الشيخ عسكر: الطغاة يريدون عزل الدين عن الحياة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشيخ عسكر: الطغاة يريدون عزل الدين عن الحياة
27-07-2005

حوار- هاشم أمين

مقدمة

- لا يوجد في الإسلام تفرقة بين الدين والسياسة

- الأزهر لم يمت وهناك تعتيم إعلامي على دوره

- ضرب العلماء في الشارع سُبَّةٌ للنظام

- الدولة تعمل على إضعاف مؤسسة الأزهر

- تعلمت الفهم الدقيق للإسلام من خلال كتب الإخوان

- الدعوة إلى الله ليست لها عمْر

- المبشرات بقرب ساعة النصر كثيرة ومؤكدة

الشيخ السيد عسكر - أحد علماء "الأزهر الشريف"- وكان يشغل في السابق منصب الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، تعرَّض مؤخرًا مع سبعة وعشرين عالمًا أزهريًّا في محافظة الغربية للاعتداء من قبل أجهزة الأمن، وتمَّ اعتقاله خلال مظاهرة وصِفت بأنها "انتفاضة أزهرية" خرجت تطالب بالإصلاح السياسي والتغيير في مصر باعتبار أنَّ العلماء جزءًا حيويًّا من نسيج هذا المجتمع وليسوا بمعزلٍ عمَّا يجري فيه بل هم يتحملون العبء الأكبر في الدفاع عن حقوقه والذود عن حرماته، وتمَّ احتجازه مع زملائه- في سابقةٍ لم تحدث لعلماء الأزهر- حيث عُوملوا بصورةٍ مهينةٍ أساءت لمكانة علماء أكبر هيئة عالمية للمسلمين السنة، ولم يفرج عنهم إلا بعد أن عانوا أشد المعاناة في عربات الترحيلات وسجن طرة دون احترام لمكانتهم الدينية، فكان لنا معه هذا الحوار:-

  • نريد منك تعريفًا مفصلاً بالشيخ عسكر
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛ أسمي بالكامل: السَّيِّد عبد المَقْصُود مُحَمَّد عَسْكَر، مولود في قرية (مِيت الرَّخَا) مركز (زِفْتَى) محافظة الغربية، في الأول من فبراير سنة 1934م، في أسرة مكونة من ثلاثة إخوة كنتُ أنا أوسطهم، وكان أبي يعمل تاجرًا، وكان حافظًا للقرآن الكريم، تزوجتُ في عام 1963م ورزقني الله- عزَّ وجل- بثمانية من الأولاد وهم: خالد (مهندس معماريّ)، وفاء (طبيبة)، ياسر (محاسب)، أسامة (ليسانس دار العلوم)، سُمَيَّة (طبيبة أسنان)، محمد (محاسب)، حَسْنَاء (مُدرِّسة فلسفة وعلم نفس)، عبد الرَّحمَن (طالب بكلية التجارة)، ولي خمسة عشر من الأحفاد، وقريبًا بإذن الله سيكونون ستة عشر حفيدًا.
وقد أكرمني الله تبارك وتعالى بحفظ القرآن وتجويده في نحو سِنِّ التاسعة والنصف تقريبًا، التحقتُ بالأزهر الشريف وتخرَّجتُ في كلية أصول الدين سنة 1959م، ثم حصلتُ على الشهادة العَالِمية مع إجازة التدريس سنة :1960م، عملتُ إمامًا وخطيبًا ومدرسًا بمساجد وزارة الأوقاف من آخر يونيو سنة 1959م، وبقيتُ في وزارة الأوقاف لمدة ثلاث سنوات، بعدها انتقلت للعمل واعظًا بالأزهر الشريف في سنة 1962 م، وتدرجتُ في العمل في وظائف الوعظ إلى أن أصبحتُ مديرًا عامًّا للوعظ بالأزهر الشريف سنة 1992 م، ثم رُقيتُ بعد ذلك وكيلاً للوزارة في وظيفة الأمين العام المساعد للثقافة الإسلامية بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أُحِلْتُ إلى التقاعد أو المعاش في آخر يناير سنة 1999 م.
خلال فترة عملي بالأزهر كُلِّفْتُ بالعمل مبعوثًا للأزهر في لبنان لمدة خمس سنوات من سنة 1972م إلى سنة 1977م، ثم كُلِّفْتُ مرةً أخرى للعمل في لبنان، كذلك لمدة عامين مبعوثًا ثم وكيلاً لبعثة الأزهر ثم رئيسًا لبعثة الأزهر في لبنان لمدة خمس سنوات، هذه المرة كلها خمس سنوات من سنة 1981م إلى سنة 1986م.

