والدة المهندس خيرت الشاطر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
والدة المهندس خيرت الشاطر

والدة المهندس خيرت الشاطر

المهندس خيرت الشاطر


لقد قدم آل الشاطر نموذجا للتضحية العملية سواء بالنفس أو المال فلم يبخلوا لحظة واحدة بما أعطاهم الله من فضل فأحسنوا التجارة مع الله فأكرمهم في الدنيا ونسأله أن يرزقهم القبول في الآخرة.

لقد قدم الجميع التضحيات لا لشهرة أو جاه لكن ابتغاء مرضاة الله فقدم الأب والأم والأبناء كل معاني التضحية حتى زوجات الأبناء وأزواج البنات نالهم نصيب من تقديم هذه التضحية.


وقد تحدثنا عن زوجة المهندس خيرت الشاطر في حلقة سابقة وهانحن نقدم نموذجا آخر لهذا البيت ألا وهي الأم وربان السفينة الذي صنع هذه النماذج التي يراها الجميع.

من هي؟

في قرية كفر الترعة القديم بمحافظة الدقهلية ولدت الحاجة فاطمة إبراهيم على الصباغ –والدة المهندس خيرت الشاطر- عام 1930م، وهي نفس القرية التي ولد فيها زوجها الحاج سعد عبد اللطيف الشاطر وقد انتهج العمل التجاري والذي ورثه عن والده وأجداده، وتعرفا على بعضهما وتم الزفاف أواخر أربعينيات القرن الماضي وقد رزقهما الله بمحمد خيرت وهو البكر وأيضا جلال وبهاء وهاني، كما رزقهما الله بثلاثة من البنات أكبرهن الحاجة فاتن الشاطر وفاطمة الشاطر زوجة الدكتور محمود غزلان – عضو مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين وقد تم الزواج عام 1977 تقريبا(1).

يد بيد

ما أن حلت على بيت آل الشاطر حتى كانت نعم الزوجة التي تهيئ جو الهدوء والاستقرار لزوجها وقد انطبع ذلك على عمله وتجارته فقد حقق بفضل الله أولا ثم الاستقرار الذي وفرته له الزوجة نجاحا كبيرا في التجارة، فقد مارس التجارة لأكثر من خمسين سنة وامتلك عددا من الأراضي الزراعية وكان من أكبر التجار المشهورين في محافظة الدقهلية والذي توفاه الله عام 2000م.

يقول الدكتور محمود غزلان: "لم يحصلوا على شهادات وإجازات، ولكنهما تعلَّما من أسرتيهما في ريف مصر الحلال والحرام، والخطأ والصواب، والخير والشر، وما يجب وما لا ينبغي أن يكون، تعلَّما هذا كله في صورة سلوك حي ومعاملة يومية وقدوة دائمة، ثم علَّماه لأولادهما".

ويضيف: "وكان أول لقاء معه حينما ذهبتُ إليه لأخطب ابنته الكبرى، وكنتُ قد كلمتُ شقيقها (أخي الحبيب خيرت الشاطر) بشأنها، فجمعني بها في بيته حتى يأتي أبوه من العزبة فأخطبها منه، ومرَّ علينا الحاج في بيت خيرت لدى عودته إلى بيته، ثم انصرف إلى بيته فتبعته، وجلسنا سويًّا هو وأنا فقط في غرفة الاستقبال، وساد صمت عميق فلا كلمة ترحيب منه ولا كلمة مجاملة، حتى اضطررت أن آخذ دور المُضيف وأرحب أنا به وأتودَّد إليه، حتى أيقنت أن مطلبي مرفوض مرفوض، وأخيرًا استجمعت شجاعتي وقدحت قريحتي وقلت له: لقد عرفت خيرت وتربيته وأخلاقه وكان من الطبيعي أن أستنتج أن البيت الذي ربَّاه وخرَّجه كفيل أن يربي مثله إن لم يكن خيرًا منه؛ ولذلك فقد جئت أطلب منك يد ابنتك فتكلم للمرة الأولى قائلاً: يشرفنا يا بني، وتنفست الصعداء، ولم يسألني عن شيء قط؛ لا وظيفة أبي ولا مرتبي ولا قدراتي المادية ولا الشقة ولا المهر ولا أي شيء مما يهم الناس الآن.

وبعد فترة سألت عن سرِّ صمته في أول لقاء؛ فقالوا: إنه شديد الحياء، وخصوصًا في مثل هذه المواقف، وبمعاشرتي له وجدته بالفعل رجلاً حييًّا شديد الحياء"(2).

