وهل تجدي المقاطعة مع التزوير

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وهل تجدي المقاطعة مع التزوير


بقلم:المستشار محمود رضا الخضيرى

نائب رئيس محكمة النقض ورئيس نادي القضاة بالإسكندرية سابقاً


يرتفع صوت البعض قبل كل انتخابات تجري في مصر مناديا بمقاطعتها نظرا لما يرونه من مظاهر الاستعداد لتزويرها، والحقيقة التي يجب الانتباه إليها أن عملية المقاطعة لا تجدي إلا في البلاد التي لا تعرف التزوير، إذ سيترتب على المقاطعة إذا نفذت بالفعل أن يظهر أثرها على نسبة من يدلون بأصواتهم التي ستعلنها اللجان المشرفة على الانتخابات، أما في حالة احتراف تزوير الانتخابات كما هو حادث عندنا فإن هذه اللجان ستقوم بمهمة التصويت بدلا من الناخبين تحت إشراف الشرطة وفي غياب الإشراف القضائي وتعلن النتائج التي يرغبها النظام بالنسبة التي يريدها ومن يستطيع إثبات عكس ذلك فعليه الإثبات وحتى إذا استطاع الإثبات وخرج حكم من القضاء يقر التزوير فإن مصيره أن يعلقه صاحبه على صدره ويطوف به على الناس كما فعل عاطف الأشموني مؤلف الجنة البائسة.

فإذا كان الأمر كذلك وكانت المقاطعة لا تجدي فما جدواها؟ وقد يقول قائل إن المقاطعة هنا معناها أن تمتنع الأحزاب والجماعات في مصر عن تقديم مرشحين لها احتجاجاً على ما يحدث من تزوير، وأنا أقول أن لذلك في نظر الحكومة ميزة كبيرة وهي الانفراد بالساحة والاتفاق مع بعض الأعوان على القيام بدور المعارضة حتى من داخل الحزب الواحد وبذلك تتغلب على شكلية وجود معارضة فضلاً عن أنه لا يوجد في مصر أحزاب مؤثرة يمكن أن يشكل امتناعها عن خوض الانتخابات صعوبة تحرج الحكومة وبذلك يمكن القول بكل صراحة أن عملية المقاطعة ليست مجدية مع الجو السائد في مصر وعدم الرغبة في إجراء انتخابات حرة نزيهة، والمجدي فقط هو محاربة التزوير والوقوف ضده بكل حزم وقوة وفي حالة استعمال القوة الغاشمة للقيام به يجب التصدي لها أيضا بقوة لأن من يتصدى في هذه الحالة يكون في حالة دفاع شرعي عن حقه الطبيعي في ممارسة أحد حقوقه الدستورية سواء في الترشيح أو الإدلاء بصوته في الانتخابات. ولقد تحدثت في مقال سابق عن التصدي للتزوير ومن وسائله تكوين لجان من أهالي كل حي أو قرية لمراقبة اللجان ومنع العبث بها والتصدي بقوة وحزم لكل من يحاول العبث بها من بلطجيه الحكومة وقوات الأمن المركزي التي توضع فقط لبث الرعب والخوف في قلوب الناس مثل خيال المآته الذي يوضع وسط الحقول لإخافة الطيور.

البلطجيه شلة من المجرمين المحترفين استأجرتهم الحكومة لبث الرعب والخوف في قلوب الناس وهم أضعف من أي قوة شريفة تدافع عن حقها وسيلوذون بالفرار عند أول مواجهة جادة مع أصحاب الحق الذين يتسلحون بقوة الحق وعزمه وإصرار صاحبه على الحصول عليه، وجنود الأمن المركزي هم شباب مصري يشعر بذات شعور كل مصري بالقهر والظلم والجوع والعطش والبطالة ويتطلع إلى اليوم الذي يقضي فيه على هذه المشاكل ويتحرر منها ويرى نفسه وإخوانه في ظل حرية يقول ويفعل فيها ما يريد ويختار من يحكمه بإرادة حرة ويحاسبه عندما يخطئ ويعزله عند اللزوم ويختار غيره ممن يشعر أنه أقدر على حل مشاكله وتحقيق الرخاء والخير له وهو في ذلك يمارس حقا لا يستطيع أحد أن يماري فيه ومن حقه أيضا أن يشعر أن الحاكم خادم له وليس سيداً جباراً يجب عليه الخضوع له، الحاكم خادم لأن الشعب هو الذي يدفع إليه أجره من تعبه وكده ودخله وما دام هو الذي يختاره بحريته وإرادته ويدفع إليه أجره فمن حقه أن يشعر أنه هو السيد والحاكم هو الخادم الذي يجب أن يستمع إليه سيده ويطيعه وينفذ رغباته.

