صمود الأخوات ... على طريق الدعوة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
صمود الأخوات ... على طريق الدعوة

إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين

بقلم :

مقدمة

نساء-مجاهدات.jpg

إن التضحية نبات صغير يرويه الإنسان بالعطاء والبذل وقهر هوى النفس ..من أجل الآخرين، قال الإمام الشهيد حسن البنا: "إذا لامست معرفة الله قلب الإنسان تحول من حال إلى حال، وإذا تحول القلب تحول الفرد، وإذا تحول الفرد تحولت الأسرة، وإذا تحولت الأسرة تحولت الأمة، وما الأمة إلا مجموعة من أسر وأفراد".

ومن ثم فقد اعتنى الإسلام بالأسرة على جميع مستوياتها، فلقد اصطفى الله من الناس رسلاً، واصطفى من الناس أناسًا يحملون أمانة هذا الدين، فحملوه وأدوا حقه، وعملوا على تسليمه للأجيال المتعاقبة جيلاً بعد جيل، فلم يعيشوا لشهواتهم، بل عاشوا لتوصيل هذه الأمانة لغيرهم، يقول الشهيد سيد قطب : "عندما نعيش لذواتنا ولشهواتنا تبدو لنا الحياة قصيرة، تافهة، ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود! أما عندما نعيش لغيرنا، أي: عندما نعيش لفكرة؛ فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض! … إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة، نربحها حقيقة لا وهمًا، فتصور الحياة على هذا النحو، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا فليست الحياة بعد السنين ".

لقد ظهر في العصر الحديث أناس أعادوا للبشرية ذكرى صحابة رسول الله، فوجدنا عائلة الهضيبى والتي ضمت الأب والزوجة والأبناء ضحوا جميعًا في سبيل دعوتهم، وما انتظروا أجرًا من أحد، وسارت على نهجهم عائلة قطب حيث الشقيق الأكبر سيدومحمد وأمينة وحميدة وأبناء الأخوات، ضحوا جميعًا، وتميزت هذه العائلة بفهمها وجهادها وثباتها وتضحياتها، فقدمت الشهيد تلو الشهيد، فنال سيد قطب وابن أخته بكر الشهادة، وأوذي أخوه محمد كثيرًا، ولم تسلم أخواته البنات: أمينة وحميدة من الأذى، فكانت –بحق- عائلة مباركة أنبتت ثمارًا طيبة، فتركت أثرًا طيبًا على مسيرة العمل الإسلامي، وغيرهن الكثير على طريق الدعوةكانت للأخت المسلمة دور في ترسيخ معاني الحب والجهاد في نفوس زوجها وأبنائها ومن يحطون حولها.

كما زرعت روح الجهاد والايجابية في هذه النفوس وكما قال حافظ إبراهيم:

الأم مدرسة إذا أعددتها

أعددت شعبا طيب الأعراق

نحاول في هذا البحث التعرف على:

1_دور المرأة في نصرة الدعوة فهم و عمل لدى الإخوان

2- نماذج تربوية من صفحات التاريخ الإسلامية

3- السلسلة الذهبية تواصل و استمرارية

أ- معنى العزة و الإباء

ب- معنى الهمة العالية

ج– معنى الجلد و القوة

د- معنى الثبات و الصبر على فقدان الولد ، و الزوج و الصحة و المال ، و على سوء الحالة النفسية والعنصرية في المعاملة

هـ- الذكاء في التعامل مع الموقف

4-تاريخ مشرف ... واستلهام مطلوب .

5-المصادر.


دور المرأة في نصرة الدعوة فهم و عمل لدى الإخوان

اهتم الإسلام بدور المرأة المسلمة في نصرة الدعوة اهتماما كبيرا ، و جعل لها في هذا المجال شأنا عظيما .. سواءا كانت أما أو زوجة أو ابنة أو أختا .

فالمرأة هي المسؤولة الأولى عن تربية و إعداد الرجال في كل ميادين الدعوة ، ومن ثم تقديم جيل النصر و الثبات للأمة بأسرها .

ومجتمع خال من مثل هذه المرأة المسلمة و دورها الدعوي ، هو مجتمع رجاله هباء منثورا لا وزن لهم ، كغثاء السيل كثير عددهم ولا قيمة لهم .

وليس أدل على هذا من تلك الحرب الضروس التي يشنها أعداء الدين على المرأة المسلمة عبر التاريخ .

فهم يعلمون تماما أنه متى ما سقطت المرأة سقط المجتمع بأسره وراءها .

ومتى ما ارتبطت بعقيدتها الإسلامية منذ صغرها و تربى فيها معنى المسؤولية و الأمانة تجاه نصرة دينها و عقيدتها .. فإنها تصنع مجد الأمة ببذلها كل غال و ثمين في سبيل الله تعالى ، و تربيتها لجيل العزة و النصر والتمكين .

هذاالوعي التام بأهمية الدور الدعوي للمرأة المسلمة و الذي يبدأ في المنزل بالتربية للأبناء على أساس إسلامي صحيح، و الإخلاص والوفاء و المساندة للزوج في طريق العمل الدعوي كان موجودا لدى جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها يشير إلى ذلك الإمام الشهيد حسن البنا في قوله :" إن الإسلام يرى للمرأة المسلمة مهمة طبيعية أساسية هي المنزل والطفل، فهي كفتاة يجب أن تهيأ لمستقبلها الأسري، وهي كزوجة يجب أن تخلص لبيتها وزوجها، وهي كأم يجب أن تكون لهذا الزوج ولهؤلاء الأبناء، وأن تتفرغ لهذا البيت، فهي ربته ومدبرته وملكته."

و يؤكد على هذا المعنى عادل الشويخ حيث يقول :

" ... أما دور المرأة فى تنشئة الجيل، وبناء الأسرة المسلمة، فهو أمر أشهر من أن يذكر، فالمرأة هى مدرسة التربية والبناء، والولد يتربى على أمه أكثر مما يتربى على والده، فى المراحل الأولى، بل إن مهمة المرأة الأولى فى الحياة هى لإنجاز هذا الهدف التربوى العظيم، بل إن الدور الجهادى ابتداء يكون بتربية الأم، حيث تربيه على العزة والكرامة، وتدفعه إلى طريق الدعوة والجهاد،"

وكذلك يؤكده الأستاذمصطفى مشهور بقوله :

" والحقيقة أننا لا نغفل شأن المرأة المسلمة ودور الأخت المسلمة في العمل الإسلامي والحركة بالدعوة، فلها دورها المهم والكبير الذي لا يقل كثيرًا عن دور الأخ المسلم، فهي صانعة الرجال بحسن تنشئتها للأجيال، وهذا أعظم عمل وأخطره في مسيرة الحركة، بالإضافة إلى واجبات ومهام أخرى خاصة بها، ... وقد تعودنا حينما نكتب أو نتحدث في موضوعات متصلة بالدعوة والحركة كثيرًا ما نقصد بحديثنا الأخوة والأخوات وإن بدا أسلوب الحديث أو الكتابة أنه موجهٌ للأخوة.

وليس ذلك غريبًا؛ فالقرآن الكريم في كثير من آياته يوجه النداء بـ "يا أيها الذين آمنوا" ويقصد في كثير منها المؤمنين والمؤمنات.

ومعلوم أن من الدعائم التي يقوم عليها بناء الدولة الإسلامية الذي نسعى لإقامته: البيت المسلم، ولا يكون بيتًا مسلمًا سليمًا إلا إذا توافر للأخ المسلم أخت مسلمة فاهمة وداعية ليتعاونا في إقامته على التقوى من أول يوم.

لهذا كان اهتمام الجماعة من أيامها الأولى بإعداد الأخوات المسلمات وتهيئة الظروف ليقمن بواجبهن نحو الدعوة، وقد أنشأ الإمام الشهيد مدرسة أمهات المؤمنين في الإسماعلية." .

وفي معرض آخر لكلامه في هذا الشأن يقول الأستاذمصطفى مشهور :

" ... وللزوجة دور كبير في حسن سير الحياة داخل الأسرة فلا يهمل الزوج دورها ... وعلى الزوج والزوجة أن يتعاونا في تنشئة الأبناء تنشئة إسلامية صالحة .

