مع المستشار عبد الله العقيل في ترجماته

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مع المستشار عبد الله العقيل في ترجماته

د. جابر قميحة

مقدمة الناشر

حفل تاريخنا العربي والإسلامي بالشخصيات والأعلام البارزة التي تميزت في مجالات الفكر والدعوة والعمل والجهاد والحركة، فتركت بصماتها وآثارها في كل عصر عاشت فيه، وفي كل مصرأو بقعة وطأتها أقدامها في خدمة الإسلام، وتصحيح الفهم المغلوط لرسالته وأحكامه.

غير أن الكثير من هذه الشخصيات المجاهدة - وبخاصة المعاصرة منها

- تعرضت لحملات تعتيم وتهميش مقصودة، وأحيانًا لهجوم ضارٍ؛ وذلك للقفز على مآثرها وعطائها وما قدمته من قيم ومُثل عليا وسلوكيات تربوية رفيعة،

حتى لا تتأسى بها الأجيال الصاعدة على سبيل الدعوة والالتزام والعمل، فتظل نهبًا للدعوات المغلوطة، والفكر المشوش، والتبعية المتخبطة للشرق والغرب.

ومن ثم تأتي قيمة هذا السفر العظيم الذي قدَّم فيه العلامة المستشار «عبد الله العقيل» (أبو مصطفى)

- المفكر والداعية الإسلامي

- ترجمة شاملة لحياة 119 عَلمًا من أعلام الفكر، والجهاد، والتربية، والنضال الوطني،

والدعوة في العالم العربي والإسلامي في العصر الحديث، والذين جمعهم الانتماء الإسلامي، وإن تباعدت أوطانهم؛ ليبقى ذكرهم، ولتظل صفحات جهادهم وعطائهم ماثلة أمام الشباب الباحث عن القدوة الصادقة؛

ليقف على ما بذلوه من جهد في خدمة الدعوة، وتقديم صحيح الإسلام بأخلاقهم وأقوالهم وأفعالهم وسلوكهم، وما لاقوه في سبيل رسالتهم من ابتلاءات، وما قدموه من تضحيات صابرين محتسبين باعتبارهم امتدادًا للرعيل الأول من الدعاة والمجاهدين الذين سبقوهم على الدرب.

وتأتي هذه الدراسة التي يقدمها أ. د. جابر قميحة

- أستاذ الأدب العربي

- حول كتاب المستشار العقيل، والتي يبرز من خلالها حجم الجهد العظيم الذي بذله المستشار في الإحاطة بشخصيات الأعلام الواردة في كتابه « من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة» الذي تميز بسهولة الأسلوب وبراعته؛ وهدف إلى رد الاعتبار لهذه الرموز والنماذج الوضاءة التي حملت - وما زالت تحمل

- لواء الدعوة بالعلم والفكر والجهاد والحركة، وصد سهام الهجوم المسمومة ضدهم، في عصر اختلت فيه المعايير، وانقلبت فيه قواعد الحكم على الأشخاص.

ويبرز د. قميحة تفرُّد هذا العمل العظيم، وما تميز به من الشمولية في الإحاطة بجوانب الشخصية، والاعتدال في التناول والتكاملية في أبعاد الشخصية والمعايشة العملية لها، والتزام المنهج الموضوعي العقلاني الممزوج بالعاطفة الإيمانية الصادقة، والحرص على إبراز الدروس والقيم الدينية والخلقية التي تميزت بها الشخصية، وقدمتها على مدار سنوات حياتها.

ومركز الإعلام العربي، إذ يتشرف بنشر هذه الدراسة في إطار اهتمامه بإبراز الرموز الفكرية الواعية..

يضيف جديدًا إلى المكتبة الإسلامية، فيما يتعلق بمفهوم الجهاد الذي أكدت الدراسة أنه لا يقتصر على جهاد السيف والمدفع، إنما يتسع ليشمل جهاد الكلمة والقدوة والمال، والجهاد بالتصدي للأكاذيب والافتراءات التي يطلقها المغرضون في الداخل والخارج، والرد عليها بالحجج القارعة، والبراهين الدامغة.

الناشر

مقدمة المؤلف

لا إسراف إذا قلنا: إننا نعيش عصرًا نرى فيه من الآفات ما ذكره رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "شحًا مطاعًا، وهوًى متبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه". ونرى فيه الأمانة وقد ضُيِّعَت، والأمر وقد وُسد إلى غير أهله، فصدق علينا قول بشار بن برد:

أعمى يقود بصيرًا لا أبا لكمُ

قد ضل من كانت العميان تهديهِ

كل أولئك

ـ أو أغلبه

ـ واضحٌ في مجال السياسة، والفكر، والإعلام، والأدب، والمعاملات، فالساحة مليئة بالادعاءات، والكذب، والاختلالات، فأصبحت هي الأصل، وعكسها تمرد ونشوز.

وأذكر أنني من عدة سنوات قرأت إعلانًا في الصحف المصرية عن كتاب وصف مؤلفه بأنه "رائد التنوير الديني"،

واعتقدت أنني سأجد تحت الوصف اسم جمال الدين الأفغاني،

أو محمد عبده، أو رشيد رضا، أو حسن البنا، أو محمد بن عبد الوهاب، أو البشير الإبراهيمي، ولكني وجدت تحت هذا الوصف اسم المستشار "محمد سعيد العشماوي

ومعروف أن الريادة تعني الأولية والابتكار، والإتيان بما هو جدير بالتقدير والاعتناق، والقدرة على التأثير المنتج..

وهذا يعني أيضًا

ـ إذا ما آمنا بمنطوق الإعلان

ـ أن نسقط من حسابنا أمثال الأفغاني..

ومحمد عبده..

ورشيد رضا..

وابن باديس..

وحسن البنا..

ومحمد عبد الله دراز..

ومن ذكرتهم آنفًا. وقرأت كتب الرجل (العشماوي) كلها..

وأقول صادقًا: إنني حاولت أن أعثر على "بصيص من نور" في كل ما كتب في مجال الفكر..

والفقه..

والسياسة..

والمجتمع..

والتاريخ.. فعجزت.. ولم أجد إلا محاولات مرعوشة ـ على درب المستشرقين ـ لتجريد الإسلام من طوابعه السياسية، وعزله عن كل ما يمت للحكم والقيادة بصلة.. ويصف أصحاب دعوة "الإسلام دين ودولة" بأنهم "فجار.. أشرار.. جهال"!!

أما نظام الخلافة الإسلامية، فهو ـ في نظره ـ:

"لا يختلف عن أي نظام متخلف في السطو، والسيطرة، والغشومة، والظلم، والاستبداد، والتنكر لحقوق الإنسان، وتنكب حدود الله، وهو نظام جاهلي غشوم، مناف لروح الدين، مناف لمعنى الشريعة".

"والخلافة لم تخدم الإسلام حقيقة، بل إنها أضرت به حين ربطت العقيدة بالسياسة، ومزجت الشريعة بنظام الحكم"(1).

هذا وما زال السيد العشماوي يردد ـ اعتمادًا على أخبار ملفقة زائفة - أن القرآن الذي بين أيدينا به كثير من الأخطاء في القواعد واللغة(2).

وفي الأسواق مجموعة كبيرة من الكتب المطبوعة طباعة فاخرة جدًّا للكاتب اليساري "خليل عبد الكريم"، وكلها تسير على نهج موضوعي واحد، يتمثل في الانتقاص الفاحش من ثوابت الإسلام ورسوله.

ـ ـ ـ

وأستاذة مسلمة تدرس لطلابها وطالباتها في الجامعة الأمريكية بالقاهرة رواية لمغربي ساقط بعنوان "الخبز الحافي" كلها وصف داعر بألفاظ صريحة مكشوفة للأعمال الجنسية الشاذة القذرة في بيوت الدعارة، ودافعت الأستاذة عن نفسها بأن "هذه هي الموجة الجديدة في الأدب، وهي موجة يجب أن يستوعبها الطلاب"!!

ـ ـ ـ

وذكرني ذلك بقصيدة نشرت في مجلة رسمية بعنوان "الوشم الباقي" تنهج النهج الساقط نفسه، وتزيد عليه كتابة الأصوات الجنسية السريرية، وهي أصوات محترفات الدعارة (المكونة من الهمزة والحاء ـ أو الهمزة والحاء المشددة والواو).

و"سيد" من قمم "التنوير" يكتب فصولاً وفصولاً عن "جناية الغزو الإسلامي" لمصر، ويصف جيش عمرو بن العاص(رضى الله عنه) بأنه حملة غزو واحتلال.

ـ ـ ـ

ويلتقط الخيط "شاعر" تنويري جدًّا، فيصور الفتح الإسلامي لمصر بأنه "غزو همجي"، ويشبه الفاتحين بالهمج والجراد والغربان، فيقول من كلام طويل:

همج..

رمت بهم الصحاري جنة المأوى..

تهر كلابهم فيها..

وتجأر في المدى قطعانهم..

يمشون في سحب الجراد..

كأن وجوههم لغربان..

وأعينهم لذؤبان..

وأرجلهم لثيران..

يدوسون البلاد..

ويزرعون خرابهم في كل واد..

أبناء أوزوريس صاروا لليباب..

يا أيها الرمل ارتحل..

يا أيها الرمل ارتحل..

واذهب لشأنك يا جراد.

ـ ـ ـ

وفي صحيفة الأهرام الصادرة بتاريخ 16/6/1999 م، يتساءل أحمد عبد المعطي حجازي في غضب: "... هل نريد حقًّا أن نحرر عقولنا من الخرافة، ونعالج نفوسنا من الخوف، ونعامل أجسادنا بما هي جديرة به من اعتزاز واحترام؟".

وتحرير عقولنا، واحترام أجسادنا - في نظر حجازي - لا يتحقق إلا برسم الأجساد عارية، والسماح بإدخال الموديلات العارية إلى كليات الفنون ليرسمها الطلاب..

بل يتمادى أحمد حجازي، فيدعو الفنان صلاح طاهر وآخرين إلى أن يرسموا له صورة من هذا النوع العاري؛

"حتى يراه الناس في الواقع، وربما رأوه على نحو أفضل".

ـ ـ ـ

وذكرت الكاتبة الإعلامية الإسلامية "كريمان حمزة" في كتابها "لله يا زمري" (124 ـ 127) - أنها أعدت شرائط عن العشرة المبشرين بالجنة، وتقدمت بها إلى التليفزيون المصري، لعرضها، فرفض المسؤول الكبير"جدًّا" أن يقبلها إلا إذا أضافت إلى العشرة شخصيات معاصرة، كعاطف صدقي، وصفوت الشريف، وقال لها:

"العشرة من أيام الرسول.. لماذا؟!

مفيش واحد من اليومين دول مبشر بالجنة؟ واحد من السلطة مثلاً يعني عاطف صدقي، أو صفوت الشريف، طب ليه مش مبشرين بالجنة ؟

فلا بد أن تضيفي إلى العشرة القدماء هاتين الشخصيتين... وإلا - والله - لن تذاع الحلقات إلا على جثتي.

ـ ده حتى الصحفي فلان قال للوزير: إن العشرة دول المبشرين بالجنة كلهم إرهابيون".

ـ ـ ـ

ونحن جميعًا نعرف أن هناك حملة ضارية متواصلة على الشخصيات الإسلامية، والنماذج العليا الذين حملوا، ويحملون لواء الدعوة بالعلم والجهاد في كل العصور.

وتعرض الإسلاميون الملتزمون للاضطهاد والمحن مثل: القتل والسجن والتشريد؛ بزعم أنهم إرهابيون.

وللأسف يشترك في حملات الهدم زعماء عرب كالقذافي الذي درج هو وحواريوه على السخرية من الأئمة، كأحمد بن حنبل، وابن تيمية، وسيد قطب،

فالقذافي يُلح على الإزدراء بسيد قطب في كل خطبه وملتقياته، وهو يتولى كِبْر ذلك، في الوقت الذي تشتد فيه الحملات الضارية في بعض البلاد العربية على هذا المجاهد العالم الشهيد.

وبين يديَّ خمسة كتب صدرت متتالية في طبعات فاخرة جدًّا، وتباع بسعر رمزي، وأنقل للقارئ سطورًا قليلة من أَحَدِهَا: يأخذ الكاتب ـ من وجهة نظره ـ على سيد قطب تكفيره للأمة، وطعنه في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وتعطيله لصفات الله، وقوله بخلق القرآن، وأن الله لا يتكلم،

وإنما قوله مجرد إرادة، وقوله بالحلول، ووحدة الوجود والجبر، وقوله إن الروح أزلية، وقوله بالإشتراكية الغالية، وبموادة أعداء الله، وقوله عن مساجد المسلمين:

إنها معابد جاهلية، وتهوينه من معجزات الرسول (صلى الله عليه وسلم) ورده لأخبار الآحاد، بل للمتواترات من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وغير هذا من الضلالات.

ونرى (لويس عوض) يحكم على جمال الدين الأفغاني بأنه كان ماسونيًا ضالعًا في الماسونية، وأنه كان عميلاً مزدوجًا.

وأحد هؤلاء "الأدعياء" - ولا أقول الدعاة - يزعم - في برنامج تلفازي - بأن الشيخ حسن البنا - المرشد العام للإخوان المسلمين - كان رجلا " بلا فكر"، وغير ذلك كثير.. وكثير.

إنه عصر اختلال المعايير، وفيه قلت:

فتهاوتْ خُطى الشريف المعنَّى

نازف القلب ما لَه من نصيرِ

كيف نمضي والزيفُ دين وطبعٌ

والنفاقُ الخسيس جسْرُ العبورِ؟

والأصيلُ الأصيلُ يحيا غريبًا

بحقوق الإنسان غيرُ جديرِ

والعدو الغريبُ فينا سعيدٌ

ومحاطٌ بالحبِّ..والتقديرِ

فاختلالُ المعيارِ أضْحى صوابًا

والصوابُ التَمامُ شر الشرورِ(3)

ـ ـ ـ

كل هذه الافتراءات والأكاذيب والحملات الضارية، تفرض واجبًا ملزمًا للمفكرين الإسلاميين الأنقياء الأتقياء، بأن يتقدموا لهدم هذه الآراء الشاذة الخسيسة التي تطعن الإسلام في مقاتله، وذلك بتقديم القيم الإسلامية العليا بأسلوب عصري يسهل على الشباب فهمه،

واستيعابه، وكذلك عليهم أن يقدموا الشخصيات الإسلامية ذات الآثار القوية في نشر الإسلام وإنصافه، وتربية الشباب على سلوكه وأخلاقياته، وهذا هو الهدف الأصيل من التاريخ السوي الذي عرَّفه ابن خلدون بقوله:

"فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا".

ويتفق "راوس" مع ابن خلدون في الفائدة المنشودة من دراسة التاريخ؛ لأن معرفة ما كانت عليه المجتمعات في الماضي، وكيفية تطورها تبصر الإنسان بالعوامل التي تؤثر فيها،

وبالقيادات والقوى التي تحركها وبالدوافع، والمصادمات التي تشكلها، عامة كانت أو خاصة"(4).

فالتاريخ يتسع للتراجم وسيرة الأمم والشعوب. ومن أبلغ ما قيل في قيمته:

ومن وعى التاريخ في صدرهِ

أضاف أعمارًا إلى عمرهِ

ـ ـ ـ

والكتاب الذي قدمه المستشار عبد الله العقيل، بعنوان "من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية في العصر الحديث"، ليس ككل كتب التراجم الإسلامية، وغير الإسلامية في العصر الحديث، بل يتفوق عليها بالملامح الآتية:

1 ـ الشمولية والإحاطة الكاملة؛ فكل ترجمة تقدم للقارئ تضاريس متكاملة للشخصية تحيط بالجوانب الحسية المشهودة والمعنوية الخافية.

2 ـ المعايشة العملية؛ فالكاتب حريص على أن يتعرف على شخصياته على نحو من الأنحاء مع اختلاف درجات التعرف من المعرفة العامة، وصعودًا مع المعايشة الفعلية. لذلك كان المصدر الذاتي. هو المصدر الأساسي لمادة الترجمة.

3ـ معالجة مادة الترجمة بعاطفة إيمانية، صادقة، ممزوجة بعقلانية بريئة من التطرف، والتعسف، والافتعال.

4 ـ تعدد المصادر: فالكاتب ـ وإن اعتمد على رؤيته الخاصة، ومعايشته للشخصية كمصدر أول، ومن أجل تحقيق التكامل - لم يغفل المصادر الأخرى كالشهود الأحياء، والمدونات: كالكتب، والمجلات.

