الرد على بيان الحكومة
مقدمة
يأتي بيان الحكومة الثاني للفصل التشريعي التاسع مع بداية عام 2007 في ظروف وأجواء ومناخ اتسمت بالاضطراب والقلق والتوتر الذي يسود المنطقة بأسرها ومصر في القلب منها، حيث الأحداث الدامية في فلسطين والعراق وأبواق الفتنة التي يحملها دعاة مشروع الهيمنة الصهيوأمريكية والتي تحدث أمواجاً عاتية وتؤجج النيران في دول عديدة في منطقتنا العربية والإسلامية ويتزامن كل ذلك مع مشكلات داخلية عديدة ترتبط بما يجري في المنطقة وتتأثر به وتنسج أحياناً على ذات المنوال ، فما بين كوارث القطارات والأمراض الفتاكة والغلاء الذي يأكل الدخول المحدودة للغالبية العظمى من أبناء مصر الذي طال انتظارهم ونفذ صبرهم في ترقب وشوق إلى إصلاح حقيقي وتنمية جادة وإدارة رشيدة لموارد كثيرة مهدرة وبين إصرار غير مسبوق من الحكومة على تهميش دور الشعب في المشاركة السياسية الحقيقية وعلى تسطيح الأمور وتكرار الوعود البراقة التي لم يتحقق منها شئ يذكر والحرص دائماً على القفز على الحقائق وغض الطرف عن الفساد الذي استشرى وأوشك أن يأكل الأخضر واليابس لولا رحمة الله بشعب طيب يعاني ويصبر ولكن صبره كاد لأن ينفذ ....
يأتي هذا البيان في ظل كل هذا وغيره من المشكلات التي تعصف بأمن واستقرار الوطن والمواطنين وعلى الرغم من عظم التحدي الذي يواجه الأمة شعباً وحكومة ونظاماً ويتطلب تضافر الجهود والصدق والتعاون على البر والتقوى والإخلاص والجد والشفافية والحزم في الإدارة والموضوعية والواقعية في التناول.
يأتي بيان هذا العام أكثر عمومية من سابقه وأشد سطحية فلا يقدم تقييماً جاداً لم تم إنجازه من وعود في البيان السابق ولا يحدد خطة ولا حتى معالم وأطر عامة موضوعية لتلك الخطة التي يبحث عنها من يطالع البيان في كل محاوره وجوانبه فلا يجد شيئاً ولا يستطيع أن يستخلص برنامجاً يليق بشعب أوشك تعداد سكانه أن يصل إلى 75 مليوناً ويتمتع بمناخ معتدل وأرض خصبة ومياه نيل عذبة متدفقة وموارد جمة حباه الله بها فأهدرت وأسيئ إدارتها في سنوات متوالية لحكومات أفرزها النظام القائم منذ عشرات السنين فمتى نرى بياناً يعكس رؤية وسياسات جادة وموضوعية ويحدد أهدافاً واقعية ووسائل وآليات تتناسب والإمكانيات والواقع ويوجد ويحدد الموارد والميزانيات التي يمكن أن تحقق تلك الأهداف في منظومة تنموية تهتم بتنمية البشر وتعطيهم حرياتهم وتؤمنهم في يومهم وغدهم وتقودهم إلى مستقبل أفضل في منظومة قيمية على قمتها العدل والحق النابعين من الأمان والتقوى ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا ...) ، وكم ترددنا كثيراً في الرد على هذا البيان نظراً لما نراه فيه من سلبيات وما نلاحظه عليه من عدم موضوعية وجدية في رفع الواقع وتحديد المشكلات وتوصيفها وتحليلها واستخلاص الحلول وتشخيص العلاج لها .. ولكن الإحساس بالمسئولية واستشعار التبعة وما أولانا الناس من ثقة تدفعنا دائماً إلى الاستمرار بالتأكيد على ضرورة الإيجابية والتفاعل والمشاركة لا مع البيان ولا بالرد عليه بقدر ضرورة حصر مشكلاتنا والتعامل معها واقتراح الحلول العملية لها من منطلق المرجعية الإسلامية التي نؤمن بها جميعاًُ وينص عليها الدستور في مادته الثانية وفي إطار شعارنا الذي نؤمن به ونعرف قيمته ونعتقد بجدواه وفعاليته لو طبق وبحق فدائماً "الإسلام هو الحل" بمنظومة التشريع المتوازية التي بها يتكون الإنسان القوي المنتج المقتصد في إنفاقه الحريص على مصلحة الوطن والأمة قبل مصلحته الشخصية ، وبه يتكون المجتمع المتحضر بأفراده ومؤسساته وإدارته وحكومته وقوانينه ولوائحه وممارساته وعلاقته .. المجتمع المتوازن المستقر الذي يحب الناس فيه بعضهم بعضاً ويعطف فيه الكبير على الصغير ويحترم فيه الصغير الكبير ويرحم فيه القوي الضعيف وينفق الغني على الفقير ويعدل الحاكم فيه بين المحكومين ويحبهم ويحرص على مصالحهم فيحبونه ويستشعرون صدقه وإخلاصه ومن هذا المجتمع تأتي الحكومة والنظام باختيار حر وديمقراطية وعدل وتتكون الدولة العصرية المتوازنة المستقرة الآمنة وتنتظم علاقاتها مع غيرها على أساس من التعامل المتوازن وعلى قدم المساواة مع غيرها من باقي الأمم والدول فلا تعتدي على أحد ولا تنساق وراء أحد بغير حق فيكون ولاؤها لله وتحرص في ذلك على مصلحة جيرانها وبني جلدتها وتعدل مع غيرها كما تعدل مع أبنائها .
من أجل ذلك نقدم ردنا هذا العام شاملاً على الآتي:
أولاً: ما جاء في البيان عرضاً وتحليلاً ولن نمل من اقتراح الحلول حتى وإن لم نجد آذاناً تسمع أو حكومة تقدر هذه الاقتراحات فإن ذلك من واجبنا فضلاً عن أن يكون حقنا الدستوري المشروع.
ثانياً: ما أهمله البيان أو نسبه أو تناساه من محاور ومجالات نحددها ونبرز أهميتها ونقدم وجهة نظرنا في التعامل معها .
ثالثاً: نقدم خلاصة ببعض التفصيل والتعقيب ونرفض البيان راجين الله أن يكون ما نقدمه من جهد يكن فيه الخير والنفع محتسبين ذلك عند الله ورافعين أكف الضراعة لله سبحانه أن يؤلف بين القلوب وأن يفتح بيننا وبين الحكومة والنظام بالحق وهو سبحانه خير الفاتحين .
