يوسف القرش

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحاج يوسف القرش


موقع إخوان ويكي

بقلم:علاء ممدوح

تقديم

رجل من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمون ، و أحد أفراد نظامها الخاص ..مرت عليه كل المحن التي أصابت الجماعة ، فثبت و صمد وظل و بكل شجاعة معلنا أنه فرد من هذه الجماعة الطيبة.

اعتقل في عام 65 ... فما زاده هذا غير إيمانا وتثبيتا.

تلحظ فيه كمال يقينه في فضل الله تعالى وكرمه ، وتمام حسن ظنه فيه تبارك وتعالى .. ويتميز كذلك بروحه الإيمانية العالية ، وحبه الشديد للجهاد في سبيل الله فذلك أول ما عرفه من دعوة الإخوان و بسببه كان واحدا من أبنائها المخلصين .. إنه الحاج يوسف القرش .

فكيف كانت نشأته و تربيته ؟

وما علاقة بيت الجيران بدخوله لجماعة الإخوان ؟

وما هي أحداث رحلته من أجل الجهاد في فلسطين ؟

وكيف تم القبض عليه في أحداث 65 ؟

وما مدى صبره و أهله في المحنة ؟

كل هذا سوف يتضح من خلال السطور القادمة ....

من هو؟

ولد الحاج عطية المتولي محمد القرش ( الشهير بيوسف القرش ) في قرية سنفا بمركز ميت غمر في محافظة الدقهلية ، في 1928/3/5م .

نشأ يتيما بعد فقده لوالده مبكرا ، وعلى إثر ذلك انتقل مع والدته و شقيقه الذي يصغره بعامين إلى بيت جده لوالدته ليتربى فيه تربية طيبة فاضلة ، فقد كان أهل البيت من الصائمين القائمين بصلاتهم و المؤدين لزكاة أموالهم .

وبسبب صلاح حال البيت تكون لدى الحاج يوسف القرش منذ صغره إدراك بصحيح الأمور وصوابها لهذا كان لا يتقبل أبدا بل ويزدري الطرق الصوفية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت

وما كانت تفعله من خرافات وضلالات وأباطيل ..فحفظه الله تعالى و عصمه من الانخراط في سلك هؤلاء القوم . وقد تزوج مبكرا نظرا ليسر حال جده والذي كان يمتلك أرضا واسعة يعمل الجميع فيها بالفلاحة بمن فيهم يوسف القرش نفسه وشقيقه، وقد كان هذا الزواج في عام 1947م،

وكانت زوجته سيدة فاضلة ، أكدت سنون المحن أصيل معدنها، وجميل صبرها وكفاحها من أجل رعاية بيتها و أبنائها أثناء غياب الزوج و السند.

الله أكبر و لله الحمد ... كانت البداية

في عام 1947م كان عاما فاصلا في حياة يوسف القرش ، ففيه كانت بداية تعرفه على جماعة الإخوان المسلمين، حدث هذا تحديدا في شهر 10 وكان شهر حصاد الأرز من العام نفسه .

فبينما كان يعمل و باقي الفلاحين في حصاد الأرز و تجهيزه للتخزين ، إذ به يسمع من بيت جيران قريب منهم هتاف " الله أكبر و لله الحمد " وكان هذا بعد المغرب ، فشد انتباهه جدا ، فهو أول مرة يسمع هذا الهتاف في حياته .. فسأل من معه من الفلاحين : ما هذا ؟! فأجابوه : إنهم الإخوان المسلمون . .

يكمل لنا القصة الحاج يوسف القرش فيقول :

" كنت أول مرة أسمع في حياتي عن الإخوان المسلمين ، فرددت : يعني إيه إخوان مسلمين . وبعد الانتهاء من العمل اغتسلت و بدلت ثيابي ، لكني لم أذهب إلى البيت ، فقد كان الفضول يملؤني ، فوجدت نفسي أتوجه مباشرة إلى بيت الجيران القريب الذي سمعت منه الهتاف ، وجلست معهم ، و سمعت منهم ، و سألتهم عن منهجهم ؟ فأجابوني : منهج تعبدي ..