5ـ تَوَخِّي الصدقية في كل الترجمات يستوي في ذلك ما كتبه عن الإخوان، وما كتبه عن أعدائهم، وأعداء الدعوة الإسلامية.

6ـ الاهتمام بإبراز الدروس والقيم: الدينية، والخلقية، والنفسية.

7ـ سهولة الأسلوب وتدفقه، والبراعة في التوفيق بين الجمل المختلفة.

ـ ـ ـ

وفي إيجازٍ شديد كان لنا وقفة نقدية، ومن أهم ما تناولته ما يأتي:

ـ العناوين ودلالتها.

ـ طبيعة الشخصيات التي تناولها الكاتب، وطبيعة علاقة المؤلف بها.

ـ المصادر التي استقى منها الكاتب مادة تراجمه، وقيمة هذه المواد.

ـ تذييل بحديث عن الشخصيات، مما لم يعرض له كتاب المستشار العقيل، وفي هذا التذييل ما نظمته من شعر في بعض هذه الشخصيات، مثل:

أبي الحسن الندوي، وعبد الله عزام، والكيلاني، وعمر بهاء الدين الأميري، وكلهم التقيتهم في حياتهم، وسمعوا مني، وسمعت منهم.

- وكان علينا - لتمام هذه الدراسة - أن نعرض بعض كتب التراجم، مثل: "هؤلاء عرفتهم" لعباس العقاد، و"عاشوا في حياتي" لأنيس منصور ؛ حتى يقف القارئ على طبيعة مسيرتها، وملامح منهجها. ومن كل أولئك يستطيع القارئ أن يزداد تعرفه على مكانة كتاب العقيل بينها، وهذا ما عالجته في خاتمة الدراسة.

ـ ـ ـ

وبعد هذه المقدمة التي طالت بعض الشيء، آن لنا أن نعايش الكتاب الذي يعدُ عطاءً طيبًا للمكتبة الإسلامية، وهو كتاب "من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية في العصر الحديث"، ملتزمين الإيجاز بقدر المستطاع.

الدكتور جابر قميحة

الفصل الأول

تعريفات ودلالات

أولاً: التعريفات

الترجمة نوعان:

النوع الأول: هو الترجمة الذاتية (autobiography): وهي التي تتناول حياة كاتبها نفسه بقلمه، ويكشف بها عن ملامحه وسيرورة حياته.

وقد تأتي على هيئة مذكرات، أوذكريات، أو يوميات، أو اعترافات، أو رواية فنية(5).

النوع الثاني: الترجمة الغَيْرِيَّة (Biography):

وإذا كانت الترجمة الذاتية تمثل تاريخ كاتبها، فإن الترجمة الغيرية تصوير لتاريخ الآخرين، وقد عرَّفها بعض الكتاب في صورتها المثلى بأنها:

"البحث عن الحقيقة في حياة إنسان فذ، والكشف عن مواهبه وأسرار عبقريته من ظروف حياته التي عاشها، والأحداث التي واجهها في محيطه، والأثر الذي خلفه في جيله".

والتعريف السابق قد يمثل المناهج الحديثة في كتابة التراجم أو بعضها على الأقل، ولكنه لا يعكس المنهج التقليدي في كتابة التراجم، أو بعضها على الأقل، وهذا المنهج التقليدي القديم في كتابة التراجم هو "المنهج السردي"، وهو ذلك المنهج الذي يعتمد على مجرد رصد الحقائق والأخبار عن المترجم له، دون البحث في الدلالات النفسية والعقلية والخلقية والاجتماعية لها. فالمترجم هنا بمقام الجامع الراصد دون تدخل منه في الغالب.

بين التراجم الذاتية والتراجم الغيرية:

والحد الفارق بين النوعين من التراجم هو الطابع الشخصي الذاتي في الأولى، والطابع الغيري في الثانية. ولكن القاعدة ليست على إطلاقها، فعلى كاتب الترجمة الذاتية "

أن يكون موضوعيًا أيضًا في نظرته لنفسه، بمعنى أن يتجرد من التحيز لنفسه، وهو يذكر موقفه من الناس والحوادث، ولا ينساق مع غرور النفس، وتعلقها بذاتها، وحبها لإعلاء شأنها، والإنقاص من أقدار الآخرين".

فالأولى ذاتية مع شيء من الموضوعية، والثانية موضوعية مع ذرات صغيرة من الذاتية.

ويسجل إحسان عباس خلافًا بين فريقين:

أما الفريق الأول، فيرى أنه لا فرق بين النوعين في الغاية والشكل والمضمون إلا أن إحداهما تكتب بصيغة المتكلم والأخرى بصيغة الغائب.

كلاهما فن لا علم، والدليل على ذلك أنه لو اجتمع عشرون كاتبًا على كتابة سيرة لأحد الناس لتوفرت لدينا عشرون سيرة مختلفة، على الرغم من أن المواد واحدة متفقة، ولو كتب هؤلاء سيرة أنفسهم لطالعنا أيضًا، مثل ذلك العدد من السيرة الذاتية المتباينة.

إذن، فالقول بأن صاحب السيرة الغيرية موضوعي، وصاحب السيرة الشخصية ذاتي تعميم يخرج على منطوقه كثير من الشواهد، والقول بأن الإنسان يعرف ذاته خيرًا مما يعرف ذوات الآخرين هو أيضًا قول مرسل؛ لأن قاعدة "اعرف نفسك" لا تزال من أبعد القواعد عن حيز الإمكان.

وأما الفريق الآخر، فيقول: إن بينهما شركة كالتي بين كثير من الفنون الأدبية، ولكن القول باتفاقهما التام خاطئ:

(أ) لأن الترجمة الذاتية نقل مباشر، أما الترجمة الغيرية، فإنها نقل عن طريق الشواهد والشهادات والوثائق.

(ب) وكاتب السيرة الغيرية موضوعي يلمح بسرعة، ويفهم بإحكام، ويلمح الحقائق، ويحكم عليها، ويمزجها مزجًا متعادلاً منسجمًا، ويصفها بأسلوبه.

أما كاتب السيرة الذاتية، فإنه ذاتي قبل كل شيء ينظر إلى نفسه، ويسلط أضواء النقد ودقة الملاحظة على شخصيته.

(ج) والمترجم لغيره يقف موقف الشاهد لا القاضي، أما المترجم لنفسه، فإنه يجمع بين الصنفين.

(د) والسيرة الذاتية تنبع من الداخل متجهة نحو الخارج، على عكس الاتجاه الذي تمشي فيه السيرة الغيرية. ونجاح المترجم الذاتي يقاس بنسبة الذاتية فيما كتب، أما نجاح من يكتب سيرة غيره، فيقاس بمقدار تجرده وغيريته.

والحق أن أهم هذه الفوارق جميعًا يكاد ينحصر في الموضوع أو المضمون، فإذا كان موضوع الترجمة هو كاتبها نفسه، فهي ترجمة ذاتية، بحيث يكون الكاتب هو نقطة الارتكاز التي تدور حولها الوقائع والأحداث، حتى لو كادت هذه الأحداث لقوتها تحجب شخصية الكاتب.

أما إذا كان موضوع الترجمة شخصية أخرى، فهي ترجمة غيرية، ولو كان للكاتب نفسه، وللأحداث التي تتعلق به - نصيب في هذه الترجمة، وغالبًا ما يكون العنوان الذي يتصدر الترجمة دليلاً حاسمًا ينم عن طبيعتها ونوعها.

ولا يدخل في هذه الفوارق ـ في رأينا ـ أسلوب التعبير عن الترجمة الذاتية بضمير المتكلم، وعن الترجمة الغيرية بضمير الغائب، فهو وإن كان فارقًا غالبًا إلا أنه غير ملتزم تمامًا في "التراجم الذاتية الروائية" بخاصة، كما ترى في "الأيام" لطه حسين، و"عودة الروح" لتوفيق الحكيم، و"سارة" للعقاد، فالأداء فيها كلها بضمير الغائب، حتى يخيل لمن لا يملك فكرة سابقة عن المؤلف أنه لا مكان له في هذه التراجم.

التراجم الغيرية في التاريخ العربي

كان حظ التاريخ العربي من التراجم الغيرية أوفَى بكثير من حظه من التراجم الذاتية، وقد تعددت ألوانها وأنواعها ومناهج كتابها، وأساليب الصياغة والعرض والتناول فيها، كما اختلفت طولاً وقصرًا، ومن أهم هذه الأنواع(6):

أ ـ التراجم العامة الجامعة، وهي تترجم لطائفة من الرجال يختلفون صناعة وطبقة وعصرًا ومكانًا، مثل "وفيات الأعيان"، لابن خلكان (ت: 681).

ب ـ تراجم الطبقات: وهي نوع من التراجم المتخصصة، ترتب فيها الرجال، ويجمعون حسب العلم الذي تخصصوا فيه، بغض النظر عن الزمان، والشهرة، أو غير ذلك، ومنها:

1ـ طبقات الصحابة: مثل "أسد الغابة"، لابن الأثير.

2ـ طبقات الفقهاء: مثل "طبقات الفقهاء"، لأبي إسحاق الشيرازي (ت: 476).

وهناك تراجم خاصة برجال كل مذهب، مثل "طبقات الشافعية"، للسبكي.

3ـ طبقات المفسرين والقراء.

4ـ طبقات المحدثين والحفاظ.

5ـ طبقات النحاة.

6ـ طبقات الشعراء(7).

وفي العصر الحديث كثرت التراجم، وتنوعت المناهج، واختلفت اتجاهاتها.

فمن الكُتَّابِ من سار على المنهج السردي التقليدي الذي يعتمد على سرد حياة الشخصية من مولدها إلى مماتها، مع رصد وقائع الحياة، وعلائق الشخصية مع الآخرين في حياد، بعيدًا عن التمحيص والتعمق واعتصار الدلالات.

ومن المترجمين من سار على المنهج التاريخي، ودرس الشخصية الأدبية كأثر من آثار العصر. ومنهم من غلب الدراسة الفنية، وجعلها "أساسًا" لدراسة الشخصية، ففن الأديب يأخذ من المترجم أكثر مما تنال الوقائع.

وكان للمنهج النفسي مكانه الملحوظ عند بعض المترجمين، وعلى رأسهم العقاد(8).

ـ ـ ـ

ثانيًا: الدلالات

كتاب العقيل... ودلالات العنوان

وقد سعدنا بكتاب المستشار عبد الله العقيل ؛ لأن كاتبه يملك الآليات التي تكفل له أن يقدم للعرب والمسلمين ـ والشباب منهم بخاصة ـ مثل هذا السفر الضخم الذي اتسع لعرض تاريخ، وتقديم قيم، ومثل عليا، وسلوكيات تربوية رفيعة.

وأترك المجال لشهادات من عرف المؤلِّف والمؤلَّف:

فمن كلمات المرشد الحالي للإخوان المسلمين (الأستاذ محمد مهدي عاكف):

"وأخونا الكريم المستشار عبد الله العقيل(أبو مصطفى) عايش غرس الإمام البنا، وارتوى من منهجهم وسلوكهم، ونهل من هذا المعين النابض الحي المتدفق، فكتب بقلمه السيال،

وبكلماته البديعة، هذه السيرة الذاتية العظيمة لهؤلاء الرجال الكبار.. صفحات حب، وأخوة، وجهاد، ودعوة، وابتلاء، وصبر، وصمود، وتضحية".

ومن كلمات الأستاذ مصطفى مشهور ـ رحمه الله ـ :

"وكتاب "من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة" لأخينا المستشار عبد الله العقيلـ حفظه الله ـ عرض لنا وللقراء الكرام نماذج من قافلة الدعاة في عصرنا الراهن، عشنا ونعيش معها من خلاله إيمانًا، وفهمًا، وعملاً.. داعين الله أن يتقبل منهم.. ويجعله في ميزانهم يوم لا ظل إلا ظله، وهو إن شاء الله في الميزان.. حسنات مضاعفة، وجميل أجر، وجزيل ثواب".

ومن كلمات العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:

"وقد أَصْدَرَ حديثًا كتابًا عن أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، ترجم فيه لعدد من أعلام العلم والدعوة والجهاد، وأحسب أنه - شكر الله سعيه - وفَّاهم حقهم، وعَرَّفَ بفضلهم الأجيالَ الصاعدة، وأسقط فرض كفاية عن علماء الأمة، فكثيرًا ما ذهب رجال كان لهم دورهم المشكور في الدعوة،

والجهاد، والتربية، والتثقيف، ولم يكتب عنهم أحد، فطمست آثارهم، وجهلت أخبارهم، على حين تمتلئ الساحة بالنَكِرات والإمَّعَات، الذين أصبح يشار إليهم بالبنان، وهم لا في العير ولا في النفير". ـ ـ ـ

وابتداءً، نسجل الملاحظات التالية على العنوان:

1ـ استعمل الكاتب "مِنْ التبعيضية" كنوعٍ من الاحتراس؛ حتى لا يكون محل لوم؛ لأنه ترك شخصيات لها مكانتها في مجال الدعوة والحركة الإسلامية.

2ـ أنه جمع بين الدعوة والحركة الإسلامية، وهذا الجمع قد يفيد التوحيد، بمعنى أن يكون صاحب الترجمة داعية له تأثيره، ومجاهدًا فعليًّا قاتل أعداء الإسلام والأمة بالسلاح، كعز الدين القسام، ويوسف طلعت.

وقد يكون الجمع للتعديد، بمعنى أن يكون صاحب الترجمة داعية فقط، لم يزاول جهادًا وكفاحًا، مثل:

الدكتور عيسى عبده، والحاج رسلان علي الخالد (أبو علي)، والشيخ محمد أبو زهرة.

وقد يكون الشخصُ مجاهدًا مكافحًا، ولكنه لا يملك إلا القليل من آليات الدعوة، مثل: الشاعر عبد الرحيم محمود (شهيد معركة الشجرة)، والشهيد صلاح حسين.

هذا، وإذا فهمنا الحركة أو الجهاد بمفهوم واسع، كالجهاد بالكلمة، والجهاد بالقدوة، والجهاد بالتصدي لأكاذيب الأعداء وافتراءاتهم بالحجج القارعة، والبراهين القوية؛ لقلنا:

إن كل من قدمهم العقيل إنما هم جميعًا رجال دعوة وحركة، أو دعاة ومجاهدون في وقتٍ واحد، وتصبح الفروق بين هذه الشخصيات فروقًا كمية لا نوعية.

والجهاد في الإسلام ذو مفهومٍ واسع، فهناك الجهاد بالسيف، أي: القتال (الجهاد بالنفس)، وهناك الجهاد بالمال، كما نرى في قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (سورة التوبة: 41).

وفي سورة الفرقان ـ وهي مكية بالإجماع ـ نقرأ قوله تعالى (فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) (الفرقان: 52).

والضمير في "به" عائدٌ على القرآن بإجماع المفسرين، أي: لا تطع الكافرين في افتراءاتهم وكذبهم، ولا تسايرهم في مسلكهم، وعليك أن تتصدى لهم بالقرآن، عارضًا مبادئه وقيمه، مع العمل الدائب على إقناعهم بحججه وبراهينه وما فيه من تحدٍ وتصدٍ لمفاسدهم، ولأهمية ذلك جعل الله (سبحانه وتعالى) ذلك جهادًا كبيرًا(9).

هذا عن العنوان الرئيسي، أما عناوين التراجم، فقد نجح الكاتب في اختيارها بحيث أعطى كل عنوانٍ أبرز الصفات للشخصية التي ترجم لها، وعلى سبيل التمثيل نجد العنوان التالي: "

الأستاذ المربي محمد عبد الحليم الشيخ"؛ لأن القيام بالتربية والتعليم كان أهم مهامه في الكويت.

ونقرأ العنوان التالي:

"الكاتب الإسلامي الكبير محب الدين الخطيب"؛ لأن الكتابة كانت أهم ما يؤديه خدمة للإسلام، ونقرأ العنوان التالي:

"الأديب الصحفي أحمد عبد الغفور عطار"، ونقرأ عنوان: "

الفقيه العلامة محمد أبو زهرة، ونقرأ عنوان: "الأديب الموهوب نجيب الكيلاني"... إلخ.