الأزهر الشريف منارة للعلم

وسافرتُ بتكليفٍ من الأزهر الشريف لنشر الثقافة الإسلامية بين الجَاليات المسلمة في أمريكا الشمالية في شهر رمضان لمدة تسع سنوات متصلة ابتداءً من سنة 1987 م.
وبعد ذلك مُنعت من السفر بعد القضية في سنة 1995م التي أحيلت إلى المحاكم العسكرية- والتي تمَّ الحكم فيها على عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين بالسجن- وبُرِّئتُ من هذه القضية؛ ولكن صدر قرار بمنعي من السفر؛ لجأت للقضاء الشامخ الذي أنصفني وحصلتُ على حكم ببطلان قرار منعي من السفر من لجنة الطعون بالمحكمة الإدارية العليا.
بعدها سافرت- وكنت قد أُحلت إلى المعاش- إلى أمريكا لنشر الثقافة الإسلامية بين الجاليات المسلمة لمدة عشرة شهور.
كما أنني كُلِّفت من قبل فضيلة الإمام الأكبر المرحوم الشيخ/ جاد الحق- رحمه الله- بالنيابة عنه في حضور مؤتمر إسلامي في ماليزيا .
هذه تقريبًا جملة البلاد التي سافرت إليها؛ بل يُضاف إلى ذلك أنني كلفت بالوعظ بين أفراد القوات المسلحة في اليمن سنة 64/1965م، مُكلفًا أيضًا من قبل الأزهر الشريف .
أما المؤلفات ؛ لي عدد من المؤلفات تصل إلى ما يقرب من خمسة عشر كتابًا، وتحت الطبع خمسة كتب أخرى لم تُطبَع بعد، والكتب التي طُبعت منها: كتاب (بُستان الدُّعاة) الجزء الأول والجزء الثاني، ومنها كتاب :(النساء شقائق الرجال)، وكتاب (آثار المعاصي والذنوب في هلاك الأفراد والشعوب)، وكتاب (
نحو بيتٍ سعيد)، وكتاب (المختار من فضائل القرآن) للإمام ابن كثير، ومنها كتاب (
في صحبة الرسل الكرام) عليهم السلام، وكتاب (المنهج الإسلامي في بناء المجتمع الإنساني)، وكتاب (
طريق النجاة) وغيرها من الكتب.
  • فضيلة الشيخ: اروِ لنا ما حدث يوم 14/ 5/2005م والاعتداء على ثمانية وعشرين عالمًا من علماء :الأزهر الشريف في محافظة الغربية.
هذا اليوم كان يتوافق مع يوم السبت (14/ 5) كنا قد التقينا في مسجد يُطلق عليه اسم (مسجد المحافظة)؛ لأنه أقرب إلى المحافظة، وخرجنا من صلاة الظهر نعلن عن رأينا في قضايا الأمة مجتمعة كقضية الإصلاح والتغيير، وقضية رفع القبضة الأمنية عن المساجد والدعاة، وقضية ما جرى للمصحف في قاعدة جوانتنامو- الأمريكية في كوبا- وغير ذلك من الشعارات، وكنا قد قَدَّرنا أن تَمُرَّ المظاهرة سلمية تمامًا، فنُردِّد ما نريد من شعارات لمصلحة الأمة ولمصلحة الدين، ثم ننصرف في سلامٍ، ولم نتجاوز الرصيف الموجود أمام باب المسجد، وبينما أُلقِي الكلمةَ بعد مجموعة هتافات رَدَّدَهَا الإخوة العلماء وبدأتُ في إلقاء الكلمة إذا برجال الأمن قد أتوا بكثافةٍ وحاولوا أن يَفُضُّوا المظاهرة، وحاولوا أن يأخذوا الميكرفون أثناء حديثي؛ فوجهتُ الخطاب إليهم قائلاً: نحن نعمل من أجل مصر، نحن لسنا ضدكم، نحن أحرص على الأمن منكم.. كلمات من هذا القبيل لعلهم يفهمون أننا لا نريد تعكير الأمن، نريد الاستقرار، نريد التعبير عن رأينا كعلماء، ومن الواجب علينا أن نقوم بهذا الدور الذي كَلَّفَنا الله به، حاولت أن أُوصِّل إليهم هذه المعلومات؛ لكن يبدو أنهم كانوا مُصِرِّين على أن يُفَضَّ اللقاء ولو بالقوة.
ومما حدث أيضًا أنَّ أحد ضباط الشرطة أوقف مرور السيارات في الشارع!! مع أننا لم نكن في الشارع!! نحن كنا على الرصيف، يعني لن نكون سببًا في تعطيل المرور في الشارع أبدًا، فنزلتُ إليه وقلتُ له: لماذا تُوقف السيارات؟ دَع السيارات تمضي في طريقها؛ لكنها لحظات وبدأ الأمر بضرب العلماء، وأُهِينُوا إهانات شديدة فعلاً، وهو أمر لم يحدث من قبل مع أي مظاهرة أخرى إلا في النادر؛ حتى إن بعض الإخوة من العلماء مُزِّقت ثيابهم فعلاً، وبعضهم وقعت عمامته؛ بل اختفت ولم يعرف أين ذهبت، وحدثت أمور عجيبة، ولما بدأ التدافع من قِبل قوات الأمن، والعلماء يندفعون، وكان هناك زحام شديد، خشيتُ أن أسقط في الزحام؛ لأنه لا بد في هذه الحالة من أن تكون الحركة مواكبة لما يجري، فلو حاولت أن أصدَّ هذه الموجة فلن أستطيع طبعًا؛ لأن الكل يتدافع في اتجاه معين فاندفعت مع التيار، وبعد لحظات معدودة أحاط بي عدد من الجنود، ويبدو أنَّ ذلك تمَّ بإشارة من أحد قادتهم، التف حولي مجموعة من الجنود وأمسكوا بي وأصروا على أن يأخذوني معهم وأركبوني سيارة خاصة بالشرطة، وبعد لحظات كانوا قد أمسكوا بعددٍ من العلماء وانصرف الباقون، وصل العدد الذي كان معنا بالسيارة إلى سبعة وعشرين بالضبط وليس ثمانية وعشرين.

اعتقال علماء الأزهر!!

ومن الغريب أنهم جمعوا كل مَن استطاعوا جَمْعَهُ، كان من بيننا أطباء ومحاسبون ومهن مختلفة، ويبدو أنَّ هؤلاء كانوا يسيرون في الطريق عَرَضًَا، يعني لم يكونوا ضمن هذا التجمع؛ لكنهم أُخذوا معنا، وكنتُ حريصًا على أن أبلغ المسئولين في ذات الوقت أنكم: لماذا جئتم بهؤلاء؟! اصرفوا هؤلاء ولكن لم يستجيبوا، ثم أُخذنا جميعًا إلى أحد مراكز الأمن المركزي، وبَقِينا هناك إلى ما يقرب من منتصف الليل في هذا اليوم، ثم نودي على عددٍ من الأسماء؛ حيث طلبوا منا أن يأخذوا بطاقاتنا أول ما أركبونا السيارات فأصبحت أسماؤنا معهم، فنادوا على البعض منا، وكان عددهم تسعة، وأخذوهم إلى حيث لا ندري، وبقينا نحن الثمانية عشر في هذا المكان، وبتنا على الحصير المفروش في هذا المكان؛ نأكل عليه ونصلي عليه وننام عليه، إلى اليوم التالي إلى الظهر تقريبًا فأُتِي بسيارة الترحيلات الخاصة بالسجون، وأُمرنا بالركوب فركبنا، وانطلقت بنا السيارة إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا في القاهرة، وبُدئ في التحقيقات معنا وبعد انتهاء التحقيقات صدر القرار بحبس المجموعة كلها لمدة خمسة عشر يومًا قابلةً للتجديد طبعًا كما هو معروف؛ لأن قانون الطوارئ الجائر الظالم يعطي نيابة أمن الدولة الحق في تجديد الحبس لمدة ستة شهور، مع أنَّ القوانين العادية لا يُحبس فيها أي متهم مهما كانت جريمته إلا في حدود أربعة أيام أو خمسة أيام إلى أن ينتهي التحقيق ثم يُحال إلى المحكمة، تبرئه المحكمة أو تعاقبه، ليكن ما يكون، لكن التحقيق لا يستمر أكثر من أيام معدودة، هذه هي القوانين العادية؛ لكن قانون الطوارئ الجائر الجاثم على صدر هذه الأمة منذ ما يزيد على أربعة وعشرين عامًا يُعطي نيابة أمن الدولة الحقَّ في تجديد الحبس لمدة ستة شهور، وبعدها يمكن أن يُحَالَ المتهم البريء المظلوم إلى ما يُسمَّى بغرفة المشورة، وغرفة المشورة قد تطلق سراحه وقد تحيله إلى محكمة، أما الستة شهور فهذه خارجة تمامًا عن الحساب، هذا حق قانون الطوارئ اللعين.

أهكذا يعامل العلماء!!

