وائل شاهين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وائل شاهين المجاهد المجهول


إخوان ويكي

مقدمة

000000وائل-شاهين.jpg

يقول ابن القيم -رحمه الله-:

"إن الله - سبحانه - اختار من كل جنس من أجناس المخلوقات أطيبه، واختصه لنفسه، وارتضاه دون غيره، فإنه تعالى طيب لا يحب إلا كل طيب، ولا يقبل من العمل والكلام والصدقة إلا الطيب، فالطيب من كل شيء هو مختَاره تعالى".

والاختيار سنة من الله تعالى في عباده الصالحين، وفي كل جيل يختار ربنا أفضل ما في الأمة لتقود البشرية في وقتها ما بين مصلحين وعلماء ومجاهدين، كل هؤلاء بِالمعنى الواسِع اصطفاهم الله وأجرى على أيديهم الخير وأَنطق لسانهم بالحق وجعل قلوب الناس تهفو إليهم، هذا نوع من الاصطفاء. وآل شاهين قد اصطفاهم الله فكان من الشهيد والمجاهد الذي خلدوا أسمائهم بمداد من نور.

حياته

وائل محمد زكي شاهين الشقيق الأكبر لشهيد حرب القنال عمر شاهين (والذي مشت في جنازته من جامعة القاهرة رجالات مصر وشبابها) وأيضا نعمان شاهين.

ولد وائل شاهين تقريبا عام 1928م بحي العباسية بالقاهرة في أسرة عرفت بالصلاح وحرصت على تربية أبنائها على هذه المعاني منذ صغرهم، حتى تحقق فيهم ما كانوا يرجوه والديهما.

كان وائل ذو نجابة وذكاء فكان من أوئل الطلبة حتى التحق بكلية الطب جامعة إبراهيم باشا (عين شمس حاليا) كما التحق أخوه الشهيد عمر بكلية الآداب بنفس الجامعة.

في بيت وطني

نشأ وائل في بيت مفعم بالوطنية وبغض المستعمر الغربي، ولا أدل على ذلك أكثر من نزول وائل شاهين معركة التحرير بعد استشهاد أخيه عمر، بل وفي دعاء أمه الذي كشف حقيقة هذا البيت. يقول حسن دوح: أول من نزل إلى ميدان المعركة كان وائل شاهين وعلي غانم وهما من أشقاء الشهداء، وقد أصيب وائل شاهين بقنبلة حارقة لا تزال آثارها مرتسمة على وجهه.

يقول الدكتور وائل شاهين شقيق الشهيد عمر في رسالته ..

"سألت والدتي يوما وأنا صغير بعد أن ختمت صلاتها هل تدعين لنا يا أماه؟ فلما أومأت بالإيجاب قلت لها وماذا تقولين .. قالت اللهم اجعلهم نافعين لدينهم ووطنهم، وبوركت الدعوة ولم تمض سنوات حتى هدانا الله لدعوة الإسلام وانخرطنا في جماعة الإخوان المسلمين.

ويضيف:

ولا أنسى يوم استشهاد ابنها عمر فقد كانت صابرة محتسبة لدرجة أنها كانت تهدئ من روع خالتي وتواسيها مذكرة إياها أن هذه الميتة في سبيل الله".

ويقول الدكتور رشاد البيومي:

أنه حملت جنازة عمر شاهين على أكتاف رئيس الجامعة عبدالوهاب مورو والمرشد العام المستشار حسن الهضيبي إلى مسجد الكخيا للصلاة عليها، هتف شقيقه وائل شاهين قائلا: لقد قدمنا للشهادة عمر شاهين، وسنقدم فداءً لأمتنا ووطننا عُمرًا وعُمرًا.

شخصية مجاهد

من عرف وائل شاهين لم يسعه إلا أن يثني عليها لاتزانها وقوتها، ولنقف مع الأستاذ عبدالرحمن البنان الذي يلقى بظلال على هذه الشخصية

بقوله:

لفت نظري شخصية "وائل شاهين" المتزنة، فهو رغم مرحه ونكاته يبدو عليه أنه مثقف ثقافة جادة، وكنت أحس بأن له هدفًا واضحًا محددًا في الحياة، وليس مثلنا، كزورق على سطح بحيرة يقذف به الموج هنا وهناك، تكلمنا في شتى المواضوعات
وكان هذا أكثرنا إنصاتًا، وكنا نحن نهرج مازحين، وهو يبتسم ابتسامة هادئة وديعة، وهو طالب في "إعدادي طب" لا يزيد عنا سنًا سوى سنتين أو ثلاث سنوات، ولكن أحسست، عندما تكلم بثقة ورزانة في شتى المواضيع، بأن عقله أكبر من سنه بكثير، وبأننا أمامه عابثون سخفاء، كل حديثنا هراء بجوار حديثه الشيق العذب والجاد في الوقت نفسه.

