هكذا علمتني الحياة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هكذا علمتني الحياة


بقلم : الدكتور مصطفى السباعي

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, أما بعد: فإن العظماء من الناس يقدر الله النفع بآثارهم في حياتهم، وقد يزيد النفع بعد مماتهم أضعافاً مضاعفة عما كان في أيامهم. ومن هؤلاء أستاذنا السباعي، تغمده الله برحمته، ولا شيء أدل على ذلك من كتابه هذا الذي بين يديك أيها القارئ الكريم "هكذا علمتني الحياة" وكتابه الآخر "السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي" الذي جمع فيه أُمّات المسائل في الدفاع عن السنة النبوية والحديث الشريف، ورد عدوان الظالمين المتقولين على السنّة ثبوتاً وكتباً وأتباعاً، وحيثما سرتُ أجد أثر هذا الكتاب والانتفاع به.

ومنذ أيام شاركت في المؤتمر الثامن للوحدة الإسلامية – والتقريب بين المذاهب – في الجمهورية الإيرانية الإسلامية، وكان كتاب السباعي "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" المرجع الرئيس للمدافعين عن السنّة تجاه الهجمات الشرسة الموجهة ضدها، والمرتكزة على أقوال أبي ريّة، وما أثارته قضية حامد أبي زيد، وسلمان رشدي، ومن لفّ لفهم، وأصحاب مؤلفات الطعن في الصحابة رضي الله عنهم. فكانت كلمات السباعي إحدى الحجج الحاسمة في الموضوع، تغمده الله برحمته، وجمع المسلمين على كتابه، وسنّة رسوله، وعلى الجهاد في سبيله.

وكتابنا هذا، "هكذا علمتني الحياة" جمعنا فيه جميع ما وجدناه من كلام الشيخ في هذا الموضوع. وقد ضاع بعضه في حياة المؤلف، ونحن على يقين أنّ بعضه قد ضاع بعد وفاته، حيث أعاد أحدهم إلى الورثة القسم المحتجز عنده بعد مدة طويلة، وقد سلّمه إليّ الورثة، والله نسأل أن يجمع لنا بقي مفقوداً.

وقد كانت الطبعات السابقة تحتاج إلى الكثير من العناية غير أنّ الظروف لم تكن مواتية، وقد وُجد فيها التكرار لبعض المسائل كما هي أو باختلاف كلمة واحدة أحيانا. فقمنا بإعادة النظر في كل ذلك في هذه الطبعة، وإذا عدلنا كلمة وضعنا كلامنا بين حاصرتين [ ].

ولمّا كان الواجب أن نقدم أعمالنا على أحسن ما يكون في قدرتنا، فقد بذلنا الجهد الممكن في هذه الطبعة، راجين الله سبحانه أن يتقبلها بفضله، وأن يغمر مؤلفها برحمته، وأن ينفع بها الأمة، فإنها خلاصة تجارب رجل عبقري، وعالم قليل النظير، ومجاهد أبلى في سبيل الله البلاء الحسن، في مختلف الميادين.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مقدمة المؤلف

الحمد لله الذي قدر كل شيء فأحسن قدره، وابتلى الإنسان بما يسرّه وما يسوؤه ليحسن في الحالتين شكره وصبره، وجعل لعبده مما يكره أملاً فيما يحب، ومما يحب حذراً مما يكره، فسبحانه واهب النعم، ومقدر النِقم، له الحمد في الأولى والآخرة، لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه، وكل نعيم زائل إلا جنته، وصلى الله على سيدنا محمد الذي أوذي في سبيل الله أبلغ إيذاء، فلم يزده ذلك إلا إيماناً ومضاءً، وعلى آله وصحبه الذين كانوا في السراء حامدين شاكرين، وفي الضراء خاضعين صابرين، وسلّم تسليماً كثيراً.

وبعد... فهذه خطرات بدأت تسجيلها وأنا في مستشفى المواساة بدمشق في شهر ذي القعدة من عام 1381 للهجرة الموافق لشهر نيسان (إبريل) من عام 1962 للميلاد, وكنت بدأت بتسجيلها لنفسي حين رأيتني في عزلة عن الأهل والولد، والتدريس والتأليف، وتلك هي عادتي في السجون والأمراض والأسفار، غير أني فقدت كل ما دونته من قبل، فلما بدأت بتسجيل خواطري في هذه المرة، وكان يزورني بعض إخواني فيراني مكبّاً على الكتابة، أبدى عجبه من أمري، فقد أجمع كل الأطباء الذين يشرفون على علاجي في بلادنا وفي بلاد الغرب أن من الواجب أن أركن إلى الراحة التامة، فلا أقرأ ولا أكتب، ولا أشغل بالي بمشكلات الحياة وهمومها، حتى يقدر لي الشفاء من مرض كان سببه الأول – في رأيهم – إرهاق الأعصاب بما لا تتحمله، وقد صبرت أعصابي على إرهاقي لها بضع عشر سنة حتى ناءت بحمل ما أحمّلها من هموم وأحزان، فكان منها أن أعلنت احتجاجها بإيقافي عن النشاط والعمل إيقافاً تامّا بضعة شهور، ثم استطعت من بعدها أن أعود إلى نشاطي الفكري في التدريس والتأليف برغم إلحاح الأطباء عليّ بترك ذلك، ولكني لم أستطع اتباع نصائحهم لظروف شتى لا قِبَل لي بدفعها، حتى إذا دخلت المستشفى أخيرا بعد إلحاح المرض عليّ واشتداد الآلام، كان المفروض أن أقف مضطراً عن الكتابة، لولا أني وجدت نفسي مسوقاً إلى تسجيل خواطري التي لم يكن لي يد في إيقاف تواردها. وأقرب ما يكون الإنسان إلى التفكير، أبعد ما يكون عن الشواغل والمزعجات.

فلما رأى مني بعض أصدقائي ذلك، قرأت لهم بعض ما كتبت كالمعتذر عن مخالفة نصائح الأطباء، فاستحسنوه، وكان أمر بعضهم أن أخذ يتردد عليّ يوميّاً ليسمع ما استجد من خواطري، ثم غادرت المستشفى فتابعت تسجيل هذه الخواطر في فترات متقطعة كانت تدفعني إليها مناسبات الأحداث. إلى أن تجمع لي منها قدر كافٍ رأيت من الخير الاستجابة إلى رغبات بعض إخواني في نشرها رجاء النفع والفائدة إن شاء الله.

# 2 #

لقد دوّنت هذه الخواطر كما وردت، غير مرتبة ولا مبوبة، فقد كنت أرى المنظر فيوحي إليَّ بالخاطرة أو بأكثر فأدونها، ثم أرى منظراً آخر فأدوّن ما خطر لي تعليقاً عليه، وكنت أحياناً أتذكر ما مضى من حياتي مع الناس فأكتب ما استفدت من تجاربي معهم، وهكذا جاءت هذه الخواطر مختلطاً بعضها ببعض، وقد يوحي إليّ الأمر الذي أود التعليق عليه بخواطر مسلسلة فأكتبها يردف بعضها بعضاً كما يرى القارئ في بعض المواضع. وأيّا ما كان فأنا أعرضها كما كتبتها دون أن أعيد النظر في ضم النظير إلى نظيره، والموضوع إلى شبيهه، لغرضين اثنين:

أولاً: أن تكون صورة صادقة عن تفكيري خلال بضعة شهور قضيتها منقطعاً عن الناس ما بين المستشفى والبيت.

ثانياً: أن يكون في انتقال الخواطر من موضوع إلى موضوع، ما يلذ للقارئ متابعتها، فقد تمل النفس من موضوع واحد يتتابع فيه الكلام على نسق واحد، ولكنها تنشط حين تنتقل من معنى إلى معنى، كما تنشط النفس حين تنتقل في الحديقة من زهرة إلى زهرة، ومن ثمرة إلى أخرى.

# 3 #

إن هذه الخواطر هي خلاصة تجاربي في الحياة، لم أنقل شيئاً منها من كتاب، ولا استعنت فيها بآراء غيري من الناس، وأعتقد أن من حق الجيل الذي أتى بعدنا أن يطّلع على تجاربنا، وأن يستفيد من خبرتنا إذا وجد فيها ما يفيد، وهذا خير ما نقدمه له من هدية. إننا لا نستطيع أن نملي عليه آراءنا إملاءً، وليس ذلك من حقنا، وإنما نستطيع أن نقدم له النصح والموعظة، وخير النصح ما أعطته الحياة نفسها، وأبلغ الموعظة ما اتصل بتجارب الحياة ذاتها، والناس وإن اختلفت مشاربهم وعقولهم وطباعهم، فإنهم يلتقون على كثير من حقائق الحياة، ويجتمعون على كثير من الرغبات والحاجات والأهداف.

وإني إنما أقدم هذه التجارب لمن عاش في مثل تفكيرنا وأهدافنا ومطامحنا ومقاييسنا، فهؤلاء الذين ينفعون بها، أما الذين يخالفوننا في العقيدة أو الاتجاه فقلّ أن يستفيدوا منها، ولا أعتقد أنهم يستطيعون الصبر على كثير مما جاء فيها من خواطر وأفكار، فمن أجل أولئك نشرت ما كتبت، أما هؤلاء المخالفون لنا في الاتجاه والنظرة إلى حقائق الحياة ومشكلاتها، فكل ما أرجو أن يستمعوا إليه، وأن يقرأوه على أنه يمثل وجهة نظر في مشاكل مجتمعنا الذي نعيش فيه، ولا سبيل إلى إنصاف مخالفك في الرأي إلا أن تستمع إليه وترى ما عنده، فقد تجد فيما تسمع – إن كنت طالباً للحق – بعض الصواب الذي كنت تظنه خطأ، وبعض الحق الذي كنت تراه باطلاً، وقد مدح الله عباده المؤمنين ? الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه? .

# 4 #

هذا وقد كانت خواطري التي أقدم أكثرها اليوم في هذا الكتاب ممزوجة بخواطر سياسية أوحت بها ظروفنا السياسية، فجردتها من هذه الخواطر الاجتماعية، رجاء أن يقرأ هذه من اختلف معنا في الاتجاه السياسي ومن وافقنا، وأرجأت نشر تلك الخواطر السياسية إلى فرصة أخرى أرجو أن تكون الظروف فيها ملائمة لنشرها أكثر من ظروفنا الحاضرة، وأن تكون النفوس فيها مستعدة لقبول النقد والحكم لها أو عليها أكثر مما هي مستعدة اليوم. وبخاصة أنا في مرضي ولا أريد إثارة الخصومات السياسية في وقت أرى أن ظروف بلادنا لا تسمح بإثارتها، وأن حالتي المرضية لا تسمح لي بالدخول في نقاش أو جدل حول ما كتبته فيها.

وليس معنى هذا أن ما في هذا الكتاب لا يثير عليّ بعض الخصومات، ولكني أرى ما تثيره بعض خواطري في هذا الكتاب من خصومات، شيئاً أتقرب به إلى الله عز وجل، فالخصومات السياسية كثيراً ما يُثاب الإنسان عليها، أما الخصومات الفكرية – وبخاصة ما يتعلق منها بالدين والإصلاح الاجتماعي – فهي لا بد واقعة، والثواب فيها متوفر إن شاء الله لمن لم يبغِ في نقده إلا وجه الحق، وتخليص الناس من الأباطيل والأوهام.

# 5 #

وأنا في هذه الخواطر لم أحاول الغموض في صياغتها، ولا التحدث عن المعاني التي تخطر في بال الفلاسفة، ويدّعيها بعض المتفلسفين، لقد كتبتها بأسلوب تفهمه العامة كما تفهمه الخاصة، وكنت فيها منساقاً مع طبيعتي التي تحب البساطة في كل شيء، وتكره التعقيد في أي شيء.

إنني لست في هذه الخواطر فيلسوفاً ولا حكيماً ولا مفكراً بعيد الغور في الوصول إلى الحقائق، ولكنني صاحب تجارب عملية في الحياة استغرقت من عمري أكثر من ربع قرن، وقد أحببت نقلها إلى من ينتفعون بما نكتب، ويتأثرون بخطانا فيما نفكر، وليس يهمني أن أبدو في نظرهم متفلسفاً، أو أديباً متأنفاً، وإنما يهمني أن أبدو لهم أخاً مرشداً ناصحاً يقول ما يفهمون، ولا يعنتهم في تدبر ما يقرأون.

على أني أعترف أن كثيراً من الخواطر المنثورة في هذا الكتاب تحتمل معانٍ كثيرة، وقد تحتاج إلى شرح يبين المقصود منها، وقد أبقيتها على ما هي عليه من الشمول لتحتمل كل ما تحتمله من معانٍ، وتركت للأخ القارئ أن يفهمها أو يفهم منها ما يشاء ما دام لفظها يحتمل فهمه ويدل عليه.

# 6 #

وقد جاء في بعض الخواطر كلمات "منظومة" ولا أقول قصائد شعرية، فلست بالشاعر وليست عندي موهبة الشعر وسليقته، وإن كان لي ميل إليه، وبقراءته هوى، ولكنها خواطر "منظومة" جاءتني عفواً دون تعمّد، فتركت نفسي على سجيتها، تعبر عما تريد بالأسلوب الذي تريد، فهذا هو عذري فيما أثبته من "منظومات" لا تطرب الشعراء، ولا تهز أسماعهم، وحسبي أني طربت لها حين جاءت على لساني هكذا، فخشيت إن أهملت إثباتها في هذه الخواطر، أن يضيع على القارئ بعض ما فيها من خواطر وجدانية، وانفعالات نفسية، فرأيت أن أشركه معي فيها على أن يعلم أنها ليست – في نظري – شعراً أعتدّ به، بل خواطر أرتاح إليها.

# 7 #

وأحب أن أنبّه أيضاً على أنني فيما أوردت من خواطر تتناول فئات من الناس، لم أقصد أشخاصاً معينين، وإنما قصدت كل من اتصف بتلك الصفات، فالخواطر المتعلقة بهم خواطر نحو صفات معينة، لا أشخاص معينين، وأعوذ بالله من أن يكون في قلبي حقد نحو أحد، أو عندي رغبة في التشهير بإنسان مهما اختلفت معه في اتجاهه.

ولست أقول كما قال أبو الطيب المتنبي:

ومن عرف الأيام معرفتي بها

وبالناس روَّى رمحه غير راحم

فلا هو مرحوم إذا ظفروا به

ولا في الردى الجاري عليهم بآثم

ولكني أقول: إن من بلغ من العمر ما بلغت (سبعاً وأربعين سنة) وأصابه من المرض ما أصابني (خمس سنين وبضعة شهور) وعرف الناس معرفتي بهم، يرى نفسه أكرم من أن يحمل حقداً أو عداوة شخصية يجري وراءها متقطع الأنفاس.

لقد هانت عليّ الدنيا بما فيها من اللذائذ، وما تحتويه من عوامل الحسد والحقد والكراهية، ولم يبقَ في نفسي – شهد الله – إلا رغبة في الخير أفعله وأدل عليه، وإعراض عن الشر أهجره وأحذر منه، أما الأشخاص فنحن كلنا زائلون، ولن يبقى إلا ما ابتغي به وجه الله، أو قصد منه نفع الناس، وسيجزي الله كل إنسان على ما قدم من عمل، ونحن جميعاً – من ظالمين ومظلومين، ومتخاصمين ومتحابين – أحوج ما نكون حينئذ إلى عفو الله ورحمته ورضوانه.

إلى ديّان يوم الدين نمضي

وعند الله تجتمع الخصوم

# 8 #

وبعد ... فهذا ما أحببت أن أبينه للقارئ مما يعتلج في نفسي في نفسي من خواطر نحو هذه الخواطر، وإني لأرجو الله تبارك وتعالى أن ينتفع بها فيما أصبت فيه، وأن يغفر لي منها ما أخطأت فيه، وأن يجعل ثواب ذلك في عداد حسناتي يوم العرض عليه ? يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم?، ? يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله?، والحمد لله رب العالمين.

دمشق 1 من جمادى الآخرة 1382
29 من تشرين الأول 1962
الدكتور مصطفى السباعي

القسم الأول

من أمراض هذه الحضارة

من مفاسد هذه الحضارة أنها تسمّي الاحتيال ذكاءً, والانحلال حرية، والرذيلة فنّاً، والاستغلال معونة.

شر من الحيوان

حين يرحم الإنسان الحيوان وهو يقسو على الإنسان يكون منافقاً في ادعاء الرحمة، وهو في الواقع شر من الحيوان.

مقياس السعادة الزوجية

الحد الفاصل بين سعادة الزوج وشقائه هو أن تكون زوجته عوناً على المصائب أو عوناً للمصائب عليه.

بلسم الجراح

نعم بلسم الجراح الإيمان بالقضاء والقدر.

أخطر على الدين

الذين يسيئون فهم الدين أخطر عليه من الذين ينحرفون عن تعاليمه، أولئك يعصون الله وينفِّرون الناس من الدين وهم يظنون أنهم يتقرَّبون إلى الله، وهؤلاء يتبعون شهواتهم وهم يعلمون أنهم يعصون الله ثم ما يلبثون أن يتوبوا إليه ويستغفروه.

آكل الدنيا بالدين

قاطع الطريق أقرب إلى الله وأحب إلى الناس من آكل الدنيا بالدين.

المبدأ النبيل

كل مبدأ نبيل إذا لم يحكمه دين سمح مسيطر، يجعل سلوك صاحبه في الحياة غير نبيل.

الرحمة خارج حدود الشريعة

الرحمة خارج حدود الشريعة مرض الضعفاء أو حيلة المفلسين.

إذا كنت تحب ..

إذا كنت تحبّ السرور في الحياة فاعتنِ بصحتك، وإذا كنت تحبّ السعادة في الحياة فاعتنِ بخلقك، وإذا كنت تحبّ الخلود في الحياة فاعتنِ بعقلك، وإذا كنت تحبّ ذلك كله فاعتنِ بدينك.

هذا الإنسان!

هذا الإنسان الذي يجمع غاية الضعف عند المرض والشهوة، وغاية القوّة عند الحروب وابتكار وسائل البناء والتدمير، هو وحده دليل على وجود الله.

المرض مدرسة!

المرض مدرسة تربوية لو أحسن المريض الاستفادة منها لكان نعمة لا نقمة.

لا تحتقرن أحداً

لا تحتقرن أحداً مهما هان؛ فقد يضعه الزمان موضع من يرتجى وصاله ويخشى فعاله.

أوهام مع العلم

لم تعش الإنسانية في مختلف عصورها كما تعيش اليوم تحت ركام ثقيل من الأوهام والخرافات بالرغم من تقدم العلم وارتياد الفضاء.

جهل خير من علم!

إذا لم يمنع العلم صاحبه من الانحدار كان جهل ابن البادية علماً خيراً من علمه.

ما هو العلم؟

ليس العلم أن تعرف المجهول .. ولكن .. أن تستفيد من معرفته.

أكثر الناس خطراً على ..

أكثر الناس خطراً على الأخلاق هم علماء "الأخلاق" وأكثر الناس خطراً على الدين هم رجال الدين . (أعني بهم الذين يتخذون الدين مهنة، وليس في الإسلام رجال دين، بل فيه فقهاء وعلماء ).

حسن الخلق

حسن الخلق يستر كثيراً من السيئات، كما أن سوء الخلق يغطّي كثيراً من الحسنات.

الرعد والماء

الرعد الذي لا ماء معه لا ينبت العشب، كذلك العمل الذي لا إخلاص فيه لا يثمر الخير.

الغنى والفقر

القناعة والطمع هما الغنى والفقر، فربَّ فقير هو أغنى منك، وربَّ غني هو أفقر منك..

الجمال والفضيلة

الجمال الذي لا فضيلة معه كالزهر الذي لا رائحة فيه.

الاعتدال في الحب والكره

لا تفرط في الحب والكره، فقد ينقلب الصديق عدوّا والعدو صديقاً.

الأخيار والأشرار

إذا لم يحسن الأخيار طريق العمل سلّط الله عليهم الأشرار.

انصح..

انصح نفسك بالشك في رغباتها، وانصح عقلك بالحذر من خطراته، وانصح جسمك بالشحّ في شهواته، و انصح مالك بالحكمة في إنفاقه، وانصح علمك بإدامة النظر في مصادره.

لا يغلبنك الشيطان!

لا يغلبنّك الشيطان على دينك بالتماس العذر لكل خطيئة، وتصيُّد الفتوى لكل معصية، فالحلال بيِّن، والحرام بيِّن، ومن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.

لا بد للخير من الجزاء..

أنفقت صحتي على الناس فوجدت قليلاً منهم في مرضي، فإن وجدت ثوابي عند ربي تمت نعمته عليَّ في الصحة والمرض.

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

لا يذهب العرف بين الله والناس

الشهوة الآثمة والمباحة

الشهوة الآثمة حلاوة ساعة ثم مرارة العمر، والشهوة المباحة حلاوة ساعة ثم فناء العمر، والصبر المشروع مرارة ساعة ثم حلاوة الأبد..

الجبن والشجاعة

بين الجبن والشجاعة ثبات القلب ساعة.

لا يخدعنك الشيطان

لا يخدعنك الشيطان في ورعك؛ فقد يزهدك في التافه الحقير، ثم يطمعك في العظيم الخطير، ولا يخدعنك في عبادتك؛ فقد يحبب إليك النوافل، ثم يوسوس لك في ترك الفرائض.

المرض من غير ألم..

ما أجمل المرض من غير ألم!.. راحة للمرهقين والمتعبين...

لولا الألم

لولا الألم لكان المرض راحة تحبب الكسل، ولولا المرض لافترست الصحة أجمل نوازع الرحمة في الإنسان، ولولا الصحة لما قام الإنسان بواجب ولا بادر إلى مكرمة, ولولا الواجبات والمكرمات لما كان لوجود الإنسان في هذه الحياة معنى.

الطاعة والتقوى

ما ندم عبد على طاعة الله، ولا خسر من وقف عند حدوده، ولا هان من أكرم نفسه بالتقوى..

برد ونار!

يكفيك من التقوى برد الاطمئنان، ويكفيك من المعصية نار القلق والحرمان.

شتان!

انتماؤك إلى الله ارتفاع إليه، واتباعك الشيطان ارتماء عليه، وشتان بين من يرتفع إلى ملكوت السموات، ومن يهوي إلى أسفل الدركات.

شرار الناس

شرار الناس صنفان: عالم يبيع دينه لحاكم، وحاكم يبيع آخرته بدنياه.

أعظم نجاح!

أعظم نجاح في الحياة: أن تنجح في التوفيق بين رغباتك ورغبات زوجتك.

طول الحياة وقصرها

الحياة طويلة بجلائل الأعمال، قصيرة بسفاسفها.

مطية الراحلين إلى الله!

العمل والأمل هما مطية الراحلين إلى الله.

مسكين

لا يعرف الإنسان قصر الحياة إلا قرب انتهائها.

سنة الحياة

من سنة الحياة أن تعيش أحلام بعض الناس على أحلام بعض، ولو تحققت أحلامهم جميعاً لما عاشوا.

مقارنة

إنما يتم لك حسن الخلق بسوء أخلاق الآخرين..

حوار بين الحق والباطل

تمشَّى الباطل يوماً مع الحق

فقال الباطل: أنا أعلى منك رأساً.

قال الحق: أنا أثبت منك قدماً.

قال الباطل: أن أقوى منك.

قال الحق: أنا أبقى منك.

قال الباطل: أنا معي الأقوياء والمترفون.

قال الحق: ?وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون ?.

قال الباطل: أستطيع أن أقتلك الآن.

قال الحق: ولكن أولادي سيقتلونك ولو بعد حين.

من عجيب شأن الحياة

من عجيب شأن الحياة أن يطلبها الناس بما تقتلهم به.

مثل الحياة

الحياة كالحسناء : إن طلبتها امتنعت منك، وإن رغبتَ عنها سعت إليك.

يقظة وغفلة

ما عجبت لشيء عجبي من يقظة أهل الباطل واجتماعهم عليه، وغفلة أهل الحق وتشتت أهوائهم فيه!.

الباطل والحق

الباطل ثعلب ماكر، والحق شاة وادعة، ولولا نصرة الله للحق لما انتصر على الباطل أبداً.

الفضيلة

الفضيلة فرس جموح لا تنقاد إلا للمتمكنين منها.

الشجاعة

ليست الشجاعة أن تقول الحق وأنت آمن، بل الشجاعة أن تقول الحق وأنت تستثقل رأسك!

السعادة

السعادة راحة النفس وطمأنينة الضمير، ولكل أناس مقاييسهم في ذلك.

العقائد بين الحب والحقد

العقائد التي يبنيها الحقد يهدمها الانتقام، والعقائد التي يبنيها الحب يحميها الإحسان.

الترفيه

المؤمن يرفه عن جد الحياة بما ينعش روحه، وبذلك يعيش حياته إنساناً كاملاً، وغير المؤمن يرفه عن جد الحياة بما يفسد إنسانيته، وبذلك يعيش حياته نصف إنسان.

التوكل والتواكل

قال التوكل: أنا ذاهب لأعمل، فقال النجاح: وأنا معك.

وقال التواكل: وأنا قاعد لأرتاح، فقال البؤس: وأنا معك.

الصدق والكذب

الصدق مطية لا تهلك صاحبها وإن عثرت به قليلاً، والكذب مطية لا تنجي صاحبها وإن جرت به طويلاً.

سر النجاح

سر النجاح في الحياة أن تواجه مصاعبها بثبات الطير في ثورة العاصفة.

لولا الإيمان

الحياة لولا الإيمان لُغْزٌ لا يفهم معناه.

الثبات

كن في الحياة كما وضعتك الحياة مع الارتفاع دائماً.

جمال الحياة

من عرف ربه رأى كل ما في الحياة جميلاً.

القوة والضعف

القوة هي ترك العدوان مع توفر أسبابه، والضعف هو الطيش عند أقل المغريات.

المؤمن والمعصية

ليس المؤمن هو الذي لا يعصي الله، ولكن المؤمن هو الذي إذا عصاه رجع إليه.

بين النبوة والعظمة

الفرق بين النبوة والعظمة هو: أن مقاييس الكمال في النبوة تقاس بمن في السماء ويا ما أكملهم! ومقاييس العظمة تقاس بمن في الأرض ويا ما أسوأهم!

نور وتراب

النبوة سماء تتكلم نوراً، والعظمة تراب يصَّعَّد غروراً، إلا العظمة المستمدة من النبوة، فإنها نور من الأرض يتّصل بنورٍ من السماء.

القسم الثاني

دواب الشيطان

إن للشيطان دواب يمتطيها ليصل بها إلى ما يريد من فتنة الناس وإغوائهم، منها: علماء السوء، ومنها: جهَلَة المتصوفة وزنادقتهم، ومنها: المرتزقون بالفكر والجمال، ومنها: الآكلون باللحى والعمائم ( أي : يخدعون بها الناس وليس لهم صلة بالعلم والدين )، وأضعف هذه الدواب وأقصرها مدى مجرمو الفقر والجهالة والتشرد.

جنود الحق

إن للحق جنوداً يخدمونه، منهم الباطل.

أدوات الشفاء

إذا اجتمع لمريض الهموم والأعباء : ركون إلى الله، وتذكر لسيرة رسول الله، وجو مرح، ونغم جميل، وسمَّار ذوو أذواق وفكاهة، فقد قطع الشوط الأكبر نحو الشفاء.

قيثارة الشيطان وحبالته ودنانيره

الفَنُّ قيثارة الشيطان، والمرأة حبالته، وعلماء السوء دراهمه ودنانيره.

لذة..

لذة العابدين في المناجاة، ولذة العلماء في التفكير، ولذة الأسخياء في الإحسان، ولذة المصلحين في الهداية، ولذة الأشقياء في المشاكسة، ولذة اللئام في الأذى، ولذة الضالين في الإغواء والإفساد.

الله

العاقل يرى الله في كل شيء: في دقة التنظيم، وروعة الجمال، وإبداع الخلق، وعقوبة الظالمين.

القضاء والقدر

القضاء والقدر سرّ التوحيد، ومظهر العلم، وصمام الأمان في نظام الكون.

وجودك دليل وجوده

دلّك بجهلك على علمه، وبضعفك على قدرته، وببخلك على جوده، وبحاجتك على استغنائه، وبحدوثك على قدمه، وبوجودك على وجوده، فكيف تطلب بعد ذاتك دليلاً عليه؟

كيف؟ وأين؟

كيف يعصيه عبد شاهد قدرته؟ وأين يفر منه عبد يجده قبله وبعده؟ ومتى ينساه عبد تتوالى نعمه عليه؟

ستر الله أوسع

لو أعطانا القدرة على أن نرى الناس بما تدل عليه أعمالهم لرأى بعضنا بعضاً ذئاباً أو كلاباً أو حميراً أو خنازير، ولكن ستر الله أوسع.

الاستقامة

الاستقامة طريق أولها الكرامة، وأوسطها السلامة، وآخرها الجنة.

الدنيا

هذه الدنيا أولها بكاء، وأوسطها شقاء، وآخرها فناء، ثم إما نعيم أبداً، وإما عذاب سرمداً.

العاقلة والحمقاء

المرأة العاقلة ملك ذو جناحين تطير بزوجها على أحدهما، والمرأة الحمقاء شيطان ذو قرنين تنطح زوجها بأحدهما.

العاقل والأحمق

العاقل يشعل النار ليستدفئ بها، والأحمق يشعلها ليتحترق بها.

أين يسكن الخير؟

سأل الخير ربه: أين أجد مكاني؟ فقال: في قلوب المنكسرين إليَّ، المتعرِّفين عليَّ!.

التفاؤل

إذا نظرت بعين التفاؤل إلى الوجود رأيت الجمال شائعاً في كل ذراته، حتى القبح تجد فيه جمالاً..

القناعة

لا يكن همّك أن تكون غنيَّا، بل أن لا تكون فقيراً، وبين الفقر والغنى منزلة القانعين.

جناحان

طر إلى الله بجناحين من حب له، وثقة به.

القلب الممتلئ

الصندوق الممتلئ بالجواهر لا يتسع للحصى، والقلب الممتلئ بالحكمة لا يتسع للصغائر.

الحظوظ

قد تخدم الحظوظ الأشقياء ولكنها لا تجعلهم سعداء، وقد تواتي الظروف الظالمين ولكنها لا تجعلهم خالدين.

نعمة العقل

الصغار والمجانين لا يعرفون الأحزان، ومع ذلك فالكبار العقلاء أسعد منهم.

الآلام

الآلام طريق الخلود لكبار العزائم، وطريق الخمول لصغارها.

العاقبة

إنما تحمد اللذة إذا أعقبت طيب النفس، فإن أعقبت خبثاً كانت سمًّا.

حقيقة اللذة والألم

اللذة والألم ينبعثان من تصور النفس لحقيقتهما، فكم من لذة يراها غيرك ألماً، وكم من ألم يراه غيرك لذة.

الألم امتحان

الألم امتحان لفضائل النفس وصقل لمواهبها.

الألم واللذة

لولا الألم لما استمتع الإنسان باللذة.

• قلَّ أن تخلو لذة من ألم، أو ألم من لذة.

الإيمان

الإيمان يعطينا في الحياة ما نكسب به قلوب الناس دائماً: الأمانة، والصدق, والحب، وحسن المعاملة.

المغرور

المغرور إنسان نفخ الشيطان في دماغه، وطمس من بصره، وأضعف من ذوقه، فهو مخلوق مشوَّه.

الكذاب والخائن

لا يكذب من يثق بنفسه، ولا يخون من يعتز بشرفه.

الحق والحب

بالحق خلقت السموات والأرض، وبالحب قامتا.

رائحة الجنة

من أحبه الأخيار من عباد الله استطاع أن يشمّ رائحة الجنة.

إذا أردت أن تعرف

إذا أردت أن تعرف منزلتك عنده فانظر: أين أقامك؟ وبمَ استعملك؟

معنى العبادة

العبادة رجاء العبد سيده أن يبقيه رقيقاً.

المؤمن والكافر

المؤمن حر ولو كُبِّل بالقيود، والكافر عبد ولو خفقت له البنود.

من علامة رضاه

من علامة رضاه عنك أن يطلبك قبل أن تطلبه، وأن يدلك عليه قبل أن تبحث عنه.

الحاجة إليه

عَلِم أنك لا تصفو مودتك له فأحوجك إليه لتقبل بكل ذاتك عليه.

الطائر السجين

كم من طائر يظن أنه يحلّق في السماء وهو سجين قفصه، أولئك المفتونون من علماء السوء.

الصحة والمرض

إذا أمرضك فأقبلت عليه فقد منحك الصحة، وإذا عافاك فأعرضت عنه فقد أمرضك.

الأنس بالله

إذا أوحشك من نفسك وآنسك به فقد أحبّك.

علامة القبول

إذا قبلك نسب إليك ما لم تفعل, وإذا سخطك نسب إلى غيرك ما فعلت.

الإخلاص

إذا كان لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه إنا إذاً لهالكون.

موثق ومعتق

عبد الذنب موثق، وعبد الطاعة معتق.

عبد العبد وعبد السيد

عبد العبد يستطيع فكاك نفسه بالمال، وعبد السيد لا يستطيع فكاك نفسه إلا بالأعمال.

المعصية والطاعة

المعصية سجن وشؤم وعار، والطاعة حرية ويمن وفخار.

لحظات!

بين المعصية والطاعة صبر النفس عن هواها لحظات.

بين صبرين

الصبر على الهوى أشق من الصبر في المعركة وأعظم أجراً، فالشجاع يدخل المعركة يمضغ في شدقيه لذة الظفر، فإذا حمي الوطيس نشطت نفسه وزغردت، والمؤمن وهو يصارع هواه يتجرَّع مرارة الحرمان فإذا صمّم على الصبر ولَّت نفسه وأعولت، والشجاع يحارب أعداءه رياءً وسمعة وعصبية واحتساباً، ولكن المؤمن لا يحارب أهواءه إلا طاعة واحتساباً.

مناجاة!

يا رب إذا كان في أنبيائك أولو العزم وغير أولي العزم وجميعهم أحباؤك، أفلا يكون في عبادك أولو الصبر وغير أولي الصبر وجميعهم عتقاؤك؟

مناجاة!

إلهي! وعزتك ما عصيناك اجتراءً على مقامك، ولا استحلالاً لحرامك، ولكن غلبتنا أنفسنا وطمعنا في واسع غفرانك، فلئن طاردنا شبح المعصية لنلوذنًّ بعظيم جنابك، ولئن استحكمت حولنا حلقات الإثم لنفكنها بصادق وعدك في كتابك، ولئن أغرى الشيطان نفوسنا باللذة حين عصيناك، فليغرين الإيمان قلوبنا بما للتائبين من فسيح جنانك، ولئن انتصر الشيطان علينا لحظات، فلنستنصرنَّ بك الدهر كله، ولئن كذب الشيطان في إغوائه، ليصدقن الله في رجائه.

لمَ لا ينشرون فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم

إذا أحب الناس إنساناً كتموا عيوبه ونشروا حسناته، فكيف لا ينشر المؤمنون فضائل رسولهم وليست له عيوب؟

رسول الله والأنبياء

لئن شقَّ موسى بحراً من الماء فانحسر عن رمل وحصى، فقد شقَّ محمد صلى الله عليه وسلم بحوراً من النفوس فانحسرت عن عظماء خالدين، ولئن ردَّ الله ليوشع شمساً غابت بعد لحظات فقد ردَّ الله بمحمد إلى الدنيا شمساً لا تغيب مدى الحياة، ولئن أحيا عيسى الموتى ثم ماتوا فقد أحيا محمد أمماً ثم لم تمت ..

إذا امتلأ القلب

إذا امتلأ القلب بالمحبة أشرق الوجه، إذا امتلأ بالهيبة خشعت الجوارح، وإذا امتلأ بالحكمة استقام التفكير، وإذا امتلأ بالهوى ثار البطن والفرج.

لا يحاسب

المريض المتألم كالنائم: يهذر ويرفث ولكنه لا يحاسب.

لا تعظ!

لا تعظ مغلوباً على هواه حتى يعود إليه بعض عقله.

كل محبة تورث شيئاً

محبة الله تورث السلامة، ومحبة الناس تورث الندامة، ومحبة الزوجة تورث الجنون.

إذا همّت نفسك

إذا همّت نفسك بالمعصية فذكرها بالله، فإذا لم ترجع فذكرها بأخلاق الرجال، فإذا لم ترجع فذكرها بالفضيحة إذا علم بها الناس، فإذا لم ترجع فاعلم أنك تلك الساعة قد انقلبت إلى حيوان.

أخف العيوب

لكل إنسان عيب، وأخف العيوب ما لا تكون له آثار تبقى.

احذر وأسرع

إذا مدك الله بالنعم وأنت على معاصيه فاعلم بأنك مستدرج، وإذا سترك فلم يفضحك، فاعلم أنه أراد منك الإسراع في العودة إليه.

أنواع الحب

الحب وَلَهُ القلب، فإن تعلق بحقير كان وَلَه الأطفال، وإن تعلق بإثم كان وله الحمقى، وإن تعلق بفان كان وله المرضى، وإن تعلق بباق عظيم كان وله الأنبياء والصديقين.

بين الخوف والرجاء

يخوّفنا بعقابه فأين رحمته؟ ويرجينا برحمته فأين عذابه؟ هما أمران ثابتان: رحمته وعذابه، فللمؤمن بينهما مقامان متلازمان: خوفه ورجاؤه.

القسم الثالث

المسيء بعد الإحسان

من أحسن إليك ثم أساء فقد أنساك إحسانه.

لو كنت!

لو كنت متوكلاً عليه حق التوكل لما قلقت للمستقبل، ولو كنت واثقاً من رحمته تمام الثقة لما يئست من الفرج، ولو كنت موقناً بحكمته كل اليقين لما عتبت عليه في قضائه وقدره، ولو كنت مطمئناً إلى عدالته بالغ الاطمئنان لما شككت في نهاية الظالمين.

في الدروب والمتاهات

في درب الحياة ضيَّعت نفسي ثم وجدتها في فناء الله، وفي متاهات الطريق فقدت غايتي ثم ألفيتها في كتاب الله، وفي زحام الموكب ضللت رحلي ثم وجدته عند رسول الله.

لولا.. ولولا

لولا رحمتك بي يا إلهي لكنت فريسة الأطماع، ولولا هدايتك لي لكنت سجين الأوهام، ولولا إحسانك إليَّ لكنت شريد الحاجات، ولولا حمايتك لي لكنت طريد اللئام، ولولا توبتك عليَّ لكنت صريع الآثام.

الدين والتربية

الدين لا يمحو الغرائز ولكن يروِّضها، والتربية لا تغيِّر الطباع ولكن تهذِّبها.

الشهامة.. والشجاعة

الشهامة أن تغار على حرمات الله، والنجدة أن تبادر إلى نداء الله، والشجاعة أن تسرع إلى نصرة الله، والمروءة أن تحفظ مَنْ حولك مِنْ عيال الله، والسخاء أن لا تردَّ لله أمراً ولا نهياً.

خلق الكرام

الكرام يتعاملون بالثقة, ويتواصلون بحسن الظن، ويتوادّون بالإغضاء عن الهفوات.

ما هو الفقه؟

الفقه أن تفقه عن الله شرعه، وعن رسول الله خُلُقه، وعن صحابته سيرتهم وسلوكهم.

متى تنكشف الحقائق؟

وفي المآزق ينكشف لؤم الطباع، وفي الفتن تنكشف أصالة الآراء، وفي الحكم ينكشف زيف الأخلاق، وفي المال تنكشف دعوى الورع، وفي الجاه ينكشف كرم الأصل، وفي الشدة ينكشف صدق الأخوة.

لا تغرنك!..

لا تغرنك دمعة الزاهد فربما كانت لفرار الدنيا من يده، ولا تغرنك بسمة الظالم، فربما كانت لإحكام الطوق في عنقك، ولا تغرنك مسالمة الغادر، فربما كانت للوثوب عليك وأنت نائم، ولا يغرنك بكاء الزوجة، فربما كان لإخفاقها في السيطرة عليك!.

احذر ضحك الشيطان منك

احذر ضحك الشيطان منك في ست ساعات: ساعة الغضب، والمفاخرة، والمجادلة، وهجمة الزهد المفاجئة، والحماس وأنت تخطب في الجماهير، والبكاء وأنت تعظ الناس.

احذر اللئيم

احذر لئيم الأصل، فقد يدركه لؤم أصله وأنت في أشد الحاجة إلى صداقته، واحذر لئيم الطبع، فقد يدركه لؤم طبعه وأنت في أشد الحاجة إلى معونته.

احذر!

احذر الحقود إذا تسلط، والجاهل إذا قضى، واللئيم إذا حكم، والجائع إذا يئس، والواعظ المتزهد (أي الذي يتظاهر بالزهد ) إذا كثر مستمعوه.

من عيشة المؤمن

ثلاث هنّ من عيشة المؤمن: عبادة الله، ونصح الناس، وبذل المعروف.

من طبيعة المؤمن

ثلاث هنَّ من طبيعة المؤمن: صدق الحديث، وأداء الأمانة، وسخاء النفس.

من خلق المؤمن

ثلاث هنَّ من خلق المؤمن: الإغضاء عن الزلَّة، والعفو عند المقدرة، ونجدة الصديق مع ضيق ذات اليد.

حسن الخلق

من أوتي حسن الخلق لا عليه ما فاته من الدنيا.

المنافق

المنافق شخص هانت عليه نفسه بقدر ما عظمت عنده منفعته.

• المنافق ممثل مسرحي، له كذب الممثل وليس له تقدير المتفرجين.

اعتذرا!

قيل لخطيب منافق: لماذا تتقلَّب مع كل حاكم؟ فقال: هكذا خلق الله القلب متقلباً، فثباته على حالة واحدة مخالفة لإرادة الله!..

عقوبة المجتمع

إن الله يعاقب على المعصية في الدنيا قبل الآخرة، ومن عقوبته للمجتمع الذي تفشو فيه المظالم أن يسلّط عليه الأشرار والظالمين: ? وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق القول فدمرناها تدميراً?.

ميزان الله

الفقير ميزان الله في الأرض، يوزن به صلاح المجتمع وفساده.

والله أعدل الحاكمين

أمر الله أن يعطى الفقير حقه والغني حقه، فدافع دجاجلة الدين عن حق الغني ولم يدافعوا عن حق الفقير، وأكل طواغيت الدنيا حق الغني دفاعاً عن حق الفقير، والله أعدل الحاكمين.

حكم الشيطان

لم يرضهم حكم الله في أموالهم فسلَّط عليهم من يحكم فيها بحكم الشيطان.

أين أنت

يتساءلون عنك: أين أنت؟ فيا عجباً للعُمْي البُلْه! متى كنت خفيًّا حتى نسأل عنك؟ ألست في عيوننا وأسماعنا؟ ألست في مائنا وهوائنا؟ ألست في بسمة الصغير وتغريد البلبل؟ ألست في خفيف الشجر وضياء القمر؟ ألست في الأرض والسماء؟ ألست في كلِّ شيء كلِّ شيء؟ أليست هذه آياتك الدالة عليك؟ أليست هذه من بدائع صنعك يا أحسن الخالقين؟ أليست آيات تدبيرك الحكيم بارزة في صغير هذا الكون وكبيره؟ فكيف يسأل عنك هؤلاء إلا أن يكونوا عمياً في البصائر والأبصار؟

? إن في السموات والأرض لأيتٍ للمؤمنين ¯ وفي خلقكم وما يبث من دابةٍ ءاياتٌ لقوم يوقنون ¯ واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح ءايات لقوم يعقلون?.

أين حكمتك؟

يتساءلون عن حكمتك في المرض والجوع، والزلازل والكوارث، وموت الأحبَّاء و حياة الأعداء، وضعف المصلحين وتسلط الظالمين, وانتشار الفساد وكثرة المجرمين، يتساءلون عن حكمتك فيها وأنت الرؤوف الرحيم بعبادك؟ فيا عجباً لقصر النظر ومتاهة الرأي، إنهم إذا وثقوا بحكمة إنسان سلموا إليه أمورهم، واستحسنوا أفعاله وهم لا يعرفون حكمتها، وأنت.. أنت يا مبدع السموات والأرض، يا خالق الليل والنهار، يا مسير الشمس والقمر، يا منزل المطر ومرسل الرياح، يا خالق الإنسان على أحسن صورة وأدقّ نظام.. أنت الحكيم العليم.. الرحمن الرحيم.. اللطيف الخبير.. يفقدون حكمتك فيما ساءهم وضرهم، وقد آمنوا بحكمتك فيما نفعهم وسرّهم، أفلا قاسوا ما غاب عنهم على ما حضر؟ وما جهلوا على ما علموا؟ أم أن الإنسان كان ظلوماً جهولاً؟!

انتصار المؤمنين

في بحار من الظلمات بعضها فوق بعض، وفي حشود من الشر يأتي بعضها إثر بعض، وفي أرسالٍ من الشك يردف بعضها بعضاً، في زمجرة الأعاصير، وفي تفجُّر البراكين، في أمواج البحر المتلاطمة.. يلجأ المؤمنون إلى إيمانهم فيملأ قلوبهم برداً وأمناً، ويفيئون إلى ربهم فيسبغ عليهم سلاماً منه ورضواناً، ويرجعون إلى كتاب هدايتهم فيملأ عقولهم حكمة وعلماً، ويلتفُّون حول رسولهم فيزيدهم بصيرة وثباتاً.. حينذاك.. يناجي المؤمنون ربهم وقد خضعت له جباههم، وخشعت له قلوبهم: ? ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار¯ ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن ءامنوا بربكم فئامنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار¯ ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد?.

هنالك يستجيب لهم الحق بوعد الصدق: ? أني لا أضيعُ عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب?.

ثم تدفعهم يد الله إلى طريق المعركة مبينة لهم وسائل النصر: ? يأيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون?.

ويسير المؤمنون وهم يرفعون عقيرتهم بالدعاء: ? ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب?.

ويخوضون معركة الحق وهم يرددون: ? ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين?.

ويسجل كتاب الخلود نتيجة المعركة بثلاث كلمات: فهزموهم بإذن الله.

عصر الخير

لم يكن أهل الخير في عصر من عصور التاريخ أكثر عدداً من أهل الشر أو يساوونهم، ولكن عصور الخير هي التي تمكن فيها أهل الخير من توجيه دفتها.

الضاحك الباكي

السعيد المحبوب هو الذي يضحك وقلبه باك، ويغنِّي ونفسه حزينة.

لكي يحبك الناس

لكي يحبَّك الناس أفسح لهم طريقهم، ولكي ينصفك الناس افتح لهم قلبك، ولكي تنصف الناس افتح لهم عقلك، ولكي تسلم من الناس تنازل لهم عن بعض حقك.

عذاب..

عذاب العاقل بحبسه مع من لا يفهم، وعذاب المجرِّب برئاسته على من لم يجرب، وعذاب العالم بوضع علمه بين أيدي الجهال، وعذاب الرجل بتحكيمه بين النساء، وعذاب المرأة بمنعها من الكلام..

العواطف والعقول والأهواء

العواطف تنشئ الدولة، والعقول ترسي دعائمها، والأهواء تجعلها ركاماً.

بين الذئب والشاة

قال الذئب للشاة: ثقي بي فسأقودك إلى مرتع خصب.

فقالت الشاة: إني أرى بعينيك عظام زميلاتي..

قال الذئب: لم آكلها أنا وإنما أكلها ذئب غيري..

قالت الشاة: وهل انسلخت من طبيعتك حتى لا تفعل ما فعلوا؟

دولة المؤمن!

عقل الفيلسوف يبني دولة في الهواء، وعقل القصصي يبني دولة فوق الماء، وعقل الطاغية يبني دولة فوق مستودع بارود، وعقل المؤمن يبني دولة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

خلود..

خلود العالِم بعلومه، وخلود الفيلسوف بتأملاته، وخلود القائد بفتوحاته، وخلود النبي برسالته، وخلود المصلح بصحابته.

يريد أن يحسن فيسيء

بعض أصدقائك يريد أن يحسن إليك فيسيء، فإن كانت اجتهاداً فاعف عنه، وإن كانت غفلة فلا تعتمد عليه.

جواز سفر

خلق الله المال ليكون جواز سفر إلى الجنة، فجعلته أطماع الإنسان جواز سفرٍ إلى جهنَّم...

كيف يؤتى الحق

لا يؤتى الحقّ إلا من الدخلاء في حشوده، والأغرار في قيادته، والنائمين في حراسته، والمفسدين في أسلحته.

إذا أراد الله

إذا أراد الله أن يسلب من عبد نعمة أغفله عن صيانتها، وإذا أراد أن يمنحه نعمة هيَّأه لحسن استقبالها، وإذا أراد أن يمتحنه في نعمة أيقظ عقله وهواه، فإن غلب هواه عقلَه لم يكن بها جديراً.

من تعلق...

من تعلَّق قلبه بالدنيا لم يجد لذَّة الخلوة مع الله، ومن تعلق قلبه باللهو لم يجد لذة الأنس بكلام الله، ومن تعلق قلبه بالجاه لم يجد لذة التواضع بين يدي الله، ومن تعلق قلبه بالمال لم يجد لذة الإقراض لله، ومن تعلق قلبه بالشهوات لم يجد لذة الفهم عن الله، ومن تعلق قلبه بالزوجة والولد لم يجد لذة الجهاد في سبيل الله، ومن كثرت منه الآمال لم يجد في نفسه شوقاً إلى الجنة.

القسم الرابع

بين... وبين

بين الشقاء والسعادة، تذكر عواقب الأمور.

• بين الجنة والنار، تذكر الحياة والموت.

• بين السبق والتأخر، تذكر الهدف والغاية.

• بين الصلاح والفساد، يقظة الضمير.

• بين الخطأ والصواب، يقظة العقل.

إذا صحت منك العزيمة

إذا صحَّت منك العزيمة للوصول إليه، مدَّ يده إليك، وإذا صحَّت منك العزيمة للوقوف بين يديه، فرش لك الباسط، ودلَّك بنوره عليه.

إذا صدقت الله...

إذا صدقت الله في الزهد في الدنيا كرَّهك بها، وإذا صدقته الرغبة في الآخرة حبب إليك أعمالها، وإذا صدقته العزم على دخول الجنة أعطاك مفاتيحها، وإذا صدقته حب رسوله حبب إليك اقتفاء أثره، وإذا صدقته الشوق إلى لقائه كشف لك الحجب إلا حجاب النور.

دعوى الحب

الحب من غير اتِّباع دعوى، ومن غير إخلاص بلوى، ومن غير نجوى حسرة وعبرة.

مناجاة!

إلهي! دعوتنا إلى الإيمان فآمنا، ودعوتنا إلى العمل فعملنا، ووعدتنا النصر فصدَّقنا، فإن لم تنصرنا لم يكن ذلك إلا من ضعف في إيماننا، أو تقصير في أعمالنا، ولأن نكون قصرنا في العمل، أقرب إلى أن نكون ضعفنا في الإيمان، فوعزَّتك ما زادتنا النكبات إلا إيماناً بك، ولا الأيام إلا معرفة لك، فأما العمل فأنت أكرم من أن تردَّه لنقصٍ وأنت الجواد، أو لشبهة وأنت الحليم، أو لخلل وأنت الغفور الرحيم.

المرائي

ليس أشقى من المرائي في عبادته، لا هو انصرف إلى الدنيا فأصاب من زينتها، ولا هو ينجو في الآخرة فيكون مع أهل جنَّتها..

أصناف الإخوان

الإخوان ثلاثة: أخ تتزين به، وأخ تستفيد منه، وأخ تستند إليه، فإذا ظفرت بمثل هذا فلا تفرِّط فيه؛ فقد لا تجد غيره.

صراخ المرضى

أسمع بجانبي صراخ مرضى يقولون: يا الله! علموا أن لهم ربًّا يرحمهم فاستغاثوا برحمته، إني لأرحمهم لآلامهم وأنا عبد مثلهم، فكيف لا يرحمهم الله وهو ربهم وخالقهم؟..

زرع لا يحصد!

الجيل الذي زرعته يد الله لا تحصده يد إنسان.

أنواع الظلم

الظلم ثلاث: ظلم الإنسان لنفسه بأن لا ينصحها، وظلم الإنسان لأمته بأن لا يخدمها، وظلم الإنسان للحقيقة الكبرى بأن لا يعترف بربه ? إن الشرك لظلمٌ عظيم?.

أنت تعلم.. وأنا أعلم

إلهي! أنت تعلم: أني لم أتقرَّب إليك بصالح الأعمال.

وأنا أعلم: أنك تغفر الذنوب جميعاً إلا الإشراك بك.

أنت تعلم: أني لم أبتعد عما نهيت من سيئ الأعمال.

وأنا أعلم: أنك ما كلفتنا من التقوى إلا بما نستطيع.

أنت تعلم: أني لم أعبدك كما ينبغي لجلال وجهك أن يُعبد.

وأنا أعلم: أنك تخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان.

أنت تعلم: أن نفسي لم تصف من كدورتها برغم تعرّضي لنفحاتك.

وأنا أعلم: أنك خلقتني من الطين، وأنبتّني من التراب، وأسكنتني في الأرض، وامتحنتَني بالشيطان.

أنت تعلم: أني أسبح في بحر متلاطم الأمواج لأصل إلى شاطئ أمنك وسلامتك.

وأنا أعلم: أنك شددتني في الحياة بما يبطئ بي في الوصول إليك من زوجة وولد، وحاجة ومرض، وهموم وأحزان.

أنت تعلم: أني مشوق إلى الغوص في بحار أسرارك، والتعرض لفيوض أنوارك.

وأنا أعلم: أنك خلقت فيَّ مع نور العقل ظلمة الشهوة، ومع خضوع الملائكة تمرُّد إبليس، ومع سموِّ السماء هبوط الأرض، ومع صفاء الخير كدورة الشر، ومع نار الحب دخان الهوى.

أنت تعلم: أني أريد الوصول إليك صادقاً منكسراً.

وأنا أعلم: أنك تجتبي من تشاء، وتصطفي من تختار، بفضل منك لا بأعمالهم، وبكرم منك لا باستحقاقهم.

إلهي! هذا بعض ما تعلمه مني، وبعض ما أعلمه عنك، فاجعل ما علمته شفيعاً لما علمته، وأوصلني إلى ما تعلمه مما أحاول، على ما أعلمه عندي من ضعف الوسائل، ولا تجعل علمك بي مبعداً لي عنك، ولا علمي بك فاتناً لي عن الوصول إليك، اللهم إنك تعلم ونحن لا نعلم وأنت الحكيم الوهّاب.

تجارة لا تبور

من تعرَّض لنفحات الله في الأسحار، وأُعطياته لأحبابه من الأبرار، وتعجبه من الطاعة، وسروره عند التوبة، كان هو التاجر بما لا يبور، والمتعامل مع من لا يخيس، والمدَّخر لما لا يفنى.

ما كلّ..

ليس كل من أمسك القلم كاتباً، ولا كل من سوَّد الصحف مؤلفاً، ولا كل من أبهم في تعبيره فيلسوفاً، ولا كل من سرد المسائل عالماً، ولا كل من تمتم بشفتيه ذاكراً، ولا كل من تقشَّف في معيشته زاهداً، ولا كل من امتطى الخيل فارساً، ولا كل من لاث العمامة شيخاً، ولا كل من طرّ شاربه فتى، ولا كل من طأطأ رأسه متواضعاً، ولا كل من افترَّ ثغره مسروراً.

تخير من تقرأ له

كل مؤلف تقرأ له، يترك في تفكيرك مسارب وأخاديد، فلا تقرأ إلا لمن تعرفه بعمق التفكير، وصدق التعبير، وحرارة القلم، واستقامة الضمير.

تجليات الله

تجلَّى للعارفين بفيوض الأنوار، وتجلَّى للواصلين بلطائف الأسرار، وتجلَّى للعابدين بلذة الإسرار، وتجلَّى للمريدين بحلاوة المزار، وتجلَّى للتائبين بإسدال الأستار، وتجلَّى للناظرين بحسن الاختيار، وتجلَّى للغافلين بتعاقب الليل والنهار.