  • هل كنت تتوقع أو تتخيل وأنت تخرج في يوم المظاهرة أن يحدث ما حدث؟
لم نتوقع؛ لأننا خرجنا مرارًا وتكرارًا في عديدٍ من المظاهرات؛ لكن الجديد في هذه المظاهرة أنها كانت خاصة بالعلماء، قبل ذلك خرجنا في مظاهرات ووقفنا أمام مساجد متعددة في طنطا وهتفنا وخطبنا وانصرفنا ولم يتعرَّض لنا أحد، هذه المرة كان الأمر مفاجأةً تمامًا، ولم يكن لهذا التصرف الذي حدث ما يبرره؛ لأننا لم نُعكِّر صفو الأمن، ولم نحاول أن نَحتَكَّ برجال الشرطة؛ بل بالعكس كنتُ حريصًا على أن أهدئ من روعهم، وأن أبين لهم أننا نعمل لمصلحة هذه الأمة، ولسنا ضد مصلحة الوطن بأي حالٍ من الأحوال، على أمل أن يفهموا هذه الرسالة، وأن يقفوا وقفة حضارية؛ فالبلاد المتحضرة تحدث فيها مظاهرات بالآلاف وبعشرات الآلاف وربما بمئات الآلاف من البشر يرفعون الشعارات والشرطة تحرس المظاهرة لا أكثر ولا أقل إلى أن تنتهي بسلامٍ، وهذا دليل حضارة وتقدم ورقي، فلماذا في هذه المرة بالذات تصرفوا بهذه الطريقة الحمقاء التي تسيء إلى مصر وتسيء إلى كرامتها وتسيء إلى تاريخها؟! فمصر ذات حضارة قديمة وتاريخ عريق قبل الإسلام وازدادت عظمةً بعد الإسلام، فلماذا يتصرف بعض أبنائها بهذه الطريقة التي تسيء إليها؟! هذا أمر لم نكن نتوقعه بحالٍ من الأحوال؛ لكن ما لم نتوقعه حدث.
  • فضيلة الشيخ: أن يُعتدَى على العلماء في الطريق العام ويُرحَّلُوا إلى معسكرات الأمن المركزي ويَنَامُوا على الحَصِير ويُرحَّلُوا في عربات التَّرحِيلات التي يُرحَّل فيها المجرمون؛ كل هذا كيف كان وَقْعُه على فضيلتكم؟ وكيف تُفسر فضيلتكم تعامل الدولة مع علماء الأمة وعلماء الأزهر خاصةً بهذه الطريقة؟!.
للأسف أنا سافرت كثيرًا إلى بلاد خارج مصر ، وكنت أرى كيف يتهافت الناس على علماء الأزهر عندما يلتقون بأحدهم في أي مكان، إنَّ العالِم الأزهري في أي بلدٍ يذهب إليه يصبح كالفاكهة أو الرَّيحَانَة الكل يريد أن يَشُمَّها وأن يتقرَّب منها وأن يَتبرَّك بها إلا في مصر!! للأسف!! لا أدري لماذا؟.
نتفاخر كلامًا؛ لكننا فعلاً نظامنا السياسي لا يعامل علماء الأزهر بما يليق بهم، ولا أذيع سِرًَّا إذا قلتُ إنني حين كنتُ مبعوثًا للأزهر في لبنان كنت وأنا داخل إلى لبنان قادمًا من مصر وداخل إلى مطار بيروت أكون مُنشرِحَ الصدر، وإذا كنتُ عائدًا إلى مصر وداخل إلى مطار القاهرة أكون منقبض الصدر؛ لأن المعاملة في مطار بيروت كلها احترام وكلها تكريم، لا يقبل أحد أن نقف في الطابور أمام ضابط الجوازات في مطار بيروت، إذا رأى شيخًا مُعَمَّمًا يقف ليختم جواز سفره لدخول بيروت فإنه فورًا يأتي ضابط ويقول: تَفضَّل يا أستاذ، ويأخذه إلى مكتبه ويأخذ منه جواز سفره يختمه ويعود به إليه، وهو جالسٌ في مكتبه مُعزَّزًا مُكرَّمًا، مثل هذا الأمر لا يحدث في مصر للأسف الشديد؛ بل وتحدث أمور أكثر من هذا، إن لم يحجز جواز سفره لمدة ساعات، ويظل حائرًا لا يدري لماذا احتجزوه، أو يقولون له: اذهب وخذ جوازك من أمن الدولة في بلدك.. أشياء كثيرة تحدث في مطار القاهرة، وتَحدث للعلماء!! مع أنَّ المفروض أن يُكرَّمُوا في بلدهم، للأسف علماء الأزهر لا يُكرَّمُون في بلدهم مصر؛ بل ويُساء إليهم أحيانًا.
  • فضيلة الشيخ: كانت هناك وقفات لأحزاب وقوى سياسية في موضوع الإصلاح؛ فلماذا أردتم وقفة خاصة بالأزهر الشريف وعلماء الأزهر الشريف؟
الأزهر هو المؤسسة التي ننتمي إليها، وهي التي تمثل أكبر جامعة إسلامية عريقة في العالم، ونحن نفخر بالانتماء لهذه المؤسسة، ومسئولية هذه المؤسسة أمام الله أن تحمل لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104)، وعلماء الإسلام هم المعنيون بالدرجة الأولى بهذه الآية الكريمة، فلا ننتظر أن نكون مع آخرين لنشارك في هذا الأمر، وإن كان هذا لا بأسَ به، لكن لماذا لا نقوم بهذا الدور منفردين كعلماء؟ إنه واجبنا الأول الذي ينبغي أن نقوم به، فأنْ نقوم به منفردين فهذا شيء طيب، وإن قمنا به مع آخرين فلا بأسَ، إذن من الآولى والأفضل أن نقوم بهذا الدور كعلماء؛ حتى نسقط عن كاهلنا مسئولية التقصير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإبراءً للذمة أمام الله في المطالبة بإصلاح شئون هذه الأمة من كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
  • فضيلة الشيخ: هل توافق على أنكم خرجتم بعد سن التقاعد في مظاهرة ولو كنتم في منصبكم مَا فعلتم؟
بالعكس؛ أنا على استعدادٍ في أي وقت من الأوقات منذ شبابي الباكر أن أشارك في أي عمل يفيد هذه الأمة وينهض بها؛ بل لا أكتُمك سرًَّا أنني حين كنت طالبًا بالكلية في الأزهر كنتُ أرتدي الزِّيّ الإفرنجي؛ لكن إذا ما أُعلن عن محاضرة في دار الحكمة أو في جمعية الشبان المسلمين أو غيرها لفضيلة الشيخ الغزالي أو الدكتور البهيّ أو غيره من كبار العلماء كنتُ أحرص على أن أذهب لحضور هذه المحاضرة وأرتدي الزِّيَّ الأزهري خصيصًا في هذا اليوم؛ لأعلن للناس جميعًا أنَّ الأزهر موجود هنا، لا بد أن يعرف الناسُ أن الأزهر قائم بدوره ويؤدي واجبه؛ لأنه للأسف هناك تعتيم إعلامي على الدور الذي يقوم به الأزهر حتى ظن الناس أن الأزهر قد مات، الأزهر لم يمت، والأزهر ما زال فيه رجال برغم كل شيء، وبرغم كل ما جَرَى ويَجرِي الأزهر لا يزال فيه رجال على مستوى تَحمُّل المسئولية وعلى استعداد للتضحية فداءً لدينهم ولأمتهم.