واستمريت معهم ، و أصبحت فردا في أسرة من خمسة أفراد ، لها نقيب لبق في حديثه ، يعرف القراءة و الكتابة ، فكان يكتب لنا الحديث ونلزم بحفظه ، ونحفظ كذلك آية قرآنية من كتاب الله تعالى .

أيضا كان يأتينا مرة كل شهر محاضر زائر ..

عن ماذا كان يحدثنا ؟!! عن أمور لم نسمع بها من قبل في بلدنا ، فالمشايخ عندنا كانوا يتكلمون عن الصلاة و الزكاة و الصوم ، هذا كان كل ما نعرفه عن الإسلام ..

أما هذا الأخ الزائر فقد كان يحدثنا حديثا جميلا عن الجهاد في سبيل الله ، وعن الحور العين ، وعن ما أعده الله تعالى للشهيد في سبيله .. معان لم أسمع بها من قبل ، لكنها أثرت في كثيرا ، و أعطتني حافزا و نشاطا لخدمة هذا الدين .

ثم جاء بعد ذلك من يدعو للتطوع من أجل الذهاب للجهاد بفلسطين ، فقررت فورا التطوع برغم أنه لم يمض على زواجي سوى بضعة أشهر " .

ترى ما الذي حدث للقرش في رحلة التطوع هذه ؟..

القرش و حب الجهاد

وفي عام 1947م ذاته ، وبعدما التحق يوسف القرش بجماعة الإخوان ، نادى المنادي للجهاد وفتحت الجماعة باب التطوع للجهاد في فلسطين ، وعلى من يريد التطوع ملء إستمارة التطوع .

وسارع يوسف القرش إلى ملءالإستمارة ، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فقد علم جده بالأمر ورفض بشكل قاطع هذا التطوع ، فقد كان المفهوم السائد وقتئذ هو أنه من يذهب للجهاد في فلسطين يموت ، وغضب جدا وهدده بطلاق زوجته منه غيابيا إن ذهب للجهاد في فلسطين ، وكان ذلك نفس موقف أهل الزوجة ، غير أن يوسف القرش لم يأبه بكل هذا ... فقد ملك عليه حب الجهاد شغاف قلبه .

و ذات يوم زار الجدَّ صديقا مقربا منه هو الحاج أحمد أبو مصطفى المنفلوطي ، وكان تاجرا للأقمشة و البقالة وكان أيضا مزارعا ، وكان يوسف القرش و شقيقه يقدرانه كثيرا كوالد .. فاشتكى له الجد مما يريد أن يفعله يوسف فأخبره الحاج المنفلوطي : أنه لابد له أن يسترضي والدته وجده و أهله قبل ذهابه للجهاد و إلا لن يقبل الله منه عمله . فبماذا أجابه الأخ يوسف؟..

يكمل الأحداث الحاج يوسف فيقول :

" وكنت أعلم أن ما يرضيهم هو عدم سفري ، فأجبتهم : خلاص لن أسافر . فرد علي الحاج المنفلوطي بقوله :

وما الضامن لنا أنك لن تسافر ؟.. فقلت : كلامي ، أنا قلت لن أسافر إذن لن أسافر ، قال :

اقسم على المصحف .، فأقسمت على المصحف وقد كانت هذه الأحداث مساء يوم الثلاثاء الأول من يناير .

وفي عصر يوم الأربعاء وبعد انتهائي من صلاة العصر في المسجد ،

قابلني المسئول عن الشعبة في بلدنا الأخ الأستاذ محمد سعيد الجوهري وكان يعمل مدرسا ، وكان معه الأستاذ علي زارع محفظ للقرآن الكريم ، و تربطني به صلة قرابة .

فسألاني : ماذا فعلت ؟ فأخبرتهم الخبر، و أمر القسم .

فقالا لي : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وتصوم ثلاثة أيام كفارة القسم. فوافقت فورا ، وعدت للبيت و بدلت ملابسي ، و أخذت معي 70 قرش " تساوي تقريبا في أيامنا هذه 1500 جنيه " ، و توجهت ومعي الأخ محمود علي إبراهيم ( وكان يتيم الوالدين وفي مثل عمري تقريبا ) إلى موقف الأتوبيس لنركب الأتوبيس القادم من ميت غمر ، و الذي سيتوجه بنا إلى السنبلاوين مكان التجمع للإخوان المتطوعين.