مواقف حية

يقول الدكتور محمود غزلان: "بعد الزواج لاحظت أن أحدًا لم يتحدث معي أو يطلب مني التوقيع على قائمة الأثاث، فظننت أن حياءهم منعهم من ذلك، فقمت بإحضار ورقة بيضاء (فلوسكاب) وكتبت في رأسها بعد البسملة أقر أنا (فلان) بأنني استلمت المنقولات المبينة في هذه الورقة، وأنها في حيازتي ومسئوليتي، وتركت الورقة بيضاء ووقَّعتُ في ذيلها وأرسلتها إلى الحاج وأنا أعلم أنه يمكن أن يُكتب فيها أي شيء إلا أن ثقتي في دين هؤلاء الناس وأمانتهم كانت أكبر من كل شيء، وبعد أسبوع وعند زيارة حماتي الفقيدة- رحمها الله- وجدتها ترد إليَّ الورقة وتقول لي: (الحاج بيقولك: عيب) حاولت أن أراجعها بأنه حقهم، ثم هو عُرْف عند كل الناس، فقالت: عيب".

ويضيف: "كان بيته في المنصورة هو نُزُل كل أهل القرية عندما يأتون إلى المدينة للتسوق وتجهيز البنات والاستشفاء، وربما أقاموا الليالي ذوات العدد، وهكذا لم يكد البيت يخلو من الضيوف في يوم من الأيام وكانت زوجته- رحمها الله- وبناته يقمن على خدمة الوافدين؛ الأمر الذي دفع البنات لإتقان كل أعمال المنزل وهن في سن صغيرة".

ويقول: "كانت ترعى البيت والأولاد الصغار حال غيابه في تجارته، رفضت أن تأخذ نصيبها من ميراث أبيها، لم تتبرم يومًا وهي تراه يكسب الكثير وينفق الكثير بدعوى أنه يجب أن يؤمِّن مستقبلهم ومستقبل الأولاد كما تفعل النساء؛ بل كانت تشاركه في كل ما يفعل، ولم تشكُ يومًا من كثرة الضيوف وإرهاق الخدمة بل كانت تسعد كثيرًا لكثرة القاصدين، ولا تسمح لأحدهم أن ينصرف قبل أن يتناول الغداء أو العشاء.

لقد كانت تتعامل مع كل البائعات والبائعين وكل من يقدم لها خدمة ما بالفضل ولا تكتفي بالعدل والحق، حتى رأينا بائعات الدواجن والخضر والممرضات يبكين عليها بكاءً حارًّا، وكذلك الجارات ونساء القرية، ورأينا الحزن الشديد على كنَّاس الشارع وسائق السيارة وكل مَن عرفها، ولا غرو فقد ظلت حتى أيامها الأخيرة تصر على أن يأخذوها في السيارة إلى القرية؛ لتذهب إلى دور المحتاجين دارًا دارًا، وأولادها يطرقون الأبواب، ويخرج لها أهل الدار فتعطيهم ما يجود الله به عليهم؛ لأنها لا تستطيع أن تدخل كل هذه الدور كما كانت تفعل أيام صحتها، وإذا حدثوها أنهم يمكنهم أن ينوبوا عنها في هذا الأمر ترفض رفضًا شديدًا.

وكانت- رحمها الله- قبل أن يشتدَّ عليها المرض تختم القرآن الكريم كل ثلاثة أيام"(3).

رحلة مع المحن

لقد عاشت رحلة طويلة مع المحن الشديدة التي ينوء بها إنسان فمنذ أن كبر ابنها الوحيد والتحق بالمرحلة الثانوية وهي كانت على موعد مع هذه الابتلاءات ففي عام 1968م انطلقت مظاهرات في القاهرة والإسكندرية بعد محاكمات قادة الجيش بعد نكبة 1967م وقاد هذه المظاهرات طلبة الجامعات، وكان خيرت قائدًا من قادة مظاهرات جامعة الإسكندرية.

وأُلقي القبض عليه وأُلقي مع زملائه في سجن الحضرة، وخرج رئيس الجمهورية يُعرِّض به بالاسم في خطبة عامة، وبعد وساطات وافق الرئيس على الإفراج عنهم غير أنه فصله من الكلية، ومن ثم كانت تنتظر الأم مفاجأة أخرى وهي أن ابنها دفع به إلى الجيش في البحر الأحمر حيث أماكن المواجهة مع العدو الإسرائيلي، حتى إن قائده ذات يوم طلب منه أن يحمل رسالة إلى قائد موقع بعيد، وعندما عاد وجد موقعه لا أثرًا له فقد دمَّرته القاذفات الصهيونية، وقضى فترة التجنيد.