الأئمة يجب عليهم أن يخرجوا وأن يعلنوا رأيهم؛ لأن هذا كما قلت يعد داخلاً في إطار فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا واجبهم وكان عليهم أن يقوموا به سواء طلب منهم الإخوان المسلمون ذلك أو لم يطلبوا، فالواجب واجب، والعالم مُكلَّف بأداء الواجب وإلا حاسبه الله تبارك وتعالى على التقصير في هذا الواجب.
  • لكن البعض يا فضيلة الشيخ يراه تدخلاً في الأمور السياسية والأئمة والعلماء مكانهم في المسجد، فلماذا يتدخلون في الأمور السياسية؟
أولاً: التفرقة بين ما هو دين وبين ما هو سياسة تفرقة لا يعرفها الإسلام إطلاقًا، ومن يقول بغير ذلك فهو لا يفهم الإسلام وإن انتسب إلى الأزهر، فالإسلام الذي تعلمناه من الكتاب والسنة ومن عمل رسول الله وصحابته الأجلاء دين شامل كامل ينظم كل شئون الحياة الدنيا والآخرة، يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية3 )، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل: من الآية 89) كل شيء، فلا يوجد في الإسلام تفرقة بين ما هو دين وما هو سياسة، شئون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأسرية وعلاقات المسلمين بغيرهم في السلم وفي الحرب، كل ذلك نظَّمه الإسلام تنظيمًا كاملاً، فالتفرقة بين ما هو دين وما هو سياسة تفرقة لا يعرفها الإسلام، إنما هو أمر مستورد من عند غير المسلمين الذين فرَّقوا بين الدين والدولة أو بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية، فالإسلام لا يعرف سلطة دينية وسلطة زمنية، الإسلام يعرف أنَّ كل مسلم مطالب بأن يعمل بدينه وأن يعمل لدينه وأن يعيش في حياته وفق تعاليم الإسلام، حياته كلها؛ في بيته ومع الناس وفي العمل وفي كل ميادين الحياة ينبغي أن يلتزم بأحكام الإسلام.
وأيضًا من المعروف أن تعبير (رجال الدين) لا يعرفه الإسلام، الإسلام يعرف (علماء دين)، وهم أناس تخصصوا في علوم الدين فقط؛ لكن رجال دين يعني أنهم هم فقط المسئولون عن الدين أو الذين يعرفون الدين وغيرهم لا شأنَ لهم بالدين، هذا منطق لا يعرفه الإسلام مطلقًا.
وبالتالي ما دام الإسلام لا يُفرِّق بين ما هو دين وما هو سياسة؛ يعني أمور تُنظِّم حياة الناس، والسياسة تعني تنظيم شئون الناس وفق تعاليم الدين، إذن فلا بد أن تُشتَقَّ من الدين ومن أحكامه ومن تعاليمه وإلا انحرفت، بمعنى أن السياسة لو سلكت طريقًا بعيدًا عن أوامر الدين تكون بذلك مخالفةً للإسلام، وتكون ضارة بالأمة، ولا خيرَ فيها إذا انحرفت عن منهج الإسلام، والطغاة يريدون أن يُرسخوا هذا المفهوم، مفهوم هذا دين وهذا سياسة، فما شأنكم يا علماء بالسياسة؟ اتركوا السياسة فهي لغيركم، ونحن نتساءل: مجلس الشعب مثلاً كإحدى مؤسسات الدولة، أو السلطة التشريعية كما يقال، ومن المعلوم أنَّ السلطات ثلاثة: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، فبالنسبة للسلطة التشريعية أليس إصدار القوانين التي يتعامل بها الناس؛ أليس هذا من السياسة؟ بلى هو من السياسة، ومن الغريب في دستورنا أنه يَفرض علينا أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب على الأقل من العمال والفلاحين، والسؤال البديهي والبسيط جدًا والساذج: هل من حق العمال والفلاحين أن يشتغلوا بالسياسة ولا يكون من حق علماء الإسلام أن يشتغلوا بالسياسة، لماذا؟ إذن الهدف واضح؛ أنَّ المستبدين والطغاة الذين يريدون أن يحكموا بأهوائهم وأن يتصرفوا وفق ما تشتهيه أنفسهم يريدون أن يعزلوا الدين عن الحياة حتى لا يحاكموا أمام الدين وحتى لا يُساءلوا عن تصرفاتهم وفق مفاهيم الدين حتى لا يقال لهم: لماذا فعلتم كذا والله يرفضه؟ لماذا فعلتم كذا والآية الكريمة تقول بعكسه؟ فهم يُريدون أن يعزلوا الدين عن الحياة، وكما قال أحدهم يومًا: مَن يريد الدين فعليه بالمساجد يذهب للصلاة بالمساجد، ومن أراد السياسة فليلتحق بالأحزاب!! هل هذا في الإسلام؟ لا؛ الإسلام لا يعرف هذا المنطق إطلاقًا؛ بل الإسلام يقول كما قال الله صراحةً: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163)﴾ (الأنعام).
  • وماذا تقول فضيلتكم لمَن يرى فيما فعل الإخوان وغيرهم وفيما فعلتم أنتم علماء الأزهر من مظاهرات نوعًا من الخروج على الحاكم؟
نحن لم نخرج على الحاكم، نحن ننصح للحاكم، نحن نعلن كلمةَ الحق، نحن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، والنصح للحاكم مسئولية كل مسلم أيًّا كان موقعه في المجتمع، والإمام الشيخ محمد عبده يقول: إن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطةٌ... يعني إذا كان هناك السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية فهناك سلطة أخرى، وإذا كان السادات قال: إنَّ الصحافة هي السلطة الرابعة؛ فنحن لدينا سلطة رابعة أهم، والصحافة قد تدخل فيها باعتبارها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطةٌ جعلها الله- يعني من الله ويستمدها منه- في يد أدنى المسلمين يَقْرَع بها أنفَ أعلاهم.
