زينب الغزالي في عيون الآخرين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


" زينب الغزالي في عيون الآخرين "


الحاجة زينب الغزالي

الحاجة زينب الغزالي ليست بالشخصية التي يجهلها أحد من أبناء هذا العصر، فقد حجزت لنفسها مكانا وسط عظماء هذا العصر من حيث كونها امرأة داعية قل أن تجد وسط النساء من تبوء مكانتها العلمية والدعوية، ومن حيث كونها المرأة الوحيدة التي أصبحت رمزا لنساء هذا العصر، فلم نسمع عن امرأة حظت مثلما حظت السيدة زينب الغزالي، ومن كونها أول امرأة استطاعت أن تلقي الضوء على كتاب الله وتخرج للأمة تفسيرا مبسطا للقرآن، فلم نسمع من قبل أن امرأة فعلت مثلما فعلت، فهي قد تفردت بذلك، فمن تكون هذه المجاهدة التي نعيش ذكرى رحيلها هذه الأيام؟

ولدت في 2 من يناير سنة 1917 م، ونشأت بين والدين ملتزمين بالإسلام ووالدها من أهل القرآن من قرية "ميت يعيش" بالدقهلية مصر، وغلب على الأسرة العمل بالتجارة.

وهي من مؤسسي المركز العام للسيدات المسلمات ومسئولة الأخوات المسلمات في جماعة الإخوان المسلمين، وتولت رئاسة المركز سنة 1356هـ - 1936 م بهدف نشر الدعوة.

بدأت صلتها بالإخوان عام 1357هـ - 1937 م، وبعد تأسيسها لمركز السيدات المسلمات بستة أشهر اقترح عليها الإمام الشهيد – رحمه الله – رئاسة قسم الأخوات المسلمات عند الإخوان ورفضت في البداية بناءً على رفض أخواتها من العضوات المؤسسات لكنهن أبدين بعد ذلك التعاون والتنسيق مع الجماعة.

لكن بعد أحداث 1948 وصدور قرار حل جماعة "الإخوان المسلمين" أرسلت برقية نيابة عن أخواتها للإمام الشهيد حسن البنا تبايعه فيها على العمل للإسلام وتعبيد نفسها لله في سبيل خدمة دعوته، وحينئذ أصبحت عضوة في جماعة الإخوان المسلمين.

وألفت العديد من الكتب التي أثرت مجال الدعوة ومنها: أيام من حياتي، نحو بعث جديد، نظرات في كتاب الله، مشكلات الشباب والفتيات، إلى ابنتي، ولها العديد من المقالات في الصحف والمجلات العربية والإسلامية وقد طافت الكثير من البلدان الإسلامية وشاركت ومثلت المرأة المسلمة في كثير من المؤتمرات والمنتديات.

قامت بدور جليل نحو أسر الإخوان أثناء محنة عام 1954 م حيث تكفلت بالاشتراك مع كثير من الأخوات أسر الإخوان المعتقلين، فكانت تجمع المال وغيرها وتوزعه على الأسر التي فقدت عائلها.

دخلت السجن في عهد الرئيس جمال عبد الناصر فلاقت فيه من صنوف التعذيب ما تشيب له الولدان -خاصة بعد محنة عام 1965 م حيث اعتقلت في 20/8/1965 م وأخذوا كل ما في خزينتها ومكتبتها، وكانت تعد أحد المحركين الأساسين للعمل في هذه الفترة- فكانت صابرة محتسبة وثابتة تردد الدعاء "اللهم اصرف عني السوء بما شئت وكيف شئت" فألهمها الله السكينة والصبر على البلاء.

كان لها أدورها السياسية البارزة حيث كانت ضمن من اعترض على اتفاقية كامب ديفيد التي عقدت مع الكيان الصهيوني في عهد الرئيس السادات.

انتقلت إلى رحمة الله تعالى مساء الأربعاء 3/8/2005 م، بعد حياة حافلة بالعطاء والدعوة إلى الله، وشيعت الجنازة ظهر الخميس 4/8/2005 م من مسجد رابعة العدوية بضاحية مدينة نصر بالقاهرة، حيث شارك فيها آلف من إخوانها ومحبيها من مصر والبلاد الإسلامية.