لا تحقد!

لا تحقد على أحد، فالحقد ينال منك أكثر مما ينال من خصومك، ويبعد عنك أصدقاءك كما يؤلب عليك أعداءك، ويكشف من مساويك ما كان مستوراً، وينقلك من زمرة العقلاء إلى حثالة السفهاء، ويجعلك تعيش بقلب أسود، ووجه أصفر، وكبدٍ حرّى.

الأصحاء والمرضى

رأيت الناس بين مريض في جسمه سليمٍ في قلبه، صحيح في جسمه مريض في قلبه، وقلَّ أن رأيت صحيح الجسم والقلب معاً.

للخير طريقان

للخير طريقان: بذل المعروف أو نيَّته، ومن لم يكن له نصيب في هذا ولا ذاك فهو أرض بوار.

مناجاة!

يا حبيبي! أنا أرق لهجرك الدمع، ولا جافيت لعتبك المضجع، ولا تركت لذيذ الطعام والشراب، ولكن أمضّني اللهم فيك حتى أمرضني، وأرهقني السعي إليك حتى أقعدني، فهل شافعي القيام بهذا عن التقصير في ذاك؟ وهل أنت مسعفي بلذيذ وصالك، بعد طول صدودك؟ أم أنك لا ترضى من محبيك، إلا أن يتحققوا بكل خصائص العبودية، وأن ينسوا أنفسهم حتى لا يروا غير آلائك، ولا تبهر أبصارهم سوى أنوارك؟ وأنَّى لي هذا إلا بعونك ورحمتك؟

لك من حياتك خمس!

لك من حياتك: طاعة الله، وطلب المعرفة، وبذل الخير، وبر الأقرباء والأصدقاء، ودفع الأذى عن جسمك، وما عدا ذلك فهو عليك.

أخطاء الأصدقاء

لا تهجر أخاك لأخطائه ولو تعددت، فقد تأتيك ساعة لا تجد فيها غيره.

استعن بمالك

من استعان بماله على حفظ كرامته فهو عاقل، ومن استعان به على تكثير أصدقائه فهو حكيم، ومن استعان به على طاعة الله فهو محسن ? إن رحمت الله قريب من المحسنين?.

لماذا نكره الحق؟

نحن كالأطفال: نكره الحق لأننا نتذوق مرارة دوائه، ولا نفكر في حلاوة شفائه، ونحب الباطل لأننا نستلذ طعمه، ولا نبالي سمَّه.

الهوى

لولا الهوى لصلح مَنْ في الأرض جميعاً، ولو صلحوا جميعاً لما استحقوا الموت، ولو عاشوا جميعاً لما وسعتهم الأرض..!

قيادة الأغرار

إياك وقيادة الأغرار في معركة حاسمة؛ فإنهم إمّا أن ينشغلوا بك عن أنفسهم، وإما أن ينشغلوا بأنفسهم عنك، وفي كلا الحالين توقع الهزيمة.

الفهم عن الله

إذا فهمت عنه في الضراء كما تفهم عنه في السراء فقد صدقت في حبه.

ظلم الإنسان

من ظلم الإنسان وجهله أن يتلقى عن ربه ما لا يعطيه إلا هو، ثم يسأل: أين الله؟

لا تضِنَّ بالقليل

احذر أن تضنَّ بالقليل على عباد الله، فيأخذ الله منك القليل والكثير.

لا تظلم الضعيف

احذر أن تظلم الضعفاء، فيظلمك من هو أقوى منك.

جحود الظالم

لو أيقن الظالم أن للمظلوم ربًّا يدافع عنه لما ظلمه، فلا يظلم الظالم إلا وهو منكر لربه.

العقوبة على السيئة

الجزاء على الحسنة قد يؤجَّل إلى الآخرة، ولكن العقوبة على السيئة تكون في الدنيا قبل الآخرة.

حَنين

قد يقلع العاقل عن خلق ذميم، ولكن نفسه يعاودها الحنين إليه فترة بعد أخرى.

مناجاة!

يا رب! خلقتنا فنسيناك، ورزقتنا فكفرناك، وابتليتنا لنذكرك فشكوناك، ونسأت لنا في الأجل فلم نبادر إلى العمل، ويسرت لنا سبيل الخير فلم نستكثر منه، وشوّقتنا إلى الجنة فلم نطرق أبوابها، وخوّفتنا من النار فتقحَّمنا دروبها، فإن تعذّبنا بنارك فهذا ما نستحقه وما نحن بمظلومين، وإن تدخلنا جنتك فذاك ما أنت أهله وما كنا له عاملين.

الأمل

لولا الأمل لما عمل إنسان، فهو من أكبر نعم الله التي لا ترى.

مطية السعادة

الأمل مطيتك إلى السعادة، فإن وصلت إليها وإلا فابدأ أملاً جديداً.

سمو الآلام

رأيت نفسي دائماً تسمو بالآلام! ولكن من يطيق استمرارها؟

كن خيراً منه

لا تعامل أخاك بمثل ما يعاملك به، بل كن خيراً منه دائماً.

حسن الظن

لأن تحسن الظن فتندم، خير من أن تسيء الظن فتندم!.

أقوال المبغضين

اصبر على ما يشيعه عنك مبغضوك من سوء، ثم انظر فيما يقولون، فإن كان حقًّا فأصلح نفسك، وإن كان كذباً فلا تشك في أن الله يظهر الحق ولو بعد المدى ? إن الله يدافع عن الذين آمنوا ?.

العاقل والأحمق

العاقل من يرى فيما يقال عنه تنبيهاً لأخطائه، والأحمق يرى فيها محض إيذائه.

تبدل الرأي

كم من كثيرين كنت تتمنى صفعهم، ثم أصبحت تتمنى تقبيلهم.

القسم الخامس

حسن الظن

احمل أخطاء الناس معك دائماً محمل الظن إلا أن تتأكد من صدق الإساءة.

من الذي لا عيب فيه؟

لو أنك لا تصادق إلا إنساناً لا عيب فيه لما صادقت نفسك أبداً.

الأخ الكامل

إذا لم يكن في إخوانك أخ كامل فإنهم في مجموعهم أخ كامل يتمم بعضهم بعضاً.

كيف تعامل الناس؟

لا تعامل الناس على أنهم ملائكة فتعيش مغفلاً, ولا تعاملهم على أنهم شياطين فتعيش شيطاناً، ولكن عاملهم على أن فيهم بعض أخلاق الملائكة وكثيراً من أخلاق الشياطين.

الجزاء على المعروف

الجزاء الكامل عن المعروف لا يكون إلا من الله تعالى.

لا ترَ نفسك

لا تكن ممن يرى نفسه دائماً، فيكرهك الناس ويستثقلك إخوانك.

التواضع

التواضع يرفع رأس الرجل، والتكبر يخفضه.

لا تتحدث عن نفسك

تحدثك عن نفسك دائماً دليل على أنك لست واثقاً من نفسك.

حسن الخلق في البيت

كثير من الناس يكونون داخل بيوتهم من أفظِّ الناس وأغلظهم، وهم خارجها من ألطف الناس وآنسهم.

لا تندم على حسن الخلق

لا تندم على حسن الخلق ولو أساء إليك الناس، فلأن تحسن ويسيئون خير من أن تسيء ويسيئون.

العلم والمال

من ضاق ماله كثر همه، ومن اتسع علمه قلّ همه، ولأن تقلل همومك بكثرة العلم خير من أن تقللها بسعة المال، فقلَّ أن يسلم غني من المهالك، وقلَّ أن يقع عالم فيها، وقلَّ أن رأيت إنساناً اجتمع له العلم الغزير والمال الكثير مع سلامة من المهالك وبسطة في عمل الخير، ولكن قرأت عن مثل هؤلاء في التاريخ.

أنفع ثروة لأولادك

أنفع ثروة تخلفها لأولادك: أن تحسن تربيتهم وتعليمهم، وأبقى أثر منك ينتفعون به بعد موتك: علمك وخدمتك للناس.

كيف تسلم أعصابك من التلف؟

عامل القدر بالرضى، وعامل الناس بالحذر، وعامل أهلك باللين، وعامل إخوانك بالتسامح، وعامل الدهر بانتظار تقلباته، تسلم أعصابك من التلف والانهيار.

بين القرآن والإنجيل

حكمة الإنجيل: "من أمسك بطرف ثوبك فاترك له ثوبك كله" أسلم للفرد، وحكمة القرآن: ? فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى? أسلم للجماعة.

• الإنجيل "يحتم" تسامح الإنسان في حقه، وهذا أقرب إلى المثل الأعلى، والقرآن "يرغب" في ذلك، وهذا أقرب لطبيعة الإنسان.

عيش العاقل وعيش الأحمق

العاقل من يأخذ بحظه من سعة العيش ويحسب لتقلبات الأيام حساباً، والأحمق من يتوسع في عيشه آمناً من غدرات الزمان.

الحكيم والأحمق

الحكيم من يعيش يومه وغده، والجاهل من يعيش فحسب.

احترام العالم

من احترم العالم لعلمه فقد أنصفه، ومن احترمه لعلمه وخلقه فقد أكرمه.

انسَ الإساءة!

من تذكر إساءة إخوانه إليه لم تصفُ له مودتهم، ومن تذكر إساءة الناس إليه لم يطب له العيش معهم، فانسَ ما استطعت النسيان.

بر الوالدين

مَنْ برَّ والديه فقد حكم لهما بالإحسان في ولادتهما له، ومن عقَّهما فقد حكم عليهما.

أب.. وابن..

ربَّ ولد خلَّد أباه، وربَّ أب قتل ولده.

لا تصاحب

لا تصاحب المسرف فيتلف لك مالك، ولا تصاحب البخيل فيتلف لك مروءتك.

مع جارك

اكتم على جارك ثلاثاً: عورته، وثروته، وكبوته، وانشر عن جارك ثلاثاً: كرمه، وصيانته، ومودته.

ما يكشف عن أخلاق الرجال

أربعة أشياء تكشف عن أخلاق الرجال: السفر، والسجن، والمرض، والمخاصمة.

لا تمتدح.. حتى..

لا تمتدح إنساناً بالورع حتى تبتليه بالدرهم والدينار، ولا بالكرم حتى ترى مشاركته في النكبات، ولا بالعلم حتى ترى كيف يحل مشكلات المسائل، ولا بحسن الخلق حتى تعاشره، ولا بالحلم حتى تغضبه، ولا بالعقل حتى تجربه.

معالجة الأمور

رب متكلم يبدو لك أنه من أحكم الحكماء، فإذا عالج الأمور كان من أسخف السخفاء.

دليل المودة

لا تثق بمودة إنسان حتى ترى موقفه منك أيام العسرة.

صنوف الإخوان

الإخوان ثلاثة: أخ يفتح لك قلبه وجيبه فشدَّ يدك عليه، وأخ يفتح لك قلبه فاستفد منه، وأخ يغلق عنك قلبه وجيبه فلا ترحل إليه.

إذا اجتمعت..

إذا اجتمعت إلى حكيم فأنصت إليه، وإذا اجتمعت إلى عاقل فتحدث معه، وإذا اجتمعت إلى سخيف ثرثار فقم عنه وإلا قتلك!.

الصمت والكلام

إذا اشتهيت الصمت فتكلم، وإذا اشتهيت الكلام فاصمت، فإن شهوة الصمت وقار مفضوح، وشهوة الكلام خفة مزرية.

شهوة اللذة

إذا اشتهت نفسك لذة مباحة، فإن كنت تعلم أنك إن منعتها شغبت عليك وحزنت فاسترضها، وإلا فخير لك أن تعوِّدها الفطام.

عباد الله...

إن لله عباداً قطعوا عوائق الشهوات، وأسرجوا مراكب الجدِّ بصدق العزمات، وامتطوا جياد الأمل، واتَّجهوا إلى الله عز وجل، وتزودوا إليه بصالح العمل مع إخلاص النية، وتوسلوا إليه بصفاء القلب وصدق الطوية، فمروا بالخضرة الفاتنة مسبحين، وبالحطب اللاهب مستعيذين، ولم يعبأوا بالعقبات، ولم يلتفتوا إلى المغريات، قد صانوا وجوههم عن الابتذال، وطهروا أقدامهم من الأوحال، استعانوا بالله على مشقة الطريق فذلل لهم صعابه، وعلى بعد المدى فلملم لهم رحابه، فلما اجتازوا الصعاب سألوا الله ففتح لهم بابه، فلما دخلوه استضافوه فقربهم ورفع دونهم حجابه، فلما استطابوا المقام بعد طول السرى قالوا: ? الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين? أولئك أحباء الله، صدقوه العهد فصدقهم الوعد، ومحضوه الحب فمنحهم القرب، أما ملائكة الله فتراهم: ? حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين?.

صفة أخ

لي أخ صادق في حبه، مخلص في قربه، سريع في نجدته، غيور في مشهده وغيبته، سخي أكثر مما عرف عن بيئته، بصير بمواطن النفع والضر لمصلحته، غير أنه يشتد في الخصام، ويسرف في الأوهام، ويبالغ في الأرقام.

التجارب..

التجارب تنمي المواهب، وتمحو المعايب، وتزيد البصير بصراً، والحليم حلماً، وتجعل العاقل حكيماً، والحكيم فيلسوفاً، وقد تشجع الجبان، وتسخي البخيل، وقد تقسي قلب الرحيم، وتلين قلب القاسي، ومن زادته عمى على عماه، وسوءاًَ على سوئه فهو من الحمقى المختومين.

القسم السادس - شيطان يتظلم!

تعرض شيطان اسمه (أخصَرَ عَشء) يوماً لمتصوف جاهل يتعاطى الوعظ فقال له: لماذا لا تتعلم الدين، فتنشر سيرة العلماء، وتنشر في الناس الحلال والحرام، وتفتيهم في شؤون دينهم عن هدى وبصيرة؟

قال المتصوف: اغرب عليك لعنة الله! أتظن أني أخدع بك! لو كان من طبيعتك النصح لما كنت شيطاناً، إنما تريد بدعوتي للعلم أن أنصرف عن ذكر الله! لا أفعل!

قال الشيطان: فهل لك في كلمة حق عند سلطان جائر فيكون لك أجر المجاهدين؟

قال المتصوف: اخسأ عليك غضب الله! أتريد أن تعرِّضني لعدواتهم فأسجن وأحارب فيحرم الناس من وعظي وإرشادي؟.

قال الشيطان: إمَّا لا هذه ولا تلك، فلماذا لا تجمع المال لتحفظ به كرامتك، وتدَّخره لفقير محتاج، أو مريد منقطع، أو جامع يبنى، أو خير تسهم فيه؟

قال المتصوف متلمِّظاً: أما هذه فنعم، قاتلك الله! فأين أجد المال؟.

قال الشيطان: ما رأيت والله أحمق منك! ألا ترى إلى مريديك، تحفظ لهم آخرتهم أفلا يحفظون لك دنياك؟ وتعمر لهم قلوبهم أفلا يعمرون لك جيبك؟ وتحيي لهم أرواحهم أفلا يحيون لك بيتك؟

ومدّ المتصوف الجاهل يده إلى جيوب مريديه فأفرغها في جيبه، وكانت من الكثرة بحيث تفيض عن حاجة يومه وغده وكان من الكذب في دينه بحيث لا يفكر في إنفاقها في سبيل الله، فحار ماذا يصنع بها، فاستشار الشيطان فقال له: إنك إن أبقيت المال في خزانتك لم تأمن عليه من لص ينتهبه، أو جائحة تذهب به، أو ولد صالح يلطشه (كلمة عامية شامية تعني أخذ الشيء بوقاحة ) فأين أنت من شراء الأراضي والمزارع؟

فقال المتصوف: قاتلك الله لقد نصحتني. واقتنى الضياع واحدة بعد الأخرى.

ولكن أمره انكشف بين الناس، وماله المجموع من السحت والنصب (كلمة عامية شامية تعني الاحتيال في أخذ المال) والتسول ما زال يتزايد يوماً بعد يوم، فلجأ إلى صديقه الشيطان يستشيره، فقال له: وأين أنت من شراء السيارات، وبناء الدور، وعمارة القصور؟

قال المتصوف: ولكني أخشى أن أفتضح أيضاً.

قال الشيطان: لا أصلحك الله! أتعجز عن تسجيلها باسم زوجتك وأولادك وهم كثيرون؟.

وفعل المتصوف ذلك، غير أن المال ما زال يتدفق على جيب الشيخ الجاهل الواعظ، وأخذ يفتش عن أستاذه الشيطان ليستشيره فيما يفعل.

ولكن أستاذه كان قد غاظه من تلميذه مزاحمته له في مهنة الخداع ووسوسة الشر، فقرر الدعوة إلى مؤتمر غير عادي للشياطين ليرفع إليهم أمر هذا التلميذ المزاحم.

وانعقد المؤتمر برئاسة إبليس، ووقف الشيطان يشرح قصته ويقول:

لقد كان المدعى عليه إنساناً جاهلاً فمسخته ببراعتي وكيدي إلى شيطان ذكي، وكنت أنتظر منه أن يعرف لي فضلي فلا يزاحمني في (منطقتي) ولكنه أخذ يزاحمني مزاحمة خشيت منها على زبائني من التحول جميعهم إليه، فقد أخذ يسلك لإغوائهم من الطرق ما لا أعرف، فاجتذب من الربائن ما لم أكن أطمع في تعاملهم معي.

لقد كنت أغوي الناس بالخمرة والمرأة واللذة والقمار والثروة وغير ذلك، فلم يستمع إليَّ من بغِّضت إليه هذه اللذائذ كلها، أما هذا التلميذ العاق فقد أخذ يخدع الناس باسم الدين والزهد والفضيلة حتى أغواهم وأوقعهم في الجهل والخرافة ومحاربة الدين وعلمائه.. وأنتم تعلمون يا حضرات الزملاء أن ميزة زبائننا، الغفلة مع شيء من الذكاء!.. فما يكاد الواحد منهم يتعامل معنا قليلاً حتى يهديه ذكاؤه إلى خبثنا وسوء طريقتنا فيتركنا.. أما هذا التلميذ المخادع فقد استطاع أن يخبل عقول زبائنه بالترَّهات والخرافات ليتمكن بذلك من استثمارهم فترة أطول مما نستثمر بها زبائننا.

فأنا أسألكم باسم حرمة المهنة, وبحق غضب الله علينا أن تفصلوا في أمره بما توحي به ضمائركم النجسة!.

ونهض الشيطان التلميذ ليدافع عن نفسه فقال:

يا حضرات الزملاء الملعونين!.. إني وغضب الله عليَّ وعليكم ما خنت هذه المهنة بعد أن شرّفني رئيسنا إبليس بالدخول إلى (حظيرة دنسه) وما تنكرت يوماً لفضل أستاذي (أخْصَرَ عَشْ) عليَّ، ولكني وجدته بعد التجربة قليل الحيلة ضعيف الذكاء، وتعلمون أن أحدنا كلما كان أبرع في اقتناص الفريسة والفرصة كان أقرب إلى نفس رئيسنا إبليس أخزانا الله وإياه، ولقد استطعت بوسائل الخداع التي أُلْهِمْتُهَا من (حظيرة الدنس) أن أجتذب من الزبائن في محيط أستاذي في سنوات، ما لم يستطع أن يجتذبه في مئات السنين.

إننا حضرات الزملاء الملعونين.. في عصر استيقظت فيه روح الدين والهداية في نفوس الناس، فيجب أن نطوِّر وسائل الضلال والغواية بما يتفق مع هذا التطوُّر الخطير، وإذا ظللنا على أساليبنا القديمة فسيخسر رئيسنا إبليس أخزانا الله وإياه عرشه ومملكته.

ولا يخفى عليكم أن وسيلتي التي أتَّبعها نفرت كثيراً من الدين بما ألصقته به من خرافات وأباطيل، وما اتبعته مع الناس من كذب واحتيال وتدجيل، وكان من نتيجة ذلك أن تشكّك كثير من الناس بحقائق الدين الصافية ودعاته الصادقين وعلمائه المخلصين، مما جعلهم مهيّئين ليكونوا من فرائس أستاذي وزبائنه.

كما أن هؤلاء جعلوا يصبّون اللعنات عليّ بدلاً من أستاذي كما كان الأمر من قبل.

ومن هنا ترون يا حضرات الزملاء الملعونين.. أنني أستحق شكر أستاذي لو كان مخلصاً لمهنته، لكن أنانيته وطمعه واستئثاره جعلته يستعديكم عليَّ، وأخشى أن يكون أستاذي قد أصابته عدوى الهداية فقلَّت فيه روح الشيطنة وخبثها.. فلم يعد يصلح للمهنة، أما أنا فأظل أخاكم المخلص وزميلكم النجيب!.

وهنا تداول المؤتمرون القضية من جميع نواحيها، ثم أعلن إبليس قرار المؤتمر التالي:

لما كان الثابت من وقائع الدعوى وباعتراف المدعي (أخصر عش) بأن المدّعى عليه قد أصبح بارعاً في مهنة الشيطنة خبيراً بأساليب الضلالة والإغواء.

ولما كان الثابت من وقائع الدعوى وباعتراف المدعي أيضاً أن زبائننا قد تضاعفوا بفضل المدعى عليه أضعافاً مضاعفة عما كانوا عليه في عهد المدعي.

ولما كانت المادة الأولى من دستورنا وهي التي تقول: "كل من استطاع الإغواء والإضلال يعتبر شيطاناً" تنطبق على المدعى عليه تماماً.

ولما كانت المادة الخامسة من هذا الدستور قد نصَّت على الشروط المطلوبة من التلميذ لمنحه لقب "أستاذ".

ولما كانت روح الشر المتأصلة فينا تقتضينا أن نعمل جاهدين لنشر الضلالة والفساد بين بني الإنسان وأن نفرح لذلك ونشجع عليه.

ولما كان من الثابت أن المدَّعى عليه قد استطاع بفضل وسائله المبتكرة المتطورة أن يزيد في عدد ضحايانا وأن ينشر نفوذنا انتشاراً واسعاً.

لهذا كله قرر المؤتمر منح لقب "أستاذ" للمدعى عليه، وتكريس أستاذيَّته في محفل الشيطان الأعظم، ونقش اسمه في عداد شياطين الإنس الخالدين..

حكماً وجاهياً قابلاً للاستئناف..

رئيس المؤتمر: إبليس

القسم السابع

زيارة

زر السجن مرة في العمر لتعرف فضل الله عليك في الحرية، وزر المحكمة مرة في العام لتعرف فضل الله عليك في حسن الأخلاق، وزر المستشفى مرة في الشهر لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض، وزر الحديقة مرة في الأسبوع لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة، وزر المكتبة مرة في اليوم لتعرف فضل الله عليك في العقل، وزر ربَّك كل آن لتعرف فضله عليك في نعم الحياة.

العاقل والحكيم والفيلسوف

العاقل من لم تطْغُ عاطفته على تفكيره، والحكيم من حفظ دروس الحياة، والفيلسوف من يحاول معرفة المجهول من المعلوم.

الجمال

جمال النفس يسعد صاحبها ومن حولها، وجمال الصورة يشقي صاحبها ومن حولها.

درس من الطبيعة

ما أروع هذا الدرس الذي تلقيه الطبيعة علينا وأنا أنظر إليها من نافذة غرفتي، ها هي النسمات تميل الأشجار الخضراء باتجاه واحد حتى تكاد تتعانق، ثم تعود لتتلاقى مرة أخرى، كذلك الإنسان النابض بالحياة يتجاوب مع المجتمع النابض بالحياة.

توسط في كل شيء

عش مع أهلك وسطاً بين الشدَّة واللين، وعش مع الناس وسطاً بين العزلة والانقباض، وعش مع إخوانك وسطاً بين الجد والهزل، وعش مع تلاميذك وسطاً بين الوقار والانبساط، وعش مع أولادك وسطاً بين القسوة والرحمة، وعش مع الحاكمين الصالحين وسطاً بين التردد والانقطاع، وعش مع بطنك وسطاً بين الشبع والجوع، وعش مع جسمك وسطاً بين التعب والراحة، وعش مع نفسك وسطاً بين المنع والعطاء، وعش مع ربك وسطاً بين الخوف والرجاء، تكن من السعداء.

لا تشته

لا تشته الزهد كيلا تبتلى بالرياء, ولا تشته الجاه كيلا تبتلى بالكبرياء، ولا تشته المرض كيلا تبتلى بالتبرُّم بالقضاء، ولا تشته الصحة كيلا تبتلى بالعدوان على الضعفاء، ولا تشته الفقر كيلا تبتلى بحسد الأغنياء، ولا تشته الغنى كيلا تبتلى بظلم الفقراء، ولكن سل الله دائماً ما هو خير لك عنده وأبقى، فإذا أقامك على حالة فقل: آمنت بالله ثم استقم.

فضل المرض

بالمرض تعرف نعمة الصحة، وبالصحة تنسى آفة المرض.

اعتنِ بصحتك

لا تهمل العناية بصحتك مهما كانت وجهتك في الحياة، فإن كنت عاملاً أمدتك بالقوة، وإن كنت طالباً أعانتك على الدراسة، وإن كنت عالماً ساعدتك على نشر المعرفة، وإن كنت داعية دفعت عنك خطر الانقطاع، وإن كنت عابداً حبَّبت إليك السهر في نجوى الحبيب.. نفسك مطيتك فارفق بها.

الصحة والهرم

من عني بصحته في شبابه لم يدركه الهرم ولو عاش مائة عام.

الصحة والواجب

لا تلهينَّك العناية بصحتك عن أداء رسالتك. قليل من الوقت تعنى به في صحتك يوفر عليك كثيراً من الوقت في أداء رسالتك.

الاعتدال أساس الصحة

كن معتدلاً في أكلك ومعيشتك، وفرحك وحزنك، وعملك وراحتك، ومنعك وعطائك، وحبك وبغضك، لا تعرف المرض أبداً: ? وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً?.

الراحة والخلوة

لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأنفقت نصف أوقاتي في الراحة والخلوة، (قليل دائم خير من كثير منقطع).

نصيحة الطبيب

لا تستهن بنصيحة طبيبك اعتماداً على صحتك، فقد يأتي يوم تفقد فيه صحتك ولا تجديك مشورة طبيبك.

عاجل بالعلاج

لا تؤجل تناول العلاج إلى انتهائك من العمل، فقد تنقطع عن العمل وتفوت فرصة العلاج.

النفقة على الصحة

أيها البخيل! نفقة الاعتناء بصحتك أقل من نفقة العلاج من مرضك.

التفكير في الصحة

تفكير الصحيح أصح من تفكير المريض إلا أن يكون للمريض أنس بربِّه.

عزاء للمريض

إذا ضقت ذرعاً بمرضك، فاذكر أن هنالك مرضى يتمنَّون ما أنت فيه لعظم ما أصابهم من الأمراض، وبذلك تهدأ نفسك وترضى عن ربك.

اللذة والمرض

من لم يمتنع باختياره عما يضرّه من لذة، فسيضطر إلى ما يكره من دواء.

الفقر مع الصحة

حصيرة بالية تنام عليها وأنت صحيح، خير من سرير ذهبي تلقى عليه وأنت مريض.

مفاخرة بين الصحة والمرض

تفاخرت الصحة والمرض يوماً:

فقالت الصحة: بي ينشط الناس للعمل.

وقال المرض: وبي يقصر الناس طول الأمل.

قالت الصحة: بي يجتهد العابدون في العبادة.

قال المرض: وبي يخلصون في النية.

قالت الصحة: ومن أجلي تشاد معاهد الطب.

قال المرض: وبي تتقدم بحوث الطب.

قالت الصحة: كل الناس يحبونني.

قال المرض: لولاي لما أحبوك هذا الحب.

ليل ونهار

ليلك نهار غيرك، وليل غيرك نهارك!.

بين السمع والاختبار

بعض الناس تسمعهم فتتمنى صحبتهم ولو في النار، فإذا خبرتهم كرهت صحبتهم ولو في الجنة.

اغتنم ساعة نشاطك

للنفس ساعات تنشط فيها للخير، وساعات تحرن فيها، فإذا نشطت فأكثر، وإذا حرنت فأقصر، فإنك إن أكرهتها على الخير وهي لا تريده كانت كالدابة التي تركبها مرغمة، لا تأمن أن تلقي بك وأنت حُطَمَة!.

مصاحبة الأحمق

لا تصاحب الأحمق بحال، فإنك لا تستطيع التحامق معه، وهو لا يستطيع التعاقل معك، والأول شرٌّ لك، والثاني خارج عن طبيعته.

• مصاحبة الأحمق كمصاحبة الأفعى، لا تدري متى يؤذيك!.

الغلاظة في الدين

بعض دعاة الدين يذكرون قوله تعالى: ? واغلظ عليهم? وهم لا يفهمون معناها، وينسون قوله تعالى: ? ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك? وهي واضحة المعنى.

كثرة الكلام

من ابتلي بكثرة الكلام أصيب بالعيِّ في موطن يحسن الكلام فيه.

ثلاثيات!

احذر ثلاثاً في ثلاث عند ثلاث: الزهو بعلمك عند المناقشة، والفخر بعملك عند الذين يعرفونك، والتقصير في الخير عند سنوح فرصته.

طبيعة المرأة

المرأة طفل كبير يريد منك أن تعامله معاملة الكبار.

غرور المرأة

المرأة غزال يظن أن قرونه تغني عنه غناء أنياب الأسد.

خداع الشيطان باسم الطاعة

إني لا أخشى على نفسي أن يغريني الشيطان بالمعصية مكاشفة، ولكني أخشى أن يأتيني بها ملفعة بثوب من الطاعة.

• يغريك الشيطان بالمرأة عن طريق الرحمة بها، ويغريك بالدنيا عن طريق الحيطة من تقلباتها، ويغريك بمصاحبة الأشرار عن طريق الأمل في هدايتهم، ويغريك بالنفاق للظالمين عن طريق الرغبة في توجيههم، ويغريك بالتشهير بخصومك عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويغريك بتصديع وحدة الجماعة عن طريق الجهر بالحق، ويغريك بترك إصلاح الناس عن طريق الاشتغال بإصلاح نفسك، ويغريك بترك العمل عن طريق القضاء والقدر، ويغريك بترك العلم عن طريق الانشغال بالعبادة، ويغريك بترك الجهاد عن طريق حاجة الناس إليك، ويغريك بترك السنَّة عن طريق اتباع الصالحين، ويغريك بالاستبداد عن طريق المسؤولية أمام الله والتاريخ، ويغريك بالظلم عن طريق الرحمة بالمظلومين.

إساءة الحمقى إلى الدين

بعض الغيورين على الدين يسيئون إليه بحمقهم وغرورهم أكثر مما يسيء إليه أعداؤه بخبثهم ومكرهم.

لا تدع للشيطان فرصة

لا تعط الشيطان فرصة التردد عليك، بل احزم أمرك معه، وأفهمه أنك لا تحب الخائنين.

إذا خوفك الشيطان

إذا خوفك الشيطان من الفقر، فردَّه بالرزق المكتوب ? وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها? وإذا خوفك من الموت والقتل، فرده بالأجل المكتوب ? فإذا جاء أجلهم لا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون?.

إذا أيأسك الشيطان

إذا أيأسك الشيطان من الجنة فتذكر مغفرة الله.

وإذا أيأسك من النجاة بتقصيرك فتذكر فضل الله.

وإذا أيأسك من الشفاء من مرضك فتذكر رحمة الله.

وإذا أيأسك من كشف محنتك فتذكر وعد الله.

نداء!

أيها المثقلون بالهموم! كل همومكم تزول إلا همًّا واحداً هو دينونة أنفسكم.

أيها المرهقون بالآلام! كل آلامكم تذهب إلا ألماً واحداً هو ألم ضمائركم.

معالجة المشكلات

بعض الناس يعالجون المشاكل بما يزيدها تعقيداً.

السلبية حمق

السلبية المطلقة في معالجة المشكلات الاجتماعية التي لا مفر منها حمق وانتحار.

• بعض الناس يحاولون إيقاف عجلة التطور بكلمة "لا"؛ كالصبيان يحاولون عرقلة سير القطار بوضع الأحجار على قضيب السكة الحديدية.

الحكيم الأحمق!

من شغله الاستعداد لغده عن العمل ليومه كان حكيماً أحمق.

راحة الفكر

يقولون لي: أرح فكرك لتُشفى، ومعنى ذلك: ادفن نفسك لتسلم.

شدة الإحساس بلاء

قد تكون شدة الإحساس بلاءً أكبر من شدة الغفلة.

التفكير في ذات الله..

التفكير في ذات الله كفر، وفي آياته إيمان.

بين.. وبين..

بين الخوف والجرأة: أن تخطو الخطوة الأولى.

• بين الاحتراس وسوء الظن: أن الأول احتمال السوء، والثاني ترجيحه.

• بين صفاء القلب والغفلة: أن الأول ترجيح حسن الظن مع احتمال سوئه، والثاني عدم احتمال السوء مطلقاً.

• بين المروءة والدناءة: حبّ المكرمات.

• بين الكرامة والكبر: أن الأول أن تنزل نفسك منزلتها، والثاني أن تنزل نفسك فوق منزلتها.

• بين التواضع والذلة: أن الأول أن تتنازل عن مكانة نفسك تخلقاً، والثاني أن ترضى باحتقار غيرك لك هواناً..

مع الأطباء

قد تغيب أبسط مبادئ المعالجة عن أذهان كبار الأطباء.

الأسباب والتوكل

خذ بالأسباب وثق بأن نتائجها بيد الله وحده.

قوة العقول والأجسام والأرواح

الأذكياء تقوى عقولهم على حساب أرواحهم، والأغبياء تقوى أجسامهم على حساب عقولهم، والصالحون تقوى أرواحهم على حساب عقولهم، والصدِّيقون تقوى عقولهم وأرواحهم في آن واحد.

القسم الثامن

غذاء شيء بشيء

لا تجعل جسمك يتغذَّى بروحك فتقوى حيوانيتك، ولا تجعل عقلك يتغذى بروحك فتقوى شيطانيتك، ولكن غذِّ عقلك بالتفكير، وروحك بالنظر، فتقوى ملا ئكيَّتك.

النظر في كتاب الله

ما رأيت شيئاً يغذِّي العقل والروح ويحفظ الجسم ويضمن السعادة أكثر من إدامة النظر في كتاب الله.

المؤمن والكافر

في كل مؤمن جزء من فطرة النبي، وفي كل كافر جزء من طبيعة الشيطان.

الخوف

لا يستعبدك الخوف فتكون كمن خافوا الشيطان فعبدوه.

أثر الأم في الأولاد

اللهم هيئ لأحفادنا أمهات عاقلات صالحات، فإن الأم إما أن تجعل من ابنها رجلاً، وإما أن تجعل منه شريراً، وإما أن تجعل منه مغفلاً.

عناد الشر

لا يلقي الشر سلاحه حتى يلفظ آخر أنفاسه؛ فهو لا يعرف الصلح والمهادنة أبداً.

رباعيات

ارحم أربعاً من أربع: عالماً يعيش مع الجهال، وصالحاً يعيش مع الأشرار، ورحيماً يعيش مع قساة القلوب، وعالي الهمة يعيش مع خائري العزائم.

في الفتنة

إذا لم تستطع أن تقاوم فتنة الغوغاء فاحتفظ بحكمتك لنفسك؛ فإنها عندهم حينئذ سخف أو خيانة!.

من نعمة العقل

من تمام نعمة الله عليك بالعقل أن يعرِّفك قدر نفسك.

لا تستعجل الرئاسة

لا تستعجل الرئاسة؛ فإنك إن كنت أهلاً لها قدَّمك زمانك، وإن كنت غير أهل لها كان من الخير لك أن لا ينكشف نقصانك.

ضعف الإنسان

سبحان من خضد شوكة الإنسان بالجوع، وأذلَّ كبرياءه بالمرض، وقهر طغيانه بالموت.

بين الثعلب والأسد

قال الثعلب للأسد بعد أن أوقعه في حفرة ظنّ أنه سيهلكه فيها: سأفضحك بين الحيوان بضعفك، فضحك الأسد وقال: مهما فعلت فسأظل أن أسداً وستظل أنت ثعلباً!.

بينك وبين ربك

إذا وصل إليك من ربك العطاء فليصله منك الشكر، وإذا وصل إليك منه البلاء فليصله منك الصبر، وإذا لم يصل إليك منه ما ترجو فلا يصل إليه منك ما يكره.

مكافأة المعروف

لا تقصِّر في حق إخوانك اعتماداً على محبتهم؛ فإن الحياة أخذ وعطاء، ولا تقصر في حق ربك اعتماداً على رحمته؛ فإن انتظار الإحسان مع الإساءة شيمة الرقعاء، ولا تنتظر من إخوانك إن يبادلوك معروفاً بمعروف؛ فإن التقصير من طبيعة الإنسان، وانتظر من ربّك أن يكافئك على الخير خيراً منه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!.

عامل

عامل ربك بالخضوع، وعامل أعداءه بالكبرياء، وعامل عباده بالتواضع.

احتفظ بوقارك في أربعة

احتفظ بوقارك في أربعة مواطن: في مذاكرتك مع من هو أعلم منك، وتعليمك لمن هو أكبر منك، ومخاصمتك مع من هو أقوى منك، ومناقشتك مع من هو أسفه منك.

لا تنقبض في أربعة

لا تنقبض في أربعة مواطن: في السفر مع زملائك، والسهر مع إخوانك، والملاطفة مع أهلك وأولادك، والطرب مع من تثق بهم من سمَّارك.

احتفظ بأدبك في خمسة

احتفظ بأدبك في خمسة مواطن: في أماكن العبادة ، ومجالس العلم، ومقابلة العظماء، ومحادثة الرؤساء، ومعاملة الغرباء.

احتفظ برباطة جأشك في سبعة

احتفظ برباطة جأشك في سبعة مواطن: لقاء الأعداء، ومقابلة الطغاة، واشتداد الفتنة، وتربص الشر، وانتشار البلاء، وسجون المتسلِّطين، وطيش الزوجة الرعناء.

التواضع والغرور

إذا أنعم الله عليك بموهبة لست تراها في إخوانك، فلا تفسدها بالاستطالة عليهم بينك وبين نفسك، وبالتحدث عنها كثيراً بينك وبينهم؛ فإنّ نصف الذكاء مع التواضع أحبُّ إلى قلوب الناس وأنفع للمجتمع من ذكاء كامل مع الغرور.

المغرور

المغرور يتوهم لنفسه من الفضائل ما يذهب بفضائله الحقيقية.

لا تستخفن بالنعمة

لا تستخفَّنَّ بنعمة مهما قلّت؛ فإن القليل من الكريم كثير.

اعتنِ بالنعمة

لا تهملنَّ العناية بالنعمة مهما صغرت؛ فقد يأتي يوم تكبر فيه بحاجتك إليها.

نعم الله لا تحصى

نعم الله عليك لا تحصى، ومن أوَّلها حياتك، ثم عدّد إن استطعت صاعداً.

تفقد عقلك في أربعة

تفقد عقلك في أربعة مواضع: عندما يثير الشيطان أهواءك، وعندما تخاطب المرأة عواطفك، وعندما يثير المال طمعك، وعندما يثير الشبع شهوتك.

أصل الشر وأصل الخير

أصل الشرِّ في العالم ثلاثة: إبليس والمرأة والمال، وأصل الخير في العالم ثلاثة: العقل والمرأة والمال.

العلم الشائع

علم قليل شائع، خيرمن كثير محتكر.

حالة المسلمين

لو هدمت الكعبة لما ضجَّ المسلمون اليوم أكثر من ثلاثة أيام.

الجمود والجحود

الذين يطمسون وجه الشريعة المشرق بجمودهم أسوأ أثراً من الذين يطمسونه بجحودهم.

يا مواكب الحجيج ( كتبت في اليوم الأول من ذي الحجة )

يا مواكب الحجيج! هل تعلمون أنكم خلّفتكم وراءكم قلباً يخفق كخفق قلوبكم، قد أقعده المرض عنكم، وساقه الشوق معكم، فلا تهبطون وادياً، ولا تصعدون شرفاً، ولا تؤدون شعيرة إلا وهو معكم، ولكنه موثق بحبال الله، فاذكروه كما يذكركم، لعل الله يرحمه كما يرحمكم، وادعوا له كما تدعون لأنفسكم؛ فإن دعوة المؤمن لأخيه المؤمن في ظهر الغيب مستجابة كما قال رسولكم، وكحلوا أعينكم عنه برؤية أرض درج عليها الحبيب صلى الله عليه وسلم، وانبثق منها النور، ودارت على ثراها رحى أولى معارك النصر، ففي ذلك تقوية لإيمانه وإيمانكم، وبعث لعزيمته وعزائمكم. وإذا تعلَّقتكم بأستار الكعبة فابكوا عنه كما تبكون عن أنفسكم، فما أنتم أولى بالبكاء منه، ولا هو أقل رجاءً للرحمة منكم.

يا زوار الحبيب الأعظم

يا زوار الحبيب الأعظم! إذا وقفتم بين يديه فأبلغوه السلام عن محب سفح الدمع يوم لقيه، ومزق القلب يوم ودَّعه، وما خاس بعهده أن يزوره كل عام، ولكن عوائق الأقدار أبطأت به، فسلوه – إن كان يحب محبه – أن يسأل له الله إطلاق سراحه، سلوه، ولا تبلغوني عتبه إن كان عاتباً.

ضيوف

إنهم هناك الآن.. ضيوفه المكرمون، تباركهم روحه وتشرق عليهم أنواره، وتصفِّي نفوسهم آثاره.. هنيئاَ لهم.

قوة العقائد وضعفها

العقائد تقوى بالكفاح، وتضعف بالنجاح.

عذاب المحبوب

كل محبوب عذاب على محبِّه إلا الله عزَّ وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أقنع دعاء وأجمعه وأروعه

أقنع دعاء قول الله تعالى: ? ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة? وأجمع دعاء، دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم".

وأروع دعاء، دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفَّني إذا علمت الوفاة خيراً لي، أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضى بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك، في غير ضرَّاء ولا مضرَّة، ولا فتنة مضلَّة، اللهم زيّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهديين".

اتهم نفسك في موضعين

اتهم نفسك في موضعين: في الزيادة على ما أمر الله به أو نهى عنه، وفي التقصير فيما أمر به أو نهى عنه.

إمام في المتقين

من أيقن بحكمة الله وعدالته، وصبر على قضائه وقدره، كان إماماً في المتقين.

من يركبهم الشيطان

لا يبلغ الشيطان من إنسان بمقدار ما يبلغ من عالم فاجر، أو عابدٍ جاهل، أو متزهد واعظ.

بلاء المؤمن ومعافاته

بلاؤه للمؤمن أثر في رحمته، معافاته قد تكون أثراً من عقوبته.

جنود الله

إن لله جنوداً يحفظونك ويدافعون عنك، منها: عملك الصالح.

لا يخلف الله وعده

وعد عبده المؤمن بالدفاع عنه فتسلّط عليه الأشرار وتراكمت عليه النكبات، إن الله لا يخلف وعده، ولكن المؤمن هو الذي أخلف عهده، وكان العهد مسؤولاً.

مصيبتان

مصيبة المؤمن الصابر في ماله أو بدنه أو نفسه مصيبة واحدة، ولكن مصيبة الفاجر فيها مصيبتان: ثانيتهما في روحه ودينه وثوابه.

أعذر إلى الله

من قام بواجبه نحو أمته وأهله وولده في إنكار المنكر، ثم لم ينجح، فقد أعذر إلى الله.

عدوى الخير والشر

كل من الخير والشرِّ يعدي، ولكن عدوى الشر أسرع وأبلغ.

احذر الشيطان

احذر الشيطان على عقيدتك من أن يفسدها بالآراء، واحذره على عبادتك من أن يفسدها بالرياء، واحذره على عملك من أن يفسده بالأهواء، واحذره على علمك من أن يفسده بالادِّعاء، واحذره على عبوديتك من أن يفسدها بالكبرياء، واحذره على خلقك من أن يفسده بالغرور، واحذره عن استقامتك من أن يفسدها بالحرص والطمع.

وجود الله

في جمال الأزهار وأرج الرياحين وهي من ماء وتراب، يتجلَّى إبداع الخالق ودقَّة صنعه، فأي دليلٍ بعد هذا على وجود الله وحكمته يريدون؟

القسم التاسع

حب الله ورسوله

ليس في قلب المؤمن مكان لغير حبِّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس له أمل أغلى من لقائهما، ولا عمل ألذ من مرضاتهما، ولا وصل أحلى من وصالهما.

الدعوى والدليل

إذا ادَّعت نفسك حب الله فاعتبر بموقفها من أوامره ونواهيه، وبرغبتها ورهبتها من جنته وناره، وإذا ادَّعت حب رسوله فاعتبر بموقفها من سنته في أخلاقه وآدابه، ومن آل بيته في حبهم وموالاتهم، ومن صحابته في إكبارهم وحسن الظن بهم، ومن دياره وآثاره في الشوق إليها والخشوع عندها.

عز الطاعة وذل المعصية

يكفيك من عزِّ الطاعة أنك تسر بها إذا عرفت عنك، ويكفيك من ذل المعصية أنك تخجل منها إذا نسبت إليك.

موطنان

موطنان ابكِ فيهما ولا حرج: طاعة فاتتك بعد أن واتتك، ومعصية ركبتك بعد أن تركتك.

وموطنان افرح فيهما ولا حرج: معروف هديت إليه، وخير دللت عليه.

وموطنان أكثر من الاعتبار فيهما: قوي ظالم قصمه الله، وعالم فاجر فضحه الله.

وموطنان لا تطل من الوقوف عندهما: ذنب مع الله مضى، وإحسان إلى الناس سلف.

وموطنان لا تندم فيهما: فضل لك جحده قرناؤك، وعفو منك أنكره عتقاؤك.

وموطنان لا تشمت فيهما: موت الأعداء، وضلال المهتدين.

وموطنان لا تترك الخشوع فيهما: تشييع الموتى، وشهود الكوارث.

وموطنان لا تقصر في البذل فيهما: حماية صحتك، وصيانة مروءتك.

وموطنان لا تخجل من البخل فيهما: الإنفاق في معصية الله، وبذل المال فيما لا حاجة إليه.

وموطنان انسَ فيهما نفسك: وقوفك بين يدي الله، ونجدتك لمن يستغيث بك.

وموطنان لا تتكبر فيهما: حين تؤدِّي الواجب، وحين تجالس المتواضع.

وموطنان لا تتواضع فيهما: حين تلقى عدوَّك، وحين تجالس المتكبر.

وموطنان أكثر منهما ما استطعت: طلب العلم، وفعل المكرمات.

وموطنان أقلل منهما ما قدرت: تخمة الطعام، ولهو العاطلين.

وموطنان ادخرهما لتغيُّر الأيام: صحتك، وشبابك.

وموطنان ادخرهما ليوم الحساب: علمك، ومالك.

وموطنان لا تجزع من مشهد البكاء فيهما: بكاء المرأة حين تتظلَّم، وبكاء المتهم حين يقبض عليه.

وموطنان لا يغرّنك الضحك فيهما: ضحك الطاغية لك، وضحك المحزون عندك.

وموطن واحد لا تعلق قلبك فيه إلا باثنين: عمرك، لا تحب فيه إلا الله ورسوله.

ووقت واحد لا تفعل فيه إلا شيئاً واحداً: ساعة الموت، لا ترج فيها إلا رحمة الله.

مكائد الشيطان

إن للشيطان مكائد، فمن وفق لمعرفة طرائقه فيها كان من الناجين.

تغيير رأي الجاهل

تغيير الرأي كتغيير الرأس عند الجاهلين المعاندين، فلا تحاول أن تقنع جاهلاً معانداً بتغيير آرائه، فتضيِّع وقتك وتتلف أعصابك.

صاحب الهوى

صاحب الهوى مريض، فاحتل لعلاجه بما لا ينفر منه، وإلا طرح الدواء واستعصى على الشفاء.

قساوة القلب

داو قساوة قلبك عند الموعظة، كما تداوي عسر هضمك عند الأكل.

أراك جميلاً في فعالك كلها

أراك جملاً حين ترضى وتغضب

وحين تمني بالوصال وتعتب

وحين تعافيني من الهم والضنى

وحين دمائي من جراحي تثعب

وإن يك جسمي ملءُ عطفيه صحة

وإن تكن الأسقام تضوي وتعطب

وإن غمرتني منك حسنى تسرني

وإن هُدَّ مني للمصائب منكب

وفي الضر والنعمى وفي المنع والعطا

وفي الأمن والأحزان تأتي وتذهب

أراك جميلاً في فعالك كلها

فهل أنت راضٍ أم ترى أنت مغضب

ولكن ظني فيك أنك معتقي

وأنك تدنيني ولست تعذب

فيا رب هب لي منك صبراً ورحمة

ويا رب حببني بما فيَّ تكتب

ويا رب زدني عنك فهماً لمحنتي

وثبت يقيني فيك فالقلب قُلَّب

وزدنيَ إحساناً بما أنت أهله

وحسّن فعالي أنت نعم المؤدِّب

أنزل على قلبي الجريح سكينةً

وأحسن ختامي ليس لي عنك مذهب

من سمع.. فلم..

من سم القرآن فلم يخشع، وذكر الذنب فلم يحزن، ورأى العبرة فلم يعتبر، وسمع بالكارثة فلم يتألم، وجالس العلماء فلم يتعلَّم، وصاحب الحكماء فلم يتفهم، وقرأ عن العظماء فلم تتحرك همته، فهو حيوان يأكل ويشرب، وإن كان إنساناً ينطق ويتكلم.

المرأة الجاهلة

المرأة الجاهلة الرعناء، لها من أنوثتها "العاطفة"، وليس لها من إنسانيتها "العقل".

الأب والأولاد

الأب كبش للتضحية، يفرح أولاده الصغار بإراقة دمه، وتفرح زوجته الرعناء بأكل لحمه.

عواطف الأب

ما رأيت كالأب، يهدم أولاده بنيانه وهو بهم فرح، وينغِّصون عليه عيشه وهو منهم مسرور.

الزواج

لولا الاستقرار لكان الزواج حمقاً، ولولا العاطفة لكان إنجاب الأولاد جنوناً، ولولا الدين لكان إنشاء البيت عبثاً وسخفاً.

البيوت

من البيوت واحة يستريح عندها الأب الزوج، ومن البيوت فرن يحترق فيها.

لا تتأخر عن الزواج

لا تتأخر عن الزواج لثقل أعبائه، فليومٌ من أيام العزوبة فيه من ثقل الأعباء ما تنوء بحمله الجبال الراسيات، ولا تتأخر لكثرة نفقاته، فنفقات الزواج كنفقات الحراثة والبذر، ونفقات العزوبة كمن يحرث في البحر.

عبادة المتزوج والعزب

عبادة العزب مشوبة بانشغال البال مع الشيطان، وعبادة المتزوج مشوبة بانشغال البال مع الرحمن.

الصبر على الطاعة في الزوجة والولد

الصبر على الطاعة في الزوج والولد أعظم عند الله أجراً من الصبر على الطاعة في الزهد والخلوة.

الزاهد العزب الجبان

الزاهد الذي يتخلَّى عن أعباء الزوجة والولد جبان مهزوم في معركة الرجولة، والعابد مع هموم الزوجة والولد شجاع منتصر في معركة الحياة.

أحب إلى الله

ربَّ بسمة من طفل صغير، أحب إلى الله من ركعات يقوم بها عزب في ظلمات الليل البهيم.

الأم والأب

الأم أقوى عاطفة نحو الصغير، والأب أقوى إدراكاً لمصلحته، ومن رحمة الله به توفيرهما معاً له.

لا تخالف رأيهما

اثنان لا تخالف رأيهما أبداً : الطبيب الحاذق حين يعالجك، والحكيم المجرب حين ينصحك.

الخير والشر

الخير والشَّر متلازمان: وكأن حكمة الله اقتضت أن لا يصل الخير إلا مع شيء من الشر، ولا يكون الشر إلا ومعه نصيب من الخير.

مصاحبة المغرور

إياك ومصاحبة المغرور، فإنه إن رأى منك حسنة نسبها إليه، وإن بدت منك سيئة نسبها إليك.

خيانة الصديق

من خانك في صداقتك فقد أراحك من عبء واجباتك نحوه، ومن فرَّط في صحبتك فقد أراحك من التفكير في أمره، ومن موَّه عليك في دينك فقد استخفَّ بعقلك، ومن كذب عليك فقد استخف بوعيك.

أربعة تدل على الله

أربعة تستدل منها على وجود الله: خلق العقل في الإنسان، وروعة الجمال في الطبيعة والحيوان، ودقة النظام في هذا الكون العظيم، وعدالة الانتقام من المسيئين والظالمين.

لا تتحسر على ما فاتك

ستة لا تتحسر على ما فاتك منها: جاه أعقبه مذلَّة، ومعصية أعقبها ندم، وأخ لم يعرف حق إخائك، ونعمة جلبت لك الغصص والمشكلات، وصحة لم تؤدِّ فيها واجباً، وزوجة جعلت حياتك جحيماً.

تورد المهالك

خمس تورد المهالك: شهوة عارمة، وعلم لا يقصد به وجه الله، ومال يورث الشحَّ والطمع، وفراغ يحمل على ارتكاب المآثم، وعقل يحتال به صاحبه على الناس.

سعادة موهومة

أكثر الناس يظنون السعادة فيما يتم به شقاؤهم.

لا تخدع

لا تخدع بطيب الطعام حتى تتبين فائدته، ولا ببكاء الزاهد حتى تتبيَّن استقامته، ولا بوعود الحاكم حتى تعلم خلقه، ولا بدعوى العالم حتى يشهد له أقرانه، ولا بتظلُّم الزوجة حتى تستمع إلى زوجها، ولا بصلاة العابد حتى ترى معاملته، ولا بوقار الشيخ حتى تشهد مجلس أنسه وسمره، ولا بحماسة الشاب حتى تجرِّبه في المكاره، ولا بمدَّعي الوطنية حتى يصبح نائباً أو وزيراً، ولا بيمين البائع حتى تتظاهر بالرغبة عن الشراء منه.

لا يدوم لإنسان حال

ربَّ من تراه اليوم شيطاناً، تعترف له غداً بأنه ملاك، وربَّ من تحني له رأسك اليوم تطؤه بقدمك غداً، وربَّ من تخشاه اليوم يفرق منك غداً، وربَّ من تكبِّله بالأغلال اليوم يتحكم في مصيرك غداً، ولا يدوم لإنسان حال.

قوة الأشرار وقوة الأخيار

قوة الأشرار بلاء، وقوة الأخيار دواء، وقوة المؤمنين شفاء.

الحقيقة

الحقيقة كالمخطوبة الحسناء: كثيرٌ خطابها ولكنها لا تكاد تجد فيهم واحداً تحبه.

عناصر القوة في الأمة

البيت القويّ يحتاج إلى الإسمنت والحديد أكثر مما يحتاج إلى الزينة والزخرفة، وكذلك الأمة الناهضة تحتاج إلى العباقرة في العلم والصناعة، أكثر مما تحتاج إلى المبرزين في الرقص والرسم والغناء.

سوء نية!

ليس صدفة ولا عن حسن نيَّة أن توجَّه طاقات شبابنا وبناتنا إلى الرسم والرقص والغناء، ويكون ذلك محور التوجيه في الصحافة والإذاعة والتلفزيون من حيث لا توجَّه طاقاتهم ولا عبقرياتهم إلى العلم والصناعة والاختراع. إنها خطة استعمارية تنفَّذ من أموال الشعب على أيدي بعض الأغرار من المراهقين والمراهقات!

الشهرة الرخيصة

ليس أسهل على نفوس الشباب في أمة حديثة الوعي، من إغرائهم بالشهرة عن طريق الفن والرقص، وهذا هو سر استجابتهم لإغراء خرافة الفن واستمتاعهم بلذته.