ثم نزلنا في بلد قريبة من السنبلاوين اسمها طوخ الأقلام وكانت أنشط شعبة في السنبلاوين كلها ، فقابلنا مسؤول الشعبة فيها الشيخ محمد أبو سيدي أحمد الباز و أخبرنا أننا إن شاء الله سوف نغادر صباحا للسنبلاوين وفيها نقابل الشيخ علي أبو عزيزة رئيس المنطقة ، ثم بيتنا عنده .

وبعدما صليت وأخي محمود الفجر وعدنا لبيت الشيخ محمد لتناول الإفطار فوجئت بوجود جدي و والدتي وابن عمي الذي كان جسيما وجدي هذا مع أنه كان حنونا إلا أنه كان بطاشا ، ومن خوفي منه وقفت اللقمة في زوري ، وكان العتب لماذا ذهبت بعد القسم ؟ فوفقني الله تعالى لرد مقنع حيث أخبرتهم بما قاله لي الأخوة من أمر الكفارة ، فتفهموا الأمر جيدا و قالوا لما لم تخبرنا بذلك ، فقلت :

نعم هذا كان خطئي ..

وطلب ابن عمي من أخي محمود علي أن يشتري له شيئا ما ، فطلبت منه أن أذهب معه فوافق .

وفي الطريق أهداني حبي للجهاد خاطرة ، فقلت لصاحبي : إيه رأيك نمشي و نكمل و نخليهم جالسين ؟ فوافق فورا .

وفعلا ذهبنا من طرق ملتوية حتى وصلنا للطريق الرئيس فوجدنا عربة شحن كبيرة أوصلتنا إلى موقف أتوبيس ميت غمر ظهرا، ولما نزلنا وجدنا أمامنا الشيخ مصطفي العابد مسؤول ميت غمر وكنا نعرفه ولا يعرفنا ، فتبعناه ،فركب أتوبيس مصر فركبنا نفس الأتوبيس، وهكذا كنا خلفه من مكان لمكان حتى وصلنا المركز العام ولم نكن نعرف مكانه ،

ودخلنا و أخبرنا المسؤولين بقصتنا و أننا نريد الجهاد ولا نريد العودة لبيوتنا .. لكنهم أخبرونا أن هناك خلافا بين الإخوان وبين الحكومة بسبب هدنة فلسطين ، ولا يوجد سفر حاليا .

وكان ذلك يوم الخميس، وكان أيضا موعد عودة الإمام البنا من السعودية عصرا فمكثنا لحضور حفل الاستقبال الإسلامي الرائع له من المطار وحتى المركز العام ، واستمر الحفل حتى العشاء ، وبينما نحن كذلك جاءني أخ وقال لي : فيه ناس يريدونك .

فقلت له صفهم لي .فلما وصفهم عرفت أنهم خالي و شقيقي ، فقلت للأخ: اصرفهم ، فأحضر لي زي عسكري كي ألبسه فلا يتعرف علي أحد ، ثم خرج وقال لهم : هما سافروا ، لكنهما لم يصدقاه و باتا أمام باب المركز العام ونحن لا ندري .

وسبب حضورهما أن والدتي ذهبت للشيخ الباز مسؤول شعبة طوخ الأقلام و التي جعلوها مركزا للجهاد في فلسطين نظرا لنشاطها ، و أخذت منه خطاب فيه عدم رضا الأهل عن سفري للجهاد في فلسطين وتوجهت به للشيخ أبوعزيزة مسؤول ميت غمر الذي أعطاها بدوره خطابا لمسؤول المكتب الإداري في المنصورة الدكتور خميس حميدة ، و الذي بدوره طمأنها وقال لها :

هانجيبه لك و أعطاها خطاب للمركز العام في مصر فأخذته و عادت للبلد لتعطيه لخالي و شقيقي ، فذهبا بدورهما للمركز العام وقابلا المسؤولين وطمأنوهما بأنه لا يوجد سفر حاليا بسبب الخلاف بين الإخوان و الحكومة .

