الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أيها الإنسان .. ما أنت؟»
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
{{مقالة مراجعة رسائل}} | |||
<center>'''بِسْــــمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ'''</center> | |||
''' يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ , الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ , فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ''' | ''' يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ , الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ , فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ''' | ||
'''أيها الإنسان .. ما أنت؟''' | '''أيها الإنسان .. ما أنت؟''' | ||
== 1 – أما نحن المؤمنون المصدقون فنقول == | == 1 – أما نحن المؤمنون المصدقون فنقول == | ||
[[ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-06.jpg|تصغير|250بك]] | [[ملف:الإمام-الشهيد-حسن-البنا-06.jpg|تصغير|250بك]] | ||
سطر ١٥: | سطر ١٢: | ||
أنت لطيفة ربانية , ونفحة قدسية , وروح من أمر الله , خلقك بيديه , ونفخ فيك من روحه , وفضلك على كثير من خلقه , وأسجد لك ملائكته وعلمك الأسماء كلها , وعرض عليك الأمانة فحملتها , وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة , وسخر لك ما في السموات وما في الأرض جميعا منه , وكرمك أعظم تكريم , فخلقك في أحسن تقويم , وأعدك أكمل إعداد , ووهب لك السمع والبصر والفؤاد , وأوضح لك الطريقين وهداك النجدين, ويسر لك السبيل , فأنت بإذنه وصنعته تغوص في الماء , وتطير في الهواء , وتسابق الكهرباء وتحطم الذرات , وتتجاوز بتفكيرك وتقديرك أقطار السموات , فهل رأيت أجل وأعظم وأكرم ؟ | أنت لطيفة ربانية , ونفحة قدسية , وروح من أمر الله , خلقك بيديه , ونفخ فيك من روحه , وفضلك على كثير من خلقه , وأسجد لك ملائكته وعلمك الأسماء كلها , وعرض عليك الأمانة فحملتها , وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة , وسخر لك ما في السموات وما في الأرض جميعا منه , وكرمك أعظم تكريم , فخلقك في أحسن تقويم , وأعدك أكمل إعداد , ووهب لك السمع والبصر والفؤاد , وأوضح لك الطريقين وهداك النجدين, ويسر لك السبيل , فأنت بإذنه وصنعته تغوص في الماء , وتطير في الهواء , وتسابق الكهرباء وتحطم الذرات , وتتجاوز بتفكيرك وتقديرك أقطار السموات , فهل رأيت أجل وأعظم وأكرم ؟ | ||
'''دواؤك فيك وما تبـصـر | '''دواؤك فيك وما تبـصـر | ||
وتزعم أنك جرم صـغير وفيك انطوى العالم الأكبر''' | ::::: وداؤك منك وما تشـعـر | ||
وتزعم أنك جرم صـغير | |||
:::::وفيك انطوى العالم الأكبر''' | |||
وأنت بعد هذه الحياة القصيرة خالد لا تبيد , تحيى وتنشر , وتبعث وتحشر , وتستأنف حياة الكرامة في دار النعيم والمقامة , إن كنت أدركت سر مهمتك في الوجود , فأخلصت العمل للملك المعبود : | وأنت بعد هذه الحياة القصيرة خالد لا تبيد , تحيى وتنشر , وتبعث وتحشر , وتستأنف حياة الكرامة في دار النعيم والمقامة , إن كنت أدركت سر مهمتك في الوجود , فأخلصت العمل للملك المعبود : | ||
'''(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ , مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ , إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذريات:56-58) .''' | '''(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ , مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ , إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذريات:56-58) .''' | ||