وعلى رب الأسرة أن يضفي جو البهجة على الأسرة ويحقق لها ألوانا من التسرية والترويح الخالية من الإثم .

وعلى الزوجة المسلمة القدوة أن تشجع زوجها على القيام بواجباته نحو إسلامه من عمل وتضحية وجهاد .

وعلى الزوج أن يكون يقظ الضمير حذرا مما تحذر منه الآيات الكريمة {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وأن تغفروا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم }.

إن دور الزوجة والأم المسلمة في حقل الدعوة لا يقل خطورة وأهمية عن دور الرجل فهي مربية الأجيال وصانعة الرجال فعليها أن تحسن رعايتهم وتجنبهم قرناء السوء وتعلمهم أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور الحياة اليومية وعند الاستيقاظ وعند تناول الطعام والفراغ منه وعند قضاء الحاجة والفراغ منها وعند لبس الملابس وخلعها وهكذا فالذرية إذا أحسنت تربيتها تكون نعمة وقرة عين ويدعون لوالديهم بعد وفاتهم (ويرعونهم عند تقدمهم في السن ) أما إذا حدث تقصير في التربية فإنها تتحول إلى نقمة ومصدر إعنات لوالديهم وعلى الزوج والزوجة العمل على إحياء المناسبات الإسلامية في نفوس الأبناء كالهجرة و الإسراء والمعراج وغزوة بدر وشهر رمضان وما فيه من خير وليلة القدر وغير ذلك من المناسبات الإسلامية ." .

وبعد هذا التأصيل التربوي ، يأتي الدور العملي للجماعة والذي من خلاله تبلور الواقع وتغير وجه المجتمع ليصطبغ بالصبغة الإسلامية بصورة واضحة للقاصي و الداني .. حيث تم إنشاء قسم خاص للأخوات ، وقد كتب الإمام الشهيد حسن البنا رسالة" المرأة المسلمة" والتي نشرتها مجلة المنار كمقال للإمام في عام 1395 م ،ووجهها إلى قسم الأخوات المسلمات الذي عمل وصدرت لائحته في عام 1951 م ،

وقد كان الهدف من إنشاء هذا القسم ما يلي :

1- بعث الروح الدينية، وبث التعاليم الإسلامية الكفيلة بتكوين شخصيات من النساء مهذبة، تستطيع الاضطلاع بما يناط بها من أعمال وواجبات.

2-التعريف بالفضائل والآداب، المزكية للنفس والموجهة للخير، والكمال، وتعريفها بما لها من حقوق وما عليها من واجبات.

3-إرشادهن إلى طرق التربية الإسلامية الصحيحة النافعة التي تضمن لأبنائهن النمو الجسمي والعقلي، وتجنبهم الإسراف الصحي، والنقص العقلي.

4-العمل على صبغ البيت بالصبغة الإسلامية، ببث تعاليم القرآن الكريم، والسنة المطهرة وسيرة أمهات المؤمنين وفضليات النساء ممن حفل بهن التاريخ الإسلامي المجيد.

5- محاربة البدع والخرافات والأباطيل والترهات والأفكار الخاطئة والعادات السيئة التي تنتشر وتروج بينهن.

6-نشر الثقافة والمعارف التي تنير عقولهم وتوسع مداركهن.

7-الاهتمام بالشئون المنزلية لتجعل من البيت مكاناً سعيداً يضم أسرة هانئة على أساس فاضل سليم.

8-المساهمة في المشروعات الإنتاجية النافعة بالقدر الذي يتناسب مع ظروفهن وجهودهن في محيطهن.

ومن هذه المشروعات:

المستوصفات، ودور الطفولة، وأندية الصبيان، والمدارس، وتنظيم مساعدة الأسرة الفقيرة.

وتوضع لكل مشروع لائحة خاصة، وتؤلف له هيئة إدارية تنهض به، وتشرف عليه طبقاً لأحكام القانون ذي الرقم 49 لسنة 1945 م وتسجل بوزارة الشئون الاجتماعية.

9-المعاونة في حدود ظروف الأخوات، وجهودهن .

ولقد وضح هذا الأمر و دل على منزلة المرأة عند الإخوان ودورها، فإن أثرها يمتد إلى الفرد والبيت والمجتمع كله فإذا صلحت المرأة وأدت دورها الذي رسمه لها الإسلام، ومدت المجتمع بالعناصر الصالحة.

شباباً وشابات، وفتياناً وفتيات كل منهم يعرف دوره ويقوم بعمله، ويؤدي واجبه على الوجه الذي يرضي الله عز وجل.

كما يدعو لهذا الميدان العملي الدعوي للمرأة الأستاذ مصطفى مشهور فيقول :

"إننا نطلب من كل زوجة أو أم أن تقوم بدورها بإقامة البيت على أساس من آداب الدين الحنيف وتعاليمه وتنشيء الأبناء على أخلاق الإسلام وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وحمايتهم من التأثر بالأخلاق والعادات السيئة التي يجدونها في الشارع وعن طريق أجهزة الإعلام، كما ننبه إلى خطورة ترك الأبناء للخادمات أو المربيات بسبب الانشغال بالعمل، فإن ذلك له انعكاسات سيئة في بناء شخصية الأبناء، وإن أي نقص أو انحراف في نشأتهم لا يعدله مال.

كما نطالب ربة البيت أن تتحرى الحلال والبعد عن الحرام في مطعمهم ومشربهم، كذلك عدم الإسراف في استهلاك المياه والكهرباء والطعام وغير ذلك، خاصةً في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب.

وهكذا عندما تستجيب الأسر لهذا الذي ندعوهم إليه نكون قد خطونا خطوة بناءة عظيمة في مراحل بناء الوطن، ومما يبشر بخير أن نرى هذاالأثر الطيب على الساحة المصرية، بل وعلى غيرها في الأقطار الإسلامية من انتشار الزى الإسلامي للمرأة بعد أن كان مستغربًا وموضع سخرية منذ عشرات السنين القليلة وكان التعري والتكشف هو السائد، فبفضل الله وانتشار الوعي الإسلامي ساد الحجاب وصارت المرأة أو الفتاة المتكشفة المتبرجة هي المستغربة المستنكرة، وهكذا نرى دعاة السفور والتبرج تمتلئ قلوبهم بالغيظ والكمد تحسرًا على جهودهم التي ذهبت هباء، والأمل كبير في أن يستمر هذا المد الإسلامي الواعي حتى يعم الساحة كلها بإذن الله والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. المجتمع هو القاعدة التي يقوم عليها البناء" .

ومما سبق يتضح مدى الوعي التام لدى جماعة الإخوان المسلمين عن خطورة دور المرأة و أهميته في تقدم و ثبات الركب الدعوي و من ثم تأصيل هذا الأمر لدى الأخوات، لتبدأ الجماعة بعد ذلك في تحويل هذا الوعي و التأصيل إلى خطة عمل شاملة مستخدمين في ذلك العديد من الوسائل التربوية العملية ... فكان من نتاج ذلك تكوين جيل من الأخوات الفاضلات المؤمنات اللاتي صمدن كالجبال الراسيات أمام أعاصير المحن والابتلاءات فكن سببا في الربط على قلوب الإخوان و تثبيت الأقدام بإذن المولى العلي القدير .


نماذج تربوية من صفحات التاريخ الإسلامية

أشرنا سابقا إلى استخدام الإخوان للعديد من الوسائل التربوية في ميدان العمل الدعوي الخاص بالأخت المسلمة ... وقد كان من أول و أهم تلك الوسائل مدارسة النماذج النسائية عبر التاريخ الإسلامي للاستفادة الروحية والتربويةومن ثم التخلق بأخلاق هؤلاء الصالحات .