أي أن الكاتب يبرز في العنوان أهم أعمال الشخصية، أو صفاتها، أو مجال جهادها، وكلها ـ تقريبًا ـ متغايرة. ـ ـ ـ

الفصل الثاني

المحتوى ومصادر الدراسة

أولاً: محتوى الكتاب

وكتاب "من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة" يضم بين دفتيه ترجمات لمئة وتسع عشرة شخصية من العلماء والدعاة وقادة الفكر الإسلامي، والمناضلين من أجل تحرير بلادهم من الاستعمار، وكل واحد من هؤلاء كان له تأثيره القوي الواضح في شعبه، وفي مسيرة العمل الإسلامي.

وهذه الشخصيات تنتمي إلى أوطان عربية وإسلامية متعددة، وإنما جمع بينهم جنسية الإسلام، مما يذكرنا بذلك السؤال الذي وجه لأحد أسلافنا البررة: أقيسيّ أنت أم تميميّ؟ فكان جوابه:

أبي الإسلام لا أب لي سواه

إذا افتخروا بقيس أو تميمِ

وعن أبعاد الشخصيات التي قدمها الكاتب، نجده يقول في مقدمته:

"وهذا الذي أقوم به هو بعض الوفاء بحق هؤلاء الإخوة الكرام، وواجب من واجبات الدعوة، وتعريف بذلك الجيل الطاهر، والنموذج الفريد في العصر الحاضر من رجالات الإسلام، الذين مثلوا الرجولة بأعلى مراتبها، وقدموا الإسلام للعالم بأقوالهم وأفعالهم وسلوكهم،

كأحسن ما يعرض الإسلام المستقى من كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، فكانوا امتدادًا للرعيل الأول الذين سبقوا على طريق الإيمان والإمامة؛ لأنهم كانوا إسلامًا حيًّا يسير على قدمين في دنيا الناس الصاخبة المائجة بمختلف الأفكار والمذاهب البعيدة كل البعد عن منهج الإسلام الصحيح،

والسائرة في ركاب الشرق والغرب، والمقلدة تقليد الببغاوات للاستعمار وأعوانه وأذنابه.

هذه النماذج من العلماء والدعاة والمجاهدين، الذين صبروا على لأواء الحياة، وجاهدوا لنصرة دين الإسلام، وصمدوا أمام قوى الباطل والطغيان، واستهانوا بكل زخارف الحياة ومغرياتها، واستعلوا بإيمانهم على كل ما يشد الإنسان إلى الأرض، وحلقوا بآمالهم وطموحاتهم إلى السماء مؤثرين ما عند الله على ما عند الناس.

هؤلاء هم صُناع الحياة العزيزة بهذا الدين العظيم، وهم ما بين علامة نحرير، ومرب فاضل، وداعية مجدد، ومجاهد شهيد، وتاجر صدوق، وصحفي بارع، ومفكر مبدع، وشاعر صاحب رسالة، وأديب قاص هادف، واقتصادي عالم، وكلهم سابق بالخيرات بإذن الله.

جيل من الأعلام كانوا تطبيقًا عمليًا لمعالي هذا الدين وعزائمه، من الذين دفعوا غاليًا لقاء صبرهم وصمودهم على المنهج الحق، من الذين حملوا هموم الأمة وسعوا لتحقيق آمالها، من الذين ضربوا أروع الأمثلة للأجيال الحاضرة واللاحقة؛

فكانوا أئمة هدى، وقدوات تحتذى في ميادين التربية، والدعوة، والجهاد، وتغيير واقع الأمة والنهوض بها، إلى أن بلغت الصحوة الإسلامية ذروتها، ودخل الإسلام كل بيت إلا بيوت الأشقياء والمحرومين".

أما هدفه من الكتاب، فقد لخصه في قوله:

"ولقد نهضت للقيام بهذا الفرض الكفائي، عن أجيال الدعوة المعاصرة أداءً لبعض حقوق أولئك الأعلام على أبناء دعوتهم، وتخليدًا لسيرتهم العطرة، وتسجيلاً لجانب من شمائلهم الكريمة، التي سطروها بجهادهم ودمائهم، وشموخهم على سَفْسَاف الحياة، واستعصائهم على تهديد الطغاة والبغاة، وترفعهم عن كل المغريات.

وذلك من أجل أن يدرك أبناؤنا وأحفادنا، أنهم امتداد لهذا الجيل المبارك، من أصحاب الفضل والسابقة، والحجة على من بعدهم".

كما لخص منهجه في الكتابة في العبارات الآتية:

"ولقد التزمت منهجًا في الكتابة هو:

1ـ أنني لا أكتب إلا عن معاصر التقيته، وهذا منهج الإمام البخاري - رحمه الله.

2ـ وأن يكون متوفى، فلا أكتب عن الأحياء، فالحي لا تؤمن فتنته.

3ـ وأن يكون من دعاة الإسلام العاملين، ورجال الحركة الإسلامية المجاهدين؛ لأن العلم وحده دون العمل به، ودعوة الناس إليه - لايجدي كثيرًا، فلسنا في حاجة إلى معاجم متحركة، بل نحن في حاجة إلى رجال يعيشون الإسلام، ويعملون له، ويستشهدون في سبيله.

وطريقتي في الكتابة أنني لم ألتزم في التسلسل أي نمط، ولا يعني التقديم والتأخير أي شيء. كما أن بعض الحلقات لم تزد على أربع صفحات، والبعض الآخر زاد على العشر؛ لطول المعايشة، أو خصوبة الذاكرة، أو توافر المعلومة.

ولنا في هذه النماذج المعاصرة من أساتذتنا وإخواننا قدوة بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته، والتابعين والسلف الصالح".

ـ ـ ـ

ثانيًا - مصادر الدراسة

اعتمد الكاتب في كتابته عن شخصياته على مصادر متعددة، أهمها:

1ـ المعايشة والمعرفة الذاتية:

ولا نبالغ إذا قلنا: إن "المصدر العلمي الأول" هو الكاتب نفسه من معايشته للشخصية، واختلاطه بها، وحضور مواقفها، والاستماع إليها.

فليس هناك ترجمة واحدة من تراجمه اعتمد فيها اعتمادًا كليًّا على مراجع مكتوبة، دون أن يكون لها مكان أو مخالطة، أو معرفة ذاتية لهذه الشخصية.

وفي كل ترجمة يعرض كيف اتصل بالشخصية، وكيف تعرف بها، وما أفاده منها. وقد يكون ذلك في صدر الترجمة، كما نرى في ترجمته للشيخ محمد الغزالي، وترجمته لمحمد كمال سيد القزاز (أبو طارق)، وترجمته للشيخ أمجد الزهاوي، وترجمته لعبد الله سلطان الكليب، وترجمته لعبد القادر عودة، ونجيب الكيلاني، وعبد الفتاح أبو غدة.

وقد يحكي قصة تعرفه بالشخصية بعد أن يورد عنها بعض الحقائق، كالميلاد، والنشأة. ولا شك في أن المسلك الأول أجدى من الثاني؛ لأنه يوحي ابتداءً بالمعايشة، وأن ما يورده بعد هذا التصدير يتمتع بالصدقية، فما راءٍ كمن سمع.

ولكنها - على أية حال - مسألة تقديمٍ وتأخير، من قبيل التنويع، أو ترتيب الأولويات. ـ ـ ـ

وثمة اختلاف في درجة التعرف؛ فقد لا يصل إلى درجة المعايشة والاندماج، ولا يزيد على لقاءات متفرقة: كتعرفه على محب الدين الخطيب.

يقول الكاتب: "وقد شرفت باللقاء به مرات ومرات، سواء في المكتبة السلفية، أو في إدارة مجلة الأزهر، التي رأس تحريرها زمن شيخ الأزهر الإمام "محمد الخضر حسين التونسي"، أو في لقاءاته مع شباب الإخوان المسلمين الذين يحرصون على الاستفادة من توجيهاته".

وكالشأن مع الزعيم التونسي المجاهد "محيي الدين القليبي"، يقول الكاتب:

"رأيت صورته المنشورة في صفحة التعارف الإسلامي بمجلة (الشهاب) الشهرية التي كان يصدرها الإمام الشهيد "حسن البنا" 1947 م، وقرأت تعريف الإمام البنا بشخص الزعيم القليبي؛ فتعلق قلبي به، وأكبرت جهاده وجهوده في سبيل الإسلام والمسلمين، وبخاصة المغرب العربي، وحين سعدت بلقائه،

وجدته أكبر مما كنت أتصور؛ فهو شخصية فذة وداعية مجاهدًا، صلب العود، قوي العزيمة، دائم العمل في الليل والنهار، كثير التجوال والترحال في سبيل الله والمستضعفين في الأرض".

وكالشأن مع الشيخ الشهيد محمد فرغلي، يقول الكاتب في تصدير ترجمته:

"كانت بداية معرفتي بالداعية المجاهد الشيخ "محمد فرغلي" أواخر 1949 م، حين قدمت إلى مصر للدراسة الجامعية، حيث التقيته محدثًا وموجهًا للإخوان في دروس الكتائب والمعسكرات، والأسر والرحلات، فقد كانت مجموعة من قادة الإخوان تتعاقب عليها، أمثال:

البهي الخولي، وعبد العزيز كامل، ومحمد فرغلي، ومحمد عبد الحميد أحمد، ومحمد الغزالي، وسيد سابق، وغيرهم".

ثم يعتمد الكاتب بعد ذلك على رؤيته من الخارج، واستنطاق الأحداث المأساوية في هذه الفترة، والتي انتهت بشنق الشيخ المجاهد "محمد فرغلي" - يرحمه الله.

ـ ـ ـ

على أية حال، كانت معرفته بالشخصية مباشرة بالمعايشة، أو بالاستماع والتلقي لمحاضرات هي المصدر الأول لمادة الترجمة، بل هي شرطٌ أساسي للكتابة عن الشخصية،

والدليل على هذا أن هناك شخصيات إسلامية فذة لها علمها وجهدها، وجهادها في ميدان العمل الإسلامي، ومع ذلك لم يكتب عنها الكاتب، مثل: عبدالوهاب عزام، وعبد المنعم النمر، وعبد الله الوزير.

وهو قد صرح بذلك في مقدمة الكتاب: فلم يكتب إلا عن معاصر التقاه، وهذا منهج البخاري، ويكون قد توفي.

فهو لم يكتب عن الأحياء؛ لأن الحي (كما يقول) "لا تؤمن فتنته". وقد قالوا: "إن المعاصرة حجاب، أي أن وجود الشخصية على مسرح الحياة، يحجب الشخصية عن الكتابة، ويحجب الكتابة عن الشخصية". ـ ـ ـ

2ـ شهادات الآخرين عن الشخصية:

وقد تستغرق هذه الشهادات أغلب الترجمة، كترجمته لعبد الرحيم محمود، الذي تتلمذ على يديه الكاتب، وهو في الصف الرابع الابتدائي، بمدرسة المقام بالبصرة، سنة 1940 م، وكان عبد الرحيم محمود يعمل مدرسًا بها، قبل اشتراكه في ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941 م،

وإخفاق الثورة، ثم عاد إلى وطنه (فلسطين)، مدرسًا بمدرسة النجاح، وانضم إلى صفوف المجاهدين، واستشهد في معركة الشجرة، في 13/7/1948 م.

فالكاتب اعتمد اعتمادًا أساسيًا على الدكتور "محمد أبو فارس" في كتابة ترجمة عبد الرحيم محمود، الذي تتلمذ الكاتب على يديه في المرحلة الابتدائية لعام دراسي، وسِنُّه آنذاك لم يتجاوز العاشرة.

وكذلك ترجمته للشهيد محمد الصوابي الديب الذي لقي ربه شهيدًا تحت وطأة التعذيب الوحشي في سجون عبد الناصر، فقد تولى عرض وقائع حياته ـ وخصوصًا وهو متخفٍ عن عيون رجال عبد الناصر ـ الشيخ محمد حسانين مخلوف بصفة أساسية، مع شهادات جزئية من ابنه الدكتور علي، ومن الأخ وهبي الفيشاوي. ـ ـ ـ

ولكن أغلب التراجم تتعدد فيها الشهادات للشخصية، ولا يكتفي الكاتب بشهادة واحدة، كما نراه في أغلب ترجماته، ومنها - على سبيل التمثيل -:

ترجمته للداعية المجاهد أحمد الخطيب، إذ وثق ترجمته بشهادات كل من الأساتذة:

زهير الشاويش (في صحيفة الدستورويوسف العظم (في جريدة السبيلوماجد رسلان في جريدة اللواء.

وترجمته عن الشاعر المجاهد محمد محمود الزبيري؛ إذ استشهد الكاتب بأقوال للأستاذ أحمد الجدع، والأستاذ أحمد الشامي، والأستاذ ناصر العنسي، والشيخ عبد المجيد الزنداني.

ـ ـ ـ

ويلحق بهذه الشهادات ما ينظم في رثاء صاحب الترجمة، كالقصيدة التي رثى بها محيي الدين عطية المجاهد الشهيد "صلاح حسن"، ومطلعها:

صموت على وجهه بسمة

تحدّث قارئها بالخبر

وفي خطوه عزمة الواثقي

ن وفي صدره همسات وتر

ورثاء الشاعر "وليد الأعظمي" للعالم الداعية "سعيد حوى" بمطولة عنوانها "سكت الهزار"، منها قوله:

أفنيت عمرك بالجهاد مصابرًا

لله فيما تبتغي وتريد

لك في الجهاد عزيمة مشبوبة

لا تعتريها فترة وخمود

كالليث في وَثَبَاتِهِ وَثَبَاتِهِ

شهدت بذاك خنادق وجنود

وعلينا أن نضع في اعتبارنا أن شعر الرثاء يغلب عليه الطابع الوجداني، وتأتي "الموضوعية" في المرتبة الثانية.

وقيمة هذه الشهادات ـ بصفة عامة ـ أنها قد تضيفُ جديدًا لملامح الشخصية ومسيرتها في طريق الدعوة والجهاد، وخصوصًا إذا لم تبلغ معرفة الكاتب بالشخصية إلى درجة المعايشة. وإلا فهي مجرد تأكيدٍ وتدعيمٍ لما قدمه الكاتب عن الشخصية.

هذا، وقد يكون المنقول لا شهادة عن الشخصية، ولكن شهادة "للقيمة والمبدأ" بصفة عامة، ففي ترجمة الشيخ "الخضر حسين"، يسوق الكاتب النص الآتي للشيخ "عبد العزيز البدري" من كتابه (الإسلام بين العلماء والحكام):

"... الناس بلا علماء هم جهال، تتخطفهم شياطين الإنس والجن من كل حدب وصوب، وتعصف بهم الضلالات والأهواء من كل جانب، ومن هنا..

كان العلماء من نعم الله تعالى على أهل الأرض، فهم مصابيح الدجى، وأئمة الهدى، وحجة الله في أرضه، بهم يمحق الضلالة من الأفكار، وتنقشع غيوم الشك من القلوب والنفوس، فهم غيظ الشيطان، وركيزة الإيمان، وقوام الأمة، ومثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء، يُهتدى بهم في ظلمات الحياة في البر والبحر، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد:

"إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا طمست النجوم أوشك أن تضل الهداة". وهم ورثة الأنبياء، وحراس الإسلام،

الأمناء على دين الله، الداعون الحكام إلى تطبيقه، يقولون للظالمين: ظلمتم، وللمفسدين أفسدتم، يصلحون ما فسد، ويقومون ما اعوجَّ، لا يهابون سلطانًا جائرًا، ولا حاكمًا جبارًا، ولا يسكتون عن حق وجبت إذاعته".

ـ ـ ـ

3ـ الاعترافات الذاتية:

أو ما يعرف في علم النفس بالسرد الذاتي (autobiographical)، بمعنى: أن يتخلى الكاتب عن مكانه للشخصية لتتحدث عن نفسها(10).

ولم يتحقق ذلك في صورته شبه الكاملة إلا في ترجمة الداعية الصابر أحمد البس، ففي تفصيلٍ طويل يتحدث عن انتسابه للإخوان سنة 1939م، ويتحدث عن معاناته ومعاناة إخوانه في سنوات السجن، ويتحدث عن بيته وأسرته وتوجيهاته لابنه.

وخلال كل أولئك يثني على الإمامين حسن البنا، وحسن الهضيبي، وفي النهاية: ينهي الكاتب ترجمته ببعض أقوال له.