وما الموت الذي تخشاه إلا نقلة من هذه الحياة إلى تلك الحياة : | وما الموت الذي تخشاه إلا نقلة من هذه الحياة إلى تلك الحياة : | ||
سطر ٢٩: | سطر ٢٦: | ||
وما هذا الجسم إلا قفص أنت فيه من المسجونين , وثوب تخلعه إلى حين, ثم يعود لك يوم الدين , رحم الله العارف إذ يقول : | وما هذا الجسم إلا قفص أنت فيه من المسجونين , وثوب تخلعه إلى حين, ثم يعود لك يوم الدين , رحم الله العارف إذ يقول : | ||
'''أنا عصفور وهـذا قفـص | '''أنا عصفور وهـذا قفـص | ||
أنا في الصور وهذا جسدي كان ثوبي وقميصي زمنا | ::::: طرت عنه وبقي مرتهنا | ||
أنا في الصور وهذا جسدي | |||
:::::كان ثوبي وقميصي زمنا | |||
وأنا الآن أناجـي مـــلأ | |||
:::::وأرى الله جهارا علنــا | |||
لا تظـنوا الموت موتـا إنه | |||
:::::ليس إلا نقلة من ها هنـا''' | |||
== 2 – ويقول الماديون الجدليون == | == 2 – ويقول الماديون الجدليون == | ||
أنت أيها الإنسان حفنة من تراب , ونطفة من أصلاب ,قذفت بك الأرحام, وأفنتك الأيام , وابتلعتك الركام , ثم لا شيء بعد ذلك , من يحيي العظام وهي رميم ؟ | أنت أيها الإنسان حفنة من تراب , ونطفة من أصلاب ,قذفت بك الأرحام, وأفنتك الأيام , وابتلعتك الركام , ثم لا شيء بعد ذلك , من يحيي العظام وهي رميم ؟ | ||
سطر ٥١: | سطر ٥٢: | ||
إن أمعنت فيها النظر , وأجلت فيها الفكر , ولم تكن من الغافلين المستهترين بوجودهم , المحتقرين لإنسانيتهم , استطعت أن تحدد في الوجود غايتك , وأن تبين وسيلتك . | إن أمعنت فيها النظر , وأجلت فيها الفكر , ولم تكن من الغافلين المستهترين بوجودهم , المحتقرين لإنسانيتهم , استطعت أن تحدد في الوجود غايتك , وأن تبين وسيلتك . | ||
'''وكل الذي أنصح لك به :''' | '''وكل الذي أنصح لك به :''' | ||
أن تخلو لنفسك ساعة من ليل أو نهار , لترى أفضل الرأيين , وأثر الخطتين في حياة الفرد والجماعة , حتى إذا اقتنعت بالرأي الأول , وهو الفطرة , أقبلت على نفسك فاستكملت فضائلها , وسموت بها عن سفاسف الأمور وصغار الغايات , ووصلتها بربها العلي الأعلى , وطهرتها بذكره وطاعته ومراقبته وخشيته , ومن عرف نفسه عرف ربه . | أن تخلو لنفسك ساعة من ليل أو نهار , لترى أفضل الرأيين , وأثر الخطتين في حياة الفرد والجماعة , حتى إذا اقتنعت بالرأي الأول , وهو الفطرة , أقبلت على نفسك فاستكملت فضائلها , وسموت بها عن سفاسف الأمور وصغار الغايات , ووصلتها بربها العلي الأعلى , وطهرتها بذكره وطاعته ومراقبته وخشيته , ومن عرف نفسه عرف ربه . | ||
قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل | قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل | ||
ولا تستغرب أن يختار بعض الناس الرأي الثاني , فهي الفتنة أو الهداية : | ولا تستغرب أن يختار بعض الناس الرأي الثاني , فهي الفتنة أو الهداية : |
مراجعة ٠٢:٣٦، ٢٥ يوليو ٢٠١٠
يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ , الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ , فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ
أيها الإنسان .. ما أنت؟
1 – أما نحن المؤمنون المصدقون فنقول