لقد بكتها قلوب هذه الأمة بقلوب صادقة وبكلمات عبرت عما تكنه لها من حب، وعرفان بالجميل، ومما قيل في حق هذه المجاهدة:-

فقد نعاها الدكتور محمد حبيب - النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين فقال: «إننا نحتسب الحاجة زينب الغزالي عند الله ونحسبها إن شاء الله تعالى من الصالحات جزاءَ ما قدمت من جهاد وتضحيات وثبات وصبر وإيمان في مواجهة المحن الكبرى، وأضاف أنها- رحمها الله- تمثل علامة الجهاد في مصر ومنارةً ونبراسًا لكثير من الداعيات المجاهدات.. وأتوجه إلى الله داعيًا أن يجزيَها خير الجزاء عن دينها ودعوتها وخدمتها للإسلام وحرصها على القيام بواجب الدعوة في أشد الأوقات حرجًا.

إن من الناس من يقضي عمره كله ولا يترك ذكرى أو أثرًا، ومنهم من يقضي وقتًا قصيرًا لكنَّ شهرته تعم الآفاق وتظل ذكراه سنين طويلة، والأعظم من ذلك أن يُرزق الإنسان عمرًا مديدًا فيعيشه بالطول والعرض والعمق.. جهادًا وتضحيةً وبذلاً وصمودًا، فمثل هذا النموذج يسطر التاريخ اسمه بأحرف من نور ليظل بارزًا تذكره الأجيال تلو الأجيال.

وتساءل نائب المرشد العام: إذا خلت البشرية من هذه النماذج وتلك الشهب، فهل من الممكن أن تحظى البشرية بمنزلة أو مكانة؟! هذا مستحيل.. فبقدر ما يكثر في أمةٍ هذه الأمثلة يعلو قدرُها وترتفع منزلتُها بين الأمم، مؤكدًا أن الحاجة زينب الغزالي كانت قيمةً في ذاتها، ملهمةً لمن حولها ليس فقط للنساء وإنما للرجال، وستظل على هذا النحو من الإلهام لكل الأجيال، وأضاف أن الأمة ما أحوجَها لنموذج مثل الحاجة زينب الغزالي يصمد في مواجهة الطغيان ويثبت من أجل رفعة أمته».

كما نعاها الأستاذ مسعود السبحي- سكرتير المرشد العام للإخوان المسلمين- فدعا الله عز وجل أن يتقبل الداعية الكريمة في الصالحين من النبيين والصديقين والشهداء، وقال: «لقد عرفت- رحمها الله- الدعوة منذ زمن بعيد، وكانت من المجاهدات في سبيل إعلاء كلمة الحق، وتكاد تكون هي المرأة الوحيدة في مصر التي قامت بهذا الدور العظيم في خدمة الإسلام (رغم وجود كثيرات) فقد تفوقت على الجميع بجهادها وحملها أعباء الدعوة، ولم تترك مجالاً إلا وسلكته تبليغًا لدعوة الله وأداءً لواجب النصيحة، وختم بقوله: إن تاريخها وجهادها يجعلانها أكبر من أن تحتاج إلى تعريف».

وفي كلمة الأستاذة صافيناز كاظم أنها قالت : « فازت ورب الكعبة، إن الأستاذة الكبيرة زينب الغزالي من المجاهدات الرائدات المطالِبات بحقوق الإنسان، سواء كان رجلاً أو امرأةً من خلال التصور الإسلامي الصحيح، وأشارت إلى عمرها المديد المبارك من 1917 م وحتى 2005 الذي بارك الله لها فيه، فقدمت نموذجًا للمرأة المسلمة الواعية بدينها ورسالتها، كما ذكرت الكاتبة أن هناك جريمة ارتكبها العلمانيون ضد الأستاذة زينب الغزالي عندما تجاهلوا دورها وجهادها، مع أنه يكفيها أنها لم تتنازل عن فكرها ورسالتها وتحملت تبعات ذلك، فإن المجموعة التي تصيح اليوم بصيحات الريادة والاستنارة معظمها من الجاحدين والجهلة الذين يغمضون حقوق الناس ولا يعرفون المبدأ القرآني العظيم: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا﴾ (المائدة: من الآية 2)، بينما شعارنا نحن المسلمين هو: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 8).