من هذه النماذج الطيبة التي ضربت أروع الأمثلة في البذل لدين الله و الصبر و الصمود و القوة في ذلك :

1-آسية امرأة فرعون :

كانت ملكة على عرشها ، بين قصورها و خدمها في نعيم عظيم لكنها آمنت بالله الواحد القهار و هي تعلم تماما طبيعة طريق الإيمان وما سوف تلاقيه من تعذيب وتنكيل من فرعون و ملأه ولكنها لم تأبه فقد خالط الإيمان شغاف قلبها ، وأمر بها فرعون فصلبت بأوتاد من حديد ، و ضربت حتى سالت دماؤها و انسلخ لحمها من عظمها ،و عاينت الموت ، فلجأت إلى البر الرحيم وقالت " رب ابن لي عندك بيتا في الجنة و نجني من فرعون و عمله ونجني من القوم الظالمين " ثم فاضت روحها المؤمنة وهي على تلك الخاتمة الحسنة جزاء صبرها و ثباتها .

2-وهاهي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها:

بذلت لدين الله من نفسها ومالها ، و ساندت زوجها صلى الله عليه وسلم وآزرته ،وصمدت في مراحل الدعوة الأولى وهي أشد و أقوى المراحل فكان جزاؤها بشرى من ربها ببيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب.

3-وهذه الصحابية الجليلة سمية رضي الله عنها :

المملوكة لأبي جهل فرعون هذه الأمة ، لكن هذا لم يمنعها من الإيمان بالله و برسوله صلى الله عليه و سلم .

فعذبت و زوجها وابنها بالتجويع و التعطيش ، و الضرب بالسياط تحت لهيب الشمس .. و تسيل الدماء الزكية لكنها ازدادت صمودا وثباتا ، فاغتاظ الذليل عدو الله من هذه العزة ، واستل حربته ويطعنها لتموت من فورها مؤمنة مكبرة مبشرة بقوله صلى الله عليه وسلم " صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة "

4-وموقف صفية رضي الله عنها :

عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، و أم الزبير بن العوام حواري النبي صلى الله عليه وسلم ، يوم غزوة الخندق ، وهي مع النساء و الصبيان في الحصن بالمدينة لما رأت اليهودي يحوم حول الحصن ليخترقه اليهود من خلفه... فلم تفزع ، ولم تصرخ فهي التي رباها الإسلام وحلاها بالقوة و الشجاعة فأخذت سكينا و عمودا من الخشب ، وتتبعت اليهودي خفية ، حتى إذا حانت منه التفاتة ضربته بالعمود على أم رأسه حتى خمد ومات ، ثم جزت رأسه بالسكين وألقتها خارج سور الحصن ، ففزع اليهود لمرأى رأس صاحبهم وولوا الأدبار فارين هاربين .

لقد بذلت من نفسها في سبيل الله و هي يومئذ في الستين من عمرها .

5-وقصة أسماء بنت يزيد بن السكن :

التي قتلت بعمود خبائها يوم اليرموك تسعة من الروم، وكانت ليلة المعركة ليلة عرسها.

6-وها هو المحدث الثقة عاصم بن على بن عاصم:

أحد شيوخ الإمام أحمد بن حنبل ،وقد كان في محنة الإمام ابن حنبل ، فثبت وصمد وقد كان من أسباب ذلك هذا الخطاب الذي كتبته بناته يثبتنه على الحق : ( يا أبانا: إنه بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمد بن حنبل، فضربه على أن يقول: القرآن مخلوق، فاتق الله، ولا تجبه، فو الله لئن يأتينا نعيك، أحب إلينا من أن يأتينا أنك أجبت).

فمثل هذه النماذج الرائعة في الصمود و الثبات و الصبر على الإحن ، وغيرها من صور سطرها التاريخ بمداد العزة و الفخر ... لابد و أن تتربى عليها الأخت المسلمة منذ نعومة أظفارها لتنشأ قوية صامدة ، واعية لدورها في نصرة دعوتها.

باذلة في ذلك مالها وولدها وزوجها وقبل ذلك نفسها ، مخلصة في ذلك لله رب العالمين .


السلسلة الذهبية تواصل و استمرارية

وقد آتت هذه التربية الإخوانية أكلها ... فكانت نماذج الأخوات في الصمود و الثبات أمثلة رائعة هي و بكل صدق امتداد لسلسلة روائع من سبقننا الفضل و الإيمان ببذلهن لدين الله رضي الله عنهن ، و ألحقنا بهم على خير.

لله در الأخوات الصامدات في وجه المحن الصعاب التي مرت على الجماعة ،قصصهن كثيرة ، فلهن في كل واد سهم .. فأنت لا تجد معنى إلا والأخوات قد تركن بصماتهن المتميزة فيه من مواقف بطولية شامخة ، ومن نماذج تلك المعاني:


أ‌- معنى العزة و الإباء

1-يحكي المهندسمحمد الصروي هذه القصة أثناء محنة الإخوان في عهد عبدالناصر فيقول :" -أخ آخر ذهبت زوجته فباعت كل ما تملك فى الشقة من أثاث حتى (البالطو) الخاص بزوجها.. ثم ذهبت إلى مكتب الشئون الاجتماعية بطلب إعانة - ولما لم تكن تلبية هذا الطلب سهلة فقد وعدها الموظف المختص أن تأتيه بعد شهر حالما توافق مديرية الشئون على طلبها وبعد أن خرجت من المكتب - قام الموظف ولحق بها وأخرج من جيبه (جنيها) وطلب منها أن تقبله كمساعدة - ولكنها رفضت ذلك وشكرته على عاطفته النبيلة."

2-ويشير أيضا إلى موقف الأخت نادية عبد المجيد من زوجها الذي اعترف على كل الإخوان فيقول :" تم طلاق زوجة علي عشماوي بناءً على رغبتها وإصرارها على الطلاق، بسبب موقفه من إخوانه في هذه المحنة".

فتأمل إباءها الذي حملها على رفض الحياة مع شخص خان إخوانه، وقد عوض الله تعالى هذه الأخت فتزوجها بعد ذلك الشاعر الفلسطيني الأخ عبد الرحمن بارود .


ب‌- معنى الهمة العالية

يروي لنا الأخ عباس السيسي مجموعة من القصص فيقول :

1- " السيدة/ فاطمة عبد الهادي (37سنة): زوجة الشهيد محمد يوسف هواش، وكانت تلقي دروساً دينية للأخوات في السجن بصورة منتظمة وتعمل على رفع معنوياتهم.. ولا عجب في ذلك من زوجة شهيد.. وتلميذة الشهيد (حسن البنا) وهي تتمتع بروح إيمانية عالية جداً.. مع حماسة منقطعة النظير للإسلام.. ولقد زرتها (2004 م) وقد تخطت السبعين بكثير، ورغم ذلك لم يفتر حماسها أبداً.

لقد اعتقلوها لمزيد من الضغوط على زوجها الشهيد محمد يوسف هواش وتركت ابنتها سمية (11 سنة). وابنها أحمد (10 سنوات) وحدهما في المنزل.. لكن يقينها أن الله سيرعاهما لم يتزعزع أبداً، وكانت تعيش مطمئنة إلى كنف الله عز وجل.

ولبثت في سجن النساء ستة أشهر ثم أفرجوا عنها ثم استدعوها لزيارة زوجها قبل إعدامه باثنتي عشرة ساعة للضغط عليه وحثه على كتابة اعتذار لجمال عبد الناصر حتى يتم تخفيف حكم الإعدام عليه، ولكنه رفض وأبى، فقاموا بضربه على وجهه ضرباً مبرحاً ولكنه ثبت على موقفه.

وجلس مع زوجته وأولاده، ووجهه متورم من شدة الضرب، ثم تم تنفيذ حكم الإعدام عليه في فجر اليوم التالي.. وظلت في هذه الزيارة تشد أزره، وتقوي عزمه على الصبر حتى ينال الشهادة وهي تعلم أن الشهيد يشفع في سبعين من أهله.. فهنيئاً لها وله، ولقد حصل ولدها على الدكتوراه في الجراحة من لندن، وحصلت ابنتها على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة القاهرة."

انظر كم كانت همتها عالية و يقينها بالله ثابت ، وكيف أخلف الله عليها بخير في أبنائها .