بين الأمم اللاتينية – والسكسونية

وجدت الأمم اللاتينية أكثر براعة في الفن، وأقل تقدماً في العلم، وأسرع هزيمة في الحرب، ووجدت الأمم السكندنافية والسكسونية أقل براعة في الفن، وأكثر تقدماً في العلم، وأشد استعصاء على الهزيمة في الحرب، فهل يريد الذين يشجِّعون فينا الفن على حساب العلم، أن ننهزم في الحرب. ونتأخر في استكمال وسائل القوة؟

القسم العاشر

الانصراف إلى الفن

الانصراف إلى الفن شغل الذين تمَّ لهم البناء، أما الذين لم يبدأوا بالبناء بعد، أو بدأوا متأخرين، فمن أكبر الجرائم صرفهم عن الاهتمام في تقوية البناء، إلى الاهتمام بالرسم والغناء، وعن الاختراع إلى رقص الإيقاع، وعن صنع الحياة إلى رسم الحياة.

النصر بالقوة

لم تهزم أمة أخرى بالفن، ولكنما هزمتها بالقوة، ومن التضليل أن يعتبر الفن من وسائل القوة.

نحن وإسرائيل

إسرائيل لا تعدُّ لغزونا فرقاً من الراقصات والمغنيِّات والرسَّامين، ولكنها تعدُّ فرقاً من الفدائيين، وأساطيل في الجو والبحر، وقذائف للهلاك والتدمير، فهل يفهم هذا "المنحلُّون" و "الببغاوات" و "المتآمرون" و "والكسالى" و "الوجوديون" و "المستغربون" و "المفتونون"؟.

الجمال أم القوة؟

إذا كان الفن يصقل المواهب وينمِّي الشعور بالجمال، فإن الأمة المحاطة بالأعداء، في حاجة إلى ما يفتل السواعد، ويلهب الإيمان، ويقوي الأخلاق، ويفتح العقول، ويدفع عن الأمة خطر الإبادة أو الاحتلال.

سلوا التاريخ

سلوا التاريخ: هل أفل نجمنا إلا يوم سطعت نجوم المغنِّين وقويت دولة الراقصات في سماء حضارتنا؟

أيهم أفضل؟

أي عاقل مخلص يودُّ أن يكون لنا نجوم في التمثيل والتلفزيون، ومجلُّون في الرسم والغناء، قبل أن يكون لنا أبطال في الحروب، وعلماء في المختبرات، ومخترعون في الصناعات، وأقوياء في الإيمان والأخلاق؟

أيها العابثون

أيها العابثون المراهقون، أيها الفنَّانون والمغنُّون والراقصون والراقصات.. ستكونون أول من ينهزم في معارك البطولات، وستكونون أول من يفرّ منها إذا لم تحيوا قلوبكم بالإيمان، وتفتحوا عقولكم بالعلم، وتسموا بنفوسكم بالأخلاق، قبل أن تنمُّوا أذواقكم بالفن، وترضوا شهواتكم بالرقص والغناء.

لمن تعطى الجوائز؟

نحن في حاجة إلى مخترعين ومخترعات، أشد من حاجتنا إلى فنَّانين وفنَّانات، ومع ذلك فكل الجوائز وكل الفرص وكل الأنوار تسلَّط على هؤلاء، ويحرم منها أولئك، وما رأيت يوماً جائزة خصصت لشاب مكتشف أو مخترع، وأرى كل يوم عشرات الجوائز للشباب المتفوِّقين بالرسم والتصوير والموسيقى والغناء، فهل هذا دليل على جدِّنا في الانضمام إلى ركب الحضارة، والخلاص من أعدائنا المتربِّصين؟ أم نحن قوم غافلون، أو مخدوعون، أو مضللون؟

خذ مائة وأعطني واحداً

خذ من أمتنا مائة مصور، وأعطها طياراً واحداً، وخذ منها ألف مغنٍ وأعطها مخترعاً واحداً، وخذ منها كل العابثين واللاهين وأعطها مُجدًّا واحداً.

هؤلاء هم الرجال

الذين يجهرون بالصواب عند طوفان الخطأ هم الرجال الذين يقوم البناء على عقولهم وكواهلهم معاً.

لا تتأخر عن كلمة الحق

لا تتأخر عن كلمة الحق بحجة أنها لا تسمع؛ فما من بذرة طيِّبة إلا ولها أرض خصبة.

ليس عليك أن يقتنع الناس برأيك الحق. ولكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق.

أقبح أنواع الجبن

أقبح أنواع الجبن، الخوف من الجهر بالحق خشية من ألسنة المبطلين.

قد تتغير الأحكام

إن ما يبدو اليوم رجعية وجموداً وتخلُّفاً، سيكون في الغد القريب إصلاحاً وتجديداً وتقدماً.

اليوم هباء وغداً بناء

ربَّ صرخة تذهب اليوم هباءً، تكون في المستقبل القريب عاصفة وبناءً.

فضل المصلحين

لولا جرأة المصلحين واستهزاؤهم بهزء الساخرين لما تخلَّص المجتمع من قيوده وأوزاره.

بيننا وبين إسرائيل

أليس من دواعي الأسى، أن تكون لإسرائيل صواريخها، ومعاملها النووية، وليس لها تلفزيون، ويكون لنا تلفزيون، وفرق للرقص والتمثيل، وليس لنا صواريخ، ولا أفران ذرية؟

هل يغنون عنا شيئاً؟

هاتوا لنا جميع الرسامين، والممثلين والمغنين والراقصات والراقصين، ثم احشدوهم جميعاً وانظروا هل يردون عنا خطر قنبلة ذرية، أو صاروخاً موجهاً؟.

أيهما ألزم؟

هل يشفي المريض المدنف باقة من الزهر، أم حقنة من البنسلين؟ وهل يكفي الجائع لحن مطرب، أم رغيف مشبع؟. وهل يسعد الفقير أن تزيَّن له جدرانه بالرسوم، أم أن تهيئ له ما يحتاجه من أثاث؟ وهل يخاف العدو إذا كنت تحسن الرقص، أم إذا كنت تحسن صناعة الموت؟

هذا ما تفعله الأمم التي تريد الحياة

رأيت في "أوديسا" على شواطئ البحر الأسود من بلاد الاتحاد السوفياتي مدرسة للنابغين من طلاب المدارس الابتدائية، أقيم فيها معرض، لما أنتجوه من آلات وقطارات وصناعات، فكم الفرق بين أمة توجِّه أبناءها للسيطرة على الحياة، وبين أمةٍ تشغلهم بأبسط ما في الحياة؟

نحن والحياة

الحياة تخلق أفكارنا، وأفكارنا تصنع شكل الحياة التي نريدها.

التفكير العالمي

التفكير الذي ينبعث من تصوُّر الإنسان كإنسان هو تفكير عالمي، والتفكير الذي ينبعث من تصوُّر الإنسان كمخلوق محلِّي هو تفكير محلي قد لا يعيش في بيئة أخرى.

أفكارنا الروحية

أفكارنا الروحية تصنع لنا مسرَّات لا تنتهي، وأفكارنا الماديَّة تخلق لنا مطالب لا تنتهي، وأكثرها لا يتحقق.

جمال الصورة وجمال النفس

لا يأسرني جمال الصورة كما يأسرني جمال النفس في الإنسان، ولا يستهويني جمال اللون كما يستهويني جمال العبير في النبات، وتؤنسني وداعة الحيوان وتعجبني قوته.

أنواع الجمال

جمال الروح يهوِّن عليك المصائب، وجمال النفس يسهِّل لك المطالب، وجمال العقل يحقِّق لك المكاسب، وجمال الشكل يسبب لك المتاعب.

مع ملحد..!

قال لي ملحد: أرني الله، قلت له: أرني عقلك، قال: أقنعني بوجوده، قلت: أقنعني بحياتك. قال: أين هو؟ قلت: أين الحق والخير والكمال.

خصلتان

من كانت فيه خصلتان أحبَّه الله: التقوى، وحسن الخلق.

ومن كانت فيه خصلتان أحبه الناس: السخاء، وبذل المعروف.

ومن كانت فيه خصلتان أحبه جيرانه: البشاشة، وكرم المعاملة.

ومن كانت فيه خصلتان أحبه إخوانه: تذكُّر معروفهم، ونسيان إساءتهم.

ومن كانت فيه خصلتان أحبه تلامذته: بذل الجهد في إفهامهم، ولين الجانب لهم.

ومن كانت فيه خصلتان أحبه أساتذته: سرعة الفهم عنهم، وتوفير الاحترام لهم.

ومن كانت فيه خصلتان أحبه أهله: لطف معاملتهم، وتفهم مشكلاتهم.

ومن كانت فيه خصلتان أحبه رؤساؤه: جميل طاعته لهم، وإتقان عمله عندهم.

ومن كانت فيه خصلتان أحبه الله والناس حميعاً: فعل الخير، واجتناب الأذى.

العيون الجائعة

العيون الجائعة أشدُّ ضراوة من البطون الجائعة، هذه إذا شبعت اكتفت، وتلك كلما أكلت جاعت.

زينة الزوجات

نصف ثرواتنا يذهب لزينة زوجاتنا، ثم إلى جيوب أعدائنا.

القسم الحادي عشر - مع الحجيج في عرفات

إلهي! إن حجيجك واقفون الآن بين يديك شعثاً غبراً، شبه عراة، يمدُّون إليك أيديهم بالدعاء، ويملأون منك قلوبهم بالرجاء. وحاشا لكرمك أن تردَّهم وتردَّ من كان بقلبه وروحه معهم، فأفض علينا من رحماتك، وأمددنا بسبب إلى سماواتك، وطهر قلوبنا من نزعات الشر، واملأ نفوسنا برغبات الخير، وأعنَّا على طاعتك، وكرِّهنا بمعصيتك، وارزقنا الصبر على مرِّ بلائك، والشكر على حلاوة قضائك، ولا تمتحنَّا بما لا نستطيع، ولا ترهقنا من أمرنا عسراً، واجعل ما نكرهه من الأذى سبيلاً إلى ما تحبُّه من الطاعة، وما نرغبه من المعافاة وسيلة إلى ما تطلبه من العمل، ولا تحرمنا لذَّة مناجاتك، ولا رقّة الانكسار إلى عظيم ذاتك، واجعلنا من أصفيائك، واحشرنا في زمرة أوليائك، ولا تكتب علينا ظلم أحد من عبادك، ولا انتقاص واحد من مخلوقاتك، وأكرمنا عن مهانة العصيان، ومذلة الحرمان، وجبروت الطغيان، والتبرُّم بالقضاء، والشكوى من البلاء، وفقدان النعمة مع فوات الثواب، وسعة الرزق مع كثير العقاب، وصنَّا عن ذلِّ الحاجة إلا إليك، وعجز التوكل إلا عليك، ورهبة الخوف إلا منك، وخداع الأمن إلا بك، وضراعة الرجاء إلا لك، وخضوع العبوديّة إلا لربوبيَّتك، وهوان الذلِّ إلا لكبريائك، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، وتذكّرونا بالدعاء، وخففوا عنا وقع البلاء، بجميل العزاء، ربنا إنك رؤوف رحيم.

• إذا قسَّم الكريم عطاياه على المحرومين، وعفا الرحيم عن أسراه من المذنبين، ومنح القوي حمايته للعاجزين، وأضفى الحليم رحمته على المتمردين، أبى له كرمه أن يخصَّ الواصلين إليه دون المنقطعين، والقريبين منهم دون البعيدين، والمسرعين إلى تلبيته دون المتخلِّفين، فما سار من سار إليه إلا بعونه، ولا تخلَّّف من تخلَّف عنه إلا بقضائه، ولا عجز من عجز عن الرحيل إليه إلا ببلائه، ولا أسرع من أسرع في الوصول إليه إلا بمعافاته، وحسبه من تخلَّف عجزاً، وتلكأ ابتلاء، صدق الحب مع صفاء الود، وعظيم الشوق مع بالغ اللهفة، وإعلان الطاعة ولو مع العيِّ في البيان، وإخلاص النيَّة ولو بعد لأي وتوان، وحسبنا منه أنه اللطيف الخبير المنَّان.

• مولاي..! إن المؤمنين بك قد اجتمعوا إليك تلبية لدعوتك، ووقفوا بين يديك رغبة في مرضاتك، فاجمعهم على العمل لدينك كما جمعتهم على السعي لعبادتك، وارفع عزائمهم للضرب على أيدي أعدائك، كما رفعت أيديهم في الرجم عند جمراتك، ونقّ قلوبهم من الضغينة، كما ألبستهم بياض الثياب، ووفقهم للتعاون على الجهاد، كما وفقتهم لرجاء الثواب، وجمِّع قلوبهم عند شريعتك، كما جمعت أجسامهم عند كعبتك، وألهمهم الرحمة فيما بينهم، كما ألهمتهم بطلب الرحمة منك، وردّهم إلينا رسلاً عنك يصلحون، كما بعثناهم إليك رسلاً عنا يلبُّون، وفرِّحنا بهم هداة مرشدين، كما فرحت بهم عصاةً منيبين، واجعلهم أيمن وفودك إلينا، كما جعلناهم أسرع وفودنا إليك، واقبلنا بقبولك لهم، وارحمنا برحمتك إياهم، وارض عنا برضاك عنهم، وتجلَّ علينا بتجليك عليهم، فهم منا، ونحن منهم، ونحن جميعاً عبادك التائبون.

• وقفوا وقوف الراجين، ونفروا نفور المؤمّلين، وباتوا مبيت الخاشعين، وضحُّوا تضحية الشاكرين، ورموا رمي المعاهدين، وتحلَّلوا تحلل المبتهجين، وطافوا طواف المودّعين، فيا حسن ذهابهم راغبين، ويا حسن إيابهم تائبين، ويا حسن لقائهم طائعين.

• مولاي..! إن في هذه الألوف التي تضجُّ إليك بالدعاء في عرفات، ومنى والبيت الحرام، عشرات، وعدوني أن يدعوا لي بالمغفرة والشفاء، وأنا أعجز من أن أشكرهم، وأنت أقدر على أن تثيبهم، وهم في دعائهم لي وأنا غائب، أطهر مني في رجائي منك وأنا حاضر، فإن لم تقبل دعائي لعجزي وتقصيري، فاقبل دعاءهم لطهرهم وبرهم، وإن لم تقبل تضرعي لتخلُّفي عنك، فاقبل تضرعهم لتلبيتهم لك، وأنت أكرم من أن ترفض دعائي ودعاءهم، وتعرض عن تضرُّعي وتضرُّعهم وأنت البرُّ الرحيم.

هرعوا مسرعين في زحمة العيش

طلاباً للبرِّ والحسنات

ثم طافوا بالبيت يعطون عهداً

بالتزام الإيمان والطاعات

وانثنوا محرمين. ملبِّين

سراعاً إلى ثرى عرفات

وقفوا وقفة الأذلاَّء منه

مازجين الدعاء بالعبرات

أعلنوا في الجمار عهد وفاء

لا يصيخون سمعهم للغواة

قد دعاهم له، فلبوا سراعاً

ليس يلقاهم بغير الهبات

ربِّ قد حلت بيني وبينهم اليوم

برغم الأشواق والحسرات

فاغفرن زلتي لديك وبارك

عزماتي، ولا تطل من شكاتي

واكتبن لي عوداً لتلك الديا

رات وفيضاً من تلكم الرحمات

لذَّة العيش طول مناجاة ال

عبيد للمَلك والسادات

ودنوٌ من سدَّة الملأ الأعلى

بالذلِّ تارة وبالآهات

ضلَّ من يغبط البعيدين عنه

ربَّ عيش فيه هوان الموات

القسم الثاني عشر - في العيد

اليوم تراق دماء الأضحيات في منى بين فرح الحجاج وتكبيرهم، وما فرحتهم لأنهم أراقوا دماً، بل لأنهم أدوا فريضة، وفعلوا واجباً، وتعرَّضوا لنفحات الله في عرفات، فهنيئاَ لمن قبله الله منهم، ولمَ لا يقبلهم جميعاً، إلا ظالماً أو مغتصباً أو قاطع طريق من أميرٍ أو حاكم، أو غني أو قوي؟

العيد فرصة

العيد فرصة أتاحها الله أو أتاحها الناس، لنسيان همومهم ومتاعبهم.

عيد السعداء وعيد الأشقياء

في المجتمع المتماسك، يكون العيد عيداً لجميع أبناء الأمة، وفي المجتمع المتفكك يكون العيد عيداً لأقوام ومأتماً لآخرين.

عيد العاقل والجاهل والغافل

العاقل يرى في العيد فرصة للطاعة، من صلة رحمٍ، وإغاثة ملهوف، وبر فقير، والجاهل يرى في العيد فرصة للمعصية، يعبُّ فيها من الشهوات عبًّا، والغافل يرى في العيد فرصة للعبث، يتفلَّت فيها من قيود الحشمة والوقار، وكذلك يرى الأطفال العيد.

العيد لمن أنقص همومه

ليس العيد لمن زاد فيه همومه، ولكنه لمن أنقص منها همًّا، ونستطيع بالإيمان بالقضاء والقدر أن نجعل من كل يوم لنا عيداً.

درس اجتماعي في العيد

العيد يعطينا درساً اجتماعيًّا عظيم النفع، ذلك أن الفرح العام أعمق أثراً في النفس من الفرح الخاص الذي لا يشارك فيه الآخرون؛ ففي العيد تدخل الفرحة كل قلب حتى المحزونين والمرضى، والمثقلين بالأعباء، وهي فرحة ليست نابغة من نفوسهم بل من مجتمعهم ومحيطهم، ففرحة المجتمع تطغى على آلام الفرد، ولكنَّ فرحة الأفراد لا تغطي آلام المجتمع، ولذلك كان العيد تنمية للشعور الاجتماعي في أفراد الأمة.

فلسفة العيد في الإسلام

في الإسلام عيدان: أحدهما بعد طاعة عامة وهو عيد الفطر، وثانيهما: بعد طاعة خاصة وهو عيد الأضحى، ولكن الإسلام يعتبر الطاعة الخاصة ذات نفع عام؛ فألزم غير الحجاج أن يفرحوا بتمام فريضة الحج، مشاركة في الشعور، واعترافاً بفضل العاملين.

افرحوا بالعيد

أيها المرهقون بالآلام! افرحوا بالعيد؛ لأن آلامكم تخفُّ بالمواساة فيه.

أيها المثقلون بالأعباء! افرحوا بالعيد؛ لأن أعباءكم ألقيت عن عواتقكم قليلاً.

أيها المثخنون بالجراح! افرحوا بالعيد؛ لأن جراحكم قد وجدت من يضمِّدها.

أيها المحرومون من النعيم! افرحوا بالعيد؛ لأن أيام حرمانكم قد نقصت فيه بضعة أيام.

أيها الموجعون بالأحزان! افرحوا بالعيد؛ لأنه أعطاكم أياماً لا تحزنون فيها.

أيها المنهكون بالمصائب! افرحوا بالعيد؛ لأنه يمنحكم أملاً بانتهاء مصائبكم.

لو كبرت قلوب المسلمين

لو كبَّرت قلوب المسلمين كما تكبِّر ألسنتهم بالعيد، لغيَّروا وجه التاريخ، ولو اجتمعوا دائماً كما يجتمعون لصلاة العيد، لهزموا جحافل الأعداء، ولو تصافحت نفوسهم كما تتصافح أيديهم؛ لقضوا على عوامل الفرقة، ولو تبسمت أرواحهم، كما تتبسم شفاههم؛ لكانوا مع أهل السماء، ولو ضحوا بأنانياتهم كما يضحون بأنعامهم؛ لكانت كل أيامهم أعياداً، ولو لبسوا أكمل الأخلاق كما يلبسون أفخر الثياب؛ لكانوا أجمل أمة على ظهر الأرض.

لو عرف المسلمون

لو عرف المسلمون مغزى العيد كما أراده الإسلام، لكان عيدهم الأكبر يوم يتمّ لهم تحرير الوطن الأكبر.

عيد في الأرض ومأتم في السماء

إن عيداً في الأرض يضحك فيه أناس ويبكي آخرون هو مأتم عند أهل السماء.

فرح أولاد جارك

اجتهد أن يفرح أولاد جارك بالعيد، كما يفرح أولادك؛ لتتم لأولادك فرحتهم.

التقاليد والدين

أعمق التقاليد جذوراً ما كان منها متَّصلاً بالدين، وفي العيد تقاليد كضرب المدافع، لو ألغيت لهاج الناس لها كما يهيجون لإلغاء العيد نفسه، ومع ذلك فلست أرى إلغاء مثل هذه التقاليد.

الأعياد الدينية والتقاليد

حين تصبح الأعياد الدينية تقاليد قومية، تفقد في النفوس معناها، وفي المجتمع آثارها، وتصبح فرصة للراحة أو العبث.

القسم الثالث عشر - الأولاد حظوظ آبائهم

مناجاة

إلهي! لقد رغبت من عبادك أن يصلوا في العيد أرحامهم، ويتفقَّدوا مساكينهم وضعفاءهم، فهب لي رحمة تصلني بك، ولطفاً يجبر كسري ويقوِّي ضعفي ويعافيني من الآلام والأسقام، فإنك أكرم من بر، وأصدق من وفَّى، وأرحم من أحسن.

الأولاد حظوظ آبائهم

الأولاد حظوظ الآباء من الدنيا، فمن رزق أولاداً سيئين كان سيئ الحظ ولو اجتمع له المال والجاه.

أغروه ثم شكوا منه

حبَّبوا إلى هذا الجيل العبث والاستمتاع باللذة، ثم اعتذروا عن إرضاء رغباته في الإذاعة والتلفزيون والصحافة والكتب بأنه يريد ذلك.. أفليس مثلهم كمن أغرى إنساناً بالمخدِّرات، حتى اعتادها، ثم جاء يشكو منه، ويعتذر عن تقديم المخدِّر له بأنه لا يستطيع عنه صبراً؟!

بين الأولاد وآبائهم

جنِّب ولدك قرين السوء، كما تجنِّبه المرض المعدي، وابدأ ذلك منذ طفولته، وإلا استشرى الداء، ولم ينفع الدواء.

• القسوة في تربية الولد تحمله على التمرد، والدلال في تربيته يعلِّمه الانحلال، وفي أحضان كليهما تنمو الجريمة.

• الولد كالمهر إذا أعطي كل ما يريد نشأ حروناً يصعب قياده، وإذا منع كل ما يريد نشأ شرساً يكره كل ما حوله، فكن حكيماً في منعه وعطائه. وإياك وتدليله باسم الحب له؛ فذلك أقتل شيء لسعادتك وسعادته.

• يحبون الصبيان ويكرهون البنات، أما أنا فرأيت في أكثر من عرفت، بناتهم أسعد لهم من صبيانهم.

• عوِّد ولدك على الاعتماد على نفسه ولو كنت غنيًّا، فإذا أصبح قادراً على الكسب وهو غير طالب علم فحذار أن تطعمه على مائدتك، أو تسكنه في بيتك، أو تسدِّد نفقاته من جيبك. فإنك تقتل فيه روح الكفاح في سبيل العيش، وقد رأيت من هؤلاء كثير.

• إذا يئس الولد من عطف أبيه عليه نشأ عاقاً، وإذا طمع في عطفه عليه نشأ كسولاً، وخير الآباء من لم يؤيس ولده من حنانه، ولم يطمعه في الاعتماد على إحسانه.

• إفراطك في القسوة على ولدك، يقطعه عنك، وإفراطك في تدليله يقطعك عنه، فكن حكيماً وإلا أفلت من يدك الزمام.

• لأن ترى ولدك يقاسي متاعب الحياة وهو يعمل لها، خير من تراه غارقاً في النعيم وهو يعتمد عليك.

• إياك أن تترك لأولادك ثروة إذا كانوا فاسدين، فإنهم يُتْلِفُون في أيام ما جمعته في أعوام، ثم هم يشوِّهون سمعتك، ويثلمون شرفك، ويسلمونك إلى من هو سريع الحساب.

• ولد صالح يدعو لك، ويذكرك الناس به بكل خير، أبقى لك من ولد ينساك ويسيء إليك بما يسيء في الحياة من سلوك، أولادك قطع من كبدك، أتراك تريد أن تصاب بكبدك بما يسبِّب لك الأسقام والآلام، أم تريده صحيحاً معافى؟.

• لو أن كل أب خصص جزءاً من يومه لرعاية ولده لما تعب الآباء في أبنائهم كثيراً.

• الأب الجاهل يفرح بجمال صورة ولده، ولا يبالي بقبح أخلاقه، والأب العاقل يفرح بجمال أخلاق ولده ولو كان من أقبح الناس.

• الأب العظيم من يحاول أن يجعل ولده أعظم منه، والأب العاقل من يحاول أن يجعل ولده مثله، ولا أتصور أن أباً يحاول أن يجعل ولده أقل منه.

• فرحة الأب بولادة ولده، تذهب بها غصته بسوء نشأته، فمن استطاع أن تتمَّ له فرحتا الولادة والنشأة فقد فرح بولادته مرتين.

• حين يخلفك ولد صالح تولد عند موتك، وحين يخلفك ولد سيِّئ تموت ميتتين.

• اللهم لولا ما خلقت فينا من غريزة الأبوة، ووعدتنا من عظيم الأجر، لكانت ولادتنا للأولاد وشقاؤنا في سبيلهم سفهاً من الرأي، لا يصير إليه عاقل.

• لا ينسى الأب شقاءه في سبيل ولده، إلا أن يراه بارًّا مستقيماً، ولا يجعله نادماً على ولادته وتعبه فيه، إلا أن يراه عاقًّا منحرفاً.

• جهاد الآباء في ميدان التريبة، أشق من جهاد الأبطال في ميدان الحروب.

• أكثر ما يعيق الأب عن تربية ولده كما يريد هو تقدم السن، فباكر ما استطعت إلى الزواج.

• إلى الله نشكو! ما نبذله من جهد على أولادنا في البيوت تذهب به المدارس والشوارع.

• الولد مفطور على حبِّ التقليد. وأحب شيء إليه أن يقلِّد أباه ثم أمه، فانظر كيف يراك في البيت معه ومع أمه، وكيف يراك في المعاملة معه ومع الناس.

• من أدخل الشَّر إلى بيته فقد دعا زوجته وأولاده ليشاركوه فيه، ولو زعم أن يقصيهم عنه.

• قال أب مسيء لولده السيئ: ألا تخجل مني؟ تسيء إليَّ وقد ربيتك؟

فقال له ولده: أولى بك أن تخجل من ربك، تسيء إليه وقد خلقك وأنعم عليك.

قال الأب: ولكن ربي غفور رحيم.

قال الابن: أولى بك أن تكون معي غفوراً رحيماً.

قال الأب: ولكن رحمة الله تدخلني الجنة، ورحمتي لك تدخلك النار.

قال الابن: لو عنيت بي وأنا صغير لاستغنيت برحمة الله عن رحمتك.

قال الأب: ألا تعود إلى طاعتي؟.

قال الابن: هيهات! حتى تعود أنت إلى طاعة الله.

قال الأب: فلا تسئ إليَّ بين الناس.

قال الابن: يداك أوكتا، وفوك نفخ.

• يولد الولد معه طباعه، فأبواه لا يستطيعان تبديلها ولكن يستطيعان تهذيبها، أما أخلاقه فهي بنت البيئة والتربية، وهنا يؤدي الوالدان دورهما الكبير في سعادته أو شقائه.

• الابن يتأثر بالأب أكثر، والبنت تتأثر بالأم أكثر، والأمهات الجاهلات طريقهن في التربية: الشتيمة والدعاء بالموت والهلاك، والآباء الجاهلون طريقهم في التربية: الضرب والاحتقار.

أخطر شيء على الأسرة

أخطر شيء على الأسرة أن يميِّز الأبوان بعض الأولاد على بعض في الحب والدلال والإغضاء عن الزلاّت، وأخطر من ذلك: أن يعلنا كرههما للواحد وحبهما للآخر، فتلك هي بذرة العداء بين الإخوة والأخوات، تثمر بعد رشدهم واستقلالهم بشؤون أنفسهم جفاء وخصومة قد ينتهيان إلى الجريمة.

أعن ولدك على برك

أعن ولدك على برك بثلاثة أشياء: لطف معاملته، وجميل تنبيهه إلى زلاَّته، وحسن تنبيهه إلى واجباته.

ضرب الأولاد

لا تستعمل الضرب في تأديب ولدك إلا حين تخفق الموعظة والتأنيب، وليكن ضربك له ضرب تربية لا ضرب انتقام، وتجنَّب ضربه وأنت شديد الغضب منه، واحذر موطن الأذى من جسمه، وأشعره وأنت تضربه أنك لا تزال تحبُّه. وقلل ما استطعت من استعمال الضرب وسيلة للتأديب. ولأن يهابك ويحبك خير من أن يخافك ويكرهك.

سبيل التربية الصحيح

اسلك في تربية ولدك طريق الترغيب قبل الترهيب، والموعظة قبل التأنيب، والتأنيب قبل الضرب، وآخر الدواء الكي.

القسم الرابع عشر

الشوق إلى ديار الأحبة

شوق الذين زاروا ديار الأحبة، ثم منعوا عنها، أشدُّ من شوق الذين لم يزوروها بعد، فمن استطاب الذواق مرَّة، أحب العودة مرّة بعد أخرى.

من..

من أنست نفسه بالله لم يجد لذة في الأنس بغيره، ومن أشرق قلبه بالنور لم يعد فيه متَّسع للظلام، ومن سمت روحه بالتقوى لم يرض إلا سكنى السماء، ومن أحب معالي الأمور لم يجد مستقرًّا إلا في الجنة، ومن أحب العظماء لم يقنعه إلا أن يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أدرك أسرار الحياة، لم يرَ حديراً بالحبِّ حقّ الحبّ إلا الله تبارك وتعالى.

فرحة الحجيج

لست أرى في الدنيا فرحة تعدل فرحة الحجيج بعد أدائهم مناسك الحج، ومن شكَّ فليجرب.

تجديد معاني العبادة

لو جدَّد المسلمون معاني العبادة في نفوسهم، لجدَّدوا للإنسانية شبابها، ولو وجدت حكومة إسلامية تهيئ للمسلمين الاستفادة من مؤتمر الحج، لاقتلعوا من أوطانهم جذور الاحتلال والطغيان والفساد والشَّتات.

لماذا يتسابق الحجاج في العودة إلى بلادهم؟

رأيت الحجاج يتسابقون في العودة إلى بلادهم، بعد أداء شعائر الحج، ولو كان الحج قد عمل عمله في أرواحهم لأحبوا أن يمكثوا بعده قليلاً.

مرض الأبوين

إذا كانت الزوجة مريضة في تفكيرها، والزوج مريضاً في جسمه فمن يربِّي الأولاد؟ حسبنا الله وعليه فليتوكل المؤمنون.

استغلال الدعوة

بعض الناس يستغلون الدعوة إلى الله لأمراض في قلوبهم، ويتظاهرون بالحماس لها والله أعلم بما في نفوسهم، ليت شعري! أيعلمون أنهم بذلك يشككون الناس في إخلاص كل داعية إلى الله؟.. أم أن الشيطان الذي اشترى ضمائرهم جعلهم لا يبالون بنتائج ما يفعلون.

من سوء فهم الدين

من سوء فهم الدين أن يقيم بعضهم الدنيا ويقعدها من أجل معصية اعتبرها المشرع صغيرة، ثم هم يسكتون عن منكرات اعتبرها المشرع كبائر, وهي تهدم كيان المجتمع من أساسه، وأن يشدِّدوا النكير على من فرَّط في حقٍ من حقوق الله مع أن الله قد يغفره، ويهملون النكير على من تعدَّى على حقوق العباد، مع أن الله لا يغفر الذنب فيها إلا بردِّ الحقوق إلى أصحابها.

من مكر الشيطان

من مكر الشيطان ببعض جنود الدعوة: أن يهيجهم لإنكار منكرٍ هو عند الله صغير أو أمر يرونه منكراً وهو عند صاحبه طاعة، فيقعون في كبائر محققة يتلو بعضها بعضاً من الغرور، والبهتان، واحتقار المسلم، وتجاوز حدود الله، وتفريق كلمة الجماعة، والغيبة، والكذب، وهم يتأوَّلون ذلك كله بأنه حميَّة لله ودفاع عن دعوته، لطالما يقهقه الشيطان من حماقاتهم!.

مشكلة الشباب

مشكلة الشباب اليوم: تحديد الهدف، وملء الفراغ، وللثاني صلة وثيقة بالأول.

الفن والشر

ليس الفنُّ كله شرًّا، بل منه ما هو خير ومنه ما هو شر، والشرُّ منه هو ما يهيج الشر.

متى تظهر أخلاق الأمة

تظهر أخلاق الأمة على حقيقتها في موطنين: في الأغاني التي تحبُّها، وفي الأعياد والمواسم.

الجيل الذي لا خير فيه

حين تنتشر أغاني الحب المائع، الماجن، بين شباب الأمة وفتياتها، انتظر جيلاً جديداً آخر، يكون أهلاً لأن يحمل الأعباء الثقال في حماية أمجاد الأمة ومثلها العليا.

أيهما أصل الثاني

لست أدري أيهما أصل الثاني: هل الأغاني هي التي توجِّه الأمة؟ أم الأغاني هي التي تعكس مشاعر الأمة؟

أدب الحب

حين يكون الحب محور أدب الأمة، فاعلم أنها أمة أوهام لا أمة حقائق، وأمة منشغلة عن بناء المجد بما يهدم أقوى صروح المجد.

أمران متلازمان

حيث يكون الماء تكون الخضرة، وحيث يكون الإيمان يكون العمل الصالح.

اغتنم وقت السرور

إذا واتاك وقت للسرور المباح وأنت محزون أو مريض فاغتنمه؛ فإنك بذلك تنقص ساعة من ساعات حزنك وألمك، وساعات السرور قد لا تعود.

استعمل المباح

أكل الطيبات من غير سرف، والاستجمام من غير إفراط، واستعمال النعمة من غير ترف، فيه معنى الشكر، ويؤدي إلى النشاط لعمل الخير، ويكبح ميل النفس نحو اللهو والعبث والظلم.

شيء مفيد

ربَّ نزهة قصيرة مع عائلتك، تحلُّ لك كثيراً من المشكلات.

لولا..

لولا إيماننا بالقضاء والقدر لقتلنا الحزن، ولولا إيماننا برحمة الله لقتلنا اليأس، ولولا إيماننا بانتصار المثل العليا لجرفنا التيَّار، ولولا إيماننا بخلود الحق لحسدنا أهل الباطل أو كنا منهم، ولولا إيماننا بقسمة الرزق لكنا من الجشعين، ولولا إيماننا بالمحاسبة عليه لكنا من البخلاء أو المسرفين، ولولا إيماننا بعدالة الله لكنا من الظالمين، ولولا رؤيتنا آثار حكمته لكنا من المتحيِّرين.

نتائج فساد التربية

رأيت كثيراً من الآباء أفرطوا في تدليل أبنائهم ردّة فعل لقسوة آبائهم معهم، وهكذا يؤدي عدم الحكمة في التربية إلى متاعب جيلين فأكثر.

الأولاد وأعمار الآباء

بعض الأولاد يطيلون في أعمار آبائهم، وبعضهم يسرقون منها.

مناجاة...

إلهي..! جلّت ذاتك عن أن تدركها أبصارنا، وجلَّت أفعالك عن أن تدرك تمام حكمتها أفهامنا، وجلَّت ألوهيَّتك عن أن تقوم بحقِّها عبادتنا، وجلّت نعمتك عن أن تؤدي شكرها جوارحنا، وجلَّت عظمتك عن أن تخشع لها حق الخشوع قلوبنا، وجلَّت رحمتك عن أن نستوجبها بقليل أعمالنا. نعوذ بك منك، ونفرُّ منك إليك، لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

القسم الخامس عشر - الزوجات حظوظ

الزوجات حظوظ الأزواج في الدنيا، ومهما حاول الزوج حسن الاختيار، فإن حظَّه في زوجته من صنع الأقدار.

السعادة الزوجية

السعادة الزوجية لا تتم إلا بأن تفهم زوجتك، وتفهمك زوجتك، وتتحمَّلها وتتحملك، فإن لم تفهمك فافهمها، وإن لم تتحمَّلك فتحملها.

علاج لمساوئ الزوجة

إذا عظمت مساوئ زوجتك في عينك، فاذكر محاسنها، وقلَّ أن توجد زوجة ليس فيها بعض المحاسن.

لا تغضب...

إذا أتلفت لك زوجتك أو أولادك شيئاً من متاع البيت، فلا تغضب غضباً يهيج أعصابك، وخير لك ألا تغضب قط؛ فإن خسارتك في تلف أعصابك أشدُّ من خسارتك في تلف مالك، وإذا ذكرت أنه لا يتلف شيء إلا بقضاء الله وقدره رضِيتْ نفسك، وهدأت أعصابك.

الغضب لله والغضب للدنيا

الغضب لله حمية ترفع الأقدار، والغضب للدنيا نار تعرِّضك للدمار.

العاقل والأحمق

العاقل يفدي صحته بماله، والأحمق يفدي ماله بصحته.

اعتياد الغضب

إذا اعتدت أن تغضب من كلِّ ما لا يرضيك، فلن تهدأ أبداً.

لن ترضى أبداً

إذا كنت لا ترضى إلا عمَّا تهواه، فلن ترضى أبداً.

لكي نكون سعداء

نحن لا نحتاج لكي نكون سعداء إلى أن نعلم ما نجهل، أكثر من حاجتنا إلى أن نتذكر ما نعلم، وأكثر متاعب الإنسان في حياته ناشئة من نسيانه للحقائق التي يعرفها.

الزوج المحظوظ

إذا ساءتك زوجتك بأشياء، وسرَّتك بأشياء، فلست بمغبون، واجعل ما ساءك لقاء ما سرك، تكن غير مديون، والزوج المحظوظ هو الذي يكون مع زوجته لا دائناً ولا مديناً.

اخلق لنفسك مسرات

إذا لم توفر لك زوجتك وأولادك الهدوء والسرور، فاخلق لنفسك مسرَّات؛ وإلا قضيت عمرك بالحسرات.

كن وسطاً..

لا تحرم زوجتك كل ما تطلب، تتمرَّد عليك، ولا تعطها كلَّ ما تطلب تستعص عليك، ولكن احرمها حين يكون الحرمان تأديباً، وأعطها حين يكون العطاء ترغيباً.

الزواج بالجاهلة

لا تتزوج جاهلة، ولا واسعة الثقافة؛ فإن الزوجة الجاهلة بلاء، وواسعة الثقافة شقاء.

الزواج بالمتعلمة

الزوجة الجاهلة لا تفهم عنك، والمتعلِّمة أكثر منك لا تفهم عنك، والمساوية لك في الثقافة، أنت تزيد عنها برجولتك، وهي تزيد عنك بغرورها، والرجولة تستوجب التحكُّم، والغرور يستلزم التمرد، وبين التحكم والتمرّد يولد شقاء الأسرة، فمن الخير أن تكون أكثر ثقافة من زوجتك لتفثأ حدَّة الغرور بسلطان العلم.

الزوجات والمشاكل

الزوجة الذكية تحل لك المشاكل، والزوجة العاقلة تخفِّف عنك المتاعب، والزوجة الجميلة تخلق لك المتاعب، والزوجة الحمقاء تزيد المشاكل.

الزواج بأكثر من واحدة

أقوى الناس على تحمّل المتاعب، من يتزوَّج اثنتين، وأسرع الناس إلى الهلاك من يتزوج ثلاثاً، وأقرب الناس إلى الجنون من يتزوج أربعاً، وليس في إباحة الله لنا ذلك، ما يحملنا على التعرّض للمتاعب من غير ضرورة ملجئة.

الأم والأولاد

قلَّة عقل الأم تنشئ الأولاد طائشين، وقلة دينها تنشّئهم فاسقين، وقلة أمانتها تنشئهم خائنين، وقلة جمالها تنشئهم صالحين، وإذا اجتمع للأم الدين والعقل والأمانة والجمال أنشأت أولادها عظماء خالدين، ولا أظن ذلك يوجد إلا في الحور العين.

مع ولدك البليد

إذا ابتليت بولدٍ بليد وأنت ذكي، فلا تفهمه أنه بليد، ولا تجزع من بلادته، فولد بليدٌ بارٌّ، أنفع لك من ولد ذكي عاق، وكم جرَّ ذكاء الأولاد العاقِّين لآبائهم من متاعب تمنَّوا معها ألا يكونوا والدين.

الزوجة والمعيشة

قلَّما تقنع الزوجة بالمعيشة التي هي فيها، وكلَّما انتقلت إلى حالٍ أحسن مما كانت عليه، ملَّته وتشكَّت منه، حتى لو وصلت إلى الجنَّة، لملَّتها وتمنَّت الانتقال إلى جهنم.

معاملة الزوجة بالحسنى

معاملة الزوجة بالحسنى تزيد العاقلة طاعة، والحمقاء تمرُّداً، فأكثر مع الأولى، وأقلل مع الثانية.

الزوج ومساوئ الزوجة

الزوج الكريم يستر مساوئ زوجته حتى عن أوليائها، والزوج اللئيم يتحدَّث عن مساوئ زوجته حتى لأعدائها.

حقوق الزوجات

أكثر الأزواج يطالبون زوجاتهم بحقوقهم عليهنَّ أكثر مما يطلبون أنفسهم بحقوقهن عليهم، والله تعالى يقول: ? ولهنَّ مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة?.

انحراف الرجل والمرأة

المجتمع الجاهل يغتفر للرجل انحرافه، ويقتل المرأة على انحرافها، مع أن الشريعة أوجبت على كلٍ منهما الاستقامة، وأنكرت من كلٍ منهما الانحراف، وأوجبت لكلٍ منهما الستر حين الزلل، وحتَّمت عقوبة كلِّ منهما حين تثبت الجريمة، فمن أين جاءهم الفرق بين الرجل والمرأة في العقوبة والغفران؟

بيننا وبين زوجاتنا

زوجاتنا يرهقننا بالكماليات، ونحن نرهقهنَّ بالضروريات، والمشكلة أن ما يراه الرجل كماليًّا تراه المرأة ضروريًّا، وما يراه الرجل ضروريًّا تراه المرأة كماليًّا.

من أكبر المصائب

من أكبر المصائب مصيبة الرجل العاقل بزوجة حمقاء، ومصيبة المرأة العاقلة بزوج أحمق، فذلك هو الداء الذي لا ينفع معه علاج.

الرجل والمرأة في المصائب

الرجل يرى المصيبة هي كل ما ينوء بعبئه، وموقفه منها التجلد، والمرأة ترى المصيبة هي كل ما لا يعجبها، وموقفها منها التشكي، وقد يوجد في الطرفين من يخالف ذلك.

طبيعة الرجل والمرأة في الكلام

الرجل العاقل يؤثر الصمت إلا في مجلسٍ يفيد فيه أو يستفيد، والمرأة العاقلة تؤثر الكلام إلا في موطن تؤذي فيه أو تتأذى.

لماذا كان الرجل أشجع؟

لماذا خلق الله الرجل أشجع وأقوى من المرأة غالباً؟ أليس إلا لتحمَّل من الأعباء والمتاعب أكثر مما تتحمَّل؟

لو كانت المرأة كالرجل في القوة

لو كانت المرأة قوية كالرجل لقضت على حياته في ساعة من ساعات غضبها، ألا تراها تدعو على ولدها بالموت وتتمناه له حين تغضب منه؟

الأولاد بين الأب والأم

كل ما يبنيه الأب العاقل في تربية أولاده في أعوام، تهدمه الأم الجاهلة في أيام.

أنواع الزوجات

الزوجات ثلاث: عاقلة كريمة المنبت فتلك أكرم الزوجات، وصالحة رضيَّة النفس فتلك أرضى الزوجات. وجاهلة سيِّئة الأخلاق فتلك أتعب الزوجات.

الفرد والجماعة

قد يكون الرجل بمفرده من أحسن الناس، فإذا كان مع الجماعة كان من أسوئهم.

حرية المرأة وعبوديتها

لا تكون حرية المرأة إلا على حساب هناءتها، ولا عبوديَّتها إلا على حساب كرامة الأسرة، ولا مساواتها بالرجل إلا على حساب سعادة المجتمع.

سقوط الحضارات

أليس عجيباً أن يكون سقوط الحضارات نتيجة بروز المرأة في المجتمع، ولعبها بمقدَّراته وانحدارها بأخلاقه؟

بين شرع الله وإرادة العابثين

أراد الله للمرأة في شرعه الحكيم الهناءة والكرامة والاستقرار، وأراد لها العابثون بها: الشقاء والمهانة والاضطراب.

عقل الرجل والمرأة

ليست المرأة أنقص عقلاً من الرجل، ولكنها تغلِّب عاطفتها على عقلها, والرجل يغلِّب عقله على عاطفته.. لا جرم إن اختلفت نتائج أفعالهما بتباين، استعمال كل منهما لعقله، فنسب إليها نقصان العقل، ونسب إلى الرجل زيادته.

صفات المرأة

المرأة تجمع صفات الذئب والثعلب والشاة. فلها من الذئب افتراسها لزوجها المسكين، ولها من الثعلب مكرها بزوجها الظالم، ولها من الشاة وداعتها مع زوجها الحازم.

من عجيب أمر المرأة

من عجيب أمر المرأة أنها أقوى سلطاناً على الرجل وهي أضعف منه، وأكثر تبرُّماً به وهي أظلم منه، وأكثر وفاءً له وهو أغدر منها، وأكثر منه شكوى وهي أهدأ منه بالاً، وألصق بأولادها منه وهم يُنسبون إليه، وأكثر تخريباً للبيت وهو أقل منها له سكنى، وهي أقل منه عبادة، وهو أضعف منها إيماناً.

لو كان..

لو كان العقل على قدر كلام الرجل، لكان الثرثار أكبر الناس عقلاً، ولو كان العلم على قدر حفظ المسائل لكان التلميذ أوسع من أستاذه علماً، ولو كان الجاه على قدر الفضائل لما كان للأشرار نفوذ. ولو كان المال على قدر العقل، لكان أغنى الناس الحكماء، وأفقر الناس السفهاء، ولو كان الخلود على قدر نفع الناس، لما خلد السفاحون والطغاة وأكثر الملوك والزعماء.

القسم السادس عشر

بابا الخلود

للخلود بابان: باب أمامي يدخل منه العظماء من هداة الإنسانية، وباب خلفي يدخل منه الأشقياء من أعداء الشعوب، ومفتاح الباب الأمامي أكرم من الذهب، ومفتاح الباب الخلفي شواظ من لهب، والأوَّلون يخلدون بترحُّم الناس عليهم، والآخرون يخلدون بلعنة الناس لهم.

حوار مع السعادة

قيل للسعادة: أين تسكنين؟

قالت: في قلوب الراضين.

قيل: فبمَ تتغذين؟

قالت: من قوة إيمانهم.

قيل: فبمَ تدومين؟

قالت: بحسن تدبيرهم.

قيل: فبمَ تستجلبين؟

قالت: أن تعلم النفس أن لن يصيبها إلا ما كتب الله لها.

قيل: فبمَ ترحلين؟

قالت: بالطمع بعد القناعة، وبالحرص بعد السماحة، وبالهم بعد السرور، وبالشك بعد اليقين.

قد يخطئ النظر

قد يكون أكثر الأشياء ثباتاً في النظر أكثرها اضطراباً في الواقع.

إنما يعرف الشيء بضده

بالحرِّ والبرد نعرف فضل الرطوبة والدفء، وبالظلم والعجز نعرف فضل العدل والحزم، وبالأولاد نعرف ما لاقاه آباؤنا في سيبلنا، وبالمرض وبالشيخوخة نعرف فضل الصحة والشباب، ولكن هل ترد العبرة ما فات؟. وهل ترد الحسرة أيام المسرات:

ليت وهل ينفع شيئاً ليت

ليت شباباً بوع فاشتريت

الحق والهوى

الحق يستعصي على الهوى، فمن ملكه الحق ملك القدرة على أهوائه ورغباته، والباطل ينقاد للهوى، فمن ملكه الباطل غذا أذل الناس لأهوائه ورغباته، وبالإيمان يتميز الحق من الباطل، وبتوفيق الله تعرف رغبات الخير من رغبات السوء، وما لبَّس الشيطان على كثير من المتديِّنين رغبات السوء، على أنها رغبات الخير، إلا لأنهم حرموا نعمة التوفيق، فأسأل الله ألا يحرمك منها.

أدب الجنس بين الأمم القوية والأمم الضعيفة

في الأمة المنحلَّة يروج أدب الجنس، ويثري له أدباؤه، وفي الأمم القوية، يروج أدب النفس، ويخلد فيه أدباؤه، والفرق بين العظيم والحقير تفضيل الخلود على الثراء.

أثرياء الجنس وأثرياء الحرب

أثرياء الجنس شرٌّ من أثرياء الحرب بالاحتكارات والأزمات. فلماذا تصب النقمة على هؤلاء، بينما تسلَّط الأضواء على أولئك في الصحف والمجلات؟.. أليس ذلك دليلاً على أن الذين اغتصبوا سلطة توجيه الفكر في بلادنا قوم ظالمون، أو جاهلون مخربون.

يفتعلون الأزمات الجنسية

الذين يفتعلون الأزمات الجنسية بإثارتها في أدبهم، ثم يزعمون أنهم مضطرون للكتابة في أدب الجنس إرضاء لرغبات الشباب والفتيات، وحلاًّ لمشكلاتهم، هم أشد خطراً على الإنسانية ممن يفتعلون الأزمات الحربية ثم يزعمون أنهم إنما يتسلحون للدفاع لا للهجوم، فلماذا نلعن هؤلاء، ونسكت عن أولئلك؟.

لماذا نصف هؤلاء بالمجرمين، ونصف أولئك بالأدباء التقدميين؟

أخطار تقاليدنا السيئة في الزواج

مما يروج أدب الجنس، عدم تيسير الزواج للفتيان والفتيات، بهذه التقاليد السيئة التي جعلت الزواج عبئاً ماليًّا، لا ينهض بحمله إلا الأغنياء، مع أن شرائع الله تجعل الزواج عملاً سهلاً يستطيعه الأغنياء والفقراء.

أين جمعياتنا النسائية

لو أن جمعياتنا النسائية قامت بحملات متواصلة على تقاليد الزواج، لقدمت للمجتمع وللمرأة بصورة خاصة أجلَّ خدمة ترفع من شأن الأمة، وتقي البلاد أسوأ الأزمات الأخلاقية الانحلالية.

كرامة المرأة

كرامة المرأة أن تعامل كإنسان، لا أن يُتلاعب بها كدمية, وأن ينأى بها عن مظانّ الشبهات لا أن تطرح في وقود الشهوات، وتلوكها الألسن بشتى الشائعات.

هل يحترم الغربي المرأة؟

نحن نُخدع بمظاهر احترام الغربي للمرأة في الأندية والمجتمعات، ونُغفل النظر عن معاملته لها في البيوت وموقفه من تقديره لها ورأيه فيها في القصص والأمثال والروايات.

أين يظهر تقدير المرأة

تقدير الأمة للمرأة يظهر في أمثالها وقوانينها، لا في مجالس لهوها وعبثها، ولقد رأيت الغربيين يقدمون المرأة في الحفلات ويؤخرونها في البيوت، ويقبِّلون يدها في المجتمعات العامة، ويصفعون وجهها في بيوتهم الخاصة، ويتظاهرون بالاعتراف لها في حق المساواة، وهم ينكرون عليها هذه المساوات في قرارة أنفسهم، ويحنون لها رؤوسهم في مواطن الهزل، وينصرفون عنها في مواطن الجد. والمرأة عندنا تخدعها الظواهر كما يخدعها الذين يريدون إرواء شهواتهم من أنوثتها.

لا تلازم بين احترام المرأة وبين تحللها

لا تلازم بين اعتراف المرأة بحقوقها، وبين السماح لها بغشيان المجتمعات، اقرأ إن شئت عن المرأة في حضارة اليونان والرومان، والحضارة الغربية الحديثة.

المرأة في حضارتنا وحضارتهم

يزعمون أننا احتقرنا المرأة في حضارتنا، مع أننا لم نضربها قط، ويزعمون أنهم احترموا المرأة في حضارتهم، وهم يضربونها دائماً، فمن الذي يحترمها ومن الذي يحتقرها؟

ضبط الغرائز أو كبتها

ضبط الغريزة الجنسية لا يعني كبتها، فالضبط تنظيم الطاقة، والكبت إنكار لها، وكل قوة إن لم تضبط ذهبت هباء، أو كانت أداة للتخريب.

شرف الكلمة قبل حريتها

إن الذين يزعمون أن من حقهم أن يقولوا ما يشاؤون باسم حرية الكلمة، ينسون أن شرف الكلمة قبل حريتها، ولم أجد أمة تسمح بالخيانة الوطنية باسم الحرية، ولكن نفراً عندنا يريدون خيانة الشرف الاجتماعي باسم الحرية، ولو كان عندنا رأي عام واع لحاكمهم كما يحاكم خونة الوطن في قضاياه الوطنية.

أثر التربية في توجيه الجيل

حين تعمل التربية على إنشاء جيل يقوم بواجبه، سينشأ هذا الجيل على أن ينسى نفسه ويذكر أمته، وحين تعمل التربية على إنشاء جيل يشبع رغباته سينشأ هذا الجيل على أن يذكر نفسه وينسى أمته.

جيل الكفاح وجيل الهزيمة

الجيل الذي يعرف كيف يضبط شهواته، يعرف كيف يحقق انتصاراته، والجيل الذي يرخي لشهواته العنان، لن يستطيع الصبر طويلاً في معارك التحرير والبنيان.

أثر المرأة في صيانة شرف الأمة

المرأة التي ترى سعادتها في صيانة شرفها، تعرف كيف تربي أولاداً يصونون شرف الأمة، والمرأة التي ترى سعادتها في إشباع لذائذها تربي أولاداً أسهل شيء عليهم أن يخونوا شرف الأمة في سبيل إشباع أهوائهم، وشتان بين جيل يصون شرف الأمة وجيل يخونه.

بيننا وبين دعاة الانحلال

المشكلة بيننا وبين دعاة الانحلال، أننا نخاطبهم بالعقول، وهم يتكلمون بالشهوات، إن عقولهم لا تنكر ما نقول، ولكن شهواتهم هي التي تكرهه، إن ما يعرفونه عن التاريخ يؤيد أقوالنا، وما يعرفونه عن مجون الحضارة يوافق أهواءهم، نحن مع العقل وهم مع الهوى، نحن مع المبادئ العلمية والأخلاقية التي يقرون بها، وهم مع الرغبات والأهواء التي يخضعون لها، والعقل يبني الدولة من حيث يخربها الهوى.

من أين نبدأ؟

نحن أمة ناشئة، نريد أن نبدأ من حيث بدأت الأمم، وهم يريدون أن نبدأ من حيث انتهت.

شبابنا وزعماؤهم

يكفينا في التدليل على شرف طريقنا، أن الشاب منا يستعصي على كل إغراء، وأن الزعيم والقائد فيهم، ليست له القدرة على مقاومة أحطِّ أنواع الإغراء، إلا من كان فيه بقية من شرف وإباء.

هزيمة الأمم بواسطة المرأة

الأمة التي تنظر إلى المرأة نظرة عاقلة رزينة، لا تستطيع المرأة أن تهزمها في الحرب، والأمة التي تنظر إلى المرأة نظرة عبادة لها كشهوة، واحتقار لها كإنسان، تهزمها البغايا والراقصات في الحرب عن طريق الإغراء والتجسس.

ارجعوا إلى التاريخ..

ليسأل التاريخ هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون النهوض بأمتنا، ولا ينفكون عن تحطيم كيان الأسرة عندنا: هل انهارت أقوى الأمم حضارة في التاريخ إلا حين سادت فيها مثل آرائهم الجنسية وفلسفتهم في قضية المرأة؟!