فقه مجاهد

لقد كان للفكر الوسطي الذي تحلى به وائل أثرا في شخصيته واتزانه وفقه أولوياته، وهي الحالة التي وصفها البنان من اختلاطه بوائل

بقوله:

أعجبت بـ"وائل شاهين" كثيرًا، وشعرت بفخر؛ لأنه قريبي وأستطيع أن أراه كثيرًا، وأسمع منه، سألني أنا ووفيق: كيف نقضي وقتنا، فأجبناه بأننا نلعب الكرة، ونتمشى في الشوارع، ونقف على النواصي، وبالطبع لم نخبره بمغامراتنا مع بنات مصر الجديدة حياءً منه؛ لأننا أحسسنا بأنه ليس من نوعنا، وأنه يحترمنا، قال: ألا تقرءون؟
فأجابه وفيق: بأننا يكفينا الكتب الدراسية السخيفة، أما أنا أجبته بفخر: أنا أقرأ بالطبع، وأقرأ كثيرًا، فسألني عن نوعية قراءتي، فأجاب وفيق نيابة عني: إنه يقرأ قصص المغامرات والحب، فابتسم وائل قائلاً: إن القراءة نعمة كبيرة تفتح أمام الإنسان آفاقًا رحبة كبيرة، وهي غذاء للعقل، ولكن لابد للإنسان أن ينوع في قراءاته، ويركز على ما ينفعه في دنياه وآخرته.
لفت سمعي هذه الكلمة التي قالها "وائل شاهين" بهدوئه وثقته ووجهه الوسيم الذي يشرق بالنور، فقلت له متاسائلاً: وبشوق كبير للمعرفة: أرشدني إلى هذه الكتب، يا وائل، فأنا متعطش لقراءتها، ابتسم لي ابتسامة كلها ود؛ فقد أحس بأن قلبي يتشوق لهذا النوع من المعرفة ليريحني ويجيبني على عشرات الأسئلة الحائرة في صدري، قال لي: حسنا يا عبد الرحمن سنلتقي كثيرًا أليس كذلك، وسأريك مكتبتي، واختر ما تشاء منها.

المربي المجاهد

كان وائل شاهين بعد أن تعرف على جماعة الإخوان يبذل قصارى جهده ليرشد الناس إلى الدعوة والانتماء للحركات العاملة من أجل دينها وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، ولم يكن يترك الأمور للصدفة، لكنه كان يستغل كل لقاء ببعض الأشخاص ليعرفهم مظاهر جديدة من قوة وحيوية دينهم

وهو المعنى الذي سطر البنان بقوله:

