الأسرة
كانت الأسرة فى فقه جماعة الإخوان المسلمين هى اللبنة الأولى فى بناء الجماعة وتكوينها ، كما أنها أساس التكوين للأفراد ، وامثل الأساليب لتربية الفرد تربية متكاملة ، تتناول كل جوانب شخصيته ، وتصوغ هذه الشخصية صياغة إسلامية وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن أجل هذا ، كان للأسرة بالغ الأهمية فى تاريخ الجماعة ، حتى ، عدت إحدى الركائز ، بل أهم الركائز التى يقوم عليها بناء الجماعة ، وعلى الرغم من أن بعض مفكرى الجماعة وبعض فقهائها أتى عليهم حين من الزمان رأوا فى الأسرة وسيلة قد تجاوزتها الجماعة ، بما حققته من عالمية تفرض عليها اتخاذ وسائل بديلة عن الأسرة ، أو على رأى بعضهم تستغنى عن التربية وفق نظام الأسر ؛ أقول : على الرغم من ذلك ، فإن المنظرين فى فكر الجماعة والأعمق فقها والأشمل تصورا لمتطلبات الجماعة والميدانيين التطبيقيين منهم ، يرون أن الأخذ بنظام الأسرة ضرورة غير منفكة بحال ؛ ويسوقون فى التدليل على فقههم وسلامته ، وفكرهم وصوابه ما يلى :
أولاً: التربية وفق نظام الأسرة هى-التربية وحدها دون سواها ، لما فى نظام الأسرة من حكمة ودقة وتربية على يد شيخ ، أو معلم هو النقيب ، وبرناج نابع من الكتاب والسنه خاضع لجدول زمنى مدروس. ثانيا : التربية وفق نظام الأسرة لا تتعارض أبدا مع عالمية الدعوة ؛ لأن عالمية الدعوة إنما نبعت من عالمية الإسلام ، وعالمية منهجه ونظامه ، وليست العالمية من صنع الجماعة ، حتى نقول إنها وصلت إليها بوسيلة الأسرة وإن عليها أن تغير هذه الوسيلة . وما التعارض مع العالمية وضرورة التربية الفردية وفق منهج وعلى يد معلم ؟ وبوسيلة هى الأسز ؟ . ثالثها : التربية وفق نظام الأسرة هدف متضمن فى وسيلة ' لأن إعداد الفرد إعدادا إسلاميا متكاملا ، وإنضاج روحه وفكره وعقيدته وسلوكه عمل له من الاستمرارية ما يجعله هدفا أبديا ، وإن كانت الأسرة تمثل وسيلة له إلا أن ارتباطهما جعل نظام الأسر ذا استمرارية محتومة .
رابعا : طالما أن التربية عن طريق نظام الأسر هى التى تمي تمكن إعداد الفرد إعدادا إسلاميا متكاملا ، فهى مستمرة حتى وإن قامت حكومة إسلامية كاملة ؛ لان التربية عن طريق الأسرة تمد الحكومة بحاجاتها من العناصر البشرية ، ؟التى أعدت إعدادا جيدا ، وستظل أى حكومة فى حاجة مستمرة إلى العناصر الصالحة . خامسا : على فرض قيام حكومة إسلامية كاملة تسيطر على التعليم ، وعلى وسائل افعلام ، فإنها عن طريق التعليم والإعلام لن تستطيع أن تربى الأفراد ؛ تلك التربية المتكاملة التى تغرس فى النفوس الفضائل والجدية والإحساس بالتبعة ؛ لظروف كثيرة تتصل بعملية التعليم وبوسائل الإعلام ومدى فاعليتها ، فالأسرة ومنهجها ونظامها ضرورة لتربية الأفراد وإعدادهم الإعداد الإسلامى المطلوب .
وسوف يتناول حديثنا عن الأسرة ما يلى: 1 ـ تاريخ الأسرة فى الجماعة . 2 ـ أهداف الأسرة الخاصة والعامة . 3 ـ أركان الأسرة. 4 ـ شروط الأسرة . 5 ـ آداب الأسرة أو واجباتها . 6 ـ برنامج الأسرة . 7 ـ وسائل الأسرة . 8 ـ إدارة الأسرة . 9 ـ نقيب الأسرة .
تعريف الأسرة وتحديد لمفهومها وتعرف على شرعيتها فى الإسلام .
