فهمي هويدي يكتب : ذكرى رابعة وأسئلة الحاضر والمستقبل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فهمي هويدي يكتب : ذكرى رابعة وأسئلة الحاضر والمستقبل


( 8/18/ 2015 )

فهمي هويدي

حلول الذكرى الثانية لفض اعتصامات رابعة العدوية أبقى على الملف مفتوحا، وأثار بعضا من الأسئلة المتعلقة بالحاضر والبعض الآخر بآفاق المستقبل.

(١)

حظيت الذكرى الثانية لفض اعتصام رابعة (١٤ أغسطس ) باهتمام ملحوظ هذا العام، تجاوز بكثير ما جرى فى العام الماضى. صحيح ان خطاب كتائب الإبادة ظل كما هو، حيث كرر مقولات التبرير والتنديد بالضحايا، إلا أن الاهتمام الذى أعنيه رصدت مؤشراته خارج تلك الدائرة.

فقد تابعنا تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش الذى استعرض أحداث العام الأخير وطالب بإجراء تحقيق دولى فيما جرى عام 2013 .

فى ذات الوقت وجدنا أن اثنين من الباحثين فى جامعة أوكسفور البريطانية أجريا بحثا عن خلفيات ٧٠١ ضحايا المذبحة، درسوا فيه خلفياتهم الاجتماعية وتوزيعهم الجغرافى وخلصا من ذلك إلى عدة نتائج مهمة أبرزتها صحيفة «واشنطن بوست» فى مناسبة الذكرى الثانية.

ذلك إلى جانب التعليقات والتحليلات التى نشرتها مختلف الصحف الأمريكية والأوروبية.

الأصداء الداخلية كانت أهم. ذلك أن أصوات العقلاء فى مصر علت بدرجة ملحوظة. وأهم ما ميزها أمور ثلاثة.

الأول التفرقة بين ما هو سياسى وما هو إنسانى وأخلاقى. بمعنى أن المختلفين سياسيا ظلوا على مواقفهم، لكنهم أعلنوا إدانتهم للانتهاكات التى حدثت فى فض الاعتصامات التى أوقعت ذلك العدد الكبير من الضحايا ــ الثانى رفض تعميم الإدانة والاتهام على كل المنتمين إلى الإسلام السياسى، والتفرقة بين عموم الإخوان وشباب الإسلاميين.

الثالث الدعوة إلى الاصطفاف الوطنى واستعادة أهداف ثورة 25 يناير عام 2011 والتنبيه على أن الصراع فى جوهره ليس بين السلطة والإخوان، ولكنه بين الثورة وبين الثورة المضادة.

الحوار الحاصل فى دوائر اليسار المصر ى بهذه المناسبة جدير بالملاحظة، خصوصا بعد البيان الذى أصدره الاشتراكيون الثوريون وتضمن بعض المعانى التى أشرت إليها، الأمر الذى أثار جدلا بين عناصر اليسار لايزال مستمرا حتى الآن، بين مؤيدين للتفاعل مع شباب الإسلاميين ضمن القوى الوطنية المدعوة للاحتشاد، وبين متحفظين ورافضين لما سمى بـ«أخونة» الحركة الوطنية وتجاهل التناقضات بين قوى اليسار وبين مجموع التيار الإسلامى.

استوقفنى فى هذا الصدد تحليل رصين كتبه الأستاذ سامح نجيب ــ أحد مثقفى اليسار البارزين ــ نشر على موقع «الاشتراكى» فى ذكرى فض الاعتصام (١٤/٨) ومما قاله ان شهداء رابعة والنهضة والحرس الجمهورى والمنصة وجامع الفتح، هم شهداء الثورة المصر ية مثلهم مثل شهداء يناير 2011 وماسبيرو ومجلس الوزراء ومحمد محمود.

(٢)

تتعدد القرائن الدالة على أن الملف لم يغلق كما يتصور البعض، لكنه لايزال مفتوحا والاهتمام به يتزايد.

على الأقل فيما يخص حقائقه التى طمس بعضها وشوه البعض الآخر وقدمت لها الآلة الإعلامية صياغات جديدة اقتضتها الملاءمات السياسية.

إلا أن جهدا كبيرا بذل فى عملية التوثيق شاركت فيه أطراف عدة من الباحثين والحقوقيين المعنيين.

وكانت السير الذاتية التى توفرت خلال عملية التوثيق التى قام بها خبراء ونشطاء موقع «ويكى ثورة» المستقل هى الأساس الذى اعتمد عليه باحثا جامعة «أوكسفورد» فى دراستهم للخلفيات الاجتماعية للمئات السبع من شهداء الاعتصام، ومنا استخلصوا ــ مثلا ــ أن أغلبهم من عناصر الطبقة الوسطى، وليسوا من الطبقات الدنيا كما أشيع، كما أنهم قدموا من ٣٣٣ منطقة مختلفة فى أنحاء مصر .

