن بلطف الله تعالى تمكنت بعد مدة من الحركة على قدمها،
وعاد لها النطق غير أنها ظلت على العموم عاجزة عن الحركة، فكانت تمارس مهامها ومهام أبنائها بيد واحدة، واستمرت على هذه الحال حتى توفيت، وطوال تلك السنين لم تشتك أو تتألم أو تشعرنا بأي متاعب، أو تحملنا ما لا نطيق خاصة قبل خروج الوالد من محبسه»(6).

ويقول الشيخ حمدي أحمد إبراهيم (مسئول المكتب الإداري للإخوان المسلمين في شمال القاهرة):

«كنت محل ثقة الحاج يوسف قتة وأهله، فعندما توفيت ابنته هدى جاءت السيدة زوجته ولم تخبره بما حدث لابنته خوفًا عليه، غير أنه بقلبه النقي كان يشعر بأن الأمر فيه شيء، ومرت الأيام وبعد سبعة أشهر جاءوا زيارة ولم تكن هدى معهم، فسأل عليها فأخبروه بأنها مريضة بعض الشيء، وأنها في الحميات، غير أن الحاج يوسف كان كثير البكاء لشعوره بأن الأمر به شيء، حتى سأل الأخ يحيى نعمة الله فقال له: إنها توفيت، وقد عجبت من جلد السيدة زوجته وصبرها وعدم إظهارها أي أمر أمامه حتى لا تحمله فوق همه.
وكان لها ولد يسمى سمير كان لبقًا ومتحدثًا ومفوهًا، وكان شبيه الشيخ كشك في أسلوبه، غير أنه بسبب ما حدث للأسرة وتعنت العسكر معهم في الأموال لم يستطع إكمال تعليمه مما سببت له صدمة شديدة كادت تودي بحياته، ومع ذلك كانت الأم هي مصدر تلقي هذه الصدمات وامتصاصها وتخفيفها عن أبنائها.
لم تتشاجر هذه السيدة الفاضلة مع أحد، ولم نسمع أنها أغضبت الحاج يوسف قتة يومًا ما، وكانت ذات أخلاق، وكانت أمي تقول دائمًا أمامي: وهل يوجد أحد مثل زوجة يوسف قتة؟»(7).

مواقف تربوية من حياتها

كانت الحاجة نفيسة مثالاً للزوجة الصالحة التي أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالزواج منها، فقد كانت نعم المعين لزوجها، فقد شاركته أفراحه وواسته في أتراحه، وتحملت مشقة الحياة ومتاعبها سنوات طويلة، وكانت تتصف ببشاشة الوجه رغم المحن، كما راعت أبناءها وقت غياب زوجها، فكانت نعم الأم الحنون، فلم تسئ لأحدهم قط، أو عنفته، بل كانت تنصح وتوجه وتربي وتعلِّم.

كما كانت تعامل جيرانها وأقاربها ومن حولها بالحسنى سواء منهم من أحسن إليها أو أساء لها، فلم تأذي أحدًا أو تسئ إلى أحد طوال حياتها، وكانت تتصف بالصدق والأمانة وحسن الخلق وحلاوة اللسان والتماس العذر للناس، وتحمل إساءات البعض والصبر عليهم، بل كانت تحمل كمًّا ضخمًا من العفو والتسامح.

كما أنها لم تهمل دعوتها أو بيوت إخوانها أو أخواتها الذين أسر أزواجهم، فكانت معاونة للسيدة الفاضلة أم أحمد في تفقد أسر الإخوان المعتقلين، ورعاية أبنائهم وبناتهم، وتدبير معايشهم.

نهاية رحلة العمر

بعد أن خرج الزوج وضعت يدها في يديه ليواصلا مع أبنائهما رحلة الحياة حتى تحسنت المعيشة والحياة المادية بعض الشيء، لكن القدر أبى أن تستمر لحظات السعادة طويلاً، ولم يمهل الزوجة أن تعوض بعض سنوات الحرمان والمعاناة، فتوفيت تلك الزوجة الصابرة المجاهدة بعد معاناة طويلة مع المرض حتى جاءت اللحظة التي رفضت فيها أوردتها وشرايينها أية أدوية أو حقن، وأسلمت الروح لباريها في الثمانينيات ودفنت في باب الوزير.

رحمها الله رحمة واسعة وجعلها الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

الهوامش

  1. جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الثاني، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2003م، ص (55) وما بعدها.
  2. حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الأستاذ طارق يوسف قتة 5/ 7/ 2008م.
  3. مقال عن يوسف قتة بموقع إخوان أون لاين يوم 12/6/2008م.
  4. المصدر السابق.
  5. حوار مع الأستاذ طارق يوسف قتة.
  6. المصدر السابق.
  7. حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الشيخ حمدي أحمد إبراهيم يوم 31/ 1/ 2008م.

للمزيد

وصلات داخلية

كتب متعلقة

ملفات وأبخاث متعلقة

مقالات متعلقة

متعلقات أخري

وصلات خارجية

أخبار متعلقة