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل نظرة عامة على البيان
دأبت الحكومة في بداية كل عام على تقديم البيان الحكومي باعتباره التصور الخاص ببرنامج العمل الحكومي خلال عام مقبل. لكن كالعادة يأتي البيان الحكومي عاما مبهماً مليئا بالمغالطات البعيدة عن واقع العمل الحكومي الحقيقي. وهنا نورد مجموعة من الملاحظات العامة ننتقل بعدها إلى ملاحظات تفصيلية فيما ما ورد في البيان.
أولاً الملاحظات العامة
•يكاد البيان ينفصل كليا عن بيان العام السابق إذ شمل البيان الحكومي في العام الماضي مجموعة من البرامج والتي كان من المفترض على البيان الحالي أن يوضح ما تم تنفيذه خلال العام الحالي ومدى الإنجاز، لكن الحكومة ذاكرتها قصيرة تنسى وتتحفنا كل سنة ببيان حكومي جديد لا علاقة له ببرنامج العمل الحكومي واستراتيجيات الوزارات المختلفة.
•يستخدم البيان لغة العموميات دون تفصيل للقضايا المطروحة فهو يشير مثلا إلى قضية التعامل الحكومي مع مشكلة البطالة بالحديث عن المشتركين الجدد في التأمينات وبزيادة عدد العمالة المصرية في الدول العربية وتعيين عدد من العمالة خارج مصر...الخ. وهنا نطرح التساؤل: هل الحكومة المصرية هي المسئولة عن توفير العمالة في الخارج؟ وماذا فعلت من أجل ذلك؟ هل هناك إستراتيجية لذلك؟ نحم نريد توصيفا وتدقيقا لأرقام العمالة وعدد فرص العمل التى خلقها.أما الحديث عن أرقام عامة فإنها لاتسمن ولا تغني من جوع في ظل الحاجة إلى توليد ما يزيد عن 750 ألف فرصة عمل جديدة سنوية بالإضافة إلى الرصيد من البطالة المتراكم عبر الحكم الرشيد.
•غياب الربط بين البيان الحكومي واستراتيجيات الوزارات المختلفة، فإذا كانت الحكومة قد وضعت أهداف محددة فعليها أن توصف في البيان كيف تقوم الوزارات المختلفة بتحقيق تلك الأهداف وهل استطاعت الوزارات أن تحقق ما خطط لها سابقا، لكن هذه المنهجية تغيب عن الحكومة المصرية.
•غياب الربط بين الأهداف المطروحة في المجالات المختلفة والتكلفة المالية وتأثير ذلك على شكل الموازنة الجديدة ولو بشكل متوقع بما يحقق المصداقية ، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة حول مصداقية البيان الحكومي....
ثانياً:الملاحظات التفصيلية:
النمو الاقتصادي: يشير البيان الحكومي إلى وصول النمو الاقتصادي لمعدلات لم يصل إليها الاقتصاد المصري منذ 15 سنة، وهذا الحديث فيه مغالطة كبيرة لعدة أسباب: 1.لا يوجد ما يؤكد تلك الأرقام سوى ما تطرحه الحكومة من بيانات وهي عليها العديد من علامات الاستفهام..
2.ذكر البيان أن معدل النمو هو 7.1% وهو معدل ربع سنوي يعتبر مؤشراً مضللاً ، كما أنه لا يتناول القوى الدافعة للنمو وهل لها صفة الاستدامة أم لا؟ فالنمو المزعوم مصدره قطاع الغاز والبترول نتيجة ارتفاع أسعار الغاز والبترول وليس لها صفة الاستدامة. 3.في ظل التفاوت في توزيع الدخل في مصر فإن الحديث عن نمو اقتصادي يطرح تساؤلا حول من يستأثر بهذا النمو، فثمار النمو يأيها السادة لم تذهب إلى الفقراء من الشعب المصري وإنما في جيوب الأغنياء والمفسدين.
•الاستثمارات الأجنبية: الأرقام الواردة بها مغالطة كبيرة إذ لا يوضح البيان نصيب الاستثمارات البترولية وهي الجزء الأكبر، أما الاستثمارات في القطاعات التكنولوجية والاتصالات والقطاع الصناعي فهي نسبة لا يمكن الاعتداد بها وهنا لابد من إثارة قضية الاتفاقيات مع شركات التنقيب وشركات البترول وضرورة مناقشة تلك الاتفاقيات بشفافية لأننا نتحدث عن مورد ناضب لا يهم وزارة البترول فقط ولكن يهم مستقبل الأجيال القادمة
•العجز الكلي للموازنة: القول بتراجع العجز في الموازنة مؤشر مضلل في اعتبار الأساس النقدي في الموازنة والدليل القريب على ذلك العجز المذكور في بيانات وزارة المالية للعجز في العام المالي 2005 بعد تعديل أسس التسجيل تظهر العجز بأقل من قيمته بما يزيد عن 10 مليار جنيه كما ناقشنا ذلك في لجنة الخطة والموازنة.. كذلك فإن الحديث عن العجز دون الحديث عن الدين العام الذي يتزايد بمعدلات تزيد عن 20% سنوية ولا توجد سياسة واضحة في التعامل مع تلك القضية التي تؤرقنا وتثقل كاهل الموازنة.
•التشغيل والبطالة: لا يوضح البيان حجم فرص العمل الحقيقية التي نجحت الحكومة الحالية في توفيرها أما الحديث عن زيادة المشتركين في التأمينات فهي مغالطة كبيرة فليس كل من اشترك هو موظف جديد فهناك من يعمل ثم يتم التأمين عليه بعد فترة.
•رفع مستوى معيشة المواطن: في ظل استمرار معدلات التضخم الحالية بصورتها فإن الحديث عن رفع مستوى المعيشة للمواطن هو حديث مضلل خاصة أن أرقام التضخم المحسوبة هي من سلات سلعية غير معبرة عن التطورات في الأسعار وخاصة لأسعار السلع الأساسية، والحديث عن جهود الحكومة عن لمواجهة الاحتكارات في الأسعار فهو أمر غير ملموس فكثير من الأسعار زادت دون مبرر والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها الأسمنت والحديد، والحديث عن إنشاء جهاز حماية المستهلك فهي مغالطة كبيرة إذ لم يتم تفعيله مثل قانون المنافسة ومكافحة الاحتكار...