ونظر إلى ساعته واستأذنا في الانصراف، وتساءل باهتمام: متى سنراكم؟ قلت له صادقًا: في أقرب وقت، فكر قليلاً، ثم قال: غدا الجمعة، بإذن الله، وسنخرج إلى رحلة مع مجموعة من الطلبة الأصدقاء، فما رأيكم لو جئتم معنا، أجبته ضاحكًا: إنه لا يوجد مكان في القاهرة لم نذهب إليه، فقال بثقة: ولكن المكان الذي سنذهب إليه لم تره من قبل، إنه جبل المقطم
فتسألت مستغربًا: جبل المقطم، وماذا تصنع هناك في وسط الصخور والرمال؟ أجابني ستري عالمًا غريبًا، لم تره من قبل، وستحس إحساسًا صافيًا جديدًا، لم تحس به من قبل، جرب هذه الرحلة مرة، وستري أنك ستكررها كثيرًا، وقال لنا، وهو يستعد للذهاب مع أسرته: هل تعدوني بالحضور، قلت له بعد تردد: أعدك بهذا، وسأحضر معي بعض الأصدقاء، واتفقنا على الموعد، ومكان اللقاء، وذهبت مسرعًا إلى لطفي وعبد العظيم
وطلبت منهم مصاحبتي إلى تلك الرحلة المجهولة، إلى جبل المقطم، تري ماذا يوجد هناك حتى يهتم به إنسان راق كوائل شاهين؟ إنه حب الاستطلاع، والوعد الذي قطعته على نفسي هو الذي شوقني إلى هذا المجهول. وفي السابعة صباحًا سمعت صفارة لطفي المميزة، وفتحت نافذة حجرتي، ووجدت لطفي وعبد العظيم ووفيق في انتظاري، أسرعت بالنزول، ووجدتهم قد أحضروا معهم لفات بها سندوتشات، وقصب مقطع، وبرتقال، وأشياء كثيرة ثقيلة
قلت لهم: سنتقابل مع مجموعة من طلبة العباسية، ولابد من أن نثبت لهم أننا نفوقهم في كل شيء، سألني عبد العظيم ولطفي في وقت واحد: وهل هناك حدائق في جبل المقطم؛ حتى تذهب إليها، وقال لطفي معلقًا: إننا نعلم أن هناك مقابر في المقطم، وإننا سنذهب لزيارة المقابر، وقراءة الفاتحة هناك
ورد عبد العظيم مكملاً: على كل حال، لن نرجع بدون فائدة، فإنهم يوزعون هناك فطير الرحمة، وسأملأ هذه الشنطة بهما، أما وفيق، وهو مريض بالقلب، وصاحب نزهات رقيقة، وصولات وجولات في الحدائق والمتنزهات، أحب أن يرجع من أول المشوار، وقال باسمًا: "أنا ليس لي حقيقة في المقطم ولا في المقابر عن إذنكم"، ولكني قلت له: لقد وعدت بالحضور، يا وفيق؛ لنذهب ونرى ما وراء هذه الرحلة، وإن لم تعجبك؛ ارجع.
ركبنا الترام إلى العباسية، وذهبنا إلى مسجد معروف هناك اسمه "القبة الفيداوية"، وهو مكان اللقاء، فلم نجد "وائل شاهين"، ولكننا وجدنا شبابًا في مثل سننا، يرتدون ملابس عسكرية، أو ملابس كملابس الكشافة (شورتات قصيرة كاكية، وقمصان كاكية أيضًا) ويحمل البعض على ظهره جربنداية
كالتي يحملها الجنود على ظهورهم، والبعض الآخر كان يحمل "زمزميات" لمياه، معلقة على كتفيه، وكانوا يرتدون أحذية ثقيلة كأحذية رجال الجيش، وكانوا يتحدثون بجدية ورزانة، وليسوا مثلنا نتضاحك ونتصايح بصوت مرتفع، ونعلق على كل شيء، وتصدر منا تعليقات على كل من حولنا، قال لطفي مازحًا: أخشى أن يكون هؤلاء الجنود هم مجموعة صديقك وائل