2-ويقول أيضا :" قالت الزوجة تتحدث مع الأخوات عن الطريقة التى كانت تعيش بها مع خمسة من الأولاد لأكثر من يومين.. كان مرتبى ثلاثين جنيها وهذا المبلغ لا يكفى لمدة أسبوع واحد - ولكنى استعنت بالله فى تدبير أمور المعيشة - فكنت أقوم بتربية الأرانب والبط بما يتبقى من فتات المائدة - فى جزء من البلكونة استعملته لهذا الغرض. وكنت أقوم بترقيد البط على أثنتى عشرة بيضة فتخرج منها اثنتا عشرة بطة وكذا الأرانب لم تمت واحدة وهذا من فضل الله.

كنت اشترى كيلو اللحم ليبقى عند الأسبوع بالكامل وأستعين معه بالبيض والبطاطس والسمك الصغير.

أما الملابس فكنت أقوم بعلاج الملابس القديمة للرجال فأعيد حياكتها وإصلاحها فتصلح للأولاد الذكور - كما كنت أقوم بعلاج الملابس النسائية بحيث تصلح للبنات مع شىء من التنسيق والتزويق بحيث يصعب على المشاهد أن يميز بين ماضيها وحاضرها .

ولما جاء أحد الأعياد طلب منى أولادى ملابس العيد.

فاشتريت جوالين من النوع الذى يشبه الصوف الأبيض وقمت بفك الجوال وعملت منه كرارية خيط وأضفت إليه نوعاً آخر من الخيط الملون ما بين أزرق أخضر وأحمر وصنعت منها بشغل الإبرة لكل واحد منهم شرزاً بحيث لا يمكن أن يفترق على الشرز الجديد كل ذلك لم يكلفنى أكثر من جنيه واحد ، هذا فضلا عن أننى كنت أدفع بعض أقساط للدروس الخصوصية وكذا علاج الأطفال فى حالة المرض الذى ظل يلازمنا فترة وجود والدهم فى السجن.

كل هذا رغم وجود المشاكل النفسية والإرهاق النفسى لما يحدث من ضغط من البوليس واستدعاء للقسم وغير ذلك"

3-ويتابع رواياته في صمود الأخوات وعلو همتهن فيقول :" كان يسكن معى فى زنزانة واحدة وعرفته عن قرب دمث الأخلاق.. يقول الزجل الشعبى الإسلامى.

أغلق محله ولم يعد له ولأولاده أى مصدر للرزق.. نهضت زوجته الوفية بهذا الواجب المقدس، فكانت تخرج بعد الفجر تاركة أولادها الصغار مع أختهم الكبيرة وتذهب إلى الأسواق تتاجر فى الحبوب وتقوم فى منزلها على تربية الطيور ورزقها الله رزقاً حسناً حتى إذا جاءت لزيارة زوجها ومعها أولادها الصغار تحمل معها من الطعام والفاكهة ما يطمئن الزوج ويريح باله.

هذا فضلا عن مشقات الطريق والعنت فى الأسواق وهذا مثل حى لما تقوم به الزوجة المسلمة من الوفاء للزوج فى محنته "


ج– معنى الجلد و القوة

يحكي لنا الأخ الأستاذ عبد الحليم خفاجي هذه القصة في معنى القوة و المثابرة قائلا :" الفضل لله تعالي وحده ، ثم لاثنين من الأخوات في إخراج هذه المذكرات ، من الظلمات إلي النور ، في وقت كان يجبن فيه عن التضحية أشجع الرجال .. الأولي هي الأخت أم جهاد زوجة أحد الأخوة المعتقلين ، والثانية هي الأخت نفيسةزوجة الشهيد أحمد نصير .. الأولي غامرت بتهريبها إلي خارج المعتقل ، رغم سلسلة التفتيشات التي يتعرض لها الزوار والمعتقلين علي السواء .. والثانية لم تتردد في الاحتفاظ بالكشاكيل الخمسة التي سُرَّبت إليها تباعًا ، رغم أنه لم يكن قد مضي علي استشهاد زوجها بالمعتقل عدة أشهر ، وكان بيتها لذلك هو أصلح مكان للحفظ بعد أن خفت الرقابة عليه .

ولولا هاتين الأختين المجاهدتين لطويت الفكرة في الصدور .. فلله الفضل والمنة"

ويقول أيضا :"إن ربي لطيف لما يشاء ..قبضوا على زوجي بعد ولادتي ولدي "ياسر" الذي فرحنا به فرحاً غاماً.. وما كادت عينا زوجي تكتحلان برؤية ولده الذي جاء بعد طول انتظار حتى تم القبض على زوجي.. فرضينا بقضاء الله وقدره.. حتى جاءت ليلة ليلاء.. وفي منتصف الليل وجدنا الباب يقرع بشدة ويكاد يتحطم من شدة وغلظة من يقرعه.. ودار هذا الحوار معهم:

-من بالباب؟!

-افتحي وإلا سأكسر الباب.. إحنا الحكومة.

-لقد قبضتم على زوجي.. فماذا تريدون ؟!. وارتديت ملابسي وحجابي وفتحت الباب، ووقفت أنا وحماتي مشدوهين، مذهولين.. ورأينا مخبرين.. طوال.. عراض معهم ضابط.

-عاوزين إيه ؟!.

-عايزين نقبض عليك إنتِ !!.

-لماذا ؟!. -مافيش داعي لكثرة الكلام.. مطلوب القبض عليك.. إحنا بنفذ الأوامر.

وهنا تدخلت حماتي التي تقيم معنا (والدة الأستاذ جودة شعبان).

-وهي عملت إيه.. ما أنتم أخذتم زوجها تاني.. إيه الظلم ده!! هي معها أولاد صغار كيف تتركهم ؟!.

-الضابط: وإنت كمان مقبوض عليك، البسي ملابسك فوراً بدل البهدلة.

- فقلت لهم (في ثبات):- عندي بنتان صغيرتان نائمتان داخل البيت.. وأمي تسكن قريباً منا.. تسمحوا لي أوصل البنتين إلى جدتهم.

-الضابط.. لا.. اتركيهم هنا للصباح .. إحنا هنأخذك كلمتين وبس في القسم.. ما فيش مناقشة.

وتكمل الحاجة زينت الذكريات الحزينة.. قمت بتغطية البنتين في فراشهما وقلت لهما: في الصباح تذهبان إلى جدتكما، وتخبرانها بما حدث.. والبنات تنظر في ذهول من هول ما تريان.. ولكني استدركت أن معي ياسر ابني.. فقلت لهم: لا يمكن أن أترك الطفل الرضيع وعمره أربعون يوماً فقط وحده.. ففكر الضابط ملياً.. ثم أجاب: أحضريه معك إلى قسم السيدة .. فذهبت أنا وأبني الرضيع الحديث الولادة (ياسر) ومعي حماتي وركبنا معهم عربة الترحيلات التي لا تليق بالآدميين، وذهبنا إلى قسم السيدة زينب.. وهناك في تخشيبة قسم السيدة وجدنا الأخت الحاجة " أمينة الجوهري " حرم الأستاذ محمود الجوهري أمين عام قسم الأخوات المسلمات (قبل عام 1954 م)..

