نعيمة عبد المحسن عبد الباقي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
السيدة نعيمة عبدالمحسن عبدالباقي .. امرأة من النظام الخاص

المقدمة

ليس منا ولا بيننا إلا ويهتم بأمر التربية فهي أساس المجتمع المتحضر، واهتمام الأسرة الصغيرة والكبيرة والغنية والفقيرة، ولكن من يجيد العمل بما يسمع ويفهم مقصد ما كتب؛ هم وحدهم من يستفيدون منها ويعملون بها واقعا يعايشون هاجسه صباح مساء وفي كل أحيانهم.

كم هي الكلمات التي حفظها لنا الدهر وسطرتها الأيام وأملاها التاريخ ولكن كم منا من أخذ بهذه الكلمات.

إن الله عز وجل جعل للمرأة طبيعة خاصة تستخدمها في إعمار الكون سواء بتربية النشء أو أفراد الأمة أو الدفع بمن يربي الأمة أو تربية مجاهدين يتحملون عبء هذه الأمة.

وهذا العبء يقع على المرأة المسلمة التي لو أحسنت التربية لوجد مجتمع قوي متماسك.

نشأتها

في عشرينيات القرن العشرين ولدت نعيمة عبد المحسن في قرية الرقة القبلية التابعة لمركز أطفيح بمحافظة الجيزة، وهي قرية تقع جنوب الجيزة ويتسم أهلها بالطيبة حيث طبيعة الأرياف الطيبة، وجمال الطبيعة التي حباها الله للريف.

كان والدها مزارعا يمتلك قطعة أرض يقوم بزراعتها ويعيش عليها هو وأبناءه السابعة (محمد- عبد الباقي- محمود- احمد- زبيدة- فاطمة- نعيمة).

لم تتمكن من الالتحاق بالتعليم لطبيعة الأرياف وحرمت كثيرا إلا أنه بعد ذلك سطرت لنفسها مكان تاريخ وسط المجاهدات بأفعالها(1).

زواج مبارك

ما كاد عام 1936م يجئ إلا وقد حمل البشرى لبيتها فقد جاء ابن عمها يخطبها من والدها، وابن عمها لم يكن الشخصية المجهولة التي لا يعرفه أحد، بل كانت مكانته وسط عائلته محل تقدير واحترام الجميع بل والقرية كلها، وابن عمها هذا هو الأستاذ حسني أحمد عبد الباقي المليحي.

والأستاذ حسني المليحي من مواليد يونيو 1914م بالرقة القبلية مركز أطفيح، وحصل على الكفاءة، وعمل مزارعا، وكانت العمودية في بيتهم حيث كان أخوه الحاج محمد أحمد هو عمدة البلدة، كما أن له أخا دكتور يسمى عبد المتعال.

التحق بجماعة الإخوان المسلمين في وقت مبكر، وصاحب الإمام البنا، كما أنه انضم إلى النظام الخاص وأصبح من رجاله المخلصين.

انتخب عضو مجلس محلي مديرية الجيزة وهنئه الإمام البنا كما هنأته صحف الإخوان المسلمين بهذا الفوز.

انتخب عام 1948م ليكون عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، كما أنه انتخب ليكون عضوا في أول هيئة تأسيسية للإخوان المسلمين عن مركز الصف.

حينما سقطت السيارة الجيب في 15 نوفمبر 1947م سارع أخوه دون علمه وأخذ الأسلحة التي كانت عنده ورماها في النيل.

اتهم في قضية السيارة الجيب كما اتهم بعد ذلك في قضية مقتل النقراشي باشا إلا أنه لم يثبت عليه شيء، لكن سرعان ما اعتقل مع بقية الإخوان بعد حل الجماعة في 8 ديسمبر 1948م، وكان قبلها رجال البوليس المخصوص قد ألقوا بقنبلة في وسط بلدته واتهموه برميها حتى يتسنى اعتقاله.