•فيما يتعلق بالحديث عن التعليم: لازالت قضية عدم الوفاء بالكادر الخاص بالمعلمين لم تدرج ولكن القضية الأخطر التي لم تناولها البيان هي غياب الأولاد وخاصة في المرحلة الثانوية عن المدارس والاكتفاء بمراكز الدروس كبديل عن المدرسة ولم تعاقب مدرسة أو حتى إدارة على هذه الفوضى..فإذ لم تستطع المدرسة الوفاء بدورها فأين لمن لا يملك ثمن الدروس مكان للعلم. هذه ظاهرة خطيرة تجتاح مدارسنا ولابد من وقفها ، وكنا نتمنى أن نسمع رؤية الحكومة لهذه الظاهرة.
•قضية البيئة والتلوث: الذي لم تطرح له حتى الان رؤية واضحة فإحجام شركات النظافة عن جمع القمامة وخاصة في محافظة الجيزة قد حول المحافظة إلى مقلب كبير للزبالة ولجأ الأهالي إلى عمليات الحرق مما زاد من درجة التلوث. فإذا كانت الحكومة لا تستطيع أن تحل مشكلة الزبالة فكيف العبور إلى المستقبل.
• باختصار فإن البيان جاء عاما مثل ما سبقه خالياً من التفاصيل. ونحن كنواب شعب نقبل إيجابياته ونرفضه شكلا لما فيه من مغالطات كثيرة لا تعبر عن الواقع الذي أظهرته حوادث الاعتداء على الفتيات في وسط البلد وظاهرة السفاحين والقتلة والهاربين للخارج وقتل أطفال الشوارع. نحن مع الأمل لكن الأهم أن نعمل لتحقيقه لا أن نكتفي بالحديث عنه.
المحور الاقتصادي
•تحديد جوهر المشكلة الاقتصادية لمصر يتمثل جوهر المشكلة الاقتصادية لمصر ،فى عجز القطاعات الانتاجية،السلعية والخدمية،عن انتاج السلع والخدمات، كما وكيفاً،بما يشبع احتياجات المواطنين.
ولهذا، فإن الحل الجذرى للمشكلة الاقتصادية لمصر ينبغى أن يتوجه للعمل على زيادة التدفقات من السلع والخدمات التى ينتجها بالفعل الاقتصاد المصرى،والعمل على استمرار تزايد هذه التدفقات من الناتج،بمعدلات مرتفعة ومتواصلة لفترة زمنية طويلة الآجل،بما ينعكس فى رفع مستوى المعيشة الحقيقى للمواطنين فى مصر.
•رفع معدلات الاستثمار ( الصافى ) هو وسيلة رفع مستوى الناتج والتشغيل:
ولكى يتم تحقيق الهدف السابق،فإنه ينبغى رفع مستوى الاستثمار،الصافى،وليس الاجمالى فقط،ونعنى بالاستثمار الصافى،هو ذلك القدر من الاستثمار الذى يفوق،ويزيد،عن القدر اللازم لتعويض تجديد ما يهلك ويبلى من الأصول الرأسمالية،إن الاستثمار الصافى يعنى بتلك الزيادة الصافية فى الأصول الرأسمالية الجديدة. والذى نلاحظه،وبشكل سريع،أن معدلات الاستثمار فى الاقتصاد المصرى منخفضة بشكل ملحوظ،وهى استثمارات اجمالية وليست استثمارات صافية،فوفقاً لآخر نشرة احصائية صادرة عن البنك المركزى المصرى،العدد رقم 117،ديسمبر 2006 ،بلغت الاستثمارات المنفذة فى عام 2005/2006 فى الاقتصاد المصرى نحو 115.8 مليار جنيه،أى تمثل نسبة 19.9 % من الناتج المحلى الاجمالى ( ويبلغ وفقاً بأرقام النشرة 581.1 مليار جنيه )،وهو معدل منخفض،إذ أن المطلوب أن يرتفع هذا المعدل عن ذلك وبما لا يقل عن 25 % لكى يتحقق معدل نمو 5 %،وينبغى أن تتزايد الاستثمارات أكثر من ذلك.
ولكن المهم،والذى نؤكد عليه مرة أخرى ،ليس الاستثمار الاجمالى،كأرقام اجمالية مطلقة،ولكن الاستثمار الصافى،الذى يعنى المزيد من الأصول الاستثمارية المضافة للاقتصاد القومى،وبالتالى تزايد مطرد فى ثروة المجتمع من رأس مال،وبالتالى فى الطاقة الانتاجية للمجتمع.
•تخصيص المزيد من الموارد للاستثمار
ولذلك، ووفقاً للتوصيف السابق، فإن تحقيق معدلات عالية من النمو، يتطلب تخصيص المزيد من الموارد للاستثمار ( الصافى ) فى الاقتصاد المصرى.بما يحقق تراكم فى رأس المال وزيادة قدرات المجتمع على الانتاج فى الفترات الزمنية المقبلة.
وتخصيص المزيد من أموال الاستثمار،أى المشروعات الانتاجية فى المجتمع،يعنى نشاط أكبر لهذه المشروعات، يضمن تشغيل قدر أكبر من عناصر الانتاج، ومن ثم زيادة مجموع الدخول المولدة فى العمليات الانتاجية،وزيادة الدخول حتماً سيؤدى إلى زيادة الانفاق الاستهلاكى وبالتالى رفع مستوى معيشة المواطنين، بجانب أن التوسع فى التشغيل سيوفر المزيد من فرص العمل الجديدة والمنتجة،اسهاماً فى حل مشكلة البطالة،وهى أحد أهم مشكلات الاقتصاد المصرى حالياً،وهى نتيجة لضعف أداء الهياكل الانتاجية السلعية والخدمية،وانخفاض الحقن من التدفقات الاستثمارية الصافية فى شرايين الاقتصاد المصرى.
•مشكلة سوء تخصيص الموارد فى الاقتصاد المصرى
تعاق التنمية الاقتصادية للأسباب التالية:
1.عدم الاستغلال الكامل للموارد الانتاجية
2.سوء استعمال أو تخصيص هذه الموارد،وبخاصة تدنى المخصص للاستثمار الانتاجى.. بجانب عوامل أخرى.
ويلاحظ أن الاقتصاد المصرى يعانى من المشكلتين معاً ،وهما،أولاً: عدم الاستغلال الكامل لموارده المتاحة،وثانياً: التخصيص غير الكفء أو سوء التخصيص،وبخاصة فى انخفاض المخصص للاستثمار،مما جعل معدلات الاستثمارات إلى الناتج،تسجل معدلات منخفضة،باتفاق الجميع،فضلاً عن انخفاض القدر المخصص للاستثمار الصافى وانخفاض كفاءته.