ثم دخل علينا في التخشيبة أربعون شاباً وشيخاً من الإخوان المسلمين.. وبعد قليل تم ترحيلنا في الفجر إلى معتقل القلعة حيث التعذيب الرهيب.. ومررت أنا ورضيعي وحماتي على مشاهد التعذيب ...وتحكي السيدة زينب السيد حسانين عن ليلة القبض عليها فتقول: في عام 1954 قُبض على زوجي جودة شعبان، وحاكموه محاكمة ظالمة وحكموا عليه بالسجن 10 سنوات أشغالاً شاقة، ويومها كان عندي نادية وعمرها 3 سنوات، وكنت حاملاً في ثلاثة شهور، وبعدها بستة أشهر وضعت مولودتي الثانية (علية) في عام 1955 م، وجاءت حماتي وأقامت معنا للمعاونة في رعاية الطفلتين، ويعلم الله كم قاسينا وعانينا في تلك الفترة بعد أن أوقفوا صرف مرتبه بعد سجنه، ولم يتركوا لنا مورداً نعيش منه.. لكن الله - عز وجل - كفانا وآوانا وأطعمنا وسقانا، بحوله وقوته.. وكم لا كافي له ولا مأوى!! .. وعشنا هذه السنوات العشر على أمل اللقاء مع الزوج بعد الصبر الطويل والمعاناة والجري وراءه في السجون .. الحربي -ليمان طره- سجن الواحات- سجن المحاريق - سجن القناطر.. وكنا نعيش الأخبار بمرها، وعلقمها، ومعاناتها.. وطال الصبر وخرج الزوج، وسعدنا به أيام قلائل.. وفجأة وبعد عدة شهور قبضوا عليه في منتصف الليل بصورة لا تقل بشاعة ولا فظاعة عما كان في عام (1954 م) .. دون سبب ودون جريمة إلا أن يقول (ربي الله).. فأيقنت أن لا راحة في الدنيا لمن يسير في هذا الطريق، وأن الثبات على هذا المبدأ ليس مجرد كلمة تقال، أو حتى عزيمة يعزمها ويصر عليها صاحبها.. ولكن الثبات معاناة، وألم، وفراق، وقسوة، ومشقة.. ولكنا كنا قد تعودنا وتعلمنا الرضا بقضاء الله.. وأيقنا أن المطلوب ليس مجرد الرضا فقط، ولكن المطلوب دوام الرضا.. واستمرار الرضا.. بل والاستعداد بسلاح الرضا، في مواجهة المزيد من الإرهاب والضغط والتنكيل..

-ويذكر لنا أيضا قصة الأخت (سميرة) فيقول:" وهذه جرت وراء أخيها لحظة اعتقاله فيالإسكندرية وتتبعت القطار الذي ركبه مكبلاً بالأغلال، وحاولت أن تعطيه سندوتشات ليأكلها في الطريق، ففاجأها المجرمون بالقبض عليها واعتقالها واصطحابها معهم في القطار، وأودعوها سجن النساء ستة أشهر كاملة.. ولم أستطع معرفة اسم أخيها."

ويقول الأستاذمصطفى مشهور :

" وحُكي لي أن والدة أحد الضباط الذين كانوا يعذبوننا في السجن الحربي في محنة أربعة وخمسين وتسعمائة وألف كانت تنكر عليه عمله أشد الإنكار وتتبرأ منه ومن بنوته لها؛ بسبب ذلك، وكانت تحتفظ في غرفتها بصورة للإمام الشهيد معلقة على الجدار رغم جو المحنة العصيب."

تأمل القوة الإيمانية ... إنها لا تأبه لفلذة كبدها وثمرة فؤادها بل تتبرأ منه مفضلة هذه الجماعة المؤمنة الصابرة على ولدها .

وهذا الموقف القوي لأم معاذ والذي يحكيه لنا الأستاذ مشهور قائلا :

" ... فى أيام المحنة وخاصة فى أولها.. كانت الأهالى تعيش فى فزع مستمر ليلاً ونهاراً.

فهذا يأتى إلى المنزل يسأل عن الأسرة ومن يأتى إليها؟ .. من يدفع لها؟ .. من يزورها؟ فكانت الأسرة تعيش فى رعب مستمر .

... وذات مرة قدم إلى الأسرة اثنان من غير أهل المدينة حضرا لأداء واجب الزيارة والاطمئنان على الأسرة. وكان الزوجة تعرف من قبل هذه الأسماء - ولكنها لم يسبق لها أن رأتهما رأى العين - وحين استراحا فى حجرة الجلوس.. دخلت عليهما وبعد لحظات.. قالت لهما : لا تؤاخذانى - فأنا أعرف الأسماء من قبل ولكنى أريد أن أطمئن بنفسى - وارجو أن تقدما لى البطاقات الشخصية، وكان مفاجأة غير متوقعة، وقاما بتقديم البطاقات، ولما اطمئأنت تحدثا معها بكل ما فى نفسيهما.

... وقد أعجبا بشجاعتها وأثنيا على تصرفها.. ولكن بعضاً من الآخرين لم يعجبهم هذا التصرف، فهم لم يعيشوا تلك الظروف التى تعيش فيها الأسرة، وصدق الله العظيم { وخذوا حذركم } (النساء:102)."

د- معنى الثبات و الصبر على فقدان الولد والزوج والصحة والمال

معنى الثبات و الصبر على فقدان الولد والزوج و الصحة و المال وعلى سوء الحالة النفسية والعنصرية في المعاملة

1-يحكي الأستاذ المهندس محمد الصروي هذه القصة فيقول :

" هي زوجة أحدالإخوان بالصعيد (للأسف لم أتأكد من اسمه).. قبضوا عليه، وعذبوه في السجن الحربي عذاباً أليماً، ولم يكن عنده مزيد من الاعترافات.. فقبضوا على زوجته واسمها (امتثال) .. وكانت حاملاً في شهرها التاسع وعلى وشك الولادة، ولما قبضوا عليا في مفاجأة مذهلة للحرائر العفيفات.. ذهبت معهم في ذهول، وتنقلت في تخشيبات الأقسام في الصعيد.. ثم حملوها في عربة الترحيلات الكئيبة إلى قسم السيدةزينب.. ثم في أحراش الليل البهيم تم نقلها إلى سجن النساء في القناطر.. وأثناء هذه الرحلة فاجأتها - بطبيعة الحال - آلام الولادة، واشتدت عليها.. وكانت حاملاً في توأم كبير الحجم (كما تواترت الأخبار عبد ذلك عن طريق السجانات).. وفاجأها النزف الشديد في دورة مياه في عنبر سجن النساء بالقناطر.. وسقطت على الأرض مغشياً عليها وصرخت زميلاتها من الأخوات، وهرولت السجانات، وأحضروا بطانية ووضعوها فيها، وأمسك ستة عساكر بأطراف البطانية (فقد كانت رحمها الله بدينة ممتلئة الجسم) ونزل التوأم في الطريق ولم تنزل المشيمة، وهرولوا بها.. ولكن عربة الإسعاف تأخرت، ولما حضرت الإسعاف وحملوها إلى المستشفى كانت قد فارقت الحياة وفارق التوأمان معها الحياة أيضاً، هذه هي الجريمة البشعة التي ارتكبت في حق الشهيدة ووليديها رحمها الله رحمة واسعة.. وتقبلها مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. آمين هكذا قدمت قضية (1965 م) شهيدة من النساء بجوار الشهداء من الرجال."

هذه الأخت المجاهدة ... صبرت على فقد الزوج ، وعلى ضيق العيش ، و على ألم الحمل ، و على العمل في الحقل لحفظ مال زوجها ، وعلى الرحلة الأليمة من الصعيد حتى سجن القناطر في مصر.

كل هذا وهي ثابتة على إيمانها ، يلهج لسانها بذكر الله فكان عاقبتها شهادة في سبيل الله نحسبها كذلك .

2-ومن منا لا يعرف الحاجة زينب الغزالي .... الداعيةالمجاهدة الصابرة الصامدة ... و التي تعد فعلا من رموزالجماعة في الستينات وما بعدها ...

تروي لنا بعض ما أصابها في كتابها أيام من حياتي فتقول :

" .... فتح الباب ثانيه ليدخل صفوت وحمزة البسيوني مصطحبين علية الهضيبي (بنت فضيلة المرشد الثاني ) وغادة عمار(حرم الطيار يحيى حسين) يدخلانهما ويخرجان ويغلق باب الزنزانة .

وتقبل على علية تأخذني بين ذراعيها تقبلني وأنا منصرفة عن نفسي والدنيا وتتساءل في ألم : أنت الحاجة؟ والتفت إلى غادة فأرى عينيها ممتلئتين بالدموع تغرقان وجهها.

وأسأل علية في ألم . .ألم تعرفيني ؟ فتجيب : لا . . لا. . يا حاجة لقد تغيرت كثيرا نقص وزنك إلى حد مخيف ،وأصبح وجهك كأنه وجه شقيقك سعد الدين .

قلت :هذا أمر طبيعي، أنت لا تعرفين الهول الذي أعيش فيه .

وفوق ذلك فأنا لا أتناول من الطعام إلا ملعقة من السلاطة في اليوم والليلة يرمى بها الجندي وهو مرعوب يخشى أن يضبط متلبسا بجريمته .