بعد خروجه من المعتقل عمل مع إخوانه على عودة الجماعة مرة أخرى حتى عادت وتم اختيار المستشار حسن الهضيبي في أكتوبر 1951م مرشدا عاما للإخوان المسلمين وانتخب الأستاذ حسني عبد الباقي عضوا في مكتب الإرشاد.

كان أحد رجال المكتب المؤثرين في التفاوض مع الضباط الأحرار حول اشتراك الإخوان في الثورة وعقدت جلسات طويلة بين بعض الإخوان ورجال الضباط لتحديد إمكانية اشتراك الإخوان في الثورة.

كان جمال عبد الناصر وبعض الضباط يذهبون له قبل الثورة في بلدته وكانوا يقضون في أماكن خاصة به فترات تقارب الأسبوع.

اعتقل مع إخوانه في يناير 1954م وخرج في مارس من نفس العام، إلا أنه وبسبب دوره المؤثر وسط الإخوان، وشعبيته الجارفة وسط أهل بلدته كان من أوائل من اعتقل بعد حادث المنشية في أكتوبر 1954م، غير أنه لم يقض في السجن طويلا وخرج مع عدد من الإخوان في عام 1957م، إلا أنه ظل تحت المراقبة الشديدة بسبب طبيعته هو وطبيعة عائلته والتي كان لها نفوذ في البلدة.

ومن المواقف التي يذكرها له الحاج سعد الجزار في السجن: «من أنهم كانوا يسيرون مع بعضهم البعض فكان الدكتور أحمد الملط وهو طبيب تراه يسير مع الأستاذ حسني عبدالباقي وهو مزارع والأخ عبد العزيز زعير وكان بقالا فكان قائد المعسكر ينادى على.

ويقول: هؤلاء الثلاثة طوال الطابور يتحدثون مع بعضهم ففي ماذا يتحدثون؟ رجل طبيب ومزارع وبقال، فقلت له الدكتور الملط طبيعي سيتحدث عن القلب لكن ليس القلب الذي تعرفه بل القلب الذي ذكره الرسول (ص) "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهو القلب" فهو يتحدث عن القلب المعنوي لا الحسي، وحسنى عبدالباقي مزارع يفهم حديث الرسول (ص) "إذا قامت القيامة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها" فهو يتحدث عن تعمير الأرض وزراعتها فقال أجل، طيب والبقال؟

قلت البقال: هو تاجر فهي كلمة مقسمة إلى (ت) وهى تقوى والـ(أ) تعنى أمانة ، والـ(ج) تعنى جريئا ، والـ(ر) تعنى أن يكون رءوفا، ثم قلت له: كل الإخوان يتكلمون في المعاني التي يستطيعوا أن يخدموا بها إسلامهم ، فقال: أنا أتعجب من طبيب ومزارع وتاجر في هذه الجماعة العجيبة».

وفى عام1973م وبعد خروج جزء كبير من الإخوان من المعتقل عمل على إزالة الخلاف بين الأستاذ التلمساني والأستاذ صالح عشماوي وعادت مجلة الدعوة للظهور مرة أخرى.

ولقد شارك الأستاذ مصطفي مشهور والأستاذ كمال السنانيري والأستاذ عباس السيسي والأستاذ أحمد حسانين وغيرهم في تدعيم وترسيخ الدعوة في البلاد الأخرى وتوثيق الصلة بباقي البلاد العربية والإسلامية والغربية، وتكوين التنظيم العالمي للإخوان، وكان من ضمن الوفد الذي ضم الأستاذ صالح أبو رقيق والدكتور أحمد الملط الذي ذهب للسادات لتقديم وجهة نظر الجماعة في الإصلاح والتي استلمها منهم المهندس عثمان أحمد عثمان لتسليمها له.

انتخب عضوا في مجلس الشعب عام 1984م هو والحاج حسن جوده، الحاج حسن الجمل، الأستاذ محمد المراغي، والأستاذ محمد الششتاني.

كان الأستاذ حسني عبد الباقي من أجود الناس الذين عرفهم أهل الصف –وهذا بوصفهم له- حتى إنه حظي بحب الجميع، فكرموه في أولاده فلم تخرج نيابة مجلس الشوري من منزله، ولقد ظل مخلصا لدعوته حتى توفاه الله في 24 مايو 1990م(2).