ولهذا نحتاج إلى تخصيص قدر أكبر من الموارد المالية للمشروعات الانتاجية فهى التى تقوم بالانفاق الاستثمارى،ومصدر تمويل هذه المشروعات من الادخارات بطريق مباشر ( من خلال مؤسسات الوساطة المالية،البنوك وغيرها)،وقدر كبير من المدخرات فى الاقتصاد المصرى يتجه إلى الودائع بأنواعها لدى هذه البنوك.ولهذا ينبغى أن يخصص القدر الأكبر من موارد البنوك فى مصر نحو الاستثمارات فى المشروعات الانتاجية،لكن الواقع غير ذلك،حيث نجد أن الحكومة تستحوذ على قدر كبير من مدخرات الأفراد لدى البنوك،وطريقها فى هذ الاستحواذ اساساً عبر ديون أذونات الخزانة والسندات،التى بلغ رصيدها فى نهاية عام 2005/2006 نحو 349957 مليون جنيه ( وفقاً لبيانات نشرة البنك المركزى،رقم 117 ديسمبر 2006 ،ص 113 ).
وفى هذا الخصوص نلاحظ الأتى:
أولاً: معدلات التزايد المرتفعة فى أرصدة السندات وأذون الخزانة من مبلغ 208592 مليون جنيه فى عام 2002/2003 إلى مبلغ 272074 مليون جنيه فى عام 2003/2004،ثم إلى مبلغ 340898 مليون جنيه فى عام 2004/2005،بزيادة قدرها 132306 مليون جنيه فى عامين فقط،بمعدل 63.4 % زيادة فى سنتين فقط،وهو رقم كبير بلاشك او جدال.
ثانياً: أن الحائز الرئيسى،أو الدائن أو المكتتب الرئيسى فى هذه الأوراق من السندات وأذون الخزانة هى البنوك ( قطاع عام وخاص وفروع أجنبية)،حيث يبلغ رصيدها نحو 83000 مليون جنيه فى الربع الرابع من عام 2005/2006 ،بنسبة 80.5 % من أرصدة السندات وأذون الخزانة،أى أن المدخرات لدى البنوك قد توجهت لتغطية القدر الأساسى من أرصدة السندات وأذون الخزانة وليس للمشروعات الانتاجية. بالإضافة إلى ذلك ما تقوم به الحكومة من البيع للمشروعات العامة، وكل هذه الأموال تخصص للحكومة،وكان من المفروض أن توجه اساساً للاستثمار (الصافى) الانتاجى.
ثالثاً: إذا اضفنا إلى ذلك أرصدة الاقراض والخصم من البنوك للحكومة (ملحق رقم 2 ) ترتفع جملة المطلوبات من الحكومة للبنوك ( وذلك قبل خصم ودائع البنوك) لتصل إلى نحو 324 مليار جنيه فى يونيو 2006،ونحو 324.3 مليار جنيه فى نهاية أكتوبر 2006 .
رابعاً: مع استحواذ الحكومة على هذا المقدار الكبير من مدخرات الأفراد فى مصر( على نحو ما قد أوضحنا سابقاً: من أذون الخزانة وأرصدة الإقراض والخصم) ولأن الحكومة،كما تعلن،لا تقوم بالدور الأساسى فى الاستثمار،وتترك ذلك ،كما تقول،للقطاع الخاص،فإن قدراً كبيراً من هذه المدخرات يتجه إلى أغراض استهلاكية،أو انفاقات مالية،وهى انفاقات غير انتاجية حقيقية،ولا تسهم فى زيادة الاستثمار الصافى. (ففى الملحق (3 ) ،ووفقاً لبيانات البنك المركزى الأخيرة،فإن القطاع الحكومى لا يقوم إلا بنسبة 19.5 % من الاستثمارات المنفذة فى عام 2005/2006.(وهذا القدر ايضاً لانعتبره من قبيل الاستثمار الانتاجى الاضافى،بل هو فى غالب الأحوال إحلالى لمقابلة الاستهلاكات فى المعدات والآلات).
والخلاصة هى:
1.مشكلة الاقتصاد المصرى هى عجز القطاعات الانتاجية عن توفير السلع والخدمات المطلوبة بالكم وبالكيف لإشباع رغبات المواطنين أساساً،وتوفير فائض للتصدير.
2.الطريق الصحيح للمساهمة فى حل المشكلة الاقتصادية،هى رفع متتالى ومستمر لفترة زمنية ممتدة للاستثمار الصافى وليس فقط الاستثمار الاجمالى،مع العمل بجانب ذلك على رفع الكفاءة الانتاجية لهذا الاستثمار،بالاستفادة ما أمكن بالفن التكنولوجى الحديث فى هذا الاستثمار.
3.رغم أن ذلك يتطلب المزيد من الأموال للاستثمار الانتاجى الصافى،إلا أن الواقع أن هناك سوء تخصيص للموارد فى الاقتصاد المصرى فى نواحى عديدة،وما يخصنا فى هذا المجال،سوء تخصيص للمدخرات ،على نحو واضح تماماً.
فالحكومة تستحوذ على أكبر قدر من مدخرات المواطنين لدى البنوك فى شكل قيام هذه البنوك بالاكتتاب فى الأرصدة القائمة من أذون الخزانة ( 830 مليار جنيه فى عام 2005/2006 )أو فى محفظة الأوراق لدى البنوك (بخلاف البنك المركزى) والتى بلغت نحو 127.9 مليار جنيه فى أكتوبر 2006 ، " ص 39 من نشرة البنك المركز").فضلاً عن أرصدة الاقراض والخصم للحكومة من الجهاز المصرفى ( بخلاف البنك المركزى) وصل رصيده إلى 31.7 مليار جنيه فى أكتوبر 2006 .
مقابل ذلك ،فالحكومة مساهمتها ضعيفة جداً من النشاط الاستثمارى ( وهذا ليس دورها ) تبلغ نسبته نحو 20 % من جملة الاستثمارات المنفذة غى عام 2005/2006،بمبلغ قدره نحو 22.5 مليار جنيه ( قارن هذا برصيد أذون الخزانة والسندات لدى البنوك 83 مليار،أو اجمالى أرصدة السندات والأذون نحو 350 مليار جنيه،وهى تشمل أرصدة أذون الخزانة والسندات لدى البنوك وغيرها محلياً وخارجياً)
الاستثمارات الأجنبية
ركز البيان على أن جذب الاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر.. أو زيادة نسبة الاستثمار المحلى ليس هدفاً فى حد ذاته..ولكنه وسيلة لغاية أهم..وهى خلق فرص العمل والعيش الكريم لألاف الشباب من أبناء هذا الوطن ، وفى هذا الاطار فإن رئيس الحكومة يحرص على التأكيد على أن التحدى الأكبر الذى يواجه الاقتصاد المصرى حالياً هو مدى قدرته على جذب الاستثمارات الأجنبية للسوق المحلى.