احذري أيتها المرأة الفاضلة

احذري أيتها الأم الفاضلة والبنت الفاضلة، ما يخدعونك به من ألفاظ التحرر من العبودية, وتحطيم قيود التقاليد، إنهم يريدون أن يضيفوا إلى عبوديتك للجهل الموروث عبودية الشهوة الجامحة، وإلى قيود التقاليد البالية قيود الاستغلال الآثم الماكر، احذري، احذري أيتها المرأة الفاضلة، وإن السمكة لا تقع في الشبكة إلا حين تعمى عن دقِّة نسيجها، ولا يصطادها الصياد إلا بعد أن تستمرئ طعم سنارته.

بمَ فتحنا الدنيا؟

نحن لم نفتح الدنيا بأمَّهات ماجنات متحلِّلات، ولكننا فتحناها بأمهات عفيفات متدينات، ولم نرث خلافة الأرض بأدب الجنس الشره الجائع، ولكننا ورثناها بأدب الخلق الثائر والتهذيب الوادع.

فرق ما بيننا وبينهم

فرق ما بين مرقفنا وموقفهم من مفاسد هذه الحضارة: إننا نريد أن نحصِّن بيوتنا ومجتمعنا ضد الحريق الذي يلتهم جيراننا تفادياً لكوارث دماره، وابتعاداً عن دخانه وناره، وهم يريدون أن يجروا هذا الحريق إلى بيوتنا ومجتمعنا، إعجاباً بروعة لهيبه المتوهج، واستحساناً لصورته الخيالية الشاعرة.

بم يتفاوت الرجال؟

هل يمتاز رجل عن رجل إلا بضبط أعصابه، والحكم على الأشياء بعواقبها، والسخرية من المظاهر البراقة إذا كانت تخفي وراءها الآلام والنكبات؟

الخالدون في كل حضارة

في كل حضارة من الحضارات علماء عكفوا على اكتشاف المجهول، ومفكرون أبدعوا في توسيع آفاق المعرفة، وأدباء سموا بالعواطف إلى ميادين النبل، وفيها أيضاً عشرات الآلاف ممن أشبعوا رغبات الجماهير بالغناء والرقص والإثارة الجنسية، فهل خلد إلا أولئك العلماء الصامتون، والمفكرون الصادقون والأدباء الإنسانيُّون؟

ما قيمة أدب الجنس؟

أدب الجنس ليس فيه إبداع، ولا كفاح، ولا تضحية؛ فهو صنعة المجدبين الكسالى الأنانيين. وأدب النفس فيه روعة الإبداع، وتعب الكفاح، وشرف التضحية؛ فهو حلية المنتجين المجدين الفدائيين.

لا حرية في الهدم

من أراد أن يحمل المعول ليهدم بيتي لا أتركه يتم عمله باسم الحرية، ولكن آخذ على يده باسم الحق، ولا أدعه يتلذذ بمناظر الخراب باسم الفن، ولكن أجرعه مرارة العقاب باسم القانون.

لصوص الأدب

ما الفرق بين لص يتسلل إلى بيتي باسم زائر محب، فيسرق أغلى ما فيه، وبين أدب يتسلل إلى عقل بنتي أو زوجتي باسم أديب مفكر، فيسلب منه أثمن ما فيه؟ فلماذا يسجنون لصوص المتاع، ويطلقون الحرية للصوص الشرف والسعادة الزوجية والعائلية؟

ميزة الحضارة

من ميزة الحضارة أنها تنقل الإنسان من الفوضى إلى النظام، ومن مباشرة العدوان إلى سيادة القانون، ومن سيطرة الغرائز إلى تنظيمها؛ فأي تقدمية هذه الدعوات الجنسية المتحلِّلة، التي ترجع بالمجتمع من نظام الشرائع إلى فوضى الشهوات، ومن عدل القانون إلى عدوان الإباحية، ومن تنظيم الغرائز إلى انطلاقها بلا وازع من دين ولا خلق؟

هل يرضون هذا؟

إذا كان إشباع الغريزة الجنسية عن طريق التحلل من قيود الشرائع والقوانين عنوان التمدن والحضارة، كان الحيوان أرقى من الإنسان، وكانت المجتمعات البدائية التي تأخذ بشيوعية المرأة أكثر منا رقيًّا وحضارة.

لعنة التاريخ

إن شبابنا الطاهرين، وفتياتنا الطاهرات، لن يدعوا هؤلاء العابثين أن يسجلوا في التاريخ أنهم كانوا من المعبرين عن آمالهم وأهدافهم، ويا ما أشدّ لعنة التاريح إذا لم يعرف عن شبابنا وفتياتنا في دور الكفاح والبناء إلا الأمل باللذائذ الجنسية، والحلم بسرقة شرف البنات والزوجات، وخيانة الآباء والأزواج..! أي جيل مثل هذا يستحق شرف الخلود، وثناء التاريخ؟

الفكر الخالد

الفكر الذي يشيد قواعد النهضة عند ابتدائها، يستحق أصحابه خلود التاريخ، والفكر الذي يهدم بنيان الحضارة في أوج عظمتها، يستحق أصحابه لعنة التاريخ.

القسم السابع عشر

مسابقات ملكات الجمال

من أبرز مظاهر مكرالحضارة الغربية بالمرأة ابتداعها مسابقات ملكات الجمال، وملكات الأناقة، وملكات الإغراء وملكات لا نهاية لممالكهنَّ الوهمية، هل في ذلك إلا دليل على رغبة الرجل الغربي في الاستمتاع بأنوثة المرأة، ودليل على أن المرأة عندهم لا تهمُّها كرامتها بقدر ما يهمها لفت الأنظار إلى جمالها وأنوثتها؟

هذه المسابقة مصيدة

مسابقات ملكات الجمال مناسبة لاستمتاع رجال التحكيم والمتفرجين بأجسام الفتيات المتسابقات تحت ستار مشروع في رأي هذه الحضارة, كما هو مناسبة لاصطياد الأزواج لفتيات يخشين أن يصبحن كاسدات.

رقية الساحر

مسابقات ملكات الجمال رقية الساحر الماكر لاستخراج الفتيات من بيوت آبائهن إلى حيث يصبحن تحت سلطته وتصرفه.

مسكينة هي المرأة

مسكينة هي المرأة، ما تزال ألعوبة الرجل في جميع عصور التاريخ والشرائع، إلا في تاريخنا وفي شريعتنا، أليس ذلك دليلاً قويًّا على أن الرجل أوسع منها عقلاً، وأقوى إدراكاً، عند من يدعي تفوق الرجل على المرأة في العقل؟

اللوحة الفنية

التقت فتاة جميلة عاقلة، مع فتاة جميلة ساذجة دخلت مسابقة الجمال فقالت هذه لتلك بغرور ساذج: لقد صرت مشهورة، تنشر الصحف صوري وتنقل وكالات الأنباء أخباري.

فقالت الأخرى: إن اللوحة الفنية التي لم تلمسها الأيدي أغلى ثمناً وأبلغ لفتاً للأنظار من التي لمستها الأيدي حتى غيرت روعة ألوانها الطبيعية.

الطائر الحبيس

مرت فتاة مغرورة ممن دخلن مسابقات ملكات الجمال بطائرٍ حبيسٍ في شبكة الصياد، فبكت حرقة له، فقال لها الطائر الحبيس: لا تبكي على من لا تزال أمامه فرصة للإفلات من الشبكة، ولكن ابكي على من لم يعد يستطيع الإفلات منها بحال من الأحوال، ابكي على نفسك أيتها المسكينة لو كان لك عقل تفكرين به.

أيهما أشد مكراً؟

يقولون: إن المرأة أشد مكراً من الرجل، أما أنا فلم أعد أؤمن بهذه الخرافة، بعد أن استطاع الرجل أن يجذبها إليه ليستمتع بها حيث يريد، ومتى يريد.

الطائر الطليق

الطائر الطليق الذي استعصى على شبكة الصائد، أغلى وأشد جذباً للنفوس من الطائر الحبيس في قفصه، مهما كان زاهي اللون، ومهما كان جميل المظهر.

الدمية الصغيرة

يا دميتي الصغيرة الجميلة! ستظلين دمية صغيرة مهما جسموا صورتك، ومهما ألبسوك من ثياب، وأينما وضعوك في غرف الزينة والاستقبال.

لم يدخلن مسابقات الجمال

إن أمي كريمة عليَّ – وكذلك كل أم في الدنيا – لأنها ولدتني، لا لأنها كانت جميلة تتحدث عن جمالها الصحف، ومسابقات الجمال وأندية الرجال.

الخالدات في التاريخ

ملكات الجمال يُنسيْنَ بعد أيام، ولكن العالمات والمخترعات والأمهات اللاتي ولدن عظماء التاريخ، سيظل يذكرهن التاريخ ما بقي إنسان يقرأ التاريخ.

نصيبنا من الآلام

لكل إنسان نصيبه من الألم والحزن والهم، فمن رضي وصبر، كان له الأجر، ومن سخط وتبرَّم، نفذ عليه القضاء، وكان عليه الوزر.

العدو والخصم

لا تطلق لفظ "العدوِّ" إلا على الأجنبي المحارب، أما المواطن الذي تختلف معه فهو "خصم". والعدو لا تنفع معه إلا الشدّة، والخصم يفيد معه كثيراً حسن الخلق، والإغضاء عن الإساءة.. وترك الفرصة له ليفهمك.

هل يحب العدو

العدو لا يمكن أن يُحَب، ولكن يمكن أن يعدل معه، فالأمر بحبه خيال، والأمر بالعدل معه إنسانية وكمال.

بين التوكل والتواكل

من اتَّكل على الله في أمر معيشته، وسعى لذلك، كفاه أمرها، ومن اتكل على ذكائه ووسائله، أرَّقه همُّها، وأرهقته همومها، ومن تواكل عن السعي لها أذلَّته مطالبها، فالسعيد: من سعى وتوكل على الله، والشقي: من سعى واغتر بنفسه، الذليل: من ترك السعي تواكلاً وكسلاً.

بين التصوف والشريعة

الصوفي العالم وقَّاف عند حدود الشريعة، مهذّب لنفسه وأخلاقه، وهذه هي صوفية الصحابة والسلف الصالح، وتلك هي حياة المجتمع وروحه، وزهرته النضرة الفوَّاحة، والصوفي الجاهل منحرف عن الشريعة، متظاهر بما ليس فيه، وهو علة المجتمع ومرضه، مبعث انحراف الأخلاق فيه، والصوفي الزنديق هادم للشريعة مخرب للمجتمع مشكِّك في الدعائم الراسخة للنظام الاجتماعي والعقائدي للأمة، وبهذين الصنفين أضاع الإسلام رفعته، وفقد المجتمع الإسلامي قوته.

ابدأوا بالإصلاح من هنا

الإصلاح الحقيقي أن يبدأ بالضرب على المتاجرين بالدين وروحانيته وأخلاقه، فهم حجر عثرة في سبيل كل إصلاح نافع، وهم الأعداء الحقيقيون للمصلحين المخلصين.

أيهم أهون على الشيطان؟

الشيطان يتعامل مع الفاسقين، وهو وجل من تركهم له بعد قليل حين استيقاظ عقولهم وضمائرهم، ولكنه يتعامل مع الدجَّالين من الزهَّاد والعبَّاد وأدعياء العلم، وهو على ثقة من استمرار سيطرته عليهم؛ لأنه أفسد دينهم، وأمات ضمائرهم.

أيهم أشد ضرراً؟

فساد الدين أشد ضرراً من غفلة الضمير، واستغلال الدين أشد خطراً من مناصبته العداء، ولَزاهد محتال أحب إلى الشيطان من ألف منغمس في لذائذه وشهواته.

كلنا نحب الحياة

كلنا نحب الدنيا، ولكن منَّا من يحب مع الدنيا حب النجاة في الآخرة، ومنَّا من لا يبالي في أي واد هلك.

كيف تعيش في الحياة

لا تيأس؛ فاليأس كفر برحمة الله، ولا تغضب؛ فالغضب قتل لفضائل النفس، ولا تحقد؛ فالحقد تشويه لجمال الحياة، ولا تحزن؛ فالحزن إتلاف لأعصاب الجسم والروح، وتحمل من الهموم ما لا يضنيك، وما لا ينسيك سلطان الله قضاءه وقدره في تصاريف الزمان، ولا تعش غير مبال بما يجري حولك؛ فالمشاركة الوجدانية أنبل خصائص الإنسان، ولا تكن أنانيًّا؛ فالإيثار أجمل فضائل الإنسان.

كيف تكون سعيداً

أدِّ واجبك على خير ما يرضي الله، واخدم الناس على خير ما يرضي الناس، وتعلَّم أكثر مما تستفيد من العلم به، وافتح قلبك لأكرم ما في الحياة من مباهج، وأغمض عينك عن أقبح ما فيها من أسواء، تكن سعيداً في الأرض وفي السماء.

كيف تكون عظيماً

من أطاع ربه وبرّ والديه، ووصل رحمه، وأعان إخوانه، وأكرم أصدقاءه، ونفع سائر الناس، وأسهم في تقدم الحضارة وإسعاد الإنسانية، فذلك هو الذي يدعى في ملكوت السموات عظيماً.

أنفع من الموسيقى

ساعة يتذكر فيها المؤمن عظمة الله وروعة صنعه، تنسيه من الهموم والآلام، أكثر من أيام يستمع فيها الغافلون إلى جميل الأصوات والأنغام.

فارق جسمك مرة بعد مرة

لا بد أن تفارق جسمك مرغماً، مهما طال بك العمر، فاحرص على أن تفارقه الفينة بعد الفينة، طائعاً مختاراً، تخفِّف عنك غُصص مفارقته عند الموت، وتعوِّض عليه ما هو خير منه بعد.

حقائق!

لا يجزع من الموت إلا من ساء عمله وطال أمله، ولا يخشى من الفقر إلا من ساء بالله ظنُّه، وتقاعست عن السعي عزيمته، ولا يجانب الصدق إلا من خبثت نيّته وساءت في الحياة طريقته، ولا يشكو سوء حظه إلا جاهل أو خامل، ولا يشكو جحود الناس لفضله إلا من كان همُّه ثناء الناس عليه، ولا يزهد في ثناء الناس إلا من كانت وجهته الله، ورغبته في رضوانه، ولا يصل إنسان إلى هذا المقام إلا بالتوفيق من الله وإحسان.

مناجاة

إلهي! لو حاسبتنا على خطرات النفوس، لحشرتنا مع الأشرار، ولو حاسبتنا على تقصيرنا في حقِّك، لحشرتنا مع أهل النار، ولو حاسبتنا على نسياننا لآلائك، لما أمددتنا بجزيل نعمائك، ولو حاسبتنا على تبرُّمنا بقضائك، لما حشرتنا مع المؤمنين، ولو حاسبتنا على استبطاء رزقك، لما كنا من المتوكلين، ولو ركلتنا إلى نفوسنا، لكنَّا من الهالكين.

انتسب إليه ولا تخشَ

من انتسب إلى الكريم لم يخشَ الفاقة، ومن انتمى إلى العزيز لم يرضَ الذلَّة، ومن وثق بالحكيم لم يبد له اعتراضاً، ومن آمن بالعادل لم يخف من الظالمين، ومن لجأ إلى القويِّ القهار، لم يخشَ صولة الطاغية الجبَّار.

من أحب..

من أحب الله تقرَّب إليه بصالح الأعمال، ومن أحب الرسول صلى الله عليه وسلم، تحبَّب إليه بمحاسن الأحوال، ومن أحب الجنة، هجر سيئ الأقوال، ومن أحبَّ الخلود، أقبل على ما اشتدَّت مرارته، وأعرض عما عظمت حلاوته.

ما يقوي الأمم ويضعفها

ثلاثة تقوِّي أضعف الأمم: العقيدة الصحيحة، والعلم النافع، والأخلاق القوية. وثلاثة تضعف أقوى الأمم: تبذّل المرأة، وطغيان الحاكم، واختلاف الشعب.

سحر المرأة

من عجيب سحر المرأة، أنها كلما أردت أن تبتعد عنها اقتربت، وكلما أردت أن تغضب منها رضيت، وكلما أردت أن تتخلَّى عنها تمسَّكت بك، ولست أقول ما قال ذلك القدِّيس: إنها شر لا بد منه، ولكني أقول إنها قدر لا مفرّ منه.

ولا أقول قول الآخر: إنها محبوبة فتَّاكة؛ ولكني أقول: إنها محبوبة مزعجة.

الباطل أكثر أتباعاً

لا يقاس الحق والباطل بقلَّة الأنصار أو كثرتهم، ففي كل عصور التاريخ بلا استثناء كان الباطل أكثر أتباعاً: ? وإن تطع أكثر من في الأرض يُضلوك عن سبيل الله ?.

تألب الناس على الحق

لو كان تألب الناس على الحق دليلاً على بطلانه، لكان حقنا في فلسطين باطلاً، فإسرائيل لا تزال تخدع الرأي العام العالمي بوجهة نظرها، ومع ذلك فنحن لن نتراجع عن حقِّنا بكثرة أنصارها، وقلة أنصارنا.

الفرصة الوحيدة

الحياة هي الفرصة الوحيدة للخلود بالعمل النافع، فليس فيها متسع للهو والعبث.

اتجاه الجماهير

الجماهير لا عقل لها فيما يوافق شهواتها، فليس إسراعها إلى كل ما يخالف الشرائع، وقوانين الأخلاق دليلاً على صحة اتجاهها.

اتجاهات أهل الحضارة

الذين يتخذون من اتجاهات أهل الحضارة اليوم مقياساً للصحيح والفاسد، يخطئون؛ فالحضارات القديمة، وحضارة اليوم، كان انهيارها نتيجة اتجاه الجماهير نحو الانحلال أو الفوضى.

أتباع الحق وأنصاره

الحق أقل أتباعاً وأقوى أنصاراً، والباطل أكثر أتباعاً وأضعف أنصاراً.

كن كالطبيب الإنساني

لا يروعنَّك تهافت الجماهير على الباطل، كتهافت الفراش على النار، فالطبيب الإنساني هو الذي يؤدي واجبه، مهما كثر المرضى، فإذا استطعت أن تهدي واحداً فحسب فقد أنقصت من عدد الهالكين.

ضياع الحق بين ثلاث

إنما يضيع الحق بين ثلاث شهوات: شهوة الجاه والشهرة، وشهوة المال والمنفعة، وشهوة اللذة والمتعة.

ثلاثة يضيعون الحق

ثلاثة يضيعون الحق في ثلاثة مواطن: مخلص يسكت عند قوم مبطلين، وعالم يسكت بين قوم جاهلين، ومنافق يتقرَّب إلى قوم ظالمين.

ستة لا يرتجى منهم نصرة الحق

ستّة لا يرتجى منهم نصرة الحق أبداً: قوي مغرور متسلِّط، وشهواني سدَّت عليه الشهوة منافذ تفكيره، ومبطل وجد له أتباعاً يغرونه بالمضي في طريقه، وعالم اتَّخذ من علمه وسيلة لتحقيق أطماعه، ومتزهّد اتَّخذ الزهد في الدنيا ستاراً لحيازتها، وطموح للشهرة اتَّخذ من مخالفة الحق سبيلاً إليها.

خمسة كتب لا تجد فيها الحق

خمسة كتب لا تجد فيها الحق خالصاً: كتاب أراد مؤلفه أن يتفلسف وليس بفيلسوف، وكتاب أراد مؤلفه أن يظهر بمظهر المتحررين في تفكيرهم، وهو يقلد آراء غيره تقليد الببغاء، وكتاب أراد مؤلفه أن يكتب للجماهير ما يلذ لها دون ما يفيدها، وكتاب أراد صاحبه أن يدوِّن أحداث التاريخ وهو ممن أسهموا فيها، وكتاب أراد صاحبه أن ينقد شخصاً أو يتحدث عنه، وهو خصم له أو منافس أو حاسد.

أربعة لا تقبل شهادتهم في أربعة

أربعة لا تقبل شهادتهم في أربعة: قوي في ضعيف، ومستبد في مضطهد، ومتهالك على الشهرة فيمن ينافسه فيها، وزوجة غاضبة في زوجها.

الحق والدين

من ليس له دين يردعه عن الكذب؛ لم يقل الحق إلا حين يكون له في ذلك هوى.

لا ترج إنصافه

من لم ينصف ربه بطاعته له، ولم ينصف نفسه بكفها عما يضرها، ولم ينصف إخوانه بتقدير فضائلهم، ولم ينصف الناس بتقدير ظروفهم، لا يرتجى منه الإنصاف في الخصومات.

حلاوة الحق ومرارته

من سمت نفسه عن مطامع الدنيا وشهواتها، وجد الحق حلواً عذب المذاق، من حيث يجده غيره مرًّا كريه المذاق.

عبد الهوى

من استعبده هواه لم يتحرر من الرق أبداً، وهو مستعبد لأسخف الآلهة الكاذبة، وأشدها قوة وضراوة.

القسم الثامن عشر

مشكلاتنا من أطماعنا

أكثر المشكلات والخصومات بين الناس، إنما هي من صنع أهوائهم وأطماعهم.

وراء كل شر مستغل

وراء كل خصومة شيطان يضحك، ووراء كل مشكلة ظالم يتحفز، ووراء كل جريمة امرأة فاجرة تشحذ السكِّين، ووراء كل فتنة مستغلُّون يتقاسمون منافعها.

بضاعة إبليس

ما لقيت بضاعة إبليس رواجاً في عصر من عصور التاريخ، كما لقيت في عصرنا الحاضر، ومع ذلك فما تزال أمامها أزمات تكسد فيها بعض الكساد.

أسرع في الاستجابة لأمر الله

إذا كان الذين يخضعون لإبليس يسرعون إلى ما يأمرهم به دون مبالاة بالنتائج، أفلا يكون الذين يؤمنون بالله أشدُّ إسراعاً لأمره، مع أن نتيجتهم الجنة؟ ? الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم?.

صنوف العلماء

العلماء ثلاثة: فعالم ابتغى وجه الله والدار الآخرة، فهذا كالزهر العبق يسرك منظره، وتنعشك رائحته، وعالم ابتغى مع الدار الآخرة الدار الدنيا، فهذا كالورد، فيه مع الرائحة الجميلة، بعض الأشواك التي لا تؤذي غالباً، وعالم لا يريد إلا الدنيا، فهذا كالشوك في الأرض الجرداء، لا فائدة منه إلا أن يكون وقوداً للأفران.

صنوف العلوم

العلوم في أهدافها ثلاثة: فعلم للدار الآخرة، فإن صحِبته النية الخالصة نجَّى من النار، وعلم للدنيا، فإن صحِبته العزيمة الصادقة، نجَّى من الفقر، وعلم للهو، ففيه المهانة في الدنيا والهلاك في الآخرة.

العلوم للمجتمع

العلوم للمجتمع ثلاثة: علوم الفقراء؛ وهو ما تحتاج إليه الأمة الضعيفة لتستوي على قدميها، كعلم الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء وما أشبهها. وعلوم الأغنياء؛ وهو ما تحتاج إليه الأمة القوية، لتستمر في أداء دورها الحضاري، كعلوم الذرة والفضاء، وكل ما يؤدي إلى تطور المكتشفات والمخترعات. وعلوم المترفين؛ وهو ما يشغل به بعض أبناء الأمم القوية أنفسهم من بحوث لا تزيد في تطور الحضارة, ولكن توسع آفاق المعرفة النظرية، كأبحاث علم النفس الحيواني، من عواطف الحب عند الحيوانات، ودقائق معيشتها وما أشبه ذلك، وبعض الناس عندنا يريدون أن نكون من المتخمين، وبطوننا خاوية.

النباهة بين العلماء

إذا أردت أن يكون لك شأن بين العلماء فتخصص في فرع من فروعه، وشارك بقدر ما تستطيع في فروع الثقافة العامة.

تواضع العلماء

من أبرز أخلاق العلماء تواضعهم، فإذا رأيت فيهم مغروراً متكبراً، ؛ فثق بأن عنده من الجهل بقدر ما عنده من الكبر والغرور.

من ثمرات العلم

من أبرز ثمرات العلم: التصاون واحترام النفس، فمن وجدته يفعل ما لا يليق، ويهين نفسه لأهل الجاه والنفوذ، فثق بأنه أرض بور لا تثمر ولا تزهر.

ما لا يتم علم العالم إلا به

ثلاثة أشياء لا يتم علم العالم إلا بها: قلب تقي، وفؤاد ذكي، وخلق رضي.

كيف تعيش مع الناس

عش في الحياة كعابر سبيل يترك وراءه أثراً جميلاً، وعش مع الناس كمحتاج يتواضع لهم، وكمستغن يحسن إليهم، وكمسؤول يدافع عنهم، وكطبيب يشفق عليهم، ولا تعش معهم كذئب يأكل من لحومهم، وكثعلب يمكر بعقولهم، وكلص ينتظر غفلتهم؛ فإن حياتك من حياتهم، وبقاءك ببقائهم، ودوام ذكرك بعد موتك من ثنائهم، فلا تجمع عليك ميتتين، ولا تؤلب عليك عالمين، ولا تقدم نفسك لحكمتين، ولا تعرض نفسك لحسابين، ولحساب الآخرة أشد وأنكى.

كن بين التسامح والتشدد

تسامح في حق نفسك، وتشدد في حق أمتك، تكن عند الله عبداً كريماً، وفي المجتمع مواطناً مستقيماً.

في الهجرة النبوية

الهجرة النبوية جمعت بين روعة الكفاح والفداء واللقاء، وعظيم الأثر في تحويل مجرى التاريخ، لا جرم أن كان عمر والصحابة بعيدي النظر، حين اعتبروا الهجرة بدء التاريخ الإسلامي.


• ليست الهجرة بدء التاريخ الإسلامي فحسب، بل هي بدء التاريخ الإنساني الذي ولد فيه الإنسان ولادة جديدة.

• بعض حوادث التاريخ الخالدة، يصنعها أفراد قلائل، ويعيش بفضلها مئات الملايين على مر الدهور، وهم لا يشعرون.

• الهجرة كانت قبراً للباطل العنيد، ونصراً للحق الجديد.

• لولا الهجرة لما كانت دمشق وبغداد، وقرطبة والزهراء، ولولا الهجرة لما كان خلود العرب في التاريخ، ولولا الهجرة لما استيقظ الغرب بعد سبات عميق.

لا تستبطئ الإجابة

ربما كان بطء القدر في استجابة الدعاء وتحقيق الرجاء، رحمة بالمبتلى تدفع عنه مزيد البلاء، أو كرامة تدخر له في يوم الجزاء.

لكل شيء ثمن

لكل شيء محبوب ثمن، فثمن الحرية بعض القيود، وثمن الاستقامة بعض الحرمان، وثمن الكرامة بعض الاضطهاد، وثمن الجاه بعض العداء، وثمن الثراء بعض الحسد، وثمن السلامة بعض الأذى، وثمن الشهوة بعض التعب، وثمن الزعامة كل المزعجات.

طريقا الآخرة

للوصول إلى الآخرة طريقان: أحدهما مستقيم آمن، فيه قليل من الشجر والماء، والثاني: متعرج خطر، فيه كثير من المستنقعات والمؤذيات، وأكثر الناس يفضلون الثاني على الأول، رغبة في الظل والماء، واستخفافاً بالهلاك والشقاء.

لا تسبتطئ وعد الله

ربما كان فيما تستعجل من الخلاص من الآلام والأمراض، تعرض لمحنة أقسى، وبلاء أشد؛ فلا تستبطئ وعد ربك بالرحمة؛ فإنه وعدك بما يراه هو رحمة لك، لا بما تراه أنت رحمة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

وعسى أن تكرهوا شيئاً

كثيراً ما تلهفنا للحصول على أمور بحبها، ثم تبين لنا فيما بعد أن فواتها كان محض الخير والفائدة لنا.

يد الله

من أيقن بحكمة الله ورحمته رأى يد الله تقوده إلى كل خير، وتبعده عن كل أذى.

أنت بالروح إنسان

أكثر الناس يفرقون من أذى أجسامهم، ولا يبالون بأذى أرواحهم وقلوبهم، أيها الغافل تدبر: إنما أنت بالروح والقلب والضمير، لا باللحم والدم والعظم إنسان.

لذ بالقضاء والقدر

لذ بالقضاء والقدر كلما أعيتك الحيلة في الخلاص مما تكره؛ فحركات الأفلاك لا توقفها زفرات المحزونين.

من أنت؟

من أنت أيها الإنسان! حتى تتبرم بالقدر، وتتسخط من الله، وتملي عليه شروطك؟

لو أُعطينا أمانينا

لو أُعطي كل إنسان ما تمنى لأكل بعضنا بعضاً.

طلب الشهرة

يُهلك الإنسان نفسه في طلب الشهرة، فإذا أدركها زهد فيها.

اثنان.. وواحدة..

خلق الله لكل إنسان عينين، ولكن أكثر الناس لا ينظرون إلا بعين واحدة، وخلق لكل إنسان لساناً وأذنين، ولكن أكثر الناس يتكلمون بلسانين، ويسمعون بأذن واحدة، وخلق لكل إنسان يدين: يداً يستعملها ليعين نفسه، ويداً أخرى يستعملها ليعين غيره، ولكن أكثر الناس لا يستعملون إلا يداً واحدة، وخلق لكل إنسان رجلين: رجلاً يسعى بها للدنيا، ورجلاً يسعى بها للآخرة، ولكن أكثر الناس لا يستعملون إلا رجلاً واحدة، وخلق الله لكل إنسان قلباً واحداً، يحمل هموم حياته القصيرة، ولكن يجلب لنفسه من الهموم ما تنوء بحملها القلوب الكثيرة، وجعل لكل إنسان عمراً واحداً، فأضاع من أوقاته كأن له مائة عمر، وقضى الله على كل إنسان بالموت مرة واحدة، ولكنه رضي لنفسه بجهله وشقائه أن يموت كل يوم.

الثمرات

لكل فضيلة ثمرة تدلُّ عليها، فثمرة الإيمان العمل، وثمرة الحب الخضوع، وثمرة العلم الخشوع، وثمرة الأخوة التراحم، وثمرة الإخلاص الاستقامة، وثمرة الجهاد التضحية، وثمرة الزهد الكرم، وثمرة اليقين التسليم، فإن لم تكن مع هذه الفضائل ثمارها كانت دعاوى.

المكافآت

لكل مجدٍّ مكافأة، فمن جدَّ في طلب العلم كوفئ باحتياج الناس إليه، ومن جدَّ في بذل المعروف كوفئ بثناء الناس عليه، ومن جدَّ في معالى الأمور كوفئ بالخلود، ومن جدَّ في خدمة الناس كوفئ بالزعامة، ومن جدَّ في رضا الله عز وجل كوفئ بذلك كله في الدنيا، وتزاد له الجنة في الآخرة.

الحماقات

التدلل من غير تذلل، والاستجداء مع الجفاء، والأمل من غير عمل، والتوكل مع الكسل: خرق وحماقة.

العلامات

من علامة علو الهمة، ألا ترضى لنفسك من كل شيء إلا بأحسنه.

• من علامة الزهد، أن تعرض عن الدنيا وهي مقبلة عليك.

• من علامة الورع، أن تتوقى الشبهات.

• من علامة الكرم، أن تكون للبذل فيما لا يتحدث عنه الناس أسرع منك للبذل فيما يشتهر أمره بينهم.

• من علامة العظمة، أن تزداد ثباتاً في طريقك كلما ازدادت فيه المتاعب.

• من علامة الصدق، أن تكون كلمتك واحدة في الرغبة والرهبة والطمع واليأس.

• من علامة الحكمة، أن تحمل نفسك على ما تريد أن تدعو الناس إليه.

• من علامة التقوى، أن تحسن معاملتك للناس.

• من علامة حسن الأخلاق، أن تكون في بيتك أحسن الناس أخلاقاً.

• من علامة الحمية لله، ألا تتولى من ينتهك محارمه.

• من علامة التواضع، ألا تزهو بنفسك في مواقف النصر.

• من علامة الاستقامة، ألا تتغير فضائلك بتغير أحوالك.

• من علامة الإخلاص، أن يهمك الرضا من ربك عما تعمل، قبل أن يهمك الرضا من الناس.

• من علامة الصبر، ألا تكثر من الشكوى للناس.

• من علامة الشكر، أن تخجل من التقصير مع من أحسن إليك.

• من علامة صدق المؤمن في إيمانه، بذله لله من أمواله، ومن علامة نجاحه في دعوته، تخليه عن راحته، ولهفته في أداء رسالته.

• من علامة لطف الله بعبده، أن يسهل له العسير، ويرضيه باليسير، ويقرب له البعيد، ويجنبه من الآلام ما لا يستطيع تحمله.

• من علامة الحقيقة، أن تكون بسيطة يدركها العالم والجاهل، فإذا كانت معقدة لا تفهم إلا بعناء، كانت خيالاً ووهماً.

• من علامة انطماس البصيرة، أن يضيق الإنسان بظلمة بيته، ويرتاح لظلمة قلبه.

• من علامة الشقاء، أن يجزع الإنسان من ضيق رمسه، ولا يبالي بضيق نفسه.

احترس

لا تشك مرضك إلا لطبيبك، ولا تشك دهرك إلا لصديقك، ولا تبح بسرك إلا لأخيك، ولا تكشف عن فاقتك إلا لمن ينجدك، ولا تبذل نصيحتك إلا لمن يستمعها، ولا تقل كلمتك إلا أمام من يحترمها، ولا تعرض على الناس رأيك إلا بعد أن تمحِّصه، ولا تسفه لهم اتجاهاً إلا وأنت محب ناصح.

الخداع لا يدوم

لا يروعنك انخداع الناس بمن تعلم عنهم السوء، فلا بد من أن يظهرهم الله للناس عراة ولو بعد حين.

المخلصون والمخادعون

للمخلصين ثناء الناس، وتقدير التاريخ، وثواب الله. وللمخادعين توبيخ التاريخ، ولعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

لا يخدعنك

لا يخدعنك من إنسان شكواه من الفساد؛ فقد يكون هو من أكبر أسبابه، ولا يخدعنك منه تحامله على المفسدين؛ فقد يكون هو من أساطينهم، ولا يخدعنك منه تأسفه على ضياع الدين؛ فقد يكون هو أول من أضاعه، ولا يخدعنك منه ترحمه على المصلحين؛ فقد يكون هو أول من قضى عليهم.

احذر هؤلاء

احذر الذين تبكي على الحق أقلامهم وألسنتهم، وتبكي على الدنيا أهواؤهم ومطامعهم، احذرهم على دينك وعقلك؛ فإنهم رسل إبليس إلى الصالحين والأغرار والمغفلين.

القسم التاسع عشر

لا يجتمعان في قلب أبداً

لا يجتمع حب الله وموالاة الظالمين في قلب عالم أبداً.

• لا يجتمع حب الدين وموالاة المفسدين في قلب داعية أبداً.

• لا يجتمع حب الحق وموالاة المبطلين في قلب مخلص أبداً.

• لا يجتمع حب الرسول وموالاة أعدائه في قلب مسلم أبداً.

حبان لا يجتمعان

حبان لا يجتمعان في وقت واحد:

حب الله، وحب المعاصي.

حب الجهاد، وحب الحياة.

حب التضحية، وحب المال.

حب الحق، وحب الرئاسة.

حب السلام، وحب الانتقام.

حب الإصلاح، وحب السلامة.

حب الكفاح، وحب الراحة.

حب العدل، وحب الاسبتداد.

حب الشعب، وحب الطغيان.

حب الخير، وحب الخداع.

فتوى في السوق

لما أصبحت "الفتوى" تشرى بالمال، صار المفتون يبيعون دينهم بالمال فأصبحت عندهم "فتاوى جاهزة تحت الطلب"، يبيعونها لمن يدفع لهم الثمن أكثر، فكانوا بذلك أجراء للظالمين. أما الجاهلون منهم فهم عار الإسلام، وسبّة المسلمين.

مناجاة!

ضلت في معرفة ذاتك العقول، وتاهت في بدائع صنعك الأفكار، وتعددت في البحث عنك السبل، ولك يريد الوصل إليك حتى الذين يجحدونك، وما كلهم بالواصلين إلا من أنرت قلوبهم بنور معرفتك، وشرحت صدورهم بنفحات عنايتك؛ وكتبت لهم النجاة بقديم قدرك، وشرفتهم بالانتساب إليك لعلمك باستحقاقهم لذلك، فمن يهدي من أضللته؟ ومن يضلل من هديته؟ والكل منك وإليك، والأمر موقوف عليك، فاجعلنا برحمتك من المهتدين. واكتبنا بكرمك مع الواصلين، ولا تخزنا يوم الدين، ولا تجعلنا من الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

مناجاة

يا عظيم الجود..! إن الجواد من أبناء الدنيا إذا اشتهر جوده، تطلعت إليه أنظار الطامعين، ورحلت إليه ركاب الطالبين، وتعلقت به آمال المحتاجين فلا يرد سائلاً، ولا يخيب آملاً، ونحن كما تعلم فقراً وحاجة وشدة ومحنة، وفقرنا لا يدفعه إلا جودك، وحاجتنا لا يكفيها إلا كرمك، وشدتنا لا يزيلها إلا لطفك، ومحنتنا لا يكشفها إلا عطفك، وقد أكدت لنا في كتابك أن نسمات رحمتك تحيي ما كاد يجف من آمالنا، وبشائر مغرفتك تستر ما عظم من سيئ أعمالنا، وسريع يسرك يغلب ما تفاقم من عسرنا، وعظيم لطفك يمحو ما اشتد من آلامنا، فتداركنا بما يضمد جراحنا، ويقوي عزائمنا، ويوفقنا للسير في الطريق الذي اخترته لنا ولا تحرمنا من عمل ننوي القيام به لخالص وجهك، ومحض مرضاتك، ولا تحجب عنا من لطائف رحمتك ما تنعش به آمال المنتمين إليك، المستجيرين بك، الداعين لك، إنك بنا رؤوف رحيم.

محنة العالم

محنة العالم في إقبال الدنيا عليه، أشد من محنته في إعراضها عنه؛ فإن الزهد فيما ولى يأس، والزهد فيما أقبل قوة خلق وعظم نفس، وعظماء النفوس أعظم في الناس أثراً، وأكبر عند الله قدراً من الزاهدين في يأس الصالحين في غير محنة.

أشد من الصبر والحرمان

الثبات على الصبر أشد من الصبر نفسه، والرضا بالحرمان أشد من الحرمان نفسه، وما كل صابر ثابت، ولا كل محروم راض، ولا كل نائحة ثكلى، ولا كل عبوس حزين، ولا كل محب متيم.

طبيعة...

طبيعة القوي الجور، فإذا عدل فلأمر ما، وطبيعة الظالم القسوة، فإذا رحم فلأمر ما، وطبيعة المستبد الغرور، فإذا تواضع فلأمر ما، وطبيعة الملحد الفساد، فإذا صلح فلأمر ما، وطبيعة الغني التبذير، فإذا اقتصد فلأمر ما، وطبيعة المنافق الكذب، فإذا صدق فلأمر ما، وطبيعة المخادع الخيانة، فإذا استقام فلأمر ما، وطبيعة السياسي المداورة، فإذا صارح فلأمر ما، وطبيعة الشباب الطيش، فإذا عقل فلأمر ما، وطبيعة الجمال الفتنة، فإذا عف فلأمر ما، وطبيعة عالم السوء الولع في الدنيا، فإذا زهد فيها فلأمر ما، وطبيعة البدوي الجلفة، فإذا رق فلأمر ما.

.. وطبيعة

طبيعة المؤمن الاستقامة، فإذا انحرف فلأمر ما، وطبيعة العالم النصح، فإذا نافق فلأمر ما، وطبيعة العابد الزهد، فإذا حرص فلأمر ما، وطبيعة الشجاع السخاء، فإذا بخل فلأمر ما، وطبيعة الداعية الإخلاص، فإذا راءى فلأمر ما، وطبيعة المصلح التضحية، فإذا استأثر فلأمر ما، وطبيعة الرجل التجلد، فإذا خار فلأمر ما، وطبيعة المرأة الحنان، فإذا قست فلأمر ما، وطبيعة الشيخ الحكمة، فإذا جهل فلأمر ما، وطبيعة المتزوج العفة، فإذا فسق فلأمر ما، وطبيعة الأب الحب، فإذا أبغض فلأمر ما، وطبيعة الحضري الرقة، فإذا جلف فلأمر ما.

جنود الدعوة الأوائل

جنود الدعوة الأوائل تلقوها من مصدر قوتها، وعذب معينها، لا جرم أن كانت قوة الدفع أشد ما تكون انطلاقاً، وعذوبة المشرب أصفى ما تكون نقاء، أما جنود الدعوة الأوخر، فقد تلقوها من قوة يشوبها ضعف، ومعين ممزوج بكدورة، لا جرم أن كانت قوة الدفع أضعف، وصفاء المعين أقل.

صفاتهم

جنود الدعوة الأوائل كانوا يقلون من الجدل، ويكثرون من العمل، وكانوا يبخلون بالأقوال، ويجودون بالأموال، وكان عزمهم على الجهاد مستعلناً، وإخلاصهم فيه مستخفياً. وجنود الدعوة الأواخر يكثرون من الجدل، ويقلون من العمل، ويجودون بالأقوال، ويبخلون بالأموال، وإعلانهم للدعوة مجلجل، وهم في الجهاد من أجلها على وجل، لا جرم إن اختلف الأثران مع التقاء الطريق، وتباين المنهجان مع وحدة الهدف "والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير".

أنواع الحب

الحب ثلاثة: حب إلهي(هو حب المؤمن لربه), وحب إنساني(هو حب الإنسان لأخيه ولصديقه)، وحب حيواني(هو العشق الجنسي).

فالحب الإلهي فيه ضراعة المحب وشكر المحبوب.

والحب الإنساني فيه وفاء المحب وتقدير المحبوب.

والحب الحيواني فيه مراوغة المحب ولؤم المحبوب.

كيف يحبك الناس

أفد الناس من علمك، وأشركهم في مالك، وسعهم بخلقك، يحبوك كثيراً.

وكيف يبغضونك

بصِّر الناس بعيوبهم، وحُلْ بينهم وبين شهواتهم، وهاجم سيئ تقاليدهم يبغضونك كثيراً.

التقاليد

للتقاليد قدسية الدين عند الجاهلين، وقيمة النقود عند الدجالين، وخطورة السم عند المصلحين.

لا تكن هذا ولا ذاك

بعض الناس يجمدون حتى يكونوا أقسى من الصخر، وبعضهم يشتدون حتى يكونوا أحر من الجمر، وبعضهم يثقلون حتى يكونوا أمر من الصبر، وبعضهم يميعون حتى يكونوا كماء البحر، وكل ذلك في الخلق الاجتماعي ذميم.

شمس الحقيقة

بعض الناس ينكرون الحقيقة بوضع أيديهم على عيونهم لئلا يغشيهم ضوؤها.

الفرار عجز

كثيراً ما نفر من الشيء لعجزنا عن مواجهته.

رؤية النفس

من رأى نفسه قبل أن يرى الناس لم يره الناس.

الإيثار

إذا أثمرت شجرتك فأنت أولى بها في الضيق، وجارك أولى بها في السعة، والكرام يرون جارهم أولى بها في أي حال، أولئك الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

النفس الميتة

الشجرة التي لا تُميل الرياح أغصانها شجرة ميتة الجذور، كذلك النفس التي لا تهزها المآسي نفس ماتت فيها معاني الإنسانية.

المتكبر

المتكبر على إخوانه يحتقر نفسه وهو لا يعلم، والمتكبر على الناس يدفن نفسه بينهم بيده وهو يعلم.

المتواضع

لا يغرنك من يتواضع بلسانه وبانحناء ظهره وانخفاض رأسه؛ فقد يكون من أشد الناس كبراً وغروراً، جربه إذا شئت، بالمساس قليلاً بكبريائه ينكشف لك أمره في الحال.

منبت العز

لا ينبت العز في أرض فرشت بالأشواك.

أصناف الناس

بعض الناس تعيش فيهم فضائلهم كلها؛ أولئك خير الناس، وبعض الناس تعيش فيهم بعض فضائلهم وتموت فيهم الأخرى؛ أولئك أوساط الناس، وبعض الناس تموت فيهم كل فضائلهم؛ أولئك أراذل الناس.

في غير منبتها

ربما نبتت الفضيلة في أرض الرذيلة، وربما نبتت الرذيلة في أرض الفضيلة.

المحروم والمعدم

احذر المحروم الذي لاذ بالفضيلة لعدمه، ثم واتته النعمة؛ فإنه يكون أشد انهياراً، وأكثر إضراراً من ذي نعمة لم يدع الفضيلة قط.

مستغل الدين

الذين يلبسون لبوس الدين ثم يستغلونه، أشد خطراً على الدين ممن يكشفون عن وجوههم فيحاربونه.

مصيبة الدين

مصيبة الدين في جميع عصوره بفئتين: فئة أساءت فهمه، وفئة أتقنت استغلاله، تلك ضلَّلت المؤمنين به، وهذه أعطت الجاحدين حجة عليه.

الدين الحق

الدين الحق هو الذي يعطيك فلسفة متكاملة للحياة، ونظاماً وافياً بحاجات المجتمع، كالمهندس الماهر يبني لك بيتاً متين الدعائم، مستوفي المنافع.

خير الأديان

الدين الذي لا ينظم شؤون الدنيا لا ينفع للدنيا، والدين الذي لا يعترض لشؤون الآخرة لا ينجي في الآخرة، فخير الأديان ما كفل لك السعادة في الدنيا، والنجاة في الآخرة.

مشكلة الفرد في الدين والحضارة

في أدب الديانات السماوية، تعتبر مشكلة الفرد الأولى هي القرب من الله بصالح الأعمال، وفي أدب الحضارات الغربية، تعتبر مشكلة الفرد الأولى إرضاء غريزة الجنس بمختلف الأشكال، وقد لقي الفرد في ظل أدب الدين كل طمأنينة وسعادة، ولقي في ظل أدب الحضارة منتهى القلق والشقاء.

الإنسان في الإسلام وفي الحضارة الغربية

في الإسلام خلق الله الإنسان ليكون خليفته في الأرض، وفي الحضارة الغربية ليس الإنسان إلا حيواناً متطوراً.

الجنس في الديانات والحضارات

أنكرت الديانات السابقة على الإنسان غريزة الجنس فجعلت الحضارة الغربية غريزة الجنس عنوان وجوده، أما الإسلام فلم ينكر تلك الغريزة في الإنسان، ولا جعلها مشكلته الأولى.

الحجيج العائد

عاد حجيج بيت الله الحرام، فأكد لي إخواني أنهم أكثروا لي من الدعاء في الأماكن الطاهرة، أما أجرهم فلا أشك أن الله كتبه لهم، وأما استجابة دعائهم فلا شك أن الله ادخر لي أحد أمرين: إما الشفاء، وإما ما هو خير منه، وحاشا لكرمه أن يردهم، فلا يكتب لي واحداً منهما.

لو كثر المثقفون في الحجيج

حدثني الشباب المثقفون من هؤلاء الحجيج أن ما أفادوه في الحج من تصفية نفوسهم وتقوية إيمانهم، لا يستطيعون وصفه، فلو أن كل مسلم حج بروحه وجسمه، كما حج هؤلاء؛ لتغير وجه تاريخ المسلمين اليوم.

يا ولدي الصغير

يا ولدي الصغير! تُرى حين تصبح رجلاً مثلنا يتطلبك الواجب أن تحمل المسؤولية، أتكون في صف العاملين؟ أم تكون في جماهير الغافلين؟ أيكون زمانك خيراً من زماننا؟ أم أسوأ؟ أيكون جيلك أفضل من جيلنا؟ أم نكون نحن خيراً منكم؟ لست أدري يا ولدي الصغير، ولكنني أدري أن من واجبي نحوك كأب أن أعدك لحمل المسؤولية، وتجشم الصعاب، ورفع اللواء، وإنارة الطريق للركب السائر، فإن بلغت منك في ذلك ما أريد، فذلك خير وفق الله إليه، وإلا فحسبي أن أؤدي الأمانة، وأبلغ الرسالة، وألا أدعك تحاجني بين يدي الله.

القسم العشرون

وكل يدعي وصلاً بليلى

ما رأيت إنساناً اختلف مع آخر، إلا أكد أن الحق معه، وأنه كان يمثل الحق في أنبل صوره، وما رأيت متهماً يدافع عن نفسه، إلا جعل نفسه شهيد الحق، صريع القيام بالواجب، ولكن التاريخ المنصف، سيفصل بينهما، والله أعدل الحاكمين.

صناعة التاريخ

الشباب يصنعون التاريخ بقلوبهم، والعلماء يصنعونه بعقولهم، والحكماء يصنعونه بأرواحهم، فإذا تعاون القلب والعقل والروح على صنع تاريخ، كان تاريخاً لا ينطفئ نوره، ولا تخبو ناره، وكذلك صنعنا التاريخ أول مرة.

الشهوات لا تصنع تاريخاً

ما رأيت تاريخاً صنعته الشهوات والملذات، ولكن دعاة الشهوات والملذات عندنا يزعمون أنهم يصنعون تاريخنا الحديث، فهل هم جاهلون؟ أم متآمرون، أم جمعوا بين الجهل والتآمر؟.

من ادعى

من ادَّعى العلم وهو يمالئ الفاسدين فهو تاجر، ومن ادعى الإصلاح وهو يتقرَّب إلى الظالمين فهو فاجر، ومن ادَّعى التقوى وهو يجري وراء الدنيا فهو دجَّال، ومن ادَّعى الوطنية وهو يفرِّق الصفوف فهو خائن، ومن ادَّعى الحكمة وهو منحرف فهو سفيه، ومن ادَّعى البطولة وهو عبد لأهوائه فهو رعديد. ومن ادَّعى الزعامة وهو حقود فهو مقود، ومن ادَّعى التحرُّر وهو ملحد فهو مخرِّب، ومن ادَّعى الهدى وهو مخالف للكتاب والسنة فهو ضال، ومن ادَّعى الإرشاد وهو مخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو جاهل أو محتال.

الجهل بالدين

الجهل بالدين مرتع خصب لضلالات الشياطين، والفقر في الدنيا مرتع خصب لأهواء الطغاة والمستغلِّين.

الإيمان

من آمن بوجود الله لم يكن من المتحيِّرين، ومن آمن برحمته لم يكن من اليائسين، ومن آمن بحكمته لم يكن من المترددين، ومن آمن بجبروته لم يكن من المتمرِّدين، ومن آمن بمراقبته لم يكن من المخادعين، ومن آمن بدينونته لم يكن من المنحرفين. ومن آمن برزقه لم يكن من الطامعين. ومن آمن بعدالته لم يكن من الظالمين، ومن آمن بوعده لم يكن من المتقاعسين، ومن آمن بوعيده لم يكن من المخالفين، ومن آمن بذلك كله كان من عباد الله المقرَّبين.

معرفة وجهالة

اعتقاد الحق ولو عن تقليدٍ معرفة، وإنكار الحق ولو عن تفكيرٍ جهالة.

الإعراض عن الحق

الإعراض عن الحقِّ مع نصوع برهانه صنيع الغافلين، والسكوت عن الحق مع القدرة على بيانه صنيع الشياطين، والاستعلاء على الحقِّ مع تطاول بنيانه صنيع المغرورين، والاستخفاف بالحق مع كثرة أعوانه صنيع المستبدِّين الهالكين.

طعم الحق

من ذاق طعم الحق استسهل في سبيله الصعاب.

غرس الأشواك

من غرس الأشواك صعب عليه اقتلاعها.

عزة الحق

عزّة الحق تطامن من كبرياء الباطل.

هوان!

من هان عليه الحق هان على الحق.

خمسة لا يفلحون

خمسة لا يفلحون أبداً: طاغية جاهل كذاب، وولد عاق لوالديه، ومغرور مبتلى بحب الشهرة، وحقود حسود حجود، ومتزهِّد اتخذ الزهد شباكاً.

أربعة لا يخفقون

أربعة لا يخفقون أبداً: مكافح حدد هدفه وسلك الطريق الصحيح إليه، ومتفائل أعد للحياة عدتها، وعامل أتقن عمله وأحسن دعايته، وطالب علم مجتهد ذو ذكاء واستقامة.

المكابرة في قضية المرأة

لا يكابر في الحقِّ في قضية المرأة إلا أحد أربعة: مراهق لا يفكر إلا في أهوائه الجنسية، وكاتب يرى في إرضاء غرور المرأة ودغدغة عواطف المراهقين والمراهقات طريقاً إلى رواج كتابه والإثراء منه، وسياسي يهمُّه كسب أصوات الناخبات من المتعلِّمات، وطاغية يتقرَّب للغرب بأنه متجدِّد غير متعصِّب للدين والأخلاق والخصائص العريبة والإسلامية.

الأدب في الماضي والحاضر

كان الأدب في الماضي عنوان الخصاصة والضياع، فأصبح في عصرنا – وبخاصة أدب الجنس – عنوان الثروة والشهرة، وسيظلُّ الأدب الإنساني في الحاضر والمستقبل كما كان في الماضي عنوان العبقرية والخلود.

مفتاح السعادة

الأخلاق أولاً ثم العلم والكفاءة، هذا هو مفتاح السعادة للأفراد والحكومات والجماهير.

الحسد على قدر النفع

كلما عظم نفع الرجل لقومه كثر حاسدوه وكثر محبُّوه أيضاً.

الشجرة المثمرة

الشجرة المثمرة تهفو إليها النفوس، وتتطلَّع إليها الأنظار، وتتساقط عليها الأحجار.

حسد الأقران!

ما يلقاه الرجل من حسد أقرانه أشد مما يلقاه من كيد أعدائه.

رسالة الدين

رسالة الدين – أي دينٍ كان – السموُّ بأخلاق الناس.

مشكلة الإنسانية

مشكلة الإنسانية في القديم والحديث والمستقبل، هي مشكلة الأخلاق، وللأديان فضل كبير في تخفيف حدَّة هذه المشكلة في جميع عصور التاريخ.

بمَ تنجح الدعوات؟

لا تنجح الدعوات إلا حين يكون لها من القادة المتعاونين الأكفاء، ما يكون على قدر الحاجة إليهم، والظروف المحيطة بهم.

مشكلة الدعوة الإسلامية

مشكلة الدعوة الإسلامية أنّ لها أعداداً هائلة من الأنصار لا قادة لهم، أو أن كثيراً من قادتهم ليسوا على مستوى الأحداث.

سر عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم

سرُّ عظمة النبوَّة في محمد صلى الله عليه وسلم أنه ترك من بعده خلفاء عنه في قيادة الدعوة، يفهمون شريعته كما يفهمها، ويتخلقون بأخلاقه كما أدَّبه ربُّه، فاستمرَّت الدعوة من بعده، وأدَّت رسالتها في التاريخ.

ألزم للقادة من الجند

دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم دراسة عميقة واعية، ألزم ما تكون لقادة الدعوة من الجنود والأنصار.

المدرسة الإلهية

بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما أروع سيرتك، وما أعظم بركتها، إنها المدرسة الإلهية لكل قائد وكل زعيم، وكل رئيس، وكل حاكم، وكل سياسي، وكل زوج، وكل أب. أنت المثل الإنساني الكامل لكل من أراد أن يقترب من الكمال في أروع صوره واتجاهاته ومظاهره، فالحمد لله الذي أنعم بك علينا أولاً، وعلى الإنسانية ثانياً.

عش مع العظماء

إذا أردت أن تلحق بالعظماء فعش معهم، وخير عظيم في التاريخ الإنساني كله تعيش معه هو محمد صلى الله عليه وسلم، فاقرأ سيرته بإمعان وتدبُّر كل يوم إن استطعت، وزره كل عام إن قدرت.

خلود الخالدين

ليس الخلود أن يتحدَّّث التاريخ عن الخالدين، ولكن أن تسري أرواحهم في الأحياء المتعاقبين، وأن تعمل أخلاقهم عملها في كل عصرٍ على مرِّ التاريخ، ولم يجتمع ذلك لعظيم كما اجتمع لمحمد صلى الله عليه وسلم.