أنت لطيفة ربانية , ونفحة قدسية , وروح من أمر الله , خلقك بيديه , ونفخ فيك من روحه , وفضلك على كثير من خلقه , وأسجد لك ملائكته وعلمك الأسماء كلها , وعرض عليك الأمانة فحملتها , وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة , وسخر لك ما في السموات وما في الأرض جميعا منه , وكرمك أعظم تكريم , فخلقك في أحسن تقويم , وأعدك أكمل إعداد , ووهب لك السمع والبصر والفؤاد , وأوضح لك الطريقين وهداك النجدين, ويسر لك السبيل , فأنت بإذنه وصنعته تغوص في الماء , وتطير في الهواء , وتسابق الكهرباء وتحطم الذرات , وتتجاوز بتفكيرك وتقديرك أقطار السموات , فهل رأيت أجل وأعظم وأكرم ؟
دواؤك فيك وما تبـصـر
- وداؤك منك وما تشـعـر
وتزعم أنك جرم صـغير
- وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت بعد هذه الحياة القصيرة خالد لا تبيد , تحيى وتنشر , وتبعث وتحشر , وتستأنف حياة الكرامة في دار النعيم والمقامة , إن كنت أدركت سر مهمتك في الوجود , فأخلصت العمل للملك المعبود : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ , مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ , إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذريات:56-58) .
وما الموت الذي تخشاه إلا نقلة من هذه الحياة إلى تلك الحياة :
(وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت:64) .
وما هذا الجسم إلا قفص أنت فيه من المسجونين , وثوب تخلعه إلى حين, ثم يعود لك يوم الدين , رحم الله العارف إذ يقول :
أنا عصفور وهـذا قفـص
- طرت عنه وبقي مرتهنا
أنا في الصور وهذا جسدي
- كان ثوبي وقميصي زمنا
وأنا الآن أناجـي مـــلأ
- وأرى الله جهارا علنــا
لا تظـنوا الموت موتـا إنه
- ليس إلا نقلة من ها هنـا
2 – ويقول الماديون الجدليون
أنت أيها الإنسان حفنة من تراب , ونطفة من أصلاب ,قذفت بك الأرحام, وأفنتك الأيام , وابتلعتك الركام , ثم لا شيء بعد ذلك , من يحيي العظام وهي رميم ؟ كذلك قال قدماؤهم :
(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ) (الجاثـية:24) . وهكذا قال محدثوهم : أثر أنت من تفاعل العناصر المادية والتطورات الفيزيولوجية , فالشعور والوجدان , والفكر والإدراك , والعزم والإرادة , كل أولئك من آثار المادة الصماء ,وناتج عن اختلاط التراب بالماء , وما الحياة إلا هذه الأيام المعدودات تقضي فيها اللبانات ,وتنتهز الفرص للذات: إنما الدنيا طعام وشـراب ومنـام فإذا فاتك هـذا فعلى الدنيا السلام
3 – تلك يا أخي قضية الحياة
إن أمعنت فيها النظر , وأجلت فيها الفكر , ولم تكن من الغافلين المستهترين بوجودهم , المحتقرين لإنسانيتهم , استطعت أن تحدد في الوجود غايتك , وأن تبين وسيلتك .
وكل الذي أنصح لك به :
أن تخلو لنفسك ساعة من ليل أو نهار , لترى أفضل الرأيين , وأثر الخطتين في حياة الفرد والجماعة , حتى إذا اقتنعت بالرأي الأول , وهو الفطرة , أقبلت على نفسك فاستكملت فضائلها , وسموت بها عن سفاسف الأمور وصغار الغايات , ووصلتها بربها العلي الأعلى , وطهرتها بذكره وطاعته ومراقبته وخشيته , ومن عرف نفسه عرف ربه .
قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
ولا تستغرب أن يختار بعض الناس الرأي الثاني , فهي الفتنة أو الهداية :
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ , وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (لأعراف:175-176) .
ألهمنا الله وإياك الرشد وهدانا سواء السبيل ... آمين