وفي صباح اليوم التالي قال لنا الأخ الذي صرف خالي و شقيقي بالأمس : أنا آخذكم تتدربوا في رفح 15 يوم حتى تكونوا جاهزين للميدان حينما يؤذن بالسفر لفلسطين ، ولكن اذهبوا واشتروا ملابس شتوية فالجو بارد هناك ،

وفعلا خرجنا من باب المركزالعام وفطرنا ثم و نحن متوجهين ناحية وكالة البلح للشراء إذ بخالي و شقيقي أمامنا فأخذونا للبلد ووصلنا العشاء ورضيت الوالدة و الجد و الأهل توالت بعد ذلك الأحداث وحلت الجماعة ، ولكني استمريت مع الجماعة وكنا نلتقي ببعض كأسرة سرا ".

أحداث متفرقات

يروي لنا الحاج يوسف القرش بعضا من الأحداث في فترات زمنية مختلفة، فمثلا يقول عن عام 48 :

" محنة48 كانت قاسية جدا جدا على الإخوان حتى أن إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزارة حينئذ كان يحضر التعذيب بنفسه انتقاما لمقتل النقراشي .

وكان من يجدوا عنده ملابس جوالة يسجن 6 أشهر ، ومن عنده ولو طلقة واحدة يصبح متهم بمخزن ذخيرة . وحدث في يوم أن جاؤا بيتي للتفتيش ولم أكن موجودا ولا جدي ولا زوجتي ،

فاستقبلتهم والدتي وفتشوا المنزل ثم توجهوا لغرفتي ففتشوها وبقي الدولاب ، وكان فيه ملابس الجوالة حيث كنت عضوا فيها و كان يوجد كذلك عدة طلقات ، فقالت الوالدة لهم ليس معي المفتاح وسبحان الله انصرفوا."

ويؤكد الحاج يوسف القرش أن الإخوان أثروا تأثيرا كبيرا على جميع الناس ، فمثلا كان طلاب الإخوان متقدمين دراسيا ، فكان الوالد الذي عنده ابن متأخر دراسيا يرسله لشعبة الإخوان في منطقته ليتقدم .

وكان من له ابن في الإخوان ويعمل أي مشكلة مع الأهل أو الجيران يشتكوه في شعبته .

أيضا نظم الناس مواعيد حياتهم ( مثلا سفر ، خبز العيش، موعد هام ....الخ ) على نداء الإخوان والذي كان قبيل صلاةالفجر ، فكان الواحد من الناس والذي لديه موعد صباحا لما يسألوه متى تستيقظ ؟

يقول : عند ساعة الإخوان الفجرية .. فصنع الإخوان إعلاما دائما بلا تكلفة ."


ثم يستكمل الحاج يوسف القرش حديثه عن الفترة التالية فيقول :

" جاء عام 51 وفيه تحسنت الأحوال كثيرا ، وأود أن أشير إلى أن جميع عمليات الإخوان الجهادية ضد الإنجليز كانت لا يصاب فيها بيت ولا مدني واحد حتى لو كانت في قلب القاهرة."

ويقول أيضا :

"قبل محنة 54 كان فيه ما يسمى بضباط اتصال ، كانوا يلبسون مدني ويذهبوا لجميع شعب الإخوان في كل مكان ، و الأخ الذي يجدوه نشيطا يأخذون اسمه ، ثم اعتقل كل هؤلاء في 54.والتي كانت محنة عظيمة اتهم فيها الإخوان زورا و بهتانا في حادثة ملفقة ...

لكنهم صبروا واحتسبوا.

ولما اعتقل عدد كبير جدا من إخوان النظام الخاص في 54 ، و رأينا صمودهم و ثباتهم و قوتهم انضممت وكثير غيري للنظام الخاص برغم أننا كنا غير مؤهلين ."

وعن محنة 65 والتي اعتقل فيها يقول حفظه الله

" كنت أعلم بوجود تجمع للإخوة ولكني لم أنضم له فقد كنت أتحرى كثيرا ، كما لم أكن عضوا في النظام الخاص لعام 65 ، ولكني رشحت لهذا النظام الأخ حبيب عثمان وأبلغت الأخ عبد المقصود عزب الذي أوصل الأمر للشيخ عبد الفتاح إسماعيل."

ترى كيف كان حبيب عثمان هذا سببا في كشف تنظيم 65 ؟!!