وتحاول أن ترتب المكان بما أصبح فيه من بطاطين ووسادات .

وتجد وتسألني عن مصحف ، مسكينة علية لقد حسبت أننا نتعامل مع "آدميين " بل نسيت علية أننا هنا مع أعداء المصحف ؟ " أأنتظر منهم أن يسمحوا لي به وتعرض على غادة مصحفا صغيرا كان معها وكذلك تفعل علية.

ونجلس ولما مددت رجلي المكسورة التماسا للراحة ظهرت آثار التعذيب وضرب السياط ، وتسألني علية عما ترى فاتلوا عليها الآية الكريمة عن أصحاب الأخدود ( النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) ، وتبكي غادة في صمت وتتساءل علية في عجب : أيمكن أن يحدث هذا مع النساء ، علية طيبة القلب لم تستطع أن تصل بخيالها إلى المدى الذي يمكن أن يبلغه حكم عبد الناصر من عداوة لله ثم للدعاة .

وسألت علية وماذا بعد ذلك ؟ قالت يتهامس الناس على اعتقال عشرين ألفاً من المشيعين .

نعم لقد كانت جنازة النحاس أذان حق واعلان صدق عن سريرة مصر والمشاعر الحبيسة في نفوس أبنائها والحرية المكبوتة .

وشدني الحديث إلى ذكريات كثيرة عن مصطفى النحاس ، ذلك الرجل الذي لم يحقد يوماً على أعدائه ، وكان لا يعز عليه أن يعترف بالخطأ إذا أخطأ ، لقد كان زعيماً وطنياً .

وسألت محدثتي هل اعتقل أخي " سيف الغزالي " الوفدي فلم تؤكد علية ولم تنف ، وساد الصمت فظنت بي خوفاً على أخي فربتت على كتفي قائلة : يا حاجة كل شئ عنده بمقدار .

لم يكن بي خوف ولكن كان انشغالي بهذه الصورة الرائعة للجنازة .

فقد كانت صورة التشييع كما نقلتها لي علية تعطي إشارة صريحة وقوية إلى أن نبض هذه الأمة لم يتوقف رغم كل إيحاءات أجهزة الإعلام التي خدعت الناس وبخاصة خارج مصر فظنوا الطاغوت إنساناً أو كما علقت عليه علية ـ ظنوه المنقذ - ما حدث كان يعني أنه ـ بإذن الله ـ سيأتي اليوم الذي تكشف فيه الحقائق ليعلم الناس حقيقة حكامهم وما يبيعون وما يشترون ، يبيعون شعوبهم وضمائرهم ويشترون مقاعد للحكم مقابل سحق الإسلام والمسلمين ، إنه لتخطيط رهيب ! وانصرفت إلى غادة أسألها عن زوجها وأولادها ووالديها .

ومن بين دموعها عرفت أن الزوج هرب لاجئا إلى السودان ، وأن الأم مريضة تائهة بين سمية المريضة وهالة الرضيعة .

وأنها ما كانت لتهتم بشيء لولا الطفلتين .

هدأتها ودعوت للجميع ثم سألتها عن ضياء الطوبجي وهل تم زفافه ؟ وكان الجواب أنهم قبضوا عليه ويده في يد عروسته والمأذون ، وقبضوا على عروسته وهى في ملابس الزفاف وعلى أخته منى وأخيه الدكتور .

وهزني نبأ القبض على الفتيات وتساءلت : إذن كان القصد هو القبض على كل من له اتصال بالإخوان .

وتدخلت علية لتقول : بل على كل من يرى مؤديا للصلاة .

وبدأت غادة تحدثني عن الاعتقالات والوحشية في تفتيش المنازل ليلا ونهارا ولم أكن بحاجة إلى هذا الحديث فقد حدث هذا معي وأكثر.

قلت : أعتقد أن التتار حين حاربوا الإسلام لم يفعلوا ما فعله عبد الناصر وزبانيته ، ولا الرومان حين كانوا في مصر قبل الفتح الإسلامي .

لقد أنسانا الحكم الناصري فجور المجرمين في التاريخ الإنساني كله .

إنه مارد أصم عن سماع الحق أعمى عن رؤية النور.

فلا عجب أن يجلد النساء ويسجنهن ويقتل الرجال وييتم الأطفال ويرمل النساء ! ! والحديث بمرارته وما فيه من شجون وأسى كان الواقع يحكى ذلك كله .

والتفتت إلى تحدق بي وتغوص بعينيها في قدمي المنتفختين وساقي المتورمة وقالت : أظن أن دورنا في التعذيب قد جاء يا حاجة، ربنا يعيننا ويصبرنا.

وسآتيك بفوطة من حقيبتي أغطى بها رجليك ، أليس معك حقيبة ملابس يا حاجة؟

ظللت : ثمانية عشر يوما وأنا في هذه الملابس الملوثة بدماء النزيف كما ترين يا ابنتي . وأخذت غادة تبكى وهى تنظر إلى ملابسي المجمدة بالدم والصديد فوق جسمي .

واقترحت على أن تغير ملابسي بما معها هي ولما رفعت الملابس الممزقة عن جسدي فوجئنا بآثار السياط تمزقه وكانت صيحة استنكار وألم ، فهذا مما لا يمكن أن يحدث مع النساء في نظرهما. .

وحاولت أن أخفف عنهما ما رأتا فحمدت الله على أن كان هذا في سبيله سبحانه وتعالى، لا في سبيل أي دعوة دنيوية أو إلحادية، حمدته على أن أكرمنا بالإسلام وحمدته على أن شرفنا بمظلة : أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبد لله ورسوله ".

وحاولت علية بدورها أن تخفف عنى، فنقلت لي أحاديثهم عنى حديث أختها السيدة خالدة الهضيبي عن أن السجن لن يضيرها بشرط أن يدعوها فيه معي في زنزانة واحدة.

لقد هزني هذا الحديث كثيرا .

ولكن لو رأت خالدة جسمي لغيرت رأيها وطلبت من الله أن يعافيها . . ودعوته سبحانه أن يعفى جميع الأخوات وجميع المسلمين والمسلمات من جور وظلم أهل الباطل .

وفتح باب الزنزانة فجأة فانقطع ما بيننا من حديث ودخل الشيطان الأسود وبيده ثلاثة أرغفة من الخبز وقروانة" صفيح بها فاصوليا مسلوقة .

أخذتها منه علية .

وأغلق الباب .

كنت لا أطيق رائحة هذا الطعام .

وكانت علية حاملا ويبدو عليها الإجهاد .

وكأنها أحست بما في نفسي فقربت الطعام منى وهى تقول : الأكل حلو يا حاجة! وناولتني رغيفا ، وناولت غادة رغيفا آخر وابتدأت تأكل وتبعتها غادة .

قالت علية : يجب أن أكل من أجل الضيف الذي هنا ! ! وأشارت إلى حملها ولما رأتني متوقفة توقفت وكذلك فعلت غادة .

قالت علية : نحن نأكل ونقول مع كل لقمة بسم الله الرحمن الرحيم .

ولم أستطع أن أبتلع الطعام .

فقالت علية : يا حاجة أنا معتقدة أنك أصبحت في نصف وزنك طبعا من عدم الأكل ، وقد أصبح الأكل في هذا الوقت عبادة .

فالجلادون سيسعدهم أن تموت زينب الغزالي .

والامتناع عن الأكل حرام .

حاولت دون جدوى أن أناقشها بأني آكل ما يمسك على الحياة، وإرادة الله قد أعطتني الصبر عن الطعام والقدرة على الاكتفاء بملعقة سلاطة .

ومازالت بي تلح حتى أكلت .

ويعلم الله أنه كان عذاباً لا طعاماً .

وفى صبيحة اليوم الثاني لحضور علية وغادة، استطعت أن أشركهما معي في لقائي اليومي بالمرشد العام عن طريق ثقب الباب ، وحدثتهما عما بعثه في نفسي من طمأنينة وراحة .

واستطاعت علية أن ترى أباها في ذهابه إلى دورة المياه وإيابه وكذلك غادة .