وسائل التزوير كثيرة ومتنوعة ولا تجدي معها محاولة التغلب عليها وقد جربنا هذه المحاولات ولم تجد نفعا إزاء احتيال الحكومة عليها، وكلما حاولنا سد ثغرة كانت تنفذ منها لتزوير الانتخابات قامت بإيجاد ثغرة غيرها حتى أنه عندما إستجابت الحكومة لبعض المطالب بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية بالنص على استعمال الحبر الفسفوري وتوقيع الناخب أمام إسمه في كشوف الانتخابات وتوقيع رئيس اللجنة على بطاقة الانتخابات وتنقية كشوف الناخبين إحتالت الحكومة على ذلك كله وأوجدت حبرا مغشوشا يزول بمجرد غسل اليد بعد الخروج من اللجنة واحتالت على باقي الضمانات خاصة ضمانة وضع قاض على كل صندوق باختيار قضاة يعينهم في بعض اللجان العامة التي تعني الحكومة بعدم نجاح أشخاص بعينهم فيها وذلك لنسف نتائج اللجان الفرعية التي لم تستطع التحكم فيها وعندما قام القضاة بفضح هؤلاء قدمت من قام بفضحهم إلى المحاكمة وتركت المزورين لتستعملهم في مهام أخرى، وكذلك استعمال أسلوب المنع من الخارج لمنع الناخبين من دخول اللجان التي لم تستطع التحكم بها من الداخل لوجود قاض على كل صندوق وهكذا لا تعدم الحكومة وسيلة للتحايل على الضمانات التي من المفروض أن تحول دون تزوير الانتخابات.

لكل ذلك ولما شاهدته في الانتخابات المتعددة التي عاصرتها سواء مشاركاً أو مراقباً أصبح لدي قناعة شديدة أنه ما لم توجه رغبة حقيقية لدى الحكومة في إجراء انتخابات حرة نزيهة فلن يتحقق ذلك إلا إذا أرغمت الحكومة على ذلك تحت ضغط شعبي يمكن أن يؤدي بها وهذا غير متحقق الآن وليس من المتصور تحققه في القريب العاجل رغم ما يعاني منه الشعب من ضيق في العيش ويأس من الإصلاح وكبت في الحرية وإحساس بالظلم والقهر.

وإذا كان الشعب وحده لا يستطيع أن تحت الضغط أن يرغم الحكومة على إجراء انتخابات حرة نزيهة فهل يمكنه يا ترى أن يرغمها على طلب الرقابة الدولية على الانتخابات أم أن ذلك مستحيل أيضا؟ وإذا كان ذلك مستحيل الآن فهل ستظل على هذا الحال بلا أمل في الإصلاح حتى تنهار البلد تماما أمام أعيننا وتغرق السفينة بنا جميعا ونرى أنفسنا جميعا غرقى في قاع البحر بلا أي وسيلة للنجاة، السفينة الآن بها قوم يحدثون بقاعها ثقبا غير مدركين أن هذا الثقب قد يودي بالسفينة كلها بمن فيها أو هم يدركون ذلك ولكن يعدون العدة للنجاة بأسلوبهم الخاص عندما تشرف السفينة على الغرق مع ترك باقي الشعب يغرق مع السفينة فهل نتركهم يفعلون ذلك ولا نضرب على أيديهم حتى يكفوا وننزع الأمر منهم لأنهم خونة لا يريدون الخير للوطن ولا يهمهم إلا أنفسهم ومصالحهم أم نتركهم حتى يغرق الشعب وينجوا الخونة بالغنيمة التي أعدوها لهذا اليوم.

الأمر الوحيد الذي لم نجربه لمنع التزوير هو الرقابة الدولية، وعندما ارتفعت بعض الأصوات تنادي بوجوب الاستعانة بها لمنع التزوير وهذا أمر تفعله كل البلاد الديموقراطية التي تحرص على نزاهة الانتخابات أو حتى البلاد التي لا يتصور وقوع تزوير في انتخاباتها مثل إنجلترا لأن وقوع تزوير فيها معناه نهاية حكومة الحزب التي تقوم بذلك إلى الأبد حتى هذه البلاد تستعين بالرقابة الدولية لمنع وقوع شبهة تزوير في انتخاباتها، عندما نادت بعض الأصوات القليلة بذلك ارتفعت أصوات المزورين الحريصين على بقاء الأوضاع كما هي للاستفادة منها تنادي بأن من يطلبون الرقابة الدولية خونة يستعدون العدو الخارجي على وطنهم، وهم إما جاهلون بمعني الرقابة الدولية على الانتخابات وإما مغرضون يخافون من وجودها باعتبار أن وجودها سيحول أو على الأقل يصعب عليهم عملية التزوير ويفضحها إن وجدت لأنه من الصعب على الحكومة في حالة فضح هذه الرقابة الدولية للتزوير التخلص من الفضيحة التي قد تؤدي بها وتشوه سمعتها في العالم الخارجي لأنها رقابة دولية محايدة تابعة للأمم المتحدة وليست تابعة لدولة معينة.

إخواني ارفعوا أصواتكم من الآن بطلب الرقابة الدولية على الانتخابات ولا تنتظروا حتى يحين موعد الانتخابات التشريعية القادمة لأنه لن يتم الاستجابة بسهولة لهذا المطلب لما فيه من كشف لعورات المزورين الحريصين على بقاء الأحوال السيئة كما هي. وقد يقول قائل ولماذا لا نطلب الاستعانة بالرقابة الدولية في الانتخابات المحلية القادمة وأنا أقول أن هذه الانتخابات قد تم العبث بها عن طريق حظر الاشتراك فيها على من لا ترغب الحكومة في إشراكهم والانتخابات فيها ستجري بين وطني أو مستقل على مبادئ الحزب الوطني وهذه من الاختراعات الجديدة للتصنيف التي أتت بها الإدارة الحكومية الراغبة في فرض إدارتها على الشعب وعدم السماح لأي إدارة أخرى في أن تطفوا على السطح حتى يأذن الله لمصر بالتغيير.