عبد المنعم عرفات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبد المنعم عرفات .. المجاهد الخفي

بقلم: جمال ماضي

مقدمة

نحو 60 عامًا أفناها بين الجهاد والدعوة، فلم يصرفه اعتقال ولا تهديد بالإعدام عن رسالته في تربية الأجيال، ولم يشغله حتى مرض الموت عن الاهتمام بدعوته والنصح لها.


وفي يوم رمضاني جميل، زرت المجاهد الخفي عبد المنعم عرفات (رحمه الله) في بيته، بصحبة الحاج مسعود السبحي والدكتور محمود عزت، بعد إجرائه عملية قلب، وحظر الأطباء حركته إلا في نطاق غرفته، ورغم الداء كان قلبه أكثر حركةً من أنشط الشباب؛ ما بدا في سؤاله عن الدعوة وما تمر به من أحداث، وبما يقدمه من عصارة عمره وتجاربه وخبرته في نصائح غالية، مجددًا عهده، ليؤكد أن هذه الدعوة ستظل شامخةً برجالها وما يقدمونه من تضحيات.


المولد والنشأة

حين كان يقال له: إنه من الرعيل الأول، كان يقول: "أنا من الرعيل المتوسط، أنا من جيل الوسط"، فهو من مواليد 6/1/1934م بمحافظة البحيرة، وأتمَّ دراسته الثانوية بمدرسة طنطا الثانوية الحديثة، ثم انتقل منها إلى الإسكندرية عام 1952م، ليلتحق بكلية الآداب قسم الدراسات النفسية والاجتماعية.

عمل مدرسًا بصعيد مصر ثم مدرسًا بمدرسة المرقسية الثانوية بالإسكندرية، حصل على الماجستير في عام 1974م عقب خروجه من السجن، وانتقل للعمل محاضرًا لمادة الثقافة الإسلامية في كلية العمارة والتخطيط بالسعودية، ثم إلى جامعة محمد بن سعود بالرياض حتى عام 1983م.

وعاد إلى مصر ليعمل بمدرسة "العروة الوثقى" الثانوية، وصاحب زوجته رحمها الله في إعارتها إلى الإمارات حتى عاد إلى مصر عام 1994م، ليتفرغ للعمل في الدعوة حتى مرضه الأخير.

رزقه الله بثلاثة أولاد قبل اعتقاله في محنة 65 (ابنًا وبنتين)، وأربعة بعد خروجه من المعتقل (ابن وثلاث بنات).

ميلاد إخواني

(يقول: علاقتي بالإخوان من الميلاد).. ذلك أنه التحق منذ صغره بشعبة الإخوان التي تربَّى فيها بقريته بالبحيرة، فقد كان عمه مسئول الشعبة، ولم يكن له سوى البيت أو المسجد والشعبة.

وعندما بلغ الرابعة عشرة من عمره، استيقظ على قضية فلسطين في عام 1948م؛ حيث كان عمه وشقيقه من أوائل المتطوعين في حرب فلسطين، فهم أسرة العمدة وعائلته، فعاش البيت والعائلة كلها أحداث فلسطين وجهاد الإخوان عام 1948م.

وبعد عام 1954م واعتقال قيادات الإخوان آنذاك، نظَّم الطلبة لقاءاتٍ في مجموعات غير معلنة، حتى تخرج من الجامعة؛ فكان نصيبه أن يعمل مدرسًا بالصعيد، أما إجازاته فكان كالطائر الذي يهوي إلى عشِّه بعد السعي والكفاح، فكان نصيب الإسكندرية هو هذا العش الدافئ مع إخوانه، يتجمعون على محبة الله، ويلتقون على طاعته، دفعًا لدعوته، ونصرة لشريعته تعالى.

"كان الإخوان في المحاكمات كأنهم في عرس" هذه العبارات من كلماته النيرات، التي طالما كان يردِّدها على جموع الإخوان، منذ اعتقل من مدرسة المرقسية الثانوية بالإسكندرية في محنة 65؛ حيث كان يعمل مدرسًا بها، وكان اسمه في الادعاء الأول الذي كان يحوي 39 أخًا، على رأسهم الشهيد سيد قطب.

لقاء في الجنة

يروي لنا الأستاذ عبد المنعم قائلاً:

وكانت المحاكمات فرصة للحديث مع الأستاذ سيد قطب، الذي كان يجلس في الصف الأول، وكان يبادل الإخوان بنظرات الحب، قائلاً لهم: "لو كنتم تحبونني بمثل ما أحبكم لحرصتم على أن نلتقي في الجنة".
وكان الأستاذ سيد قطب هو المتحدث عنهم في المحاكمات، فإذا قيل له: اتكلم عن الشهداء، اتكلم عن التعذيب، يرد عليهم بهدوء الواثق بأمر ربه: "طوَّل بالك هذه الدعوة لم تقدم بعد ما يكفي من الشهداء"، مقارنة بشهداء غزوة أُحد السبعين.