وتضيف نحن لا نتصرف بردود أفعال وإنما ننطلق وفق قواعد القرآن الكريم، وبذلك نعطي كل ذي حق حقه، وختمت الأستاذة صافيناز حديثها قائلة: إن السيدة الأستاذة الحاجة زينب الغزالي فوق كل هؤلاء فهي رائدة الجهاد، والمطالِبة بحقوق المرأة التي شرَعَها الإسلام.. لقد فازت ورب الكعبة».

وتذكر الكاتبة الإسلامية أم أيمن زوجة الأستاذ بدر محمد بدر – والتي كانت كتابتها تفيض زخرا في مجلة لواء الإسلام- أنها قالت: «لقد تعرفت على الداعية الكبيرة من خلال درسها الأسبوعي في منزلها كل ثلاثاء؛ حيث كانت تتحدث في كل ما يهم المرأة المسلمة، وكانت تهتم في لقاءاتها معنا بالنصائح، وأعطتنا الكثير من العلم والفقه، ونحن كنا قد قرأنا كتابها (أيام من حياتي) ورأينا فيه نموذجَ الصحابة يتكرر من جديد في الصبر ومواجهة التحديات، ولقد لمسنا فيها مدى عطفها على رجال الأمن الذين يراقبون منزلها.

كما تعلمت منها كيف تكون الحياة سعادةً في الدنيا والآخرة، وتعلمت منها الحنان والعطف حتى على من يحاصرون منزلها من رجال الأمن، فقد كانت ترسل إليهم بالطعام، وتؤكد أم أيمن أن الحاجة زينب الغزالي داعية القرن العشرين بلا منازع؛ حيث جابت العالم شرقًا وغربًا، وكان لها حضورها القوي المؤثر في بعض الدول مثل الجزائر، وقدمت نموذجًا شامخًا للمرأة المسلمة في عهد الحكم الناصري، وتمثلت فيها قوة المؤمنة واعتزازها بدينها وفكرها».

وفي كلمتها ذكر الكاتبة الإسلامية وفاء السعداوي: أن الداعية زينب الغزالي تمثل بالنسبة لها تجربةً جهاديةً، ورمزًا للثبات والقدوة، وقالت: إنها نموذج يصعب أن يتكرر بحكم ظروف النشأة والتكوين؛ لأنها جمعت بين الأصالة في الفهم والتفكير والإرادة الصلبة في مواجهة أعداء الفكرة والقدرة على الجهاد.

وتقول الأستاذة الكاتبة هناء محمد: إن الحاجة زينب رائدةٌ من أبرز رواد الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، بما أسدت إلى الحركة الإسلامية من فكر ودعوة وجهاد، وتؤكد أنه ليس في الحركة الإسلامية بديلٌ للداعية الكبيرة- رحمها الله- وهي خسارة للحركة والدعوة، ويجب نشر الإنتاج الفكري للحاجة زينب الغزالي والذي يتمثل في الكثير من الكتب مثل (أيام من حياتي)، (نظرات في كتاب الله)، (رسالة إلى ابنتي) وغيرها. لقد كانت رائدةً في الفكر والدعوة والجهاد.

ويذكر الحاجة نادرة شنن-إحدى صديقاتها من سورية- قولها: إنها مصيبةٌ كبيرةٌ وخسارةٌ عظيمةٌ أن تموت هذه الداعية التي لا أعتقد أن الزمان قد يجود علينا بمثلها.. فقد عرفتها عام 1974 م في مكة المكرمة خلال أداء فريضة الحج، وبدأت العلاقة بيننا تتجاوز حدود المعرفة العادية، وصارت علاقةَ أمومة وبنوة حقيقية، فقد كنت أنا الأكثر قربًا من الجميع إليها، وتضيف: لقد وجدت فيها ضالتي بعد أن عرفت الدكتور مصطفى السباعي ورفاقه ثم فقدتهم فعوضني الله عنهم في الحاجة زينب الغزالي التي كانت نموذجًا خالصًا في العطاء والتضحية، وكانت دائمًا تعرف كيف تعطي ولا تأخذ لنفسها شيئًا.