كل ذلك قد استقيناه من رسائل الإخوان ، وما كتب عنهم من بحوث ودراسات ؛ بعضهم كتبها الإخوان أنفسهم قادة وافرادا ، وبعضه كتبه أعداء الإخوان ، وبعضه كتبه بعض الأجانب عن العرب والمسلمين . وهذا ما عنيناه فى عنوان هذه الدراسة عندما قلنا : إنها دراسة تحليلية تاريخية . فنقول وبالله التوفيق
التعريف
• فى اللغة : تعنى كلمة الأسرة فى اللغة معانى عديدة منها : - الدرع الحصينة . - وأهل الرجل وعشيرته . - والجماعة يربطها أمر مشترك . - وهم رهطى وأسرتى وتقول : مالك أسرة إذا نزلت بك عسرة . - وأسرة الرجل رهطه ، لأنه يتقوى بهم . • وتعنى الكلمة فى علم الاجتماع ما يلى : تتكون أسز الرجل من ذوى قرباه وزوجه ، وروابط الأسرة مصدر لبعض الحقوق والواجبات المالية وغير المالية . والأسرة عند الرومان : هى : الجماعة العائلية ، وكانت تشبه فى تكوينها العشيرة فى المجتمعات الأخرى : يفترض أعضاؤها انتسابهم إلى جد واحد مشترك ، ولذا يحملون اسمه ويقدسونه وكان الزواج بين أفراد العشيرة الرومانية مكروها . ومن خلا ل هذه التعريفات اللغوية والتعريف الاجتماعى، نستطيع أن نقول : أن الجماعة قد اهتدت منذ زمن باكر فى تاريخ إنشائها إلى أن يكون هذا التجمع فى ظل الأسرة يحمل كل هذه المعانى التى وردت فى تلك التعريفات ؛ فالأسرة درع حصينة لكل واحد من أعضائها ، وهى من العضو بمثابة الأهل والعشيرة ، وبخاصة إذا عرفنا أن الجماعة جعلت أركان هذه الأسرة هى : التعارف والتفاهم والتكافل ؛ كما أن الأسرة جماعة يربط بينهم أمر مشترك ؛ هو العمل والتربية والإعداد من أجل الإسلام . والأسرة يتقوى بها كل عضو من أعضائها . كما انها ، أوجبت على أعضائها بعض الواجبات المالية ؛ إذ لكل أسرة صندوق ، يغذيه اشتراك الأعضاء وينفق منه على صالح الأسرة وصالح الجماعة وصالح الإسلام . وبكل معنى من هذه المعانى ، كان فهم الجماعة للأسرة ، بل زادت على ذلك ما سوف نتحدث عنه فى الصفحات التالية ، كما ورد ذلك على لسان المرشد الأول ، والمرشد الثانى للجماعة ، بل على لسان عدد كبير من قادتها .
تحديد مفهوم الأسرة فى الجماعة
يقول الإمام ' البنا ' عن الأسرة : ' يحرص الإسلام على تكوين أسر من أهله يوجههم إلى المثل العليا ، ويقوى روابطهم ، ويرفع أخوتهم من مستوى الكلام والنظريات إلى مستوى الأفعال والعمليات ، فاحرص يا أخى أن تكون لبنة صالحة فى هذا البناء ( الإسلام ) '. ويقول المرشد الثانى للجماعة المرحوم ' حسن الهضيبي ' : وليس نظام الأسر إلا تحقيق معانى الإسلام تحقيقا عمليا بين الإخوان ، فإذا هم حققوا ذلك فى أنفسهم ، صح لهم أن ينتظروا ماوعد الله به المؤمنبن من نصر ، لا يعلم كيف يكون ولا متى يكون إلا هو جلت قدرته وأحاط بكل شىء علما . ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز . الذين إن مكناهم فى الأرض اقاموا الصلاة وآتوا الركاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) . وفى تحديد أكثر توضيحا يتحدث الإمام ' البنا ' عليه رحمة الله عن نظام الأسر فيقول : ' هذا النضام أيها الإخوان نافع لنا ومفيد كل الفائدة للدعوة بحول الله وقوته ، فهو سيحصر الإخوان الخلصاء، وسيجعل من السهل الاتصال بهم ، وتوجيههم إلى المثل العليا للدعوة ، وسيقوى رابطتهم ، ويرفع أخوتهم من مستوى الكلام والنظريات إلى مستوى الأفعال والعمليات ، كما حدث فعلا فى بعض الأسرالتى أصيب فيها بعض أعضائها وسينتج بعد قليل رأس مال للإخوان من لا شىء ، فاحرصوا أيها الإخوان على أن ينجح هذا النطام فى محيطكم والله يتولاكم ' ثم يقول بعد تحديد واجبات نظام الأسر : ' فإذا أديتم هذه الواجبات الفردية والاجتماعية والمالية ؛ فإن أركان هذا النظام ستحقق بلا شك ، وإذا قصرتم فيها فسيتضاءل حتى يموت ، وفى موته أكبر خسارة لهذه الدعوة؛ وهى اليوم أمل الإسلام والمسلمين ' . ومن خلال هذا الضوء على مفهوم الأسر فى الجماعة نستطيع أن نحدد معالمها بدقة فى مفهوم الجماعة على النحو التالى : أ - نظام الأسر نظام إسلامى يوجه الأفراد إلى المثل العليا . 2 - ويقوى الروابط بين الأفراد وبخاصة عندما نذكر أن أركانه هى التعارف والتفاهم والتكافل بين الأفراد . 3 - ويرفع أخوة الأفراد من مستوى الكلام والنظريات إلى مستوى العمل والتطبيق . 4 - زهو وسيلة لتيسير الاتصال بهؤلاء الأفراد الذين أخلصوا للدعوة بهذا الانضمام . 5 – وهو وسيلة لتكوين رأس مال للإخوان ، يمثل قدرة اقتصادية ناشئة . 6 - الانضمام إلى هذا النظام واجب على كل منتمى للجماعة . 7 - وهذا النظام يمثل عصب الجماعة فرديا واجتماعيا وماليا ، الجماعة أمل الإسلام والمسلمين.