القنبلتان المشكلة .... بداية الخيط

كان أول خيط للقبض على تنظيم الإخوان في عام (1965م):

تبدأ القصة في قرية سنفا حين قام الحاج يوسف القرش والذي كان بقال القرية بإعطاء بعض الزبائن وهو سالم شاهين شاهين بعض البضائع بالآجل وحين كثرت عليه الديون عرض عليه عرضا غريبا نترك صاحب البوابة السوداء يحيكه فيقول:

وأسرع سالم شاهين إلى محل يوسف القرش ودار بينهما الحديث التالي:

- هل تريد أن أبيعك شيئاً بدل الدين الذي عليّ ؟

- وما هو ؟

- قنبلتين.

- وتوتر يوسف القرش وانتبه:

- ماذا تقول: قنبلتان ؟

- نعم. قد أتى بهما أخي عبد اللطيف من اليمن،

ويقول إنهما تحدثان صوتاً عظيماً ولا تقتلان أحداً ولا تجرحانه، هه ماذا قلت ؟

- أراهما أولاً .......

وأسرع سالم شاهين إلى منزله وجاء بالقنبلتين، وفي طريق العودة إلى محل يوسف صار يشرح لكل من يقابله مزايا القنبلتين، وماذا تصنعان عندما يفجرهما، وأنه ذاهب ليوسف القرش ليعطيهما له بدلاً من الدين، ويعلق ساخراً لمن يتفرج على القنابل:

- أهبل وعبيط، ماذا سيفعل بهما ؟

وقبل أن يصل إلى محل يوسف القرش كانت القرية كلها قد علمت بالقصة.

وكان نجل العمدة في القرية على خلاف مع يوسف القرش، ورغم هذا فهو لا يقدر على مقاطعته لأنه البقال الوحيد في القرية، وأرسل خادمه ليشتري له أربع ورقات "معسل"،

وتأخر الخادم.. ولما عاد عنفه سيده، فاعتذر له بأن سبب التأخير أنه وقف يتفرج على القنابل عند الدكان، وحكى له أن يوسف أخذهما بدلاً من السبعة والتسعين قرشاً ونصف ..

ووجد نجل العمدة الفرصة قد سنحت للانتقام من يوسف القرش، فأسرع إلى كاتب عمومي متخصص ليكتب البلاغ وصل إلى رئيس المدينة نكاية في يوسف القرش، ومن عجيب الصدف أن البلاغ وصل إلى رئيس المدينة في اللحظة التي كان يزوره فيها واحد من أساطين المباحث الجنائية العسكرية

- وكانا صديقين

- فكل رؤساء المدن في تلك الأيام كانوا من حرس الثورة، إما اشتركوا فيها، أو يقومون على أمنها. وقرأ رئيس المدينة البلاغ وضحك عالياً، وقال له صديقه من المباحث الجنائية العسكرية:

- ماذا يضحكك ؟

رد عليه رئيس المدينة وهو ما يزال يضحك:

- واحد كاتب بلاغ يقول فيه: إن فيه بقال بقرية سنفا بيتاجر في قنابل، تصور، زي ما تكون قوطه (طماطم).

وضحك الاثنان، بينما أخذ ضابط المباحث الجنائية العسكرية القصة مأخذاً جاداً، وفي هذه الليلة السوداء كان يوسف القرش معلقاً والسياط تلوشه من كل جانب، يسألونه عن الإخوان المسلمين والتمويل والتنظيم،

وجاءوا بسالم شاهين، ومن اليمن طيروا عبد اللطيف شاهين، ودارت رحا العذاب هائلة قاسية مروعة، وكان ذلك في قصر عابدين، حيث مبنى المباحث الجنائية العسكرية، وأشرف يوسف القرش على الموت من الضرب بالسياط.

وقد قدر لي أن أراه بعد ذلك بشهور فكأنه قد ضرب منذ ساعة فقط، كانت جروحه رطبة طازجة مازالت على حالها الأول.

وفي الحقيقة بدأت مأساة الإخوان بضرب يوسف القرش في قصر عابدين حيث كان يقيم الخديوي إسماعيل وعندما يجتاز المضروب حاجز الألم فهو يقول ما يفهم وما لا يفهم، كانوا يسألونه عن الإخوان وصلته بهم، ومن يعرفه منهم، والرجل لا يعرف كيف يجيب ولا يدرك الطريقة التي يخرج بها سالماً من هذا الجحيم، وأثناء الضرب ذكر اسماً كان الخيط لكل شيء...