وقد أوضح البيان أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة زادت من 2.1 مليار دولار فى عام 2003/2004 إلى 6.1 مليار دولار فى عام 2005/2006.وفى الربع الأول من عام 2006/2007 بلغت هذه الاستثمارات 3237 مليون دولار.
ومن الملاحظ أن الحكومة أرادت تضخيم حجم الاستثمارات الأجنبية لترويج صورة غير واقعية عن كفاءتها،وذلك عن طريق دمج الاستثمارات الأجنبية فى قطاع البترول فى بيانات الاستثمارات الأجنبية المباشرة على غير المعمول به فى باقية دول العالم،ومن المعلوم أن الاستثمارات البترولية لها طبيعة خاصة تماماً،حيث تقوم شركات البترول باستيراد ما يقابل هذه الاستثمارات من آلات وتجهيزات من الخارج ثم تعوضها الحكومة من ناتج البترول المكتشف والمستخرج،ولا يوجد لها دور حقيقى فى إتاحة فرص عمالة أمام المصريين،ولا يوجد لها تنشيط ملحوظ لمجال الاستثمار،بالإضافة إلى أن هذه الاستثمارات تنفق على عدة سنوات وليس فى العام الذى تم الاتفاق فيه عليها.
ومن ناحية أخرى فإن الافراط فى بيع الأصول العامة للأجانب يتم تسجيل متحصلاته على أنها استثمارات أجنبية مباشرة،وهذا غير صحيح لأن الاستثمارات الأجنبية المباشرة هى التى توجه لإقامة أصول انتاجية،وليس شراء اصول قائمة فعلاً.وبالتالى لا يترتب عليها توفير طاقات انتاجية جديدة أو ايجاد فرص عمل جديدة..كما يدعى البيان،بل ربما فى بعض الحالات يتم التخلص من جزء من العمالة القائمة بالفعل.
وثالثاً، فإن تطلع رئيس الحكومة لوصول الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 8 مليار دولار فى عام 2006/2007 لا يتفق على الاطلاق مع الواقع الذى يثبت أن حجم الاستثمارات منذ نهاية السبعينات وحتى 2003/2004 قد بلغ 21 مليار دولار فقط.ويضاف إلى ذلك أن أحدث تقرير صادر عن البنك الدولى حول ظروف الاستثمارات فى دول العالم يكشف أن مصر تحتل المرتبة 141 من بين 155 دولة شملها التقرير .
وأوضح التقرير أن العراق رغم وقوعه تحت وطأة الاحتلال سبق مصر بنحو 27 درجة حيث جاء فى الترتيب 114 ،بينما جاءت إيران وسورية فى المركزين 107 و 121 فى الترتيب الدولى للدول الجاذبة للاستثمار رغم ما يمر به البلدان من ظروف دولية فى غاية الصعوبة،واحتلت دولة الكيان الصهيونى المركز 29 .
ولقد علق الخبراء على هذا التقرير بأن هذه النتائج تعكس بشكل كبير حالة الفساد المستشرى فى القطاعات الاقتصادية المختلفة فى البلد،فالمناخ الاستثمارى فى مصر يعانى صعوبات متعددة.مما يعطى صورة سيئة للمستثمر الأجنبى،فضلاً عن الاستبداد السياسى والبيروقراطية.
الاستثمارات المحلية
بالرغم من حرص البيان على التأكيد على حالة الانتعاش والانجازات فى مجال تنفيذ البرنامج الانتخابى للرئيس مبارك... إلا أن البيان لم يتضمن مؤشرات رقمية محددة عن الاستثمارات المحلية للقطاع الخاص،عدا ما ذكره البيان من أن عدد الشركات الجديدة 3825 شركة برؤوس أموال مصدرة 12.4 مليار جنيه..., تم إجراء توسعات فى عدد 1002 شركة برأس مال 33.9 مليار جنيه..وهذا بخلاف تأسيس 138 شركة جديدة فى المناطق الحرة برأسمال 560 مليون دولار.
إلا أننا لا نستطيع أن نخرج من هذه الأرقام بدلالات محددة،فالمعلوم أن رؤوس الأموال المصدرة لا تمثل بالضرورة الاستثمارات المنفذة لهذه الشركات،وانما تمثل ما اكتتب فيه مساهمو هذه الشركات من رؤوس أموال ،وغالباً مالا تكون مدفوعة بالكامل عند بداية إنشاء الشركات. بالإضافة إلى ذلك فإن بيان الحكومة لم يشر إلى أوضاع البورصة من قريب أو بعيد على الرغم من الأزمات الكثيرة التى تعرضت لها البورصة خلال العام الماضى.
المناطق الصناعية الجديدة
يبلغ عدد المناطق الصناعية الجديدة حوالى 40 منطقة موزعة على 19 محافظة، وذلك بمساحة اجمالية قدرها 162.8 مليون متر مربع،وحسب الاقاليم يوجد فى الصعيد 22 منطقة صناعية، وفى الدلتا يوجد11 منطقة،وفى القناة 4 مناطق، وفى محافظتى مطروح والوادى الجديد يوجد منطقتين. ويلاحظ أن عدم توافر الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه،وارتفاع ملوحة مياه الأبار الجوفية،وعدم توفير التمويل اللازم لاستكمال المرافق أدى إلى عدم تحقيق تنمية صناعية وعدم توفير فرص عمل كافية لهذه المحافظات،حيث بلغ عدد المشروعات الصناعية فى هذه المناطق حوالى 688 مشروعاً استثمارياً لم توفر سوى 33588 فرصة عمل. ويمكن عرض بعض المؤشرات التى تعكس الوضع السيئ الذى تعيشه المناطق الصناعية الجديدة،وتتمثل فيما يلى:
•انخفاض نسبة المساحة المجهزة لبدء الاستثمار حيث لم تتعدى 15.3 % من اجمالى المساحة الكلية للمناطق.
•عدم البدء فى تجهيز المساحات اللازمة للاستثمار الصناعى فى نطاق 13 منطقة موزعة على 10 محافظات وتبلغ مساحتها نحو 96.3 مليون متر مربع،تمثل نحو 59.2 % من المساحة الاجمالية للمناطق الصناعية الجديدة.
•توقف 28 مصنعاً بعد بدء الانتاج وذلك بسبب عدم قدرتها على التسويق وارتفاع اسعار المواد الخام وعدم تحقيق الاستفادة المثلى من الاستثمارات التى أنفقت على تجهيز المساحة المخصصة.