وأثناء ذلك تعرضت لابتلاء شديد في زوجها فعندما اعتقل ابنه خيرت ترك أبوه تجارته وأقام بالإسكندرية لمتابعته وزيارته، وأثناء ذلك كان قطار يحمل بضاعة له قد ضُرب واحتُرق بالبضاعة في سيناء 1967م، واستغل بعض العاملين عنده من ذوي النفوس الضعيفة محنته وطلبوا منه تظهير شيكات جاءته من بعض الجهات ثمنًا لبضاعته كي يصرفوها ويحضروا له المبالغ نقدًا، وعندما فعل صرفوا الأموال واختلسوها لأنفسهم، فأصيب في ولده وماله وأُصيب على إثر ذلك بذبحةٍ صدرية فكانت صدمة شديدة لها غير أنها المرأة التي عرفت الله حق المعرفة.

غير أنها كانت على موعد أخر من المحن بعد فصل ولدها من العمل الجامعي عام 1981م، وما كادت تمر الأيام حتى اعتقل ابنها في قضية سلسبيل وإغلاق شركته عام 1991م، بل لفقت له قضية اختراق المخابرات العسكرية وكانت تهمة كما يقول وزير الداخلية آنذاك بأن هذه التهم عقوبتها الإعدام.

وفي سنة 1995م تم اعتقاله مع حوالي 90 من قيادات الإخوان المسلمين، وقُدِّموا لمحكمة عسكرية حكمت على خيرت بخمس سنوات وكانت صدمة على الوالد والوالدة ولم تكن الأم تهنأ بعودة ولدها بعد غياب خمس سنوات حتى اختبر الله قلبها مرة أخرى بأن اختار زوجها لجواره بعد معاناة لمرض السرطان استمرت حوالي عشرة أعوام، كما اختار ابنها مرة أخرى للاعتقال عام 2001م وليس هو فحسب بل اختار زوج ابنتها الدكتور محمود غزلان للاعتقال أيضا فكانت تسعى لزيارة الاثنين دون أن تكل أو تمل.

لكنها فوجئت وفي ظل مرضها باعتقال ابنها مرة أخرى عام 2006م وتقديمه لمحاكمة عسكرية والتي حكمت عليه بسبع سنوات وأغلقت شركاته وعينت عليها حراسة.

يقول الدكتور غزلان: " وكان وقع الحكم على أمه شديدًا؛ خصوصًا وقد وهن العظم منها واشتعل الرأس شيبًا، وبلغ المرض منها مبلغه، فكانت تقول لي وهي تبكي: ماذا فعل حتى يُحكَم عليه بهذا الحكم؟ هل قتل؟ هل سرق؟ إنهم جميعًا يعلمون أنه لا يقدم للناس إلا الخير، ألا يخافون الله؟ أليس لهم أبناء؟ وزارته هذه المرة مرات قليلة حتى عجزت عن السفر، ومع حزنها العميق وإحساسها بالظلم الكبير؛ إلا أنها ظلت صابرةً تتطلع إلى الله، ولا تقدح في أحد".

وتقول زوجة المهندس خيرت: "كانت والدته في الآونة الأخيرة قبل موتها رحمها الله تقول لا أريد شيئا من الدنيا إلا أن يصلي علي جثماني المهندس خيرت".

ويقول الدكتور محمود عزت: "نشهد لأمنا الفقيدة بالصبر وحسن التربية".

وفاتها

انتقلت إلى رحمة الله تعالى يوم الاثنين 25 مايو 2009م، وخرجت الجنازة عصرا من مسجد النصر بمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، وُدفنت بمقابر الأسرة بكفر الترعة القديم بمركز شربين، وحضرها فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام وقيادات الإخوان، كما حضرها المهندس خيرت الشاطر حيث حقق لها أمنيتها بأن صلى عليها(4).

الهوامش

1-حوار مع زوجة المهندس خيرت الشاطر أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي.

2-مقال للدكتور محمود غزلان بعنوان (شهادتي لآل الشاطر) بموقع إخوان أون لاين 2 يونيو 2009م.

3-المصدر السابق.

4-جريدة البشائر وموقع إخوان اون لاين الاثنين 25 مايو 2009م.


إقرأ أيضا

وصلات داخلية

أبحاث ومقالات متعلقة

متعلقات

وصلات خارجية

مقالات وأخبار وحورات متعلقة

تابع مقالات وأخبار وحورات متعلقة

متعلقات

وصلات فيديو وبرامج

تابع وصلات فيديو

وصلات فيديو لبرامج