ولقد نعت جماعة الإخوان المسلمين بالأردن أمس الأربعاء 3/8/2005م المغفور لها بإذن لله تعالى المجاهدة زينب الغزالي، وقالوا إن الداعية قضت حياتها مجاهدةً في سبيل الله عز وجل، ناعين المجاهدةَ بقلوب مؤمنة بقضاء الله تعالى وقدَرِه.

وقالوا: تلقَّينا خبر وفاة أختنا الفاضلة وأمنا الكبيرة الحاجة المجاهدة الصابرة الثابتة زينت الغزالي من أهل السابقة والفضل والرعيل الأول في جماعة الإخوان المسلمين بعد أن قضت حياةً حافلةً بالعطاء وحمْل أمانة الدعوة إلى الله تعالى.

داعين الله أن يرحم فقيدة الدعوة الإسلامية، وأن يُسكنَها فسيح جناته، وأن يلهمنا جميعًا بعدها حسنَ الصبر والاحتساب.. اللهم اغفر لفقيدتنا، وارحمها وعافِها واعف عنها، وأكرِم نُزُلَها، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفي برقية عزاء أرسلها الشيخ أبو جرة سلطاني زعيم حركة حمس الجزائرية إلى أسرة الحاجة زينب الغزالي قال فيها: «إننا في حركة مجتمع السلم إذ نعبِّر عن حزننا العميق ونرسل بتعازينا الخالصة إلى أسرة المرحومة، إلا أن عزاءَنا الوحيد أن الحاجة زينب أنتجت ظاهرةً نسائيةً فريدةً من نوعها في العالم العربي والإسلامي؛ من خلال ملايين النساء المسلمات التي كانت تمثل لهن النموذج من خلال منهجها ومنهجيتها، وأن الحاجة زينب كانت نموذجًا يحتذى لأجيال من النساء المسلمات في العالم بأسرِه على مدار قرن من الزمن، من خلال جهادها وبلائها الحسن في سبيل نصرة الدعوة الإسلامية ومنهج الوسطية والاعتدال الذي ظلت تنافح من أجله، وساهمت في التأسيس لشجرته نهاية النصف الأول من القرن الماضي».

كما بعث الشيخ قاضي حسين أحمد- أمير الجماعة الإسلامية في باكستان- ببرقية عزاء إلى الأستاذ محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين- للتعزية في فقيدة الدعوة الإسلامية الحاجة زينب الغزالي.

وأكد حسين في برقيته أنه تلقى نبأ وفاة المناضلة الإسلامية ببالغ الألم، ووصف فقدانها بأنه كان فجيعةً للجماعة الإسلامية قادةً وأعضاءً؛ حيث "انطفأت برحيلها شمعةٌ من شموع الصحوة الإسلامية". وقال أمير الجماعة الإسلامية في باكستان إن عزاءنا الوحيد أنها خلَّفت وراءها مئات الآلاف من شموع الإيمان في القلوب المؤمنة؛ إذ بذلت حياتَها في سبيل إقامة شرع الله في الأرض، وكانت رمزًا للتضحية والفداء في سبيل ذلك.

وأضاف حسين: إننا في حيرة.. أنعزي أهل الفقيدة أم نعزي جماعة الإخوان المسلمين أم نعزي أمة الإسلام؟! ودعا فضيلته للفقيدة بالرحمة، وأن يتقبل الله حسناتها ويسكنها فسيح جناته.

وتقول الأستاذة هدى عبدالمنعم المحامية- عضو اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل: تعرفت على الحاجة زينب في أكتوبر عام 1977 م عندما كنت طالبةً في حقوق عين شمس، وقامت- رحمها الله- بتبني مجموعة من الطالبات في الجامعة تربويًّا وفكريًّا، فقد تعلمنا منها كل شيء في الدعوة من حيث الأسلوب والاعتدال والجرأة في الحق، ولم تبخل علينا في شيء، ففتحت لنا بيتها وقبل ذلك عقلها وقلبها.