والحديث يقول هذا: "الدِّينُ النَّصِيحَة"؛ قلنا: لِمَن يا رسول الله؟ قال: "للهِ ولِكتابِهِ ولِرسولِهِ ولأئمَّةِ المسلمين وعَامَّتِهِم".. وكان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- الخليفة العادل المؤمن الواعي الفاهم يقول: أهلاً بالنَّاصِحِ غُدوًَّا وعَشِيًَّا. يقول: أهلاً. فهو يَسعد حين يأتيه مَن ينصحه بالغُدوِّ والعَشِيّ، وكان يقول: "لا خير فيكم- يعني كشعب- إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها".. هذا هو فهم الإسلام لقضية النصيحة، النصيحة تُوجَّه من أي مسلم لأي شخص رئيسًا كان أم مرؤوسًا، وإذا غضب الرئيس من النصيحة التي توجه إليه فهو مخطئ، هو الذي انحرف عن الجَادَّة، وصفة المؤمنين إذا قيل لهم: "اتقوا الله فإنهم يَسعَدُون بهذا، فالمؤمن الصادق إذا قيل له: اتَّقِ الله وافعل كذا ولا تفعل كذا يَسعد بهذا، أما المنافق فهو الذي يغضب إذا قيل له: اتق الله، وهذا ما ذكره الله في كتابه: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ (البقرة: 206)، وإذا كان ربنا قال لرسوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ (الأحزاب: من الآية 1)، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ﴾ (النساء: من الآية 1)، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ﴾، فهذا أمر طبيعي جدًا ولا بد أن يُقَال سواء كانوا علماء أو إخوان مسلمين أو غيرهم، أي مسلم يجب أن ينصح ويقول الحق للكبير والصغير والحاكم والمحكوم، ولا خيرَ فيكم إن لم تقولوها؛ يعني لا خير في الأمة إذا لم تقم بهذا الواجب، ولا خير في الحاكم أو الأمير إذا لم يستجب لنصح من نصحه.
وإذا وَجَّهَ الأذى إلى مَن قَدَّم النصيحة الخالصة لوجه الله فهو آثِمٌ، الحاكم يكون آثمًا إذا قام بأذى لمَن نصحه، وإذا فرضنا أنَّ الذي قام بالنصيحة قُتِل فهو شهيد لأنه قال كلمة حق، ما هي مكانته عند الله؟ حينئذٍ هو في مكانة أعلى من الشهداء، يصبح سيد الشهداء كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب- رضي الله عنه-، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله".
كل المطلوب أن تكون النصيحة بالحكمة وبالكلمة الطيبة، وإذا قامت مظاهرة تكون سِلمِيَّة، ليس فيها شغب وليس فيها تكسير وليس فيها عدوان ولا شيء، هذا ما يُطَالِب به الإسلام، فإذا فعلنا ذلك فيجب على الآخرين أن يحترموا قواعد الإسلام وتعاليمه، لا أن يفرضوا سطوتهم وسلطانهم بالإكراه ورغم أوامر الله ورسوله.
  • الظاهر أنَّ المكان الطبيعي للعلماء في أيام الظلم والاستبداد أن يكونوا خلف السجون أو أن يقضوا بعض أيام حياتهم خلف السجون، فتجربة السجن والأيام التي قضيتموها في السجن؛ كيف تُقيِّم فضيلتكم هذه التجربة؟
والله قرأنا كثيرًا عن السجون وعن مسجونين من الشرفاء والمجاهدين أدخلوا في سجون عبد الناصر، وما تعرَّضوا له من تعذيبٍ بدني ومعنوي كان شيئًا رهيبًا جدًّا، بعض هذا بَقِيَ- بعضه وليس كله- في عهد السادات، وبَقِيَ بعضه أيضًا في عهد مبارك؛ لكن بالنسبة لمجموعتنا لم نتعرض لتعذيب ولا إيذاء، ولا بد أن نقول كلمة الحق، قد يكون هناك بعض الإيذاء المعنوي وليس البدني، كأخذنا من الشارع بالطريقة الهمجية التي تمَّت، فهذه إهانة لعلماء الإسلام، لا ينبغي أبدًا أن تحدث في بلد الأزهر ، في بلد دستوره يَنُصُّ على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، فأن يُؤخذ العلماء بهذه الطريقة فهذه إهانة، هذا نوع من الإيذاء ما كان ينبغي أن يحدث، وأن يُضرب العلماء في الشارع على ملأ من الناس، هذا ما كان ينبغي أن يحدث بأي حال من الأحوال، وهذه في نظري سُبَّةٌ لهذا النظام، هذا النظام القائم وما حدث في هذه الموقعة سُبَّةٌ لهذا النظام، وأعتقد أنه لم يحدث مثلها من قبل، أعتقد هذا، صحيح أن هناك علماء اعتقلوا وأوذوا وعذبوا لكن هذا كان يَتِمُّ داخل السجون أما في الشارع هكذا وبهذه الطريقة ففي ظَنِّي أنَّ هذه أول مرة يحدث فيها مثل ذلك، ولما وصلنا إلى السجن في مزرعة طُرَة لم يكن هناك أي إيذاء بدني.
  • أظن أنه كان هناك سابق معرفة بسجن مزرعة طُرَة.
نعم، أنا سُجنت في ملحق المزرعة لمدة تصل إلى أربعة شهور في سنة 1995م وانتقلت إلى سجن المزرعة لمدة أيام معدودة قبل خروجي مُبَرَّأً من المحكمة العسكرية.
فلم يكن هناك إيذاء بدني، وكانت الأمور تسير سيرًا طبيعيًا والحمد لله رب العالمين، كل ما كان يؤلمنا عند الانتقال من السجن إلى المحكمة والعكس أن توضع في أيدينا الكلابشات!! وكنا نضحك مع الضباط المسئولين ونقول لهم: يا جماعة لماذا هذه التصرفات؟ يقولون لنا: هذه تعليمات.. فنقول لهم: والله لو قلتم لنا اخرجوا واذهبوا إلى المحكمة من غير حراسة لذهبنا إلى المحكمة وبعد المحكمة لو قلتم لنا ارجعوا سنرجع للسجن ودون حراسة، هل نحن عيال مثلاً سنجري؟ لكن يقولون لك: هذه هي التعليمات!! منطق عجيب يتصرفون به!! حتى علمت أنَّ أحد المقبوض عليهم جيء به من محافظة الغربية إلى نيابة أمن الدولة في القاهرة، وكان فردًا واحدًا مقبوضًا عليه، وقد علمتُ منه أنهم قاموا بتكسير بيته وخرَّبوا له بيته بالكامل، لماذا هذا؟! تريدون القبض على إنسانٍ وها هو أمامكم فخذوه، إنما بيته لماذا يُدمَّر ويُخرَّب، هذا تصرف الهَمَج، حتى علمت أن أحد إخواننا الذي كان ضمن لجنة الإغاثة الإنسانية في البوسنة والهرسك تزوج من امرأة بوسنية مسلمة ثم أتى بها إلى القاهرة، فجاء زوار الفجر للقبض عليه في يوم من الأيام، فأخذت زوجته تتعجب: لماذا؟ إنه إنسان مهذب ومؤدب ومتدين ومستقيم وعلى خلق، فما الداعي بأن يقبضوا عليه في الليل بهذا الشكل السيئ؟ فكانت تتساءل بسذاجةٍ وتقول: هل الصرب أتوا إلى هنا؟ هي لا تعرف همجية إلا مع الصرب، أما أن تجد مثل هذه الهمجية في مصر فكان ذلك أمرًا غريبًا جدًّا بالنسبة لها، طبعًا بعض قوات الأمن يتصرفون بهذه الطريقة كما يتصرف اليهود!، وكما يتصرف الروس مع الشيشان!، وكما كان يتصرف الصرب مع المسلمين في البوسنة!. لماذا لا نتصرف بطريقة حضارية مهذبة؟ تريدون القبض على إنسان لاتهامه بتهمة صحيحة أو باطلة اقبضوا عليه بأدبٍ، ويحاكم أمام محكمةٍ عادلة، فإن كان مجرمًا يَلقى جزاءه، وإن كان محسنًا يُفَكَّ أَسْرُه ويُعتذَر له.. هذا ما ينبغي أن يكون، فموضوع الكلابشات وعربات الترحيلات وما فيها من متاعب، ولعلك تعلم أنَّ أخانا الكريم المهندس أكرم زهيري مات بسبب هذه العربات، هو لم يُعذب تعذيبًا مباشرًا بدنيًا إنما كان مريضًا وتُرك في سيارة من هذه السيارات فوقع وأُصيب بكسرٍ وأُهمل علاجه فمات، فالمفروض أن يُعامل الإنسان معاملةً كريمةً، الإنسان في بلده وعلماء في بلدهم ولا يعاملون معاملة كريمة فهذا في الحقيقة شيء عجيب؛ لكن ماذا نصنع؟!!