التصدير
لم يتضمن البيان برنامجاً لزيادة الصادرات وتقليص الواردات ولكنه ذكر بكل فخر،أن عجز الميزان التجارى انخفض بمقدار 300 مليون دولار،دون أن يذكر قيمة العجز فى الميزان التجارى التى بلغت 12 مليار دولار.
ولابد من توضيح أن مصر لم تستفيد كثيرا من الاتفاقيات التجارية التى وقعتها مع الدول الأخرى،خاصة اتفاقتى منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والكوميسا،كما نتج عن بعض الاتفاقيات مشكلات لقطاعى الصناعة والتجارة، ولم يرد بالبيان ما أعدته الحكومة لمعالجة مثل هذه المشكلات.
أن الاقتصاد المصري لم يصل إلي مرحلة الدول المصدرة مثل ماليزيا حتي لو أرتفعت صادراتنا من4 إلي8 مليار دولار فدولة مثل سنغافورة عدد سكانها4.5 مليون نسمة تصدر بما يزيد علي145 مليار دولار سنويا فأين نحن من هذا ؟ بالإضافة إلي أننا نصدر بعض المواد خام وعلي وجه الخصوص الثروات الطبيعية الناضبة وهذا استنزاف لثروة البلاد
السياحة
يوضح البيان أن عدد السياح زاد من 8.1 مليون سائح فى 2004/2005 إلى 8.69 مليون سائح فى 2005/2006 والمتوقع أن يصل العدد إلى 9 ملايين سائح يقضون 90 مليون ليلة سياحية ويحققون دخلاً سياحياً مقداره نحو 7.75 مليار دولار فى 2006/2007. ولم يوضح البيان سياسة الحكومة لتنشيط السياحة ولم يوضح البيان كم حققت السياحة عام 2006 قياساً على العام السابق،وتوقعت الحكومة لعام 2007 يزهو البيان بأنه سوف يتحقق 7.7 مليار دولار فى عام 2006/2007 ،ولكى نعرف أن هذا الرقم بمعايير التقييم ،هل هو انجاز أم لا فإن الواجب مقارنته بما تحققه دول أخرى مجاورة ولا تملك ما لدينا من مقومات سياحية كبيرة،فقد حققت دولة الإمارات فى عام 2006 نحو 15 مليار دولار بزيادة قدرها 20 % عما كانت حقتته فى عام 2005،أى بمعدل يصل لضعف ما حققته السياحة المصرية.
معدلات النمو وأثرها على التنمية
البيان يشير إلي أنه بالرغم من أن معدل النمو وصل إلي6.9% إلا أنه لم يوزع بصورة عادلة علي السكان حتي يشعروا بزيادة معدل النمو. ولم يتطرق البيان إلي عدالة التوزيع. وأن التقارير الحديثة للبنك الدولي تشير إلي زيادة نسبة الفقر في مصر من16% عام1999/2000 إلي19%2004/.2005 ومن ثم فأين هي حقيقة معدل النمو وكيف توزع ثماره ؟ وأن ما يذكر حول فرص العمل قد لا يشير إلي فرص عمل جديدة بل هم من الذين يعملون ولم يسجلوا في التأمينات إلا حديثا. وهناك مبالغة في فرص العمل التي يخلقها الصندوق الاجتماعي.
إن النمو الحادث اليوم يؤدي إلي زيادة غني الأغنياء وزيادة فقر الفقراء ويستنزف الثروات الطبيعية ويحرم الأجيال القادمة دون وجه حق من نصيبها من ثروات البلاد كما أن النمو الحادث بلا فرص عمل والبطالة في طريقها للاتساع عاما بعد عام. لقد اصبحت كلمة التنمية لدي رجل الشارع سيئة السمعة إلي حد كبير ويدرك الغالبية أنه كلما زاد معدل النمو طبقا للبيانات الرسمية كلما زاد معدل الفقر والجباية. وتثور مخاوف حقيقية اليوم من أن السياسة الاقتصادية، ستسير بوتيرة سريعة في طريق سلكته من قبل دول عدة،لم تحقق طموحاتها التنموية، بل ازدادت فقراً، أليس من الأفضل بقاء ملكية المفاصل الحيوية في البلد بيد الدولة بدلا، من رمي المشروعات الاستراتيجية والخدمات الضرورية للمواطن العادي في أيدي قلة- من الأثرياء، قد لا يهمهم إلا جني الأرباح،بالإضافة إلأى ذلك فإن جزء كبير من الأرباح الذي تجنيه الدولة يعود علي الشعب بشكل أو بآخر عبر النفقات العامة،أما عائد الاستثمارات الأجنبية فيتم نزوحه إلي الخارج.
ولم نرى في بيان الحكومة ولا افتراضات الخطة توقعات محددة أو رؤية محددة حول كيف ينمو الاقتصاد وأن ندخل إلي مرحلة النمو المعزز ذاتيا والنمو المتواصل ؟ ويقال هنا هو تحسين الاستثمار، وحيث أن معدل الاستثمار ضئيل للغاية، ولا يتجاوز في العادة 17 % ومعدل الأدخار أقل من ذلك بكثير ومن ثم فإمكانية القبول بأننا سوف ننمو من خلال هذا المعدل المنخفض للاستثمار حتي ولو تحسن قليلا ليصل إلي19% فيكون معدل النمو 6.9% يعتبر كبيراً جدا بالمقارنة بمعدل الاستثمار الفعلي، ولم يتناول البيان مستويات إنتاجية العمل ولا إنتاجية رأس المال ومن ثم نتعرف بالضبط ما يمكن أن نرده إلي تحسن في نوعية الأداء الاجتماعي في مجال الاقتصاد بالمقارنة بعوامل عشوائية كان لها دور تاريخي للنمو في فترات معينة.
وسيظل العامل الخارجي يلعب دورا أساسيا في الاقتصاد طالما أن رؤية الحكومة ستظل علي ما هي عليه. فنحن لسنا من الذين يعتقدون بأننا سننمو علي أساس الاستثمارات الأجنبية وما نعتقده هو العكس تماما أن آثار الاستثمارات الأجنبية لا تؤثر علي النمو إلا عندما ينمو الاقتصاد الوطني. وأن معدل النمو أعتمد علي تدفق الاستثمارات الأجنبية في مشروعات بعينها وفي قطاعات محددة( الاسمنت،النفط، الغاز، الاستثمار العقاري.. ألخ).