حبيب عثمان صاحب ورشة ميكانيكة بالقاهرة..

وما كان يوسف القرش يعلم شيئاً عن حيبب عثمان ووضعه في التنظيم الجديد، وما كان يعرف أن هناك تنظيماً جديداً، ولكنها الأقدار تجري على الناس ما تشاء.

كان حبيب عثمان عضواً في أسرة يرأسها مصطفى الخضيري الذي يتبع مباشرة علي عشماوي عضو اللجنة الخماسية، ومسئوليته الموضوعية والمكانية هي القاهرة، وكان قد تم تقليده المنصب منذ أيام بناء على اقتراحه .

هذه قصة قرية " سنفا " .. ولقد تم وضع الحراسة على أموال وممتلكات يوسف القرش .. التي هي عبارة عن محل "بقالة" متواضعة في قرية بسيطة، وبضعة قراريط من الأرض الزراعية.. و "حمار" . .وبهذا دخل " حمار " القرش التاريخ..

وعينت الحكومة حارساً قضائياً على "حمار" القرش.. وصارت له ميزانية في الدولة.. وهذه حقيقة وليست نكتة.

كانت قضية قرية " سنفا " هي ضربة الحظ التي صعد بها شمس بدران إلى كرسي الوزارة، بل رشحه عبد الناصر فور هزيمة 1967م لتولي رئاسة الجمهورية!!، ولكنه عدل عنه فجأة، ورشج زكريا محي الدين حينما تنازل عبد الناصر عن العرش بعد النكسة في تمثيلية كبرى.. دغدغ بها مشاعر الشعب المصري الطيب.. ثم تراجع عن ذلك كله بعد أربعة أيام في (9-10) يونيو الشهيرة.

ومن العجائب أنه في قضية حسين توفيق الذي أراد اغتيال جمال عبد الناصر أتى ذكر الحاج يوسف القرش ويروي هذه الحادثة الأستاذ محمد الصروي فيقول:

"اتصل حسين توفيق بمن يعرفه من الإخوان: الضابط السابق مصطفى راغب والمهندس سامي عبد القادر، وطلب منهما إمداده بالقنابل اللازمة حيث كان حسين توفيق يعتقد أن الإخوان - دائماً - عندهم قنابل وأسلحة..

فذهبوا إلى الأخ يوسف القرش في قرية "سنفا" مركز "ميت غمر" محافظة "المنصورة" .. هكذا قال الأخ سامي عبد القادر أحد أعضاء تنظيم حسين توفيق، فاعترف سامي عبد القادر بأنه على علاقة بالأخ يوسف القرش في "سنفا" وأن عند يوسف القرش قنبلتين (يدويتين) ..

وذهبوا إلى منزل يوسف القرش.. فلم يجدوه.. وكان هذا هو أول خيط للقبض على تنظيم الإخوان في عام (1965م).

هذه هي العلاقة القوية بين قضية الإخوان المسلمين (1965م) وبين قضية حسين توفيق، ..

ويؤكد هذا الأستاذ أحمد عبد المجيد فيقول :

. وكان ضمن المقبوض عليهم في قضية حسين توفيق شخص يدعي سامي عيد القادر ويعرف الأخ يوسف القرش من الإخوان ،

وأثناء تعذيبه اعترف علي يوسف القرش وقال إن عنده قنبلتين يدويتين ، وعند ذهابهم للقبض علي يوسف القرش في قريته سنفا بمحافظة الدقهلية لم يجدوه وقيل لهم إنه عند صديقه بالقاهرة حبيب عثمان ، وتم القبض علي حبيب عثمان ويوسف القرش في القاهرة .

الصدق و الإخلاص ... سبيل الكرامة و الخلاص

لقد اعتقل الأخ الفاضل الحاج يوسف القرش في عام 1965م .. وصبر على عذاب السجن الحربي ، وصمد أمام الصعاب التي واجهته في كل السجون التي مر عليها ..

