مسائل في الاجتهاد والفتوى لفضيلة الشيخ فيصل مولوي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مسائل في الإجتهاد والفتوى

بقلم: فضيلة الشيخ/ فيصل مولوي


مقدمة

موضوع الفتوى والاجتهاد يشمل كثيرًا من الأمور التي فصلها العلماء، فلا أجد حاجةً لتناولها بشكل شامل، فأكرر ما هو معلوم عندنا جميعًا، لكني سأكتفي بعرض مسائل محددة أوضِّح فيها بعض الالتباسات، مما يساعدنا في ممارسة الفتوى، أو الاجتهاد بالقدر الذي نستطيعه، ودون خروج على الضوابط الأصولية المعروفة.

المسألة الأولى: في تعريف الاجتهاد.

المسألة الثانية: الفتوى وشروطها.

المسألة الثالثة: في شروط المجتهد.

المسألة الرابعة: التعبد والتعليل.


المسألة الأولى: في تعريف الاجتهاد

الاجتهاد في اللغة هو: بذلُ الجهد للوصول إلى أمر من الأمور أو فعل من الأفعال، أما علماء الأصول فقد كثر خلافهم حول تعريفه، وأكثرهم يقول: "الاجتهاد هو بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظني".

بهذا التعريف تخرج الأحكام الشرعية القطعية، وهي مما عُلِم من الدين بالضرورة؛ لأنه لا يجري فيها الاجتهاد أصلاً، ويحصر مجال الاجتهاد في الأحكام الشرعية الظنية، سواءٌ بنيت على دليل من القرآن الكريم قطعي الثبوت أو ظني الدلالة، أو بنيت على سند من السنة الشريفة ظني الدلالة، وقد يكون ظني الثبوت أيضًا، أو بنيت على دليل شرعي آخر كالمصالح المشروعة أو مقاصد الشريعة أو غيرها.

هذا التعريف يحصر الاجتهاد في تحصيل الأحكام الشرعية، لكن بعض الأصوليين يوسعون تعريف الاجتهاد ليشمل تطبيق الأحكام الشرعية، وليس فقط استنباطها.

وقد ذكر ذلك الشيخ "محمد أبو زهرة"- رحمه الله- فقال في كتابه (أصول الفقه): "ويعرف بعض العلماء الاجتهاد بأنه استفراغ الجهد، وبذل غاية الوسع إما في استنباط الأحكام الشرعية أو تطبيقها"، ولم يذكر من هم هؤلاء العلماء.

إنّ الاجتهاد في تطبيق الأحكام الشرعية لا يخلو منه عصر من العصور، وهو يسمى (تحقيق المناط)، وهو لا يقل أهميةً وخطرًا عن استنباط الأحكام من أدلتها الشرعية، لأنه قد يؤدي في ظروف معينة إلى القول بإيقاف تطبيق الحكم الشرعي، والانتقال إلى حكم شرعي آخر، وهذا هو مجال الإفتاء.


المسألة الثانية: الفتوى وشروطها

الفتوى حسب اصطلاح الفقهاء هي "الإخبار بحكم الله تعالى عن الوقائع بدليل شرعي، فهي إذًا حكم الله المتعلق بواقعة معينة".

هذا الحكم الشرعي المتعلق بإنسان معين أو ظرف محدد، قد يختلف عن الحكم الشرعي الأساس الثابت في القرآن الكريم، أو في السنة المطهرة أو باجتهاد المجتهدين، لأنَّ الواقعة الحادثة قد تتعلق بها ظروف تنقل حكم الله من النص المتعلق بها إلى نص آخر، أو من الاجتهاد إلى اجتهاد آخر، أو تضطر المفتي إلى الموازنة بين حكمين شرعيين واختيار أحدهما في حال التزاحم.

لهذا فقط اتفق العلماء أن من أهم شروط الفتوى، معرفة واقعة الاستفتاء أولاً؛ حتى يمكن معرفة الحكم الشرعي المتعلق بها، كما ذكر كثير من علماء أصول الفقه ضرورة معرفة مدى أثر الفتوى سلبًا أو إيجابًا؛ لأن معرفة المآل قد تغير الحكم الشرعي إلى حكم شرعي آخر.

يقول الإمام "الشاطبي" في (الموافقات): "النظر في مآلات الأفعال معتبرٌ مقصودٌ شرعًا، ذلك أنَّ المجتهد لا يحكم في فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو الإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعًا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تنشأ عنه، لكن له مآل- نتيجة- على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعًا من إطلاق القول بعدم المشروعية، وربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق، محمود الغبّ، جار على مقاصد الشريعة".