وقال فيها الدكتور جابر قميحة شعرا يعبر فيه عن صفاتها ومما جاء فيه:

بكيْتُ، وقلبي في الأسى يتقلبُ
فجاء رفيقي مُفزعًا، وهو يَعتبُ

وقال: أتبكي والقضاءُ محتم

وليس لنا من قبضةِ الموتِ مَهرب؟!

فقلتُ: تعالى اللهُ، فالحزنُ ساعرٌ

قويٌّ، عتيٌّ، والفقيدةُ زينبُ

ولو كان فضلُ الراحلين مراثيًا

لجادَ بمرْثاها الحطيمُ، ويثربُ

فلا كلُّ مفقودٍ يُراع لفقْدهِ

ولا كلُّ حيٍّ فائقٌ، ومحبَّبُ

ولا كلُّ من يحيا الحياةَ بحاضرٍ

ولا كل من في القبرِ ماضٍ مغيَّبُ

فإن خلودَ المرْءِ بالعمل الذي

يقودُ مسارَ الخير لا يتهيَّب

أناديك- أمَّ الصابرين- بمهجتي

وكلِّي دعاءٌ ِمْن سناكِ مُطيَّبُ

سلامٌ وريحانٌ وروْحٌ ورحمةٌ

عليكِ، وممدودٌ من الظل طيبُ

فقد عشْتِ بالحق القويم منارةً

تشدُّ إليها كلَّ قلبٍ وتجذبُ

وكنتِ- بحقٍّ- منبعَ الحبِّ والتُّقى

ومدرسةً فيها العطاءُ المذهَّبُ

ودارُكِ كانتْ مثل دار "ابن أرقم"