رغم الأهمية المعرفية ــ والسياسية أيضا ــ لتحرير وتحقيق ما جرى قبل سنتين، وهو ما قد يستغرق وقتا طويلا لأسباب مفهومة، إلا أن أسئلة الحاضر والمستقبل تظل معلقة فى الفضاء، وتطرح نفسها بقوة فى المناسبة.

بعض تلك الأسئلة تتعلق بخرائط الصراع ومؤشراته، وما إذا كانت تلك المؤشرات تتجه إلى الصعود أو الهبوط والبعض الآخر يتعلق بسيناريوهات المستقبل.

هناك ثلاثة مداخل لقراءة خرائط الصراع. الأول تقليدى وتاريخى، يتمثل فى فكرة الإبقاء على الأزمة التى تتمثل فى التحذير من تهديدات الخطر المحدق داخليا كان أم خارجيا.

وهى الأجواء التى ترفع درجة التوتر فى المجتمع وتمثل نوعا من الطوارئ السياسية، التى تسوغ الإجراءات الاستثنائية.

كما انها تلهى الجماهير عن مشكلاتهم الحياتية بدعوى ضرورة الانصراف إلى مواجهة الخطر الذى يهدد كيان المجتمع ويرنو إلى إسقاط الدولة والنظام.

وفكرة استدعاء الخطر هذه شائعة فى المجتمعات غير الديمقراطية لأنها تسوغ تشديد قبضة السلطة وتصفية معارضيها الذين يصنفون ضمن الطابور الخامس.

المدخل الثانى لقراءة الوضع الراهن يتمثل فى زاوية الصراع بين السلطة من ناخية والإخوان والإرهاب من ناحية ثانية.

وهو ما استصحب حديثا مستمرا عن مؤامرات الداخل وتوجيهات التنظيم الدولى، ومخططات أجهزة المخابرات العالمية.

وهذه القراءة تستحضر النقاش فى حوادث وضحايا فض الاعتصامات وأعداد المعتقلين والمحاكمات الجنائية والعسكرية ومصير أحكام الإعدام والتعذيب فى السجون وما إلى ذلك.

المدخل الثالث يمكن اختزاله فى علاقة السلطة بالمجتمع وموقفها من قضية الحريات العامة ومنظمات المجتمع المدنى، إضافة إلى استخدام سلطة التشريع فى إصدار سلسلة من القوانين التى تعيد نظام الطوارئ وتعزز قبضة السلطة على نحو يتجاوز قيود الدستور وضوابطه.

أزعم أن القراءة الصحيحة للوضع القائم تفرض على الباحث أن يتطرق إلى المداخل الثلاثة جنبا إلى جنب، فلا يستطيع أن يتجاهل مبالغات الخطاب السياسى والإعلامى فى الحديث عن الإرهاب والتشديد على فكرة أن مصر تخوض حربا ضد الذين يريدون إسقاط الدولة.

فى الوقت ذاته فإن ملف الجماعات الإرهابية لا يمكن تجاهله، وإنما يتعين الوقوف أمامه طويلا للتعرف على هوية الأطراف المشاركة فيه ومقاصدها الحقيقية.

وهل بمقدور تلك الأطراف حقا أن تتحدى الدولة تعمل على إسقاطها كما حدث فى دول أخرى، أم أن الحاصل هو مجرد رسائل للثأر والانتقام والمشاغبة على الدولة.

المستوى الثالث الذى يخص علاقة السلطة بالمجتمع هو الأهم فى رأيى لأنه يتناول مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان فى البلد، كما أنه يمس حق المجتمع فى المشاركة فى السلطة وتداولها، إلى جانب حقه فى المساءلة الغائبة.

كما أنه يشكل أرضية للقاء مع مختلف القوى الوطنية باختلاف منطلقاتها الفكرية. ومن شأن القراءة على ذلك المستوى أن تفتح الباب واسعا لمراجعة القوانين المقيدة للحريات وفتح حوار حول أولويات المشروعات التنموية الكبرى فى ضوء مدى الحاجة إليها والأطراف المستفيدة منها.

(٣)

أسئلة المستقبل من الأهمية بمكان. فمنها ما يتعلق بمصير المجتمع المدنى الذى تعلقت به الأنظار يوما ما. والمدنية التى أعنيها تتعلق بشكل السلطة ومؤسسات المجتمع والقوى الفاعلة والحية فيه.