من الإعدام إلى المؤبد

بعد تخفيف حكم الإعدام عليه إلى السجن المؤبد، قضى سنتين في السجن الحربي من عام 65 إلى 67، كان يستعذب الآلام وقسوة التعذيب الـ"لا آدمي" في سبيل الله تعالى، راضيًا بقدره، واثقًا في نصره لدعوته.

ث:م رُحِّل في عام 68 إلى سجن مزرعة طرة، وكانت فرصة للالتقاء بالإخوان القدامى الذين أنهَوا مدَّتهم، ولكن صدرت الأوامر باعتقالهم وفقًا للقاعدة الظالمة: "يرحل إلى الاعتقال بعد انتهاء مدة الحبس".

ويقول الأستاذ عبد المنعم عرفات واصفًا سجن مزرعة طرة بابتسامة خافتة:

"ملاكي خالص"، لما رآه في السجن الحربي من أهوال، ومع ذلك بدأت مشكلة التكفير في الظهور، والتي أنهاها فضيلة المرشد حسن الهضيبي بمذكرته التي حدَّدت المفاهيم، كما روى لنا الأستاذ عبد المنعم عرفات.
وبصفته كان معلمًا، شارك الأستاذ عبد المنعم في العمل التعليمي داخل السجن لكل المستويات، محو الأمية ابتدائي وحتى الجامعة، إلى أن توقف هذا النشاط مع بدء خروج الإخوان المعتقلين والسنوات الخفيفة، ولم يبقَ إلا الأشغال الشاقة المؤبدة، الذين كان مجاهدنا واحدًا منهم.

رفيق المرشدين

ومن الذين تأثر بهم في هذه الفترة اثنان من الإخوان، يقول:

"لقد تأثرت بجميع الإخوان، إلا أن أكثرهم تأثيرًا اثنان؛ كان الأول: الأستاذ محمد حامد أبو النصر؛ لأنه شخصية عملية، وتنازل عن غناه وثروته في سبيل دعوته، ولم يستجب لمحاولات عبد الناصر؛ حيث كان يتمتع بشخصية قوية، أما الثاني فكان الأستاذ محمد مهدي عاكف؛ حيث كان المدرِّب الرياضي للإخوان، فحفظ علينا صحتنا طوال فترة الحبس.

"الإخوان في خير وإلى خير وعلى خير".. هكذا دائمًا كان يردِّد هذه الكلمات وهو يزاول نشاطه الإخواني بالإسكندرية؛ حيث كان عضوًا بالمكتب الإداري بالإسكندرية، ومحاضرًا في حديث الثلاثاء بمسجد عصر الإسلام، ورغم التضييق الشديد على دعوة الإخوان كانت تأتي كلماته هذه بمثابة القوة الدافعة للإخوان، في الاستمرار والعمل المتواصل.

وكان حريصًا على تربية الجيل الجديد من الإخوان، فمن وصاياه للإخوان:

"أوصي إخواني بالصبر والثبات والتقوى وحسن الخلق"، وكان يقول: "الداعية بحسن الخلق أعظم تأثيرًا من خطبة رنانة، فقد انتشر الإسلام بحسن الخلق وليس بالدعاية والإعلان"، و"بتقوى الله وحسن الخلق والصبر والثبات تتقدم دعوتنا"، وكذلك قوله: "من نافلة القول أن نقول الآن: إن المحن ما هي إلا منح، فالمجاهدون ذاقوا حلاوة المحن، ولا بد للدعاة اليوم من التربية في مثل هذا الجو".

وطالما كان يخاطب المتسرعين من الإخوان والدعاة بهذه الكلمات التي هي عصارة سنوات حياته من الدعوة والسجن والسفر والتضحيات والجهاد، قائلاً:

  1. صاحب الدعوة لا بد أن يعلم أن هذا الطريق مرسومة خطواته ولن يستبق هذه الخطوات ولن يقطف الثمرة قبل نضجها.
  2. التدرج مطلوب في طريق الدعوة، والصبر هو زادنا في هذه الخطوات، كان يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن ينتصر بمعجزة، ولكنه انتصر بجهده وجهود من معه حتى انتصرت الدعوة.
  1. يقول تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِيْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ) (الزخرف: 43)، فكن عضوًا على هذا الطريق، مهما تكن عقباته وعراقيله، فنحن مسئولون عن العمل وليس النتائج.

المصدر