ـ ـ ـ

4ـ ما نشر عن هؤلاء الأعلام في الصحف والمجلات والكتب والبحوث:

كالذي نشره الأستاذ "جمال النهري" في مجلة المجتمع عن الشهيد "صلاح حسن"، وفي الكتب والبحوث كالذي كتبه الأستاذ حسن دوح في كتابه (شهداء على الطريق

والأستاذ زين العابدين الركابي في تقديمه لكتاب الشهيد صلاح حسن (ثمانون عامًا بحثًا عن مخرج) يقول الأستاذ العقيل في نهاية تقديمه لكتابه: (ولقد رجعت إلى بعض الكتب والمجلات التي فيها شيء عن الأشخاص الذين كتبت عنهم، واستفدت منها، وإن كان جل اعتمادي على ذاكرتي، ومعايشتي لهؤلاء الرجال الأفذاذ.

ـ ـ ـ

الفصل الثالث

المنهج والأبعاد

يعرض الكاتب تراجمه بالطريقة المباشرة، وهو ما يسمى بالطريقة الملحمية Apic، فالكاتب مشاهدٌ يحكي بضمير الغائب، وندر أن يتبع طريقة السرد الذاتي autobiographical التي تترك المجال للشخصية كي تتحدث عن نفسها، ولا نكاد نجد ذلك إلا في ترجمة الداعية المجاهد "أحمد البس"(11).

ومنهج البحث في الشخصية يعني التزام الكاتب خطة معينة، متبعًا خطوات تأخذ اتجاهًا واحدًا مهما تعددت الشخصيات، أو هو - كما عرفه الدكتور مجدي وهبة" - وسيلة محددة توصل إلى غاية معينة"(12).

والمنهج الواحد لا يأخذ صورة واحدة عند كل الباحثين، ومن أشهر هذه المناهج المنهج التاريخي، الذي يفهمه أغلب الباحثين على أنه يعني تتبع حياة الشخصية من الميلاد إلى الوفاة،

ورصد وقائع حياتها، وتفصيل المؤثرات فيها مع مراعاة الترتيب الزمني لهذه الوقائع دون تدخل من الكاتب، وهو في هذه الصورة يشبه - إلى حد كبير - ما نسميه "المنهج السردي التقليدي" على نسق ما كتبه ابن خلكان في "وفيات الأعيان"، وابن الأثير في "أسد الغابة".

ويرى بعضهم أن المنهج التاريخي هو المنهج الذي يدرس مدى تأثر الشخصية وأعمالها بالوسط الذي تعيش فيه.

ولابن خلدون لفتات بارعة في بيان أثر البيئة في الطبائع النفسية والاتجاهات الفكرية، ومدى القابلية للحضارة والعمران، فهو ـ على سبيل التمثيل ـ يبين أثر البيئة الطبيعية في تحديد نوع العمل عند البدو والحضر، ثم يبين أثر ذلك في طبيعتهم النفسية..

فأهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر، وسبب ذلك أن النفس إذا كانت على الفطرة الأولى كانت متهيئة لقبول ما يرد عليها، وينطبع فيها من خير أو شر، قال (صلى الله عليه وسلم): "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه".

وأهل الحضر - لكثرة ما يعانون من فنون الملاذ وعوائد التزين، والإقبال على الدنيا، والعكوف على شهواتهم منها - قد تلوثت أنفسهم بكثير من مذمومات الخلق والشر، وبعدت عليهم طرق الخير ومسالكه بقدر ما حصل لهم من ذلك(13).

وهناك مناهج أخرى متعددة، منها: "المنهج الاجتماعي"، والشيوعيون هم الذين يُؤْثرون هذا المنهج، فهم يرون أن مقومات الحياة الثقافية،

وخصائص المجتمع الأخلاقية والدينية، واتجاهاته القانونية والفنية.. جميعها في رأي الشيوعية مشتقة من الأصول الاقتصادية، وأدوار التاريخ المتعاقبة، ومنشؤها صراع الطبقات، وهذه الطبقات المتصارعة من نتاج الأحوال الاقتصادية(14).

ولكننا نقرر - بصفة أساسية - أن المنهج الاجتماعي أيًّا كانت صورته لا يمكن أن يمثل في مجال التراجم منهجًا مستقلاً عن المنهج التاريخي؛ لأنه جوهر من جواهر هذا المنهج الأخير، وعنصر من عناصره الأساسية، أو إن شئت فقل: إن العلاقة بين المنهجين.. التاريخي والاجتماعي، كالعلاقة بين العام والخاص.

وهناك مناهج أخرى، كالتأثري، والفني، والنفسي، ولا يتسع المقام للتوقف عندها، ويكفي ما مثلنا به.

ـ ـ ـ

واستقراء تراجم العقيل تضع أيدينا على المنهج الذي اتبعه، وبتعبيرٍ أدق المنهج الغالب، وإن كان فيه قليل من بصمات المناهج الأخرى.

والعناصر الأساسية المشتركة بين كل تراجم الكتاب أو أغلبها:

1ـ كيف عرف أو تعرف على الشخصية، وأثرها في نفسه.

2ـ المولد، والنشأة، والوفاة.

3ـ الصورة النفسية، والخلقية، والعَقَدية، لمن ترجم له.

4ـ علاقته بالآخرين، وشيوخه، وأساتذته، ومن تأثر بهم.

5ـ البيئة، وملامح الجو السياسي، والاجتماعي، والثقافي.

6ـ معاناته، وما تعرض له من محن في سبيل دعوته.

7ـ آثاره وتأثيراته وتوجيهاته في مجال العلم، أو الجهاد، أو التربية، ومنهاجه الدعوي، أو الحركي.

8ـ أقوال الآخرين عنه.

9ـ نصوص ونماذج من شعره ونثره، إن كان أديبًا.

ـ ـ ـ

وثمة ملاحظات ـ بل هي حقائق ـ نلخصها في النقاط الآتية:

1ـ أن الكاتب يهتم اهتمامًا خاصًا بالملامح النفسية، والعَقَدية، والخلقية للشخصية.

2ـ أن الكاتب لم يورد هذه العناصر مجردة، وإلا كان منهجه كالمنهج السردي التقليدي، ولكن القارئ يشعر بأن للكاتب حضورًا بالرأي، واستخلاصات من المادة التاريخية، بناءً على معرفته الخاصة بالشخصية، فهو مثلاً يقول عن الشيخ الشهيد "محمد فرغلي":

"وكنت أرى في الشيخ فرغلي المهابة والوقار، وعزة المؤمن، وفقه المجاهد، يتكلم بهدوء وبعبارات موجزة، عظيمة الدلالة، عميقة المغزى، فيها الحنان والعطف والحب للإخوان، والثقة والطمأنينة بما عند الله من نصر لهذا الدين، ولعباده المؤمنين إن هم صدقوا مع الله، وأخلصوا النية له".

ـ ـ ـ

".... إن الشيخ فرغلي كان جزءًا مهمًا من تاريخ حركة الإخوان المسلمين العالمية منذ نشأتها والتحاقه المبكر بها، إلى أن أكرمه الله بالشهادة على يد فرعون مصرالطاغية "عبد الناصر" عميل اليهودية، والصليبية، وصنيعة الأمريكان.

ولقد كان الإخوان المسلمون شيوخًا وشبابًا، ينظرون إلى هذا الرجل العظيم الشيخ فرغلي، نظرة الإكبار والإجلال، والحب والوفاء، لما يتمتع به من خصال الخير وصفات الرجولة.

وكانت أحاديثه في مخيمات الإخوان وكتائبهم، ومعسكراتهم وأسرهم، تأخذ بمجامع قلوب السامعين، لما يجدونه فيها من الصدق والوضوح، والبساطة، والحلاوة، والإيمان، والإخلاص".

3ـ لم يعالج الكاتب هذه العناصر على مستوى واحد كمًا وكيفًا، فهي محكومة بواحد من المعيارين الآتيين: أ ـ حظ الكاتب من معرفة الشخصية، وحجم المادة المتوفرة لديه.

ب ـ طبيعة الشخصية، ومكانتها، وحظها من العلم والفقه، والقدرة على الجهاد، وطبيعة الأدوار التي أدتها.

فهو يفصل القول في قيم الصبر، والتحمل، والتضحية في سياق حديثه عن شهداء الحكم الظالم. ويفصل القول في قيمة العلم في سياق حديثه عن العلماء والفقهاء، وهذا مسلك طبيعي واضح في كل ترجمات الكاتب.

4 ـ وهناك لازمة مطردة في هذه الترجمات، وهي الإشادة بدعوة الإخوان، أو اقتباس نصوص من أقوال الإمام البنا مناسبة للشخصية، وللمقام الذي يتحدث فيه الكاتب.

وعلى سبيل التمثيل:

استشهد المجاهد محمد الصوابي الديب تحت وطأة التعذيب الوحشي في سجون عبد الناصر، وهو في سن الثامنة والعشرين، فيختم الكاتب ترجمته بنص طويل للإمام الشهيد من رسالة إلى الشباب استهله بقوله: "أيها الشباب إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها،

وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها، وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الإيمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل.. من خصائص الشباب".

وختمها بقول الإمام:

"... فجددوا أيها الشباب إيمانكم، وحددوا غاياتكم وأهدافكم، وأول القوة الإيمان، ونتيجة هذا الإيمان الوحدة، وعاقبة الوحدة النصر المؤزر المبين. فآمنوا وتآخوا واعملوا، وترقبوا بعد ذلك النصر.. وبشر المؤمنين.

إن العالم كله حائر يضطرب، وكل ما فيه من النظم قد عجز عن علاجه، ولا دواء له إلا الإسلام، فتقدموا باسم الله لإنقاذه، فالجميع في انتظار المنقذ، ولن يكون المنقذ إلا رسالة الإسلام التي تحملون مشعلها وتبشرون بها".

وقد يسوق الكاتب نصًا عن الإمام الشهيد في سياق الترجمة، ففي ترجمته للمجاهد الصامت عبد الله سلطان الكليب، الذي استظل براية دعوة الإخوان، ونهج نهجهم.. يسوق الكاتب نصًا لأحمد عبد الغفور عطار - مؤسس صحيفة عكاظ - نشره "بجريدة المسلمون" بتاريخ 26 من رمضان 1417هـ، جاء فيه:

"... رحم الله شهيد الإسلام الإمام حسن البنا - مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ، ومرشدهم العام، وطيب الله ثراه، وأنزله الفردوس الأعلى، وعوض عنه بني الإسلام خيرًا، ونفع بجهاده الصادق وجهوده المباركة المستمرة.

لقد كان من صفات الإمام الشهيد العظيمة الجمة تربيته الدعاة إلى الله، ودفعهم إلى المزيد من البذل؛ مما وهب الله لهم من الخير والفضل".

وفي نهاية ترجمته للمعلم المجاهد إبراهيم عاشور يورد نصًا عن الإمام الشهيد حسن البنا على لسان تلميذه الشيخ محمد الغزالي - رحمهما الله - يقول فيه:

".... أشعر بالرضا، وأنا أعترف بأني من تلامذة حسن البنا ومحبيه، وحامل أعباء الدعوة الإسلامية معه، أعرف أن ذلك يبغضني عند كثير من الناس! ليكن، فقد تعلمت من الرجل الكبير، أن المؤمن يسترضي الله وحده، ويطلب وجهه الأعلى،

إن من رحمة الله بالأمة الإسلامية، بل بالعالم الإنساني أن يظهر بين الحين والحين رجل، مثل حسن البنا يجدد تراث محمد (صلى الله عليه وسلم)، ويحشد الجموع حوله، ويحل المشكلات به، وينفي عنه الأوهام والبدع، ويعيد إليه بريقه الأخاذ يوم كان وحيًا يتلى، وسنة تتبع".

فالإمام الشهيد له حضورٌ دائم في كل ترجمة، وكذلك مبادئ الإخوان ومنهجهم الدعوي. ولا عجب في ذلك، فالكاتب ـ زيادة على هدفه المعرفي ـ له هدف تربوي دعوي، وهو الحرص على اقتداء هذا الجيل - وخصوصًا الشباب - بهؤلاء الدعاة المجاهدين.

وللحق جاءت هذه النصوص في موقعها المناسب من الترجمة، فانسابت في السياق كأنها وضعت أساسًا من أجلها.

5ـ لم يلتزم الكاتب بالترتيب الزمني للوقائع، وإن كانت الوقائع والأحداث، والنصوص تتضام، وتتلاحم لتقدم ترجمة متكاملة، بحيث يخرج القارئ بصورة واضحة للشخصية بكل ملامحها، ويحس القارئ بصدقية كاتبها وقوة وجدانه العَقَدي، وحبه وإخلاصه لدعوة الإخوان.

وقد أشرت من قبل إلى أنه يهتم اهتمامًا جادًا بإبراز الصورة النفسية والخلقية للشخصية، فهي الخلاصة العَقَدية لها.

والهدف التربوي بتحقيق اقتداء الشباب بهذه القمم يعتبر أهم أهداف الكاتب.

ومن حق الكاتب عليّ أن أعترف بأنني كنت أجهل كثيرًا من هذه الشخصيات، وكثيرًا جدًّا من وقائع حياتها، والأدوار التي قامت بها في مجال الدعوة، ومجال الجهاد. ـ ـ ـ

هذا ونظلم الكاتب لو نسبنا ترجماته إلى المنهج السردي التقليدي، أو المنهج التاريخي، أو المنهج الاجتماعي، أو المنهج التأثري، ولكنه أخذ نفسه "بالمنهج التكاملي" الذي يفيد ـ بالوعي أو باللاوعي"- من معطيات المناهج الأخرى وقواعدها بلا إسراف، أو شطط، أو حماسة تخرج الكاتب عن الخط الموضوعي.

ومن هنا رأيناه يلجأ إلى التوفيق الفاعل بين الأحداث والنصوص بعيدًا عن "التلفيق المفتعل"، فلا يتوسع في عنصر أكثر من العناصر الأخرى إلا إذا كان ذلك ضرورة تقتضيها طبيعة الشخصية، فكل ترجمة من هذه الترجمات تتوافق فيها العناصر، ونخلص منها إلى ترجمة شاملة متكاملة.

وهذه هي طبيعة المنهج التكاملي الذي تبوح به هذه الترجمات، ولا ندعي أن الكاتب درس قواعد هذا المنهج، واتبعها قصدًا في ترجماته.

ولكن كان هذا اتجاهه دون أن ينسبه إلى منهجٍ معين، فاكتشاف المنهج، والتعرف عليه من مهمات النقاد والدارسين على حد قول المتنبي:

أنام ملء جفوني عن شواردها

ويسهر الخلق جراها ويختصم(15)

ـ ـ ـ

الفصل الرابع

الفن والأسلوب

تحدثنا عن مفهوم الترجمة وعناصرها، وتتبعنا منهج الكاتب في عرضها، ولن نحاول أن نكرر السؤال التقليدي:

هل الترجمة علم أم فن؟؛ لأننا حتى نجيب عن هذا السؤال إجابة سديدة.. يجب أن نبتعد عن التعميم، بل يجب أن ننظر إلى العمل ذاته، وبتعبير أدق: يجب أن ننظر إلى كل ترجمة على حدة.

وعلينا أن نؤمن بأن الحكم "بعلمية" الترجمة، أو "فنيتها".. إنما هو حكم قائم على "التغليب" لا على "الإطلاق" أي الطابع الغالب؛ لأن كل ترجمة مهما كانت "موغلة" في العلمية، لا تخلو من بعض العناصر الفنية أو الأدبية، وإن جاءت ناصلة، والعكس صحيح أيضًا. ـ ـ ـ

وفي تراجم العقيل تختلفُ درجة "الفنية" من ترجمة إلى أخرى، ولكن بعض التراجم استوفت كل العناصر الدرامية في العمل القصصي، وأظهرها ترجمة الشهيد محمد الصوابي الديب، بحيث لو صيغت في هيئة (سيناريو) لكانت من أنسب الأعمال للأداء المسرحي أو السينمائي؛ مما يصدق معه القول المشهور: "إن من الواقع ما يفوق الخيال".

فهذه الترجمة تمثل عملاً دراميًّا متكاملاً بكل عناصره، من: عرض متقن، وحبكة قوية، ودقة في رسم الشخصيات، ثم العقدة والنهاية أو الحل. زيادة على عنصر التشويق الذي جعلنا نتابع الترجمة بشعورٍ مرهف، وعاطفة حية، متعاطفين مع شخصية الشهيد محمد الصوابي الديب.