  • فضيلة الشيخ: كيف قضيتم فضيلتكم هذه الأيام داخل السجن؟ حَدِّثْنَا كيف كان يَمُرُّ اليوم؟ كيف كنت تقضي يومك؟ وهل أضافت هذه التجربة لفضيلتكم جديدًا؟ بمعنى هل فضيلتكم قبل دخول السجن مثلاً ما أنتم بعد الخروج منه؟
لا أبالغ إذا قلت: إنني كنتُ في داخل السجن أحسن مني في خارج السجن؛ لأن وقتنا كله مشغولٌ بالطاعات والتقرب إلى الله وقراءة القرآن والصيام والقيام والثقافة وما إلى ذلك، كان كل وقتنا مشغولاً بالطاعات، بعد الخروج أو قبل الدخول، فالحياة فيها مطالب كثيرة ومتاعب كثيرة ومشاغل كثيرة فلا نجد الوقت الكافي للتفرغ للطاعة والعبادة كما كان الحال عليه في داخل السجن.
الشيخ احمد ياسين
  • كانت هناك كلمة للشيخ أحمد ياسين يقول فيها: "أتمنى أن ينال الدعاة ولو وقتًا قليلاً داخل السجن حتى تُزال هذه الرهبة"؛ لأنه في بعض الأوقات يكون السجن والاعتقال، وهذه الأمور ربما تُمثِّل رهبةً لبعض الدعاة من الإخوان ومن غيرهم.
هذا صحيح فعلاً، وأذكر قصة رُويت لي- والعهدةُ على الراوي- أنَّ أحد الشباب أُخِذ مع مجموعة من شباب الإخوان إلى السجن، وأخذ لأنه كان مواظبًا على الصلاة في المسجد فظنوا أنه منهم، فالأخذ الآن أصبح بالشبهة، إنسان مواظب على الصلاة وخاصةً إذا كانت صلاة الفجر أو مُلْتَحٍ أو كذا تكون عليه علامات استفهام؛ فأُخِذ هذا الشاب مع المجموعة، وبعدما أُفْرِج عنه أو عندما جاء وقت الإفراج عنهم أُخذوا إلى ضابط أمن الدولة ليجلس كل واحد معه بعض الوقت، فضابط أمن الدولة يقول لهذا الشاب: "أنت لا بد عليك أن تبتعد عن هذا الطريق، وأَرِح نفسك، أنا أقول لك من الآخر بدلاً من أن تتعرض لمتاعب"، فقال له الشاب: "أنت قلت لي من الآخر وأنا سأقول لك من الآخر". قال له: وما الآخر؟ قال له: أنتم يوم أنْ قبضتم عليّ لم أكن من الإخوان، فلما قضيتُ معهم هذه الفترة في السجن أدركتُ أنني أعيش مع أطهر أناسٍ في هذا البلد، وأنا الآن من الإخوان، وإذا أردت أن تعتقلني فهذه حقيبتي معي فقال له: قُمْ واذهب.
فعلاً الناسُ في الخارج يفهمون أنَّ السجن شيء مخيف جدًا ورهيب جدًا، وقد يكون كذلك في بعض الأوقات، وأنا لا أنكر أنَّ هذا من الممكن أن يحدث وفي أي وقت كما حدث مع بعض إخواننا ومنذ شهور معدودة؛ لكن حتى مع حدوث مثل هذا الأذى تزول الرهبة فعلاً؛ لأنه قد عرف آخرتها فليكن إذن ما يكون.
  • فضيلة الشيخ: موقف إدارة الأزهر و مجمع البحوث الإسلامية مما حدث لفضيلتكم وسبعة وعشرين عالمًا أزهريًا معكم، هذا الموقف الذي لم يكن، فما تقييم فضيلتكم لهذا الموقف؟
أنا سأنظر لهذه القضية من زاويتَيْن، الزاوية الأولى: أنه بعد أيام معدودة من هذا الذي جرى لنا في طنطا أُقيمت مظاهرة أكبر في الجامع الأزهر، حضرها ما يقرب من ألف من العلماء، ويبدو أن الدولة شعرت بخطئها الذي حدث في طنطا فلم تتعرض للعلماء الذين كانوا في مظاهرة الجامع الأزهر في القاهرة، ونددوا بالأوضاع وتحدثوا في القضية ثم انصرفوا في سلام، لم يحدث أكثر من أنهم اطلعوا على بطاقات بعضهم ليكون لها ما بعدها!! لكن لم يقبضوا على أحد، ولم يتعرضوا بالأذى لأحد من هذه المجموعة، وهذا من الأزهر، يعني هذا دور قام به عدد من علماء الأزهر ومن الأئمة والعلماء.
أما إذا سألتني عن الأزهر كمؤسسة إسلامية عريقة فقد عملت الدولة منذ عقود طويلة على إضعاف مؤسسة الأزهر وإضعاف مؤسسة الأوقاف، المؤسسات الدينية بشكل عام عملت الدولة على إضعافها، وقد نجحت في ذلك إلى حَدٍّ بعيد، وقد كتب عن ذلك الأستاذ المستشارمحمد سليم العوا في سلسلة مقالات نشرها في جريدة الوفد وفي جريدة الشعب عندما كانت تصدر، تحدث فيها عن أزمة المؤسسات الدينية في مصر، وإذا كانت المؤسسات الدينية في مصر أصبحت ضعيفة وتابعة للدولة ولا تستطيع أن تؤدي واجبها كما ينبغي فالمسئولية بالدرجة الأولى على عاتق النظام الاستبدادي المُتَسَلِّط.
  • لكن فضيلتكم أن يتم تجاهل الأمر وعدم الإشارة إليه ولا حتى تلميحًا من إدارة الأزهر أو من مجمع البحوث الإسلامية، فكيف تكون العلاقة بين علماء الأزهر وإدارة الأزهر الممثلة لهم حين تتجاهل ما حدث لهم لهذه الدرجة؟
ليست إدارة الأزهر هي كل الأزهر، وليس مجمع البحوث الإسلامية هو كل الأزهر، فالأزهر مُتمثِّل في علمائه المتواجدين في كلياته والمتواجدين في المساجد في وزارة الأوقاف والمتواجدين في المعاهد الأزهرية والذين يتجوَّلُون في أماكن متعددة يَعظون الناس، هؤلاء جميعًا من الأزهر، فإذا كانت المؤسسة بشكلها التنظيمي الوظيفي ضعيفة فلا يعني ذلك أن كل الأزهر ضعيف.