تعصب الغربيين

ولولا أن التعصُّب الذميم يغطِّي على أبصار هؤلاء الغربيين، لوجدوا في شريعة محمد وسيرته ما يأخذ بيدهم إلى الأمن مما يتهاوون فيه من شقاء، ولكنَّ الله لم يرد لهم هذا الخير ولعلَّه ادَّخره لأمة أخرى، تكون أبرَّ بالإنسانية وأحنى على جراحها، وأهدى إلى حلِّ مشكلاتها من هؤلاء المتعصبين المغرورين.

من مثل محمد؟

لم يتفرَّد محمد صلى الله عليه وسلم بأنه يمثِّل الكمال الإنساني المطلق من جميع نواحيه فحسب، بل هو يمثل النجاح المعجز، في تربية النماذج الإنسانية الكاملة من الأفراد، والأمة الإنسانية الكاملة من بين الشعوب، فمن مثل محمد صلوات الله وسلامه عليه؟ من مثل محمد؟.

كن مثل محمد

أيها الأخ المسلم! كن مثل محمد صلى الله عليه وسلم ما استطعت، تلحق به في ركب الخالدين، كن صورة موجزة عنه، فمثل محمد تماماً ما كان ولن يكون في التاريخ، لأن إرادة الله اقتضت أن تكون للإنسانية شمس واحدة تطلع كل يوم.

كلنا أبناء محمد

لم يخلِّف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده ابناً يرث رداءه، ولكنه خلَّف من بعده، ما بقيت الأرض، أجيالاً تحمل لواءه، كلنا أبناء محمد وبناته، كلنا آله وورثته.

ورثة القيادة

لم يجئ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا ليكون ملكاً عليها، فنرث عنه الملك، ولكنَّما جاء ليكون قائداً لها، فنحن نرث عنه القيادة.

مختلفان!

كيف يمكن أن نصطحب في الطريق إذا كنت أطير بُراقاً، وتسير سلحفاة، فإما أن أسبقك، وإما أن تؤخرني، وكيف يمكن أن نعيش معاً، وحرارتي كالنار وبرودتك كالثلج، فإما أن أحرقك، وإما أن تجمِّدني.

تبديل الطبائع

من المستحيل تبديل الطبائع، كما يستحيل تبديل الأشكال، ومن يخلقه الله كما أراد لا يبدِّله الإنسان كما يريد.

مشكلات الطائر

مشكلات الطائر وهو يحلِّق في السماء، لا يفهمها إلا طائر مثله.

أمور نسبية

الأعرج بين المقعدين فرس لا يشقُّ له غبار.

مقصوص الجناح

مقصوص الجناح بين الطيور، حبيس الأقدار عن تحليق الأطيار، ولعلَّه كان أسرعها طيراناً.

فضل السابقين

إذا مشيت في طريق معبَّدة، فاذكر فضل الذين تعبوا قبلك في تعبيدها، قبل أن تفاخر بسبقك من سار معك فيها، فلولا أولئك ما سبقت هؤلاء.

أقبح النسيان

أقبح أنواع النسيان، نسيان المشهور تاريخه يوم كان مغموراً، ونسيان التائب ماضيه يوم كان عاصياً، ونسيان العالم أن الله وهبه الفهم والعلم وسيسأله عنهما، ونسيان المظلوم آلام الظلم بعد أن يصبح منتصراً، ونسيان الطالب الناجح فضل من كانوا سبباً في نجاحه، ونسيان الداعية فضل الذين سبقوه أو ساروا معه، ونسيان الفضل لكل ذي فضل مهما كان دقيقاً.

أيها السائرون!

أيها السائرون في موكب الحـ

ـقِّ سراعاً للخير لا للمغانم

صدقوا الله عهدهم فتنادوا

للمنايا لا يعبأون بظالم

عرجوا في الطريق نحو جريح

كان في الله ثورة لا تسالم

كافح الظالمين في صولة الظلـ

ـم، وللشر دولة ومعالم

ثم شاءت إرادة الله أن يــقــ

ـصى بعيداً عن خوض تلك الملاحم

أوثقتْه الأسقام بضع سنينٍ

في اكتمال الشباب والحظ باسم

أرغمته الآلام أن يلزم البيـ

ـت إذِ الخطب في العشيرة داهم

علم الله كرهه راحة الجسـ

ـم إذ البغي في المرابع جاثم

فانثنى يجرع العذاب وفي القلـ

ـب جراح وفي الفؤاد عزائم

غير أن الأقدار أرحم بالمر

ء وأحنى عليه من كل راحم

وإذا الخطب داهم المرء يوماً

كان حصن الإيمان أمنع عاصم

وله في الرضا عن القدر الما

ضي عزاء وما البلاء بدائم

أيها السائرون في موكب الحـ

ـقِّ اذكروا مدنف الهوى غير آثم

قد شجاه الجفاء بعد وفاءٍ

منه فهو عاتب غير لائم

لا تلوموه إن تنحَّى عن الركـ

ـب قليلاً فجسمه غير سالم

لكم منه: رأيه، وهواه،

ومروءاته، وحمل المغارم

القسم الواحد والعشرين

هكذا الحياة!

هكذا الحياة: نبدأ مغمورين، ثم نصبح مشهورين، ثم نمسي مقبورين، وبعد ذلك إما أن نكون مسرورين، وإما أن نكون مقهورين.

شريط الحياة

شريط الحياة مهما تعدَّدت مناظره منذ فجر التاريخ، له بداية واحدة، ونهاية واحدة.

اختلاف الأشرار

اختلاف الأشرار فيما بينهم بدء نهايتهم.

المصلح الأحمق!

المصلح الأحمق هو الذي يحاول أن يقطع الأمة عن جذورها الممتدة في أعماق التاريخ.

التيار

الأهوج يجاري التيَّار الهائج، والمجنون يقف في وجهه، والعاقل يحتاط لتخفيف أخطاره.

ألقه على المقادير

إذا ناء كاهلك بالعبء، فألقه على المقادير.

حسن الظن

حسن الظنِّ فضيلة، إلا إذا صادمه الواقع الملموس، فإنه يصبح بلهاً وغفلة.

أنت والأقدار

الأقدار أوسع نظراً منك، فلا تتحير معها. وأرحم منك، فلا تتهمها. وأحكم منك، فلا تستجهلها، وأقوى منك، فلا تعاندها. وأسرع منك، فلا تسابقها.

بين الحب والسخط

وزِّع حبَّك على الناس، ووزع سخطك على الظالمين؛ فإن الله يحب الذين يحبّون عباده، ويكره الذين يوالون أعداءه.

لا تكابر

تستطيع أن تنكر رؤية الشمس إذا أغمضت عينيك أو سترتهما بيديك، ولكنك لا تستطيع أن تنكر ضوءها، ويمكنك أن لا ترى الشمس إذا جلست في الظلام، ولكن لا يمكنك أن تنكر أن الناس يرونها.

إذا فوجئت!

إذا فوجئت بنزول المصائب فلا تيأس من زوالها، وإذا فوجئت بتغيُّر الزمان، فلا تلجأ إلى الشكوى منه، وإذا فوجئت بتغير الإخوان، فلا تكثر من انتقاصهم، وإذا فوجئت بالمرض المؤلم، فلا ترفع صوتك بالأنين منه، وإذا فوجئت بارتفاع الأغمار، فلا تستمرَّ في استصغار شأنهم، وإذا فوجئت بتحكم الأشرار فلا تقنط من زوال حكمهم، وإذا امتدّت بك العلَّة، فلا تيأس من رحمة الله، وإذا رأيت في دنياك ما لا يعجبك، فاعلم أن هذه هي سنَّة الحياة، وإذا راعك انتشار الشر، فاعمل على مكافحته إن استطعت، وإلا فتربَّص به حتى تواتيك منه الفرصة، وإياك أن تيأس من انكماشه، ولوغمر المجتمع الذي تعيش فيه، وإذا راعك رواج الكذب والباطل، فلا تشكَّ في أن الله سيفضحه ولو بعد حين.

العبير الفواح

تستطيع أن لا ترى الزهرة الفوَّاحة، ولكنك لا تستطيع أن لا تشمَّ عبيرها.

لا تيأس

إذا استعصى عليك أمر تريده وترى فيه الخير، فحاول أن تسعى وراء خير آخر؛ فإن الخير أكثر من أن تحصى طرائقه، وأعزُّ من أن ينال كله.

حكمة الله

لا أزال أؤمن بحكمة الله وعدالة قدره، مهما استعصى مرضي على الشفاء، واستشرى في أمتي تحكُّم الظالمين ودجل الكذابين.

انسَ آلامك!

استمرار التفكير في آلام مرضك، يزيدك آلاماً، فحاول أن تنسى مرضك ولو فترات، بقراءة ما تستلذُّ قراءته، أو سماع ما تستحسن سماعه، أو رؤية ما تحب رؤيته، أو محادثة من تودُّ محادثته، وإذا رزقت الأنس بكلام الله، وحلاوة مناجاته؛ كان ذلك من أكبر العوامل على نسيان آلامك، حين تقرأ كتاب الله، أو تخضع بين يديه في صلاتك.

كيف تتصرف في المشكلات

إذا وقعت في مشكلة أو أزمة أو مصيبة، فافرض أسوأ ما يكون منها، فإن وقع ما افترضته لم تفاجأ، وإن لم يقع، رأيت ذلك نعمة ترتاح إليها، وفي كلا الأمرين: تخفيف من قلق نفسك وتعب أعصابك.

نعم المربي

نعم المربِّي الزمان، ونعم المنبّه العدو، وبئس المخدِّرُ المنافق.

فضائلك بين حسادك ومحبيك

خير من ينشر فضائلك حسَّادك الوقحون، وشر من يكشف عيوبك: محبوك المغفلون.

أنفع

نشر رأيك بين الناس في مقال واحد، أنفع لك من مجادلة خصومك المعاندين شهراً كاملاً.

لا تحاول المستحيل..

الحياة صخرة عاتية، وخير لك من محاولة زحزحتها، أن تستفيد من ظلِّها لاتِّقاء حرِّ الشمس، وثورة الأعاصير.

مصاحبة الأحمق

احذر من مصاحبة الأحمق، فيفسد عليك عقلك، وإذا ابتليت بمصاحبته فلا تتعاقل عليه، ولكن امتحن عقلك ساعة بعد ساعة.

اتخذ من المكروه وسيلة

اتّخذ من الفشل سلَّماً للنجاح، ومن الهزيمة طريقاً إلى النصر، ومن المرض فرصة للعابدة، ومن الفقر وسيلة إلى الكفاح، ومن الآلام باباً إلى الخلود، ومن الظلم حافزاً للتحرُّر، ومن القيد باعثاً على الانطلاق.

تفاءل دائماً

تستطيع – إذا أردت – أن تبدِّل الأحسن بالأسوأ؛ إذا لم ترضَ بالأسوأ وعملت لتغييره بروح التفاؤل.

العاقل والأحمق

الفرق بين العاقل والأحمق: أن العاقل ينظر دائماً إلى مدِّ بصره، والأحمق ينظر إلى ما بين قدميه.

فكر في مفاتيحها

إذا وقعت في أزمة مستحكمة، فاجعل فكرك في مفاتيحها لا في قضبانها.

العاجز والحازم

العاجز من يلجأ عند النكبات إلى الشكوى، والحازم من يسرع إلى العمل.

لا تركن إلى الأنين

من تهدَّم عليه البيت، فركن إلى الأنين، مات تحت الركام، ومن أمسك جراحاته بيد، والمعول بيد، إن استطاع، فإن سلمت له حياته عاش كريماً، وإن مات بعد ذلك، مات حميداً.

أنقذ ما يمكن

إذا حال دون نشاطك المعتاد حائل، من مرض أو سجن أو ظرف قاهر، فاستنقذ من نشاطك ما يمكن إنقاذه.

أتقن عملك

عمرك كله: هو اللحظة التي أنت فيها، فأتقن عملك ما استطعت، فقد لا تواتيك فرصة أخرى للعمل.

الاختلاف

في اختلاف الأصدقاء شماتة الأعداء، وفي اختلاف الإخوة فرصة المتربصين، وفي اختلاف أصحاب الحق فرصة للمبطلين.

دنيا المؤمنين

لكل إنسان دنياه الواسعة التي تجول فيها أحلامه ومطامعه تصول، والمؤمنون لهم دنيا واحدة محدودة بالحق الذي آمنوا به.

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي

متقدم عنه ولا متأخر

المتمسحون بالحق

قد يستفيد الحق من المتمسِّحين به من ذوي المطامع، فلا ضير على الحق أن يستعين بهم إذا احتاج إليهم، ألا ترى إلى الصدقات، جعل منها سهم للمؤلفة قلوبهم؟

لا تأمن...

لا تأمن من لم تملأ مراقبة الله قلبه، على وطن، ولا على فكرة، ولا على قضية، ولا على مال، فإنك لا تدري متى يميل به الهوى، فيخونك وهو يزعم أنه لك وفيٌّ أمين.

كارثة اجتماعية

خمسة يعتبر موتهم كارثة اجتماعية: الحاكم الصالح في قوم فاسدين، والعالم الناصح في قوم جاهلين، والمصلح المخلص في قوم غافلين، والقائد الشجاع في قوم متخاذلين، والحكيم الشيخ في أحداث طائشين.

توضيح المفاهيم

توضيح معالم الحق يجب أن يسبق الدعوة إليه، وإلا كثر المختلفون الذين يدَّعون أنهم يمثلون الحق، أو يدافعون عنه، وأكثرهم مبطلون أو مستغلُّون.

أسوأ..

الاجتماع على الضلال أسوأ من الاختلاف على الهدى، والتعاون على الجريمة شرٌّ من التخاذل عن الحق، ومسايرة الظالمين شر من الجبن عن مقارعتهم، والإيمان المشوب بالكفر أخطر من الكفر الصراح، والحرب مع التخاذل أضرُّ من إلقاء السلاح.

لا خير..

لا خير في حاكم لا يحكمه دينه، ولا في عاقل لا يسيِّره عقله، ولا عالم لا يهديه علمه، ولا قوي لا يستبدُّ به عدله.

أنت أحوج..

أنت أحوج إلى أن تستفيد مما علمت، من أن تعلم ما جهلت.

روح العصر وحماقاته

مقاومة روح العصر حماقة تستحق الرثاء، ومقاومة حماقات العصر حكمة تستحق الثناء، وإن كانت كلتا المقاومتين محكوماً عليها بالفشل غالباً، غير أن البطل الذي يستشهد في ميدان معركة خاسرة، أكرم من الأحمق الذي يموت في مقاومة عاصفة ثائرة.

وفر حظك من الشكوى

إذا اشتكيت إلى إنسان مرضك أو ضائقتك، ثم لم يفعل من أجلك شيئاً، إلا أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلا تشتكِ إليه مرة أخرى، فلو كان أخاً حميماً لأرَّقه ألمك، ولو كان رجلاً شهماً لبادر إلى معونتك، فوفِّر حظَّك من الشكوى لمن كان له حظ من المروءة.

الشكوى

الشكوى إلى غير أخ صادق، أو مواسٍ كريم، مهانة يستغلُّها عدو لئيم أو حاسد زنيم، ولو استطعت ألاَّ تشكو إلا إلى الرحمن الرحيم، كان أعظم لثوابك، وأضمن لمودة أصحابك.

نعم الله

مهما اشتدَّت آلامك، لفوات ما تحب من صحة أو مال أو خير؛ فإن ما بقي لك من نعم الله عليك، رأس مال كبير لمسرَّات لا تنتهي.

أشد الآلام

أشد الآلام على النفس: آلام لا يكتشفها الطبيب، ولا يستطيع أن يتحدث عنها المريض.

لا يوجد

أروني على وجه الأرض إنساناً "سعيداً" لا يكدر صفو سعادته مكدَّر، إلا أن يكون "مجنوناً".

لا تأتمن..

لا تأتمن على مالك طمَّاعاً، ولا على سرَّك كذاباً، ولا على دينك دجَّالاً، ولا على عقلك مخادعاً، ولا على سلامتك مغامراً، ولا على علمك غبيًّا، ولا على أهدافك ذكيًّا.

شر الفقر

شرُّ أنواع الفقر أربعة: الفقر في الدين، والفقر في العقل، والفقر في الصبر، والفقر في المروءة.

أيها المحزونون

أيها المحزونون: خلق الله الزهور والرياض، وجمال الكون لكم قبل غيركم.

أيها المرضى: خلق الله الشمس والهواء، والماء والغذاء لكم قبل غيركم.

أيها المحرومون: خلق الله أنفع الأغذية وأرخصها، لكم قبل غيركم.

أيها المضطهدون: خلق الله هذه الأرض الواسعة، لكم قبل غيركم.

أيها المظلومون: خلق الله السموات مفتحة الأبواب لدعواتكم قبل غيركم.

أيها المتألمون: خلق الله لكم فيما حولكم ما ينسيكم آلامكم وأحزانكم وعبراتكم.

أيها الحائرون: كل يوم يخلق الله لكم دليلاً عليه، فاستعملوا عقولكم.

أيها الملحدون: في عجزكم عن درء الأذى عن أنفسكم دليل على وجود خالقكم.

أيها الباحثون: في أنفسكم وفيما حولكم دليل حكمته وقدرته، فلا تغمضوا عيونكم.

أيها المؤمنين: في أسرار الوجود التي تتكشف يوماً بعد يوم دليل على صحة عقيدتكم.

جمال الحياة

جمال الحياة، أن ترضى عما أنت فيه، ويرضى العقلاء عما أنت عليه.

الأهواء

أكثر ضلال الناس من أهوائهم، لا من عقولهم.

هذا الكون

هذا الكون العظيم كتاب مطوي، لم يقرأ العلماء إلا كلمات من صفحة غلافه.

الأب وأطفاله

يفرح الأب بنمو أطفاله واكتمال فتوتهم وشبابهم، وما يدري أنهم عند ذلك يستعدون لخوض معركة الحياة بمشكلاتها وآلامها وجراحها، فهل هو فرح يا ترى لأن أعباءهم أوشكت أن تلقى عن عاتقه إلى عواتقهم؟

مناجاة!

يا حبيبي! وحقك لولا يقيني بحبك لعتبت عليك، ولولا علمي برحمتك لشكوتك إليك، ولولا ثقتي بعدلك لاستعديتك عليك، ولولا رؤيتي نعمك لاستبطأت كريم إحسانك، ولكني ألجمت الشك باليقين، والتسخط بالرضى، والتبرم بالصبر، فلك مني يا حبيبي رضا قلبي وإن شكا لساني، وهدوء نفسي وإن بكت عيوني، وإشراق روحي وإن تجهم وجهي، وأمل يقيني وإن يئس جسمي، فلا تؤاخذني بصنيع ما يفنى مني، ولك مما أعود به إليك ما تحب.

مناجاة!

يا حبيبي! ها أنا بعد خمس سنين لم ينفعني علم الأطباء، ولا أفادتني حكمة الحكماء، ولا أجداني عطف الأصدقاء، ولا آذتني شماتة الأعداء، وإنما الذي يفيدني بعد اشتداد المحنة؛ كسوة الرضا منك، وينفعني بعد القعود عنك؛ حسن القدوم عليك، ويخفف عني، جميل الرعاية لمن زرعتهم بيدك، وعجزت بمحنتي عن متابعة العناية بهم، ومن مثلك يا حبيبي في صدق الوفاء وجميل الرعاية، وحسن الخلافة؟ فإن قضيت في أمرك – وهو نافذ فيَّ لا محالة – فهم وأرضهم الطيبة أمانة عندك، يا من لا تضيع عنده الأمانات، ولا يخيب فيه الرجاء، ولا يلتمس من غيره الرحمة والإحسان.

دعاء!

اللهم إنا نسألك السداد في القول، كما نسألك الاستقامة في العمل، ونسألك الرضى منك كما طلبت منا الرضا منك، ونسألك سلامة القلب وإن مرض الجسم، وصحة الروح وإن اعتلت الجوارح، ونشاط النفس وإن عجزت الأعضاء، ونسألك استقامة نسلك بها سبيل الجنة، وهداية نقرع بها أبوابها، وتوفيقاً يسلكنا مع أصحابها، وكرامة تجعلنا مع الذين يحتلون أرفع جنباتها مع نبيِّك محمد صلى الله عليه وسلم وسائر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

القسم الثاني والعشرين

رويدك!

ومنتظر موتي ليشفي غيظه

رويدك إن الموت أقرب موعد

كلانا سيلقى الله من غير ناصر

فيحكم من منا الشقي ومن هدي

أغاطك مني شهرة ومحبة

من الناس أولتني قلادة سؤدد!

لعمرك ما ذاك الذي قد أهاب بي

إلى دعوة الإصلاح في ظلِّ أحمد

ولكنه الإخلاص والعلم والظما

وطول عناء الأمس واليوم والغد

أبى المجد أن يعنو لكل مضلَّلٍ

تسيِّره الأهواء خبطاً بفدفد[1]

فإن تكن الأيام أودت بصحتي

وعاقت خطى عزمي بكل مسدِّد

فما كنت خواراً ولا كنت يائساً

ولست بثاوٍ في فراشي ومقعدي

سأمشي إلى الغايات مشي مكافح

ألوذ بعزِّ الله من كل معتدِ

وأحمي لواء الحق من أن يدوسه

طغاة غدواً حرباً على كل مرشد

فمن ساءه عزمي على السير إنني

إلى الله ماضٍ فليطل هم حسَّدي

وإنْ يأس أحبابي عليَّ من الردى

لطول السرى, فالموت في الحق مسعدي

حاسب نفسك

حاسب نفسك على عيوبك، قبل أن تحاسب الناس على عيوبهم، وكن صادقاً مع نفسك في معرفة عيوبها، فالرائد لا يكذب أهله.

قيمة الإنسان

قيمة الإنسان بأهدافه، ومنزلته بأقرانه، وذوقه باختياره، وثروته بما يملك من قلوب، وقوته بما يحطم من هوى، وانتصاره بما يهزم من رذيلة، وكثرته بمن يثبت معه عند الشدائد.

معرفة الحق

من عرف الحق لذت عنده التضحيات.

صفاء الروح

بين الفضيلة والرذيلة صفاء الروح.

لا تستعجل

لا تستعجل الأمور قبل أوانها، فإنها إن لم تكن لك أتعبت نفسك، وكشفت أطماعك، وإن كانت لك أتتك موفور الكرامة، مرتاح البال.

أقسى الاستعمار

أقسى أنواع الاستعمار: استعمار العادة للإنسان.

الحرية

بدء الحرية أن لا تكون لك عادة تتحكم فيك.

الهزيمة!

كم عظيم هزم الجيوش، وهزمته عادة سيئة.

اللذائذ والأوهام

أكثر لذائذنا من صنع أوهامنا، ولولا ذلك لشقي الإنسان.

العادة

العادة تبدأ سخيفة، ثم تصبح مألوفة، ثم تغدو معبودة.

التقاليد

أكثر التقاليد من صنع أناس كان يرميهم المجتمع بالسخف أو الشذوذ، ثم ما لبث أن خضع لسخفهم وشذوذهم.

رداء الخير والشر

أكثر الناس لا يرون الشر لابساً رداءه، بل مستعيراً رداء الخير، ومن هنا يضلون.

الكرم الخالص

أكثر الناس الذين يستقبلونك في بيوتهم بحفاوة هم بخلاء ولو رأيت منهم بعض مظاهر الكرم؛ إنه كرم إجباري رخيص الثمن، والكرم الخالص: هو أن تشرك معك في مسراتك من استطعت أن تشركهم من المحتاجين؛ ببعض المال أو الطعام أو اللباس أو المواساة.

نحن والحضارة

لقد أفسدت هذه الحضارة أخلاقنا كمسلمين، وطبائعنا كعرب، حيث انمحت في مجتمعنا مظاهر الإيثار والتعاون والتراحم، وإنك لتقرأ عن الماضين وتسمع من المعمرين، من أخلاقنا في ذلك ما تجزم معه بأننا مسخنا خلقاً آخر.

الإفراط

الإفراط في الحزم ظلم، والإفراط في اللين ضعف، والإفراط في العبادة غلو، والإفراط في اللذة فجور، والإفراط في الضحك خفة، والإفراط في المزاح سفاهة، والإفراط في مسايرة النساء فسولة، والإفراط في مخالفتهن لؤم، والإفراط في الأكل نهم، والإفراط في النوم خمول، والإفراط في الكرم تبذير، والإفراط في الاقتصاد شح، والإفراط في الاحتراس وسواس، والإفراط في الاطمئنان غفلة، والإفراط في الجد يبوسة، والإفراط في الراحة كسل، والإفراط في العناية بالصحة مرض، والإفراط في إهمال الصحة موت، والإفراط في محاسبة الناس عداء، والإفراط في التسامح معهم ضياع، والإفراط في الغيرة جنون، والإفراط في الإغضاء جريمة.

ثواب الجهاد

لا تنتظر جزاءك من أمتك على ما قدمت لها من خدمات، فهي مهما كافأتك، فإنما تكافئك كفرد، وأنت أحسنت إليها كأمة، وانتظر الجزاء بما لا يفنى ممن لا يفنى.

• اتهامك أمتك بالجحود دليل على أنك أردت السمعة، ولم ترد وجه الله.

• لا يعجبك من الشهرة حلاوة التصفيق؛ فإن معها مرارة التصفير، ولا مدائح المعجبين؛ فإن فيها مناوح (جمع مناحة) الحاسدين.

هل هؤلاء عرب؟

زعموا أنهم عرب قوميون، ثم لم نرهم يقولون كلمة واحدة في ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم: ولادة أو هجرة أو فتحاً، كذبوا! لو كانوا عرباً حقًّا لهزتهم ذكرى باعث العرب، ومخلد مجدهم في التاريخ إلى أبد الآبدين.

الأخيار والأشرار

ترى! لمَ كتب على أكثر الأخيار أن يكونوا بسطاء، وعلى أكثر الأشرار أن يكونوا أذكياء؟

المغرور

عجباً لأمر الذكي المغرور! يرفعه الناس بأيديهم تشجيعاً له فيأبى إلا أن يئد نفسه بيده خرقاً منه!

جحود

لا تندم على أن شجعت من توسمت فيهم الخير، فصنعت منهم رجالاً، ثم جحدوك وحاربوك، فحسبك أنك قاومت في نفسك الأنانية، وحاولت زرع الورد، فما أنبتت التربة السبخة إلا شيحاً وقيصوماً.

اعتدل في التشجيع

اعتدل في تشجيع ذوي المواهب كيلا يقتلهم الغرور، فقلما اتسعت عقول الأذكياء من الفتيان للشهرة المبكرة، والمديح المغالي.

الطموح

الطموح إما أن ينمي المواهب والكفاءات، وإما أن يقتلها.

• طموح الأحرار خلود، وطموح العبيد انتحار.

• طموح العقلاء بناء، وطموح الحمقى تهديم.

• طموح الحكماء زيادة في عقل الإنسانية، وطموح المغامرين السفهاء زيادة في متاعبها.

• طموح العبقري المؤمن دفع بعجلة الركب الحضاري نحو الخير والسعادة، وطموح العبقري الفاجر دفع بها نحو الشر والشقاء.

من مراقد إلى مرابع

ترى! أيسوء الموتى أن يحوِّل الأحياء مراقدهم إلى مرابع للجمال، تشيع البهجة والراحة في النفوس التي أرهقتها هموم الحياة وأعباؤها؟ أو إلى مراكز للعلم والثقافة، يشع منها الوعي والنور ؟ (قيلت في مقابر حمص، وحولت إلى حدائق عامة يرتادها جمهور الشعب من الفقراء والعمال، ولي في هذه المقابر آباء وأجداد وأحبة وأصدقاء! )

الإنسان المعطاء

هذا الإنسان الكريم المعطاء الذي صنعته يد الله الكريم، عظيم الجود والعطاء كان في حياته يمنح الأرض بعقله ما يعمرها، وها هو بعد مماته يمنحها بتربته ما يزينها.

بيوت الله

نعم ما يفعلون اليوم! يحيطون بيوت الله بحدائق ذات بهجة ورياض، إن جمال الطبيعة من أعظم نعم الله على الإنسان، فما أجمل أن يكون الجمال الإلهي طريقاً إلى النور الإلهي!.. ( قيلت في الحدائق التي أقيمت حول مسجد خالد بن الوليد رضي الله عنه، في مدينة حمص )

يا أهل حمص!

يا أهل حمص! إن للبطل الخالد فضلاً عليكم حين اختار الثواء عندكم، فلا تقصروا في تمجيد ذكراه، فلولاه لما خلدت مدينتكم! ( لا تلتفت إلى ما يشغب به الحمويون ضد الحمصيين من أنه خالد بن يزيد لا خالد بن الوليد!)

روعة العظمة

يا لروعة العظمة تستمر مشرقة حية عبر الأجيال من غير نصب ولا تمثال! وكذلك علمنا الإسلام أن نجعل عظماءنا قلوباً تنبض، وحياة تتحرك، ونوراً يضيء، لا أحجاراً صامتة ترفع، ولا أموالاً نافعة تهدر.

الحضارات الوثنية

هذه الحضارات الوثنية والمادية، تنفق على العظماء بعد موتهم ما يحتاج إليه الأحياء في حياتهم.

نعطي الموتى ونمنع الأحياء

أليس من عظيم المفارقات في بلادنا، أن نعطي الموتى ما نمنعه عن الأحياء، وأن نكرم الماضين ونهين المعاصرين، وأن نمجد شخصاً ونحتقر شعباً؟!

العظماء الخرس!

الأمة التي لا تذكر عظماءها إلا حين تراهم خرساً لا يتكلمون، هي أمة بليدة الشعور، قليلة الوفاء، سريعة النسيان.

أيها المقلدون!

أيها المقلدون: إن خالد بن الوليد حي في نفوس رجالنا ونسائنا وأطفالنا، أكثر من حياة كل عظماء الأرض، في نفوس الأمم التي أقامت لهم النصب والتماثيل!!

هل من الاشتراكية؟

أيها الاشتراكيون المتحمسون لإقامة النصب والتماثيل: هل من الاشتراكية أن تهدر الأموال الطائلة في أبنية وتماثيل لتخليد عظماء، هم خالدون في أنفسنا، بدلاً من أن تكون هذه الأموال غذاء لجائع، وكساء لعار، وبيتاً لمشرد، وعلماً لجاهل، وقوة لضعيف؟ إن الاشتراكية قبل الدين تردعكم عن هذا لو كنتم لمعنى الاشتراكية فاهمين، وبها حقًّا مؤمنين!

هكذا يفعل التقليد

على قبر أتاتورك أنفقوا ثلاثين مليون دولار، مما يشحذون من دول الاستعمار، وشعب تركيا جائع متخلف عن ركب الحياة! هكذا يفعل حب التقليد بالضعفاء الأغبياء، يفقدهم تفكيرهم قبل أن يفقدهم قوتهم، ويوردهم البوار قبل أن يوردهم النار!

نريد سلاحاً لا زينة

العاقل الحازم من إذا علم أن له عدوًّا يتربص به في الطريق، اشترى بما معه سلاحاً يدفع عنه الخطر، لا زينة يتزين بها في المجالس، وأمتنا اليوم في حاجة إلى أسلحة مادية ومعنوية تنفق فيها أموالها، أكثر من حاجتها إلى تماثيل تزين بها مدنها.

أوسمة العظمة

من يعطي أوسمة العظمة، وألقاب الخلود؟ هل التاريخ الصادق، أم الدعاية الكاذبة؟ وهل الجماهير المخلصة، أم الأفراد المتعصبون؟

زهرات حول تمثال

حطت نحلة على زهرات غرست حول تمثال عظيم، فجنت منه عسلاً شربه بعض المرضى فشفي، فقالت النحلة: ليت لي بدل كل تمثال زهرة، وقال المريض: ليتهم يحيون ذكرى العظماء بزهور يغرسونها كل عام!

الأوهام في عصر العلم

حوَّم طائر معمر في السماء - كان قد أفلت من سفينة نوح ولم يدركه الموت بعد - ثم طاف حتى لف أجواء الأرض كلها، فلما عاد إلى عشه، سأله طائر حدث كان يحاوره: كيف رأيت الأرض بين الأمس واليوم؟ قال الطائر المعمر: لقد تبدلت الأرض غير الأرض في عمرانها وحضارتها، ولكنها لا تزال كما كانت في أوهامها وخرافاتها، قال الطائر الحدث: وكيف ذلك؟ قال الطائر المعمر: لم يكن على الأرض في عهدنا أيام نوح إلا بضعة أصنام تعبد من دون الله، وكان الناس يومئذ بدائيين جاهليين، ولكني وجدت الأرض اليوم بعد عهد الإنسان بآلاف السنين من العلم والحضارة تغص بملايين التماثيل، ما بين أصنام تُعبد، وما بين أنصاب تُمجد، وكانت الأصنام والأنصاب في عهدنا تراباً وأخشاباً وأخجاراً، فأصبحت اليوم معادن ومبادئ ورجالاً، ويخيل إليَّ أن الإنسان في عصر العلم ألبس أوهامه الجاهلية ثياباً علمية، ويخيل إليَّ أيها الطائر الفتى أن أوهام الإنسان كثيراً ما تغلب على علمه وتوجه عقله!

فقد أعانك...

إذا أصابك بسوء فملأ نفسك صبراً، وقلبك رضاً، وأطلق لسانك حمداً، وغمر روحك إشراقاً وطمأنينة، فقد أعانك.

أمور نسبية

ما تشكوه من بلائه لك، قد يراه غيرك رحمة منه له.

الزواج المبكر

الزواج المبكر متعب في بدايته، مريح في عاقبته.

لا تؤخر الزواج

لا تؤخر الزواج لقلة ذات يدك، أنت لست الذي ترزق زوجك وأولادك، إنما يرزقهم من يرزق الطير في السماء والسمك في الماء.

[1] الفدفد: الصحراء الواسعة.

القسم الثالث والعشرين

أكبر عند الله

خفقة قلب من أب أو أم على ولدهما الصغير المحموم، وقطرة دمع في عيونهما على ولدهما الوَجِع المكروب، ربما كانت أكبر عند الله وأثقل في الميزان من عبادة سنوات وسنوات.

ضريبة الحياة

الزواج والإنجاب ضريبة الحياة، دفعها آباؤنا قبلنا، وندفعها نحن بعدهم، ويدفعها أبناؤنا بعدنا، تلك هي سنة الله وإرادته.

لا تلوموا الزمان

لا تلوموا الزمان، فإنه جميل لولا أن شوهته أطماعكم.

الزمان والحقيقة

الزمان أعظم مما فيه، والمكان أوسع ممن عليه!

نحن والزمان

الزمان مرآة نرى فيها أنفسنا على حقائقها.

داء الإنسانية

الطمع داء الإنسانية الأكبر، أفراداً وشعوباً وحكومات.

ذكريات

ثلاث ذكريات لا تنقطع حلاوتها: ذكرى الطفولة البريئة، وذكرى الزواج السعيد، وذكرى النجاح في كل ما تحاول من أمر عظيم.

البيئة الأولى

لا يعرف الإنسان فضائل بيئته الأولى أو نقائصها إلا بعد أن يعيش في بيئة أخرى، ثم إن له إليها حنيناً دائماً:

كم منزل في الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبداً لأول منزل

إنما يعرف الشيء بضده

كلما ارتفع الإنسان، عرف مقدار الوهدة التي كان فيها.

المحيط والتفكير

كلما اتسع محيط الإنسان، اتسع أفقه الفكري، وكلما ضاق محيطه ضاق تفكيره وسما خلقه، فهل ترانا نفضل سعة الأفق على حسن الخلق إذا لم يمكن الجمع بينهما؟ أم إلى ذلك سبيل؟

السعادة وتقدم الحضارة

عهدنا الناس في أيام طفولتنا أكثر بساطة في المعيشة، وأقوم أخلاقاً في المعاملة، وأقل رقيًّا في الحضارة، وأنعم سعادة في الحياة، فلما تقدمت بهم الحضارة، ضعف ذلك كله، أفهذه طبيعة كل حضارة؟ أم هي من خصائص هذه الحضارة الغربية؟ ولو خير الناس بين حالهم الأول وحالهم اليوم، ترى ماذا كانوا يختارون؟ وفي ظني أن أكثر المخضرمين يفضلون أمسهم، وأن جمهور المحدثين يفضلون يومهم، أما أنا فأفضل السعادة في كوخ حقير على مشكلات الحضارة في قصر كبير.

السرور والمسؤولية

السرور في الحياة ملازم لانعدام الشعور بالمسؤولية، ألست ترى الشباب يفيض بالسرور، والكهولة تفيض بالأحزان؟

انتشار الوعي

لست أُسرُّ لشيء في حاضرنا أكثر من انتشار الوعي في كل شؤون حياتنا.

شيء فقدناه

لست آسى على شيء فقدناه من ماضينا أكثر من مظاهر احترام الدين والحياء في مجتمعنا.

لا يجتمعان في هذه الحضارة

شيئان لا يجتمعان للمرء في ظل حضارة الغرب: رفاهيته المادية وفضائله الخلقية، وشيئان لا يجتمعان للأمة في ظلها أيضاً: تقدمها الحضاري، وتماسكها العائلي.

العلماء في الماضي والحاضر

كان العلماء في عهد طفولتنا يملأون الأندية كثرة، ويملأون الصدور هيبة، ثم كانوا في عهد شبابنا، يملأونها كثرة ولا يملأونها هيبة، أما الآن: فلا وجود للعلماء، ولا هيبة للأدعياء.

هل يصبحون مثلنا؟

ترى! أيأتي على أطفالنا يوم يرون فيه أيامهم التي يحيونها اليوم، أجمل من أيامهم التي يحيونها غداً؟

التحرر

الانطلاق من تقاليد المجتمع وتعاليم الدين جميل في أهواء النفس، خطير في أحكام العقل.

تزمت بغيض

بعض المتزمتين يرون في رغبات الناس في التمتع بالهواء الطلق، والحدائق العامة، والمنتزهات على الأنهار والبحيرات، انطلاقاً من قيود الأخلاق، ولو كان الأمر كما يرون، لما قال الله في كتابه: ? قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق?؟

سجن الأوهام

كثيراً ما يصنع من أوهامه، سجناً يمنعه من الحركة والانطلاق.

الإنسان والحيوان

الإنسان أشرُّ حيوان في شهواته، وأبرعه حيلة في الوصول إليها.

ذكريات الطفولة

يا ذكريات الطفولة! أنا أعلم أنك لن تعودي، ولكني أشعر أنك لن تفارقيني.

أكثر ما يكون...

أكثر ما يكون الإنسان ذِكْراً لأيام طفولته، في أيام كهولته، وأكثر ما يكون ذكراً لأيام شبابه في أيام شيخوخته، وأكثر ما يكون ذكراً لغناه في أيام فقره، وأكثر ما يكون ذكراً لجاهله في أيام خموله، وأكثر ما يكون ذكراً لصحته في أيام مرضه، وأكثر ما يكون ذكراً لأعماله في أيام بطالته، وأكثر ما يكون ذكراً لأفراحه في أيام أحزانه، وأكثر ما يكون لجهاده في أيام نسيان الناس له، وأكثر ما يكون ذكراً لفضائله في أيام تحامل الحاسدين عليه، وأكثر ما يكون ذكراً لإقبال الدنيا عليه في أيام إعراضها عنه.

الغفلة في أيام النعمة

أكثر ما يكون الإنسان غفلة عن نعم الله حين يكون مغموراً بتلك النعم.

• لا يُعرف فضل النعمة إلا بعد زوالها، ولا فضل العالم إلا بعد فقده، ولا موت المصلح إلا بعد موت أقرانه، ولا قيمة العظيم إلا بعد قرون من تفقد المجتمع له.

لكل بلد طابع

سبحان الله! جعل لكل بلدة طابعاً يُعرف به أهلها: فطابع دمشق: الدماثة والاستئثار، وطابع حمص: الصفاء[1] والإيثار، وطابع حماة: الحمية واللدد[2]، وطابع حلب: الوفاء والإمساك، وطابع دير الزور: الصراحة والجفاوة، وطابع اللاذقية: البساطة والتقلب.

فوائد الضحك والمرح

ربما كان الضحك دواء، والمرح شفاء، وقلة المبالاة مناجاة لمن أورثته كثرة الأعباء شدة الأمراض.

غفلة

أكثر الناس لا يرون الماضي إلا في الحاضر، ولا المستقبل إلا بعد الانتهاء منه.

حبل مقطوع

من حاسب الناس على عواطفهم نحوه، كان بينه وبينهم حبل مقطوع، وهوة لا يمكن عبورها.

لكل شيء ثمن!

قلَّ من استطاع أن يعيش بين الناس سالماً، إلا على حساب حريته وكرامته، وقلَّ من استطاع أن يعيش بينهم محبوباً، إلا على حساب طموحه ومصلحته.

مفيد وضار

كثرة الضحك والمرح والمزاح، مرض للصحيح وصحة للمريض.

بين الحزم واللين

إذا لم تحزم أمرك مع زوجك قتلتك رغباتها، وإذا لم تكن معها رفيقاً قتلتها شدتك، وتكون أسعد الناس إذا حملتها على السير معك، وهي راضية ضاحكة.

كيف تكتسب مودة الناس

لا تكتسب مودة الحكيم إلا بالتعقل، ولا العالم إلا بالملازمة، ولا السفيه إلا بالمداراة، ولا البخيل إلا بالزهد، ولا الزعيم إلا بالطاعة، ولا الطاغية إلا بالذلة، ولا المرأة إلا بالإنفاق، ولا الشاعر إلا بالإعجاب، ولا المرح إلا بالابتسام، ولا المغرور إلا بالثناء ولا التقي إلا بالاستقامة، ولا الشجاعة إلا بالبأس، ولا المصلح إلا بالتضحية، ولا الثرثار إلا بالإصغاء، ولا المغني إلا بالتأوه والتمايل عند الغناء.

بمَ ينمو العقل؟

لا ينمو العقل إلا بثلاث: إدامة التفكير، ومطالعة كتب المفكرين، واليقظة لتجارب الحياة.

بمَ يصلح العلم؟

لا يصلح العلم إلا بثلاث: تعهد ما تحفظ، وتعلم ما تجهل، ونشر ما تعلم.

بمَ يفيد الوعظ؟

لا يفيد الوعظ إلا بثلاث: حرارة القلب، وطلاقة اللسان، ومعرفة طبائع الإنسان.

بمَ يثمر الإصلاح؟

لا يثمر الإصلاح إلا بثلاث: دراسة المجتمع، وصدق العاطفة، ومتابعة السير.

بمَ تدوم النعمة؟

لا تدوم النعمة إلا بثلاث: شكر الله عليها، وحسن الاستفادة منها، ودوام العناية بها.

بمَ تصدق الأخوة

لا تصدق الأخوة إلا بثلاث: أن تغار على عرضه كعرضك، وأن لا تكتم عنه سرًّا، وأن ترى حقه عليك في نجدته أقوى من حق أولادك في إمساك مالك.

بمَ يجمل المعروف؟

لا يجمل المعروف إلا بثلاث: أن يكون من غير طلب، وأن يأتي من غير إبطاء، وأن يتم بغير منة.

بمَ تكمل الرجولة؟

لا تكمل الرجولة إلا بثلاث: ترفع عن الصغائر، وتسامح مع المقصرين، ورحمة بالمستضعفين.

بمَ يحلو الجمال؟

لا يحلو الجمال إلا بثلاث: صيانة عن الابتذال، ومودة للأطهار، وعفة مع الفجار.

بمَ تحصل السعادة؟

لا تحصل السعادة إلا بثلاث: صيانة الدين، وصحة الجسم، ووجود ما تحتاج إليه مادة أو معنى.

بمَ تثاب على العبادة؟

لا ثواب للعبادة إلا بثلاث: إخلاص لله، وحضور مع الله، ووقوف عند حدود الله.

بمَ يتحقق النجاح؟

لا يتحقق النجاح إلا بثلاث: تحديد الهدف بدقة، واحتمال المشاق والمكاره، والاستهانة بالعوائق والأخطار إلى حد معقول.

بمَ تتم المحبة لله؟

لا تكون المحبة في الله إلا بثلاث: أن يكون القلب في الهجر كحاله في الوصل، وأن تكون المعاملة في الغضب كما هي في الرضا، وأن لا تزداد في العطاء وتنقص في الحرمان.

[1] هو التعبير الصحيح عن وصف الحمويين للحمصيين تحاملاً بالغفلة (أو بالجذبة).

[2] هو التعبير الصحيح عن وصف الحمصيين للحمويين تحاملاً بالحقد واللؤم. واللدد هو العنف في الخصومة.

القسم الرابع والعشرين

بمَ يكون الغضب لله؟

لا يكون الغضب لله إلا بثلاث: أن لا يفرق فيه بين قريب وبعيد، وأن لا يغير منه ترهيب ولا تهديد، وأن لا يكون للنفس فيه دافع من شهرة أو انتقام.

بمَ يكون الجهاد؟

لا يكون الجهاد في سبيل الله إلا بثلاث: أن تكون الشهادة فيه أحلى من السلامة، وأن يكون خمول الذكر فيه أحب من الشهرة، وأن يكون النيل من جسم العدو أحب من النيل من أرضه وماله؛ إلا أن ترجى هدايته أو منفعته.

بمَ يقع التواضع موضعه؟

لا يقع التواضع موضعه إلا بثلاث: أن يكون من تتواضع إليه مستحقاً لهذا التواضع، وأن يكون عارفاً بقيمته، وأن لا يلتبس التواضع بالذلة عند من يشاهدونه.

بمَ ينبل السخاء؟

لا ينبل السخاء إلا بثلاث: أن لا يكون جزاء لمعروف، وأن لا يكون ارتقاباً لمعروف، وأن تكون الرغبة في ثواب الله عليه أقوى من ثناء الناس فيه.

بمَ تحمد الشجاعة؟

لا تحمد الشجاعة إلا بثلاث: أن تكون لمصلحة عامة، وأن تكون لغرض كريم، وأن لا تكون أمام جبان لئيم.

بمَ يعظم الشرف؟

لا يعظم الشرف إلا بثلاث: بسطة في اليد، ونبل في الخلق، وإشراق في الروح.

بمَ يحفظ المال؟

لا يحفظ المال إلا بثلاث: جمعه من غير ظلم، وإنفاقه في غير سرف، وإمساكه من غير شح.

بمَ ينفع الحلم؟

لا ينفع الحلم إلا بثلاث: أن يكون عن قدرة، وأن يقع على كريم، وأن يؤدي إلى خير عميم.

كثرة.. وقلة

لي أصدقاء كثيرون وليس لي إلا بضعة إخوان.

حين يساء فهم الدين

حين تضيع معاني الدين وتبقى مظاهره، تصبح العبادة عادة، والصلاة حركات، والصوم جوعاً، والذكر تمايلاً، والزهد تحايلاً، والخشوع تماوتاً، والعلم تجملاً، والجهاد تفاخراً، والورع سخفاً، والوقار بلادة، والفرائض مهملة، والسنن مشغلة.

وحينئذ يرى أدعياء الدين، عسف الظالمين عدلاً، وباطلهم حقًّا، وصراخ المستضعفين تمرداً، ومطالبتهم بحقهم ظلماً، ودعوة الإصلاح فتنة، والوقوف في وجه الظالمين شرًّا.

وحينئذ تصبح حقوق الناس مهدرة، وأباطيل الظالمين مقدسة، وتختل الموازين، فالمعروف منكر، والمنكر معروف.

وحينئذ يكثر اللصوص باسم حماية الضعفاء، وقطاع الطرق باسم مقاومة الظالمين، والطغاة باسم تحرير الشعب، والدجالون باسم الهداية والإصلاح، والملحدون بحجة أن الدين أفيون الشعوب.

فضل المال

المال يكشف زيف النفوس، وزغل القلوب، ومرض الضمائر، وانحلال الأخلاق.

كذب الداعية

من علامة كذب الداعية: غرامه بالترف والرفاهية، وجوعه إلى الشهوة واللذة، والتصاقه بالخائنين والمفسدين.

الحق والباطل

الحق الذي يستنصر بالباطل، يسيِّره الباطل كما يشاء.

الشهوة مفتاح

الشهوة مفتاح الشيطان لقلوب المستقيمين.

الشهوة ومضارها

الشهوة عقبة تمنع المريدين من الوصول إليه، وحجاب يحول دون الواصلين عن شدة القرب منه، وظلمة تفر منها بصيرة العارفين، وشبكة يعصم الله منها قلوب المقربين.

مناجاة!

إلهي! جلت رحمتك عن أن تترك المحزونين صرعى آلامهم حتى يدركهم اليأس، وجلت قدرتك عن أن تدع المصابين أسارى محنتهم حتى يدركهم الفناء، وجلت حكمتك عن أن تبتلي الطائعين بما يعجزهم عن طاعتك، وتمد الفاجرين بما يغريهم بعصيانك، إلا أن تكون ادخرت للعاجزين خيراً من ثواب طاعتهم، واستدرجت الفاجرين بما يضاعف عقوبتك لهم على قبيح عصيانهم، وجلت عدالتك عن أن تعاقب المقصرين النادمين على تقصيرهم، وتترك الغاوين السادرين في غوايتهم، وجلت صمديتك عن أن لا يجد في حماك المستغيثون ملاذاً مهما عظمت جريرتهم، وجلت وحدانيتك عن أن تلجئ الحيارى إلى غير بابك، أو أن تسقي السكارى غير شرابك، أو أن ترد القاصدين إليك عن شرف الوصول إلى قدس أعتابك، يا من أمد الحمل في ظلمات الرحم بما تتم به حياته، وأمتع الرضيع ببصره وسمعه وعقله بعد أن كان لا يملك منها شيئاً، يا من أبدع السموات والأرض، وسخر ما فيهما للإنسان، وكل شيء عنده بمقدار، يا من وسعت رحمته كل شيء، أبسط يد الرحمة لعبادك الذين سدت في وجوههم أبواب الخلاص إلا أن يكون عن طريقك، وأسبغ على نفوسهم برد الرضى بقضائك، والصبر على بلائك، وأمدهم بالعون على ما هم فيه، حتى يخلصوا إليك راضين عنك راضياً عنهم، وعوضهم خيراً مما أخذت منهم، وأنزلهم داراً خيراً من دارهم، وآنسهم بجوار خير من جوارهم، وأحباب خير من أحبابهم، وأخلفهم فيمن خلفوا من فلذات أكبادهم، إنك نعم الخليفة في الأهل والولد، وأنت نعم المولى ونعم النصير.

هموم الغد

لا تثقل يومك بهموم غدك؛ فقد لا تجيء هموم غدك؛ وتكون قد حرمت سرور يومك.

الخير والشر

الخير حمل وديع، والشر ذئب ماكر، فانظر هل يسلم الحمل من الذئب، إلا أن وراءه قوة تحميه؟.

مصيبة الحق في جنوده

أعظم مصيبة للحق في جنوده اليوم: فتور عزائمهم، وقد كانوا في صدور الإسلام يكهربون الدنيا بنبضات قلوبهم.

رقة القلب قد تمرض

إذا أمرضتك رقة القلب ودقة الإحساس، فشفاؤك في قساوة قلبك، واستعن على ذلك بأن تذكر أن كل شيء بقضاء وقدر، وأن حزنك وألمك لا يدفعان المقدور، ولكن يزيدان في مرضك وآلامك.

ستة تهون المصيبة

ستة أشياء إذا ذكرتها هانت عليك مصيبتك: أن تذكر أن كل شيء بقضاء وقدر، وأن الجزع لا يرد عنك القضاء، وأن ما أنت فيه أخف مما هو أكبر منه، وأن ما بقي لك أكثر مما أخذ منك، وأن لكل قدر حكمة لو علمتها لرأيت المصيبة عين النعمة، وأن كل مصيبة للمؤمن لا تخلو من ثواب أو مغفرة، أو تمحيص، أو رفعة شأن، أو دفع بلاء أشد، وما عند الله خير وأبقى.

طبيعة المرأة

المرأة هي المرأة، منذ حواء حتى تنتهي الحياة على الأرض: زينتها حياتها، ومن ثمة فحياة البيت بأن تكون زينته، وحياة المجتمع بأن تكون أنثاه فحسب، وكل كلام غير هذا عبث، ترده طبيعة المرأة نفسها.

يأكلون أنفسهم

الذين يتجاوزون حدود الخلق والدين في جمع الأموال، يأكلون أنفسهم وهم لا يشعرون.

أيهما أقل سوءاً

ترى أيهما أحسن أو أقل سوءاً: صالح لا ينهض لواجب، أم طالح يؤدي الواجب على غير وجهه؟!

علامة صدق الأخوة

إذا أردت أن تختبر صدق أخ في مودته، فمد يدك إلى جيبه، ثم انظر إلى وجهه وعينيه[1] .. ولا حاجة بك بعد ذلك إلى دليل.

قلة وكثرة

لا تغتر بكثرة من ترى حولك من المعجبين والمحبين في أيام الرخاء، فقد لا ترى منهم في أيام المحنة إلا نصف أخ أو ربعه، أما أنا فلم أجد في ألوفهم غير بضعة إخوان.

مولود جديد!

مولود جديد أطل على الدنيا باكياً.. لم يشعر به إلا أبواه وأقرباؤه.. ولكنه زاد في ميزانية والده نفقات، فزاد في ميزانية الدولة نفقات، فزاد في ميزان الدفع والمقايضة العالمي،.. وزاد في استهلاك المواد الغذائية في العالم،.. وزاد في عدد سكان كوكبنا المتحرك، الذي يئن بسكانه الحاليين... وزاد .. وزاد .. هذا المولود الصغير.. الذي لم يشعر بولادته إلا أفراد قلائل.

بكاء الوليد

لمَ ولد باكياً مع أنه فارق الظلمة إلى النور؟ وضيق الرحم إلى سعة الدنيا؟ قالوا لأنه فارق مكانه الذي ألفه.. وما هو بذلك، ولكنه تألم، لأنه عانى ضغط الخروج على أعضائه الغضة اللدنة، فصرخ.. ضغط عليه فتألم فصرخ.. هذه هي طبيعة الإنسان الحي، بل قل: إنها أول ما يبدو من طبائع الإنسان وخصائصه منذ أن يستقل في وجوده عن أي إنسان آخر... فالشعور بالحرية ملازم لشعور الإنسان بالحياة.. والشعور بالاضطهاد ملازم لشعوره بالحرية.

خواطر حول مولود

يا وليدي الجديد! لست أدري لِمَ لم أفرح كثيراً بولادتك، كما فرحت بإخوتك وأخواتك؟ أهو لأني مريض متألم؟ أم لأني حزين متشائم؟ أهو لأن معين السرور قد غاض في نفسي، فما عدت أشعر بدواعي الفرح تهزني كما كانت من قبل؟ ولمَ ذلك؟ ألأني فارقت الشباب؟ أم لأني أتحرك وأحس وأعمل بنصف ما يعمل الرجل الصحيح ويحس ويتحرك؟ أم لأن تجارب الحياة علمتني أن أكثر أفراحنا من صنع أوهامنا، وأكثر ملذاتنا تولد في خيالاتنا قبل أن تشعر بها جوارحنا؟ أم لأن الزمان الذي نعيش فيه كثر هرجه، والأرض التي نسرح عليها كثرت فتنتها، والأمة التي ننتمي إليها أثخنتها جراحها؟.

لا يا وليدي الحبيب! ما أحسب ذلك كله الذي خفف من فرحتي بقدومك، وقد يكون بعض ذلك من بعض، ولكن أمراً واحداً قد يكون أقوى أثراً من كل ما ذكرت، ذلك أني منذ أصبت بهذا المرض – منذ خمس سنوات وشهر تقريباً – وأنا أفكر في عجزي عن تربية إخوتك وأخواتك كما أحب: جنوداً في سبيل الله، ليوثاً في نصرة الحق، بحوراً في فعل الخير، زهرات فواحة في حسن الأحدوثة وجميل الأثر، وها أنت يا بني زدتهم واحداً فأصبحتم ستة، فإن يحل بيني وبين ما أحب لكم، أمر من الله قضاه، فبحسبي هدوءاً أن أعتقد أن لكم عند الله طريقاً أمضاه، ولو أني كنت في مقتبل العمر وعنفوان الشباب، وربيع الفتوة لما استطعت أن أنقض ما أبرم فيكم، أو أحول ما أراد لكم، وبحسبي نبية الخير وإن لم أستطعه، وعزم الرشد وإن عجزت عنه، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.