فالشخصيات حية منتفضة أمامنا كأنما نراها رأي العين، والشخصية الرئيسية ـ بكل الوقائع التي مرت بها ـ تأخذ بقلوبنا ومشاعرنا، وهناك الشخصية الأولى في الشخصيات الثانوية - وهي شخصية الشيخ حسنين مخلوف - التي قامت بالدور الرئيسي في حماية المجاهد الشهيد. والشخصيات الثانوية الأخرى ابنه الدكتور علي، وزوجته سعاد حسن الهضيبي.

وهذه الشخصيات نكتشف بسهولة أنها محددة الملامح واضحة السمات، وصورتها بعيدة عن الافتعال، كما أنها متفاعلة بعضها مع بعضها الآخر. ومتفاعلة كذلك مع الأحداث.

والحبكة: وهي تعني الارتباط القوي بين الوقائع والشخصيات، وتعني سلسلة الحوادث التي تجري فيها الحكاية مرتبطة عادة بروابط السببية، وهي لا تنفصل عن الشخصيات إلا انفصالاً صناعيًا مؤقتًا(16). ثم بلوغ قمة التأزم، أي العقدة، وهي تتمثل في مغادرة الصوابي منزل الشيخ أملاً في الهروب إلى السعودية، وانقطاع خبره عن الشيخ وأسرته وشدة قلقهم عليه.

ويأتي الحل بعد ذلك مأساويًّا؛ إذ قبض على الشهيد، وهو يحاول أن يهرب إلى السعودية، وعذب تعذيبًا لا يطيقه بشر إلى أن لحق بربه شهيدًا، ودفنه طواغيت عبد الناصر في مكانٍ مجهول.

وعود مرة أخرى إلى الوقائع في هذه الترجمة، فنجد أنها في طبيعتها وتتابعها وانتظامها الزمني تكاد تكون حوارًا مسرحيًّا متتابعًا.

وبتعبير آخر، استطاع الكاتب أن "يحور الوقائع" أي يلبس الوقائع ثوب الحوار بلا تكلف أو تصيد. ونسوق نموذجًا يؤيد هذا الحكم دون تدخل منا أكثر من نقل اسم الشخصية إلى بداية الجانب الأيمن، كما نرى في النهج المسرحي:

الشيخ حسنين مخلوف: وفي أحد أيام صيف 1955م - على ما أذكر - جاءني صادق أفندي (وهو الاسم الحركي لمحمد الصوابي الديب) وقال لي: إنه يريد السفر إلى السعودية ليعمل هناك، وحاولت أن أثنيه عن ذلك، ولكنه أصر، وأخبرني أن هناك شخصًا قد أعد له الرحلة بالباخرة عن طريق السويس إلى جدة.

الدكتور علي حسنين مخلوف: كانت الأسرة كلها قلقة، وبما أنني كنت أكثرهم هدوءًا، فقد حاولت دائمًا أن أطمئنهم، ولكن دون جدوى.

وهبي الفيشاوي: إن الشهيد محمد الصوابي الديب سجن معنا بعد القبض عليه في سجن رقم 4 بالسجن الحربي، وقد علمنا أنه تم القبض عليه بواسطة شخص عراقي، وكان زبانية السجن الحربي يعذبون الشهيد تعذيبًا وحشيًّا.

الدكتورة سعاد حسن الهضيبي (زوجة الدكتور علي وابنة الأستاذ حسن الهضيبي): ذهبت يومًا إلى السجن الحربي؛ لكي أعطي والدي بعض الحاجات، وعقب خروجي من مكتب مدير السجن (حمزة البسيوني)، شاهدت الشهيد محمد الصوابي الديب، وهم يقومون بتصويره لعمل بطاقة اتهام، وكتمت صرخة كادت تنطلق مني.

الدكتور علي حسنين مخلوف: كنت خائفًا على والدي الشيخ حسنين مخلوف، فهو قد تجاوز الستين من عمره، ولا يستطيع أن يتحمل أهوال السجن الحربي، ولذلك كنت أنا وزوجتي لا نفارقه ليلاً أو نهارًا، متوقعين في أية لحظة مداهمة الشرطة لمنزلنا.

الشيخ حسنين مخلوف : لم أكن أتوقع أبدًا أن يتحمل الشهيد محمد الصوابي الديب هذا التعذيب الذي لا يصدقه عقل من أجلي، لم أكن أتوقع أن يضحي بحياته من أجلي، حقًّا هذه هي تربية الإسلام الحق.

الدكتورة سعاد الهضيبي: تعجبنا جميعًا عندما مرت الأيام ولم تداهم الشرطة بيتنا - كما كنا نتوقع - وفي أحد الأيام ذهبت لزيارة أبي المرحوم (حسن الهضيبي) بالسجن الحربي، وسألته عن محمد الصوابي الديب، فهز والدي رأسه بطريقة تدل على الأسى، وأخبرني أنه من الشهداء، وأضاف أبي قائلاً:

لقد تعجبت لأن الذين كانوا يقومون بتعذيبه لم يسألوه إلا سؤالاً واحدًا فقط، هو: "أنت كنت فين؟" فلا يجيب إلا بآيات من القرآن الكريم، حتى كسروا عموده الفقري، وبرزت عظامه وضلوعه، وكان ممرض السجن "التمرجي" يخرج من مكان تعذيبه، وفي يده صفيحة مليئة بالدم.

وهبي الفيشاوي: إن بعض الإخوة المسجونين كانوا يقومون بتوزيع الطعام علينا، كانوا يخبروننا بأحوال السجن والمعذبين فيه، وفي أحد الأيام أخبرني أحدهم أن جراح الأخ محمد الصوابي الديب فادحة جدًّا ومتقيحة، وأن حالته قد ساءت لدرجة أن الحشرات تسري بين جروحه، وأنه قد امتنع عن الطعام بعد أن مُنع عنه الماء،

ولم تمض سوى أيام قليلة على هذا الحديث، حتى أطفئت أنوار السجن الحربي كلها في إحدى الليالي، وشاهدت من ثقب زنزانتي حراس السجن الحربي يحملون جسمًا ملفوفًا داخل بطانية، ويضعونه داخل سيارة جيب مغلقة، وشعرت أنه الشهيد محمد الصوابي الديب، وقلت في نفسي:

استرحت، وفزت بالجنة - إن شاء الله.

الشيخ حسنين مخلوف : إذا كانت تربية الشهيد من تربية الإخوان المسلمين ، فأنا أضم صوتي بقوة إلى علماء الأزهر في المطالبة بعودة الإخوان المسلمين ، فتربيتهم هي خير تربية.

ـ ـ ـ

الأسلوب، والأداء التعبيري:

من أدق تعريفات الأسلوب وأحدثها أنه طريقة يستخدمها الكاتب ليبين رأيه، أو يعبر عن موقفه بألفاظ مؤلفة على صورة تكون أقرب لنيل الغرض المقصود من الكلام،

وأفعل في نفس قارئه أو سامعه، فتعرف شخصية صاحب هذا الأسلوب، وتتميز باختيار المفردات، وانتقاء التراكيب لأداء أفكاره حق أدائها.. ومن هنا قالوا:

الأسلوب هو طريقة الكاتب في التعبير عن موقف ما، والإبانة عن شخصيته المتميزة عن سواها، وهو أنواع، من أهمها:

(1) الأسلوب الأدبي: وأبرز صفاته الجمال، وقوة الإيحاء والتأثير، وبراعة الخيال والتصوير، ودقة توظيف المجاز، واختيار الألفاظ ذات الإيحاء والجرس المناسب، مع التدفق العاطفي، وقوة الشعور.

(2) الأسلوب العلمي: ويغلب عليه الطابع العقلي، وتوظيف الحجج العقلية، واستخدام المصطلحات العلمية والإحصائية، واستعمال التراكيب المباشرة، والألفاظ ذات المدلول الواحد، دون تنميق وخيال.

(3) الأسلوب العلمي المتأدب، أو الوسطي، وهو الذي يجمع بين صفات من الأسلوبين السابقين، ويستعمل غالبًا في العلوم الإنسانية، كالتاريخ، والاقتصاد، والتربية، والسياسة(17).

ـ ـ ـ

وأسلوب كاتبنا (المستشار العقيل) من النوع الثالث... وهو من الأسلوب المرسل الذي ينطلق دون حرصٍ على زينة لفظية: كالسجع، والجناس، والازدواج، وغيرها.. إلا إذا جاءت عفوًا دون قصد.

وقد وظف الكاتب التكرار المعنوي كثيرًا جدًّا لتأكيد المعنى، وأحيانًا للتلذذ بالذكر. ومن أمثلة هذا التكرار المعنوي: "...

وقد أثمرت هذه الجهود المباركة نواة طيبة من شباب العالم الإسلامي، هجرت حياة الدعة، وسارعت إلى ساحة الجهاد، وميدان الإعداد، وتوجهت إلى أرض الرباط قريبًا من أعداء الإسلام - اليهود - لمناجزتهم ومحاربتهم".

وكذلك قوله: "إن الشيخ فرغلي كان جزءًا مهمًا من تاريخ حركة الإخوان المسلمين العالمية، منذ نشأتها والتحاقه المبكر بها.. إلى أن أكرمه الله بالشهادة على يد فرعون مصرالطاغية "عبد الناصر" عميل اليهودية، والصليبية، وصنيعة الأمريكان.

ولقد كان الإخوان المسلمون - شيوخًا وشبابًا - ينظرون إلى هذا الرجل العظيم الشيخ فرغلي نظرة الإكبار والإجلال، والحب والوفاء، لما يتمتع به من خصال الخير وصفات الرجولة.

وكانت أحاديثه في مخيمات الإخوان وكتائبهم ومعسكراتهم وأسرهم، تأخذ بمجامع قلوب السامعين، لما يجدونه فيها من: الصدق، والوضوح، والبساطة، والحلاوة، والإيمان، والإخلاص، فحديثه حديث القلب إلى القلوب، ومناجاة الروح للأرواح، يثير العواطف، ويحرك المشاعر،

ويدعو إلى العمل الجاد الدءوب في سبيل الله، ومن أجل المستضعفين في الأرض، ويوضح لجماهير الإخوان أن أعداء الإسلام من اليهود والصليبيين والمستعمرين هم أتفه وأحقر من أن يصمدوا أمام عزائم الرجال المؤمنين، وأن تجارب الحرب معهم في فلسطين كشفت عن جبنهم،

وتخاذلهم، وهشاشة قوتهم، فكانوا يفرون كالفئران المذعورة أمام مجاهدي الإخوان المسلمين ، ولولا المؤامرات الدولية الكبرى، وتخاذل بعض الأنظمة في ديار العرب والمسلمين، لما ضاعت فلسطين، ولما كان للإنجليز أو الفرنسيين أو الأمريكان وجود في البلاد الإسلامية".

واستخدم الكاتب كل أنواع الجمل: من قصيرة إلى متوسطة إلى طويلة. وبحاسته المرهفة ـ دون افتعال ـ استخدم كلاً منها في سياقه المناسب. وربما جمع النص الواحد كل الأنواع الثلاثة، كما نرى في قوله:

"لقد كان رحمه الله يتميز بالصدق في القول، والصراحة في الحق، والعمق في التفكير، والنضج في التخطيط، والكتمان للسر، والتضحية بالمال والنفس، والإصرار على تحقيق الهدف، والبعد عن المظاهر، والسبق في مواطن الخير، والقدرة الفائقة على الإقناع، حتى تأثر به كل من عرفه عن قرب،

واحترمه وأكبر مواقفه لقلة كلامه، وكثرة عمله، كما كان عزيز النفس، كريم الخلق، لا يقبل ضيمًا، ولا يخضع لجور، يتعالى أمام المتجبرين، ويذل أمام المؤمنين، ويزن من معه بموازين الرجولة دون النظر إلى جاه أو منصب أومال، ومن هنا لم تبطره النعمة التي حصل عليها بكفاحه، بل كان ينفق منها بسخاء منقطع النظير في وجوه الخير، وميادين الجهاد، وطرق البر دون أن يعلم بذلك أقرب المقربين إليه".

كما أنه يستعمل ما يمكن أن نسميه «الأسلوب المكثف»، وخصوصًا في التشخيص، أي: رسم ملامح الشخصية، وهو أسلوب مباشر موجز حاسم الأحكام، ومعه كل ملامح الشخصية، فكأنها حية ظاهرة للعيان، ومن ذلك هذه السطور التي كتبها عن المرشد حسن الهضيبي (رحمه الله):

«كان الإمام الهضيبي (رحمه الله) مهيبًا، قوي الشخصية، هادئ الصوت، قليل الكلام، يسمع أكثر مما يتكلم، وكان قاضيًا في كل ما يتناوله من أمور، صلبًا في الحق، لا يعرف أنصاف الحلول، ولا يرضى بها، امتاز بعمق الفكر، وسداد النظر، ويستبعد المصلحة الثانية والمكاسب المؤقتة، ويترك المجاملة على حساب الدعوة.

هذا مع حرصٍ شديد على رصانة الأسلوب، وصحته القاعدية واللغوية. وإن كان من حقنا أن نتنبه إلى خطأ تعدد المضاف قبل أن يستغرق المضاف إليه ابتداءً، مثال ذلك: "ولم تنفع مع الطاغية وساطات، وشفاعات ملوك وزعماء وقادة وعلماء العرب والمسلمين...".

فمثل هذا الأسلوب لم يرد في العربية إلا في شاهدٍ واحد شاذ، هو قول الفرزدق:

يا من رأى عارضًا أُسَرُّ به

بين ذراعَيْ وجبهة الأسدِ

أي بين ذراعي برج الأسد وجبهته، ومثل هذا لا يجوز إلا في الشعر(18).

فالصحيح أن يقال: ولم تنفع مع الطاغية وساطات ملوك العرب والمسلمين، وقادتهم، وعلمائهم. إلا أن هذا الخطأ قليلٌ في التراجم، والحمد لله.

ـ ـ ـ

وقبل أن نعرض لوجهة الكاتب في التصوير البياني، أشير في هذا المقام إلى أن الأدب يتسع للمبالغة، ولكنه يرفض الإغراق فيها، كما نرى في بيت المتنبي المشهور:

كفي بجسمي نحولاً أنني رجلٌ

لولا مخاطبتي إياكَ لم ترني

فليس نجاح الصورة متوقفًا على الانطلاق البلاغي الفني، ولكن قد تكون الصورة عفوية بعيدة عن التحليق الخيالي، ولكنها تملك من الإيحاءات والدلالة على الباطن النفسي ما فيه غَناء وإشباع. ومن أشهر الأمثلة في هذا المجال بيتا "ذي الرمة":

عشية مالي حيلة غير أنني

بلقط الحصى والخط في الترب مولعُ

أخطُّ وأمحو الخطَّ ثم أُعِيدُه

بكَّفيَّ والغربان في الدار وُقّعُ

فهذه الصورة الشعرية تحمل دلالة على الحيرة، واللوعة، وشرود اللب، ووحشة المكان التي تتجاوب مع أحاسيس الشاعر(19).

وفي تراجم العقيل صور بيانية متعددة، وخصوصًا الاستعارة والتشبيه، تقترب في طابعها العام مما ذكرناه سابقًا، وقد يلجأ في صوره إلى ظاهرة تشخيص المعنوي، أو غير البشري. ولكن خيال الكاتب بصفة عامة (خيال واقعي) ـ إن صح هذا التعبير ـ فهو لا يحلق في آفاق شاردة، ولكنه خيال قريب جدًّا من الواقع. فهو يتحدث عن البهي الخولي ـ رحمه الله ـ بقوله:

ثم سعدت بالجلوس إليه، وهو يلقي دروسه على صفوة من الإخوان، المراد إعدادهم ليكونوا نماذج صادقة للدعاة من حيث الكفاءة العلمية، والتربية الخلقية، والطبيعة التنفيذية، والحركة الدعوية، وكان حديثه في غاية العمق، يغوص على المعاني غوصًا،

ويستخرج اللآلئ المكنونة من كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، ويعرضها بأسلوب شيق، وروح شفافة، وقلب حي مليء بمحبة الله ورسوله، غيور على الإسلام وأهله، حريص على إنقاذ الأمة من الضياع الذي تعيش فيه، نتيجة تسلط الأعداء الذين صرفوا الناس عن الإسلام، وحاربوا كل مظاهره ومشاعره.