زفت الحاجة نعيمة إلى زوجها الحاج حسنى في عام 1936م، ورزقهما الله بكمال ثم أحمد ثم ماجد ثم محمد والذي ولد عام 1942م – وهو حاليا عضو مجلس الشورى المصري، ثم فاطمة ثم عائشة.

في قلب الحدث

كانت طبيعة حياة الأستاذ حسني عبد الباقي في داخل الدعوة والنظام الخاص وكعضو مجلس محلي المديرية يحتم عليها طبيعة خاصة في حياتها، حيث كانت ترتب له شئونه، وتعاونه على مهامه، وتحفظ أسراره كرجل في النظام الخاص.

كان الحاج حسنى كثير السفر من أجل دعوته وعندما اختير كعضو مكتب إرشاد عام 1948م شعرت بأن الدعوة أصبحت مسئوليتها فكانت تجوب القرية لتنشر فهم الإسلام الصحيح وسط نساء القرية، وبالرغم من كوتها غير متعلمة إلا أن هذا لم يمنعه من توصيل دعوتها للأماكن المجاورة لها، وساعدها على ذلك مكانة زوجها في الدعوة ومكانته الاجتماعية.

وصفها أهل قريتها أنها كانت تنافس زوجها على الجود بما في يديها، فكانت حريصة على رعاية أهلها وأفراد قريتها، ولم يذكروا يوما أنها ردت سائلا من على بابها، ولم تطرد صاحب حاجة.

ليس ذلك فحسب بل اتسمت بالشجاعة التي كانت مطلوبة في هذه المرحلة خاصة وطبيعة زوجها كرجل في النظام الخاص كان يحتم عليها إخفاء كل ما يكشف هذه الهوية فلم يعرف أحد -حتى أولاده- أن والدهم أحد رجال النظام الخاص، حتى عندما سقطت السيارة الجيب عام 1947م وجاء اسم زوجها في التحقيق ثم كان الاتهام المباشر له في قضية مقتل النقراشي بالرغم من أنه لم يكن له صله بذلك- قامت الزوجة بإخفاء قطعة السلاح- مع العلم أنه سلاح مرخص لكونه عضو محلي مديرية الجيزة- إلا أن الظروف في هذا الوقت لم تكن تفرق بين عضو وغيره(3).

كانت حياتها في فترة الإمام البنا مليئة بالأحداث فقد كانت تنتظرها حرب فلسطين والتي وقع عبء كبير على زوجها في جمع الأسلحة من الصحراء الغربية والشرقية وتنظيفها ودفعها للهيئة العربية العليا والتي كان يشرف عليها الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين، في هذا التوقيت عمل على رعاية أبنائها وتربيتهم تربية حسنة، فقد كانت لا تشعرهم بغياب الوالد، حيث كانت نعم الأم ونعم الزوجة.

كانت تنتظرها مرحلة أخرى وهى اعتقال وتغيب زوجها عنها وعن الأولاد، وظلت وفيه لزوجها وأولادها ودعوتها طيلة فترة اعتقاله حتى خرج الزوج(4).

مرت الأيام وجاءت أيام وتوالت عليها المفاجآت حيث كانت ينتظرها حدث جلل وهو الاجتماعات التي كانت تجمع بين رجال الثورة وقادة الإخوان المسلمين، هذه الاجتماعات التي وصفها الأستاذ حسن العشماوي –عضو مكتب الإرشاد والمحامي- في كتابه مذكرات هارب، ووصف فيها دور الأستاذ حسني عبد الباقي، هذه الاجتماعات التي رتبت لثورة 23 يوليو(5).

كانت الزوجة على دراية بكل ذلك، حتى إن جمال عبد الناصر عقد معسكر لمدة أسبوع لتدريب في عزبة الحاج حسنى عبد الباقي وكانت ترسل لهم بكل مستلزماتهم من الطعام، ومع ذلك لم تناقش زوجها في أمر من أموره.