فقلت مستبعدًا: لا أعتقد، وإن كنت قد أحسست إحساسًا داخليًا بأنهم هم، قارنت بين ملابسهم وملابسنا، فقد كنا نرتدي أجمل الثياب قمصان بيضاء ناصعة، وبنطلونات نظيفة مكوية وأحذية لامعة، وقارنت بين تصرفاتهم الهادئة المهذبة، وتصرفاتنا العابثة الصاخبة وأخيرًا قطع حبل تفكيري، ظهور وائل ومعه شاب أصغر منه، ولكنه يشبهه
ويرتديان نفس ملابس هؤلاء الشباب (الملابس الكاكية، والأحذية الثقيلة) حيَّانا وائل بابتسامته المشرقة، وعرفنا بأخوه عمر شاهين طالب في السنة الثالثة من المرحلة الثانوية مثلنا، وعرفتهم بأصدقائي – لطفي، وعبد العظيم - ثم عرفنا وائل ببقية الزملاء بسرعة، وكانوا جميعًا طلبة، وكان بينهم بعض شباب العمال، وما هي إلا دقائق حتى وقف الجميع صفًا واحدًا منظمًا كطابور عسكري، لم نكن متعودين على هذا من قبل، بل كنا نحب الفوضى، وكنت دائما أردد: لذيد الحياة ما كان فوضي ...."
ولكننا وبعد تردد وقفنا بجوارهم، ولم نرد أن نشذ عنهم، فكانت وقفتهم شامخة، عسكرية الطابع، وأدار وائل الطابور، ومشوا صفًا منتظمًا شمال، يمين، شمال، يمين، والأيدي منتصبة منتظمة كبندول الساعة، أما نحن، فقد مشينا في آخر الصف، وقد بادرا لطفي وعبد العظيم بالنكت، ولكن بهمس، ويضحكون، وهم يكتمون ضحكاتهم
واستمر الطابور حوالي نصف الساعة، وبدأنا نتعب، ونظرنا وراءنا، فوجدنا وفيق يتهادى في مشيته، وأشار إليَّ بأنه سيعود إلى المنزل، وطلب مني أن أخبر وائل بذلك، وأخيرًا وصلنا إلى سطح جبل المقطم، وابتعدنا عن العمران نهائيًا، فأوقف وائل الطابور، وأعطى إشارة بالاستراحة قبل الصعود إلى الجبل.
وبدأ وائل شاهين يتحدث بوجهه المشرق، وبعد أن سمى وصلى على رسولنا العظيم، تحدث حديثًا مختصرًا، ولكنه مركز، وقد تكلم عن موضوع شغلني كثيرًا، ولم أجد له جوابًا شافيًا، وكأنه يجيب بحديثه هذا عما في نفسي من تساءلات حائرة. فلقد سأل نفسه سؤالاً عن الهدف من الحياة، فإن الإنسان يولد في هذه الدنيا بغير إرادته
ثم يعيش فيها طفلاً، ثم صبيًا، ثم رجلاً، ثم شيخًا، وعمل في حياته هذه كل الأفعال من خير أو شر، ثم يموت، فما مغذى هذه الحياة؟ وما معناها؟ وما الهدف منها؟ إنه السؤال الذي كنت دائمًا أسأله نفسي، وأجاب وائل: بأن الله قد خلق هذا الخلق جميعًا لعبادته، فنحن جميعًا مؤمنون بأن هناك إلهًا خالقًا عظيمًا خلق السماوات والأرض وما بينهما، وخلق هذه المخلوقات جميعًا منذ آدم، وحتى نهاية العالم؛ لتسبحه وتعبده، ولقد قال- سبحانه وتعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ " "الذاريات".
لقد تأثر البنان بشخصية وائل حتى أنه بدأ يبتعد عن بعض أصدقاءه الذين لا هم لهم إلاوالضحك والتسكع خلف الفتيات، وانجذب لأصدقاء وائل، بل وسعى لتعريف بعض أصدقاءه بوائل ليعرفهم على أمور دينهم