فرح الزوج

الزوج الوفي المحب يفرح بولادة زوجته مرتين: مرة لأنها ولدت له مولوداً، وأخرى لأنها سلمت في ولادتها، ولن أنسى فقد أخت حبيبة وهي على فراش الولادة يرحمها الله، لقد عرفت يومئذ معنى اللوعة على فقد الأحبة، لأول مرة في حياتي، ولأول مرة أبكي عن أبي مع أبي يرحمه الله، وقد هدَّه الحزن عليها، وهو شيخ كبير، وأنا بعد لم أعرف معنى الأبوة ولا دخلت عتبتها، فما أشد فرحة الزوج الأب بولادة زوجته الأم، وسلامتها له ولأطفاله الذين ما يزالون كأفراخ القطا!.

الولد والأم

أما والله لا أعرف في الدنيا جزاء يمكن أن يكافئ الولد به أمه، لأني لا أعرف في الدنيا إنساناً أحسن إلى الولد وعرض حياته وراحته وسلامته من أجله، كما فعلت له أمه.. ومع هذا يضيق بها ذرعاً حين تكبر وتهرم! يا للعقوق!.. يا للكفران.

القسوة على المرأة

ما أقسى أفئدة الذين يريدون للمرأة أن تعمل لتكسب قوتها، وهي تعاني من شدائد الحمل والولادة والحضانة والإرضاع لطفل واحد، بله أطفال آخرين، وغير شؤون البيت وأعبائه! ما أقسى أفئدتهم وأغلظ أكبادهم! ولولا الحياء لقلت إنهم متوحشون، يتلذذون بتعذيب المرهقين! واستعباد المستضعفين!.

ريحانة الدنيا

الزوجة المؤمنة العفيفة، الولودة الودودة لزوجها وأطفالها، ريحانة الدنيا كما رأينا، وأنا لا أشك في أنها ستكون ريحانة الآخرة كما علمنا..

فضل المرأة المسلمة

رضي الله عن أمهاتنا وزوجاتنا المتفيئات ظلال الإسلام، العاملات بأحكامه، فوالله ليوم من أيام الواحدة منهن، يعدل في إنسانيته وجلاله وطهره، عمراً كاملاً من أعمار أولئك اللاتي يتفيأن ظلال هذه الحضارة الفاجرة الغادرة المتمردة المبدلة لصنع الله.

دهشة!

أنا لا أزال في دهشة من أمر الأعرابيات في حملهن وولادتهن.. إنها لفي شهرها التاسع وهي أشد ما تكون ثقلاً وعناء بجنينها، وهي مع هذا أشد ما تكون إمعاناً في عملها أو ترحالها في الصحاري والقفار، حتى إذا جاءها المخاض، تنحت عن الطريق قليلاً، فولدت وقطعت حبل السرة لوليدها بالحجر، ثم لفته وألقته على ظهرها وتابعت السير، كأن شيئاً لم يحدث، ولا يعلم أحد ممن في الركب من أمرها شيئاً. ونساؤنا المدنيات تحشد لولادتهن القابلة أو الطبيب، والمساعدة من ممرضة أو قريبة، وتسعف أثناء المخاض بكل ما وصل إليه الطب الحديث من وسائل التيسير وتخفيف الآلام، وتعقيم الأدوات والآلات والأربطة والعلاجات، فإذا ولدت ظلت في فراشها في البيت أو في دار التوليد أياماً لا تغادر سريرها إلا لماماً، وتظل بعد ذلك أياماً أُخر لا تأتي من أعمال البيت إلا بأيسرها وأخفها، والكل يشفقون عليها أن تنزعج أو ينزعج الوليد مدة نفاسها، خشية أن ينالها ما لا تحمد عقباه.

فما السر في هذا الفرق العجيب بين المدنيات والبدويات؟! أهو ترف الحضارة الذي يضعف في الجسم المقاومة؟ وخشونة البداوة التي تقوي فيه المناعة والقدرة على تحمل المشاق؟ فإن كان هذا هو سر الفرق بين الأمِّين، فما هو سر الفرق بين الوليدين؟ أيولد ابن البدوية محصناً ضد الضعف والمرض، فلا يتعرض لما يتعرض له أطفال المدن بعد ولادتهم، مما يحتاجون معه إلى عناية الطبيب وسهر الأم أو الحاضنة؟ وإن كان هذا صحيحاً، أفليست البداوة أسلم عاقبة من الحضارة، وأكثر سلامة، وأوسع أمناً؟ وهل يتساوى ما تسلبه منا الحضارة مع ما تمنحنا إياه؟ أيًّا ما كان الأمر فلن نفضل البداوة على الحضارة! إن الإنسانية لن تتطلع إلى الوراء.. البعيد.. البعيد.

تطاول وغرور

بدء حياة الإنسان ونهايتها مما حارت فيه عقول الفلاسفة منذ عرف تاريخ الفكر الإنساني حتى الآن، ومع ذلك فهذا الإنسان الذي لم يعرف كيف تبدأ حياته وكيف تنتهي، يريد أن يعرف كنه الله وأين هو؟ ويتساءل: لمَ لا يراه؟ يا لغرور الجاهلين!.

فضل الأم وجحود الولد

ليس في الدنيا إنسان يتحمل العذاب راضياً مختاراً في سبيل غيره، كالأم في سبيل ولدها، وليس في الدنيا إنسان يتعرض للجحود ونكران الجميل، كالأم من ولدها، وهذا من أعجب مفارقات الحياة.

مرارة الغدر

الغدر لا يثمر إلا مرًّا، وأول من يغص به آكله.

أمران

أمران لا يدومان في إنسان: شبابه وقوته، وأمران لا يتغيران في إنسان: طبعه وشكله، وأمران يكبران معه: عقله وعمله، وأمران يصغران كلما كبر: حافظته، وجلده، وأمران لا يخجل منهما أي إنسان: ملء معدته، وقضاء حاجته، وأمران يخجل منهما كل إنسان: السرقة والخيانة، وأمران ينفعان كل إنسان: حسن الخلق وسماحة النفس، وأمران يضران كل إنسان: حسد ذوي النعم والحقد على أهل المواهب، وأمران تضر الزيادة فيهما والنقصان: الطعام والشراب، وأمران تضر الزيادة فيهما ويحسن النقصان: العادة والتقاليد، وأمران تحسن الزيادة فيهما ويضر النقصان: العبادة والإحسان، وأمران يضران صاحبهما مادياً وينفعان الناس: بذل المال في المكارم وبذل الحياة في سبيل الله، وأمران ينفعان صاحبهما مادياً ويضران الناس: الاحتفاظ بسر المهنة والاحتفاظ بنجاح التجربة، وأمران يحبهما كل الناس: المال والجمال، وأمران يكرههما كل الناس: الظلم والفساد، وأمران يولع بهما كل إنسان: النفس والولد، وأمران يجزع منهما كل إنسان: الفقر والموت، وأمران يجري وراءهما كل الناس: الوهم والخيال، وأمران يفر منهما كل الناس: المرض والجوع، وأمران يحب أن يراهما كل الناس: البطل والمهرج، وأمران يحب أن يساكنهما كل واحد من الناس: الصحة والسرور، وأمران يحب أن يسمعهما كل واحد من الناس: الصوت الحسن والبشارة الحسنة، وأمران يحب أن يحوزهما كل واحد من الناس: الشهرة وثناء الناس.

الذوق موهبة

الذوق موهبة وراء العقل والفطنة والذكاء، وهو لهذه كالملح للطعام، والروح للجسم، وكثيرون هم الذين فشلوا في الحياة، لفقدانهم هذه الموهبة، من غير أن ينقصهم علم أو ذكاء.

[1] كناية عن أثر استجابته لحاجتك إلى ماله.

القسم الخامس والعشرين

جنون خفي

بعض الناس يبدون في تمام العقل، وهم في الواقع مصابون ببعض أنواع الجنون الخفي الذي لا يظهر إلا في تصرفاتهم الشاذة، فسم ذلك إن شئت جنوناً أو شذوذاً أو حمقاً أو خفة أو طيشاً، فكل ذلك يقابل العقل، وليس غير العاقل إلا المجنون!

أسوأ المرض

أسوأ أنواع المرض: أن تبتلى بمخالطة غليظ الفهم، محدود الإدراك، بليد الذوق، لا يفهم ويرى نفسه أنه أفهم من يفهم، فكيف إذا كتب عليك أن تخالطه وأنت مريض؟

ملل النفس

النفس الإنسانية ملولة تحب الجديد من كل شيء، والطريف من كل شيء، حتى ولو كان الذي ملته أحسن وأجمل، وهذا هو سر انتشار "الموضات" على ما في أكثرها من قبح وبشاعة.

حب اللهو

النفس الإنسانية تحب اللهو وتكره الجد، وهذا هو السر في ندرة العظماء وكثرة الماجنين والعابثين، في الأذكياء والعقلاء.

خلطة وعزلة

معاشرة الناس لإرشادهم، من عمل الأنبياء، واعتزالهم للتفكير في أمورهم، من شأن الحكماء، فاحرص على أن لا تفوتك مع خلق النبوة خصائص الحكمة.

الخلوة

خلوة ساعة بينك وبين ربك قد تفتح لك من آفاق المعرفة ما لا تفتحه العبادة في أيام معدودات.

لا ترجئ عملك

من أماني النفس الباطلة، أن ترجئ العمل إلى وقت تكون فيه أكثر فراغاً أو أكثر نشاطاً، فإنك لا تدري أيأتي الوقت كما تتمناه نفسك، أم يفوتك العمل في الوقتين معاً!

استعن بالله

كل عسير إذا استعنت بالله فهو يسير، وكل يسير إذا اعتمدت فيه على نفسك أو أحد من خلقه فهو عسير.

احرص على صحبة ثلاثة

ثلاثة احرص على صحبتهم: عالم متخلق بأخلاق النبوة، وحكيم بيضت فودية[1] ليالي التجربة، وشهم له من مروءته ما يحمله على نصحك إذا أخطأت، وإقالتك إذا عثرت، وجبرك إذا انكسرت، والدفاع عنك إذا غبت، والإكرام لك إذا حضرت.

تمام المودة

لا تتم مودتك لأخ حتى تكون إذا أضناه الألم ضويت، وإذا عضه الجوع خويت، وإذا مسه الضر لم تعرف كيف تبيت!

رباط واهٍ

أكثر ما يربط الناس بعضهم مع بعض: حبل سريع الانقطاع، وأكثر ما يحول بين بعضهم عن بعض جدار سريع الانهيار..

الرجاء والأسباب

التجاؤك إلى الله عند النكبات، لا ينافيه الأخذ بالأسباب؛ فهو الذي أمر بها ودل عليها ويسر لها، وأقامها تحقيقاً لمصالح عباده ورحمة منه بهم، والخائف إذا التجأ إلى حمى قوي عزيز، فأشار عليه بدخول حصن من حصونه ففعل، كان ذلك أتم في الخضوع، وأجلب للحماية.

الإخلاص والرياء

لا تحتقر عملاً قدمته بنية خالصة؛ فالقليل مع الإخلاص كثير، والكثير مع الرياء قليل، والمحاسب الخبير لا تعجبه كثرة الدنانير، وإنما تعجبه جودتها.

اقبل عذر المسيء

لا تعنت أخاك أو جارك إذا اعتذر إليك بعد أن أساء، فالله الغني عن عباده، القوي على عقابهم، يقبل عذر مسيئهم، وتوبة مخطئهم، فما أحراك وأنت الضعيف الذي لا تملك لنفسك ضرًّا ولا نفعاً؟

موت الجسم وموت القلب

إن الناس يجزعون إذا مات جسم عزيز عليهم، ويحزنون ويبكون. وتراهم لا يحركون ساكناً إذا مات قلبه وانطفأت روحه، وأين يقع موت الأجسام من موت القلوب؟

اعمل بما تعظ به الناس

بعض الواعظين يخوفونك من الذنوب بأقوالهم؛ حتى تظن أن الله لا يدخل أحداً من عباده الجنة، ويجرئونك على المعاصي بأفعالهم؛ حتى تظن أن الله لا يدخل أحداً من عباده النار، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أكثر هؤلاء الواعظين يدخلون النار بما يعظون، وأكثر هؤلاء المستمعين يدخلون الجنة بما يتعظون.

الانقطاع على عمل الخير

بعض الناس يحسنون العمل حيناً، ثم ينقطعون أو يسيؤون، فيعيشون في ماضيهم لا يشهدون غيره، ولا يذكرون سواه، وبذلك يخسرون الماضي والحاضر معاً، فإن لم تتداركهم عناية الله خسروا المستقبل أيضاً.

موقف العاقل من المديح

إذا تحدث الناس عنك بما يسرك فافرح به فرح الشاكرين لا فرح البطرين، واستمع إليه سماع المتواضعين لا سماع المغرورين، وأحمق الحمقى من ينسى أن الفضل في ذلك كله لله، ولولاه لما كان ولا كانت فضائله!

وموقفه من الذم

إذا تحدث الناس عنك بما يسوؤك، فلا تغضب غضب الطائشين، ولا تحقد حقد الموتورين، ولكن انظر: فما كان منه حقًّا فاللوم فيه عليك لا على الناس، فعلام تغضب؟ وما كان باطلاً فإنما هو اختبار لرجولتك، أو تنبيه لك من غفلتك، أو إظهار لما خفي من فضائلك، وكن على ثقة من أن الدر لن يلتبس أمره بالبلور على العارفين، وأن الحق لن يخفى وجهه على رب العالمين.

ذل الشهوة والطمع

كم أذلت الشهوة كرامة الرجال، وكم أذل الطمع أعناق الأبطال!

شجرة الذل

لا تروى شجرة الذل إلا بماء الحرص، ولا تنمو إلا في ظلال الجبن، ولا تورق إلا بالنفاق، ولا تثمر إلا مع الكفر بالله أو نسيان حسابه.

أكثر الناس

لا تكن كأكثر الناس يفضلون عاجلاً فيه تَلَفُهم، على آجل فيه خلاصهم، ولكن كن كما هو شأن عباد الله الصالحين: يرضون من العاجل بما يوصل إلى الآجل؛ لا بما يقطع عنه.

عز.. وعز..

عز الاستقامة أشرف عز؛ لأنه عز لا ذلَّ بعده، وعز الانحراف أبخس عز؛ لأنه عز لا عز بعده!

الأمور بنتائجها

إذا كان المرض يصحح لك خط سيرك فهو بدء الشفاء، وإذا كان الفقر يجبرك على حفظ النعمة فهو بدء الغنى، وإذا كان الألم يصرفك عن التفكير في الشر فهو بدء السعادة، وإذا كان العزل يمنعك من الظلم والإعانة عليه فهو بدء الولاية، وإذا كان الموت يقصيك عن الشقاء وأسبابه فهو بدء الحياة.

القرآن والمؤمنون

تأثير القرآن في نفوس المؤمنين بمعانيه لا بأنغامه، وبمن يتلوه من العاملين به لا بمن يجوده من المحترفين به، ولقد زلزل المؤمنون بالقرآن الأرض يوم زلزلت معانيه نفوسهم، وفتحوا به الدنيا يوم فتحت حقائقه عقولهم، وسيطروا به على العالم يوم سيطرت مبادئه على أخلاقهم ورغباتهم، وبهذا يعيد التاريخ سيرته الأولى.

القرآن والإذاعات

خير من ألف إذاعة تتلو القرآن على المسلمين بأعذب الأصوات صباح مساء، إذاعة واحدة يتلى فيها القرآن بآدابه من قلب خاشع يستمع إليه المسلمون بقلوبهم وعقولهم ساعة واحدة كل أسبوع.

المصاحف والمسلمون

لم يكن عدد المصاحف عند المسلمين في القرن الأول للهجرة يبلغ عشر معشار عددها عندهم اليوم، وهي الآن لا يتلى منها عشر معشار ما كان يتلى حينذاك، وما يتلى بتفهم وتدبر لا يبلغ عشر معشار ما يتلى بغير تفهم وتدبر، فلا تعجبن إذا لم يفعل القرآن في نفوس المسلمين في الحاضر عشر معشار ما كان يفعله في نفوسهم في الماضي.

القرآن والأجيال

كانوا يتعلمون مع القرآن العمل به، ثم أصبحوا يتعلمون العمل به، فكيف لا يكون الفرق بين أجيالنا وأجيالهم عظيماً جدًّا؟

أدب القرآن

أدب القرآن هو أدب الحياة المناضلة بشرف، البناءة بسمو، المكافحة بتفاؤل، المدافعة ببأس، المهاجمة بحق، المتعاملة بحب، المتعاونة بوفاء، المرحة بوقار، المتنعمة باعتدال، العزيزة بتواضع، القوية برحمة، العاملة بقناعة، المترئسة بشورى، المرؤوسة بيقظة، الحاكمة بحزم، المسالمة بحذر، المتحضرة بخلق، المتعبدة بعلم، الماشية على الأرض ونظرها في السماء، السائرة في الدنيا نحو العلاء، وفي الآخرة نحوالبقاء، فأي أدب في آداب الأمم يهدف هذه الأهداف؟ وأي جيل في العالم أكرم من جيل يتخلق بهذا الأدب؟

القرآن وحملة الحضارة

لو كنا نحن أرباب هذه الحضارة للفتنا الدنيا إلى أدب القرآن، ولشدنا له الجامعات، وعقدنا له المؤتمرات، وألفنا فيه الحوليات، وأنشأنا له المختبرات، ولجعلناه شاغل الدنيا ومالئ تفكير الناس، ولشوقنا إليه النفوس فافتتنت به، ولجلونا جماله للعقول فتدلهت به، ولكن أرباب هذه الحضارة ما برحوا يناصبونه العداء، ويحملون لهدمه المعاول، ويكيدون له في السر والعلن، وينفقون من أموالهم وأوقاتهم في طمس نوره وتشويه حقيقته ما لو أنفقوا جزءاً منه في تخفيف ويلات الإنسانية لكانوا متحضرين حقًّا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعملون ? إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون?.

ثورة القرآن

ثورة القرآن ضد الظلم والفساد والباطل ما تزال قائمة لم تنته معركتها، ولن تنتهي ما دام في الدنيا ظلم وفساد وباطل، ولكن: هذه الثورة فأين الثوار؟ وهذه الأبواق فأين ضرام النار؟ وهذه البنود فأين الجنود؟ وهذه المشاعل فأين الزنود؟ وهذه القوافل فأين من يقود؟

القرآن سلاح معطل

القرآن في أيدي المسلمين كالسلاح في أيدي الجاهلين، سلاح معطل لا يستعملونه للدفاع ولا للهجوم، ولا للهدم ولا للبناء، ولا للأخذ ولا للعطاء، وهو صالح لذلك كله وأكثر لو كانوا يعلمون!

[1] الفود: معظم شعر الرأس مما يلي الأذن ( القاموس).

القسم السادس والعشرين

أصدقاء القرآن

لبعض الكتب المقدسة عند بعض الديانات جمعيات منتشرة في جميع أنحاء الأرض، جند فيها عشرات الألوف من الأشخاص، وينفق عليها عشرات الملايين من الأموال، وهي بلا شك تحتوي ثروة أخلاقية إنسانية تفيد البشرية، ولكن أي ثروة فكرية وتشريعية وأخلاقية إنسانية تحتويها إذا قيست بثروة القرآن الكريم؟ وإذا كانت تلك قد رزقت عناية هذه الآلاف من الناس، ووضعت تحت أيديهم كل الإمكانيات لنشرها والدعاية لها أفلا يستحق كتاب الله الخالد عشر هذه الجهود؟ وعشر هذه الأموال؟ وهل تقاس الثمرة التي جنتها الإنسانية من تلك الكتب بالثمرات التي تجنيها من نشر القرآن الكريم؟ أم أن ميزة هاتيك أنها كتب قوم يحملون الحضارة، وكتابنا كتاب قوم مغلوبين لتلك الحضارة؟ أميزة تلك أنها كتب قوم لم ينهضوا إلا حين تركوها، وذنب هذا أنه كتاب قوم لم يسقطوا إلا يوم تركوه؟ أميزة تلك أن حضارة الذين ينشرونها اليوم قامت على أسس تخالف مبادئها؟ وذنب هذا أن حضارة الذين هجروه وبها غيروا وجه الدنيا لم يضع حجر أساسها غيره؟ أميزة تلك أن المكتشفات العلمية تسير في خط معاكس لاتجاهه، وذنب هذا أنها تسير في خط مواز لاتجاهه؟ أميزة تلك أنها كتب الأقوياء ولم تكن لها يد في قوتهم؟ وذنب هذا أنه كتاب الضعفاء وهو بريء من عهدة ضعفهم؟.

إذا لم يكن شيء من هذا كله، فما هو السر إذاًَ؟ ألا يكون هو الوفاء من جانب أولئك، والجحود من جانب هؤلاء؟ أهو العلم هناك والجهل هنا؟ سبحانك ربي! إنه علم يحمل على كتفه قاتله، وجهل يشيح بوجهه عن وليه! سبحانك هذا تفريط عظيم!..

دعاية العمل أبلغ!

لو عمل المسلمون بآداب قرآنهم للفتوا الأنظار إلى روعته أكثر من ألف جمعية، وألف خطاب، وألف كتاب.

مقياس الحقائق في نظر الناس

الناس يؤمنون بالحقائق أعمالاً أكثر مما يؤمنون بها أقوالاً، ويقيسون صدقها ونفعها وثباتها بموقف دعاتها منها إيجاباً وسلباً، وإقبالاً وإعراضاً.

شر الدعاة

شر الدعاة إلى الحق من يكذب بعمله وسيرته ما يدعو إليه بلسانه ومقالته.

وجهه يتكلم!

كم من ساكت عن الحق بفمه، متكلم عنه بوجهه وجوارحه، وقد كان الأعرابي يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما يراه فما يلبث أن يعلن إسلامه وهو يقول: أشهد أن هذا الوجه ليس بوجه كذاب.

جناية الضعيف على الحق

يوم كان المسلمون أقوياء بالقرآن أقبل الناس عليه من كل حدب يتدارسونه ويتعلمون لغته، فلما ضعفوا بضعفه في نفوسهم، كانوا هم أول من أعرض عن دراسته وتعلم لغته، وهكذا يجني الضعيف على نفسه وعلى الحق الذي يحمله.

النظم.. والطبيعة

تغيير طبيعة الإنسان وخصائصه كتغيير نظام الكون، كلاهما مستحيل على من يحاوله، ومن هنا تدرك فساد كل نظام لا يساير الطبيعة الإنسانية، وعدم استطاعته الصمود أمام عنادها مهما عمر طويلاً.

لا تبديل لخلق الله

الله الذي خلق نظام الكون كما نراه، لو أراد أن يكون غير ما هو عليه لفعل، وكذلك الإنسان: لو أراد الله له أن تكون له غير طبائعه التي فطر عليها كإنسان وحيوان لفعل، ولكنه لم يشأ لحكمة علمها، فمن الذي يرى من الحكمة غير ما يراه الله؟.

بين الفطرة والعادة

فرق كبير بين فطرة الإنسان وبين ما يتعوده الإنسان، فالفطرة لا تكون إلا خيراً وحقًّا وصلاحاً، وإنما يأتي الشر من انحرافها، والعادة قد تكون حسنة وقد تكون سيئة، والفطرة لا تغير، والعادة السيئة من الواجب تغييرها.

سر اضطراب الأوضاع

أكثر اضطراب الأوضاع في المجتمعات ناشئ من مصادمة الفطرة في السلوك الاجتماعي للأفراد والجماعات، أو في التنظيمات والتشريعات.

ثلاثة تسهل بالعادة

ثلاثة تسهل بالعادة: الصلاة، والخطابة، والكتابة.

تحفَّظ من ثلاثة

ثلاثة يعرفون من أسرارك وأحاديثك ما لا يعرفه الآخرون: حلاقك الذي يأتي إلى البيت، وخادمك الذي يقدم لضيوفك ما تضيفهم به، وسائق سيارتك الخاص.

أكثر الناس

أكثر الناس يقولون ما لا يفعلون، ويبتسمون لمن لا يودون، ويصادقون من لا يأتمنون، ويخضعون لمن لا يحترمون، ويتملقون لمن لا يحبون، ويقتنون ما لا يحتاجون، ويدخرون ما لا يستعملون، ويبخلون بما يملكون، ويجودون بما لا يملكون، ويحبون ما به يتضررون، ويكرهون ما منه ينتفعون، وينفقون أعمارهم فيما لا يستفيدون.

ستة!

لا تنتصر دعوة الحق بستة: مستعجل في الشهرة متهالك عليها، وجرئ في القول جبان عند العمل، وعامي في ثقافته ملتو في أساليبه، ومؤثر للسلامة على التضحية، ومغرور يقدر نفسه بأكثر مما هي عليه، وضعيف يسيره من هو أخبث منه.

خبث النية

خبث نيَّة القائد تقود الجنود إلى الهزيمة ولو كانت نواياهم حسنة.

القيادة الفاشلة

قيادة الأغرار تؤدي إلى الانهيار، وقيادة الموتورين تشعل النار أو تلحق العار.

لا يرتجى منه خير

لا ترج خيراً ممن أدار لك ظهره عند إقبال الدنيا عليه، ولولاك لما صافحته الدنيا.

قلة الوفاء

الذي لا وفاء عنده لإخوانه عند نزول المحن بهم، لا وفاء عنده لأمته عندما تحتاج إليه.

أجر العاملين

لو عمل العاملون انتظاراً للجزاء في الدنيا لماتوا همًّا وكمداً.

تجارة!

أقل الناس قياماً بحق الأخوة أكثرهم ادعاء لها، أولئك هم المتاجرون.

لا يحزننك

لا يحزننَّك ما ترى من تنكُّر أكثر الناس للقيم العليا، وأكثر الأصدقاء لحقوق الأخوة، وأكثر الدعاة لواجبات الداعية، وأكثر المتدينين لآداب الدين، وأكثر الواعظين لإخلاص النية، وأكثر العلماء لأخلاق السلف، وأكثر المتعاملين لخلق الأمانة، وأكثر المتجاورين لخلق التسامح، وأكثر المتخاصمين لخلق الإنصاف، لا يحزنك هذا وأشباهه، فتلك هي الحياة فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.

لا تفعل عشراً

لا تفعل عشراً فتسمع عشراً: لا تتدخل فيما لا يعنيك فتسمع ما لا يرضيك، ولا تتكلم وأنت مغضب فتسمع ما يزيدك غضباً، ولا تمدح مغروراً فتسمع منه ما فيه احتقارك، ولا تشك إلى من لا يغار عليك فتسمع منه ما يزيد في آلامك، ولا تبد سخطك على جاهل فتسمع منه ما يزيدك غيظاً، ولا تنصح من يستهين بك فتسمع منه ما يشعر بامتهانك، ولا تعظ مفتوناً برأيه فتسمع منه ما يزري برأيك، ولا تتحدث إلى متخاصمين بما يسخطهما فتسمع منهما ما يجعلك ثالثهما، ولا تذكر زوجتك وهي مغضبة بما قدمت لها من خير فتسمع منها إنكار ذلك كله، ولا تدل بأبوتك على ولدك العاق الجاهل، فتسمع منه ما تتمنى معه أن لا تكون ولدته!.

الناس معادن

الناس معادن، خيارهم في اليسر، خيارهم في العسر، وخيارهم في العزل خيارهم في التولية، وخيارهم في الفقر خيارهم في الغنى، وخيارهم في العزلة خيارهم في الخلطة، وخيارهم في الخمول خيارهم في الشهرة، وخيارهم في الجندية خيارهم في القيادة، وخيارهم في الضعف خيارهم في القوة، وخيارهم في المرض خيارهم في الصحة، وخيارهم في المحنة خيارهم في النعمة إذا وفقهم الله، وما تختل الخيرية في حالة إلا كان ذلك دليلاً على عدم وجودها في الحالة الأخرى.

قصور الأوهام

الذين يبنون قصورهم في الأوهام؛ تهدمها الحقائق، والذين ينصبون حياتهم في مهاب الريح؛ تسرقها العواصف، والذين يرسون قواعدهم على الرمال؛ تميد بهم يوم تتحرك الرمال، ولا ثبات إلا لما له أصل ثابت، ولا ثمرة إلا من أصل مثمر.

أصعب شيء

أصعب شيء على النفس ما خالف هواها، وأصعب شي على الهوى ما كبح جماحه، وأصعب شيء على العقل ما خالف حكمه، وأصعب شيء على المرأة أن تترك زينتها، وأصعب شيء على العالم أن يرى للجهل سلطاناً، وأصعب شيء على المتدين أن يرى للملحدين نفوذاً، وأصعب شيء على المصلح أن يرى للفساد دولة، وأصعب شيء على الحكيم أن يرى للحمقى صولة، وأصعب شيء على الكريم أن تضيق يده على البذل، وأصعب شيء على الشهم أن يحال بينه وبين فعل المعروف، وأصعب شيء على الظريف أن يضطر إلى معاشرة الثقيل، وأصعب شيء على الذكي الأديب أن يسجن مع الجاهل البليد، وأصعب شيء على الجميلة أن تضطر إلى الزواج من قبيح، وأصعب شيء على النشيط الحاد المزاج أن يسافر مع البارد البطيء الحركة، وأصعب شيء على المصلين في هذه الأيام سماع أكثر خطباء المساجد يوم الجمعة.

الثواب على الآلام

إذا أثابنا على هذه الآلام بمغفرة منه ورضوان فيا نعم الإحسان، وإلا فيا سوء الحرمان والخسران.

مناجاة!

وصالك نعيم، وعذابك عتاب، وعقابك عدل، وعطاؤك تفضل، ومنعك تأديب وكل خير فمنك، والشر منك لا ينسب إليك، والقليل منك كثير، والطل من فيضك غدير، وأي مكان في كونك العظيم لا يملؤه الجلال؟ وأي شيء من صنعك البديع لا يكسوه الجمال؟ وأي أمرمما يسرنا ليس إليك فضله؟ وأي أمر مما يسوؤنا ليس علينا وزره؟ تباركت يا ذا العظمة والعلم والحكمة! كيف لا نعبدك وقد سجدت لك الأرض والسموات؟ وكيف لا نحمدك فقد غمرتنا من جودك البركات؟ وكيف لا نحبك وقد توالت علينا من عطائك الرحمات؟ وكيف لا نخشاك وعذابك في لمح البصر يجعل الديار خراباً؟ وكيف لا نرجوك ورحمتك تحيي الأرض بعد أن كانت مواتاً؟ وتجعل الماء الأجاج عذباً فراتاً؟ وكيف لا ندعو إليك وأنت تدعو إلى درا السلام؟ وكيف لا نثني عليك وأنت الذي بددت بنورك سحب الظلام والأوهام؟ فاهدنا بفضلك صراطك المستقيم، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

لنا الله من هؤلاء!

لنا الله من قوم لهم أحلام الملوك وعزائم الصعاليك! ولنا الله من قوم لهم دعاوى الصديقين وأعمال الشياطين! ولنا الله من جماعات بألسنتهم شعارات الخلاص، وبأيديهم قيود العبودية! ولنا الله من صحب كنا منهم ملء السمع والبصر، فأصبحنا معهم بلا شأن ولا أثر.

كأن لم يكن بين الحجوب إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

ومن هؤلاء!

لنا الله من أشباه الرجال! رعاديد حين يكون السلاح في وجوههم، أبطال حين يكون السلاح في وجوه غيرهم!

يجتمعون ويفترقون

الذين تجمعهم دعوة الدين وتفرقهم منفعة الدنيا؛ أناس لم يخالط الدين شغاف قلوبهم، والذين تجمعهم كلمة الحق وتفرقهم دسائس الباطل أناس لم يعرفوا الحق كما ينبغي أن يعرف، والذين تجمعهم باحة المسجد، وتفرقهم ساحة السوق قوم لا ينصرون الله أبداً.

إلى جناحي نسر

الارتفاع فوق مطامع الدنيا يحتاج إلى جناحي نسر، لا إلى جناحي فراشة!.

القلب المريض

لا يفلح ذو القلب المريض ولو واتته كل فرص النجاح، ولا بد من كبوة سريعة ولو كان المجلي في الميدان.

كرامة الدعوة

تأبى كرامة دين الله أن يؤيد من لا يخلص في الدعوة إليه تأييداً يغطي عن العيون حقيقة أطماعه ونواياه.

استدراج الله

لا يزعجنك نجاح من تعتقد عدم إخلاصهم؛ فإنه نجاح مؤقت يستدرجهم الله به ليكشف ما خفي على كثير من الناس من أخلاقهم على حقيقتها ? سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين?.

حقيقة النجاح

ليس النجاح أن تكسب النصر في غير معركة، فتلك فرصة واتتك فيها الظروف، ولكن النجاح أن تكسب النصر في معركة لم يكن يبدو للمراقبين لها شيء من تباشير النجاح.

حقيقة البطولة

ليست البطولة أن تقاتل وأنت آمن على ظهرك من الرماح، ولكن البطولة أن تقاتل وأنت تنوشك الرماح من كل جانب.

فتنة الدنيا

لا ينجو من فتنة الدنيا إلا نبي أو صديق، أما الأنبياء فقد ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأما الصديقون فهؤلاء هم الذين تتطلع إليهم الآمال، ولا تيأس من وجودهم النفوس، فالله لا يحجب فضله عن جيل دون جيل، ولا يخص برحمته زماناً دون زمان.

القسم السابع والعشرين

سلطان الوهم

من عجيب خلق الله في الإنسان أنه جعل الوهم يسعده ويشقيه، ويمرضه ويشفيه، ولطالما رأيت أناساً شفاهم الوهم وأمرضهم، أما أكثر الناس فبأوهامهم يسعدون ويشقون.

متى إن تكن حقًّا تكن أسعد المنى

وإلا فقد عشنا بها زمناً رغدا

الإنسان والحقيقة

قلَّ أن رأيت إنساناً لا تؤلمه الحقيقة إذا كانت تتعارض مع رغباته، وقل أن رأيت إنساناً لا تؤلمه الصراحة إذا كانت تتكشف عن خطيئاته، وقل أن رأيت إنساناً لا يحب الجاه بالرغم من مشكلاته ومزعجاته، وقل أن رأيت إنساناً لا يحب المال بالرغم من منغصاته وآفاته، والصديقون والعارفون هم الذين ينجون من هذا كله شرعاً لا طبعاً.

العقل والهوى

لو اتبع الإنسان عقله في كل أموره لشقي، ولو اتبع أهواءه فيها كلها لهلك، والعاقل السعيد من لم يتخل دائماً عن موجبات العقل، ولم يجر دائماً وراء الأوهام.

الحب الطاهر

الحب الطاهر البريء هو حب الأم لطفلها، وما عدا ذلك من حب الناس بعضهم لبعض، فهو مشوب بالأغراض والمنافع والشهوات.

الإخلاص

كل علم أو عمل لا يقصد به صاحبه الدنيا فهو خالص لوجه الله تعالى، فإذا واتته الدنيا صاغرة بعد ذلك دون طلب منه لها، فأقام حق الشعب في أمواله، وحق الله في سائر أحواله، وحق الناس في نصحهم وإغاثتهم، وحق الضعفاء في جاهه ونفوذه، كان عند الناس أكرم مقاماً، وعند الله أكثر ثواباً.

الرياء

كل علم أو عمل يحوز به صاحبه الدنيا، فهو عمل لغير الله تعالى، وأكثر الخلق حظًّا منه هو الشيطان، وأكثر الناس ضرراً به هم الملتفون حوله، وأكثر الناس استفادة منه هم الفاسقون والطغاة والمفسدون، وأكثر الناس استدلالاً به على محاربة الدين ودعاته الصادقين، هم الملحدون والفاجرون.

الصحبة

العابدون يحبون الصحبة مع الله تعالى بالعبادة، والمصلحون يحبون الصحبة مع الناس بالنصيحة، والعلماء يحبون صحبة الكتب بالاستفادة، وعامة الناس يحبون الصحبة مع من يوافقهم في الأهواء والمنادمة.

مكابرة

من أغرب ما يتصف به بعض الناس؛ أنهم يسرقون ويكرهون أن يقال لهم أنتم سارقون، ويخونون ويحاربون من يقول لهم: أنتم خائنون، ويدجلون ويغضبون ممن يقول لهم: أنتم دجالون، ويستغلون الدين للدنيا ويتظاهرون بالنقمة على من يقول لهم: أنتم مستغلون، وهذا دليل على معرفتهم بانحطاط أنفسهم، وكراهيتهم أن يطلع الناس على انحطاطهم، ليستمر خداعهم وسرقاتهم وخياناتهم واستغلالهم، وقد غفلوا عن أن ميزة الحق أن يدمغ أعداءه مهما تستروا وتنكورا ? بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون?.

عبادة الأصنام

لا يزال أكثر الناس – بالرغم من اعتقادهم بوحدانية الله جل جلاله – يعبدون الأصنام كما كانوا في الجاهلية الأولى، مع فارق واحد هو: أن أصنام الجاهلية لا تضر ولا تنفع، وأصنام هؤلاء تضلهم وتشقيهم، وتغشهم وتخدعهم، وتستغلهم وتستخدمهم، وتبعدهم عن الله وهم يظنون أنهم بواسطتهم يقتربون منه، فواحسرتا على العقول المكبلة بالأوهام، ويا رحمتا للنفوس الخاضعة للأصنام، ويا خجلتا من التاريخ إذ يسجل على عصرنا هذا عودة إلى عبادة الأصنام وهو أكثر العصور ثقافة ومطاردة للظلام!.

نزعة إلى الجاهلية الأولى

لا يزال الإنسان يحن إلى عبادة الأصنام ويخضع لها، برغم من محاربة الأديان السماوية – وبخاصة الإسلام – للأصنام، ودعوتها إلى التوحيد الخالص، وهذا يؤيد دعوى وراثة الأبناء لصفات الجدود والآباء، ولو بعد عشرات الأجيال.

مع الله

من اعتز بغير الله ذل، ومن استعان بغيره خاب، ومن توكل على غيره افتقر، ومن أنس بسواه كان في عيشة موحشة، ولو غمرته الأضواء وحفت به المواكب.

النفوس العالية والدنيئة

النفوس العالية ترى التعلق بمال الدنيا وزينتها امتهاناً لها لا تقبله، والنفوس الدنيئة ترى جمع المال والحرص على الجاه علوًّا لا تتخلى عنه، وما أكثر من يدعون علو النفس وهم يتصفون بصفات الأدنياء!.

حقيقة التصوف وآفاته

التصوف في أصله عمل بالناحية الأخلاقية والروحية في الإسلام، وهكذا كان تصوف الصحابة والتابعين، ثم أصيب بثلاث آفات أفسدته فأفسدت المجتمع الإسلامي: غلبة المفاهيم الأعجمية الوثنية للأخلاق على مفاهيمها في القرآن والسنة، والجهل بأحكام الشريعة في فروضها وآدابها، واستعمال التصوف مهنة يجلب بها الشهرة من أرادها ويجلب بها المال من أحبه، وأسوأ أنواع التصوف ما اجتمعت فيه الآفات الثلاث.

وفاة عارف وحياة دجال!

مات شيخ صوفي صالح زاهد صادق مع الله في كل حالاته، فبكاه الناس لفقدهم بركته، وما يزال يعيش دجالون يجمعون الأموال باسم التصوف فتلعنهم الدنيا لشقائها بهم، ويتساءل المفجوعون: كيف يموت الصادقون ويحيا الدجالون؟ وتجيبهم الأقدار: أما موت الزاهد العارف؛ فكل نفس ذائقة الموت، وأما حياة الدجالين المستغلين؛ ففي قول الله جواب عنه: ? سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين? وفي الحديث الشريف "إن الله يمهل ولا يهمل" ونهايتهم القريبة مؤكدة: ? حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون?.

قضية المرأة

المرأة تشغل نصف المجتمع من حيث العدد، وأجمل ما في المجتمع من حيث العواطف، وأعقد ما في المجتمع من حيث المشكلات، ومن ثمة كان واجب المفكرين أن ينظروا إلى قضيتها دائماً على أنها قضية المجتمع كله، أكثر مما يفكر أكثر الرجال فيها على أنها قضية جنس متمم أو مبهج.

أنواع النساء

المرأة داء، ودواء، ومرض، وعلاج: فالعاقلة ذات الخلق الحسن والذوق الحسن: دواء للزوج تشفيه من متاعبه النفسية والمادية.

والجاهلة الحمقاء: داء للأسرة تلوث جميع أفرادها بجراثيم القلق والنزاع.

والمرأة المتكبرة المغرورة: مرض للزوج لا يشفى منه إلا بطلاقها أو الزواج عليها وكلا الأمرين مر بغيض.

والمرأة الصالحة المستقيمة: علاج لكل ما يعانيه المجتمع من شرور وآفات..

نداء وتذكير

يا منفراً من الدنيا وأنت تجري وراءها ركضاً، ويا مرغباً في الزهد وأنت تجتويه (تكرهه) وتفر منه رعباً، ويا مبغضاً في المال وأنت تعب منه عبًّا، ويا داعياً لأخلاق الصالحين وأنت تحاربهم، ويا مترامياً على أقدام الظالمين وأنت تزعم الرغبة في هدايتهم، ويا كارهاً لدعاة الحق وأنت تزعم أنك منهم، ويا محارباً لدعوة الإصلاح وأنت تزعم تزعم أنك من رؤوسها.. أنسيت أن عين الله غير غافلة عن الظالمين؟ أم ظننت أنك تخدع الله كما تخدع السذج والمغفلين؟ أم نسيت قوله تعالى: ? يأيها الذين ءامنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون ¯ كَبُرَ مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ¯? اقرأ يا هذا قول الله بتدبر وإمعان، لعل فيك بقية من إيمان يردعك عن طريق الشيطان: ? ومن الناس من يُعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ¯ وإذا تولى سعى في الأرض ليُفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ¯ وإذا قيل اتقِ الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ¯ ومن الناس من يَشري نفسه اتبغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد¯ ?..

ادّعاء الكرامة

من يمد يده إلى صدقات مريديه، ويساير الظالمين طمعاً في إرواء ظمئه للمال والجاه عندهم، فقد أسقط برضاه كرامة نفسه، فليس له أن يتظاهر بالغضب على كرامته ممن يكشف عيوبه ومخازيه، ومن المقرر في الفقه الإسلامي أن الساقط لا يعود، ومن الثابت بالنص القرآني أن الذين يخدعون الله والذين آمنوا؛ ما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.

بين الصلاح والفساد

لا يختلط الأمر بين الصلاح والفساد إلا على من طمس الله بصيرتهم، ونافقوا في دينه ودعوى الهداية إليه، هؤلاء هم الذين تحدث الله عنهم فقال: ? وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ¯ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون¯ ?.

كلنا عباد الله

كلنا عباد الله، ولكن فينا من تقر أعماله بهذه العبودية وهم الطائعون، وفينا من تنكرها أعماله وأحواله وهم العصاة والطغاة والمفسدون.

فجور مدعي العلم

فجور مدعي العلم لا يضره وحده، بل يضر الدين والمتدينين جميعاً، وبذلك وجب عليهم جميعاً أن يأخذوا على يده ليبرأوا إلى الله والناس من عهدة فجوره وعصيانه.

عبادة غير الله

الخضوع للباطل والمبطلين عبادة جزاؤها النار، فمن أعرض عن الحق تأثراً بزعيم أو ظالم أو دجال فقد عبده ولو كان مسلماً، وعبادة غير الله شرك ? وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون? فليجدد دينه كل من اتبع ظالماً، أو مشى مع مستغل دجال، أو أحب زعيمه أكثر مما يحب الله ورسوله وشريعته.

الرياضة

هذه الحضارة تعنى بالرياضة كثيراً وهو أمر جميل لم تهمله الحضارة الإسلامية، غير أن حضارتنا أدخلت هذه الرياضة في كثير من العبادات، فأضفت عليها قدسية وروحانية، والغربيون جعلوا هذه الرياضة مادية جسمانية، وأحلوها المحل الأول في تربية الأجيال وتعلق الجماهير بها، وبذلك يعيدون سير الحضارتين اليونانية والرومانية وقد كان أهلها وثنيين لا يقيمون وزناً للقيم الروحية والأخلاقية، بينما الغربيون يزعمون أنهم نصارى يتبعون المسيح عليه السلام، وقد غلبت التقاليد الوثنية روحهم النصرانية.

آفات البخل

البخل من أشد الأمراض النفسية فتكاً بصاحبه وبالمجتمع، وينشأ من آفات ثلاث: عدم التصديق بوعد الله، وإيثار النفس على غيرها من عباد الله، والاسيهانة بسوء السمعة بين الناس.

حقيقة المال

المال وسيلة للخير، وللعيش بين الناس باحترام وكرامة، والبخلاء ينظرون إلى المال على أنه غاية لذاته، ثم لا يبالون بمهانتهم واحتقار الناس لهم، ومثل هؤلاء يموتون قبل أن يموتوا، ويدفنون أنفسهم قبل أن يدفنهم الناس.

الغني البخيل

الغني البخيل أفقر من الفقير الكريم، فانظر ما قيمة غنىّ يكون الفقر أغنى منه؟.

قيمة البخيل

البخيل يعبد المال أكثر من عبادته لله، ويحب المال أكثر مما يحب نفسه، ويكره الخير أكثر مما يكره المرض والأذى، فانظر ما قيمة مثل هذا الإنسان؟

نفسية البخيل

البخيل يذكر نفسه وينسى ربه، ويضع الفقر بين عينيه أكثر مما يضع الموت نصب ناظريه، ويخاف من الفقر أكثر مما يخاف من عقاب الله وحسابه، فهو إنسان أحمق مشوه التفكير ولو كان من أحكم الحكماء.

بخل الزعماء

أسوأ أنواع البخل: بخل الزعماء والرؤساء؛ إلا أن يكون بخلاً بمال الدولة فذلك هو الحرص الذي يحبه الله ورسوله، ويقدره العقلاء ويحفظ به المجتمع.

للرجل والمرأة

خمسة أشياء تحمد من الرجل وتذم في المرأة: الكرم، والاختلاط، والجرأة، والزهد، والخشونة.

الموت الشريف

كل إنسان كتب عليه الموت لا محالة، وأشرف أنواع الموت: الموت في سبيل الله والحق، وأحقر أنواع الموت: الموت في شهوات البطن والفرج!..

الموت في المرض

الموت في أنواع من المرض شهادة تفيد صاحبها في الآخرة، والموت في مرض كان سببه النهم والشره في لذائذ مباحة؛ ميتة حقيرة لا تعفي صاحبها من حساب الآخرة، والموت في مرض كان سببه الإغراق في لذائذ محرمة؛ ميتة آثمة تزيد في عذاب صاحبها عند الله.

أشبه بالحيوان

من فضل لذة بطنه ساعة على حياته سنوات؛ فهو بالبهائم أشبه من بالإنسان.

أنواع المرض

من المرض ما يرفع قدر صاحبه في الدنيا والآخرة، ومن المرض ما يسيء إلى صاحبه في الدنيا والآخرة، وأكثر الناس يمرضون المرض الذي كتبه الله نهاية لحياة الإنسان على الأرض.

حياة تافهة

أي قيمة لحياة تذهب بها لذة؟ وأي عظمة كعظمة الحياة التي تزهد في اللذائذ وتذهب في معالي الأمور؟.

نعمة العقل

أكثر الناس تنهزم عقولهم إزاء الملذات والمغريات، وهؤلاء يحقرون أعظم نعم الحياة وأغلاها وأحلاها: نعمة العقل الذي ميز الله به الإنسان على الحيوان.

القسم الثامن والعشرين

موقف الناس من المال

من كان ماله آثر عنده من حياته فهو أحمق، ومن كان ماله آثر عنده من كرامته وسمعته فهو حقير، ومن كان ماله آثر عنده من أمته وبلاده فهو مجرم، ومن كان ماله آثر عنده من عقيدته فهو من المؤلفة قلوبهم.

العقل والقلب

العقل النير يحل المشكلات، والنفس الصافية تترفع عن السخافات، والخلق الحسن يخفف من آثار العداوات، والقلب المؤمن يبتسم عند الأزمات، وقلب العارف بالله يحوم في آفاق السموات.

مناجاة

إلهي! ما زلت تغمرنا بوابل النعم حتى لا نستطيع إحصاءها، وما زلت تسبغ علينا آيات الرضى حتى عجزنا عن أداء الشكر عليها، وما زلت تستر من سيئاتنا ما لا نملك معه إلا الطمع بغفرانك لها، وما زلت تمدنا بوسائل العون حتى لا نرى أنفسنا أهلاً لاستحقاقها، ملأت قلوب المذنبين طمعاً برحمتك، وملأت قلوب العابدين أملاً بجنتك، وملأت قلوب العارفين رجاء بدوام تجلياتك، وملأت قلوب المحبين رغبة في دوام أعطياتك، العطاء عطاؤك، والمنة منتك، والرضى رضاك، والوصال وصالك، والجمال جمالك، والجلال جلالك، والسعادة جنتك، والشقاء نارك، والفناء لخلقك، والبقاء لذاتك، وكل ما عداك فهالك، كل فضل لغيرك قيد، وكل عطاء من سواك رق، وكل عفو غير عفوك مهانة، وكل حلم غير حلمك مذلة، وكل التفات لغير وجهك شرك، وكل تقرب من غير ذاتك بعد، وكل لذة غير عبادتك مرارة، وكل شهوة غير الرضا عنك منك حرمان، تباركت يا رب! كيف يجحدونك وأنوارك تغشي أبصارهم؟ وكيف لا يعبدونك وجلالك يملأ بصائرهم؟ وكيف يبتعدون عنك ونعمك تجذبهم إليك؟ وكيف لا يهابونك وعظمتك تجبرهم على الترامي عليك؟ وكيف لا يخافونك وآيات عذابك قريبة منهم؟ وكيف لا يحبونك وكل ذرة من ذرات وجودهم من بعض فيضك؟ وكيف يدهشهم جمال من خلقت بيديك، ولا يدهشهم جمالك؟ وأنت الذي صنعت جمالهم على عينيك؟ يا مفيض النعم حتى على الجاحدين، ويا واهب الكرم حتى للمنكرين، ويا واسع الحلم حتى على المتكبرين، ويا عظيم الرحمة حتى للمعاندين.. تعطف على من عبدوك حتى هجروا فيك الجاحدين، وتحنن على من أحبوك حتى كرهوا بك المعاندين، ولولاك ما عبدوك، ولا أحبوك، ولا اهتدوا إليك، ولا تعرفوا عليك، فكيف تتخلى عنهم وقد سلكت بهم الطريق إليك، وكيف لا ترحمهم ورحمتك هي التي جعلتهم أسارى بين يديك، حاشا لكرمك أن تفعل بهم ذلك وهم على الوفاء مقيمون، وللجلال خاشعون، وبالعبودية معترفون، وبالهيبة مأخوذون، وبالجمال مفتونون، وبالحب مدلهون، سبحانك! سبحانك!.

أنت القائل: ? وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون?.

نشهدك أنا لك مستجيبون، وبك مؤمنون، فاسلكنا مع المهتدين، واجعلنا مع الراشدين، واكتبنا مع المقربين ? سبحان ربك رب العزة عما يصفون ¯ وسلامٌ على المرسلين ¯ والحمد لله رب العالمين?.

أنواع الأرواح

أرواح الناس خمسة: فأرواح بيضاء وهي أرواح المؤمنين، وأرواح سوداء وهي أرواح الكافرين، وأرواح صفراء وهي أرواح الوثنيين، وأرواح حمراء وهي أرواح الملحدين، وأرواح زرقاء وهي أرواح المسلمين الذين لا يهتمون بتصفية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم وسمو أرواحهم.

جميل وقبيح

الحق جميل في أعين محبيه، قبيح في نظر مبغضيه، وهذا هو سر تعلق أولئك به، ونفرة هؤلاء منه.

الحياء

الحياء من أهم دواعي الألفة بين الناس، فلولاه لأكل الناس بعضهم بعضاً، ومن ثمة كان الحياء من الإيمان، ومن لا حياء فيه لا خير فيه.

نداء

أيها المتاجرون بالدين! كل قرش تجمعونه سيكون شواظاً من نار يلهب جلودكم يوم العرض على ربكم.

أيها المنحرفون عن الدين! كل ساعة من أعماركم ستشكوكم إلى ربكم يوم تعرض عليه أعمالكم!.

أيها الملحدون في الدين! كل يوم من أيامكم تقضونه تبرهنون به على أنكم منسلخون عن إنسانيتكم.

أيها المستخفون بالدين! لولا الدين لما أمنتم على أنفسكم وأعراضكم وأموالكم وحقوقكم.

أيها المتشككون في الدين! لو رفعتم عن أعينكم غشاء الأوهام لرأيتم نور الحق يبهر أنظاركم.

أيها العاملون بالدين! هنيئاً لكم بطمأنينة أنفسكم، واستقامة سيرتكم، وفرحة اللقاء مع ربكم، ونعمة الرضى منه في حياتكم وآخرتكم.

ونداء

أيها العابدون لله! لقد سلكتم طريق الأحرار، والعبيد من سلكوا غير طريقكم.

أيها الخاشعون لله! لقد أدركتم عظمة خالقكم، فما أروع خشوعكم! وما أوسع مدارككم!.

أيها المراقبون لله! لقد امتدت آفاق أنظاركم إلى هذا الكون العظيم فلم تجدوا فيه غير ربكم.

أيها المدلهون بالله! إن سمو الحب بسمو المحبوب، وقد أحببتم مبدع الكون ومصدر الجمال والجلال والكمال، فأي حب أسمى من حبكم؟ وأي محبوب يستحق التذلل له والعبودية والطاعة مثل محبوبكم؟

أيها الواصلون إلى الله! لقد خففتم زادكم من الدنيا، وأثقلتم زادكم من التقوى، وصدقتم في الرغبة، وأخلصتم في النية، وأسرعتم في العمل، فمهد لكم طريق الوصول إليه فوصلتم، فما أروع جهادكم، وما أكرم ثوابكم!

أيها العارفون بالله! إن شرف العلم بشرف المعلوم، وقد غبتم عن أنفسكم، وزهدتم في دنياكم، وسكلتم طريقاً لا ييسره إلا للصادقين في معرفته، فلما وصلتم شهدتم وشاهدتم، ولزمتم واستقمتم، فقربكم إليه، وأزال عنكم حجب التعرف عليه، فاكتسبتم من عظمته ما صرتم به في الدنيا عظماء، وامتلأتم من هيبته ما ملأ قلوب الناس هيبة منكم، وعرفتم من إبداعه وكماله وجلاله ما ملأ قلوبكم علماً وتعظيماً، فأي مقام أعلى من مقامكم الذي وصلتم إليه؟ وأي شرف أشرف من تعرفكم عليه؟ وأي سعادة أسعد مما أنتم فيه؟ وأي أمل أنبل من أمل الوصول إليه حيث وصلتم، والذواق من حيث ذقتم، والأنس مع من أنستم؟ هنيئاً لكم.. ويا شوقاه!.

تحد وجواب

تحدى الباطل الحق يوماً فقال له: إن عندي من الوسائل ما أغطي به وجهك عن الناس.

فأجابه الحق: وعندي من القوة ما أهتك به تغريرك بالناس.

قال الباطل: سأظل ملاحقاً لك بالأكاذيب حتى تمل.

قال الحق: وسأهتك سترك الجديد كما فعلت بالقديم.

قال الباطل: سأظل متتبعاً لك بالأكاذيب حتى تمل.

قال الحق: لن أمل ما دام للكون إله عادل، وللناس عقول تفكر.

قال الباطل: وما أكثر الناس ولو حرصت بمفكرين.

قال الحق: وما أكثر دعاتي – ولو غضبت – بيائسين.