ولذلك يعتبر "الشاطبي" أن من خصائص المجتهد الرباني الحكيم الراسخ في العلم الفقيه العامل "أنه ناظر في المآلات قبل الجواب عن السؤالات، وغيره يجيب على السؤال وهو لا يبالي بالمآل"، ومعنى ذلك أن الواجب من حيث الحكم الشرعي الأصلي قد يصبح حرامًا في ظرف معين إذا كان يؤدي إلى حرام، وأن المباح المشروع من حيث الحكم الأصلي الشرعي قد يصبح حرامًا في ظروف معينة بسبب النتيجة التي قد تحصل منه، بل إن الحرام من حيث الحكم الشرعي الأصلي قد يصبح جائزًا أو واجبًا، إذا كان يؤدي في ظرف معين، إلى درء ضرر أكبر أو حرام أشد، وقد ذكر "الشاطبي" لتأييد هذا الرأي الكثيرَ من الأمثلة التي يمكن الرجوع إليها.

نخلص من ذلك إلى أن الحكم الشرعي الأصلي هو حكم مطلق يتناول جميع الظروف بالإجمال، أما الفتوى فهي تتناول الحكم الشرعي في ظرف معين أو واقعة محددة، وقد يختلفان.


المسألة الثالثة: في شروط المجتهد

أجمع علماء الأصول على ضرورة توفر الشروط التالية فيمن يتصدَّى للاجتهاد:

  • العلم بالعربية، وهو يشمل علوم النحو والصرف والبلاغة.. بمقدار ما يتصل منها بنصوص الشرع.
  • العلم بأحكام القرآن، وخاصةً الناسخ المنسوخ، وأسباب النزول واختلاف القراءات وعلم التفسير.
  • العلم بالسنة، وهو يشمل علوم مصطلح الحديث والجرح والتعديل وموارد الأحاديث.
  • العلم بمواضع الإجماع والخلاف.
  • العلم بأصول الفقه، وخاصةً أوجه القياس وطرائقه فهي أهم طرائق الاجتهاد، وقد اعتبر "الشافعي" أن الاجتهاد هو العلم بأوجه القياس وطرائقه، وهذا ما توافق عليه أكثر علماء الأصول القدماء والمعاصرين، لكن الإمام "الشاطبي" وضع لتحصيل درجة الاجتهاد شرطَين اثنين:
  • الأول: فهم مقاصد الشريعة على كمالها، وأنها مبنيةٌ على اعتبار المصالح، وأن المصالح في نظر الشرع ثلاث مراتب: الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات.
  • الثاني: تمكن الاستنباط من الشريعة بناءً على فهمه فيها، والاستنباط لا يكون إلا بواسطة معارف محتاج لا في فهم الشريعة، هذه المعارف قد يكون المجتهد عالمًا بها إلى حد الاجتهاد فيها، وقد يكون حافظًا لها غير بالغ رتبة الاجتهاد فيها، وقد يكون غيرَ حافظ ولا عارف، لكنَّه يعلم متى يحتاج إليها ويلجأ إلى أهل المعرفة بها ولا يقضي إلا بمشورتهم.
  • هذا الشرط الثاني اعتبره "الشاطبي" بمثابة الخادم للشرط الأول، ومع اعتقادنا بصحة الشروط التي وضعها علماء الأصول للمجتهد إلا أننا نعتقد مع الإمام "الشاطبي" أن فهم مقاصد الشريعة على كمالها هو الشرط الأول والأهم، والذي به تصبح العلوم الأخرى عند المجتهد قادرةً على استنباط الأحكام الشرعية بما يتلاءَم مع كمال الشريعة.