وجلسنا باقي النهار تحكى لنا فيه غادة كيف قبضوا عليها وكيف التقت بحميدة قطب بعد القبض على، وأبلغتني أنهم قبضوا على آل قطب جميعا .

ومرت ساعات اليوم ثقيلة بطيئة تقطع وحشتها ركعات الصلاة الجماعية .

3-وقد وردت هذه الحادثة في بحث العنصرية في التعامل مع الإخوان المسلمين :

" الحدث : الزوج محمد عبد الرحيم الأسود(موجه مالي بالإدارة التعليمية بكوم حمادة 42سنة) والزوجة (ماجدة محمد الشرقاوي- ربة منزل) باتا ليلتهما كأي زوجان مصريين في مدينة من مدن الأقاليم يحلمان بإشراقه يوم جديد يستطيعان فيه تلبية احتياجات ثلاثة بنات هن كل أبناؤهما ويحلمان باليوم الذي تضع فيه الزوجة حملها الذي مر عليه ثلاثة أشهر إلا أسبوعا واحدا وهى نهاية المدة التي حددها طبيب الزوجة د.طارق زكريا.

حتى يضمن الجميع انتهاء مخاطر الحمل الذي ظلت تنتظره لمدة 12عاما من العلاج والمتابعة .

ويحلمان أخيرا بإرضاء أم الزوج التي أقعدها المرض وأصبحت في شبه غيبوبة .

ونام الزوجان على هذه الأحلام المشروعة ولم يكن يشغلهما شئ أخر كما ينشغل الآخرون أحيانا فالزوجان متدينان والجميع في مدينتهما يعرفونهما ويحبونهما لطبيعة عمل الزوج وشهرة عائلته ولأخلاق الزوجة ولحبها لمن حولها .

وفي تمام الساعة 2:20فجر يوم الاثنين 24/7 انتفض الجميع على أصوات مفزعة كأصوات مدافع تدك حصنا منيعا ولم تكن هذه الأصوات بعيدة عنهم بل إنهم متأكدون إنها في نفس البيت الذي يسكنونه ... ما الذي يجري , هذا ما ترويه الزوجة : صحونا جميعاً - زوجي وبناتي- على أصوات تحطيم بوابة البيت وبما أنني ممنوعة من الحركة فقد لزمت الفراش وبعدما استطلع زوجي ما يحدث عاد ليطالبني بالبقاء في سريري وأمر البنات بالدخول معي في نفس الحجرة -ظنا منه أنه مجرد اشتباه وسوف ينتهي الموقف إلا ان ما حدث لا يستطيع أن يتخيله عقل فقد فوجئنا بعشرات الجنود المدججين بالأسلحة يدخلون علينا ويحطمون أثاث المنزل ويبعثرون محتويات الدواليب وكأن لا هم لهم إلا الانتقام منا .

وتستطرد الزوجة: ثم دخل علي الضابط-رأفت عبد الباعث- وأمرني بترك الحجرة لتفتيشها فأخبرته بأنني ممنوعة من الحركة وإلا فقدت جنيني الذي أنتظره منذ 12عاما ,فما كان منه سوى تهديدي بالقتل إن لم أخرج وهنا علا صراخ البنات ونحيبهم .

وفي الحجرة الأخرى كانت حماتي (قعيدة وفي شبه غيبوبة ) لا تعي شيئاً مما يحدث, فأمر الضابط أيضاً بإخراجها من الشقة ولما أشارت بحاجتها إلي الحمام حملها زوجي يرافقه اثنان يضعان سلاحيهما في جنبيه ولما انتهت من قضاء حاجتها أخرجوها ثانيةً.

في هذا الوقت استعطفت الضابط أن يتركني للتعب الذي حل بي ولخوفي على حملي إلا أنه أصر بعنجهية على إذلالي -علي حد قوله وبقيت واقفة مرغمة حتى انتهوا من (غزوتهم) التي استمرت ساعتين كاملتين وبعدها مباشرة شعرت بمقدمات الإجهاض على جسدي فوقعت مغشياً علي (انتهى كلام الزوجة).

التقت (آفاق عربية) بشقيق الزوج (حسن محمد الأسود) ليستكمل ما حدث , قال : في أثناء الضجيج الذي حدث هذه الليلة سارع شقيق لنا يسكن في نفس شارع محمد للاطمئنان عليه وعلى والدته فمنعه الضابط بل سبه سباً شديداً وتوعده .

ويضيف حسن : ما حدث لا يمكن السكوت عليه فزوجة شقيقه أجهضت ووالدته أهينت وأخي تم تعذيبه في مقر أمن الدولة بمركز بدر بمديريةالتحرير وكسروا أثاث بيته وحصلوا على مئات الكتب من مكتبته وقد تقدمت بناء على ذلك بشكوى إلى نيابة كوم حمادة شرحت فيها كل ما حدث ."

4-وفي كتاب الموتى يتكلمون يقول الأستاذ سامي جوهر :

" يروى العقيد نصر الدين محمد الإمام تفاصيل القبض عليه.. قال أنه فوجىء برجال المباحث الجنائية العسكرية يقتحمون مسكنه برئاسة تلميذ له هو الرائد حسن كفافى.. كان الوقت بعد منتصف الليل.. أيقظوا أطفاله وزوجته وأمه المريضة التى لقيت ربها بعد ذلك بأسبوعين..حبسوا الجميع فى غرفة.. وبدأوا يفتشون مسكنه.. وعثر حسن كفافى على مبلغ ألف وخمسمائة جنيه كان نصر أدخرها لشراء تاكسى يعاونه إيراده فى مجابهة تكاليف المعيشة.. وأخذ حسن لنفسه المبلغ مدعيا أنه سيعيده عندما يتأكد من مصدره.. وطبعا اختفى المبلغ للأبد... وبعد أن مزقوا المراتب بالمطاوى بحثا عن أدلة ولم يجدوا شيئا اصطحبوه إلى السجن الحربى..."

فتأمل أيها القارئ كيف كان صبر هذه الزوجة الفاضلة على لأواء فراق الزوج ، وضيق ذات اليد ، والترويع الذي أصابها في هاتيك الليالي .

5-ويذكر هنا الأستاذ عمر التلمساني زوجته وصبرها وثباتها ووفاءها فيقول :

" حتى توفيت تلك الزوجة الوفية فى رمضان 1399 هـ ـ الثامن من أغسطس 1979 م بعد أن تسحرنا وصلينا الفجر معا وبعد مرض لازمها الفراش حوالى سبع سنوات .

مازلت أبكيها بحرقة من كل قلبى الى اليوم كلما مرت ذكراها بخاطرى أو ذكرها أحد أمامى فقد كانت زوجة مثالية تطهو أشهى الطعام وتساعد من تغسل الملابس يدا بيد وتقوم على نظافة المنزل مع الخادمة ـ لم تسألنى فيما أفعل لم فعلت ؟ ولا فيما تركت لم تركت ؟ .

لم تطالبنى بشىء لنفسها لأنى كنت أوفر لها كل ما تطلبه الزوجة من زوجها وظلت بعد الزواج ملازمة للبيت حوالى سبعة عشر عاما لا تخرج لزيارة أهلها أو حضور عزاء أو تهنئة إلا فى سيارة ولم تركب طوال تلك السنين تراما ولا أتوبيسا أو تمشى فى الطريق على قدميها لأنى كنت شديد الغيرة عليها .. أغار عليها من الشمس أن تلقى عليها أشعتها ومن الهواء أن يلامس طرف ملابسها .

وكانت تعرف ذلك منى فلم تضق بى ولم تعاتبنى .

هذا إن لم تكن هذه الغيرة ترضيها وتسعدها .

وقد رزقنى الله منها بنسل كثير لم يبق منه إلا ذكران وأنثيان أسأل الله أن يكون عنهم راضيا فهم صالحون ومؤدبون ومطيعون .

وأذكر هنا واقعة تتعلق بغيرتى عليها .. فقد حدث لما قضيت فى سجن عبد الناصر سبعة عشر عاما من أكتوبر ( تشرين أول ) 1954 الىيوليو ( تموز ) 1971 كانت نعم الزوجة الصابرةالمحتسبة .

