عبد القادر الجزائري

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبد القادر الجزائري

بقلم: د. خالد الأحمد ... كاتب سوري

الأمير عبد القادر الجزائري

يقول الفيلسوف المسلم روجيـه الجارودي وذلك قبل إعلان إسلامه ، عندما كان رئيساً للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الفرنسي في عقد الستينات من القرن العشرين (كان كارل ماركس واقعاً تحت تأثير ( فيورباخ ) الألماني الملحد ، عندما قال كلمته المشهورة : الدين أفيون الشعوب ، ولو عرف كارل ماركس الإسلام لقال إنه ثـورة عالميـة) ...

ومن هذا المنطلق أريد أن أذكر بعض الأمثلة من التاريخ تبيـن أن الإسلام ثـورة إنسانية عالمية ، ثـورة ضد الظلم والاستبداد واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان ... وقد ذكرت شيئاً عن الحركة السنوسية في ليبيا ، و شيئاً عن معركـة ميسـلون ، ومعركة كفر تخاريم ، وكلاهما ضد المستعمر الفرنسي ، وكان العلماء المسلمون لحمة تلك المعارك .

وذكرت الحلقة الأولى عن العالم المجاهد بدر الدين الحسيني يرحمه الله . واليوم أذكر شيئاً عن الأمير عبد القادر الجزائري (السوري) الذي دفن في دمشق ، ثم نقلت رفاته بعد أكثر من قرن إلى الجزائر يرحمه الله تعالى ...

أذكرها اليوم ، وسوريا تفكر في سـن قانون للأحزاب ، يحرمون فيـه العلماء والدعاة المسلمين من تشكيل حزب سياسي لهم ، فهل كان العلماء متقاعسين عن الجهاد والنضال ضد المستعمر الفرنسـي ، أو المستبد المـتفرعن ، الذي كان الشباب المسلم أول وآخر من وقف في وجهـه وقالوا لـه (ياظالـم) وتحمل الشباب المسلم القمـع الرهيب الذي أودى بحياة عشرات الألوف من الناشطين المسلمين ... هل يحرم هؤلاء العلماء المجاهدون ، وهؤلاء الشباب الـبررة من حقهم في العمل السياسي !!!؟

ولادته

ولد عبد القادر بن محي الدين بن مصطفى الحسني الجزائري ، في قرية (القيطنة) من قرى إيالة (وهران) شمال غرب الجزائر ، في (23) رجب (1222) هـ الموافق (1807)م وتعلم في وهران وحج مع والده (1241هـ) فزار المدينة المنورة ودمشق وبغداد.

الاحتلال الصليـبي الفرنسـي للجزائر

ولما احتلت فرنسا الجزائر (1830) أراد أهالي وهران مبايعة والده الشيخ (محي الدين) شيخ الطريقة الشاذلية ، لكنه اعتذر لكبر ســنه ، فاتفق الوجهاء على ولده الأمير عبد القادر وكان عمره خمساً وعشرين سنة ، فسماه والده (ناصر الدين) ، وذلك بعد أن ظهرت عبقريته العسكرية في معركتي (خنق البطاح)

وخاصة في الثانية عندما قسم جيشه إلى خمسة فرق ، فرقتان للقتال ، وفرقتان للدفاع ، وفرقة كمنت وراء العدو ، فاجأته عند تقهقره وأبادته عن آخره ، واستولت على السلاح والذخيرة ... وكان الأمير عبد القادر يتقدم الصفوف حتى أن فرسـه أصيبت في الأولى بثماني رصاصات ، كما أصيبت بطعنة قاتلة في موقعة (برج راس العيون) ...

وكان جيشه منظماً على غرار الجيوش الأوربية الحديثة آنذاك ، بلغ عدده في أحد الأوقات (15300) جندي ، قسمهم إلى ثلاثة أصناف : الراكبون وسماهم (الخيالة) ، والمدفعيون وسماهم (الرمـاة) ، والمشـاة وسماهم (العسكر المحمـدي) . وكانت عاصمته مدينة (معسكر) في الغرب الجزائري ، وأحياناً مدينة (تاكدمت) في الغرب أيضاً ...

جهاده ضد الفرنسيين

كانت الفترة الأولى من (1832) وحتى (1839) وفيها احتل مدينة (تلمسان) واعترف له الفرنسيون بحكم غربي الجزائر ماعدا الساحل ، ثم عقدت معه معاهدة (تفنا) في (1938) وتخلت له عن حكم (وهران) ...

المرحلة الثانية حيث حشدت له فرنسا (200) ألف جندي بقيادة (بوجـو) الصليبي الحاقد على المسلمين ، فكانت ألأعمال الوحشية وسياسة الأرض المحروقة،

يقول (سنت أرنو) أحد معاوني (بوجو):

في ايار 1842، لقد كانت حملتنا تدميراً منظماً أكثر منها عملاً عسكرياً ، ونحن اليوم في وسط جبال (مليانة) لانطلق إلا قليلاً من الرصاص ، وإنما نقضي وقتنا في حرق جميع القرى والأكواخ ...