ومنها ما يتعلق بمآلات إدارة الدولة ومدى اعتمادها على الحلول السياسية أو الأمنية.

إضافة إلى آفاق وخيارات حل أزمة الانقسام الحاصل فى المجتمع والاحتقان المخيم على الفضاء العام. بالتوازى مع ذلك فمستقبل العنف الحاصل فى المجتمع ينبغى أن يخضع لدراسة متأنية ومعمقة. ذلك أننى أخشى أن نعمد إلى تأجيل التفكير فى هذه المسألة بحجة الانشغال بتحديات الحاضر.

وهو ما من شأنه أن يوسع من دائرة العنف ويؤججه، من خلال إضافة شرائح جديدة إلى صفوفه. الأمر الذى ينبغى ألا يستبعد فى ظل انسداد الأفق السياسى وفقدان الأمل فى المراهنة على الحلول السلمية.

فى هذا الشق الأخير فإن التفكير فى المستقبل يستدعى مراجعة أمور عدة منها مثلا: هل من الحكمة أن يخوض النظام معركة ضد المنظمات الحقوقية وجماعات الإسلام السياسى، وان يستمر الاشتباك حادا مع المدافعين عن حقوق الإنسان وفصائل الاعتدال فى تيار الإسلام السياسى؟

وهل من المصلحة أن توضع فى سلة واحدة الجماعات الإسلامية المختلفة مع السلطة، وان يتهم الجميع بالإرهاب دون تيميز بينهم.

الأمر الذى يورث حالة من اليأس تدفع المعتدلين والمترددين إلى الانخراط فى العنف؟

وحين تخوض السلطة معركتها على الجبهة الواسعة للإسلام السياسى، مستهدفة إقصاءه أو الاستجابة لدعوات إبادة فصائله، فما هو البديل المرشح لملء الفراغ الذى ينشأ عن ذلك؟ ــ وهل نستغرب فى هذه الحالة إذا انحصرت البدائل فى الاتجاهات السلفية كحد أدنى وفى الانحياز إلى داعش ونظائرها كحد أقصى؟ ثم، ألا يشكل ذلك مناخا مواتيا لانتشار الجماعات السرية التى يمكن أن تخرج علينا من حيث لا نحتسب؟

(٤)

لا أستطيع أن أتجاهل فى هذا السياق مقالة نشرتها جريدة الحياة اللندنية فى ٢٥/٦ عنوانه هو: الأحكام القضائية بين الرئيسين عبدالفتاح السيسى وفؤاد شهاب، صاحب المقالة هو الكاتب اللبنانى الأستاذ عبدالرحمن عبدالمولى الصلح، الذى ذكر فى نصه ما يلى: أحكام الإعدام التى صدرت فى مصر ذكرتنى بأجواء محاكمة أخرى هى نقيض أجواء محاكمة القاهرة. ذلك أن المتهمين اللبنانيين كانوا قد أدينوا بمحاولة انقلاب أعدوا لها ليل ٣٠ ــ ٣١ عام 1916.

حين قام الحزب القومى السورى بمحاولة انقلاب استهدف إطاحة رئيس الجمهورية فؤاد شهاب ووصل عدد المشاركين فى المحاولة الانقلابية إلى ١٧٩ فردا منهم ١١ عسكريا خاصة. لكن الراحل الكبير الرئيس اللواء فؤاد شهاب، العسكرى الديمقراطى، رفض تلك الدعوات وأصر على أن يرأس محكمة التمييز (الاستئناف) العسكرية قاض مدنى على أن يكون أعضاؤها من الضباط العسكريين.

وكلفت المحكمة بالنظر فى أحكام الإعدام التى سبق أن أصدرتها محكمة عسكرية ابتدائية.

لكن رئيس المحكمة المدنى (اميل أبوخير) رفض أحكام الإعدام لأن الجريمة سياسية.

بالتالى رفض الرئيس شهاب توقيع مراسيم الإعلام تأييدا لرأى القاضى اميل أبوخير، وفى نهاية عهده أصدر الرئيس شهاب مرسوما قضى بإبدال الإعدام بالحكم المؤبد.

ولاحقا فى عهد الرئيس شارل حلو، الذى يعد فى بداياته تتمة لعهد الرئيس شهاب صدر عام 1969 عفو شامل عن المحكومين.

تمنى الكاتب على الرئيس عبد الفتاح السيسى أن يحذو حذو الرئيس شهاب العسكرى الديمقراطى تجنبا لإراقة الدماء وتعزيزا للمسار الديمقراطى والوحدة الوطنية. وهو الذى وظف القانون كآلية للإصلاح وليس للانتقام أو التشفى. والكلام له وليس لى.

المصدر