وكما نرى في قوله عن الشهيد "عبد القادر عودة":

"لقد وقف عبد القادر عودة على حبل المشنقة، فازداد على الحق إصرارًا، ورأى الموت بعينه فأسرع للقياه، ولم تكن جريمته إلا أنه قال، كما قال من سبقوه على الطريق:

"ربي الله"، ولم تكن فعلته إلا أنه أنكر على الظالم ظلمه للناس، وأبت عليه نفسه أن يسكت عن صنوف الذل والهوان للأمة، فمضى شهيدًا، بعد أن سطر على صفحات التاريخ سطورًا لا تمحى، وحفر في القلوب والأذهان ذكرى على مر الأيام تنمو وتزدهر".

"... ولي عبد القادر عودة القضاء، فكان المنارة الزاهية بين القضاة؛ لأنه أبى إلا أن يطبق قانون السماء ما وجد إلى ذلك سبيلاً، ورفض أن يقيد نفسه بقوانين الأرض، التي عجزت عن أن توفر لبني البشر، أمنًا يفتقدونه وهدوءًا يبحثون عنه، وحبًا يتوقون إليه".

ولكننا في كل التراجم نشعر بأن العاطفة الإيمانية للكاتب تسري في أعطاف كل السطور.

ـ ـ ـ

وفق الله المستشار (عبد الله العقيل) لخدمة الإسلام والمسلمين، والفكر السوي، ومناصرة الحق، وكبت الباطل، والانتصار للمظلومين في كل مكان، إنه نعم المولى ونعم النصير.

تذييلات

أما وقد اقتربت هذه الدراسة من الانتهاء، أجد في نفسي الجرأة على عرض ما أعرفه عن بعض هذه الشخصيات التي ترجم لها المؤلف:

ومن هذه الشخصيات الأستاذ محمد الشيخ - رحمه الله - فقد عايشته في الكويت معارًا من الحكومة المصرية على مدى أربع سنوات من بداية السبعينيات، فرأيته نعم الأخ، ونعم الموجه، فقد كان يرعى الإخوان المصريين رعاية الأب لأبنائه،

ويقدم مساعدته المالية إلى كل متعاقد معار جديد، بكرم يفوق التصور، وبأسلوب يدل على عظمته، وسماحته، فكان يضع في يد الأخ الجديد مبلغًا من الدينارات الكويتية، لا يقل عن 500 دينار كويتي، ويقول له: "يا أخي هل من الممكن أن تخدمني خدمة؟

معي هذا المبلغ، وأخشى عليه أن أنفقه بين يوم وليلة، فيا ليتك تحتفظ به لي عندك كوديعة لن آخذها منك إلا بعد شهرين أو ثلاثة".

كما نظم الإخوان المسلمين في أسر تزاول نشاطها المعرفي والرياضي، وكأننا لم نخرج من بلدنا.

ـ ـ ـ

والشيخ أبو الحسن الندوي : تعرفت عليه من خلال العمل برابطة الأدب الإسلامي، ولا أنسى لقاءنا على مدى أربعة أيام في مؤتمر رابطة الأدب الإسلامي العالمية المنعقد في استانبول بتركيا (يوم 25/8/1993 م). ولا أنسى دموعه، وأنا ألقي هناك قصيدتي: "حديث عصري إلى أبي أيوب الأنصاري"(20).

كما أنني نظمت فيه قصيدة رثاء بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى بعنوان: "إمام المسلمين" أبو الحسن الندوي، ومطلعها:

أبا الحَسَنِ الندْويَّ والروحُ مثقلٌ

بكلِّ عوادِي الحزنِ والقلبُ يَنْزِفُ

وقد فاضَ دمعي مِنْ تواصُلِ محْنتي

فما أوقفَتْ همِّي مدامعُ تذْرفُ

فصرْتُ كيانًا ضائعًا في متاهةٍ

تَهُبُّ عليها النائباتُ وتعْنُفُ

أأرثيكَ؟ لكنْ من أعزِّي، وإنني

قصيرُ مدَى الأشعارِ، والكونُ يَرْجُفُ؟

ففي الأرض من هولِ الفجيعة مأتمٌ

تقيم به الأحزانُ حَرَّى.. وتعكفُ

مشارقُ تبكي يتمها، ومغاربُ..

وقد غِبتَ عنها، والنوازل تقصف

وإنك يا ندْويُّ بالحقِّ أمَّةٌ..

إمامٌ، جليلٌ، زاهدٌ، متعفِّفُ(21)..

ـ ـ ـ

أما عمر بهاء الدين الأميري ـ رحمه الله ـ فقد قرأت من شعره الكثير في الثمانينيات من القرن الماضي، قبل أن ألقاه لأول مرة في مكة، وأنا أؤدي مناسك العمرة. كان ذلك في يوم الجمعة 27 من رجب عام 1410هـ ـ 23 من فبراير 1990 م، وطلب مني أن نلتقي (ومعنا الأستاذ أحمد محمد جمال) كل يوم قبل المغرب بساعة قبالة الركن اليماني في بيت الله الحرام. وأهداني ديوانه "نجاوى محمدية".

كنت أنزل بالغرفة رقم 214 بفندق "خوقير"، واكتشفت أن حسين الشافعي - وهو أحد القضاة الثلاثة الذين حكموا بالإعدام على عبد القادر عودة وإخوانه (الشيخ محمد فرغلي، ويوسف طلعت، وإبراهيم الطيب، وهنداوي دوير، ومحمود عبد اللطيف)، أما القاضيان الآخران، فقد مات جمال سالم بأخبث الأمراض، وقتل السادات يوم 6/10/1981 م.

أقول: اكتشفت أن حسين الشافعي ينزل بنفس الطابق في الغرفة 221 فواجهته بكلمات قاسية جدًّا كان أبسطها: تب إلى الله يا رجل توبة نصوحًا قبل أن تهلك، كما هلك صاحباك، فبيدك سفكت دماء الأبرياء.

وقصصت على الأستاذ عمر تفاصيل حملتي على حسين الشافعي، ومن عجب أن أراه يفتح حقيبته، ويخرج منها نسخة من ديوانه "نجاوى محمدية"، ويكتب عليها الإهداء إلى حسين الشافعي.

ـ أتعرفه؟

ـ نعم، التقيته في مصيف "قرنايل" في لبنان ذات صيف.

ـ ولكنه أجرم في حق الإسلام بسفك دماء قادة الإخوان!!!!

ـ مثل هذا في حاجة إلى التوجيه الهادئ الرشيد؛ حتى لا تأخذه العزة بالإثم.

وأعطاني النسخة لأسلمها لحسين الشافعي، ولكنني اكتشفت أنه غادر الفندق إلى القاهرة، فرددت النسخة للأستاذ عمر.

ـ ـ ـ

واستبد بي الحزن؛ عندما علمت بوفاة شاعرنا الكبير، ونظمت في رثائه مطولتين: الأولى بعنوان "عمر بهاء الدين الأميري: أمير العاشقين"، ومطلعها:

وعشتَ غريبًا.. ومتَّ غريبًا

ولكنك ما فقدتَ اليقينْ

فليستْ بِسُكنى الوكورِ النسورُ

وليسَتْ أسودُ الشَّرى بالعرينْ

فقدْ يعْتِلي البومُ شُمَّ الجبالِ

وُيؤوي النمالَ العرينُ الركينْ

وتمضي أبيًا، فأنَّى انتقلْتَ

ففي بُرْدِك المجدُ نورٌ مُبينْ

ومادَتْ جبالٌ، وذَلَّتْ رجالٌ

وقلبك بالحق.. لا يستكينْ

وهيهات مثلك أن يستذلَّ

فمثلكَ يُؤثرُ قطعَ الوتينْ

ومن عاشَ جبهتُهُ في السماءِ

ترفَّعَ أن ينحني أو يهونْ

فلله عزتُهُ.. والرسولِ

وعزَّ بعزَّته المؤمنون(22)

والثانية بعنوان: "الشهيد على فراش الغربة"، ومطلعها: كم أسعد الدهر أيامي وهنَّأها

وكم رماني بخطب جاء يشقيني

لكنه اليوم شد القوس عاتيةً

وأطلق السهم في قلبي ليصميني

أصاب مني سويدائي فهتّكها

وليس ثمّة من طب يداويني

وليس مَنْ حلّ قلبي غيرُ واحده

"هو البهاءُ الأميري" شاعرُ الدين

"أبا البراء" أأرثي فيك شاعرنَا

وكيف أقدرُ أن يُوفيكَ تأبيني؟

وأنت رب بيان عزَّ موردُه

كلؤلؤٍ فاتن الإشراق مكنون

أم أمضينَّ وأرضي فيك أمتنا

وأرثينَّ هناءاتي وأرثيني

أبي وعمي ونفسي أنت كلهمُ

يا ليتَ نفسًا تُفدى بالقرابين!

إذنْ فديتك بالأهلين قاطبة

وفي فدائك أرخص بالملايين(23)!

ثم كتبت فيه بحثين نوقشا بالمؤتمرات الأدبية، الأول بعنوان: "شرائح النثر في شعر عمر بهاء الدين الأميري"، والثاني بعنوان: "الغربة في شعر عمر بهاء الدين الأميري".

ـ ـ ـ

والتقيت نجيب الكيلاني ـ رحمه الله ـ مرات متعددة، وكنا ـ وما زلنا ـ ننظر إليه كرائد من رواد الأدب الإسلامي، وخصوصًا الرواية والقصة. وقد نظمت فيه مطولة في حفلٍ أقيم لتكريمه في جمعية الشبان المسلمين، مطلعها:

ها هُوَ الجمْعُ قد أتانا حميدًا

مُشْرقَ السَّمْت عاطر الوجدانِ

قد تلاقَوْا في شِرعةِ الحقِ والفَـ

نِّ.. وسامي الآدابِ.. والتبْيانِ

وحَدَاهُمْ من السَّجايا وفاءٌ

كي يُحيُّوا نجيبَها الكيلاني

شاعرٌ. ناقدٌ. أديبٌ. طبيبٌ

قلتُ: "سبحانَ ربِّنا المنَّانِ"

.......................... ............................

قد جَمْعتَ البيانَ والطبَّ مرَحى

وجعلتَ البحرينِ.. يلتقيانِ

بحرَ شعرٍ، وبحر نثرٍ رَصينٍ

نقدُهُ والقص يستويانِ

وبنيكَ الخمسين بالقلم السـ

يال أنجبتً من رشيدٍ وهَانِي

كلهُمْ رائعٌ، جليل، بهيٌّ

آسرُ السحرِ، فاتنٌ في المباني(24)

وبعد وفاته، كتبت فيه بحوثًا متعددة في مجلات: الفيصل، والمجلة العربية، والمنتدى القطرية، منها: أدب السجون في شعر نجيب الكيلاني، والشعر القصصي في شعر نجيب الكيلاني، ونجيب الكيلاني وقصيدة القناع، ونجيب الكيلاني بين مقتضيات الفن والالتزام الرسالي.

ـ ـ ـ

أما الشهيد عبد الله عزام، فقد عرفته، وعايشته لبضع سنين، ففي 18 من أكتوبر سنة 1981م ـ وكنت آنذاك مدرسًا بكلية الألسن بجامعة عين شمس ـ غادرت القاهرة إلى الولايات المتحدة مبعوثًا من وزارة التعليم العالي المصرية أستاذًا زائرًا لمدة عام، بجامعةYale(بمدينة نيوهافن بولاية كُنَكْتِكَتْ).

وفي أواخر ديسمبر من العام نفسه ـ وعلى مدى أربعة أيام ـ حضرت مؤتمرًا بمدينة سبرنج فيلد (Spring Field) بولاية ألينوي للشباب المسلم العربي، حضره قرابة عشرة آلاف من الشباب.

وكان شعار المؤتمر "الأسوة الحسنة"، وحول هذا الشعار دارت أغلب المحاضرات والندوات، وقام الشباب المسلم ـ في دقة رائعة، وانضباط منقطع النظير - بكل الأنشطة والأعمال والخدمات التي يتطلبها المؤتمر..

يصدق ذلك على تقديم الطعام بوجباته الثلاث، وأعمال النظافة والحراسة، والتسجيلات الصوتية، والنشرة اليومية المطبوعة، والسوق الخيرية... إلخ،

حتى أشادت الصحف الأمريكية ببراعة هذا التنظيم ودقته، ويومها كتبت في نشرة المؤتمر ـ التي كانت تصدر يوميًّا ـ:

"... لقد آمنت بإمكانية قيام الدولة الإسلامية المنشودة؛ لأن ما رأيته من دقة، وتعاون، ونظام، ونشاط، وإخلاص في التدبير والتنفيذ.. يجعل من المؤتمر صورة مصغرة للدولة الإسلامية التي نتطلع إليها، وتهفو قلوبنا إلى وجودها...".

وفي هذا المؤتمر العظيم، كان أول لقاء لي بالدكتور "عبد الله عزام" الذي كان واحدًا من أعلام المحاضرين والخطباء في المؤتمر. وفي إحدى الأمسيات، شرح عبد الله عزام أمام هذه الألوف المؤلفة من الشباب أبعاد القضية الأفغانية، وسمعت منه كلامًا جديدًا جعلني أزداد إيمانًا بصدقية الجهاد الأفغاني.

كان عبدالله عزام يتكلم بنبض إيماني دفاق باسم الإسلام، والجهاد ، والدم الزكي الذي بذله أكثر من مليون شهيد. ولكن هذه العاطفة القوية الجياشة كانت مصحوبة بمنطق عقلي علمي متزن وقور.

وفي ثنايا كلامه، حث عبد الله عزام شباب المؤتمر على التبرع للمجاهدين، واليتامى، والأرامل، والجرحى ببعض مالهم، وانضم إلى صوته صوت قوي آخر يتدفق بلاغة وإيمانًا.. هو صوت الدكتور "يوسف القرضاوي".

وفي ربع ساعة، كان أمام الرجلين على منصة الخطابة ما يزيد على ربع مليون دولار، عدا مفاتيح عشرات من السيارات الفاخرة مصحوبة بتنازلات عن ملكيتها لصالح القضية الأفغانية،

وهذا كله، عدا "أثقال" من الحلي (الذهب) تبرعت بها السيدات المسلمات اللائي كن يحضرن المؤتمر في قاعة مستقلة، وقد علمت أن الواحدة منهن كانت تجرد عنقها وأذنيها ويديها من حليها الفاخر، وتضعه في منديل، وتقدمه تبرعًا، وهي تلهج بقولها: "ما عند الله خير وأبقى".

كان عزام مندوبًا عن المجاهدين الأفغان في المؤتمر، ولم أكن أعرف عنه إلا أنه فلسطيني الجنسية، وأنه أحد الأعضاء البارزين المخلصين في جماعة الإخوان المسلمين ، وأنه يعمل أستاذًا للشريعة الإسلامية في الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد بباكستان، وأن له صلة قوية وثيقة بقادة المجاهدين الأفغان، وخصوصًا "سياف عبد رب الرسول"، وقيل:

إنه كان همزة الوصل بين المجاهدين الأفغان، وبعض الشعوب العربية، وأصحاب الاتجاهات الإسلامية الحريصين على مناصرة المجاهدين الأفغان، ونما المجهود المبارك بعد ذلك بفتح مكتب في مدينة "بشاور" لإعداد المجاهدين من المتطوعين العرب الذين وفدوا إليه بالمئات، ولتلقي التبرعات، وتنسيق الجهود على كل المستويات.. وكان عبد الله عزام هو القائم على أمر هذا المكتب ورعاية شؤونه.

ـ ـ ـ

وكان لقاؤنا الثاني في الجامعة الإسلامية بإسلام أباد التي أُعِرت للعمل بها لمدة خمس سنوات (1984م ـ 1989م)، وهي الجامعة التي يعمل بها الدكتور عزام، وتعددت لقاءاتي به في الجامعة حتى كادت تكون لقاءات يومية سريعة.

ثم كانت لقاءاتنا في منتديات ومحاضرات عامة، وكان ـ رحمه الله ـ حريصًا على حضور الأمسيات الشعرية التي كنا نقيمها في الجامعة أو مقر اتحاد الطلاب العرب، فقد كان يحب الشعر، ويتذوقه، ويحفظ كثيرًا منه، ويستشهد ببعض الأبيات الشعرية المتوهجة في مقالاته.