المسألة الرابعة: التعبد والتعليل

هل الأصل في الأحكام الشرعية التعبُّد أو التعليل؟

من المعروف أن الله تعالى هو الخالق، وهو الذي يستحق العبادة، وأن علينا طاعته في جميع أوامره ونواهيه قيامًا بواجب العبودية، وبالتالي فإن المسلم ينفذ الأحكام الشرعية تعبُّدًا لله، سواءٌ علم حكمتها أم لم يعلم، لكن العلماء تتبعوا نصوص الأحكام الشرعية في القرآن الكريم والسنة المطهرة فوجدوا أكثرها يشير إلى الغاية التي أرادها الله تعالى من تشريعها، أو إلى الحكمة أو المصلحة التي تؤدي إليها، كما وجدوا أن هذه الغاية أو الحكمة أو المصلحة تكون أحيانًا هي (العلة) بالمعنى الأصولي لهذا الحكم؛ ولذلك اختلفوا.. هل الأصل في الأحكام التعبد أم التعليل؟ بمعنى هل الله- تعالى- يشرع لنا الأحكام لمجرد التعبد، أو أنه مع التعبد فهو يشرعها لحكمة أو مصلحة أو علة؟ وفي هذه الحالة ما هي العلاقة بين الحكم وعلته؟

1- يمكننا أن نقول: إن الفقهاء اتفقوا- بما يشبه الإجماع- على أن العلة إذا وردت في النص في معمول بها، بمعنى أن المسلم عند تطبيق الحكم الشرعي يسعى إلى تحقيق علته.. هذا القول هو مقتضى رأي الظاهرية أيضًا.

يقول "ابن حزم":

"إن الشيء إذا جعله الله سببًا لحكم ما في مكان ما.. فلا يكون سببًا إلا فيه وحده لا في غيره، كما اتفقوا أن الغايات والمنافع والحكَم والمصالح المقترنة بالتعليل، كلها راجعةٌ إلى العباد، ويجب تنزيه الله- عز وجل- أن يعود إليه أي نفع منها.

2- وذهب جمهور الفقهاء إلى أن العلة إذا كانت مذكورة في النص يمكن تعديتها إلى حالات أخرى، أما إذا كانت مستنبطة بالاجتهاد، فقد اختلفوا في حصرها بالحالة المنصوص عليها، أو تعديتها إلى حالات مماثلة.

3- الأصل في العبادات عدم التعليل.. ثم لاحظ الفقهاء أن التعليل يكثر في باب العادات والمعاملات ويقل في باب العبادات، يقول الإمام "الشاطبي": "إن الشارع غلب في باب العبادات جهة التعبد، وفي باب العادات جهة الالتفاف إلى المعاني، والعكس في البابين قليل".. هذا هو رأي جمهور الفقهاء أيضًا، وهو أن الأصل في العبادات عدم التعليل، وخالفهم في ذلك الأحناف الذي يرون أن "الأصل التعليل حتى يتعذَّر"، وبناءً على ذلك قال أبو حنيفة-رضي الله عنه- عن نصوص الزكاة التي تبين الواجب إنها معللة بالمالية الصالحة لإقامة حق الفقير ومالَ إلى ذلك الإمام "الشافعي"، وهو من القليلين في التعليل عُمومًا، وفي تعليل العبادات خاصةً.

وقد ذكر الزنجاني- وهو شافعي- "معتقد "الشافعي"- رضي الله عنه- أن الزكاة مؤونة مالية، وجبت للفقراء على الأغنياء بقرابة الإسلام، على سبيل المواساة، ومعنى العبادة تبع فيها، وإنما أثبته الشرع ترغيبًا في أدائها.

على أن الدكتور "أحمد الريسوني" يميل إلى أن الأصل العام في الشريعة هو تعليلها بمصالح العباد، وأن العبادات لا تخرج عن هذا الأصل في أحكامها العامة، أما في أحكامها التفصيلية فهي تحتاج إلى تقدير محدد بالعدد، وإلى ضبط للكيفية، وغير ذلك مما يحتاج إلى التزام كامل ويغيب فيه التعليل، واستشهد تأييدًا لهذا الرأي بنصوص من القرآن والسنة، وبأقوال كثير من الفقهاء والأصوليين، منهم "الشاطبي" نفسه، و"ابن القيم"، و"المقري" و"الجويني" و"العضد الإيجي"، و"تاج الدين السبكي" و"الطوفي"، والشيخ "تقي الدين"، و"ابن قاضي الجبل"، واعتبر أن القول الشائع باعتبار عدم التعليل مذهب جمهور العلماء ليس دقيقًا، وأن الصحيح هو أن جمهور المتكلمين يرون عدم التعليل.