تخرجَ فيها من بناتِكِ أشْهُبُ

فَرُحْنَ- أيا أماهُ- في كلِّ موطنٍ

يربِّين أجيالاً على الحقِّ أُدِّبوا

شبابًا حيِيًّا في شجاعة خالدٍ

له الحقُّ نهجٌ، والشريعةُ مذْهبُ

يفرُّون عند المغريات تعففًا

وحين ينادي الرْوعُ هَبُّوا وأجْلبوا

ومن كان للحقِّ القويم نهوضُهُ

فليس لغير الله يرضى ويغْضبُ

ولا ضيرَ ألا تُنجبي، تلك حكمةٌ

طواها عن الأفهام سرٌّ مُحَّجبُ

فقد عشْتِ أمًا للجميع، وأمَّةً

يباهي بكِ التاريخَ شرقٌ ومغربُ

وكنتِ لسان الحقِّ في أمةٍ غَفَتْ

كأنهمو عن عالم الناس غُيَّبُ

وقلتِ: كتابُ الله فيه شفاؤكمْ

وبالسنة السمحاء نعلو ونغْلبُ

وقلتِ: هو الإسلامُ دينٌ ودولةٌ

وقوميةٌ نعلو بها حين نُنْسبُ

وإن النساء المسلماتِ شقائقٌ

لجنسِ الرجالِ المسلمين وأقْربُ

لهن حقوقٌ قررتها شريعةٌ

من الله حقٌ ناصعٌ ومُطيَّبُ

وقد كنَّ قبل الدين كمًّا مهمَّشًا

كسقْط متاع يُستباحُ ويُسلبُ

بذلك- يا أماه- كنتِ منارةً

فأهْوَى صريعًا جاهلٌ متعصبُ

وأحييْتِ بالعزم الأبِّي ضمائرا

تعاورها بومٌ ضريرٌ وأذْوُبُ

فأغضبتِ فرعونَ اللعينَ وقد بغَى

لتستسلمي للظلِم أيّانَ يرغبُ

فقلتِ: لغير الله لم أُحنِ جبهتي

وللحقِّ صولاتٌ أعزُّ وأغلَبُ

ولاقيتِ- يا أماه- أبشعَ محنةٍ

يخرُّ لهوْليهْا شبابٌ وشُيَّبُ

صَبرتِ وضجَّ الصبُر من صبرِك الذي

أذل كبارًا في الفجور تقلبوا

وجددتِ ذكرى أمِّ عمارِ التي

تحدَّتْ أبا جهلٍ ومن كان يصحبُ

فكانت- بفضل الله- خيرَ شهيدةٍ

وليس كتحصيل الشهادة مكسبُ

وقلتِ- يا أماه-: حسْبِيَ أننيِ

على درب طه أستقيمُ وأَضْرِبُ

فكن ظلامُ السجنِ نورًا مؤلَّقًا

من الملأ الأعلى يطوف ويُسكبُ

أنيسُك فيه النورُ والفجرُ والضحى

كما يُؤنس الإنسانَ في التيه كوكبُ

وكانت سياطُ الظالمين شهادةً

بأنَّ دعاةَ الحق أقوى وأصلبُ

كانوا- بفضلِ الله- أُسْدًا رهيبةً

وهل يغلب الأسْدَ الرهيبةَ أرنبُ؟!

وخرَّ من الإعياء جلادُك الذي

تعهد أن يُرْديَك وهو يُعذِّبُ

فقلت: تعالى الله، يهوى معذِّبٌ

ويبقى رفيعَ الرأس حرًّا معذَّبُ!!

سجينةَ حقٍّ لم ينلْ من إبائها

عتاةٌ على قتل العباد تدربوا

وغايتُهم في العيش مُتعةُ ماجنٍ

وعدتُهم في الحكم نابٌ ومخلبُ

وكلهمو في الشر والعارِ ضالعٌ

وللحقَّ نهَّاب عُتلٌ مخرِّبُ

كأن عذاب الأبرياء لديْهمو

ألذُّ من الشهد المذاب وأعذبُ

أيُلقى بقاع السجن مَن عاش مؤمنًا

ويطلق لصٌّ آثمُ القلب مذنبُ؟!

يُجنُّ أميرُ السجن: أنثى ضعيفةٌ

تُذِل رجالي بالثبات وترعبُ؟!

أعيدوا عليها موجةً من سياطكم

وركْلاً وصعقًا علَّها تتذبذبُ

ولم تجْدِ فيها: لا الكلابُ ينُشْنَها

ولا القيدُ والسجان بالسوط يُلهب

فيصْرخ: أنثى لا تبالي ببأسنا

فلا السوط جبارٌ ولا الكلبُ مرعبُ

فهان عليها سْوطنا وكلابنا

أذلك سحرٌ؟! بل من السحر أغربُ

إذن لن أُرقَّى، سوف يغضب سيدي

ويا ويلتاهُ إذ يثورُ ويغضبُ

"ويلعنُ خاشي" إذ أفاق على يدي

وقد كان في أُنْسٍ يهيصُ ويشربُ

ولم يدرِ أن الله أقدرُ منهمو

وأن سياطَ الله أقوى وأغلبُ

وأن فصيل المؤمنين يفوقهم

ثباتًا وعدًّا، لا يخاف ويرهبُ

فإن غالطوا قلنا: الجنائزُ بيننا

سَلُوها؛ فحكم الموت ما كان يكذبُ

مئاتُ ألوف في الجنازة حُضَّرٌ

ولم تْدّعهم أمٌ ولم يدعهم أبُ

ولكنه الإسلامُ ألف بينهم

وجَمعهم حبٌّ مكين مقرِّبُ

فإن كنتِ قد غادرتِ دنيا بزيفها

إلى عالمِ الخلْد الذي هو أرحَبُ

ستلقيْن أمَّ المؤمنين خديجةً

وفاطمةَ الزهراءَ فرحى ترحِّبُ

وحفصةَ والخنساءَ والصفوةَ التي

ظللن شموسًا للهدى ليس تغربُ

عليك سلام الله في الخلْد زينبُ

وإن نعيم الله أبقى وأطيبُ

مضيتِ بذكرٍ ليس يُكتب أحرفًا

ولكنه بالنورِ والعطرِ يُكتب

هذه كلمات صادقة عبرت عن مكنون صدور أناس عرفوا قدر هذه السيدة الجليلة واستقوا من معينها الفياض فرثتها قلوبهم قبل أن ترثاها أقلامهم.

رحم الله هذه المجاهدة التي تركت أثرا جليلا في حياة هذه الأمة، وغرست في شبابها وبناتها معنى العزة والكرامة بمواقفها التربوية، وكتباتها الحية.