وهل يوجد تعارض بين أن أكون أحد علماء الأزهر وأحد رموز الإخوان؟ بالعكس؛ إن لم يكن هذا التوافق موجودًا فينبغي أن يُطرح السؤال: كيف تكون من علماء الأزهر ولا تتعرف على الإخوان وفكر الإخوان وأن تعمل في هذا الإطار؟ أنا قلت مرارًا وتكرارًا وفي مجالس متعددة: أنا لم أفهم الإسلام الفهم الدقيق الصحيح إلا من خلال قراءتي لكتب الإخوان المسلمين، تعلمنا في الأزهر التفسير والحديث والفقه وغيرها، نَعَمْ هي علوم إسلامية؛ لكن الوعي بحقيقة الإسلام ومفاهيمه الشاملة لشئون الحياة المنظمة لكل أحوال الدنيا والآخرة هذا لم نعرفه بوضوح إلا من خلال الإخوان المسلمين، فالوضع الطبيعي لكل عالم أزهري لكي يكتمل فكره وفهمه للإسلام أن يلتقي مع الإخوان المسلمين، والغريب أن يكون عالمًا أزهريًا ولا صلةَ له بالإخوان المسلمين.
الامام الشهيد حسن البنا
والله أنا أذكر الإمام "حسن البنا" قال لبعض علماء الأزهر: هذه الدعوة دعوتكم، وهذه الرسالة رسالتكم، فإن أنتم قمتم بها وتقدمتم الصفوف فنحن لكم تبعٌ ونحن جنودكم، أما إذا قَصَّرتم في أداء هذه المهمة فمعذرةً إنْ تقدَّمنا لحمل هذه المسئولية، فالرجل كان يفهم تمامًا ماذا ينبغي على علماء الأزهر أن يقوموا به في خدمة الإسلام، كان يعرف ذلك جيدًا، وكان يتمنى أن يكونوا في مقدمة الركب وفي مقدمة الموكب، كان يتمنى ذلك؛ بل وسمعت من بعض إخواني الذين اتصلوا به عن قرب نقلاً عنه أنه كان يقول عن علماءالأزهر المنتمين للجماعة: أنتم ضباط الجماعة؛ أي الذين يضبطون الحركة في الجماعة بفكرهم ووعيهم وثقافتهم، فلا يوجد أي تناقض أو تعارض بين عالم من علماء الأزهر يفهم دينه جيدًا وبين أن يكون عاملاً في صفوف الإخوان المسلمين ومثقفًا على أسس فكرهم.
  • ما الذي كان ينقص فضيلتكم كداعية فحققته لك دعوة الإخوان؟
لا أستطيع أن أقول أنه كان يَنقصني شيء؛ لأني لم أَعِشْ في حياتي فترة كأزهريّ بعيدًا عن الإخوان المسلمين ، وأستطيع أن أقول بصراحة أنني مُتأثِّر بفكر الإخوان المسلمين منذ نُعُومة أظفَارِي، وأنا منذ كنتُ طالبًا في الابتدائي في الأزهر استمعتُ إلى واعظ مركزنا يَخطب الجمعة ويُلقي درسًا بعد الصلاة في أحد المساجد فتأثَّرت به جدًا، ودَفَعَنِي هذا إلى أن أحاول أن أؤدِّي الخطبة، وخطبتُ في أحد المساجد وكان سِنِّي وقتها أربع عشرة سنة، كنتُ ما زلت في السنة الثانية الابتدائية الأزهرية، وخَطبتُ الجمعة، وعلمتُ أنَّ هذا الشيخ الذي أُعجبتُ به وتَأثَّرتُ بخطبته كان من الإخوان المسلمين، ولَقِيتُه بعد ذلك بسنوات بعد أن أُوذِي وامتُحِن وتعرفت عليه بعد ذلك، فأنا وجدت نفسي تلقائيًا في هذا الطريق، أقرأ كتبهم، وإذا خطبت أو تحدثت أَسْتَقِي من معارفهم، فلم أجد نفسي يومًا من الأيام في خَطٍّ مُغَاير ثم انتقلت إلى هذا الخط بعد ذلك أبدًا، لم يحدث، كان التكامل موجودًا وقائمًا منذ البداية والحمد لله.
  • فضيلتكم من مواليد سنة 1934 م مما يعني أنكم عشتم فترة المحن التي حدثت للإخوان ، وكنتم وقتها في فترة الشباب؛ فكيف كنت تسمع عنها وكيف كنت تُعايشها؟
من فضل الله أنني لم أُمتحن في المرتين اللتَيْن تعرَّض فيهما الإخوان للابتلاء والامتحان في سنة 1954 م وسنة 1965 م، ولا أدري لماذا، وأنا كنت منذ بدايتي وأنا مع فكر الإخوان شكلاً وموضوعًا، أتثقف على دعاتهم وأستمع إليهم وأتعلم منهم وأتحرك على هداهم؛ لكن لماذا لم أتعرض للمحنة في 1954 م أو 1965 م؟ لقد عافاني الله بحكمته؛ ولكن لا أدري كيف وأنا أحيانًا أفكر في هذا الأمر وأقول: لعله لم تقع في أيديهم أوراق فيها اسمي، وهذا احتمال يخطر ببالي؛ لكنَّ الله أعلم بالحقيقة، بعد ذلك لم أمتحن إلا في سنة 1995 م في القضية العسكرية وقد بُرِّئتُ منها، ثم هذه المرة في هذه المظاهرة.
  • إذن فضيلتكم كيف كنتم تعايشون هذا الحدث وأنتم وقتها كنتم بخارج السجن؟ وكنتم تسمعون ما يحدث مع وجود تعتيم إعلامي وقتها على حقيقة ما يحدث للإخوان .
طبعًا كان هناك تعتيم شديد، وكان هناك سخط عام موجود لدى الناس المثقفين الواعين؛ لكن لم يكن أحد يقدر على أن يتحرك بسبب الطغيان الزائد والاستبداد، حتى أذكر أنني سألت أحد شيوخي في معهد طنطا في محنة 1954 م فسألته وقلت له: يا أستاذنا أنا أريد أن أسأل سؤالاً. قال لي: وما هو؟. قلت له: هل وجود الظلم لا يكفي لإحداث ثورة؟ وأنا أرى أنَّ الظلمَ واقع فلماذا لا يثور الناس؟ طرحتُ عليه هذا السؤال: وجود الظلم ألا يكفي لإحداث ثورة؟ وكان رجلاً فاضلاً فردَّ عليَّ بالإجابة الآتية قال لي: لا؛ وجود الظلم ليس كافيًا لإحداث ثورة؛ لكن لا بد من الشعور بالظلم يعني أنَّ الظلم وحده لا يكفي إنما الشعور بالظلم هو الذي يدفع الإنسان إلى أن يثور ويحاول أن يقضي على هذا الظلم.
كنا نتألم؛ لكن الاتجاه العام لم يكن يساعد على أي حركة ضد هذا الظلم والقضاء عليه.
  • كيف تقبل وأنت عالم أزهري أن تكون في أسرة مع فردٍ ليس لديه من العلم ما يوازي علم فضيلتكم؟
المسألة ليست بالعلم، أنا أذكر أنني حضرتُ العديدَ من المؤتمرات وكانت توجه إلينا أسئلة في نهاية المؤتمر، فإذا كان السؤال يتعلق بمسألة علمية أو فقهية أو دعوية أو ما إلى ذلك كنتُ أجيب على السؤال، أما إذا كان السؤال يتعلق بقضايا حركية أو تنظيمية أو إدارية أو ما إلى ذلك فإنني أُحِيلُ السؤال إلى زميلي الجالس معي على المنصة ليجيب عليه، فنحن نكمل بعضنا بعضًا، ولا يلزم أن يكون كل إنسان يعرف كل شيء، لا؛ ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ (يوسف من الآية 76)، فأنا أعلم في مسائل الدين وغيري يعلم في مسائل كذا وغيري يعلم في مسائل كذا، وقد أفهم في السياسة لكن ربما يوجد غيري مَن يُتْقِن الحديث في السياسة أكثر مما أجيده، أنا أفهمها بشكلٍ عامٍ لكن أن أكون سياسيًّا مُحنَّكًَا وقادرًا، لا طبعًا غيري من الممكن أن يقوم بهذا الدور، وهذه مَزِيَّة العمل الجماعي، فالجماعة تُجَمِّع الطاقات ويحدث بين هذه الطاقات التكامل المطلوب، وذلك على عكس العمل الفردي، فالعمل الفردي كل واحد يجتهد بقدر إمكانه بمفرده، وقد يكون مُقَصِّرًا في جانب لا يستطيعه؛ لكن إذا ضُمَّ إليه غيره وحدث التكامل والتعاون بين الجميع فهذا هو الخير كله.