ولم يصبه وحده هذا البلاء ولكن شاركته زوجته .. يقول المهندس الصروي أن من أشهر المعتقلات في السجن الحربي زوجة الأخ يوسف القرش (المنصورة - سنفا) وعن ذلك يحكي الأستاذ جابر رزق فيقول:

"وقال لي يوسف القرش :

لقد قبضوا على زوجتي وأحضروها إلى السجن الحربي بعد القبض علي بيومين , وضربوها بالسياط أمامي بعد أن فشلوا في الحصول مني على أي اعتراف بما يريدون وبقيت زوجتي في السجن الحربي حتى أفرجوا عنها ! ! . "

وليس هذا فقط ، بل حفظ القرآن الكريم ، ودرس و تعلم الكثير جدا من معانيه .. و هذا كان له تأثير إيجابي في حسن إيمانه و ثباته ، و كمال توكله و يقينه في أن الله تعالى سيخلفه في أهله بخير .. وعن ذلك يقول الحاج يوسف حفظه الله :

" لقد أخذوا منا كل شئ ، الأرض ومحل البقالة والمال ، لم يتبق شئ لزوجتي و أبنائي عمر 3سنوات و 3أشهر ، وابنتي الكبيرة 14 سنة ، ولكن يا أخي يقول الله عزوجل :

{ولنبلونكم بشيئ من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين .

الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هم المهتدون }.. لقد سألت زوجتي بعد خروجي من السجن :

كيف كنتم تعيشون ؟! فقالت لي رحمها الله و أحسن إليها :

" كان عندي فرختان رومي كل واحدة باضت 24 بيضة ، حطيت 30 بيضة بلدي مع كل 24 بيضة ،و رقدت عليهم الفراخ الرومي ، و بفضل الله كلهم طلعوا 88 كتكوت .

من أين سيأكلون ؟

تركتهم في الشارع يأكلوا من خشاش الأرض ، وحفظهم الله ، فكانت الكتاكيت تسرح نصف كيلو عن البيت وتعود سالمة مرة أخرى ، فلم يضع كتكوت واحد و الحمد لله ، وكانت الأمراض تأتي لكل فراخ الشارع إلا عندي كانوا محصنين من عند الله تعالى ، وكبرت الكتاكيت وبقت فراخ كثير وكانت بتبيض في الشارع ( يعلق الحاج يوسف فيقول :

أنا خرجت من السجن والفراخ لسه بتبيض في الشارع) و الناس تلم البيض و لا يأخذه أحد ، ويقولون ده بتاع زوجة القرش اللي أخذوا منهم أرضهم و محلهم ،واعتقلوا زوجها.

هذا البيض كنت أصرف منه على البيت و الأولاد و المدارس ، وأجرت أرضنا من الحراسة وجابت عجل و جاموسة ، وأجرت نفرا يشتغل بيهم في الأرض .

والحمد لله كنا بنشتري كل حاجة و ربنا بيبارك " .

ويعلق الحاج يوسف بقوله :

" فلو عندك إيمان يملأ قلبك و روحك لابد وأن تتنزل عليك من عند الله تعالى السكينة و الطمأنينة و الثبات مصداقا لقوله تعالى :

{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخاففوا ولا تحزنوا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ..}

و بالمناسبة كان الأهل حين يزوروني في السجن ، أظل من ليلة الزيارة وحتى مجيئهم في اليوم الثاني أدعو الله عزوجل أن ييسر لهم الرحلة و يسلمهم ويحفظهم فقد كان يوجد حول سور السجن نشالين لنشل الزوار، و كذلك وهم عائدون .. و الحمد لله يستجاب دعائي ، و نفس الحكاية حين يعودون للبلد " .

وهكذا يتضح لنا كيف ثبت يوسف القرش ، ووكل أمره لله تعالى، و علم بيقين استقر في سويداء قلبه أن الله وليه نعم المولى ونعم النصير ، فأكرمه الله في نفسه بحفظ القرآن و تعلمه ، و أكرمه في أهله وبارك في عيشهم ،وحفظهم من الشرور ، فكانت له العزة و الكرامة جزاء وفاقا لما قدم في سبيل الدعوة .

المصادر


إقرأ أيضا

كتب متعلقة

أبحاث ومقالات متعلقة

.

تابع أبحاث ومقالات متعلقة

متعلقات

وصلات فيديو