سعيد صيام جنرال برتبة شهيد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

بقلم / د. ممدوح المنير


لا أعرف لماذا دائماَ تشدنى إليه عينيه ؟ تأملها قليلاَ ، سترى فيها صفاءاَ عجيباَ ، ينفذ إلى أعماقك ، يسرى فى جسدك فيض من شحنات الإيمان و سخات الكرامة و نفحات العزة و الإباء ، دقق النظر أكثر ، أنظر إلى زوايا عينيه ، ترى فيها حمرة خفيفة ، يا تُرى من أين جاءت هذه الحمرة ؟ أمن سهر الليالى جهاداَ و نضالاَ ؟! ، أم أنها من بكاء الأسحار فى رحاب الله ؟ ، أم أنها زخّات شوق و لهفة على فقد الأحبة ياسين و صحبه ؟ وسع مجال الرؤية قليلاَ ، تطلع بعينيك إلى لحيته البيضاء و شعر رأسه الأبيض ، لا تظن أن هذه الشعرات البيضاء هى كغيرها إبيضّت بفعل عوامل الزمن ، لا و ألف لا ، إنها شعرات مقاومة !! تنمو فقط فى قلب المحن و تزدهر بدماء الشهداء و تورق بسبحات الليل و تعيش بثقافة الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا ، أتعلم أين ذهبت هذه الشعرات الآن ؟ إنها الآن تختلط بدماءه الطاهرة ، تحتضنها أرض غزة المباركة ، تزرعها بذورَ للكرامة و تُنبت بها ألف سعيد ، إنها أرض مباركة بذرة الشهيد فيها بعشر امثالها إلى سبعمائة ضعف .

لم يمكن خبر إستشهاده مفاجئاَ ، كيف بالله عليك يكون الرجل إسمه ( سعيد ) و ( صيام ) و لا يكون له حظاَ من إسمه ؟ إنه الآن بإذن الله ( سعيد ) فى روضات الجنات ، ( يُفطر ) مع أحبته الذين كان يذرف الدمع شوقاَ إليهم .

أكثر ما يميز هذه الشخصية الفذه هو هدوئها المدهش ، يعمل فى صمت و كأنه الهدوء الذى يسبق العاصفة ، كنت اتعجب كيف لشخص يتحلى بهذا الوقار و الهدوء يملك هذه اليد الفولاذية التى ضبطت الأوضاع فى قطاع غزة و أعاد إليها الإستقرار ، تولى وزارة الداخلية فى الحكومة الفلسطينية التى شكلتها حماس ، دخل فى صراعات لا تنتهى مع قيادات الداخلية الفتحاوية التى لم تتعود نظافة اليد و إستقامة السيرة و المسيرة ، كان صعباً عليها أن تعيش فى بيئة نظيفة يشرف عليها رجل مثله ، تناقضت معه و تحدّت سلطته و لكن الرجل العظيم لا تتصدر له إلا الأحداث العظيمة ، لم يضيع وقتاً أنشأ مع إخوانه القوة التنفيذية لتعيد الأمور إلى نصابها و لتضبط إيقاع الحركة فى القطاع و طبعاً كان ذلك خبراً صاعقاً لخفافيش الظلام و شياطين الإنس و لكن الرجل لم يكن فقط على قدر الحدث بل أكبر منه أيضاً ، تعامل مع الموقف بحكمة و حنكة و قاد السفينة و سط الأمواج الهائلة المضطربة ، حتى حانت لحظة الحسم و سيطرة حماس على قطاع غزة لتقلب السحر على الساحر الذى أراد أن يباغتها و ينهى وجودها و من خلفها مشروع المقاومة وكان هو بالطبع قائد أوركسترا الحسم فى القطاع واستطاعت القوة التنفيذية التى يرأسها مع كتائب القسام إنهاء الأوضاع الفائرة فى القطاع .

حين تتطلع إلى سيرة الجنرال المعلم تكدها تتطابق مع مسيرة شعب و نضال أمة ، عنوانها معاناة ونضال و تفاصيلها تشريد و حصار و لجوء و أعتقال ، حيث ولد بمعسكر الشاطئ بغزة ، بتاريخ 22-7- 1959 ، بلدته الأصلية ( قرية الجورة – عسقلان) ، أب لستة من الأبناء ( ولدان وأربع بنات ) ، أستشهد أحد أبناءه معه .

كان رحمه الله معلماً من طراز فريد ، وأنا هنا لا أعنى مُعلماً كأنموزج فذ وحسب و لكن أيضاً معلماً فى قاعات الدراسة يربى أجيال من تلامذته بحكمة الشيوخ و مهارة الربان و صلابة المقاوم و رحمة الأب و أستاذية المعلم

، تخرج رحمة الله عليه سنة 1980 من دار المعلمين برام الله ،، ليعمل بعد ذلك مدرساً في مدارس وكالة الغوث الدولية بغزة من العام 1980 حتى نهايةالعام 2003 ، ثم ترك العمل بسبب ضيق الوكالة بإنتماءه لحركة حماس.

حصل كذلك على دبلوم تدريس العلوموالرياضيات ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة القدس المفتوحة وتخرج منها سنة 2000 ، وحصل على بكالوريوس التربية الإسلامية..

تقلد الشهيد العديد من المواقع القيادية حيث كان

  • عضو اتحاد الطلاب بدار المعلمين برام الله في العم 1980.
  • عضو اتحاد الموظفين العرب بوكالة الغوث أكثر من دورة ، كما ترأس لجنة قطاع المعلمين لمدة 7 سنوات متتالية.
  • عضو الهيئة التأسيسية لمركز أبحاث المستقبل .
  • عضو مجلس أمناء الجامعة الإسلامية – بغزة.
  • ممثل حركة "حماس" في لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية.
  • مسئول دائرة العلاقات الخارجية في الحركة.
  • أبعد إلى مرج الزهور بجنوب لبنان لمدة عام.
  • أعتقل لدى جهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطيني فيالعام 1995 على خلفية إنتماءه السياسي
  • انتخب عضواً فى المجلس التشريعى الفلسطينى في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عن قائمة حركة حماس في دائرة غزة حيث حصل على أعلى أصوات الناخبين على مستوى الاراضي الفلسطينية و تولى رئاسة كتلة حماس بالمجلس.
  • أختير لشغل منصب وزير الداخلية فى الحكومة التى ترأستها حماس ثم تداعت الأحداث كما أسلفنا سابقاً .

تبقى كلمة فى النهاية كتبها الشهيد الجنرال المعلّم بدمه ، مفادها أن الأمم تعيش فقط بالقدر الذى تُقبل فيه على الموت ! ، ليس حباً فى الموت ذاته و لكنه الخطبة البليغة التى تنير الطريق و تمهد السبل لكل إنسان يسعى لحريته و أمنه و كرامته ، هذا هو الدرس الأخير الذى كتبه المعلّم فى دفاتر تلامذته الذين يشيّدون الآن قواعد المجد من بين أنقاض الدمار ، رفعت الأقلام و جفت الصحف و لم تجف دماء الشهيد و لن تجف .


المصدر : نافذة مصر