أما جمهور الفقهاء فهم يصرحون بالتعليل، ونقل قول الشيخ "تقي الدين" لأهل السنة في تعليل أفعال الله وأحكامه قولين:

والأكثرون على التعليل، وقول الدكتور "محمد مصطفى شلبي" بعد ذكر الحجج على أن أحكام الله معللةٌ بمصالح العباد، وقد وُجد إجماع أو شبهُ إجماع على هذه الدعوى قبل أن يولد المتخاصمون فيها، ثم نقل أقوال من أكد من العلماء وجود الإجماع على هذه المسألة، فذكر منهم: "الآمدي"، وهو أصولي شافعي متكلم، و"ابن الحاجب"، و"أشهب"، و"شاه ولي الله الدهلوي".

وذكر أن الزعم بأن "الرازي" يقول: إن أحكام الله ليست معللة البتة غير صحيح؛ لأنه يقول في (المحصول): "المناسبة تفيد ظن العلية، والظن واجب العمل به، ويقول في مناظرات "الفخر الرازي"، وأما بيان أن التعليل بالأوصاف المصلحية جائز، فهذا متفق عليه بين العقلاء.

ومن المعروف أن بعض نصوص العبادات ذكر التعليل في سياقها، كقول تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ وقوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾نص عريض وفي الزكاة ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ...﴾ وقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الذي وقصتْه الدابة وهو مُحرم: "لا تمسوه طيبًا، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا"، ومنها نهيُه- صلى الله عليه وسلم- عن صلاة النفل وقت غروب الشمس ووقت طلوعها؛ معللاً بأنها "تطلع وتغرب بين قرني شيطان".

وهناك أحكام أخرى في العبادات استنبط الفقهاء علتها، فأعملوا فيها القياس، وخاصةً الأحناف، كقولهم بجواز الخبث بكل مائع طاهر، قياسًا على الماء، وقولهم إن الماء المتغير بالطاهرات كالصابون والعطر يجوز به الوضوء، ولا يتعين المنصوص عليه في النوع ولا في عدد المساكين، بل يجوز إطعام مسكين واحد عن أيام الكفارة.

وقد نقل الدكتور "الريسوني" كثيرًا من هذه المسائل في كتابه المذكور، وقال عن فقه الزكاة "إننا لا نكاد نجد حكمًا من أحكامها إلا وقد أدخل عليه الفقهاء التعليل، إن لم يعلله هذا علله غيره، وكلها تعليلات مصلحية واضحة.

4- تعليل الأحكام يعني قابليتها للتغيير:

إذا كان الحكم الشرعي لا تعرف علته فيجب على المسلم الالتزام به تعبدًا لله تعالى، ومثل هذه الأحكام لا تكون موضعًا للقياس ولا للتغيير.

أما إذا كان معللاً فهو عند ذلك معقول المعنى ومفهوم، ويجري فيه القياس (الذي يأخذ به جمهور الفقهاء والمذاهب إلا الظاهرية)، كما يجري فيه تغيير، وذلك محصور فيما إذا كانت العلة قابلة للتغيير.

والعلة قد تكون ثابتة، كما لو قلنا: إن الإسكار علة تحريم الخمر، أو إن الغرر هو علة تحريم القمار، ففي مثل هذه الحالات لا يمكن أن يتغير الحكم، أما لو كانت العلة قابلة للتغيير بسبب ارتباطها بالأعراف أو المصالح أو العلوم، وتغيرت فعلاً، فإن الحكم الشرعي يتغير تبعًا لها؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ومن أمثلة ذلك:

أ- قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "الأئمة من قريش" ، ويظهر أن "عمر بن الخطاب" لم يكن يشترط النسب القرشي في الإمامة الكبرى، فقد قال: لو كان "سالم مولى أبي حذيفة" حيًا لاستخلفه، وذهب الخوارج وبعض الأشاعرة كـ"أبي بكر الباقلاني" إلى عدم اشتراطه، لكن الجمهور يشترطون هذا الشرط، وقد علله بعضهم بقوة قريش وعصبيتها وخضوع القبائل لها، فلما تغيرت الظروف وظهرت عصبيات أخرى أجاز الكثيرون أن تكون الامامة في غير قريش.

قال "ابن خلدون" في مقدمته: فإذا ثبت أن اشتراط القرشية إنما هو لدفع التنازع بما كان لهم من العصبية والغلب، وعلمنا أن الشارع لا يخص الأحكام بجيل ولا عصر ولا أمة.. علمنا أن ذلك إنما هو الكفاية فرددناه إليها، وطردنا العلة المشتملة على المقصود من القرشية، وهي وجود للعصبية فاشترطنا في القائم بأمر المسلمين أن يكون في قوم أولي عصبية غالبة، أما العلماء المعاصرون فأكثرهم لا يعتد بهذا الشرط لزوال علته.