قال الباطل: هبك أقنعت الناس جميعاً؛ فإن سندي إبليس باق إلى يوم يبعثون.

قال الحق: ولكن ربي الله؛ هو الذي يحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون، يوم يكون سندك الأكبر يتلظى في نار جهنم هو وأتباعك جزاءً وفاقاً؛ لما كنتم في الحياة تفسدون.

العالم الحق

العالم الذي يخاف الله لا يجاري أهواء الناس تملقاً لهم، ولا يعطل مصالحهم المشروعة إعناتاً لهم، ولكنما يقول الحق برفق تستسيغه عقولهم، ويدافع عن مصالحهم بقوة تدفع صولة الظالمين عنهم، وكذلك كان الأنبياء والمرسلون.

صولة الحق

صولة الحق في ساعات، تقضي على انتصار الباطل في سنوات.

إغراء الباطل

الباطل يغري الناس حتى إنهم ليمجدونه، فإذا تفتحت عقولهم لمكائده أعرضوا عنه حتى إنهم ليلعنونه، والحق يتعب الناس حتى إنهم ليكرهونه، فإذا صفت نفوسهم تعلقوا به حتى إنهم ليقدسونه.

أشد المجرمين عذاباً

أشد المجرمين عند الله عذاباً، من حرف دينه، واستغل عباده، وساير الظالمين في أهوائهم، وعادى المصلحين في آرائهم، ثم لا يخجل أن يلبس لباس المتقين، ويعمل أعمال الفاسقين.

وتكذب

إياك والكذب؛ فإن من تكذب عليه إما أن يكون واعياً فيحتقرك، أو خبيثاً فيكذب عليك، أو ساذجاً فيخدع بك، ثم ما تلبث الحقيقة أن تنكشف له فيكفر بك، هذا كله عدا عقوبة الله وعذابه.

من الملوم؟

يجزع دعاة الدين والأخلاق عندنا من انتشار عدوى الخلاعة والاختلاط وتقليد الحياة الغربية في مساوئها دون محاسنها، ويظهر ذلك في الحفلات التي تقام عندنا بمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة؛ إن تكون لهاتين المناسبتين ذات الضجة والصخب والرقص والمجون التي تقع في الغرب تماماً، ومن حق المخلصين أن يجزعوا لذلك، غير أن اللوم ليس كله على الجمهور – لمن عرف طبائع الجماهير – فاستقامة المجتمع تكون دائماً بأمرين متلازمين: عقيدة قوية متغلغلة في نفوس الأفراد، وسلطة حازمة ترى من واجبها الحيلولة دون انحراف الجماهير، ومن المؤسف أن مجتمعنا فقد هذين الأمرين منذ زمن بعيد.

أعداء الإصلاح

أعداء الإصلاح في كل مجتمع ثلاث فئات: فئة ترى في الإصلاح فواتاً لمصالحها المعنوية: من جاه أو رئاسة. وفئة ترى في الإصلاح فواتاً لمصالحها المادية: من مال وشهرة. وفئة تضيق عقولها عن استيعاب بواعث الإصلاح وفوائده، وأخطر هذه الفئات على حركة الإصلاح هي الفئة الأولى، فإذا اجتمعت الفئات الثلاث على محاربته، كان الإصلاح عبئاً لا يحمله إلا أولو العزم من الرجال، ومعركة لا يثبت فيها إلا أولو الشجاعة من الأبطال.

جاه.. وجاه!

الدعاة إلى الله المخلصون الصادقون يتهافت أبناء الدنيا على رضاهم؛ ليزدادوا به جاهاً على جاههم، والدعاة الكذابون المدجلون يتهافتون على أقدام طواغيت الدنيا ليكسبوا من جاههم جاهاً، وشتان بين جاه مستمد من الله وجاه مستمد من الشيطان!

قلوب... وقلوب!

قلوب الدعاة الصادقين شفافة تلمح م صفاء وجوههم، وقلوب الدعاة الدجالين، صلبة تنعكس أشعتها على نظرات عيونهم.

يا رجال الدعوة

إنكم تتألمون اليوم لاستغلال بعض الناس دعوة الإسلام والأخلاق، إلى جر المغانم لأنفسهم من جاه أو مال أو جرهما معاً، مما آذى سمعة الإسلام، وأضر بالدعوة إلى الأخلاق الإسلامية الصحيحة، لا تتألموا من ذلك يا إخواني؛ فإن استغلال الدين واستغلال ذوي السلطان والقوة للمتظاهرين بالدعوة إلى الله، لم ينقطع في كل عصور التاريخ، وبخاصة في تاريخ الإسلام، ولقد قرأتم في تاريخ المصلحين كيف كانوا في كل عصر يقاومون في دعوتهم من قبل المستغلين للدين أكثر من أعدائه، وأنكم لتعلمون أن أولئك الذين كانوا يقاومون المصلحين كانوا أكثر قوة ونفوذاً في الجماهير ممن يقاومون دعوتكم اليوم أو يستغلونها، حتى إنكم لتجدونهم أقزاماً بجانب أعداء الإصلاح في الماضي، ومع ذلك لقد ذهب أولئك الدجالون جميعاً إلى الجحيم، وبقي المصلحون وحدهم هم الخالدين.

يا شباب الإيمان

يا شباب الإيمان! ستفجعون في كثير ممن تعلقون عليهم الآمال، فلا تيأسوا؛ فإنما أنتم في تجربة إثر تجربة، وحسبكم قلوبكم السليمة وإخلاصكم النبيل، ولا بد أن تتمخض الليالي عن أملكم المنشود، فالله أحنى على دعوته منكم، وأكرم من أن يرد دعواتكم، وأعلم من أن لا تبلغه خفقات قلوبكم.

يا شباب الإسلام

يا شباب الإسلام! إن الإسلام لم يدخل في معركته الكبرى بعد، ولن يدخلها إلا يوم يستوثق من تنظيم صفوفكم، وكفاءة قيادتكم، وحسن طاعتكم، وجودة أسلحتكم، ومعرفتكم لأهداف معركته مع أعداء أمتكم، وتفضيلكم أن تموتوا في المعركة شهداء ترتعون في رياض الجنة، على أن ترجعوا منها أحياء يزهيكم النصر، وترتعون في مفاتن الدنيا، فلا تسألوا عن وقت المعركة؛ فذلك مرهون باستعدادكم، ولا تسألوا عن مكانها؛ فذلك علمه عند ربكم.

دعاء ومناجاة

يا رب! إنك تعلم أن لدعوتك جنوداً كالملائكة طهراً، وكالصديقين إيماناً، وكالأسود شجاعة، وكالماء عذوبة، وكالشمس ضياء، وكالهواء صفاء، قد جمعتهم يدك على الهدى، ولملمتهم دعوتك على بعد المدى، يحاربون من هم أكثر منهم عدداً، وأقوى سلطاناً، وأعز جنداً، وأقوى فتنة، وأشد إغراء، ولكنهم لا يستكثرون بالعدد، ولا يتقوون بالسلطان، ولا يعتزون بالجند، ولا يعبأون بالفتنة، ولا يتأثرون بالإغراء، قوتهم بعبادتك، وعزتهم بجبروتك، وسلاحهم من شريعتك، وفتنتهم بجنتك، وغرامهم بوصالك، وهيامهم بجمالك، هجروا في سبيلك المضاجع، وفارقوا من أجلك الأوطان، وتحملوا لمرضاتك العذاب والآلام، وحرموا للجهاد فيك قرب الأهل والولد، ولذيذ العيش وطيب المقام، فصنهم يا رب من بطش الظالمين، وأبعد عنهم خبث المستغلين، ودسائس المفسدين، وقيادة الجبناء والمغرورين والمراوغين، ولا تجعل لذوي العقد النفسية عليهم سبيلاً، ولا لأصحاب العقول الآسنة المتحجرة عليهم نفوذاً، ووسع مداركهم ليفهموا مرامي الشريعة ومقاصدها الاجتماعية النبيلة، مع دراستهم لمشكلات مجتمعهم دراسة عميقة تصل إلى معرفة أسبابها وعلاجها، واجعلهم ألسنة الشعب الناطقة بالصدق، المطالبة بحقوقه، المدافعة عن قضاياه، بروح الهداة المرشدين، والأطباء الناصحين؛ حتى يرى فيهم الشعب أكرم من حمل لواء الإصلاح، وأصدق من خدم قضايا الجماهير، وأوعى من عالج مشكلات المجتمعات، لا يجاملون فئة على حساب فئة، ولا ينحازون إلى جماعة دون جماعة، لا كما يفعل بعض المدعين للعلم، المتصدين للتكلم باسم الإسلام وهم يدافعون عن فئة من حقها أن تحفظ حقوقها وليس من حقها أن تقر مطامعها واستئثارها، ولكنهم يهملون حقوق الجماهير، وما جاءت الشريعة إلا لرفع مستواها ورد كرامتها إليها، ولا يرفعون أصواتهم بالدفاع عن حقوقها المهضومة، ولا يقض مضاجعهم حياتهم البائسة الكئيبة.

واجعلهم برحمتك دعاة ثورة بنّاءة هدّامة، تهدم ما في المجتمع من مظاهر التخلف والجهل والظلم، وتبني أقوى مجتمع متماسك متحاب لا تحقد فئة منه على فئة، ولا تعتدي قلة منه على حقوق الكثرة الغالبة.

اجعلهم دعاة ثورة كثورة نبيهم وصحابته حين حملوا إلى العالم مبادئ الحق والخير والسلام، فاضطروا إلى أن يزيحوا من طريق الشعوب أعداءها المتسلطين الذين لا تهمهم إلا مصالحهم، ولا تحركهم إلا شهواتهم. اللهم اجعل محمداً صلى الله عليه وسلم مربيهم في الآخرين، كما جعلته مربي أسلافهم في الأولين، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

القوة.. والجاه

من اطمأن إلى القوة فهو مغلوب، ومن اطمأن إلى الجاه فهو مخلوع.

الدهماء.. والحرية

في ضجيج الطبول تختنق أصوات الحرية، وفي صخب المواكب تطمس معالم الحقيقة.

استغلال الساسة

لا يبلغ الأعداء من أمة ما يبلغ فيها استغلال ساستها لمثلها العليا.

القسم التاسع والعشرين

مرض الخائنين

اتهام الناس بالخيانة مرض الذين كانوا من قبل خائنين.

امتداد سلطان المفسدين

لا يغرنك امتداد سلطان المفسدين؛ فإن من حكمة الله أن لا يأخذهم إلا بعد أن لا يوجد من يقول عنهم: يرحمهم الله!

من طبيعة الظالمين!

من طبيعة الظالمين أن ينادوا بالحرية ليئدوها، ويتحدثوا باسم الشعب ليستعبدوه، ويدافعوا عن الفقير لئلا يصبح غنيًّا، ويقاوموا الطغيان ليفرضوا طغياناً أشد وأقسى.

ما أكفره!

من طبيعة الإنسان – إلا من رحم الله – أن يطالب بالحرية والعدالة والكرامة حين يكون ضعيفاً مضطهداً؛ فإذا قوي وتحكم، كان طاغية جائراً مذلاً لكرامات الرجال.

مُخادع

تأخذ الأموال من أجلي، فلماذا لا تنفقها علي وأنا إليها محتاج؟

أيهما أسوأ؟

أيهما أسوأ: الذي يضطهد الأحرار؟ أم الذي يحقد عليهم؟

لا يدوم

لا يدوم لطاغية سلطان، ولا لكذاب محمدة، ولا لبطر نعمة.

بين الاستعمار والطغيان

استعمار الأجنبي يخلق في الأمة روح الكفاح، وطغيان المواطن يقضي على هذه الروح.

بين الاستعمار والطغيان

المستعمر يعمل على استغلالك ثم لا يبالي بسخطك، والطاغية يعمل على إذلالك ثم لا يعجبه إلا أن ترضى وتثني عليه.

غرور الطاغية

الطاغية متأله مغرور، لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعاً.

لا تحقرن أحداً

لا تحقرن أحداً مهما هان، فقد يضعه الزمان موضع من يرتجى وصاله وتخشى فعاله.

ما رأيت!

ما رأيت سياسيًّا لا يكذب، ولا عسكريًّا لا يتغطرس، ولا غنيًّا لا يبطر، ولا حديث نعمة لا يسخف.

المقعد الشاغر [أو: مقعد صلاح الدين]

ما زالت أمتنا تترقب ظهور بطل لها بعد صلاح الدين، وكلما خالت البطولة في إنسان، انكشف لها عن صنم منفوخ تزري عبادته، وتقتل مودته.

الطاغية

الطاغية إله يعبد الشيطان.

زوج الطاغية وأولاده

الطاغية يتزوج الغرور، فيلد ثلاثة أولاد: الحمق، والحقد، والجريمة.

الانقلاب العسكري

الانقلاب العسكري سلب حقوق الشعب باسم الشعب.

الذين يتباكون على الحرية

كل الذين يتباكون على الحرية هم أعداؤها أو سيكونون أعداءها.

خرافة الشعارات!

من أكبر الخرافات التي تروج في عصرنا الحاضر: أن تسمى ديكتاتورية الحكم بالديموقراطية، وإفقار الشعب بالاشتراكية، وانحلال الأخلاق بالتقدمية.

بين فساد الحاكم وفساد الشعب

إذا فسد الحاكم نفقت سوق الضلالة، وإذا فسد الشعب نبتت رؤوس الفتنة.

هذا هو الدهاء

ليس الدهاء أن تخدع شعبك؛ فتلك خيانة ونذالة، ولكن أن تحبط مكر أعدائك؛ فتلك وطنية ورجولة.

هذا هو الدهاء

الدهاء مكر بأعدائك، وحسن تصرف مع أصدقائك.

اضطراب المقاييس

حين تضطرب مقاييس الرجولة يحكم النساء الرجال، وحين تضطرب مقاييس البطولة يحكم اللصوص الشجعان، وحين تضطرب مقاييس الفضيلة يحكم الأوباش الكرام.

حكم الفرد الحازم؟

إذا كانت السياسة خداعاً، والنيابة تجارة، والحكم مغنماً، كان حكم الفرد المستقيم الحازم أنفع للأمة، ولكن أين هو؟!

إذا كانت! [أو: حكم شيوخ البدو!!]

إذا كانت الحزبية أحقاداً، والمبادئ شباكاً، والعقائد تشتتاً، والديموقراطية فوضى أو استبداداً، كان حكم شيوخ البدو في الصحراء أحقن للدماء، وأحفظ للأعراض، وأضمن للأموال، وأصون للوحدة، وأرعى للكرامة، وخير من هذا وذاك: أن يعود الناس إلى شرع الله الحكيم.

حكم الشريعة

في النظام البرلماني الميوعة والفوضى، وفي الحكم الفردي: التسليط والاستبداد، وفي شريعة الله: العدل والنظام.

الحزبية الحاقدة

الحزبية الحاقدة تقتل مواهب الشرفاء، وتفجر طاقات الخبثاء.

الحزبية الرخيصة

الحزبية الرخيصة تدني اللئام، وتقصي الكرام، وتنظر إلى الجماهير نظر الأنعام.

"رذيلة" الوفاء!

الوفاء فضيلة ولكنه إذا كان لطاغية أصبحح رذيلة.

هذه الموهبة السياسية!

البصر بالسياسة موهبة لا يكفي فيها الإخلاص ولا الاستقامة.

أعظم السياسيين

أعظم السياسيين نجاحاً: من استطاع أن يسوس زوجته.

شعب ينقصه الوعي

لم يكتمل وعي شعب يصفق لكل حاكم، ويخدع بكل متكلم.

قادة معركة التحرر

من كان أسير هواه لم يصلح لقيادة معركة التحرر في شعبه.

(شر حقد)

شر حقد: حقد الحاكم على خيار رعيته.

أسوأ الحلم

أسوأ الحلم: حلم الحاكم عن سفهاء رعيته.

حكم لا يدوم

من أقام حكمه على الغدر والخداع والكذب؛ فقد أقامه على حجر متدحرج.

كبرياء الطغاة وحياتهم

كبرياء الطغاة من ذلة الشعب، وحياتهم من موته.

الحاكم والشعب

قال القرطاس للقلم: لولاي لما حفل بك الناس.

قال القلم: لولاي لما كان لوجودك معنى، كذلك الحاكم مع شعبه.

"جبرية" السياسة!

العامة سفينة شراعية تتجه مع الريح أنى اتجهت.

الحكم!

الحكم محرقة أو مخرقة وقلّ فيه الخالدون.

خداع الاستعمار

الغربي وحش يستر مخالبه بالحرير ليخدع فريسته.

الجماهير الجاهلة

الجماهير الجاهلة تمكن جزاريها من رقابها وهي تصفق لهم.

القوة والضعف

القوة هي ترك العدوان مع توفر أسبابه، والضعف هو الطيش عند أقل المغريات.

يخربون بيوتهم بأيديهم

إن لله سيوفاً تقطع رقاب الظالمين منها: أخطاؤهم، وحماقاتهم.

من جنود الحق

إن للحق جنوداً يخدمونه، منهم الباطل.

النظام الديكتاتوري

النظام الديكتاتوري حاكم له مظاهر الألوهية وأفعال الشياطين، وشعب تعداده ملايين الأجسام وله عقل واحد، وأرض تذرع ملايين الفدادين يسكنها ظالم واحد، ودولة فيها ملايين العبيد يحكمها سيد واحد، وتاريخ كان يكتبه الملايين من الصادقين فاحتكر كتابته كذاب واحد.

الديكتاتورية والتقمص!

الديكتاتورية: إلغاء ملايين العقول والاكتفاء بعقل واحد، والازدراء بملايين الآراء وتمجيد رأي واحد، وإهمال ملايين الفعاليات واستعمال فعالية واحدة، والديكتاتورية أعجب عملية "تقمص" في تاريخ العقائد: تتقمص الملايين في شخص واحد، فتسافر إن سافر، وتقيم إن أقام، وتبكي إن بكى، وتسخف إن سخف، وتهوي إذا هوى.

الطاغية شيطان يتحدى

الطاغية يتحدى صفات الألوهية والنبوة، إن الله حين أراد أن يخلق آدم أخبر الملائكة، والرسول حين أراد أن يخوض معركة بدر استشار أصحابه، والله يرحم عباده، والرسول يشفق عليهم، أما الطاغية: فلا يخبر بل يأمر، ولا يستشير بل يشير، ولا يرحم ولا يشفق، بل يظلم ويُعنت.

الديكتاتورية ردة!

الديكتاتورية أبشع ردة في عصر الذرة إلى عصر الاسترقاق الجماعي في العصر الحجري الأول.

هذا هو الانقلاب

الانقلاب أن تتكلم البندقية بدلاً من اللسان، ويقنع المدفع بدلاً من البرهان، ويجتمع السياسيون في السجن بدلاً من البرلمان، وتتحكم الأحذية الغليظة في العقول والأذهان.

بداية الانقلاب ونهايته

كل انقلاب يبدأ مشرقاً وينتهي مظلماً، ويبدو مخلصاً، وينكشف أنانيًّا، ويلفظ باسم الشعب ثم ما يلبث أن يلفظ الشعب نفسه.

القسم الثلاثين

بداية الانقلاب ونهايته

الانقلاب يبدأ ضد شخص أو وضع، ثم ما يلبث أن يصبح انقلاب قادته بعضهم على بعض.

الأحد:18/11/81هـ

22/04/1962م

السيئات "تنسي" الحسنات!

من أحسن إليك ثم أساء فقد أنساك إحسانه.

ميادين الاختبار

في المآزق ينكشف لؤم الطباع، وفي الفتن تنكشف أصالة الرأي، وفي الحكم ينكشف زيف الأخلاق، وفي المال تنكشف دعوى الورع، وفي الجاه ينكشف كرم الأصل، وفي الشدة ينكشف صدق الأخوة.

احذر من هؤلاء

احذر الحقود إذا تسلط، والجاهل إذا قضى، واللئيم إذا حكم، والجائع إذا يئس، والواعظ المتزهد إذا كثر مستمعوه.

الاثنين: 19/11/81هـ 23/04/62م

المنافق

المنافق شخص هانت عليه نفسه بمقدار ما عظمت عنده منفعته.

كذب على كذب

قيل لخطيب منافق: لماذا تتقلب مع كل حاكم؟ فقال: هكذا خلق الله القلب متقلباً؛ فجموده مخالف لأوامر الله!

تسليط الأشرار والظالمين

إن الله يعاقب على المعصية في الدنيا قبل الآخرة، ومن عقوبته للمجتمع الذي تفشو فيه المعاصي والمظالم: أن يسلط عليه الأشرار والظالمين.

تسليط الأشرار والظالمين

لم يرضهم حكم الله في أموالهم؛ فسلط عليهم من يحكم فيهم بحكم الشيطان.

دجاجلة الدين وطواغيت الدنيا

أمر الله أن يعطي الفقير حقه والغني حقه، فدافع دجاجلة الدين عن حق الغني ولم يدافعوا عن حق الفقير، ودافع طواغيت الدنيا عن حق الفقير وأكلوا حق الغني، والله أعدل الحاكمين.

الإلحاد وصراع الطبقات

قامت الشيوعية لتسعد المجتمع البائس فزادت بؤسه بأمرين خطيرين: الإلحاد، وصراع الطبقات، ولا بد أن تفيء الإنسانية إلى اشتراكية الإسلام في القريب أو البعيد.

اشتراكية الإسلام

سيأتي يوم ينادي باشتراكية الإسلام من يحاربها اليوم جموداً وقصر نظر.

حكم الاشتراكيين!

قد يكون من حكمة الله في تسلط الاشتراكيين على مقاليد الأمور: أن الإسلام – بممثليه الرسميين وتشتت دعاته وعجزهم عن تفهم التيارات العالمية – كان عاجزاً عن إصلاح الوضع الاجتماعي الحاضر إصلاحاً جذريًّا، فسلط هؤلاء على البناء المتهدم لينسفوه، ثم يقوم الإسلام بدوره الإنشائي العظيم.

أبعد نظراً

سيحكم التاريخ في أي الفريقين كان أغير على الإسلام وأبعد نظراً: دعاة اشتراكية الإسلام، أم محاربوها؟

الثلاثاء: 20/11/81هـ 24/04/62م

عصور الخير

لم يكن أهل الخير في عصر من عصور التاريخ أكثر عدداً من أهل الشرك أو يساوونهم، ولكن عصور الخير هي التي تمكن فيها أهل الخير من توجيه دفتها.

الحرية – وحمايتها (أو: باسم حماية الحرية. أو: حماية الحرية)

تضحي الشعوب كثيراً في سبيل حريتها، فإذا نالتها سجنها الطغاة باسم حماية حريتها.

الثورة

الثورة استغلال عواطف الشعب البريئة لأغراض غير بريئة.

قيود "الإنقاذ"!

كل الثورات جاءت لإنقاذ الشعوب وما تزال هذه الشعوب تئن من وطأة القيود.

المغرور والمفرط

من عرف قدر نفسه فليس بمغرور، ومن عرف قدر إخوانه فليس بمضيع، ومن عرف فضل أمته فليس بمفرط، إنما المغرور والمضيع والمفرط: من رفعته أمته فلم يعرف لها قدرها، وازدراها فسامها سوء العذاب.


اشتراكية الحبّ

في كل مرة يحاول فيها زعيم الشيوعيين دخول البلاد تسري روح من القلق والاضطراب، فتبادر الحكومة إلى تطمين الرأي العام بأنها منعت دخوله، وفي كل مرة يشترك فيها.. في الحكم يساور الناس جو من الجزع على مستقبلهم؛ قتبادر الحكومة إلى تطمينهم بأنها ليست لحزب معين، وأنها ستتبع سياسة اشتراكية عادلة بناءة.. وفي كل مرة تعلن فيها الحكومة عن إنصاف العمال والفلاحين، تسري في البلاد هزة من الفرح والاطمئنان. لقد تكرر هذا أكثر من مرة، فدل على أن الأمة تريد اشتركية الحب لا اشتراكية الحقد، وأنا أسميها اشتراكية الإسلام.

الاجتماع قوة [أو: قوة الجماعة. أو: الجماعة]

صادفت جماعة من النمل بعيراً متجهاً نحوها، فقال بعضها لبعض: تفرقن عنه كي لا يحطمكن بخفه، فقالت حكيمة منهن: اجتمعن عليه تقتلنه.

إحسان!!

سألت شاة خبيثة صاحبها: لماذا تعلفني؟ قال لها: شفقة عليك، قالت: أرأيت لو هزلت حتى لم أعد أصلح للأكل أكنت تطعمني؟ كذلك مثل الأقوياء حين يحسنون إلى الضعفاء.

قيادة الأغرار

إياك وقيادة الأغرار في معركة حاسمة، فإنهم إما أن ينشغلوا بك عن أنفسهم، وإما أن ينشغلوا بأنفسهم عنك، وفي كلا الحالين توقع الهزيمة.

ألم وأمل!

رب ألم تشكو منه اليوم تتمناه غداً.

متى تبدأ معركة الخير والشر؟

الصراع القائم الآن بين شرين: أحدهما يدعي الرحمة وهو يذبحها، والآخر يدعي الدين وهو يحاربه، ولم تبدأ بعد معركة الصراع بين الخير والشر.

شكوى.. وشكوى

كنا نشكو من الحكام الفاسدين، فأصبحنا نشكو من الحكام المفسدين، وكنا نشكو من الحكم الضعيف، فأصبحنا نشكو من الحكم الظالم، وكنا نشكو من النظام المتداعي، فأصبحنا نشكو من النظام المرتجل، وكنا نشكو من إهمال رغبات الشعب فأصبحنا نشكو من استغلال رغبات، وكنا نشكو من العلماء الغافلين، فأصبحنا نشكو من الأدعياء الدجالين.

لا يدوم الزيف والخداع

سمعت الحق والحرية يتناجيان سرًّا وكان مما قالاه: ما أسيء إلينا في عصر كهذا العصر؛ لقد اتخذنا ستاراً وشباكاً، واضطهدنا ممن يتحبب إلينا أكثر ممن يناصبنا العداء، وكان التاريخ قريباً منهما، فهدأ روعهما وقال: سأفضح لكما زيف الخداعين والمتاجرين.

أحكام الشريعة وسلوكها

من لم ينبع تفكيره من مبادئ الشريعة ضل، ومن لم يستمد سلوكه من أخلاقها انحرف، ومن لم يقيد عمله بأحكامها ظلم.

وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً

التقى ذئب وضبع في الطريق، فأخذ كل منهما ينتقض الآخر. قال الذئب للضبع: أنت لا تقوى على مواجهة النور، فقال له الضبع: وأنت لا تقوى على مواجهة القوة، قال الذئب: أنت جبان لا تفترس ضحيتك إلا في الظلام، قال الضبع: أنت نذل لا تفترس إلا الشاة الوادعة في غفلة من الراعي، وكانت بعيداً منهما شاة مختبئة تسمع كلامهما ولا يريانها، فقالت: اللهم سلط كلاًّ منهما على الآخر حتى أسلم منهما.

خداع النظر

أكثر الأشياء ثباتاً في النظر أكثرها اضطراباً في الواقع.

اختلاف الظالمين

قد يجتمع الظالمون على أمر فيه تحقيق مطامعهم، ولكن سرعان ما يختلفون ويكشف بعضهم مخازي بعض ? وكذلك نُولّىِ بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون?.

العدو والخصم

لا تطلق لفظ "العدو" إلا على الأجنبي المحارب، أما المواطن الذي تختلف معه فهو "خصم". والعدو لا تنفع معه إلا الشدة، والخصم يفيد معه كثيراً حسن الخلق، والإغضاء عن الإساءة، وترك الفرصة ليفهمك.

انتقام الفتنة

مثيرو الفتن يريدون أن ينتقموا من بعض الناس فتنتقم الفتنة منهم ?يُخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار?.

على الباغي تدور الدوائر

الذين يشعلون النار ليحرقوا بيوت جيرانهم، أول ما تحرق النار بيوتهم وهم لا يشعرون.

لهب الفتنة ورمادها

لهب الفتنة يخطف أبصار الطامعين الحمقى ثم ما يلبث أن يجعلهم من رمادها.

وقود الفتنة ومشعلوها

العامة وقود الفتنة، والخبثاء مؤججو نارها، والنظام الاجتماعي الصالح أغلى ضحاياها.

دخان الفتنة

إذا لم تستطع إخماد نار الفتنة فابتعد عنها؛ فإنك إن لم تصبك نارها أصابك دخانها، والعاقل من توقى دمارها ولم يشهد عارها، ولا يستطيع أحد أن يتجنب آثارها، فإنها كريح عاد تدمر كل شيء أتت عليه بأمر ربها.

إذا اختلف الظالمان

إذا اختلف الظالمان انكشفت أسرار اجتماعهما أولاً وافتراقهما أخيراً، وفي ذلك مصلحة المظلومين.

السياسة والأخلاق

في كل عصر تلتزم السياسة فيه بمبادئ الأخلاق، يكون عصر ازدهار ورخاء وسلام، وكل عصر تنفصل فيه السياسة عن الأخلاق، تشيع فيه الفتن وتقع الأزمات.

السياسة!

السياسة كالسمكة الكبيرة تبتلع الذين يصغرون عنها.

ظهور المغمورين

إذا ابتسم الدهر للمغمورين فأظهرهم على مسرح الحوادث، فإن أظهروا كفاءة وجدارة بالمكانة التي وصلوا إليها كان ذلك دليلاً على أن المجتمع كان له ولهم ظالماً، وإلا كان ذلك دليلاً على أن القدر كان بهم وبالمجتمع رحيماً.

الزعماء الصغار وصغار الزعماء!

بعض الناس تليق بهم الزعامة على حداثة سنهم، وبعض الناس تليق بهم حداثة السن على عظيم زعامتهم.

خداع الدعاية!

بعض الناس يرون أن الدعاية خير طريق لتثبت زعامتهم مع أنها خير طريق لتهديمهم.

الزعيم الحالم والزعيم الحلم

بعض الناس يحلمون فيتوهمون فيتزعمون فينطفئون، وبعض الناس تحلم بهم أمتهم فتقدمهم ثم تزعمهم ثم يتألق نجمهم، ثم لا ينطفئ أبداً مهما غيبتهم عن الأنظار وأحداث الزمان.

زعامة كاذبة

النجم الذي يتألق فجأة ينطفئ فجأة.

المواهب أولاً

قد تقدم الظروف إنساناً، ولكن كفاءاته ومواهبه هي التي تثبته في المكان الذي قذف إليه.

القسم الواحد والثلاثين

فوضى المفاهيم والتنابز بالألقاب [أو: فوضى المفاهيم السياسية]

من أغرب أمورنا السياسية: أن الأحزاب والحكومات عندنا تنادي بمبادئ ليست لها مفاهيم محددة واضحة كالديمقراطية والاشتراكية والتقدمية؛ ومع ذلك فهذه الأحزاب لا تتورع عن اتهام خصومها بالإقطاع والرجعية والخيانة لمجرد اختلافها معها في تحديد هذه المبادئ.

الشعارات الكاذبة مطية الحكام

من أسوأ ما منيت به البلاد في هذه الأحزاب التقدمية الاشتراكية الديموقراطية أنها حين تأتي إلى الحكم في الظلام تنسى تقدميتها باتباعها أساليب الأحزاب القديمة في التوظيف والتعيين، وتنسى اشتراكيتها بتخصيص الوظائف لفريق من الناس هم أنصارها من غير اعتبار للكفاءات، وتنسى ديمقراطيتها باستبدادها بأمور الحكم باسم الشعب وهي لا تمثل إلا أقل الأقل من أبناء الشعب كما أثبتت دائماً الانتخابات الحرة النزيهة. ومع ذلك فهي تصر على أنها تسمي حكمها حكماً ديمقراطياً اشتراكياً تقدميًّا.

وسيلة خير وشر

يقولون: إن من محاسن هذه الحضارة أنها اخترعت الإذاعة والتلفزيون والصحافة لإشاعة المعرفة في أوساط الجماهير، ونسوا أنها استعملت أيضاً، لتضليل الجماهير عن الطريق الصحيح للمعرفة.

من مساوئ أجهزة الإعلام

أجهزة الإعلام تجعل من أتفه الناس وأجهلهم مشهورين، ومن أخلص الناس وأعلمهم مغمورين.

يوم يتحرر الإسلام من هؤلاء

كل يتجاذبون الإسلام ليخدعوا به الجماهير ويصرفوها عن جرائمهم في اغتصاب حقوقها، والإسلام مكموم الفم، موثق الأيدي عندهم جميعاً، ويوم يتحرر منهم سيكون له معهم شأن آخر.

ثورة لا تنقطع وجبين لا يعفّر

أراد الله بالإسلام أن يكون ثورة على الفساد، وبناءً للخير، فحقق به المسلمون الأوائل أعظم تقدم بالإنسان نحو إنسانيته الكاملة، وأراد المسلمون به في العصور الأخيرة مؤيداً للفساد مشوهاً للخير فرجعوا بإنسانيتهم إلى ما قبل عصور الجاهلية الأولى. ويريد به المصلحون اليوم أن يكون ثورة وبناءً كما كان من قبل في العصور الزاهرة الأولى، ويريد به المفسدون اليوم أن يكون سنداً لفسادهم، والطغاة أن يكون ستاراً لطغيانهم، ويأبى الله أن تغل يد الإسلام القوية، وأن يغطى وجهه المنير، وأن يكون ألعوبة تتقاذفه الأهواء ذات الشمال وذات اليمين، ولكل أجل كتاب ?والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون?.

مرتع خصيب

الجهل بالدين مرتع خصيب لضلالات الشياطين، والفقر في الدنيا مرتع خصيب لمؤامرات المتربصين، وفقدان العدالة الاجتماعية مرتع خصيب للثورات والبراكين، ومخالفة دين الله مرتع خصب للهلاك المبين.

آفة التعصب الحزبي

ليس أكذب على الله والتاريخ والحق والشعب من أولئك الذين يتظاهرون بالشعارات المحبوبة من الجماهير وهم لا يتخلون عن حزبيتهم داخل الحكم وخارجه في كبير الأمور وصغيرها؛ وهم آفة في حياتنا السياسية قديماً وحديثاً.

سياسة الأهواء والشهوات

ليست مشكلة الأمة في السياسيين ذوي العقائد المتباينة، بقدر مشكلتها في السياسيين ذوي الأهواء المتباينة. ولسياسي متوسط الثقافة ذكي مخلص أنفع للأمة من مائة سياسي فلاسفة عباقرة تتحكم فيهم الأهواء والشهوات.

اختلاف الأشرار

اختلاف الأشرار فيما بينهم بدء نهايتهم.

مواطنان!

بعض الناس يقرضون الوطن ما هو إليه محتاج، وبعضهم يقرضونه بما هوعنه مستغن، والفرق بين أولئك وهؤلاء: أن أولئك يضمون إلى الوطن قوة، وهؤلاء يفتحون عليه ثغرة.

اضطرار!

قد تحتاج يوماً ما لرفقة الذئب اتقاء لشر الثور الشرس.

الراحة – أو الحياة

خيرت الشاة بين أن تنام مع ذئب نائم، أوتنام مع كلاب تتهارش. فقالت: إن تهارش الكلاب يفقدني راحتي، أما الذئب فأفقد معه حياتي.

يقظة الراعي

الراعي اليقظ يضيع على الذئب أحلامه الشرهة.

حين تخلو الساحة

حين تخلو الساحة من الأبطال: يتمنطق بالسلاح كل جبان خوار، وحين تخلو من الزعماء: يتصدى للقيادة كل سفيه غرير، وحين تخلو من الأمناء: يتظاهر بالوفاء كل خوان حقير، وحين تخلو من الحكماء: يدعي الفلسفة كل جاهل مغرور، وحين تخلو من المجاهرين بالحق: يصول فيها كل طاغية لئيم.

زعامة الصغار!

إذا تصدى للزعامة صغار العقول، سفهاء الأحلام، كان ذلك علامة على طغيان الأهواء، وانحلال الأخلاق، وتفسخ المجتمع.

من أصناف السياسيين

أكثر السياسيين كذباً: أكثرهم احتقاراً لوعي الشعب، وأكثرهم تبدلاً: أكثرهم مهانة في نفسه، وأكثرهم حرصاً على الفتن: أكثرهم فقداناً للمؤهلات، وأكثرهم جرأة على الحق والفضيلة: أكثرهم فقراً في الدين والأخلاق.

المصلحة الخاصة والعامة

الناس في العمل للمصلحة العامة ثلاثة: واحد ينسى مصلحته الخاصة؛ فهذا أكرم الناس، وواحد يذكر مع المصلحة العامة مصلحته الخاصة؛ فهذا من أفاضل الناس، وواحد لا يذكر إلا مصلحته الخاصة؛ فهذا شر الناس.

سباق!

رب حبل حاولت قطعه ثم رأيته ملتفاً حول عنقك.

حال لا تدوم

جديد اليوم عتيق الغد، ومشهور اليوم مغمور الغد، وحاكم اليوم محكوم الغد، وعزيز اليوم ذليل الغد، وغني اليوم فقير الغد، وقوي اليوم ضعيف الغد.

لا تستعجل عقوبة الله للمفسدين

لا تستعجل عقوبة الله للمفسدين، فقد جهدوا أن يهدموا دعوة الإسلام، ويؤذوا جنوده الصادقين، فأمهلهم الله بضع سنين، وأمدهم بالمال ومظاهر الجاه والنفوذ، حتى إذا انكشفوا على حقيقتهم مغرورين مجرمين، كاذبين في ادعاء الورع والغيرة على الدين، أذاقهم الله العذاب الأليم. ?وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليمٌ شديد?.

حقد الطاغية

الحقد الشخصي يقتل صاحبه كمداً، والحقد السياسي يعوق المجتمع عن سيره الصحيح، وحقد الطاغية يدمّر الأمة تدميراً.

الطاغية عدو أمته!

الطاغية يحقق لأعداء الأمة من المكاسب ما لا يستطيعونه بالانتصار في المعارك.

• الطاغية يذل الأمة، ويعز أعداءها.

• حسب الأمة شقاءً بالطاغية، أن يميت أحرارها، ويحيي أشرارها.

تطفيف [أو: مشكلتنا مع الدول الكبرى]

مشكلتنا مع هذه الدول الكبرى: أنها تطعمنا ما لا تأكل، وتكسونا ما لا تلبس، وتعطينا ما لا تأخذ، وتحيينا فيما تكره، وتدعم من أشقيائنا من تشنق أمثالهم في بلادها.

عقل الطاغية المصنوع!

كل إنسان راضٍ بعقله الذي خصّه الله به إلا الطاغية؛ فإنه يأبى إلا تصنع يده له عقلاً جديداً، ومن عجيب عقوبة الله له: أن يكون عقله المصنوع أبلد من عقله المطبوع.

لولا الطغاة

لولا الطغاة، لما عرفنا أدعياء الحرية من شهدائها، ولا أصدقاء الشعب من أعدائه، ولالتبس على كثير من الناس من بكى ممن تباكى.

فتنة واختبار

حكم الطغيان يكشف الدناءة المستورة، والحقارة المغيّبة، كما يكشف الرجولة المغمورة، والفضيلة المهجورة.


حياتهم لا حياة الطاغية

عبيد الطاغية يدافعون عنه؛ إبقاءً على حياتهم لا على حياته.

عبيد الطغاة

لا يتهافت على فتات عهد الطاغية؛ إلا الذين لا يجدون ما يأكلون في عهود الحرية، ولا يعتز بالسير في ركاب الطاغية؛ إلا الذين تدوسهم مواكب الأحرار.

لهذا يحرقون للطاغية البخور

لا تعجب من مغمورين سلط الطاغية عليهم الأنوار أن يحرقوا له البخور، ويمشوا بين يديه بالمزمار؛ فلولاه لظلوا في الظلام مغمورين ليس لهم نهار، إذا الأحرار كان لهم نهار.

الطاغية.. والحقيقة

لا يخاف الطاغية من شيء كما يخاف من الحقيقة، ولذلك لا يعتمد على شيء كما يعتمد على الكذب والتمويه، ولا يكره شيئاً كما يكره الصدق والصراحة.

عجز.. لا يقظة ضمير

قد يحارب الطاغية من كان عوناً له بالأمس، ولا يخدعنك حربه له، فلو استطاع أن يكون طاغية مثله لظل له وفيًّا.

أنواع الطغاة

في الطغاة صغار وكبار؛ وصغار الطغاة شر من كبارهم، وفيهم حقراء وعظماء؛ وحقراء الطغاة يستحقون الشفقة والرثاء أكثر من عظمائهم.

أوهام الطغاة

الطغاة يصنعون الأوهام في عقول الأمة، لتستسيغ وَهْمَ عظمتهم، وما يستسيغها إلا سفهاء الأحلام، ومن ثمة كان جل أنصار الطغاة من الأطفال والنساء والسخفاء.

الطاغية سوق النفاق

أكثر الناس ضحكاً على الطاغية في قرارة أنفسهم هم المنتفعون منه، ويوم يزول يكونون أكثر الناس لعناً له؛ إلا أن يكون فيهم ذمّاء من الوفاء والحياء، وقلَّ أن يكون عند أعوان الطغاة أثر منهما.

الطاغية.. عقوبة!

أكبر عقاب للأمة المتخاذلة: وجود الطاغية بينها.

من عقوبة الله للطاغية ولصانعيه

من عقوبة الله للطاغية؛ أن يفضحه ويكشف تهريجه من كانوا سبباً في فرض طغيانه، ومن عقوبة الله لهم: أن يفضحوا بأنفسهم صمتهم وطاغوتهم.

من حكمة الله في تمكينه للطاغية

قد يكون من حكمة الله في تمكينه للطاغية، أن تقتنع الجماهير أنَّ حكم الشورى أسلم طريق بنَّاء للوصول إلى الاستقرار، فلا تُفتن بعد ذلك بمظاهر البطولة أبداً.

من علامة انحدار الأمة

من علامة انحدار الأمة: أن يتمكن أشرارها من حكمها، ثم يتسلط هؤلاء الأشرار بعضهم على بعض، فيشغلوها بأحقادهم ومطامعهم عن علاج مشكلاتها، ودرء الأخطار المحدقة بها.

من علامة شقاء الأمة

من علامة شقاء الأمة: أن تشغل بنفسها عن أعدائها.

حدود المجاملة!

لا تجامل الناس على حساب ما يؤذيك في عقيدتك أو شعورك أو جسمك، وتلطف في ذلك بما لا تُذم به.

شعور الكاذب

لست أدري ما هو شعور الذي يدفع التهمة عن نفسه بما يعلم أنف فيه كاذب، أغلب ظني أنه في قرارة نفسه يحتقر نفسه، إن كانت فيه بقية من أخلاق.

بدء نهاية الطغاة

أول صوت يرتفع مع المضطهدين، هو بدء نهاية الطغاة والظالمين.

أعين الحق

في أحكام الظلام التي يدبر فيها الطغاة مؤامراتهم، تلاحقهم أعين الحق، فتفضحهم بغتة وهم آمنون.

شر النكبات

شر النكبات ما سبَّبها سوء الأخلاق، ولازمها سوء التصرف، وأعقبها سوء السمعة.

بين جسم المرء وضميره!

كلما نحف ضمير المنحرف سمن جسمه.

العقل.. والعاطفة

في الحرب يجب أن تكون العاطفة أقوى من العقل، وفي السياسة يجب أن يكون العقل أقوى من العاطفة، وفي البيت يجب أن يتعادل العقل والعاطفة، وفي الحب لا مكان للعقل أصلاً.

بينك وبين الناس!

أنت أغنى الناس حين تستغني عن أموالهم، وأقواهم حين تحتقر أطماعهم، وأكرمهم حين تترفع عن مباذلهم.

أخذ الطاغية

إذا أراد الله أخذ الطاغية زاده عناداً وغروراً.

من لوث يده بدم الأخيار

من لوَّث يده بدم الأخيار، أزال الله عزَّه بأيدي الأشرار.

أكبر أعوان الطاغية

أكبر أعوان الطاغية "سكوت" الصالحين، و"كلام" الطالحين.

القسم الثاني والثلاثين

الأيدي.. وسلاح المال

المال سلاح فتاك، فإن كان بيد المؤمنين العامل؛ فهو سلاح ضد الشر والحرمان، وإن كان بيد السفيه الفاجر؛ فهو سلاح ضد الخير والإحسان، وإن كان بيد الطاغية؛ فهو سلاح ضد الخُلق والحق والحرية والأمان.

حب المال يفضح هؤلاء

حب المال يفضح أدعياء: الدين، والوطنية، والإخلاص، والإصلاح، والحرية، والاشتراكية.

لا بد للخير من قوة تحميه

الخير حمل وديع، والشر ذئب ماكر، فانظر هل يسلم الحمل من الذئب، إلا أن تكون وراءه قوة تحميه؟

آثار الكذب على العاملين الشرفاء

أسوأ آثار الكذب على العاملين الشرفاء: أنها تشغلهم عن المضي في رسالتهم بالدفاع عن أنفسهم؛ إثباتاً لبراءتهم تجاه جمهور لا يملك من الوعي ما يمحص به الحقائق من الأباطيل بسرعة وبدقة.

للنجاح في معترك السياسة

سلامة القلب، ونظافة اليد، وصحة العقيدة، واستقامة الأخلاق، لا تكفي وحدها للنجاح في معترك السياسة ما لم يضف إليها: ألمعية الذهن، ومرونة العمل، وحرارة الروح، وتفهم مشكلات المجتمع وطبائع الناس.

لا تخف من الناقدين

لو أنك تهيبت العمل خوفاً من الناقدين لما عملت أبداً، ولكن اعمل ما تعتقد صحته، وتُرجح فائدته، وترضي به ربك، وتكسب به ثناء العقلاء والمخلصين؛ فإن غضب عليك بعد ذلك في حياتك من غضب، فسيرضى منهم عنك بعد موتك من يرضى.

أساس نكبة أمتنا

أساس نكبة أمتنا في القديم والحديث: حكامها الظالمون، وأذكياؤها المنافقون، وعلماؤها الغافلون.

خمسة لا أمان لهم

خمسة لا أمان لهم: ملحد ينكر وجود الله، ومتسلط لم يصل إلا بالغدر والجريمة، ومغمور نشأ في بيئة فاسدة ثم ساعدته الظروف على الظهور، ومغرور حاقد متعطش لسفك الدماء، وكذاب أوصله كذبه إلى الشهرة والمجد.

الشعور بالمسؤولية

ليس أثقل ولا آلم ولا أشد وثاقاً، ولا أعظم وزراً، ولا أنفى للراحة، ولا أجلب للهم والمرض، ولا أعدى للصحة والشباب: من الشعور بالمسؤولية.. ولقد رأيت الذين يشعرون بها ويعطونها حقها من العناية، أقل من القليل..

المسيطرون في الفتن

في الفتن: إما أن يسيطر العباقرة أو السفهاء، ولا مكان فيها لمتوسطي المواهب والمستقيمين الطيبين.

متى يظهر لؤم النفوس

لؤم النفس لا يظهر إلا عند هبوب الرياح، وبعض لئام النفوس كثيراً ما يظهرون بمظاهر القديسين، حتى إذا هبت رياحهم ترحمت من أجلهم على بعض الشياطين..

من مظاهر الخسّة واللؤم

من مظاهر الخسّة واللؤم، أن يتصنع الإنسان العظمة والحزم والكبرياء أمام إخوانه وأعوانه، وهو من أجبن الناس وأذلهم وأنذلهم إزاء الأقوياء والرؤساء.

الذي يبيع إخوانه وكرامته

من باع إخوانه وسمعته وكرامته، لقاء منصب تفضل به عليه المتسلطون، كانت بنت الهوى أحسن منه حالاً في بعض الحالالت؛ إن منهن من يلجئهن الجوع لبيع شرفهن، وهؤلاء يلجئهم التهالك على الجاه الزائف إلى التفريط بشرف بلادهم وحقوق أمتهم.

عاران!

من لا يستحي من عار المهانة علناً تكالباً على إرضاء المتنفذين؛ لا يستحي من عار الخيانة سرًّا؛ ترامياً على أقدام الطامعين.

معادن.. ومقاييس

أسد هزيل أرهب في النفس من حمار فاره، وفرس مقيدة أنبل في العين من بغل طليق، وكسرة خبز يابسة ألذ في فم الرجل الحر من لذيذ الطعام والشراب في فم العبد المهين.

الحلية المستعارة!

الحلية المستعارة بقاؤها غنى مفضوح، واستردادها فقر مُهين، ولا يفتخر بالمستعار إلا المملقون.

لا ينصرون

لا تنتصر الأمة في معركتها مع أعدائها بخمسة: متهالك على الشهرة، جبان عند العمل شجاع عند القول، مغرور يقدر نفسه أكثر مما هي ويقدر أعداءه أقل مما هم، مؤثر للسلامة على التضحية، وللحياة على الموت.

خبث النية

خبث نية القائد تقود الجنود إلى الهزيمة ولو كانت نواياهم حسنة، وهذا غير المكر والدهاء والحيل في الحروب؛ فإنها من وسائل النصر على الأعداء.

معادن الناس

الناس معادن، خيارهم في السراء خيارهم في الضراء، وخيارهم في التولية خيارهم في العزل، وخيارهم في الجاه خيارهم في الخمول، وخيارهم في القوة خيارهم في الضعف، وخيارهم في الجندية خيارهم في القيادة.

ليس في السياسة عواطف

ليس في السياسة الدولية عواطف بل عقول، ولا مجاملات بل مصالح، والسياسي الإنساني هو الذي يعمل لمصالح قومه ضمن مبادئ الحق والخير والسلام.

الخصومة والعداوة في السياسة

ليس في السياسة خصومة دائمة، ولا صداقة دائمة؛ فصديق اليوم قد يكون خصم الغد، وخصم الأمس قد يصبح صديق اليوم، ذلك شأنه في الأفراد والشعوب.

أصعب شيء

أصعب شيء على السياسي المستقيم أن يرى الدجالين في السياسة يستهوون الغوغاء بكاذب القول ومعسول الوعود.

بعض السياسيين

بعض السياسيين في أمتنا يبدأون حياتهم السياسية كالعاشقة، وينتهون إلى أن يكونوا كبائعة الهوى.

تطور السياسة

كانت السياسة في بلادنا وطنية، ثم غدت استغلالاً، ثم حاولت أن تكون إصلاحاً، ثم أصبحت اليوم إما تضحية تجعل صاحبها من الأبطال، وإما وصولية تجعل صاحبها من الأنذال.

لنا الله من هؤلاء

لنا الله من حراس يردعوننا ، وأمناء يخونوننا، ووكلاء يتآمرون علينا، وعيون لنا يصبحون علينا، وأطباء أصبحوا مرضى، ومضمِّدين انقلبوا جارحين، وأساة صاروا شامتين.

السياسي الناجح

السياسي الذي يعتمد على الجماهير الجاهلة وحدها سياسي دجال، والسياسي الذي يعتمد على المثقفين وحدهم سياسي فاشل، والسياسي الناجح هو الذي يستطيع أن يجمع حوله المثقفين والجاهلين.

لا خير فيهم

الذين تجمعهم وحدة النضال ثم تفرقهم مغانم الحكم: أناس لا يصلحون لقيادة الوطن، والذين تجمعهم ضجة المواكب ثم تفرقهم عصى الظالم: قوم لا ينصرون ضعيفاً، ولا يضعفون قويًّا.

الأخلاق والسياسة

الأخلاق أولاً ثم العلم والدهاء، هذا ما تنتفع به الأمة ممن يتصدون لسياستها.

السياسي الملوث

السياسي الذي ينسى ماضيه الملوث، سرعان ما ينسى مبادئ الشرف والاستقامة حين يكون في الحكم.

ارتفاع الأغمار

إذا فوجئت بارتفاع الأغمار، فلا تستمر في استصغار شأنهم، وإذا فوجئت بتحكم الأشرار فلا تقنط من زوال حكمهم.

استفد مما تكره

اتخذ من الفشل سلَّماً للنجاح، ومن الهزيمة طريقاً إلى النصر، ومن الظلم حافزاً للتحرر، ومن القيد باعثاً على الانطلاق.

الدين والسياسة

من لم تملأ قلبه مشاعر الإيمان بالله ومراقبته: لم يؤمن على وطن، ولا على شعب، ولا على مبدأ كريم.

لا خير فيه

لا خير في حاكم لا يحكمه دينه، ولا في سياسي لا يحكمه عقله، ولا في رئيس لا يشعر بسلطان الله عليه.

الإفراط

الإفراط في سياسة الحزم: قسوة تؤدي إلى الانفجار، والإفراط في سياسة اللين: ضعف يشجع الأشرار.

لا ينجح

السياسي الذي يفرح بالثناء، ويستاء من النقد، ويهتز سروراً لتصفيق المحبين، ويضطرب غضباً من تصفير المعارضين: هو سياسي لا ينجح.

الخيانة

خيانة الأمة هي تحقيق أهداف أعدائها ولو كان من غير اتفاق معهم على ذلك.

عقاب

أكبر عقاب للأمة المتخاذلة، تحكم الطاغية في شؤونها.

البطل المنتظر

ما زالت أمتنا تنتظر البطل الذي يملأ فراغها السياسي منذ غاب صلاح الدين، وما تزال تمنح قلوبها وتأييدها كلما خالت مخايل البطولة فيمن يدعيها، حتى إذا اكتشفت بذكائها "زيف" البطل الممثل؛ تخلت عنه بين فجيعة الخيبة وتجدد الأمل في بطل جديد، وما زالت تبحث، وما زالت تنتظر.

استقامة الحكم

لا يستقيم الحكم إلا بثلاث: تشجيع الأخيار، معاقبة الأشرار، والسهر على مصالح الناس.

تمام النصر

لا يتم النصر إلا بثلاث: معرفة العدو، وإحكام الخطة، وبذل الطاقة.

طاعة الزعيم

لا يستفيد الزعيم من كثرة أنصاره إلا بحسن طاعتهم له، واعتبر في ذلك بعلي ومعاوية.

مودة الطاغية

لا تكتسب مودة الطاغية إلا بالذلة، ولا القوي إلا بالخنوع، ولا الحاكم المغرور إلا بالثناء والنفاق.

بم يُخلد الزعيم؟

لا يخلد الزعيم إلا بثلاث: تجرد عن الهوى، ولذة في الحرمان، وترفع عن الحقد.

بمَ تسعد البلاد؟

لا تسعد البلاد إلا بثلاث: دين وازع، وسياسة رشيدة، واقتصاد مزدهر.

بمَ تسعد الأمة؟

لا تسعد الأمة إلا بثلاث: حاكم عادل، وعالم ناصح، وعامل مخلص.

القسم الثالث والثلاثين - الحكم الصالح

هو الذي يقوم على دعائم الدستور؛ فلا محاباة ولا تلاعب ولا تحكم ولا طغيان.

ويفرض هيبته باستقامة ولاته، فلا عقوبة إلا مع الجريمة، ولا عفو إلا مع المخلصين.

وينتزع الحب في قلوب الرعية؛ بالعدل الذي يسوي بين الناس، واليقظة التي تدفع الأخطار، والتفاني الذي يجهد النفس ويمنع لذائذ الحياة.

? ? ?

وهو الذي يرى ولاته أنهم خدام الأمة لا متكبروها.

وأنهم أمناء على أموالها لا سراقها ومبددوها.

وأنهم أقلهم شأناً ولكنهم أكثرهم واجبات.

وأنهم يلزمهم ما يلزم الخادم لسيده من النصح وأداء الأمانة.

? ? ?

وهو الذي تصان فيه فضائل الأمة من الذوبان.

وتحفظ أخلاقها من التدهور والانحطاط.

وتمنع عقيدتها من التحلل والتلوث بالخرافات.

وتنمى عقولها بالعلوم والآداب والثقافات.

حتى لتكون الأمة إيماناً يبعث على السمو، وكمالاً يدعو إلى الاحترام، ورقيًّا وحركة متقدمة بروية واتزان، وشخصية متميزة بين الأمم بحبها للخير ومحاربتها للفساد.

? ? ?