حيث يقول:

بدأت بزيارة صديقي الحميمين "عبد اللطيف" و"مصطفى"، فرحبت بي كل العائلة؛ لأنني كنت أراهم في السابق يوميًا، حتى كدت أصير واحدًا منهم - ولقد أبعدني عنهم ذلك التيار الجارف من الصداقات الجديدة، بما فيها من مخاطر كادت تجرفني معها، ولكن تخلصت من هذه الصداقات بعد أن سئمت هذه النزهات، وأفقت قبل فوات الأوان. ولقد كان لوائل شاهين فضل كبير في ذلك، كما قلت من قبل، والفضل الأول والأخير لله صاحب الأفضال والنعم.
بدأت أحدث عبد اللطيف ومصطفى عن وائل شاهين وعن أصحابه، وطلبت منهما أن يحضرا معي رحلة؛ ليحكما بأنفسهما على ما قلت لهم، وأخذت منهما وعدًا بالحضور بعد طول تردد منهما، وكلمت أصدقائي الذين توسمت فيهم الخير، مثل: عبد العزيز أخي، وحسن سميح، وإسماعيل مختار، وأحمد حسنين، وغيرهم.
وتقابلنا مع وائل شاهين ومجموعة أخرى من الشباب، وكنت فخورًا جدًا بأصدقائي، وأنا أقدمهم لوائل شاهين ورفاقه، وقضينا يومًا ممتعًا رائعًا، استمتعنا فيه برياضة الروح والنفس والجسد والوجدان، وتعارفنا، وتحدث الجميع في كل الموضوعات المفيدة، وسألنا وائل وأصحابه في كل الأمور، وناقشناهم في شتى الشؤون التي تخص بلدنا، وتكلم وائل وأفاض في الشؤون السياسية
وتكلم كثيرًا عن الإحتلال الإنجليزي والفرنسي لبلادنا الإسلامية، وأنه واجب مقدس علينا أن نتجهز لحرب عصابات معهما، وتكلم عن آمال كبيرة في عودة الوحدة الإسلامية، كما كانت بعد أن حطمها الاستعمارين الإنجليزي والفرنسي، وكيف حطموا الخلافة، وكيف تآمروا على تفتيت بلادنا الواحدة تلو الأخرى، ثم إيجاد حكام لتنفيذ مآربهم، ثم العمل على تحطيم الإسلام من داخله بنشر القيم الغربية المادية، ونشر الفساد والفجور والخمور والرقص والاختلاط والعري؛ حتى نبتعد عن ديننا، ليسهل قيادتنا.
ولقد استطاعوا أن يجعلوا كثيرًا من الكتَّاب التابعين لهم يقنعون الناس بعظمة الحضارة الغربية، وبأننا بجانبها لاشيء، وظهرت الدعوات للتغريب حتى طالب البعض بالبعد عن التراث وعن الدين، بل بالبعد عن لغتنا العربية أيضًا، و إفهامهم أن النهضة لا تتم إلا بهذا.
واستطرد وائل قائلاً: ولكننا سنرد عليهم ليس بالأقوال، بل بإيجاد نماذج بشرية في هذا الجو الفاسد، هذه النماذج والمثل التي تتمسك بعقيدتها وقيمها المستمدة من ديننا العظيم الذي حكم العالم حتى القرن التاسع عشر، وكان نبراسًا للدنيا، حينما كانت أوربا تعيش في عهود الظلام، وستكون نماذج صلبة، فتكون من عقيدة سامية تمتد في جذور التاريخ أربعة عشر قرنًا كاملين
وستكون أمثلة للفضيلة والأمانة والصدق والقوة والخلق، وسنأخذ بجانب هذا بأسباب القوة المادية أيضًا، فسنتعلم، ونأخذ خير ما في هذا العلم ونرفض سيئه، وسنصمم على أن نبني بلادنا التي دمرها هؤلاء الصليبيون، وسنتجمع ونتوحد بإذن الله؛ حتى تكون كلمة الله هي العليا، لأنها آمال المسلمين، وقد يراها البعض بعيدة، ولكنها ليست مستحيلة، ولابد أن يبدأ كل منا بنفسه أولاً، فإذا أصلحها أصبح يسيرًا عليه أن يدعوا الآخرين.
ووزع علينا وائل بعض كتيبًا صغيرًا اسمه (الرسائل الثلاث)، وطلب منا أن نقرأه، ثم نقول رأينا فيه. وعدنا الي منازلنا، وقد فتح وائل آفاقًا جديدة لتفكيرنا، وبدأت أقرأ في كتب التاريخ المعاصر والتاريخ القديم، وأرى كيف كنا، وكيف أصبحنا. حقًا إن الغرب الاستعماري استل سكينة وبدأ في ذبحنا، فهل رأيت أو سمعت عن مذبوح يحب ذابحه، أو مقتول يحب قاتله؟ أجل إن في هذا الزمان السيء نقرأ كثيرًا في الصحف لبعض الكتَّاب الخبثاء الذين يمجدون في الغرب، ويسفهون في حضارتنا وتاريخنا، ويدعون إلى تقليد الغرب.

الترجمة العملية للمربي وائل شاهين

ماذا حدث على يدي وائل لعبد الرحمن البنا وكثير ممن كانوا على شاكلته يحبون إسلامهم ولا يعرفون حقيقته، وقد كشف وائل لهم الآفاق

هذا ما يصفه البنان بقوله:

بدأ وائل بتدريبنا على المصارعة اليابانية والمصارعة الرومانية، وأصبحنا نقضي وقتًا ممتعًا جادًا نستزيد من كل لقاء بشيء جديد، أعلمنا وائل بأنه ينتمي إلى جماعة اسمها "الإخوان المسلمون"، وأنه يترك لنا الحرية في الانضمام أو عدم الانضمام إلى هذه الجماعة التي تعمل في الحقل الديني والسياسي والاجتماعية
وشرح لنا وائل كيف أن الإسلام دين شامل يشمل كل شؤون الحياة، فاقترح البعض ألا ننضم لهذه الجماعة الآن حتى ندرسها عن قرب، فلقد كان لها نشاط سياسي بارز، والبعض الآخر رأى أن السياسة في مصر لا أمان لها، واقترح أغلبنا أن نكون أسرة مستقلة عن جماعة "الإخوان المسلمون"، وأن يكون نشاطنا دينيًا ثقافيًا واجتماعيًا، ونبعد عن السياسة بقدر الإمكان.
أنا لم أكن مقتنعًا بهذا الرأي؛ لأنني على يقين - من خلال قراءتي لسيرة الرسول، وسير الصالحين من بعده- بأن الدعوة الإسلامية تمس كل جوانب الحياة، والإسلام ليس عبادة فقط، بل هو معاملات وآداب وسلوك وسياسة واجتماع وعلوم وآداب، ولكنني أحببت أن تكون هذه الأسرة، والتي سميناها (أسرة أبوبكر الصديق) بداية للسير على الطريق الصحيح
فكانت أسرة "أبوبكر الصديق" هذه تجربة رائدة في حرية الرأي والفكر، والاعتماد على النفس، والتزود بالعلم والمعرفة، ومزاولة الرياضة والرحلات والصداقة والأخوة الحقة الصادقة، ولقد اخترنا بالإجماع وائل رائدًا للأسرة، ثم اخترنا عبد العزيز حسن أمينًا للصندوق يجمع اشتراكاتنا البسيطة التي نقتطعها من مصروفنا؛ لنشتري بها كتبًا وأدوات رياضية، واخترنا عبد اللطيف دياب مسؤولاً عن الثقافة، فكان يحضر لنا كل أسبوع موضوعًا يلخصه، ثم يشرحه لنا.