ويقول أيضاً

إن بلاد (بن مناصر) بديعة جداً ، لقد أحرقناها كلها ... كم من نساء وأطفال اعتصموا بجبال الأطلس المغطاة بالثلوج ، فماتوا هناك من الجوع والبرد ...
وفي حادثة (ولد رياح) عندما لجأ ألف مواطن جزائري إلى بعض الكهوف ، فانقض عليهم القائد الفرنسي (بلسييه) وأوقد النار على أفواه الكهوف ، فماتوا فيها اختناقاً ... وحيال ذلك تناقص سكان الجزائر من (4) مليون إلى (2) مليون خلال سبع سنوات فقط ...

وأمام ذلك كان لابد من إيقاف الحرب ، وخاصة بعد أن هادن سلطان المغرب (عبد الرحمن بن هشام) الفرنسيين ، بعد أن هددوه باستعمال القوة ، وتعهد أن يتخلى عن مناصرة الأمير عبد القادر ويخرجه من بلاده ، واضطر الأمير عبد القـادر للاستسلام في (1847) ونفي إلى (تطوان) ومنها إلى (أنبواز) ثم استقر في دمشق (1271هـ) وتوفي فيها عام (1883م) .

العلماء المجاهدون في الجزائر بعد الأمير عبد القادر

واحة الزعاطشـة جنوب بسـكرة سكانها ثلاثة آلاف مواطن مسلم ، زعيمها (بوزيان) ، استطاعت هذه الواحة رد الطوابير الفرنسية ، مما جعل فرنسا ترسل سبعة آلاف جندي تحت قيادة الجنرال (دي هربيون) ، وبعد حصار أربعة أشهر ، أمر القائد الفرنسي بحرق المنازل بعد إقفالها على السكان ، وقتل فيها (1500) مسلم في تشرين الثاني (1849م).

في واحتي (ورقلـة) و (الأغواط) ظهر زعيم ديني آخر يدعى (محمد بن عبدالله) أتى من طرابلس ، وقاد المسلمين ضد فرنسا ، لكن الجيش الفرنسي أدرك أهمية هذه الواحات للنفط ، فقضى على ثورتـه .

في عام (1864م) قامت ثورة (ولد سيدي الشيخ) ثم ثورة (محمد المقراني) ثم ثورة (الشيخ محمد الحداد) في جبال جرجرة عند السلمين البربر ضد الفرنسيين الصليبيين ، وشملت هذه الثورات بلاد زوادة وقسنطينة والجزائر (العاصمة) عام (1871م)

وكان أتباع الثورة هم اتباع الطريقة الرحمانيـة ، المنتشرة في بلاد القبائل (البربر واسمهم الصحيح الأمازيغ) ، وكان انتشار الطريقة أصلاً رد فعـل على المنصرين الذين ركزوا جهودهم في بلاد القبائل (الأمازيغ) .. وقد نجح الشيخ الحداد في التأثير على أتباعه الذين عرفوا ب (الإخوان) ، حتى صارت رابطة الطريقة الرحمانية مقدمة على رابطة القبيلة ، وهذا يعني أن الإسلام كان من عناصر الثورة الأولى .

سيطرت هذه الثورة على ثلثي الجزائر ، وعزلت جميع الحاميات الفرنسية في المنطقة ، ولكن الحاج (محمد المقراني) استشهد يرحمه الله عام (1871) ، وبعده انتهت الثورة بسبب تعاون أوربا كلها على الجزائر .

أما (بو مرزاق المقراني) الذي خلف أخاه في زعامة الثورة فكان أشد مراساً ، ظل يناضل حتى كانون الثاني (1872) ، وبعد إخضاع منطقة القبائل ، انتقل إلى الواحات الجنوبية (ورقلة وغردايا والأغواط ...) ولما تبعه الفرنسيون ، خرج إلى الصحراء مع من بقي من أتباعه ، واستمروا فيها إلى أن أهلكهم الجوع والعطش حتى التقطتهم وأسرتهم دورية فرنسية ...

ومن نتيجة هذه الثورة أن صدرت أحكام بإعدام (6000) مواطن جزائري من الثائرين ، ثم خفف الحكم عن بعضهم بالنفي إلى جزيرة (كاليدونيا) الجديدة ، وهي مستعمرة فرنسية في جنوب المحيط الهادي ، نفي إليها (500) من الثوار الجزائريين ...