وهو الذي يعمل قادتها في وضح النهار لا في الظلام...

ويقولون للأمة ما ينوون عمله وتنفيذه.

وتكون رجولتهم في أعمالهم أبين منها في خطبهم وأقوالهم.

ويكون الدهاء عندهم طريقاً لانتزاع حق الأمة من الغاصبين، لا للتغرير بها والتحكم في شؤونها، والتمكن من خيراتها وأموالها ولو أدى ذلك إلى وضع القيود في أعناقها لتذل للظالمين والمستعمرين.

? ? ?

وهو الذي يدخل السعادة إلى كل بيت! والطمأنينة إلى كل قلب، والكساء إلى كل جسم، والغذاء إلى كل بطن. فلا تعرى أمة ليكتسي أفراد، ولا تجوع آلاف ليشبع رجال، ولا تفتقر جماهير لتغنى فئات.

? ? ?

هو الحكم الذي يقول فيه التاريخ لرجاله: عففتم فعف ولاتكم، ولو سرقتم لسرقوا.

وهو الحكم الذي يقول كبير أمرائه: "مثلي ومثلكم كمثل قوم وكلوا إلى واحد منهم أموالهم؛ فلا يحل له أن ينفق منها إلا برأيهم ومشورتهم".

وهو الحكم الذي يقول فيه رجل الدولة: "القوي عندكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق. أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".

? ? ?

هذا هو الحكم الذي يكون عرش رجاله في قلوب الأمة، والثقة به من رضاها وثنائها، واستمراره وبقاؤه رهين بتأييد الجماهير الواعية العاملة المؤمنة؛ لا بنفر محدود يرهبهم الوعيد، وتغريهم الوعود.

? ? ?

سيقولون: هذا انقطاع عن الحياة، وإغراق في الخيال.

وسيقول لهم الحق: طلب المثل العليا في أجواء الخيال أنبل من الإسفاف إلى واقع كله ضلال .

مصطفى السباعي

القسم الرابع والثلاثين - بين الحكومة والشعب

الشكوى من رجال الحكم طبيعة في الأمم، وقلَّ أن تجد في التاريخ حاكماً استطاع أن يرضي الناس جميعاً، ولعل منشأ ذلك: أن أهواء الناس متعددة، ومنافعهم متضاربة، وكل منهم يريد تحقيق مصلحته، وليس يستطيع الحاكم ذلك ما دام في الدولة قانون يحكم، وشرع يسود، ومن هنا يقول شاعرنا:

إن نصف الناس أعداء لمن

ولي الأحكام! هذا إن عدل

أما إذالم يعدل: أما إذا حاد عن طريق الحق، واتبع أهواء النفس، واستغل منصبه لتقريب الأنصار ولو كانوا بلهاء، وإبعاد الخصوم ولو كانوا أكفاء، فكل الناس أعداء له، وأول أعدائه في الحقيقة أولئك الذين يدوس حرمة القانون ليقربهم إليه، وليحقق لهم أغراضهم ومصالحهم. وبذلك اعتاد الشعب خلال ربع قرن كامل أن ينفر من كل حكومة قائمة، ويرى في كل قانون تسنه قيداً جديداً ترهق به ماليته وحريته وكرامته.

وذلك يوم كان المستعمر الراحل هو الذي يعين الحكام، وهو الذي يؤلف الوزارات، وهو الذي يأتي إلى الحكم برجال لا تعترف الأمة لهم بفضل ولا بوطنية ولا بإخلاص، وأصبح التذمر لنا عادة دائمة، والشكوى من رجال الحكم نغمة مستحبة حتى بعد قيام العهد الوطني، ولم يكتب لنا في التاريخ أن تمتد الأيدي بعضها إلى بعض فتنطلق متعاونة في البناء، متفاهمة على الخير، واستمرت الجفوة حتى وصل الأمر بنوابنا أن يتراشقوا بالتهم في ندوتهم، وأن ينقلب سلاحهم إلى تهديد بالمسدسات، وهجوم بالكراسي، وغير ذلك مما أخذ الناس يقرأونه في صحفهم عن مجلسهم النيابي في آخر حياته، وإنها لعمر الله مأساة تتفطر لها القلوب!.

من المسؤول عن ذلك؟ أهي الحكومة؟ نعم! ونقولها بكل صراحة. أم هو الشعب؟ نعم! ونقولها بكل وضوح. فالحكومة مسؤولة لأنها لم تحسن تصريف الأمور في كثير من الأحيان، ولم تستطع أن تكون جريئة في الإصلاح، ولا واضحة في الإدارة، ولا متخلية عن أهواء بعض وزرائها الذين أصبحت خطتهم مثلاً سائراً يتحدث به الناس في مجالسهم. فهل نعجب بعد ذلك إذا ارتفعت الشكوى بحق وبغير حق من فساد الأوضاع، واختلال النظام، وتشجيع الخونة والعجزة، وإقصاء الوطنيين والأكفاء، والاستهانة بمالية الأمة ومقدرات الوطن؟ وقد تكون الحكومة معذورة في بعض، وقد تكون مجتهدة فأخطأت الطريق، وقد تكون لها سياستها التي دقت عن أفكار الشعب! ولكن الأمة لا تعذرها في ذلك كله ما دام تصرف بعض المسؤولين فيها تصرفاً كيفيًّا ينبو عن قواعد الدستور، ومبادئ العدالة، ومتعارف الناس في أخلاقهم وعقائدهم.

ومن دعا الناس إلى ذمه

ذموه بالحق وبالباطل

وأما الشعب: فهو المسؤول أيضاً؛ لأنه لم يحسن اختيار نوابه والمتكلمين باسمه في المجلس النيابي، وحسبك أن تلقي نظرة على مجموعة النواب الحاليين لتحكم بكل تجرد وإخلاص: هل هؤلاء في مجموعهم يمثلون إرادة الأمة ووثبتها ونهضتها ومطامحها ورقيها؟ إن في المجلس النيابي عدداً من الأكفاء، وفيه من المخلصين من لا ننكر إخلاصهم، ولكن فيه عدا عن ذلك من لا كفاءة لهم إلا جاههم ونفوذهم، ومن لا تؤثر عنه كلمة واحدة في المجلس من أولى جلساته إلى آخرها. ومن إذا تكلم لا يحسن الكلام، ولا يضبط أعصابه، ولا يعرف كيف يسلك سبيل النقاش وطرائق الهجوم والدفاع! هذه حقيقة واقعة قد يسكت عنها بعض حملَة الأقلام؛ إما مجاملة، وإما خوفاً، وإما طمعاً! والذي أدى إلى أن يكون مجلسنا النيابي بهذا الشكل هو الشعب الذي رضي أن يكون فريق نوابه على ذلك الطراز! وقد يكون الشعب معذوراً ما دام النظام الانتخابي على قواعده الحاضرة التي وضعها المستعمرون! ولكنه غير معذور في حالتين: في سكوته اليوم على هذا النظام الفاسد، وفي سكوته عدا عن عمليات اللف والدوران التي يقوم بها المرشحون للنيابة مع فريق من المنتخبين الثانويين إذا بقي هذا النظام قائماً! إن الشعب هو المسؤول؛ لأنه هو الذي يجب أن يختار نوابه، فإذا شكا اليوم وتألم فليظهر غداً إرادته الواضحة في إقصاء من يتألم منهم وإبقاء من رضي عنهم، أما الشكوى في الأندية والأسواق والشوارع، ثم السكوت وقت الانتخابات، أو المجاملة والرضوخ لإرادة المتنفذين؛ فتلك علامة الموت، وتلك خطة الشعب الذي ابتلاه الله بالثرثرة وطول اللسان، والتقصير في الأعمال الصالحة في كل ميدان.

وما دامت قواعد الانتخاب على شكلها الحاضر، وطرق النيابة على ما اعتاد الناس رؤيته في كل دورة انتخابية، فسيمثل الأمة من لا تريده الأمة، وسيحكم فيها من لاي يحسن الحكم، وستزداد الأوضاع سوءاً، والبلاد اضطراباً، وستكون الفرصة مواتية لبعض المغرضين أن يستغلوا نقمة الأمة من أشخاص فيحولوها إلى أن تكون نقمة من حكم، وغضباً على عهد، وحنيناً إلى أيام سوداء رأت فيها البلاد ألواناً من النكال والمآسي والنكبات.

الطريقة الوحيدة لاستقامة الأمور: أن يترك الشعب حرًّا في إختيار نوابه مباشرة، وسيقول بعض الناس: أليس الشعب الآن حرًّا في اختيار نوابه مباشرة، ونحن نحيلهم إلى الخزائن التي تفتح، والولائم التي تقام، والوعود التي تعطى، والمؤامرات التي تحاك! ليروا إن كان هنالك شعب ينتخب أم أفراد يتآمرون!.

مصطفى السباعي

القسم الخامس والثلاثين - مسؤولية القادة

بلى إنها الأمة! هي هذه الأمة التي تهرع إلى المساجد والأندية لتسمع إلى من يبصرها بعيوبها، ويزيل الغشاوة عن عيونها!.

هي هذه الأمة التي تبكي حين يتلى عليها أمر من الله تركته، أو تحذير من رسول الله صلى الله عليه وسلم عصته، أو حوادث تاريخ سلفها الصالح الذي نسيته!.

هي هذه الأمة التي لا يختلف عامتها عن خاصتها في فهم العلل التي أنشبت مخالبها في مجتمعنا فشلّت حركته وعاقت تقدمه، بل لا يختلف عامتها عن خاصتها في معرفة الدواء ولكنها تنتظر الأطباء!.

هذه هذه الأمة التي يثيرها نداء، ويبعث حميتها تاريخ، ويسيل عبراتها ماض زاهر، وحاضر ثائر، ومستقبل حائر!.

هي هذه الجماهير التي رأيتها تتدافع بالمناكب شيباً وشباباً، فلاحين وعمالاً، علماء وجهالاً، إلى الأماكن التي تدعى إليها، فإذا هي كالأرض العطشى تنتظر الماء، بل كالجسم المريض يرجو الدواء، بل كالجنود المشتتين يتطلعون إلى القائد.

إنها أمة لو وحدت قائدها لزغردت أمجادها!.

لا تستطيع وأنت تشهد بواكير الوعي الاجتماعي تتجلى في تلك الاجتماعات والحفلات إلا أن تتساءل: لماذا لا تستقيم أمورنا الداخلية حتى اليوم؟ أهو إعراض من الأمة أم تقصير من القادة؟ أما هذه الأمة فالله يعلم وقادتها يشهدون أنها ما قصرت في بذلٍ، ولا ونت عن مساعدة، ولا تلكأت عن تضحية، ولا أصمّت آذانها عن نداء، أفرأيت لو أن قادتها الذين قادوها في ميادين النضال السلبي أرادوا أن يقودوها إلى معركة الإصلاح الإيجابي، أكانت تعرض عنهم وتتخلف؟ أوَمِنَ المعقول أن تجيبهم في الحرب ولا تجيبهم في السلم، وأن تمشي وراءهم في الموت، ولا تسير معهم للحياة، وأن ترضى بالخراب والدمار والمنافي والسجون ثم لا ترضى بالبناء والاطمئنان، والإصلاح والعمران.

لا! ليست العلة من هذه الأمة ومن اتهمها بذلك فقد جحد فضلها، أو جهل حقيقتها، ولكنما العلة من هؤلاء القادة؛ لم يكادوا ينتهون من النصر حتى ركنوا إلى اللذة والنوم، فمن طالبهم بالعمل أنكروا قصده، ومن ناقشهم الحساب أحالوه إلى الماضي، ومن رغب منهم الجد والاستقامة رموه بالبله والجمود!. ومن عجبٍ أنهم وقد نسوا هذه الأمة في وقت الظفر فلم يذكروا إلا لهوهم ومنفعتهم ونيابتهم وضمان مصالحهم، ما يزالون حتى الآن يمنون بأنهم لها يعملون، وفي سبيلها يسهرون، ولسعادتها يحكمون!.. والأمة تستمع إليها في هذه الدعاوى فيذهلها البهتان، وتؤلمها المراوغة ويحز في نفوسها تنكب السبيل! أمن أجل الأمة هذه المؤامرات لا المؤتمرات؟! ومن أجلها تلك الحفلات والرحلات؟ أو من أجلها تلك الأندية والمقامر والليالي الساهرات؟ ومن أجلها تلك القوانين التي تداس والدستور الذي ينتهك، والرشوات التي يغضى عنها، والمحسوبيات التي تقرب الأغنياء وتبعد الأكفاء، وتعطي الأشرار وتحرم الأخيار، وترفع الخونة وتنسى المخلصين؟!.

مسكينة هذه الأمة! عليها الغرم في أموالها وديارها وراحتها وثقافتها وعقيدتها، ولبعض الناس الغنم من أموال الدولة وجاهها ونفوذها وكبريائها.. ولهم السلطة المطلقة في أن يفسدوا ما شاءوا من عقيدتها وثقافتها وأخلاقها وتقاليدها!.

كلا أيها القادة! إن أمتكم تريد منكم شيئاً غير هذا؛ تريد أن تحفظوا عقائدها، وتحترموا آدابها، وتصونوا أموالها، وتحقنوا دماءها، وتوفروا طمأنينتها. إنها تريد منكم أن تعنوا بالقرى كما تعنون بالمدن، وبشؤون المحافظات كما تعنون بشؤون العاصمة، وبأبناء الفقراء كما تعنون بأبناء الأغنياء، وبتثقيف سكان الريف والصحراء كما تعنون بتثقيف أولاد الكبراء والزعماء!.

إنها تريد أن تعيش في نعمة سابغة، وأمن وارف، وعلم مفيد، وعدالة شاملة، وخلق يسمو بها للسماء ولا يهوي بها إلى الحضيض؟ هذا ما تريده منكم الأمة، وفي سبيله تدفع لكم الضرائب وتحترم القوانين، وتنفذ الأوامر، وتبذل الطاعة، وتدعو لكم بالبقاء، وكل انحراف بها عن هذه الأماني خيانة للأمانة، وتفريط بالحق، وتهديم للدولة!.

أيها القادة! إن هذه الأمة فتحت أعينها فجنبوها الظلام، وجمعت شملها، فهيئوا لها الأعلام، وعرفت أمراضها، فاختاروا لها الأطباء، وسلكت الطريق فكونوا لها خير الهداة.

يا هداة الركب! كيف تصلون وقد انحرفتم عن الجادة؟ ومتى تصلون وقد أعمتكم المادة؟ وفيم تقودون إذا ضللتم الهدف وفقدتم الغاية.

مصطفى السباعي

القسم السادس والثلاثين - يا شيوخنا في السياسة لقد آذانا ضعفكم فاتركونا نسير!

ما أعتقد أن جيلين اصطدما في عصر واحد كما يصطدم الشباب العربي مع شيوخ السياسة العربية في عصرنا الحاضر؛ فشيوخ السياسة عندنا نشأوا في عصر الضغط والإرهاق، وفي عهد التملق والحذر والمداراة، فلما خاضوا معركة السياسة ألفوا أنفسهم أمام دولة طامعة قوية تُدلُّ بقوتها وتتيه بكبريائها، ولم يحاولوا أن يكونوا خياليين في مطالبهم من هذه الدولة؛ فقصروا حركتهم على ما يمكن تحقيقه من مطالب الأمة، ولم يشاؤوا أن يصطدموا مع المستعمرين إلا مكرهين! فإذا أصابهم نفي أو سجن أو عنت أو عذاب، كان ذلك نتيجة تعسف المستعمر أكثر من أن يكون نتيجة عملوا لها بأنفسهم وعرفوا خاتمتها وهم في أول خطواتها.

ومن حسن حظ هؤلاء الزعماء أن كان في الأمة بقية من إيمان!. حفزها للعمل والتضحية، ونفخ فيها روح الأنفة والكرامة، ثم ألقاها في أتون الثورات والمعارك والاصطدامات؛ فقوافل الضحايا والشهداء والجرحى والمشوهين، وآثار الخراب والثكل واليتم والفقر، إنما كان نتيجة لازمة لثورة الأمة النفسية التي أجج الإيمان أوارها، ولم يكن نتيجة روح أثارها زعماؤنا الشيوخ، ولا خطط أحكموا وضعها!.

ولما حاول المستعمرون أن يفاوضوا الأمة الثائرة لم يجدوا أمامهم إلا هؤلاء الشيوخ وهم على وطنيتهم وإخلاص كثير منهم ورغبتهم في إنقاذ أمتهم، لم يكونوا على قدر كبير من متانة الأعصاب، لأنهم في الواقع كانوا يجهلون حيوية الأمة، وطبيعة الاستعمار، ومن ثم كانوا يعتقدون بضعف أمتهم، وقوة أعدائهم، فكان أقل ما يلوح لهم به المستعمر كافياً لأن يعدوه كسباً عظيماً ونصراً مبيناً. كذلك فعلوا عام 1936 في سوريا وفي مصر؛ إذ كانوا ينعتون ما حصلوا عليه من معاهدات يومئذ بينهم وبين المستعمرين بأنها وثائق الشرف والاستقلال! هذا بينما لم يتورعوا عن إضافة ذيول سريعة للمعاهدة تُفقد كل ما بقي للأمة فيها من مظاهر الاستقلال.

ذلك الجيل الضعيف في أعصابه، الشاك في حيوية أمته، الفزع من قوة أعدائه، البسيط الطيب الذي يخدع بالمواثيق بل بالابتسامات والتحيات! هو الذي يقف اليوم حائلاً دون اندلاع النار! نار الشباب الذي يستهين بالصعاب، نار الإيمان الذي يهزأ بقوى الأرض، نار الكرامة التي لا تعرف أنصاف الحلول ولا متوسط الأمور! هذه النار هي التي تضطرم في نفوس الجيل الجديد، ولكن شيوخ السياسة يحاولون إطفاءها؛ لأن الحكمة تقضي بالوقوف في وجه السياسة الهوجاء! ويريدون بالهوجاء كل تطرف في الوطنية، وتصلب في الحقوق، واعتزاز بالكرامة، ويرون من مظاهر هذه السياسة الهوجاء، كل ثورة وكل تظاهر، وكل عنف مع المستعمر؛ لأنهم أعطوه الموثق الأكيد أن يسيروا معه إلى نهاية الشوط، فكيف يتركون هؤلاء الشباب يغضبونه ويثيرون حفيظته، فتضيع الكراسي، ويذهب الجاه، وتفوت المغانم، وذلك كله عندهم معناه ضياع الاستقلال!.

إننا نمسك اليوم بالعصا نقرع بها ظهور الخوالف، ونهدد بها سلطان الباغين، ولكن شيوخنا الكبار يريدون أن يحملوا الزهور والرياحين ليشهد لهم المستعمر أنهم أهل للحكم ومحل للثقة، ومهما حاولوا أن يقنعونا بسداد آرائهم، وصدق حكمتهم؛ فنحن مع اقتناعنا بذلك نريد أن نسير!.

نريد أن نسير! فلا يبقى في الأمة ضعيف ولا خوَّار ولا جبان.

نريد أن نسير! فلا يبقى في البلاد غش ولا كذب ولا استهتار.

نريد أن نسير! فلا يبقى في الدولة اختلاس ولا رشوة ولا استئثار.

نريد أن نسير! فلا يبقى في الوطن أجنبي يمسك بخناقنا باسم "التحالف" بعد أن يئس من ذلك باسم "الاستعمار".

نريد أن نسير ورؤوسنا مرفوعة، وكرامتنا مصونة، وتراثنا محفوظ، وقلوبنا مؤمنة، وأيدينا طاهرة، ورسالتنا تشق طريقها إلى القلوب لننقذ الدنيا مرة أخرى!.

أيها الساسة الشيوخ، إننا نريد أن نسير فافسحوا لنا الطريق.

أبو حسني

القسم السابع والثلاثين - هذه الأمة الواعية! لن تقبل بعد اليوم أنصاف الآلهة

نحن في كفاح مع المستعمر لا ينتهي حتى تنتهي كل آثاره في بلادنا العربية، ومن واجبات هذا الكفاح: أن تحشد له جميع القوى والمواهب، وأن تخاض له جميع الميادين والمناسبات، وأن لا تطغى فيه فرصة على فرصة ولا موهبة على موهبة، ولا طائفة على طائفة، ما دام خصومنا يستغلون كل ما في الطبيعة البشرية من قوة التأثير والإغراء والخداع والمكر؛ فإن من حقنا بل من واجبنا أن نستعمل كل ما عندنا من قوى الكفاح والنضال واسترجاع الحق السليب من الحيوان المفترس، وإذا كانت ميادين كفاحنا فيما مضى ميادين سلبية لا تعرف إلا الاحتجاج والإثارة والإضراب والمظاهرات، وإذا فتحت لنا اليوم في حياتنا الجديدة آفاق العمل الديبلوماسي، وميادين المؤتمرات الدولية والعلائق السياسية، فإن من الضرر البالغ بحقنا أن نقف عند هذا الحد فحسب، وأن نغفل الناحية الشعبية التي ما برحت قوام الحركات السياسية والاجتماعية في مختلف أنحاء العالم.

إن أقطاب العالم والمتحكمين في مصائره اليوم يحسبون حساباً لثورة الجماهير ونقمتهم؛ فإذا وقفت وفودنا تناضل عن حقها بالطرق القانونية والدولية، ثم كتب لها أن تخفق في الوصول إلى بغيتها، فإن الواجب الوطني أن تثبت شعوبنا تأييدها لها، واهتياجها لإخفاقها، وتصميمها على الوصول إلى حقوقها، إن عاجلاً وإن آجلاً، إن سلماً وإن حرباً، حتى يكتب لها الله الفوز ولأعدائها الخذلان، ويوم تقف الشعوب هذا الموقف المهتاج، يومئذ يطأطئ الظالمون رؤوسهم ويخففون من غلوائهم، ويحسبون حساباً لمنافسيهم في الاستعمار، ولمصالحهم في البلاد، ولبترولهم في بطون الأرض التي فتحناها لهم وقلنا لهم خذوها هنيئاً مريئاً لقاء ثمن بخس دراهم معدودات!.

هذه حقيقة نؤمن بها نحن الشباب الصغار في أعمارنا، المندفعين في ثورتنا، المؤمنين بحق أمتنا، السائرين إلى المجد بأعصاب لم تهن، وبعزائم لم تفتر، وبظهور لم تنحنِ حتى الآن.

وقد كان من حق الكبار في أعمارهم، المحنكين في تجاربهم، الذين يمنون دائماً على الأمة بأنهم قادوها إلى مواطن الظفر، أن يفهموا هذه الحقيقة قبل أن نعمل لها نحن الصغار، وأن يسلكوها قبل أن نسلكها نحن الناشئين!.. ويومئذ لا تجيز لهم الوطنية أن يخمدوا حركات الشباب. ولا أن يهتاجوا لصراحة الأمة، ولا أن يرسلوا بطاقات التهديد، ولا أن يقولوا نحن حكام الأمة لا يحق للشعب أن يتكلم إلا إذا تكلمنا، ولا أن يرفع صوته إلا إذا شئنا، ولا أن يعلن عزمه على الاستبسال بحقه إلا أن نأذن له بذلك.

إن الوطنية لا تجيز هذه المواقف، ولا تفهم هذه اللغة، ولا ترضى لمدعيها أن يحملوا هذا الوزر، فإذا ركب بعض الناس هذا المركب الخشن كان من حق الأمة أن تسألهم: فيمَ تكبتون الشعور؟ وفيمَ تهددون العاملين؟ وفيمَ تغضبون من الذين يبيضون وجوه وفودكم أمام الغاصبين والظالمين؟ لقد كان الاستعمار يسلك مثل هذه السبل فكانت تنصبُّ عليه اللعنات، وتثار من حوله الدنيا، ويكون أول الناقمين عليه هم الذين يرضون اليوم أن يقفوا مثل هذا الموقف! فهل نسي هؤلاء تاريخهم؟ وهل نسوا خطبهم ومقالاتهم؟ وهل نسوا اجتماعاتهم ومظاهراتهم؟ وهل يكون كبت شعور الأمة حراماً على المستعمرين، وحلالاً لفريق من أبناء الأمة حاكمين أو متنفذين!.

إن الأمة لم تعد تطيق أن ترى بينها أنصاف الآلهة الذين يتمثلون بقول فرعون ?أنا ربكم الأعلى?، إنها لا تطيق أن ترى إلا خداماً لمصالحها أمناء على حقوقها، يفهمون الحكم كما فهمه عظماؤنا في عصور الخير "إن من ولي أمر هذه الأمة لزمه ما يلزم الخادم لسيده من النصح وأداء الأمانة!..".

أما بعد: فهذا أول سطر من تاريخ سيكتب، تبيضُّ فيه وجوه وتسودُّ وجوه.

مصطفى السباعي

القسم الثامن والثلاثين - بأي سلاح نحارب

الدنيا من حولنا تعج بالمؤامرات والمؤتمرات، وحصومنا يتألبون على أوطاننا ويودون القضاء علينا ولو بأيام معدودات، ونحن قد تنفسنا الصعداء فلا أجنبي يذرع البلاد بجيوشه وآلاته، ولا مستشار يفرض إرادته فيمنعنا من أن نتحرر، ويحول بيننا وبين أن نعمل لسعادتنا كما نريد؛ فنحن في الداخل أحرار؛ نستطيع أن نعمل كل شيء، ونحن في الخارج محاطون بشبكة من الدسائس يريد كل جماعة أن يلحقونا بركبهم ويجعلونا مطيتهم الذلول، فما هو السلاح الذي تسلحنا به حكوماتنا للدفاع عن أنسفنا؟ وما هي الخطط التي وضعت لتقوية بنائنا الداخلي وقد استلمناه من عدونا ركاماً فوق ركام؟.

إن أردت أن تقرأ الخطب والبيانات والتصريحات التي يصدرها المسؤولون في هذه البلاد، قلت: إننا نسير على نظام خير من نظام الأمم الراقية، ونعيش في سعادة تحسدنا عليها أوربا وأمريكا وبلاد العالم المتمدن.. وإن أردت أن تقرأ واقعنا في الأسواق والبيوت والمحلات العامة ودوائر الدولة، ارتد إليك طرفك خاسئاً وهو حسير!.. وهذا التباين البشع بين الأقوال والأعمال، وبين الوعود والواقع أهم ما تتميز به سياستنا الداخلية، وأبرز ما يتصف به زعماؤنا السلبيون!. ألم يقل رئيس الوزراء في حديثه الصحفي الأخير: إن موجة الغلاء قد خفت، وإن الناس يعيشون بسلام؟.. بينما الجماهير البائسة تفتش بعيون حادة وتستعين ب"الجماهير" لترى شيئاً عن هذا فلا تجده ولا تعثر عليه!.

الواقع أننا نخوض أشد المعارك هولاً وخطراً في تاريخنا ونحن بغير سلاح! والمسؤول عن هذا هم هؤلاء الذين يكونون خارج الحكم، فإذا هم أشد الناس رغبة في العمل، فإذا حكموا عملوا.. ولكن لأنفسهم ولجاههم ولنفوذهم، وأخيراً لنجاحهم في الانتخابات!.. أما تسليح الأمة بكل سلاح يعيدها للظفر في معركة الموت أو الحياة، فهذا أبعد من أن يعملوا له بل أبعد من أن يفكروا فيه، وتعالوا أيها السادة نحاسبكم بلسان هذه الأمة التي وضعتكم فوق رؤوسها، ورفعتكم إلى ميادين الزعامة، وانتطرت منكم أن تكونوا لها فكنتم – واأسفاه – عليها وإن أبت بياناتكم وألسنتكم أن تعترف بذلك!.

إن أول سلاح تحتاج إليه أمة كأمتنا هو سلاح العقيدة، أي سلاح الإيمان الذي مكن لعشرات الألوف من أبناء الجزيرة العربية أن يتغلبوا على أكبر دول العالم، وأن يحكموا شعوباً تعد بعشرات الملايين!.. هذا الإيمان بل هذه العقيدة، ماذا عملتم لها وأنتم ترون بأعينكم كيف تتحلل في نفوس الأمة، وكيف حاول المستعمرون خلال ربع قرن أن يقتلوها، ليقتلوا روح العزة والمقاومة في نفوسنا؟ لقد كنتم في الواقع حرباً عليها بتخليكم عن نصرتها ونصرة الداعين إليها، وبتشجيعكم من يحاربها من الدخلاء على هذه الأمة أو المنسلخين عن فضائلها، وكنتم حين يطالبكم المصلحون بأن تعملوا لتقوية هذه العقيدة؛ أجبتم بأنكم تخشون أن تتهموا بالرجعية!.. فإذا تقدم للعمل لها فريق من شباب الأمة وقفتم في طريقهم كي لا يغلبوكم على هذه الجماهير فتضيع من أيديكم. ويفلت زمامها من نفوذكم.

وتحتاج الأمة إلى سلاح الأخلاق القوية التي تعرف كيف تصمد للنكبات، وكيف تتغلب على الشهوات! فماذا عملتم في هذا السبيل؟ إنكم لا تطمعون منا أن نعتقد بسعيكم لتقويم الأخلاق! ولكن تعالوا نحاسبكم على سعيكم لانحدارها!.. أين رقابتكم على أندية القمار التي تنتشر يوماً بعد يوم؟ وأين رقابتكم على محلات اللهو التي كانت تخشى في بعض الأيام أن تسترسل في الخلاعة، فأبحتم لها اليوم كل شيء؟ وأين رقابتكم على أفلام السينما التي يعرض أكثرها على أبصار شبابنا وبناتنا وأطفالنا كل ما يهيج الغريزة ويقتل الفضيلة، وتركتم أصحابها يثرون على حساب الخلق القويم والشهامة التي عرفت بها أمتنا بين أمم العلم؟ أين عملكم للحد من انتشار الخمور التي ينص القانون على أن يكون لها في دمشق سبعون حانة فإذا هي اليوم مائة وخمسون؟!. ستدافعون عن أنفسكم بأجوبة لا تقتنعون أنتم بها.. ولكننا نذكركم بحفلة ساهرة أقامها رجل مسؤول في ناد رسمي دارت فيها الكؤوس، ولعبت فيها الخمرة برؤوس الرجال والنساء، ومالت الخصور على الخصور، وخرج المدعوون في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل يرتمي بعضهم على أحضان بعض، ومن أوصاف بعضهم في دواوين الدولة أنهم حماة الديار، وذادة الوطن؟.

والأمة في حاجة إلى سواعد قوية، وبطون ممتلئة، وأجسام مكسوة، وسعادة ترفرف فوق كل بيت.. فأين هي السواعد التي هيأتموها للنضال؟ وأين هي البطون التي درأتم عنها الجوع؟ وأين هي الأجسام التي أنقذتموها من العري؟ وأين هي السعادة التي أدخلتموها إلى كل بيت؟ ستذهلون من هذا الاتهام! ولكنا نطالبكم بأن تزوروا هذه الأحياء الفقيرة، وهذه الجموع العاملة، وهذه الكتائب "السائلة"، وهذه الآلاف من العجزة الذين يهيمون في الطرقات، وهذه الهياكل البشرية التي يسكن بعضها في القبور وهم أحياء!.. ونسألكم أن تنظروا في سجلات دوائر الصحة والمستشفيات العامة، بل نسألكم أن تسألوا بعض أنصاركم من عامة الشعب ليصدقوكم القول عما يعانيه الشعب من بؤس وشقاء، وعما تتخبط به الأمة من فوضى اقتصادية لا يرتضيها خلق ولا شرع ولا حكم ديمقراطي!.. اسألوا أنصاركم عن هذا لعلهم يصدقونكم ساعة في حياتهم! فقد يئسنا من أن تزوروا العامل في بيته، والفلاح في كوخه؛ والفقير في قبره.. وكيف يفرغ لهذا من يسهر الليل، ويدأب النهار؛ لتتم "الطبخة" الشهية التي تتحلب لها أفواه الراغبين في النيابات والزعامات!..

أما بعد، فما نتجنى والله على زعمائنا حين نبلغهم آلام الأمة وإنَّ لنا فيهم أصدقاء أعزاء نحترمهم ونقدر إخلاصهم. ولكنهم وقد ربطوا أنفسهم بـ"مركبة واحدة" وهم يريدون اليوم أن يشدوها من جديد بعد أن تخلخلت أجزاؤها، نريد لهم أن يفكروا قليلاً بأمر هذه الأمة، ونحن لهم من الناصحين حين نبلغهم شكواهم، وندلهم على عللها وبلواها.. وليس أحب إلينا والله من صلاحهم لتستقيم الأمور، وتنجو "الغنم" من الهزال، و"الخط" من الاعوجاج.

مصطفى السباعي

القسم التاسع والثلاثين - لماذا أخفقت الجامعة العربية؟

وكيف تصبح أداة نافعة للعرب؟

"نص الكلمة التي ألقاها الدكتور السباعي في احتفال الهيئة الوطنية

في لبنان بالذكرى الثامنة لجامعة الدول العربية في 5 رجب 1372 هـ - 21 مارس 1953 م".

أقامت الهيئة الوطنية في لبنان حفلة كبرى بمناسبة الذكرى الثامنة لتأسيس الجامعة العربية، وذلك مساء السبت الواقع في 5 رجب 1372 هـ الموافق 12 من آذار (مارس) 1953 م، وقد حضر الحفلة رئيس المجلس النيابي ورئيس مجلس الوزراء والنواب والعلماء وفريق كبير من وجوه العاصمة وشبابها وسيداتها.

وتكلم في الحفلة كل من الدكتور سليم حيدر وزير المعارف، والأستاذ فؤاد عمون المدير العام لوزارة الخارجية، والدكتور مصطفى السباعي نائب رئيس المجلس النيابي السوري سابقاً، والأستاذ نبيه فارس رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأميركية في بيروت، والأستاذ رمضان لاوند.

وقد كان لكلمة الدكتور السباعي صدى عظيم في مختلف أوساط العاصمة لما اتسمت به من الصراحة والجرأة في الحديث عن أخطاء الجامعة العربية وأسباب فشلها. وقد رأينا – نحن فريقاً من تلاميذ الأستاذ السباعي – نشر هذا الخطاب القيم ليكون في متناول أيدي الجمهور وحملة الرأي والقلم في أمتنا، عسى أن تتعاون القلوب المخلصة على إشادة بناء نهضتنا الحديثة على أسس ثابتة لا تضطرب ولا تنحرف.

فريق من طلاب الجامعات

في لبنان

بيروت 27 من رجب 1372 هـ

12 من نيسان 1953 م

ينقسم حيدث الناس عن الجامعة العربية في مثل هذه المناسبات إلى ناحيتين اثنتين: الفكرة التي قامت عليها الجامعة، والخطة التي سارت عليها الجامعة لتحقيق تلك الفكرة.

فكرة الجامعة

أما الجامعة العربية كفكرة، فنحن من الذين يرونها أمراً لا بد منه مهما طال الزمن أو قصر؛ إن وحدة العرب واجتماع شملهم ووقوفهم بين الأمم كأمة واحدة في وطنها وفي رسالتها هو مما لا مجال للنزاع فيه؛ لأنه منطق الحياة، ومنطق التاريخ، ومنطق الحوادث، ولندع لأولئك الذين يشككون في هذه الحقيقة عن طريق العلم، أو عن طريق السياسة، أو عن طريق العاطفة، أو عن طريق التاريخ المصطنع، أو عن طريق الخوف الموهوم، لندع لهؤلاء أساليبهم في نقاش الفكرة العربية أو محاربتها أو إضعافها؛ فإن الزمن وحده هو الذي سيجعل من نقاشهم وتشكيكهم عبثاً كان يحاول أن يسد على الحق طريقه، ومتى بدأت الأمم تشق طريقها إلى الحياة، فإرادتها وحدها هي التي تحكم على علم العلماء وفلسفة الفلاسفة وعبث العابثين.

خطة الجامعة

وأما الجامعة العربية كوسيلة وخطة، فالناس إزاءها أيضاً فريقان: فريق يحسن الظن ويغدق الثناء وينسب إليها المعجزات، وفريق يسيء بها الظن ويلحق بها وزر ما أصاب العرب من محن. وإني لأصارحكم إني من الفريق الثاني. وبهذه الروح سأنقذ الجامعة العربية وأتكلم عما منيت به من هزائم منكرة وعما أخفقت فيه من حاولات إخفاقاً ذريعاً.

إن الأمم قد تصاب بنكسات، والدعوات قد تمنى بهزائم، وإن المصلحين قد يتعثرون في أول خطوات الطريق، ولكن هزيمة الجامعة وإخفاقها ليس من ذلك في قليل ولا كثير.. إن هزيمتها هزيمة القادر على الانتصار ولكنه أبى إلا أن ينهزم، وإخفاقها إخفاق القادر على النجاح بيد أنه أبى إلا أن يفشل.

لقد كان لدى زعماء الجامعة العربية حين قيامها كل وسائل النجاح والنصر: من ظروف دولية، ومن وعي قومي عام، ومن قلوب تخفق لرؤية الوحدة العربية حقيقة قائمة، لقد كانت شعوب العرب ورقابهم وأموالهم وثرواتهم وبترولهم وأحاسيسهم، كل ذلك كان أسلحة ماضية في المعارك التي خاضتها الجامعة العربية، ولكن الرؤساء أبوا إلا أن يجعلوها أسلحة مفلولة تلحق بنا أشنع الهزائم.

لماذا فشلت الجامعة؟

ولا مجال الآن لتعديد أسباب هذا الفشل، ولكني أقتصر على أمرين رئيسيين:

لم تنشأ الجامعة بإرادة الرؤساء

أولاً: إن الجامعة حين قيامها لم تنشأ بإرادة من الرؤساء دفعتهم لتحقيق آمال شعوبهم في الوحدة والاجتماع، وإنما نشأت بإرادة أجنبية كان من مصلحتها أن تقوم هذه الجامعة في تلك الظروف، ولم يكن عند العرب مانع من أن تلتقي المصلحة الأجنبية مع المصلحة العربية، ولكن المؤسف أن المصلحة الأجنبية ظلت دائماً وأبداً هي محور نشاط الجامعة من حيث يدري أكثر أعضائها أو لا يدرون. فبدا رجال الجامعة بوجه الممثلين لأدوار أعدت من قبل لتلعب لعبتها المكشوفة فيما بعد، ورضي الممثلون لأنفسهم أن يكونوا هدف تصفير الجماهير وسخريتها أيضاً!..

ثانياً: إن الجامعة كانت توجهها عقليات متخلفة عن الزمن تتسم بهذه الميزات:

المطامع الشخصية

أ‌- العمل في دائرة المطامع الشخصية، وليست قضية فلسطين إلا مثلاً للمطامع التي أدت إلى تلك الكارثة، لقد كان كل جيش حذراً من الآخر، وكان كل ملك أو رئيس يخشى أن يستغل سواه هذه الحرب لو نجحت، ولا أنسى – ومن واجبي أن أذكر هذه الحقيقة ليذكرها أحفادنا من بعد – إننا حين كنا في القدس وأحسسنا بخطر سقوطها في أيدي الأعداء، وبدأنا نرسل صرخات الاستغاثة، وكان مما قاله لنا بعض الرؤساء الكبار في الجامعة: لا تهتموا بسقوطها فسنستردها نحن وإخواننا!.. ولما أوشكت القدس أن تسقط في أيدي الأعداء في إحدى المعارك الضارية، وأخذنا نستنجد برؤساء الجامعة في الليل.. كان الجواب من أحد رؤسائها الكبار: إذا كنتم تشعرون بالخطر فانسحبوا منها! قلنا: ولكنها القدس! وفيها أربعون ألف لاجئ، ولو انسحبنا منها لتمت أفظع مجزرة في التاريخ؟! فكان الجواب.. ولكنكم عندنا أغلى!.. وأقسم لكم أننا لو أصغينا يومئذ إلى تلك النصائح الغالية! لرأى العالم اليوم أعمدة هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى وكنيسة القيامة!.

ازدراء قوى العرب

ب‌- النظر إلى إمكانيات العرب وقواهم نظرة ضعف وازدراء، وإلى إمكانيات غيرهم نظرة قوة وإكبار، وعلى هذا الأساس كانت توجيهات الدول الاستعمارية تلقى آذاناً صاغية في دوائر الجامعة ويستجاب لها بدون إبطاء، وكان العذر في أنفسهم دائماً: إننا ضعفاء لا نستطيع أن نقف في وجوه أولئك الأقوياء.. وليس أمر الاستجابة إلى طلب الهدنة الأولى إلا مثلاً لازدراء قادة العرب بقوى أمتهم وشعوبهم، واعترافهم في قرارة أنفسهم بأنهم لا يستطيعون أن يبدوا حراكاً تجاه رغبات الدول الكبرى.

تضليل الجماهير العربية

ت‌- اعتبار الجماهير العربية كتلة من غُثاء الشعوب تؤخذ بالعاطفة، وتخدع بأكاذيب البيانات وبلاغة الخطب والتصريحات.. لقد كانوا – في معركة فلسطين – يعطوننا النصر في بيان، ويلحقون بنا الهزيمة في ميدان!.. وكان كل شيء يسير وفق ما تبيِّت الدول الكبرى، ورؤساؤنا يحققون لهم أهدافهم ثم يأبى فريق منهم إلا أن يصموا آذاننا بالعزم على مواصلة الكفاح في البر والبحر والجو، كما كان يقول تشرشل تماماً في أيام الحرب! ولكن غيرنا كان يقول هذا والدموع تنحدر من عينيه، أما بعضهم فقد كان يقول لنا هذا وأموال فلسطين تملأ يديه، والضحك من جماهيرنا يكاد يمزق رئتيه!.

عدم اعتبار مصالح العرب

ث‌- اعتبار الجامعة العربية رابطة بين دول لا أداة لتجمُّع أمة! فكانت مصالح كل دولة هي التي تسيطر على عقول رجال الجامعة، وليس أدل على ذلك من أنهم قد أصدروا من البيانات التي تؤمن بالتعاون والوحدة ما يملأ أسفاراً ضخمة، ولكن الجامعة لم تخط حتى الآن خطوة واحدة إيجابية في سبيل التعاون الصحيح العملي المثمر، ذلك لأن ما ينفع دولة من هذه الخطوات، قد يضر الأخرى، ولو كانت مصلحة الشعوب العربية هي التي ينظر إليها رجال الجامعة في كل مقرراتهم لما تضاربت المصالح، ولكنها مصلحة دول أو كيانات مبعثرة يريدها بعض الرؤساء حدوداً فاصلة إلى الأبد بين أبناء أمة واحدة!.

رجعية رؤساء الجامعة

ج‌- جمود رؤساء الجامعة في وجه التطور الذي شمل العالم العربي في أفكاره ووسائل معيشته، فلقد أبى أكثر هؤلاء الرؤساء حتى اليوم أن يفهموا أن معركة الحياة التي يخوضها العرب اليوم ليست معركة سلاح أو سياسة بقدر ما هي معركة فكر ونظام وعلم.. لقد كانت قوانا واليهود في معارك فلسطين غير متكافئة.. كانت المعركة بيننا وبينهم معركة بين فوضى وتنظيم، وفقر وغنى، وجهل وعلم، وعاطفة وعقيدة.. فهل تعجبون من ذلك إذا انتصر النظام على الفوضى، والعلم على الجهل، والعقيدة على العاطفة الجاهلة؟!.. ولا يزال حتى الآن كثير من رؤساء الجامعة لا يريدون أن يفهموا أن ابن القرن العشرين لا يغلبه ابن القرن الخامس عشر بسلاحه ونظامه، وبجهله وبطراز معيشته! وأن جماهير وفدت إلى فلسطين من أنحاء الدنيا لعقيدة نُشِّئت عليها منذ الصغر، لا يمكن أن تغلبها جماهير حُشدت من مختلف دنيا العروبة لغاية لا تعلمها، ولفكرة لم تغذَّ بها ولا ربيت عليها!.

الهزيمة هزيمة الرؤساء وحدهم

هذه أيها السادة هي أهم ما تمتاز به العقلية التي كانت توجه سياسة الجامعة، فانهزمت وألصقت بنا عار هذه الهزيمة.

أما نحن: فما زلنا نعلن منذ انتهت معركة فلسطين، أننا لم نخسر إلا الجولة الأولى منها، وأن تلك الجولة لم تخسرها شعوبنا ولا أمتنا، وإنما خسرها رؤساؤنا وملوكنا وقادتنا العسكريون فحسب!.. فلا مجال ليائس ولا لشامت أن يشمت من هزيمة الجامعة فيتخذ منها وسيلة لمحاربة الفكرة التي قامت عليها.

لا تزال الجامعة محط آمالنا

إن فكرة الجامعة هي فكرة القدر الذي أبى ألا تكون دنيا العرب دنيا واحدة في مصالحها وآلامها وآمالها، وإن تمايزت في قطر منها عن قطر، وتباينت في ثقافتها أو مشاكلها ما بين بلد وبلد.. ومن ثم فنحن لا نزال نرى الجامعة العربية رمزاً لآمالنا البعيدة، ومهوى لأفئدتنا الكليمة، ولكن ذلك لا يتم إلا إذا سارت الجامعة بعد الآن خطى وعقلية جديدة، تقوم على الحقائق التالية:

مصلحة الجماهير قبل مصلحة العروش

أولاً: إن مصلحة العروش والرئاسات هي من مصلحة الشعوب والجماهير.. فلا سلطان لعرش فقد سلطانه في قلوب شعبه، ولا كرامة لرئيس فقد شعبه كل مظاهر الكرامة في حياته!

إن كرامة أمتنا في أن تتحرر من الجهل والفقر والضعف والظلم والخوف والرذيلة.. فليحرر ملوكنا ورؤساؤنا شعوبهم من هذه القيود، تكن لهم كرامتهم وسلطانهم في الأفئدة والقلوب، وما دام في دنيا العرب شعب يخاف من الحاكم أن ينقده فيكبل بالأغلال، وحاكم يخاف من معارضيه في الرأي فيرى فيهم متآمرين على حكمه وحياته.

فلن تستطيع الدنيا العربية أن تحطم قيود الأعداء من حولها.. إن الشعوب لا تساق إلى ميادين المجد بالنار والضغط والإكراه، وإنما تساق إليها بالعقيدة ولذة التضحية ورغبة الاستشهاد.

كبرياء الشعب إن أذللتها

لن تراه في العلى يهوى الزحاما

وهوادي الرأي أما احتبست

في صدور القوم أفلتَّ الزماما

إن على ملوك الجامعة ورؤسائها أن يعطوا شعوبهم الحرية، لا هبةً ولا منة ولا صدقة! بل حقًّا مقدساً لهذه الجماهير يعادل حق الحياة بل لا حياة دونه! فمن اغتصبه كان شرًّا ممن يغتصب الأموال، ومن حال دون تمتع الأمة به كان أشد – في نظر الحق والتاريخ – جريمة ممن ينتزع من نفس واحدة حياتها.. إن حرية الشعوب هي مفتاح انطلاقها في معارج المجد، فمن شاء أن يدخل من باب الخلود فليفتح لأمته باب الحرية على مصراعيه، ومن أبى إلا أن يغلقه دونها فليفعل ثم لن يكون أعز على الله من فرعون وهامان وقارون منالاً ولا سلطاناً!.

أمتنا ذات قيمة عظيمة

ثانياً: إن أمتنا شيء عظيم في عالم الفكر، وفي عالم الحضارة، وفي عالم السياسة، وفي عالم الاقتصاد، وفي عالم الحرب، وفي عالم السلم، وهي تستطيع أن تتوج كل فريق من المعسكرين المتصارعين اليوم بإكليل الهزيمة أو النصر إن شاءت، فلماذا نعطي إكليل النصر هدراً من غير ثمن؟ لماذا نصوغ من دماء شبابنا ومن ثروات بلادنا ومن حرية أمتنا تاجاً نضعه فوق رؤوس الأقوياء، وهم لا يزالون يجحدون حقنا في الكرامة، بل حقنا في العيش ببلادنا أحراراً؟ لماذا نذهب مع من يريد منا أن نذهب معه إلى حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر قبل أن نقول له: اخرج من وادي النيل، ومن أرض الشمال الإفريقي العربي، ومن المحميات العربية على الخليج العربي، ومن كل أرض لنا لا يزال الغاصبون يحتلونها ويذلون كبرياءنا فيها؟!.

لماذا يزجون أمتنا في الحرب؟

إن أمتنا لا ترضى أن تجرَّ إلى حرب تداس فيها مقدراتها بأقدام المتصارعين.. وإذا كان لا بد لنا من أن نخوض حرباً، فليقولوا لنا: لماذا؟ وما هو الثمن؛ أللدفاع عن حريتنا؟ فليتركونا في بلادنا أحراراً نتصرف بمقدراتها وثرواتها تصرف الأحرار بشؤونهم! أم الثمن هو أن ندفع خطراً موهوماً تفصلنا عنه آلاف الأميال؟ ولكن لِم يريدوننا أن لا ندفع الخطر الجاثم فوق صدورنا وعلى حدودنا وفي قلب بلادنا؟.. إن أمتنا أكرم في نظر التاريخ وعند الله من أن تعطي رقبتها للجزارين الذين طعنوها بسكين في ظهرها ما تزال دماؤها تقطر منها ولا تزال جراحها تتنزى!.

وجوب العناية بالروح والأخلاق

ثالثاً إن الأمم لا تبني أمجادها إلا بقوتين متعاونتين: قوة من سلاح وقوة من روح.. وأنا لا أريد بالروح تلك الانهزامية الاتكالية الواهنة التي تفر من الحياة، ولا أريد بها تلك القوة المكذوبة التي نسجها الغرور أوهاماً تملأ أدمغة الشبان الأبرياء! كلا! إنما أعني بالروح: تلك القوة المبدعة الخلاقة التي تنشئ الحياة.. تلك الفضائل التي بنت بها أمتنا الممالك وشادت الحضارات، وخاضت بها معارك التحرير في القديم والحديث، إنها الروح المستمدة من الإيمان بالله وبشرائعه، وهي الروح التي تفقدها أمم الحضارات اليوم، فهي أبداً ما تزال تنقلب من جحيم إلى جحيم. ولن تعرف الاستقرار والسعادة إلا يوم تتعرف إلى روحنا نحن، وتتقدم لتأخذها من يدي محمد والمسيح عليهما السلام!.

إن أمتنا وهي على عتبة حياة مليئة بتكاليف الكفاح وأعباء النضال، في حاجة إلى هذه الروح التي تحبب لها الفداء، وترخص الأموال، وترغب في الصبر، وتربى على الإخلاص، وتبث في النفوس أنبل عواطف الحب والإخاء والوفاء. وإن الامتناع عن الاستفادة من هذه الروح خوفاً من الطائفية البغيضة ليس إلا جهلاً بطبيعة هذه الروح وبحقيقة أمراض هذه الأمة.

الأديان حرب على الطائفية

إن الطائفية عداء وخصام واستعلاء طائفة على طائفة، وظلم طائفة لأخرى، فمن يستطيع أن يجرؤ على القول بأن هذه هي روح الدين في قرآنه وإنجيله؟ وأن هذه تعاليم الدين في إسلامه ومسيحيته؟.

حين اشتد أذى قريش بالمسلمين لم يجد رسول الله خيراً من نجاشي الحبشة يلجأ إليه أصحابه فيجدون عنده الأمن وحرية العبادة. فأمر صحابته أن يهاجروا إلى الحبشة، وكان الملك النصراني عند ظن الرسول الإسلامي، فاستقبلهم أحسن استقبال وأبى أن يسلمهم إلى قريش وقال لهم: بل تنزلون عندي أعزة مكرمين. ولما جاء نصارى نجران إلى الرسول في المدينة استقبلهم في مسجده وفق ديانتهم، فكانوا يصلون صلاة النصارى في جانب، ورسول الله يصلي صلاة المسلمين في جانب!.

وهكذا تآخى العارفون بدينهم.. يوم كان النصارى يفهمون روح مسيحهم، ويوم كان الإسلام يعلن للدنيا مبدأ حرية الأديان وتقديس الشرائع وتكريم موسى وعيسى وإخوانهما من أنبياء الله ورسله، فمتى حدثت الطائفية في تاريخنا؟

الطائفية دخيلة على أمتنا

ألا إنها لم تحدث في عصر محمد رسول الله، ولا في عصر خلفائه الراشدين، ولا في عصور الأمويين والعباسيين، وإنما حدثت يوم ابتعدنا جميعاً على أدياننا وسمحنا للمتاجرين بها أن يعكروا صفو قلوبنا، وللأعداء أن يفرقوا وحدة صفوفنا.. يومئذ فقط مدت الطائفية رأسها لتلصق بأدياننا وبأمتنا مخازي ليست منها. فالطائفية ليست عميقة الجذور في أدياننا ولا في طبائعنا وإنما هي بذرة خبيثة دخيلة نحن الذين سمحنا لها أن تنمو وتترعرع في تربتنا فحقت علينا لعنة الله.. وإن القضاء عليها لن يكون بكلمات النفاق من السياسيين المحترفين، ولا بمؤتمرات تعلن الوحدة متسترة بطائفية مقنَّعة. وإنما يجب القضاء عليها بعلاج من داخل أنفسكم أنتم أيها الناس.. من ضمائركم، من قلوبكم، من أخلاقكم، من إيمانكم، من قرآنكم وإنجيلكم، من محمدكم ومسيحكم.. هنا هنا علاج الطائفية المقيتة.. وهنا هنا يتم الشفاء!.

إن أمتنا وهي ترث جهالة العصور، وخرافة الجهالة، وانحطاط الخرافة، ليس لها ما يجدد عزيمتها ويفتح بصائرها إلا أن تجلى لها روحها الموروثة الدفينة، وتستفيد من تراثها المشرق البنّاء، وتستلهم نظامها الجديد من قيمها الأخلاقية والتشريعية، وكل إعراض عن الاستفادة من هذه الروح تعطيل لمواهب أمتنا من أن تعمل، ولسلاحها من أن يصقل، ولفضائلها من أن تتجسد على الأرض المعذبة جيلاً يمشي بأقدام الإنسان وأرواح الملائكة.

نداء إلى رؤساء الجامعة

أما بعد: فإني وأنا أعلم أني في مكان لا يسمعني فيه رؤساء الجامعة وملوك العرب وقادتهم، لا أجد بُدًّا من أن أرسل هذه الصرخة وأنا واثق من أنها لن تضيع في ثنايا التاريخ.

متعوا شعوبكم بالحياة السعيدة

إن على ملوكنا ورؤسائنا أن لا يحولوا بيننا وبين الحرية والحياة السعيدة؛ لنشعر بكرامتنا في أنفسنا قبل أن نطلب كرامتنا في نفوس أعدائنا، إن خيراً لهم وأكرم لقيادتهم وأعظم لمكانتهم أن يقودوا أمة من الأسود، من أن يجروا وراءهم قطعاناً من الغنم!.

لا تبيعونا في سوق المصالح

وإن على ملوكنا ورؤسائنا أن يعلموا حين يفاوضون باسمنا حول مشاريع يراد لنا أن نوافق عليها.. أننا نحن أبناء الشعب؛ نحن الذين سندفع الثمن من دمائنا ومن أموالنا ومن أراضينا ومن ذرارينا ومن حرماتنا ومقدساتنا، ولن نكون أمة تبيض وجوه قادتها يوم اللقاء، إلا إذا دافعنا عن بلادنا وحرياتنا ونحن أقوياء أحرار لا نباع في سوق المصالح الخسيسة بيع الرقيق على أيدي أخس النخاسين ذمة وضميراً!.

استفيدوا من قوانا الروحية

وإن على ملوكنا ورؤسائنا أن يتركوا قوانا الروحية تعمل عملها الإنشائي في كياننا الجديد، وخير لهم أن يرأسوا مجتمعاً يزخر بالفضائل، من أن يكونوا على رأس أمة انطفأت فيها شعلة الحياة الكريمة لأنها فقدت في قلوبها إشراقة الروح المؤمنة.

هذا هو حكم الحق، وصدق الحديث، وفصل التاريخ، وكل انحراف عنه ضلال، وكل تجاهل له غباء، وكل محاربة له جريمة وفناء.