معرفته بجماعة الإخوان

كان للإخوان نشاط كبير خاصة في فترة الأربعينيات حيث انتشرت الجماعة وانتشرت مجلتهم التي غزت كثير من البيوت، وبرزت جوالتها في الشوارع بشكل ملفت، مما شجع الكثيرين للإنضمام لها، حتى أن الكاتب إحسان عبدالقدوس كتب عن مرشدها البنا "الرجل الذي يتبعه النصف مليون".

كما زاد من التحاق الشباب بها الفكر الجهادي الذي دعى لمقاومة الإنجليز والصهاينة مفالتحق الكثيرين منهم بالنظام الخاص الذي أسسته الجماعة للتصدي لمحاولات الصهاينة. تعرف وائل شاهين على جماعة الإخوان المسلمين في شعبية العباسية وانضم للكشافة فيها قبل أن يختار ضمن تشكيلات النظام الخاص للجماعة لمهاراته وقوة شخصيته وذكاءه.

الاستعداد لحرب فلسطين

كان وائل شاهين أحد الشباب الذين تعرفوا على النظام الخاص لجماعة الإخوان، وكان له نشاط ملحوظ للاستعداد لحرب فلسطين التي شارك فيها الإخوان بشبابهم فيها

حيث يقول البنان:

اتصلت بوائل شاهين مرارًا، ولم أجده، فقد اعتذر مرتين عن اجتماع أسرة "أبو بكر الصديق"، وقد علمت أن سبب انشغاله هو اشتراكه في التدريبات العسكرية، والاستعداد للذهاب إلى فلسطين، تركت له ورقة في بيته في العباسية أرجو منه الحضور لاجتماع عاجل لأسرة أبوبكر
وبعد أيام ثلاث حضر وائل الاجتماع، وتكلمت وكان كلامي مختصرًا واضحًا، قلت: كان اجتماعنا في أسرة أبو بكر لنتعلم فيه الإسلام الصحيح، ولقد استفدنا كثيرًا، وها قد جاء الوقت لنترجم ما تعلمناه عمليًا بعمل جاد نافع، ولقد تعلمنا أن الجهاد فريضة، وها قد جاء وقت الجهاد دفاعًا عن أرض الإسلام، عن بيت المقدس، ونحن شباب.
صمت وائل طويلاً، ثم قال لي: سأوصلك للأستاذ حسن البنا، ليبدي رأيه؛ لأنه حسب علمي لم يوافق على إرسال طلبة إلى فلسطين، ولكن حاول بنفسك، وطلبت أخذ الرأي في أن نحل الأسرة لنتفرغ جميعًا للجهاد وأخذنا الرأي، ووافق الأغلبية على حلها للاستعداد للجهاد في فلسطين، واتفقت مع وائل شاهين على أن أقابله يوم الثلاثاء المقبل، وذلك في المركز العام للإخوان المسلمين لمقابلة مرشد الإخوان الأستاذ حسن البنا.

مجاهد في حرب القنال

حينما أعلن النحاس باشا في أكتوبر 1951م إلغاء معاهدة 1936م كان شباب الإخوان بالجامعات والمجموعة التي شاركت وتدربت في حرب فلسطين أسبق من شارك في هذه الحرب وقاموا بالكثير من العمليات التي كبدت المستعمر البريطاني كثير من الخسائر وأقلقت مضاجعه.

حيث شارك وائل شاهين وهو طالب بطب عين شمس في تدريب الجامعة مع الأستاذ مهدي عاكف، في الوقت الذي كان يتدرب فيه أخوه عمر شاهين بجامعة القاهرة، وانتقل للمشاركة في العمليات الفدائية في التل الكبير.