مرت أيام الثورة ونشوتها غير أنها كزوجة لم تكن مطمئنة لتقلب رجال الثورة وكانت دائما ما تدعو الله أن يسلم.. وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن فقد اعتقل زوجها في أحداث يناير 1954م إلا أنها صبرت ولم تجزع لإدراكها أن هذا الأمر أصبح شيئا عاديا في دعوة الله، وبرز جلدها بقوة بعد محنة حادثة المنشية والتي اعتقل فيه الزوج لأكثر من عامين.

نحن لا نتحدث عن الأخوات لنعرف الناس المحن التي تعرض لها الإخوان والأخوات، بل نسوقها ليعرف الجميع الصفات التي تحلت بها هؤلاء النساء في زمن لم يكن لأحد أن يجرؤ أن يتحدث فيه بشيء، بل على العكس فقد كان زمن شاع فيه الفساد فقلما تجد امرأة محجبة أو ملتزمة بشريعة ربها، خوفا من السلطان الذي كان يحكم البلاد .

في هذا الزمن كان هؤلاء الأخوات يعملن لدين الله، ويحافظن على شرع الله، وصبرن على إيذاء أهل الباطل لهن فحق لهن أن تسطر أسمائهن بمداد من نور.

والمرأة الحقة هي التي تعرف بمواقفها، وهذا ما دفع الحاجة نعيمة للتعرف على معوقات الطريق ومنهجيته وهذا ما دفعها عندما اعتقل زوجها عام 1965م وغيبته السجون في باطنها سنوات عددا حتى خرج منها في عهد السادات وهى المرأة التي أثقلتها الأيام والهموم ومع ذلك كانت كالطود الشامخ.

كانت تشعر دائما أنها في جهاد دائم مع زوجها وأبنائها، فقد كان زوجها منشغلا بعظائم الأمور في دعوته من تسير أمور الدعوة مع قادة الإخوان، لمحاولة نشر الفكرة خارج إطار مصر وتكوين التنظيم الدولي للإخوان.

ثم كانت تنتظرها مفاجأة أخرى وهي أن زوجها قرر الدخول في انتخابات مجلس الشعب عام 1984م، وبالرغم من أنها كانت قد تجاوزت الستين إلا أن روح الشباب قد عادت لها فأخذت تستقبل أنصار زوجها وتعد لهم الطعام وتشرف على خدمتهم، وتتحسس مع ذلك أمر فقراء القرية فترسل لهم مما جادت به نفسها في هذه الفترة، ووقت الانتخابات كانت الشعلة المتوقدة في البيت لتشرف على متابعة الأحداث حتى كتب الله لزوجها التوفيق في الانتخابات(6).

وفاتها

بعد انتهاء مرحلة الانتخابات تكالبت عليها الأيام وأثقلتها الأمراض، وسكن هذا الجسد الهزيل بعض الشيء، إلا انه كان ينتابه بعض الهمة العالية بين الفينة والأخرى، حتى تعرض لهزة قوية بفراق سندها في الحياة في 24 مايو 1990م، فزاد همها وحزنت على فراقه كثيرا حتى سكن الجسد للأبد عام 1994م، ودفنت بقريتها ووسط أهلها(7).

الهوامش

1- حوار مع الأستاذ النائب محمد حسني عبد الباقي- عضو مجلس الشورى- أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي يوم 1/5/2009م.

2- صحف الإخوان في الأربعينيات، وكتابات الأستاذ التلمساني، وحوارات مع بعض أهل القرية يوم 1/5/ 2009م.

3- حوار مع الأستاذ محمد حسني.

4- أحمد عادل كمال: النقط فوق الحروف، الزهراء للإعلام العربي، قضية السيارة الجيب ومقتل النقراشي.

5- حسن العشماوي: مذكرات هارب، الجزء الأول، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

6- ذاكرة الزعفراني: الدكتور إبراهيم الزعفراني، الاثنين20 أغسطس 2007م.

للمزيد

وصلات داخلية

كتب متعلقة

ملفات وأبخاث متعلقة

مقالات متعلقة

متعلقات أخري