فالاعتماد علي الاستثمار الأجنبي يكشف تماما الافتقاد إلي الرؤية وعدم المعرفة الدقيقة بخريطة توجهات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم. فتنامي الاستثمارات الأجنبية ليس طريق للنمو المتواصل. ولم يحدث نمو يذكر في إنتاجية العمل ولا في إنتاجية رأس المال. لا تحسن في الاقتصاد دون تحسن جوهري في المناخ السياسي، وهناك دراسات عدة تثبت بأن هناك علاقة قوية بين التحرر السياسي والتحرر الاقتصادي.
المحور السياسي
أهمل البيان ذلك إهمالا متعمدا وكالعادة في بيانات كثيرة سابقة لهذه الحكومة ولحكومات كثيرة سبقتها لا تتحدث البيانات عن النظام السياسي القائم في البلاد وكيفية تطويره وإصلاحه .
وفي هذا المجال المهم فإننا نري أنه لابد من تحقيق ما يلي :
1 ــ ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص والتساوب في الحقوق والواجبات وتحقيق الحريات لجميع المصريين ، سواء من يعيش في الوطن أو خارجه ، طبقا للدستور ، وضمان ألا يتم الجور علي الحقوق الأساسية لأي فئة من فئات الشعب لأي سبب .
2 ــ إجراء التعديلات الدستورية اللازمة لتحقيق استقرار الحكم والدولة وضمان أن تمارس الأمة حقها في اختيار رئيس الدولة بحرية تامة دون مصادرة علي إرادتها وأن تكون كل الانتخابات في مجال الحكم المحلي والتمثيل البرلماني بمجلسيه التشريعي (مجلسي الشعب والشورى) واختيار رئيس الجمهورية، معبرة عن إرادة الشعب الحقيقية وبإشراف كامل من السلطة القضائية المستقلة استقلالا كاملا ودون تدخل من الجهات التنفيذية وخاصة الجهات الأمنية ، ومن المؤسف أن تأتي التعديلات الدستورية المقترحة لهدم هذه المباديء لا لإرسائها.
3 ــ إعادة النظر في مفهوم الأمن والأجهزة الأمنية وتحديد مهامها لتصبح بحق الحارس الأمين علي أمن الشعب ومؤسسة الدولة ، وألا تستخدم هذه الأجهزة في إهدار حقوق المواطنين ،الضرب بأحكام القضاء عرض الحائط
4 ــ إلغاء حالة الطواريء وكل القوانين الاستثنائية وسيئة السمعة وإلغاء المحاكم الاستثنائية كالعسكرية وأمن الدولة العليا طوارئ .
5 ــ تحرير الأعلام وإلغاء حبس الصحفيين وتحرير إرادة الفكر وأصحاب الرؤى وعدم مصادرة الأقلام المعبرة عن ضمير الأمة وإطلاق بحق حرية الرأي والفكر وتحقيق حرية إصدار الصحف والمجلات في ظل احترام مواد الدستور وأحكام القوانين ذات الصلة .
6 ــ إطلاق حرية تكوين الأحزاب تحقيقا لصريح الدستور نظرا لما لذلك من أهمية في إثراء الحياة السياسية وتقويتها وتنوعها .
7 ــ إصدار قانون السلطة القضائية بحيث يعبر بحق عن جموع القضاة الأحرار الشرفاء .
8 ــ استكمال إصدار بطاقة الرقم القومي لكل المصريين طبقا للقانون وأن تجري الانتخابات ببطاقة الرقم القومي مع إلغاء الجداول الانتخابية القديمة وإتاحة الفرصة كاملة لكل المقيدين بالجداول الانتخابية وتصحيح الأسماء والبيانات الخاصة بتلك الجداول وتحديثها وعلي أن يكون ذلك خلال عامين من الآن علي الأكثر ( 2007 ـ 2008 ) مع ترسيخ مبدأ الإشراف القضائي الكامل علي العملية الانتخابية بكافة مراحلها ، بدءا من إعداد الكشوف الانتخابية وحتى إعلان النتائج .
9 ــ سرعة إصدار لائحة العمل الطلابي الجامعي المعدلة والسماح لهم بممارسة العمل السياسي داخل الجامعة وإلغاء سلطات الحرس الجامعي ومنع تدخلات أجهزة الأمن في شئون الجامعة والحرص علي مبدأ استقلال الجامعات المكفولة دستوريا .
10 ــ ترسيخ دور مجلس الشورى كمجلس قومي لصياغة الرؤى المستقبلية للتنمية المتكاملة للمجتمع المصري بما في ذلك إعداد التشريعات واقتراح السياسات .
العلاقات الخارجية والشئون الدولية
جاء بيان الحكومة فيما يتعلق بسياستنا الخارجية، فى صورة نقاط تعكس ثوابت هذه السياسة، دون التطرق لتفاصيل تلك النقاط، أو ما تم بذله من مساع وجهود، لوضع تلك النقاط موضع التنفيذ، وذلك علي العكس من بقية القضايا التي وردت في البيان، وكأن الأمر بعيدا عن اختصاص الحكومة وتناولها، وأياً كان التناول فإن هناك بعض الملاحظات علي البيان :
الشئون العربية
أ) دور مصر الإقليمي :
خلا بيان الحكومة من أى إشارة لتحرك السياسة الخارجية المصرية من أجل تقوية دور مصر الإقليمى، ذلك الدورالذى شهد تراجعاً ملحوظاً فى الآونة الأخيرة، لصالح دولاً أقل وزناً، الأمر الذى من شأنه أن يضر بمكانة مصر الإقليمية فى المنطقة، وبالتالي يضر بمصالحها فيها.
كما خلا أيضا من أي إشارة لوجود تهديدات تهدد الأمن القومي المصري، بالرغم من أن ما يحدث في السودان وفي الصومال وفي العراق ولبنان دون تأثير قوى على الأمن القومى المصرى، مما يستدعى تواجداً قوياً في تلك المناطق وبصورة أكثر جدية وفاعلية مما هو موجود الأن.
ب) فلسطين:
وعلى الصعيد الفسلطينى، وإن كان البيان قد أكد على مساندة الشعب الفلسطينى، وحقه فى قيام دولته المستقلة، إلا أن الجهود المصرية على الصعيد الفلسطينى ما زالت محصورة فى تقديم النصح والإرشاد، دون إتخاذ إجراءات فعالة من أجل إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وإتسع لدفع حكم محكمة العدل الدولية الخاص ببناء الجدار العازل، بالإضافة إلى سكوتها عن نقد السياستين؛ الأمريكية، والإسرائيلية، الخاصة بقطع المعونات والإتصالات مع الحكومة الفلسطينية المنتخبة بقيادة "حماس"، والأمر نفسه بالنسبة للإتحاد الأوربى واليابان، وغيرهما من الدول ذات التأثير فى الملف الفلسطينى.
