من التعصب والانغلاق إلى التسامح والانطلاق
عرفت العرب في جاهليتها تعصب الرجل لقبيلته في الحق والباطل، والعدل والظلم، وقد قيل عن أحد زعمائهم: إنه إذا غضب غضب له عشرة آلاف سيف، لا يسألونه فيم غضب..!! وكان شعارهم "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" على ما يُفهم من ظاهره، قبل أن يعطي الرسول- صلى الله عليه وسلم- مفهومًا جديدًا لنصرة الأخ ظالمًا، وهو أن تأخذ على يديه فتمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره؛ أي نصرته على هواه، وعلى شيطانه، وعلى دوافع الشرِّ بين جنبَيه.
ومن هنا يكون معنى التعصب المذموم: أن تكون ذا عصبية عمياء لعقيدتك أو لمذهبك أو لفكرتك أو لرأيك، أو لقومك وطائفتك؛ بحيث لا تقبل أيَّ حوار مع مَن يخالفُك في الأصول أو الفروع، وأن تغلقَ الأبواب والنوافذ في وجهِ كلِّ من يقترب منك إلا أن تُحاورهم بالسيف.
ليس من التعصب
إن تحديد المفهوم بجلاء هنا أمرٌ جدُّ مهم، فإن من الناس مَن يَعتبر كل من يتمسك بدينه متعصِّبًا، وخصوصًا إذا كان يتمسك بالآداب التي يتركها الكثير من الناس، مثل إطلاق اللحية للرجال، والخمار أو النقاب للنساء، فليس من التعصب أن يثبُت المرء على دينه، وأن يعتصم بحبله المتين، وإلا كان كل متديِّن متعصبًا، وقد قال تعالى لرسوله: ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الزخرف: 43).
من دلائل التعصب المقيت
حكى لنا القرآن الكريم عن تعصب المشركين من قريش وغيرهم في وجه دعوة محمد- صلى الله عليه وسلم- فقال تعالى: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ (فصلت:5)، وبلغ من تعصبهم ما حكاه القرآن عنهم: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (الأنفال:32) وقال تعالى عن أهل الكتاب: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ﴾ (البقرة:109)، وهذه النظرات المتعصبة هي ينبوع الشر والفساد والحروب في العالم، نظرة رفض الآخر وإلغاؤه واستباحته، وخصوصًا إذا كان مخالفًا في الدين والعقيدة.. إننا في حاجة إلى موقف التسامح الذي يفتح النوافذ على الآخر، ولا يقف موقف المعاداة من كل المخالفين.. إنه التسامح الديني، والتسامح الفكري، والتسامح السياسي، الذي يسع الناس وإن اختلفوا بعضهم مع بعض.
ونصوص ديننا العظيم تشرع هذا التسامح ولا سيما التسامح الديني، بل تحث عليه وترغب فيه، وتاريخ المسلمين حافل بوقائع هذا التسامح، وقد كان شيخنا محمد الغزالي- رحمه الله- يقول: "إن التسامح في الدين اختراع إسلامي" أي: لم يعرفه الناس بهذه الصراحة وهذه القوة عند غير المسلمين، وقد اعترف مؤرِّخو الغرب أنفسهم بتسامح المسلمين الذي لم يكن له نظير، كما وجدنا ذلك عند "توماس أرنولد" في كتابه (الدعوة إلى الإسلام)، و"غوستاف لوبون" في كتابه (حضارة العرب).
ومن مجالات هذا التسامح الديني قبول دعوة الحوار الإسلامي المسيحي إذا اتضحت أهدافها، وتحدد مفهومها، وكان المحاورون المسلمون فيها من الراسخة أقدامُهم في الدين والعلم، وقد سئلت في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث عن التقريب بين الأديان ومشروعيته فكان جوابي: إن التقريب بين المذاهب منه ما هو مرفوض وما هو مقبول، فأما المرفوض فهو الذي يراد منه التذويب للفوارق الجوهرية بين الأديان، مثل التوحيد في الإسلام والتثليث في النصرانية، والتنزيه في الإسلام والتشبيه في اليهودية؛ فإن أي مؤمن بدين لا يمكنه أن يتنازل عن الأساسيات في دينه إلا من باب النفاق والتزييف، وهو ما لا يجوز في حوار جادٍّ بين الممثلين للأديان الكتابية الكبرى.
ولكن الحوار مسموح به، بل هو مطلوب في الدين عندنا نحن المسلمين، فنحن مأمورون بالحوار، وهو جزء من منهج الدعوة عندنا؛ إذ يقول القرآن:﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل:125)، ويحسن بي أن أنقل بعض الفقرات التي ذكرتُها في خطابي في (المؤتمر الإسلامي المسيحي) الذي عُقد في روما، واعتُبر بمثابة قمة إسلامية مسيحية، وكان مما قلت فيه:
MgLApc <a href="http://fjjwzkzgmzmj.com/">fjjwzkzgmzmj</a>, [url=http://mssoczqayndm.com/]mssoczqayndm[/url], [link=http://kumbeswgkmel.com/]kumbeswgkmel[/link], http://hgzaewobbzps.com/
http://www.buyxanaxdrug.net#59945 buy xanax no prescription 2mg - buy xanax with echeck
http://www.buyxanaxdrug.net#99213 buy cheap xanax online - buy xanax online fast
http://www.bestbuyxanax.net#19746 buy xanax - buy xanax no prescription from canada
http://www.bestbuyxanax.net#13397 buy xanax online prescription cheap - buy xanax prescription