وأذكر في هذا المقام أنه ـ رضوان الله عليه ـ ما كان يلقاني في الجامعة، ونحن في طريقنا لأداء محاضراتنا في الفصول، إلا أوقفني، وقال وعلى وجهه ابتسامة عريضة:

ـ "لن أتركك إلا إذا أمليت عليّ بيتًا من شوارد الشعر"، ويخرج من جيبه "نوتة" صغيرة، ويسجل فيها ما تسعفني به الذاكرة.

ولآخر بيتٍ أمليته عليه قصة: لقد استوقفني، وقال: أريد بيتًا في موضوع الغربة. فضحكت، وقلت له: اكتب المثل المصري المشهور "الغربة كربة".

قال مبتسمًا: "أعني غربة الروح". وأحسست أنه شعر بالارتياح العميق، حينما أمليتُ عليه بيت ابن الرومي:

أعاذَكَ أنسُ المجدِ من كل وحشةٍ

فإنَّكَ في هذي الأنامِ غَريبُ

وبصوت خفيض، أخذ يردد الشطر الثاني، ورأيت في عينيه عبرتين، وافترقنا.

ـ ـ ـ

أما آخر اللقاءات، فكان بعد صلاة العشاء، مساء يوم من أيام فبراير سنة 1989م. كنت ألقي محاضرة عامة في قاعة المحاضرات الكبرى بالجامعة، وموضوعها: "رائد الجهاد الفلسطيني عز الدين القسام:

في التاريخ والأدب". وأثناء المحاضرة دخل عبد الله عزام، ومعه أبوه الذي جاوز الثمانين، وهو شيخ قصير القامة علاه الشيب، ولكن الحيوية تظهر في عينيه وقسمات وجهه، وكان معهما العالم العراقي المجاهد الشيخ "محمد الصواف".

وعلق الشيخان: عزام والصواف على المحاضرة بكلام طيب. وكان تعليق عبد الله عزام - كله أو أغلبه - تغزلاً في الشهادة ومقام الشهداء، حديث من يمتد بنظره وروحه إلى نيل هذا الشرف العظيم.

هذا، والمعروف أن عبد الله عزام ترك العمل بالجامعة سنة 1987م؛ ليتفرغ تمامًا لمقتضيات الجهاد الأفغاني، وليصبح علمًا من أعلام هذا الجهاد، أما الأدوار النبيلة التي قام بأدائها، فهي أكثر من أن تحصى أوتعد.

ـ ـ ـ

وعدت إلى مصرـ بصفة نهائية ـ في يونيو 1989م، وعلمت بعد عودتي بأسابيع نبأ استشهاده، ومعه ولداه. قلت يرحمه الله؛ لقد حقق الله له أغلى أمنية حرص على تحقيقها طيلة حياته.

وانعكست سيرته وعظمته حروفًا مشرقة مضيئة في قصيدة نظمتها بعنوان: "الفارس الذي صعد"(25). ومنها الأبيات التالية:

ثم اختفى فسألتُ عنه

فقيل:

ـ لا تبحث هنا، وابحث هناكَ

ـ وما هناكْ؟

ـ حيث المدافعُ والخنادقُ والصخورُ

حيث الكفاحُ المرُّ يحكي ملحمَةً

كُتبتْ بماء القلبِ والأعصابِ

والأشلاءِ والعزمِ السعير

فهناك خَالدُها

وسعدٌ

والمثنى

والكتيبةُ

والنذيرُ

يتقدمون بفتية الأفغانِ

في زحفٍ خطيرٍ

و"عُقابُ" سيدنا رسولِ الله

فَوقَهُم ترفرفُ كالهديرْ

ليحققوا النصرَ الكبيرَ

أوموتةً تزهو على الأكوانِ

"أنْعِمْ بالمصير"!

"عزامُ" في هِذي الكتيبِة في بَشاورْ

أو عند"غزنةَ" أو "هرات" و "قندهار"

ليلاً هُنا، وهناكَ في ألَقِ النهارْ(26).

ـ ـ ـ

والحاج عباس السيسي له في كل قلب مكانة، وأرى أن يكون ختام التذييلات الكلمة الآتية التي نشرتها في مرضه:

«هذا الرجل العظيم.. عاش أمةً في خدمة الدعوة وقضية فلسطين، مسكونًا بهموم المسلمين، إنه واحد من الرعيل الأول الذين تخرجوا في دار الأرقم سيماهم في وجوههم وأقلامهم، ولسان مقالهم، ولسان حالهم.

يوم الخميس الماضي، زارني الأخ السكندري (أحمد الشوربجي) بادرني قائلاً: ادع للحاج عباس... تحولنا إلى ألسنة وقلوب تلهج بالدعاء له، وأخذت أعطر لساني بذكر بعض مواقفه التي قد تكون مجهولة عند كثيرين.

منها أنني في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي - أي من قرابة ربع قرن - التقيته في مؤتمر الشباب المسلم العربي..

كان عدد المشتركين في المؤتمر قرابة عشرة آلاف موحد أغلبهم من الشباب، وكان المؤتمر في مدينة «برنج فيلد» بولاية (ألينوي) بالولايات المتحدة، جاء جلوسي في الغداء بجانبه.

وكان الشباب هم الذين يقومون بكل شيء: تقديم الطعام، رفع الأطباق، تنظيم جلوس القاصدين... إلخ، في نظام يعجز اللسان عن وصفه.

قال الحاج عباس: إني أرى صورة مصغرة «للدولة الإسلامية»، إن هذه الدقة لأكبر دليل على إمكان قيام الدولة الإسلامية في العصر الحديث.

ورأيته يحفظ كثيرًا من كلمات الإمام الشهيد حسن البنا (رحمه الله)، فحكيت له نكتة «عملية» قصّها عليّ الحاج (عبد الرزاق هريدي)، خلاصتها:

أنه ركب «حنطورًا» مع الإمام الشهيد، ومعهما ثالث، قاصدين إحدى القرى المجاورة لبنها، لا تصل إليها السيارات لضيق الطريق، وكان الجو باردًا عاصفًا، فطلب الإمام رفع غطاء الحنطور إلى الخلف؛ لأن وضعه الحالي يزيد من مقاومة الحصان للهواء فيتعبه.

قال الحاج عبد الرزاق: بل نتركه يا فضيلة المرشد؛ لأن الجو بارد. ولا ضير فصاحب الحنطور من الإخوان، فصاح الإمام: سبحان الله يا أخي!!! لكن الحصان مش من الإخوان.

ضحك الحاج عباس طويلاً، ولكن في هدوء، ورأيته يخرج من جيبه نوتة سجل فيها النكتة.

الخاتمة

كانت هذه المسيرة مع كتاب المستشار العقيل الذي ضم بين دفتيه مئة وتسع عشرة ترجمة لشخصيات رحلت عن دار الفناء إلى دار البقاء.. وكان هذا أحد شرطيه.

أما الشرط الثاني، فهو أن يكون قد رآها، وعرفها مع الاختلاف الدرجي في المعرفة من أيام إلى سنوات، ولم يكتف بما قد سمع عن الشخصية، كما فعل كثيرون من كتاب التراجم، وإن كانت المقروءات والمسموعات مصدرًا يأتي في المرتبة الثانية من مصادره.

وتأكيدًا لهذه المعرفة حرص الكاتب ـ بقدر ما استطاع أن يكون له صورة مع "الشخصية"، أو في جمع حضرها، وهذه "المصاحبة المصورة" تزيد من توثيق ما قدم.

وما زلنا نتلقى من الكاتب مزيدًا من العطاء في مجال التراجم، فقد تلقيت منه بعد انتهائي من معايشة كتابة بضع تراجم لشخصيات أخرى مما يشي بأن مسيرته في هذا الدرب مستمرة لا تنقطع.

ـ ـ ـ

وقد رأينا أن من أهم الطوابع المشتركة لما قدمه المؤلف من تراجم:

1ـ التكاملية والشمولية.

2 ـ الاعتدال في تقييم الشخصيات دون تفريط أو إفراط.

3ـ ترسل الأسلوب، ووضوحه مع عدم إغفال جماليات التصوير باعتدال.

4ـ وأخيرًا الصدقية الوجدانية، فالصدق الفني عنده يتلاحم مع الصدق الخلقي في "كيان واحد".

ـ ـ ـ

وقد يكون من تمام الفائدة أن نلقي الضوء على بعض كتب التراجم التي قد تلتقي مع كتاب العقيل في وجه أو أكثر في الشكل أو الموضوع، وهي:

رجال عرفتهم، لعباس محمود العقاد.

شخصيات لها تاريخ، لعبد الله أحمد الشباط.

رجال عاشوا في حياتي، لأنيس منصور.

والقاسم المشترك بين هذه الكتب الثلاثة هو:

1ـ معرفة الكاتب للشخصية، أو المعاصرة الزمنية لها على الأقل.

2ـ أن الشخصيات التي تُرجم لها قد انتقلت إلى العالم الآخر.

وهاتان السمتان الموضوعيتان في كتاب "عبد الله العقيل".

والإضاءات التي نلقيها على هذه الكتب لا يقصد بها عقد موازنة نقدية بينها، ثم بينها وبين كتاب عبد الله العقيل، فهذا يحتاج إلى كتاب مستقل.

ولكن الهدف منها تبيين الاتجاهات الموضوعية، والمنهجية، والفنية لبعض كتب التراجم التي تشترك ـ على نحو من الأنحاء ـ مع كتاب عبد الله العقيل.

ـ ـ ـ

ونرى في كتاب العقاد "رجال عرفتهم"(27)، أن الشخصيات التي يتناولها هي:

علي يوسف

ـ مصطفى كامل

ـ محمد فريد

ـ مصطفى لطفي المنفلوطي

ـ محمد المويلحي

ـ الدكتور يعقوب صروف

ـ جميل صدقي الزهاوي

ـ محمد فريد وجدي

ـ الشيخ رشيد رضا

ـ عبدالعزيز جاويش

ـ إبراهيم الهلباوي

ـ جرجي زيدان

ـ فرح أنطون

ـ أحمد لطفي السيد

ـ ميرزا محمد مهدي خان

ـ فؤاد "الصاعقة".

ويحكي العقاد طبيعة علاقته بهذه الشخصيات، ويبين منهجه في تناولها، فيقول في تقديمه:

"في الصفحات التالية تعليقات متفرقة على سير طائفة من الأعلام الذين كنا نسميهم بالشيوخ، أو الأقطاب حين بدأت حياتي الصحفية قبل الحرب العالمية الأولى بسنوات، ومنهم من لم يكن من الشيوخ والأقطاب في تلك الفترة، ولكنهم لحقوا بهم في الطريق،

وعرفناهم كما عرفنا الأولين، ووصفنا معرفتنا بهم، كما وصفنا معرفتنا بأولئك الشيوخ والأقطاب، من زاوية خاصة تتيح لنا أن نقول عنهم ما ليس في التاريخ العام الذي يقال في كل تعليق أو تقدير.

وأكثر هؤلاء الأعلام من الصحفيين أو الذين كانت لهم مشاركة موجهة في الكتابة الصحفية، ونسمي كتابتنا عنهم بالتعليقات، ولا نسميها بالسير، أو التراجم، أو التحليلات؛ لأننا لم نكتبها لنستقصي الحوادث، أو نحلل "الشخصيات"

من وجهتها العامة، ولكننا كتبناها لنبدي لهم رسومًا قريبة من الزاوية التي اتفقت لنا معرفتهم فيها، وتوخينا في هذه الرسوم أن تكون كصور السياحة التي يلتقطها صاحب الصورة الشمسية لبعض المناظر، أو بعض الشخوص حيثما مرت به في رحلاته،

فليست هي أطلسًا جغرافيًا للمواقع والأعلام، ولكنها بمثابة المذكرات المدونة في الطريق لتسجيل المعالم الخاصة من زاويتها العارضة، وإن لم تخرج بهذا التخصيص عن مجال التعميم". (ص 8، 9)

وهذه التعليقات تحمل كثيرًا من الطرائف والغرائب التي يحكيها العقاد عن علاقته المباشرة بهذه الشخصيات، وما قد يكون قد قرأها عنها. ولكن مجموع ما كتبه عن كل شخصية يقدم تصويرًا للجوانب النفسية والفكرية للشخصية، وتذكرنا بالمنهج النفسي الذي اشتهر به، ونجتزئ بصفحة مما كتبه عن جميل صدقي الزهاوي:

"من اللمحة الأولى تمثل لي كل ما في طوية هذه "الشخصية" القلقة من نقائص التفكير: حماسة تختلج لها كل أعصاب جسده، ويتهدج معها صوته، وتتلاحق فيه كلماته ونبراته..

وفيم هذه الحماسة؟..

في النداء بالعقل وحده، دون أن تخامره سورة من حماسة العاطفة والخيال..

ذلك هو الزهاوي في حديثه، وذلك هو الزهاوي في صفحات كتبه ودواوينه..

دعوة إلى برهان الواقع والمنطق، وصرخة من صرخات الشعور.. كأنها فقدت كل برهان وكل وسيلة من وسائل الإقناع.

وكان لقائي الأول له في مجلس الآنسة "مي" بمسكنها الأول عند ضريح الشيخ "المغربي"، وهو من مزارات القاهرة في حي من أحيائها التي تسمى بالأفرنجية.

وقد ساقنا الحديث عن الضريح المعترض في غير مكانه إلى الحديث عن الخرافات التي تروى عن كرامات الأولياء، واستطرد به هذا الحديث إلى ذكرياته عن مجلس الأعيان بالعاصمة التركية يوم كان عضوًا من أعضاء العرب في عهد السلطان عبد الحميد.

قال: "إن قطعة من قطع الأسطول العثماني احترقت، فقام أحد زملائه في المجلس يقترح على الوزارة أن تشتري من كتاب "البخاري" نسخًا بعدد قطع الأسطول تودعها فيها، أمانًا من الحريق وضمانًا للسلامة".

فوثب الزهاوي ليرد على الزميل، وليقول له: "إن السفن الحربية لا تسير في هذا الزمن بالبخاري.. وإنما تسير بالبخار!". (ص 130، 131)

ـ ـ ـ

ونصحب كتاب "شخصيات من التاريخ" للسعودي عبد الله أحمد الشباط(28).

الكتاب يعرض بعض تراجم عدد من الشخصيات القديمة، مثل: عامر الشعبي ـ عمرو بن عبيد ـ الأصمعي.

ولكن الكتاب ـ في ثلثيه ـ يتناول تراجم المعاصرين، وهم:

عبد العزيز الرشيد

ـ شكيب أرسلان

ـ الملك عبد العزيز آل سعود

ـ عبد العزيز بن حمد آل مبارك

ـ محمد بن عبد العزيز بن مانع

ـ الشيخ يوسف القناعي

ـ طاهر زمخشري

ـ عبد السلام هاشم حافظ

ـ محمد سعيد المسلم

ـ محمد مهدي الجواهري

ـ الشيخ محمد متولي الشعراوي.

ونلاحظ أن الكتاب في تعامله مع الشخصيات التراثية يتجه اتجاهًا كلاسيكيًّا ملتزمًا؛ لأنه ينقل من "مادة" جاهزة، فلم يسمح لنفسه بالامتداد والاجتهاد إلا نادرًا. وعلى أية حال، كان الكاتب معتدلاً، بعيدًا عن الغلو والإسراف.

ولكنه في تراجم المعاصرين تأخذه حماسة حارة تبعده كثيرًا عن الصدق بنوعيه، وتلقي به بعيدًا عن خط الموضوعية.

وقد تدفعه في أدائه التعبيري إلى استخدام عبارات قد تخدش العقيدة ـ دون أن يدري الكاتب ـ مع مبالغة غير مستساغة كقوله عن الشاعر محمد مهدي الجواهري "...

إن الجواهري الذي اقتطع قرنًا من الزمان، وهو يحمل صليبه فوق ظهره ينتظر من يصلبه عليه، كما كان حال دعبل بن علي الخزاعي...".(ص: 101)

ونرى الإسراف الشديد والمغالاة في ترجمته للشيخ محمد متولي الشعراوي (ص:107 ـ 114)، ونجتزئ بعض عبارات من هذه الترجمة:

"هذا الرجل الذي اقتحم عقول الناس وقلوبهم، لم يكونوا يشاهدونه في التلفاز، ولم يكونوا يسمعون صوته في المذياع..

ولم يقرأوا كلماته في الأوراق.. بل إن صدى صوته يتردد في الأذهان حتى يتغلغل إلى باطن الوجدان.