وفي عام (1871) وصل الأمير محي الدين بن عبد القادر الجزائري ، وصل إلى الجزائر سـراً ، بعد أن اشتد الحرب بين فرنسا وألمانيا ، ودخل الجزائر متنكراً ، وبايعه السكان ، ووقعت معارك بينه وبين الجيش الفرنسي ، وحقق نصراً في عدة مواقع ، في الشرق الجزائري ، ولكن بعد نهاية الحرب بين ألمانيا وفرنسا ركزت الأخيرة جهودها وقضت على ثورة الشيخ محي الدين بن عبد القادر الجزائري ، فرجع إلى دمشق .

واستمرت الثورات الجزائرية يقودها العلماء ، حتى ثورة (1954) ، وقابلت كثيراً ممن شاركوا ثورة الفاتح من نوفمبر خلال عملي في الجزائر (1975 ـ 1979) ، وعرفت منهم أموراً كثيرة منها :

معظم القادة الميدانيين كانوا من حفظة القرآن الكريم مثل ( سي الحواس ، وبلعيد ، وعميروش، وغيرهم ...) .كانوا يطبقون أحكام الشريعة الاسلامية في أماكن تواجدهم ، في منطقة جبال باتنة وبسكرة ، وكانوا يجمعون الزكاة ويوزعونها حسب مصارفها ، وكانوا يجلدون من يشرب الخمر .... وكانوا يعرفون أنهم يجاهدون الكفار الصليبيين الذين يحاربون الإسلام والمسلمين ...

ومن متابعة مقالات الدكتور (توفيق الشاوي) التي نشرها في مجلة المجتمع خلال عقد التسعينات من القرن العشرين ، تبين أن فرنسا بقيت تقاوم الثورة الجزائرية ، حتى آلـت قيادة الثورة إلى العلمانيين والماركسيين بدعم من الاتحاد السوفياتي ، والحزب الشيوعي الفرنسي؛

وعندما أبعد العلماء والدعاة عن قيادة الثورة الجزائرية، وكان ذلك في مؤتمر وادي (الصومام) ، في أواخر العقد الخامس ، أو قبيل الاستقلال بقليل ... عندئذ انسحبت فرنسا وسلمت الجزائر لتلاميذها الذين ربتهم في مدارسها ، وكما تريد ، واستلموا الحكم ليحققوا ما عجزت الجيوش الفرنسية عن تحقيقه ... نقل لي الأخ مصطفى المقدم ، وكان من رجال (سي الحواس) في جبال باتنة انه قال لهم ذات يوم :

اطلبوا من الله أن يرزقكم الشهادة قبل الاستقلال ، قبل أن يأتي أولاد (الحركيين) (وهو مصطلح يطلقه الجزائريون على المتعاونين مع الفرنسيين)، يأتي هؤلاء أولاد الحركيين الذين أبعدوهم عن ساحة المعركة ، وأدخلوهم في المدارس الفرنسية ، وأهلوهم لاستلام الحكم بعد الاستقلال ... واستشهد (سي الحواس) غدراً عندما اغتيل في طريقه إلى تونس لحضور اجتماع لقادة الثورة فيها ...

وقد شاهدت بعيني ، ماقاله (سي الحواس) يرحمه الله ، خلال خدمتي في الجزائر ...ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ...

الأمير عبد القادر الجزائري يحمي أهل الذمـة في الشام

في هذه الفتنـة التي وقعت في بلاد الشام ، ذهب خلق كثير ، واستطاع الأمير عبد القادر أن ينقذ أكثر من خمسة عشر الفاً من النصارى بعث بهم إلى منازله التي غصت بهم .

حتى انه أخذ مفاتيح قلعة دمشق ، ووضع بها كافة نصارى البلد ، يقدم لهم الطعام والشراب على حسابه الخاص لمدة خمسة عشر يوماً ، وكان لذلك دور كبير في وقف الفتنـة وإطفاء نارها ، ورجع عند ذلك عشرة آلاف جندي فرنسي إلى فرنسا بعد أن كانوا في مراكبهم يستعدون لنسف بيروت بقنابلهم المدمرة ...

وكان لموقف الأمير عبد القادر الاسلامي الانساني صدى في هذه الفتنـة ، صدى في الأوساط العالمية ، فأتتـه رسائل شكر مصحوبة بالأوسمة ، وشارات الفخر والتقدير ، من جميع ملوك ورؤساء الدول العالمية ، ونوهت به كبريات الصحف العالمية وأشادت بخصاله الكريمة ، ومواقفه الانسانية ...

ولم يتصرف الأمير عبد القادر لأجل حماية النصارى إلا التزاماً بدينـه الذي يقضي على المسلمين حماية أهل الذمـة ، الذين يقطنون في بلاد المسلمين ... والأمير عبد القادر متفقه في الدين ، ويعلم حدود ما أنزل الله ، ويعرف واجب المسلمين نحو أهل الذمـة ... وهو توفير الأمن والحماية لهم ... وصون دمائهم وأموالهم وأعراضهم وكنائسهم ... وكل ماتم الاتفاق عليه في عقد الذمـة ...