شرعيتها فى الإسلام
الأسرة بمعناها الشرعى الذى سنتحدث عنه بعد قليل ؛ ليست ابتكارللجماعة ، وإنما هى امتداد لعمل مماثل تم فى بداية الدعوة الإسلامية فى دار الأرقم ابن أبى الأرقم بمكة ، ولكن الأسرة بمعناها التنظيمى الحركى تكاد تكون وقفا عل الجماعة كل النحو الذى سيتضح لنا ونحن نتحدث عن التفصيلات الخاصة بها . والتأصيل الشرعى للأسر يمكن أن ندركه من خلال أهدافها ومن خلال أركانها وآدابها ، ففى كل ذلك نجد الأصول الشرعية ، التى تساند نظام الأسر وتبرره بل وتدعو إليه وتشجع عليه ، ونشير إلى بعض ذلك فيما يلى :
بالنسبة للأهداف
هدف الأسرة الأول هو : العمل على تكوين الشخصية الإسلامية المتكاملة عند الفرد وتربيتها وتننميتها وفق اداب الإسلام وقيمه. وأهم جوانب تلك الشخصية ، الجانب العقدى والجانب العبادى والجانب الخلقى والجانب الثقافى . وكل تلك الجوانب دعا الإسلام إلى تكوينها ورعايتها وتربيتها ، وهو يدعو إلى الإيمان والإسلام والإحسان والعدل والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد فى سبيل الله ، لتكون كلمة الله هى العليا . ونسوق لذلك بعض النصوص الإسلامية على النحو التالى : أ - فى الإيمان : أى تحقيق القلب وإقرار اللسان وعمل الجوارح . قال الله تعالى : ( ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ) . وقال ( قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم ) . وقال ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذى أنزلنا والله بما تعملون خبير . يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) . والايات والأحاديث النبوية الداعية إلى الإيمان والعمل الصالح كثيرة ؛ ومن هنا نقول : إن كل عمل يدعو إلى الإيمان والعمل الصالح وكل نظام يؤدى إلى ذلك ، أو يشجع عليه ؛ له أصل شرعى فى الإسلام هو تلك النصوص الكريمة.
ب - فى الإسلام : وهو الانقياد لله والاعتراف باللسان ، ولن يقبل الله من أحد من خلقه دينأ غير الإسلام ؛ (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
وهو فى الاخرة من الخاسرين ) . والآيات الداعية إلى الإسلام كثيرة منها قوله تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدى القوم الظالمين ) . وقوله : ( قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون ) . وقوله سبحانه : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) .
جـ - فى الإحسان : وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، وهو الإتقان والتجويد الذى كتبه الله على كل شىء قال تعالى : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ... ) . وقال سبحانه : ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ). وقال سبحانه : ( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ) . وقال تعالى : ( وإن الله لمع المحسنين ) (8). وقال سبحانه : ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) .
د - العدل : هو المساواة وهو التقسيط على سواء ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كوئوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن - الله خبير بما تعملون ) . وقال سبحانه : (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ). وقال سبحانه : ( وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم ) .
هـ - الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر : وهو الأمر بكل معروف كل أحد والنهى عن كل منكر كل أحد . قال تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ، وقال سبحانه : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) . و - إلجهاد فى سهبيل الله : الجهاد هو استفراغ الوسع فى مدافعة العدو وهو ثلاثة أنواع : مجاهدة العدو الظاهر . ومجاهدة الشيطان . ومجاهدة النفس . وكل هذه الثلاثة داخلة فى مطالبة الله سبحانه لنا بالجهاد ، فى قوله سبحانه : ( وجاهدوا بأموالكم وأئفسكم في سبيل الله ) وقوله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون ) وقوله سبحانه : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) وقوله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيم من عذاب أليم تومنون بالله ورسوله وتجاهدون فى سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) .
وبعد : فتلك هى الأصول الشرعية للأسرة فى نظام الجماعة ، وكلها واردة فى القران الكريم ، أما السنة النبوية المطهرة ففيها فى هذا المجال من النصوص ؛ مالا نستطيع أن نستوعبه فى هذه الصفحات لأننا فى مجال الاستشهاد لا مجال الاستطراد .
المصادر
--صانع السلام ١٩:٥٥, ٢٧ أغسطس ٢٠٠٨ (AST)
موضوعات ذات صله :