ومرت عشر سنوات فى السجن لم أرها فيها غيرة عليها أن يراها السجانون ومن معى من الإخوان حتى إذا ألح على الإخوان ووجهوا لى اللوم على هذه القطيعة .

أذنت لها بزيارتي فى السجن واستقبلتها فى إتزان وكأنى لم أفارقها إلا يوما أو بعض يوم .

لم تسبب لى متاعب مع أهلي حتى ولو أسيء إليها فى غيبتي من أم أو أخ أو أخت "

هـ- الذكاء في التعامل مع الموقف

1- كانت الحاجة زينب الغزالي تتمتع بالحصافة و الفطنة إلى جانب ما تميزت به من حسن صلة بالله تعالى .. فكان هذا الذكاء حاديها في حالك المواقف و عصيب الأزمات ، و مدلهم الخطوب .

يحدثنا عن هذه الصفة الأستاذ محمد أنور رياض فيقول :

" قطعت أم عبده الحوار ... لتخبرها بوجود زوار ... انصرف عنها زوجها كانوا

ثلاثة ... من لباسهم ... يبدو أنهم من العرب .

قال أحدهم ... في لهجة غريبة ... لم تهتم بها كثيرا :

-الأخوة في السعودية يهدونك السلام ... ويتمنون لك الشفاء .

ردت :

- شكرا ... من هم ؟

قال :

- الأخ سعيد رمضان ... وإخوانه مصطفي العالم ... وكامل الشريف ... ومحمد العشماوي .

أطرقت برهة ... ثم واصلت الأسئلة :

- ولكنكم لستم سعوديون .

- لا ... نحن من إخوان سوريا .

أخرج أحدهم مظروفا ... وضعه أمامه علي المنضدة :

- المبلغ ليس كبيرا ... مساهمة من الإخوان لأسر المعتقلين ... أعلم أنكم في حاجة إلي المال .

نظرت إلي المظروف ... ولم تتكلم .

استطرد الثالث : - نحن علي علم بالمحنة التي يمر بها إخواننا في مصر ... والظلم الواقع عليهم من طاغية العرب الذي

حاول اغتيالك ...هه ... هيا ... أخرج ما في نفسك ... قالت تستدرجه :

- من تقصد ؟!

قال في حماس :

- وهل هناك غيره ... عبد الناصر الملعون ... اللهم خلصنا منه .

ازداد حماسا :

- تمنيت لو أن أحد من الإخوان طخه ... وخلصنا منه .

سكت ... ثم قال :

- نحن علي استعداد للمساعدة ... بالتمويل ... وبالسلاح .

نظرت تملا عينيها منهم ... ثم قالت :

- لم أتشرف بأسمائكم .

كأنما فاجأهم السؤال ... قال أحدهم متلعثما :

- عبد الله ... عبد الرحمن ...عبد المنعم .

قالت في هدوء ...

- خذوا فلوسكم ... الإخوان جماعة صدر قرار بحلها ... ونشاطها ممنوع ...

- أنصحكم بالرجوع إلي بلادكم قبل أن تقعوا في قبضة مباحث عبد الناصر .

تراجعوا مهزومين ... قالت وهي تودعهم :

- سلامي إلي إخوانكم في السعودية ... وفي ... مصر .

قال لها زوجها :

- كيف عرفت أنهم دسيسة ؟

- الأمر واضح من أول الأمر ... الحيلة بدائية ... وغير محبوكة ... أحدهم يحمل في يده كتابًا ... لم يكن

سوي كاميرا ... حتى عدستها مثبتة بإهمال ومكشوفة .

قال لها : - أظن ... أنهم أرادوا توصيل رسالة لك ... ليس غرضها الإيقاع وتوريطك في مؤامرة لاغتيال عبد الناصر ... وإنما هي رسالة ... مغزاها ... المضايفة ... والضغط علي أعصابك ... والإرهاب ... عملية ترويض ... وكسر إرادة .

- صدقت ... يا حاج محمد ...".

2-وهذه صورة أخرى لذكاء الأخوات وحسن تصرفهن يحكيها الأستاذ عبد المنعم عبد الرؤوف قائلا:

"وقضيت ثلاثة ايام لم يشعر بوجودى احد وإمعانا فى التضليل كانت زوجتى تخرج كل يوم وتغلق باب الشقة من الخارج بالقفل, ولاحظت أن زوجتى منذ أن هربت أسدلت الستائر على جميع النوافذ, وبذلك أصبح من المستحيل لأى مراقب رؤية ما يدور داخل الشقة, كما أنها كانت تضم الستائر لأحد الجوانب فترة طويلة صباحا للتهوية ودخول الشمس, فاعتاد المراقبون على ذلك,ومن خلف هذه الستائر كنت أراقب الطريق العام ورجال التحرى المنبثين فى الشارع."

لله درها من زوجة ذكية .. فقد وفرت لزوجها الملاذ الآمن برغم كل ما في المحيط من أخطار .

3-وعندنا نموذج آخر لنفس الصفة يذكره عبد المنعم عبد الرؤوف....

"وفى شارع شبرا طلبت من يوسف طلعت أن يتوقف قليلا حتى أتصل بزوجتى بالهاتف, ولم تكد تسمع صوتى حتى فهمت الموقف وقالت: إنه هنا( تقصد الحارس البكباشى محمد خطاب) أنت عملتها طيب مع السلامة!!"

فالزوجة هنا قد نبهت زوجها من فورها وبتمويه رائع إلى خطورة عودته للمنزل وذلك لوجود الأمن فيه .


تاريخ مشرف واستلهام مطلوب

نعم إن استحداث واقع فعال لأجيال واعدة يجب أن ينطلق من استلهام هذا الماضي التليد الذي سطرته بأحرف من نور نساء فضليات عرفن معنى العطاء و البذل لهذا الدين فقدموا نماذج فريدة من الصمود والممانعة في وجه عصبة الشر ..

يقول الأستاذ عمر التلمساني :

" وما أحوجنا اليوم إلى أن تعرف المسلمة طريقها، وتقدر موقفها، فعليها يقع- بالدرجة الأولى- مسئولية التربية جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم" الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها".

والمرأة بفطرتها إن لم تدفع الرجل للخير، صارت عوناً له فى الشر، والمسألة تقاس بأضدادها، فكم من داعية تأخر بسبب زوجته، وكم من شاب ضاع بسبب تربية أمه، فحياة المسلم إما تقدم أو تأخر، والوقوف - بحد ذاته - تأخر، لقوله تعالى : { لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر } (المدثر:37). ... فيؤخذ منها أن المرأة إذا لم تدفع الرجل إلى التقدم بالخير وللخير، فإنه على تأخر، وإن زعم هو، أو ادعت هى، أنهما على خير ما داما بعيدين عن الشر والمعاصى، فدعوة الناس للخير أمر لابد منه، وواجب على كل مسلم ومسلمة، كل على حسب استطاعته"

فكيف أعددت نفسك ياابنة الإخوان تجاه الحرب الضروس التي تعيشها الجماعة الآن ؟.

إن الدعوة تحتاج إلى جرأة في الحق و قوة في حمل مهماتها .. من أجل ذلك لابد أن تكوني شجاعة ولا يخذّلنّك الشيطان .

فها قد وضعنا أمامك قصص رائدات الطريق ، فليكن ذلك لك عونا على مزيد من البذل والعطاء .. ولتكن لك حافزا على طريق الصمود و الثبات قصص الأخوات المعاصرات اللاتي يسرن في نفس طريق الفداء و الشموخ .

وماقصة أختنا سمية أشرف عنا ببعيد.. فقد أعطت القدوة العملية برغم صغر سنها في الجرأة على قول الحق ،والثبات على مبادئ الدعوة.

فاستمسكي أختاه يرعاك الله بعرى الدين .. واثبتي على درب الأولين .

كي تكوني ممن شملهم المولى عزوجل في قوله " سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار


المصادر


للمزيد عن الإخوان المسلمون والمرأة

من أعلام الأخوات المسلمات

.

.

أقرأ-أيضًا.png

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

تابع مقالات متعلقة

متعلقات أخرى

وصلات فيديو

.