يقول الأستاذ مهدي عاكف:

كانت جامعة الأزهر يشرف عليها الأخ أحمد العسال، والدكتور يوسف القرضاوي، والأستاذ عبد الله العقيل، أما معسكر عين شمس فكنت أشرف عليه، وكان معي المرحوم الأخ الدكتور سعيد النجار، والدكتور وائل شاهين، والمرحوم الأخ حسن عبد الغني المحامي، ونشط مدربو الجامعات في التدريب نشاطًا فاق كل وصف حتى إنهم دربوا على استعمال جميع الأسلحة والمفرقعات، بالإضافة إلى حرب العصابات، وتكونت الكتائب القتالية، وتحددت لها مواعيد التحرك، ودخول المعركة.

ما قبل المحنة

بعدما حلت الجماعة واغتيل البنا نشط عدد من الذين لم يعتقلوا بعد في فضح ممارسات الحكومة، والعمل على توفير جزء من معيشة أسر المعتقلين، فكان وائل شاهين واحد من هؤلاء الذين اهتموا بهذا الأمر

حيث يصفه علي صديق بقوله:

وفي بيت من العباسية يقيم الأخ الدكتور عز الدين والدكتور جمال عطية ومختار إبراهيم والدكتور وائل والشهيد عمر شاهين وغيرهم انضممنا إليهم وشاركناهم جهادهم في طباعة المنشورات التي تهاجم الحكومة المعتدية على الحريات والتي قتلت الإمام بغدر ونذالة وكنا نقوم بتوزيعها في دور الحكومة وفي الجامعات ونلصقها على العربات كل ذلك بحذر شديد حتى لا نقع في أيدي البوليس وكنا نجمع الأموال من إخواننا الذين لم يعتقلوا لنقدمها إلى أسر المعتقلين الذين فقدوا كل شئ وباعوا أثاثهم لينفقوا على معيشتهم بعد اعتقال رب الأسرة.

في آتون المحنة

منذ أن أعلن الإخوان دخولهم حرب فلسطين وظهورهم بمظهر القوة وقد أقلقت هذه القوة الدول الاستعمارية والحركة الصهيونية وأذنابهم في الداخل خوفا على مراكزهم، ولذا سعوا مجتمعين على إجهاض هذه الحركة الإسلامية، وتزرعوا بكثير من الأسباب فكانت اعتقالات السيارة الجيب ثم حل الجماعة واغتيال مرشدها، ووقعت كثير من الحوادث كأحداث ما سميت بقضية الأوكار حيث اتهم وائل شاهين ضمن هذه القضية وتم القبض عليه وزج به في السجن.

يقول عباس السيسي:

وحين صدر قرار حل الجماعة عام 1948 أدلهمت الأمور فقتل النقراشي واغتيل الإمام الشهيد حسن البنا وملئت المعتقلات والسجون بشباب الإخوان وأدرك الإخوان أن الحكومة قد تحولت إلى عصابة تقتل الإخوان فكان لزاما عليهم أن يغادروا منازلهم ويلجئوا إلى منازل أخري
ومن ثم ذهب الأخ أحمد شرف الدين إلى القاهرة وانضم إلى مجموعة الإخوة: الدكتور جمال عطية والأستاذ محمود حطيبة والأستاذ حسن عبد الغني والدكتور وائل شاهين والأخ مختار حسن الطالب بالآداب الخ إسماعيل السيد صاحب ورشة ميكانيكا.

كما ذكر علي صديق قوله:

كان معنا بالسجن من الإخوة المتهمين في قضية السيارة الجيب ممن حكم عليهم وهم الإخوة أحمد حسين وأحمد قدري وأحمد زكي وصلاح عبد المتعال ومحمود الصباغ وعبد الرحمن السندي وسعد كمال والمرحوم كمال القزاز ومن قضايا ألأوكار الإخوة يوسف عبد المعطي والدكتور عصام الشربيني
والمرحوم حسن عبد الغني والدكتور عبد الفتاح شوقي والدكتور جمال عطية والمرحوم الدكتور أحمد البساطي وحسين عودة وعبد المنعم البساطي وفتحي البوز ويوسف على يوسف ووائل شاهين وحلمي الكاشف وهنداوي دوير (في قضية إضرابات الجامعة) والسيد بدر والمرحوم لطفي فتح الله في قضية الخديوي.