خدم كتاب الله.. شرحًا وتفسيرًا وبيانًا..حطم الحواجز بينه وبين طلابه ومريديه، وألغى المسافات بين بلاد الإسلام". (ص 107)

"ألا يكفي أن تكون أحاديثه المسجلة.. وكتبه المطبوعة والمذاعة من أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة.. أشد تأثيرًا على إسرائيل من حرب الاستنزاف"؟. (ص 110)

ويذكر الكاتب ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ قرابة أربعين مؤلفًا كتبها الشيخ الشعراوي: بعضها في عشرة مجلدات: كتفسير القرآن الكريم، ومعجزة القرآن الكريم، وجاء كتابه (الفتاوى) في عشرين مجلدًا... إلخ. ومدى علمي أن الشيخ الشعراوي لم يكتب مؤلفًا واحدًا، وكل ما له في الأسواق من كتب إنما هي أحاديثه سجلها "تجار الكلمة"، وفرغوها في كتب دون استئذان منه، ولم يطلع على كثير مما صدر منها في حياته. ولم يطالب هؤلاء الناشرين أو "الناشلين" بحقوقه المالية في هذه الأعمال التي طبعت دون أن تعرض عليه أو استئذانه في طبعها. ـ ـ ـ

ولأنيس منصور سِفر ضخم من قرابة سبع مئة صفحة، بعنوان "عاشوا في حياتي"(29).

وقد أبان الكاتب عن منهجه في مؤلفه، وذلك في مقدمة طويلة، ومما جاء فيها:

"وفي حياة الواحد منا ألوف الناس.. قريبون وبعيدون.. يمرون دون أن يتركوا أثرًا، كما تمر الرياح على أوراق الشجر، أو على رمال الصحراء.. أو يتركون أثرًا، كما تمر السيارات في الوحل.. أو كما تنفذ أشعة الشمس إلى الغرفة المظلمة.. أو كأعواد الحديد الساخن على بشرتك.

وقد يكون أقرب الناس إليك، أبعدهم عنك.. ويكون أبعدهم عنك أقربهم إليك". (ص 8)

"ولكني سوف أكتفي بالذين عرفتهم عن قرب.. بالمعايشة والصداقة والحب والتأمل والتأثر.. ولن أدعي شيئًا من الحكمة،

ولكن سوف أدعي حرصي الشديد على أن أعرف وأفهم، وتقديري العظيم لكل من حاول أن يقول جديدًا.. أو يعرض جديدًا فكرًا قديمًا.. ويكون "العرض" هو الجديد.. أي الأسلوب هو الجديد، والأدب والفن: أسلوب.. وأنت تساوي أسلوبك!

وليس صحيحًا أن أحدًا يستطيع أن يرى كل ما حدث، وأن يسمع كل ما قيل، ويلمس كل جسد؛ لأنني لا أرى إلا من خلال "ثقب" في الباب.. هذا الثقب هو "وجهة نظري"،

وهي ضيقة، كما أن عيني ثقبان في وجهي..

وهما ثقبان ضيقان، ولكنهما قادران على رؤية ملايين الملايين من الكيلو مترات المربعة: السماء مثلاً.. ورؤية ملايين النجوم التي تبعد عنا ملايين السنين الضوئية..

"وثقب الباب" أيضًا هو مجموع مشاعري: حبي وكرهي.. ومبالاتي ولا مبالاتي.. وما يتفق مع مزاجي.. وما يناسب القارئ".(ص: 16)

ونلتقي في الكتاب شخصيات غربية كثيرة، كما نلتقي فيه شخصيات عربية، مثل:

محمود حسن إسماعيل

ـ كامل الشناوي

ـتوفيق الحكيم

ـ طه حسين

ـ مصطفى صادق الرافعي

ـ العقاد

ـ أم كلثوم.

وما قدمه أنيس منصور، وكتبه عن شخصياته لا نستطيع أن نعتبره "تراجم" إلا على سبيل المجاز، أو إن شئت فقل:

إننا نجد في المعروض لكل شخصية "ترجمة أقوى"، وحضورًا أظهر لأنيس منصور رأيًّا وشعورًا بأداء تعبيري جمالي أخَّاذ ابتداءً من العناوين:

شاعر الكوخ لم يلتفت إليه أحد

ـ كامل الشناوي: شاعر الشظايا

ـ طه حسين مسح بنا الأرض والسماء

ـ وأيضًا عجزت عن حب هذا الرجل (الرافعي)

ـ رجل عظيم من أسوان (العقاد).

أما توفيق الحكيم، فقد ظفر بأكثر من ستين صفحة على سبعة فصول: الحكيم ثائرًا (383) ـ قال توفيق الحكيم، وقلت (393)

ـ الذي هو توفيق الحكيم (403)

ـ توفيق الحكيم وراءه راضيًا وأمامه يائسًا (413)

ـ أصبحت من أهل الكهف (423)

ـ ثلاثة مؤلفين يبحثون عن مخرج (144)

ـ توفيق الحكيم قديمًا ما يزال جديدًا أيضًا (449).

وهذه الأفصل السبعة ـ إذا غضضنا النظر عن التواريخ

ـ يمكن أن تصنع "ترجمة متكاملة لتوفيق الحكيم في صورته النفسية والخلقية، والفكرية، بما في ذلك طبيعة علائقه بالمجتمع والآخرين.

وقد وظف أنيس منصور كل الآليات الفنية في التعامل مع توفيق الحكيم.

فاستخدام الحوار الغيري: "وقد حدث أن عرضت مجلة "الاثنين" القديمة صورة للحكيم مع حماره، وطلبت المجلة إلى عدد من الكتاب أن يعلقوا على هذه الصورة.

ـ فقال كامل الشناوي : إنه إعلان عن كتاب توفيق الحكيم.

ـ وقال العقاد: يا حمارة الحكيم روحي لحماره!

ـ وقال مصطفى أمين: اختبر ذكاءك.. أيهما توفيق الحكيم؟!

وضحك الحكيم، ومن بعده ضحك الناس، واحتفظ الحكيم بالحمار، واحتفظ بهما الناس صورة مضحكة إلى غير نهاية". (ص 386)

واستخدم الحوار الثنائي بينه وبين الحكيم:

"... قلت: إن شاء الله، سوف تدخل الجنة يا أستاذ، إن كتابك عن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يكفي ثمنًا لتذكرة الدخول!.

وتحولت ضحكته إلى غضب مهزوم، ليقول: ومن الذي قال لك إنني أستحق عليه الجنة؟! أنت تقول بمقاييسنا وحساباتنا نحن..

ولكن من يدري أن هذا الكتاب بالذات هو الذي سوف أدخل به النار جالسًا فوق خازوق عظيم". (ص 397)

ورواية الوقائع جاءت بأسلوب شاعري آسر، كما نرى في السطور الآتية أثناء لقاء الكاتب بالحكيم في مرضه أثناء:

"وسألت الطبيبة التي أمسك الأستاذ الحكيم بيدها: لماذا لم يتوقف عن المضغ مع أنه ليس في فمه طعام؟! فقالت: ولكنه لا يريد أن يبتلع الطعام..

وعاد الأستاذ الحكيم يردد السؤال الذي لم يجد له حلاً..

هنا أدركت أنه ليس طعامًا هذا الذي في فمه، وإنما هو سؤال يحاول مضغه أو استحلابه. ولكن السؤال لا ينزل له من حلق.. كما أن الأستاذ الحكيم لا يزال واقفًا في "زور" الكون يسحب وراءه كائنًا غريبًا على شكل علامة استفهام.

وتصدق على الأستاذ الحكيم حكمة بوذا: وراء هذا الأفق كل شيء يقين.. أبدي.. الأسئلة هنا، والإجابات هناك!

إننا ندعو الله أن تتوالد أسئلة الأستاذ الحكيم، فتكون طابورًا طويلاً يمشي وراءه.. لعله يبقى بيننا أطول، وفينا أعمق، ولنا أمتع، يا أرحم الراحمين!". (ص 401)

ويصور الكاتب بأسلوبه الآسر عاطفة الحب الذي يستشعره الناس نحو الحكيم، معللاً لها تعليلاً واقعيًا واضحًا، فالناس

ـ على حد قوله ـ "قد أحبوا الحكيم؛ لبساطته، ولأنه قريب منهم، وبسرعة يكون أبًا، وأخًا، وأستاذًا، وابنًا، فلا هو العقاد قد ارتدى ملابس مدرعة، وأمسك سيفًا، ولا هو طه حسين إمبراطور الأدب.

وإنما هو الذي يقبل أن يمتحن مدى بخله وحرصه على الفلوس..

وكيف أنه يساومك حتى لا تشرب عنده فنجانًا من القهوة، ثم إنه "الموسوس" الذي يخاف من الهواء والأمراض

ـ أي هو الإنسان الضعيف مثلك، بل أضعف، مما يجعلك تشعر أنك أقوى وأنك أعلى.. وهو الذي يحب أن يتحدث عن الفلوس!

قال طه حسين : إن الحكيم يجب أن يكون حديث الناس..

ولكن الحكيم ليس بخيلاً، وإنما هو رجل فقير دخله محدود..

وهو قد جعل هذا العيب المادي موضوعًا للفكاهة". (ص 407)

وعن إبداع الحكيم يرى أنيس أن:

كتاب "مصر بين عهدين" أجمل وأمتع وأعمق ما كتب توفيق الحكيم؛ ففي هذا الكتاب (240 صفحة) خلاصة نظرته الطويلة العميقة إلى مصر والمصريين والحضارات الفرعونية، والهندية، والإغريقية، والعربية، والحكيم بنظرته الشاملة إلى الأدب واللوحات والتماثيل، والأهرامات، والمعابد، والكنائس، والموسيقى، يؤكد لك اقتداره على استخلاص المعنى الواحد من أشياء كثيرة مختلفة

ـ منتهى الذكاء والبراعة. فقد ارتفع كعصفور يلقي نظرة قريبة من مصر، ثم تحول إلى نسر يدير عينيه فوق الحضارات. ومن كل ذلك يتأكد لديه: أن مصر القديمة أقوى وأرسخ وأعمق". (ص 416)

ويسترجع الكاتب بعض وقائع الماضي في حياة الحكيم، وكان بارعًا في الحديث عن سنواته في باريس موازنًا بينه وبين رفاعة الطهطاوي، وواقع الحال في مصر آنذاك، فرفاعة الطهطاوي كان أول ما بهره في فرنسا: "مائدة الطعام، ونظافة الشوارع..

فقد لاحظ أن الناس يجلسون على مقاعد، وليس على الأرض، وأن "طبلية" عالية يضعونها أمامهم، وأمام كل واحد طبق خاص، وكوب خاص، وشوكة، وسكينة، وملعقة.

وأن كل واحد يغرف لنفسه من طبق كبير.. أما الشوارع، فيستخدمون (عربات الرش) التي لها ثقوب يخرج منها الماء بقوة، وتجرها الخيول..

وأما المرآة في المقاهي، فالإنسان إذا وقف إلى جوارها، فإنه لا يبدو منبعجًا.. إنما يظهر كما هو

ـ أما الحكيم، فقد بهرته المسارح والمتاحف، وقاعات الموسيقى، والكتب على الأرصفة، ودور السينما، وبائعات التذاكر.. ولاحظ أن الفرنسيين إذا شاهدوا فيلمًا للعمليات الجنسية، فإنهم ينظرون إلى ذلك بجد: لا حركة.. لا همس.. لا ضحك.. إنهم جادون.. يريدون أن يعرفوا: وإذا عرفوا بحثوا، وإذا بحثوا طبقوا، وإذا طبقوا أتقنوا

ـ ونحن لا نعرف الإتقان في شيء. وإذا كانت المرأة الأوروبية قد رفعت الحجاب، فإن المرأة المصرية لا تزال تضعه على وجهها، والرجل ما يزال يضعه على عقله.

أيضًا لا نعرف "الصيانة"، فالفرنسيون إذا أنشأوا عمارة، جعلوها متينة كأنهم سيعيشون أبدًا، أما نحن فنجعلها من الطين كأننا سنموت غدًا ـ ولذلك فهم يرممون عماراتهم القوية، ونحن لا نرمم عماراتنا المنهارة". (ص: 416 ـ 417)

ـ ـ ـ

وأعود إلى القول بأن الهدف الأساسي من عرض ما سبق هو تعرف القارئ على بعض مناهج تناول الشخصيات، وهو قدير بعد ذلك على أن يحدد مكانة كتاب المستشار "عبد الله العقيل" بينها جميعًا.والحمد لله رب العالمين

الهوامش

(1) انظر: محمد سعيد العشماوي، "الخلافة الإسلامية"، ص 13-25، دار سينا للنشر، ط2، القاهرة، 1992م.

(2) انظر السابق، 151-152 .

(3) ديوان "حسبكم الله ونعم الوكيل": لجابر قميحة، ص 46، 47 (مركز الإعلام العربي، القاهرة، 2006م).

(4) انظر: منهج العقاد في التراجم الأدبية: للدكتور جابر قميحة، مكتبة النهضة العصرية، القاهرة، ط1، 1980م).

(5) ونحن بذلك نخالف الدكتور يحيى إبراهيم في كتابه " الترجمة الذاتية في الأدب العربي"، انظر ص 2، 13 (مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة ـ 1975م).

(6) انظر حسين فوزي النجار : التاريخ والسير، ص14 (دار القلم، القاهرة، 1964م). وكذلك: إحسان عباس : فن السيرة 110 ـ 112 (دار الثقافة، بيروت، ط2).

(7) انظر: التراجم والسير: لمحمد عبد الغني حسن، من 40 ـ 81، (دار المعارف، القاهرة، طـ 2، 1969م).

(8) انظر: د.جابر قميحة: "منهج العقاد في التراجم الأدبية"، مكتبة النهضة المصرية، ط 1980م، القاهرة.

(9) هذه الآية (52 من سورة الفرقان) مكية، ترتيبها النزولي 42 من السور المكية. أما أول آية أذنت بالقتال الفعلي، فهي قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (سورة الحج: 39). وترتيب السورة نزولاً 22 من السور المدنية.

(10) مرجع سبق، ص 84.

(11) انظر: د. جابر قميحة، مرجع سبق، ص:84

(12) معجم مصطلحات الأدب، ص 318 (مكتبة لبنان ـ بيروت ـ 1974م).

(13) مقدمة ابن خلدون، ص: 112 (دار الشعب. القاهرة. د. ت).

(14) علي أدهم: المذاهب السياسية المعاصرة، 81 ـ 82 (دار المعارف، القاهرة، 1943م).

(15) ارجع إلى ما كتبه شهيد الإسلام سيد قطب عن مناهج الترجمة والسيرة 102 ـ 105 في كتابه: "النقد الأدبي أصوله ومناهجه" (دار الشروق، ط8، القاهرة، 2003م).

(16) انظر دكتورمحمد يوسف نجم : فن القصة ص: 63 (دار بيروت للطباعة والنشر ـ ط 3 ـ1959م).

(17) محمد التونجي : المعجم المفصل في الأدب 1/93-94 (دار الكتب العلمية، بيروت، 1993م).

(18) انظر عبد الغني الدقر : معجم القواعد العربية في النحو والتصريف 1/67 (دار القلم ـ دمشق ط2ـ 1993م).

(19) انظر الدكتور محمد غنيمي هلال : قضايا معاصرة في الأدب والنقد، ص: 60، وما بعدها، دار نهضة مصر، القاهرة د ب.

(20) القصيدة في ديواني "حديث عصر إلى أبي أيوب الأنصاري" ص: 5 - 9 (دار البشير ـ عمان ـ ط1 ـ 1997م).

(21) ارجع إلى القصيدة (ص: 62 - 65) في ديواني "على هؤلاء بشعري بكيت".

(22) راجع القصيدة في الديوان السابق ص: 69 - 72 .

(23) راجع القصيدة ص: 66 - 68 من الديوان السابق.

(24) انظر القصيدة ص: 73 - 76 من ديواني السابق.

(25) راجع بتفصيل أكثر مقدمة ديواني لجهاد الأفغاني ..

أغني (مكتبة وهبة ـ القاهرة ـ 1992م). وانظر القصيدة في ديوان على هؤلاء بشعري بكيت ص 102 : 120 .

(26) ديوان على هؤلاء بشعري بكيت، ص 108، 109 .

(27) كتاب الهلال، القاهرة، أكتوبر 1963م.

(28) الخبر السعودية، ط1، 1420هـ ـ 1999م.

(29) الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مكتبة الأسرة، الأعمال الخاصة، 2000م.