  • وهل هناك حقًا إشكالية في احتواء العلماء وأساتذة الجامعات مثلاً من قِبل الجماعة، والدليل خروج علماء مثل الشيخ الباقوري والشيخ الغزالي من الجماعة؟
لا توجد أي إشكالية، وخروج الشيخ الباقوري أو الشيخ الغزالي أو الشيخ سيد سابق كانت له ظروف وقتية، يعني لا يُقال إنه عدم قدرة للجماعة على احتواء العلماء؛ بل بالعكس فمن المعلوم أنَّ الشيخ الغزالي ندم على ما حدث وأعلن ذلك وعاد إلى الصف من جديد، فكانت لها ظروف خاصة، والشيخ الباقوري كانت له ظروف خاصة أيضًا، ولا يقال إنَّ الجماعة لم تكن قادرةً على احتواء هؤلاء العلماء، فالجماعة بفضل الله قادرةٌ على أن توظف كل الطاقات وأن تستفيد بكل الخبرات؛ لأنها بفهمهما الشامل للإسلام تسعى إلى ذلك وتطلبه وتحرص عليه؛ بل هي تتمنى أن يكون العلماء في مقدمة الركب؛ لكن نظام التعليم في الأزهر يجعل خريجي الأزهر لهم طريقة خاصة في التفكير، فلا يُحسِن كل إنسان أن يتعامل معها، فقط من اتصل بالجماعة من العلماء يكون هو الأقدر على التعامل مع إخوانه من علماء الأزهر فليست هناك إشكالية بالمعنى الشائع أنه من الصعب جدًا أن يكون العلماء من ضمن الجماعة؛ لأنَّ هناك كثيرين- والحمد لله- موجودون ومؤمنون بفكر الجماعة، والذي يحول بين البعض وبين العمل للجماعة هو الخوف الذي يسيطر على بقية أفراد شعبنا.
  • فضيلتكم كأمين عام مساعد مجمع البحوث الإسلامية السابق.. كيف ترى نفسك بعد بلوغك سن المعاش يعني في حدود الثانية والسبعين سنةً الآن ما شاء الله؟
أنا شخصيًّا أرى وأعلنت ذلك مرارًا في عديد من الاحتفالات التي أُقيمت بمناسبة خروج بعض إخواننا إلى المعاش وشاركت في هذه الاحتفالات كنت أقول بصراحة: إنَّ الداعية لا يُحال إلى المعاش، الداعية يدعو إلى الله ما دام على قيد الحياة، الدعوة إلى الله ليست لها سن وليست لها عمر؛ بل بالعكس عندما تنتهي سنوات الوظيفة الرسمية يكون الداعية قد تَحرَّر من الرُّوتِين والحضور والانصراف والغياب وما إلى ذلك من قيود الوظيفة، فإذا ما أُحيل إلى المعاش بعد السن القانونية يكون قد تحرر من هذه القيود وأصبح منطلقًا يذهب إلى أي مكانٍ ويدعو إلى الله في أي وقت من ليل أو نهار، يكون قد نال حريته، فالوظيفة فيها قدر من الاستعباد فيكون قد خلع هذا الاستعباد عن عنقه وأصبح حرًا طليقًا، فليست هناك مشكلة بالنسبة إلى الإحالة إلى المعاش بالنسبة للدعاة على وجه الخصوص، فالداعية الذي يعرف رسالته ويؤديها لا يمكن أن يشعر بأي فرق بين فترة عمله وبين إحالته إلى المعاش؛ بل بالعكس يشعر أنه أصبح لديه وقت أطول وظرف أفضل لكي يؤدي رسالته على الوجه الأكمل.
  • إذن لو سألنا كيف يقضي الشيخ السيد عسكر يومه بما أنه ليست هناك وظيفة حكومية؟
كما قلتُ يومي والحمد لله مشغول بقضاء مصلحة بيتي وأولادي ثم التحرك في المجالات المتنوعة لنشر الدعوة بشكل عام، وهذا أمر متصل بإذن الله.
  • فضيلة الشيخ: بعض الدعاة ربما لا يفلح في تحقيق هذا التوازن بين متطلبات أسرته وبيته وبين عمله كداعية فربما تطغى بعض الأمور على بعض، يعني ربما البيت يشتكي من أنَّ الداعية مشغول أو ربما الداعية تطغى عليه مشاكل بيته فلا يُعطي لدعوته إلا فضل وقته؛ فكيف يحقق الداعية هذا التوازن؟
هذه المشكلة علاجها يسير إذا أحسن الداعية تنظيم وقته ولم يترك أوقات فراغ، فالعيب الذي يحدث من بعض الناس أنه توجد في حياتهم أوقات فراغ لا يعمل فيها شيئًا ثم يجد نفسه وقد ازدحمت الأعمال عنده فيضطر أن يقصر في بعضها على حساب البعض الآخر، ويكون السبب أنه ترك أوقاتًا فارغةً؛ لكن لو أحسن الاستفادة من الوقت وتنظيمه ولم يترك أوقات فراغ لاستطاع بحول الله أن يُحقِّق هذا التوازن بين جميع المطالب التي هو مُكَلَّفٌ بها.
  • نريد من فضيلتكم أن تختموا لنا هذا الحديث بكلمة توجهها للإخوان، فالبعض ربما يرى الصورة الآن قاتمة سوداء، فهل لنا بكلمة توجهها فضيلتكم للإخوان ؟
أقول لإخواني جميعًا أنَّ الصورةَ ليست قاتمة كما يظن البعض؛ ولكنَّ الصورة بحمد الله مُشرقة، والعمل الإسلامي ينتقل من نصر إلى نصر ومن حسن إلى الأحسن، والمبشرات بقرب ساعة النصر كثيرة ومؤكدة، وما دام الجميع على استعداد للتضحية لإعلاء كلمة الله فذلك يعني أنَّ موعود الله بالنصر آتٍ لا محالةَ، وعلى كل مسلم عرف طريق العمل لله أن يثق في موعود الله، وأن يتوكل على الله وأن يبذل أقصى طاقته لكي ينزل نصر الله على الفئة المؤمنة، وإذا تأخَّر هذا النصر فعلى كل منا أن يحاسب نفسه وأن يلومها وأن يسأل نفسه فيم قَصَّر وفيم أهمل؛ لأن ذلك قد يكون هو السبب في تأخر النصر، فلكي يُعَجِّل الله بالنصر علينا أن نَجِدَّ ونجتهد، وأن نبذل قصارى جهدنا، وأن نُعِدَّ أقصى ما نستطيع من قوة إيمان وقوة وحدة وترابط وإعداد لكل ما يطلبه الله منا لكي نستحق نصر الله وتأييده، وربنا يقول وهذا أمر مؤكد: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 55).

المصدر