غير أنه لم ينس مهمته الدعوية داخل السجن حيث يصفها الدكتور يوسف القرضاوي بقوله:

وكان الأخ وائل شاهين - شقيق الشهيد عمر شاهين - الطالب بكلية الطب، من الإخوة الحريصين على تنظيم هذه الدروس، وتحديد أوقاتها وموضوعاتها، وإحضار المستفيدين منها. كما كنت أشرح للإخوان بعض المفاهيم الإسلامية، وخصوصًا ما كان منها حول "الأصول العشرين" للإمام البنا، وكنت معنيًّا بها من قديم.

كما لم ينس مهمته كطالب في كلية الطب حيث حرص على التفوق رغم المحنة، وهو المشهد الذي يصفه الدكتور محمود جامع بقوله:

ولا أنسى عندما كنت طالباً بكلية الطب أننى كنت أرى ـ أنا وزملائى الطلاب ـ جميع طلبة الطب المتهمين فى قضايا النقراشي والأوكار والسيارة الجيب والمعتقلين يحضرون إلى كلية الطب لحضور الامتحانات معنا .. وكان لكل طالب ضابط يحرسه وجنديان يحمل كل واحد منهما بندقية ،وأذكر الدكتور (عاطف عطية حلمى) طالب الطب الذى حصل على بكالوريوس الطب وهو محكوم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة فى ليمان طرة يقطع الأحجار نهاراً ويذاكر دروسه ليلاً حتى حصل على بكالوريوس الطب.
وأذكر منهم الزملاء الدكاترة (أحمد الملط)، (عوض الدحة)، (مصطفى أمين البطاوى)، (يحيى البطاوى) الذى كان بعد ذلك وكيلاً لكلية طب قصر العينى، (عصام الشربينى)، (سالم نجم)، (صلاح عويضة)، (حسان حتحوت)، (وائل شاهين)، (عبدالفتاح شوقى)، (أحمد المنيسي) الذى أستشهد فيما بعد فى حرب القناة.

شاهين والمرشد الهضيبي

رغم أن وائل شاهين كان من النظام الخاص إلا أنه لم يخرج عن إطار الجماعة في عهد المرشد العام الجديد المستشار الهضيبي، بل اختلف مع قادة النظام في أسلوب تعاملهم مع مرشدهم.

وحينما تشكل النظام الخاص الجديد كان وائل شاهين مسئولا عن فصيل حيث يقول عبدالعظيم رمضان:

منطقة شرق القاهرة . وقد عين لها عبد المعز وهو معاون فني بوزارة الصحة متخرج من مدرسة الصناعات الزخرفية وعمره 32 سنة وكان بها ثلاث فصائل برئاسة كل من : وائل شاهين وعبد المنعم إبراهيم وعبد الرحمن البنان وكانت الفصيلة الأخيرة مكونة من شعب سراي القبة وحمامات القبة ومصر الجديدة.

محنة عبدالناصر

يبدو أن انحياز وائل شاهين للمرشد العام المستشار الهضيبي لم يعجب عبدالناصر الذي كان يدعم عبدالرحمن السندي ومجموعته، ولذا ما إن وقعت أحداث المنشية يوم 26 أكتوبر 1954م حتى تم القبض على وائل شاهين ضمن أفراد النظام الخاص وزج به في السجن الحربي وحمزة البسيوني حيث تجرع ألوان شتى من التعذيب التي تركت أثرا علي جسده طول حياته.

أخيرا

ككثير من أعلام الإخوان الذين تركوا أثرا وبصمات لكن بسيرة ذاتية منقطعة لم تكتمل سواء من صاحبها أو من إخوانه، مات الدكتور وائل شاهين دون أن نعرف عن تفاصيل حياته بعد اعتقاله في عهد عبدالناصر أي شيء، ولا نعرف له تاريخ وفاة.

المصادر=

  1. حسن دوح: صفحات من جهاد الشباب المسلم، دار الاعتصام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1979م.
  2. عبدالرحمن البنان: فتى الجهاد، مذكرات عبد الرحمن البنان، دار النشر للجامعات، القاهرة، 2009م.
  3. يوسف القرضاوي: ابن القرية والكتاب، دار الشروق، القاهرة، 2002م.
  4. علي صديق: الإخوان المسلمون بين إرهاب فاروق وعبد الناصر، دار الاعتصام، القاهرة، 1987م.
  5. عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، جـ2، دار الطباعة والنشر والصوتيات، مصر، 1986