ب- قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" ، فقد علله الكثيرون بالخوف على المرأة إذا سافرت وحدها، في عصر كان السفر فيه محاطًا بمخاوف ومشكلات كثيرة، فلما تغير الظرف وزالت العلة أجازوا للمرأة أن تحجَّ بلا محرم إذا كانت مع نسوة ثقات أو رفقةٍ مأمونة، وهو قول المالكية والشافعية، والرفقة المأمونة عند المالكية رجال صالحون أو نساء صالحات، وأولى إن اجتمعا.

وهذا لا ينحصر في الحج، بل يشمل كل سفر واجب، على أن "الباجي"- من المالكية- أباح للمرأة سفر التطوع والمباح بدون محرم أو زوج في القوافل العظيمة، فهي كالبلاد وقد حجَّت عائشة مع بعض أمهات المؤمنين في عهد عمر، ولم يكن معهن أحد من المحارم، بل صحبهنَّ عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كما في صحيح البخاري.

ج- صلى النبي- صلى الله عليه وسلم- التراويح بالنساء جماعةً، ثم تركها، وقال: "لم يمنعني من الخروج إليكم إلا خشية أن تفرض عليكم" فلما توفاه الله زالت هذه الخشية، فأقام "عمر" التراويح جماعة، وقال: "نعمت البدعة هذه"، وصلاها المسلمون جماعةً منذ هذا اليوم.

د- أوقف عمر بن الخطاب إعطاءَ المؤلفة قلوبهم نصيبًا من الزكاة؛ بسبب تغير ظروف المسلمين، وزوال العلة في إعطائهم، ورأى "عمر بن عبد العزيز" أن العلة في إعطائهم موجودة في زمانه فأعطاهم من الزكاة، واعتبر الفقهاء فعل "عمر بن عبد الخطاب" إعمالاً للنص وليس مخالفةً له، ومن الواضح أن فعل "عمر" هنا هو إيقاف لتطبيق النص؛ بسبب زوال علته، وبهذا أخذ جمهور الفقهاء، لكن الحنفية اعتبروا فعل "عمر" مع إجماع الصحابة دليلاً على نسخ هذا الحكم أصلاً.

هـ- واجب الشرع الدية في حالة القتل الخطأ على العاقلة، وكذلك العاقلة في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- قبيلة الجاني، فقد ثبت في صحيح مسلم أنه قضى بدية المرأة الهذيلية على عاقلتها، وثبت فيه أيضًا أنه قضى بالدية على العصبة، لكن "عمر بن الخطاب" جعلها على أهل الديوان، لن النصرة انتقلت إليهم بعد أن تم تنظيم الديوان، وضبطت فيه أسماء الجنود وعددهم وأعطياتهم، ولم ينكر الصحابة فعل "عمر"، وقد أخذ به الحنفية بعد ذلك، وخالفهم الجمهور فاعتبروا العاقلة هم العصبة وهم قرابة القاتل من جهة الأب، ولم يعتبروا تغيير العلة.

و- وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-"من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء"، فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله، نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: "كلوا وأطعموا وادخروا" وعلل أمره الأول أن الناس كانوا في شدة فأردت أن تعينوا فيها، وفي رواية أخرى "إنما نهيتكم من أجل الدافة"، يعني القوم الذين وفدوا على المدينة.

وقد ذكر "الشافعي" أن النبي- صلى الله عليه وسلم- ربط النهي عن الادخار بالدافة، وقال "القرطبي": "هو حكم ارتفعت علته"، أي أنه تغيَّر بسبب ارتفاع العلة، وفرق بين رفع الحكم بالنسخ، ورفعه لارتفاع علَّته، فالمرفوع بالنسخ لا يُحكم به أبدًا، أما المرفوع لارتفاع علته فيعود بعودة علته.


للمزيد عن الشيخ فيصل مولوي

وصلات داخلية

حوارات مع الشيخ فيصل مولوي

مقالات بقلم الشيخ فيصل مولوي

مقالات كتبت عنه

أخبار متعلقة

وصلات فيديو

للمزيد عن الإخوان في لبنان

أهم أعلام الإخوان في لبنان

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

.

مقالات متعلقة

.

وثائق متعلقة

متعلقات أخري

وصلات خارجية

مقالات خارجية

تابع مقالات خارجية

وصلات فيديو