ومن ثم نطالب مصر بفتح حدودها مع غزة، وتشجيع التجارة البينية والإستثمار بين الشعبين الشقيقين، وتوحيد العملة ، إلى غير ذلك من الأمور التى تقوى من أواصر التعاون ما بين مصر وفلسطين، وتحد من تأثير الحصار الخارجى على الشعب الفلسطينى الأعزل.
جـ) العراق :
أما فيما يتعلق بالعراق الذى يوشك أن يدخل فى حرب أهلية قد تؤدى إلى تقسيم العراق وتفتيته إلى دويلات صغيرة متناحرة، فقد إكتفى البيان بالتأكيد على وحدة العراق، دون أن يقدم شيئاً يذكر عن جهود مصرية فى هذا الصدد، بل على العكس تؤكد المواقف المصرية تراجع الدور المصرى فى العراق بصورة ملحوظة، ولا يصلنا من مواقف مصرية تجاه الشأن العراقى سوى تصريحات الرئيس "مبارك"، الخاصة برفض خروج القوات الأمريكية من العراق فى الوقت الحالى، بإعتبار أن من شأن ذلك أن يؤدى إلى فتنة طائفية، بالرغم من أن ذلك سوف يحدث فى ظل التواجد الأمريكى فى العراق، ولذلك فإن الأوقع أن يتم تغيير تلك الرؤية واستبدالها بعدة أمور ، أهمها؛
-المطالبة بضرورة إنسحاب القوات الأمريكية من العراق فى أسرع وقت ممكن.
-عقد مؤتمر للأطراف العراقية المختلفة دون نبذ أو إقصاء لجهة على حساب الأخرى، من أجل التوصل إلى صيغة التعايش السلمى، والقضاء على العنف والإرهاب، وبناء الدولة.
-تقوم مصر بدعوة الشركاء الإقليميين والدوليين للبدء الفورى فى إعادة إعمار العراق، بإعتبار أن ذلك هو السبيل الأمثل لإنهاء العنف الدائر هناك، ، والإتفاق على ميثاق شرف بعدم تدخل دول الجوار فى شئون العراق الداخلية.
-دعوة الدول العربية للمشاركة فى بناء جيش عراقى قادر على حفظ الأمن، والإستقرار فى الأراضى العراقية بعد خروج القوات الأمريكية.
د) لبنان:
وتعد إشارة البيان إلى ضرورة وحدة الأطراف اللبنانية غير كافية للتعامل مع هذه الأزمة،وهو ما يكشف عن تراجع الدور المصرى فى الأزمة اللبنانية ، وهو ما يستدعى إعادة النظر مرة أخرى فى هذه السياسة، خاصة وأن إشتعال الأزمة فى لبنان قد يؤدى إلى جر المنطقة كلها إلى عنف غير مسبوق.
بالإضافة إلى مطالبة الدول الإقليمية والدولية التى تدعم الأطراف اللبنانية، بعدم التدخل فى لبنان، بإعتبار أن ذلك يضر بأمن وإستقرار المنطقة، مع العمل على الدعوة لعقد مؤتمر دولى تحضره أطراف الأزمة اللبنانية، من أجل التوصل إلى نقاط إتفاق مشتركة لحل الأزمة الحالية، على غرار إتفاق مكة ما بين الحكومة الفلسطينية، والرئيس الفلسطينى "أبو مازن".
هـ) سورية :
أما على الصعيد السورى، فلم يتطرق البيان إلى سورية بأى صورة من الصور، ولا إلى التهديدات الأمريكية المستمرة للنظام السورى، بزعم تهديده للمصالح الأمريكية والصهيونية للمنطقة، وكما هو معروف فإن أى تهديد لسورية هو تهديد لمصر، ومن ثم يتعين الإعلان صراحة – ومهما كانت الخلافات مع النظام السورى – عن رفض أى محاولة أمريكية أو إسرائيلية لتهديد إستقرار سورية.
و) إيران :
ولم يتطرق البيان للوضع السياسى لإيران، ولا للموقف من برنامج إيران النووى، والتهديدات الأمريكية لإيران، بالرغم من أن ذلك يمثل أحد عناصر التأثير على المستوى الإقليمى، وهو ما يحتم علينا إتخاذ موقف إيجابى، بالإضافة إلى قضية الإنتشار النووى بشكل عام.
ز) السودان والصومال:
وإذا إنتقلنا جنوباً، وعلى وجه التحديد السياسة المصرية تجاه أفريقيا، سنجد أن هناك محاولات خارجية - أمريكية بالأساس – للحد من تأثير مصر فى إفريقية، وإضعاف دورها الإقليمى، وخاصة فيما يتعلق بالأوضاع فى السودان، أو فى القرن الأفريقى، وفى هذا الصدد يلاحظ:
1- رضوخ الإرادة المصرية للرغبة الأمريكية، وعدم الدخول معها فى تنافس على مناطق النفوذ، بالرغم من تأثير ذلك على الأمن القومى المصرى.
2- الإكتفاء فيما يتعلق بالملف السودانى الشائك بالنصح والإرشاد، وإن كانت هناك بعض المساعدات الطفيفة ذات التأثير المحدود فى مجريات الأمور.
3- البعد التام على الأحداث الساخنة فى الصومال، وخاصة بعد قيام القوات الإثيوبية بإحتلال "مقديشيو".
ونطالب بأن تتدخل مصر وبقوة فى تسوية الأزمة فى دارفور، والدفع بإتجاه التسوية السياسية حفاظاً على أمن مصر القومى.
كما أن عليها أن تدعو الدول العربية للمساهمة بجدية فى إعمار السودان، وإعادة بناءه وبصورة تحول دون تقسيمه، بل والإستفادة من ثرواته الكثيرة، بدلاً من قيام الدول الغربية بإستنزافها، وإستغلالها دون مقابل.
والإعلان صراحة رفض تدويل أزمة دارفور، بإعتبار أن من شأن ذلك ان يؤثر على سيادة الدولة وإستقلالها. ي) حقوق المصريين العاملين بالخارج :
ولم يتطرق البيان كذلك إلى موقف السياسة الخارجية من حقوق المصريين العاملين بالخارج، ذلك الملف الذى يكشف بين الحين والآخر عن ضياع حقوق العديد من المصريين بسبب ضعف دور الخارجية المصرية فى مساعدتهم، كذلك الموقف بالنسبة للمصريين المعتقلين فى جوانتانامو، وما إذا كانت هناك محاولات مصرية للإفراج عنهم.