أهمية مؤتمري المنصورة وأسيوط عام 1938 في تاريخ الإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مؤتمرات الإخوان .. أهمية مؤتمري المنصورة وأسيوط عام 1938 في تاريخ الإخوان


مقدمة

سلك الإمام البنا كل سبيل مشروع ومتوافق مع شريعة الإسلام في تبليغ دعوته وإظهار المفاهيم الحقيقية للدين الإسلامي في الوقت الذي كان يعمد المستعمر وأعوانه على العمل على طمس الهوية الإسلامية أو تمييع الدين وحصره في الأمور التعبدية فحسب.

ولذا كانت لديه الكثير من الوسائل التي جذبت للدعوة كثير من الناس ومنها المؤتمر حيث كان يتخير الإخوان مناسبات هامة لاقامة مؤتمر عام يتكلم فيه كثير من علماء الإخوان وعلى رأسهم الإمام الشهيد حسن البنا.

وفي عام 1938م عقد الإمام البنا العديد من المؤتمرات والوسائل التربوية الأخرى حيث كان عاما هاما في تاريخ جماعة الإخوان والذي يشكل نهاية مرحلة التعارف التي امتددت على مدار عشر سنوات لتبدأ مرحلة جديدة هى مرحلة التكوين والفرز والتربية الحقيقية للأفراد.

فجاء مؤتمر الطلبة في فبراير 1938م كما تبعه مؤتمري الإخوان بمدينة المنصورة وأسيوط، حيث ضم مؤتمر المنصورة أعضاء مجلس شورى الإخوان بالوجه البحرى، كما ضم مؤتمر أسيوط أعضاء المجلس من الوجه القبلى، وذلك فى فبراير ومارس من عام 1938م.(1)

وعن وقائع وأهمية هذا المؤتمر يحكي الأستاذ محمود عبد الحليم بقوله:

مؤتمر المنصورة فبراير 1938م

وقد اختيرت المنصورة لتوسطها الوجه البحري . ومع أن هذا المؤتمر كان مؤتمرا فرعيا إلا أن القرارات التي اتخذت فيه كانت قرارات خطيرة بل إنها كانت أول قرارات ذات شأن يتخذها الإخوان منذ قيام دعوتهم إذ هي قرارات عملية ...

ولعل الأستاذ المرشد رأى أن يخص هذه المؤتمرات الفرعية بهذه القرارات العملية دون المؤتمر العام المزمع عقده باعتبار المؤتمرات الفرعية مهما عظم أمرها فإن الروح العائلية تكون دائما مسيطرة عليها ، أما المؤتمر العام فهو مؤتمر مفتوح قد يغشاه من غير الإخوان من يزيدون عن حضوره من الإخوان عددا ولذا تكون قرارات المؤتمرات عامة تتصل بشئون الدولة وتعالج مشاكلها .

كان حديث الأستاذ المرشد فى هذا المؤتمر منصبا على موضوع واحد محدد هو وجوب تميز الإخوان وكان حديث الأستاذ فى هذا الموضوع مفاجأة لكثير من الحاضرين ؛ لأن الدعوة كانت حتى ذلك الوقت لا بالى أن يكون العضو فيها مصطبغا بصبغات أخرى سواء أكانت هذه الصبغات الأخرى اجتماعية أم دينية أم اقتصادية أم سياسية ... أما فى هذا المؤتمر فقد بدأت نغمة أخرى تضرب على وتر شديد مثير أخذ يهز السامعين هزا عنيفا ...

فهم الحاضرون من حديث الأستاذ الذي خاطب فيه العقول والقلوب أن دعوة الإخوان دعوة جامعة شاملة ينبغي لمن ينتسب إليها أن يرى فيها غناء عن غيرها ، وفهموا أن معنى ذلك هو أن يخير كل ذي مبدأ مع مبدأ الإخوان نفسه بين المبدأين ليختار أحدهما ويدع الآخر .

وتطرق الأستاذ فى حديثه عن التميز إلى نقطة هامة أخرى فقال إن تميز الإخوان يقتضيهم تكاليف قد لا يطالبون بها إذا لم يكونوا إخوانا ، فهذه الدعوة الجامعة الشاملة شاق طريقها ، ثقيل حملها لأنها الدعوة التي عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال ، فينبغي أن يعد العاملون بها والحاملون أمانتها أنفسهم إعدادا خاصا بحيث يملكون زمام أنفسهم .

قد رشحوك لأمر لو فطنت لـه
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

فلنقاوم أنفسنا فيما تعارف عليه الناس من عادات تمكنت منهم حتى ملكت أعنتهم مع أنها أمور إذا لم تضر فإنها لا تنفع وضرب لذلك مثلا بالتدخين وطلب إلى الإخوان المدخنين أن يمنعوا عن التدخين وعن الكيوف بأنواعها وقال : خير عادة أن لا تكون أسير عادة .

وأذكر أنه كان من بين حاضري هذا المؤتمر الأخ الكريم الأستاذ محمد الهادي عطية وكان محاميا شرعيا كبيرا وأستاذا للشريعة فى كلية المقاصد الخيرية ببيروت وكان إذ ذاك فى سن يناهز الستين فرأيناه ينتصب واقفا حين سمع كلام الأستاذ المرشد ويخرج من جيبه علبة سجاير ويفتحها ويلقى بما فيها على الأرض ويدوسه بقدمه ويعلن أنه طلق التدخين منذ اللحظة .

وقد أخبرني بعد خروجنا من المؤتمر أنه ظل يدخن أربعين عاما وكان يدخن فى ذلك الوقت فى اليوم الواحد أربعين سيجارة ... وقد كنت أنا حريصا على متابعة هذا الأخ الكريم لأعرف عواقب هذا الامتناع المفاجئ دون تدرج فأخبرني فى لقائي به بعد عدة أشهر بأن شيئا مما يشاع من انهيار أو صداع أو شئ من ذلك لم يصبه ...

ومعنى هذا أن العزيمة الماضية وثقة المرء فى نفسه وفى سلامة الطريق الذي يسلكه كل ذلك يكسبه مناعة ضد العوارض التي تصيب ضعفاء العزيمة الذين يدفعون إلى طريق سلكوا فيه راغمين محرجين . سلكوا فيه ونفوسهم لازالت تتلفت إلى وراء بشوق ولهفة .

كان لهذا المؤتمر آثار بعيدة المدى سواء فى الناحية الشخصية حيث رأى الإخوان لأول مرة أن الدعوة تتدخل فى شئونهم الخاصة وفى عاداتهم وأمزجتهم . أو فى ناحية العامة فى علاقات الإخوان بالمجتمع الذي يعيشون فيه ويتكيفون حسب مصالحهم معه - لقد استغرق كل أخ من الإخوان وقتا طويلا فى مناقشة مقررات هذا المؤتمر مع نفسه حتى ركن إلى جانب من الجانبين. (2)

وكان من قراراته:

  1. تأكيد أن دعوة " الإخوان المسلمون " دعوة شاملة جامعة تتناول كل ما يجب عمله من أجل الإسلام . وأن على من ينتسب إلى تلك الدعوة أن يرى فيها غناء عن الانتساب لغيرها من الدعوات.
  2. التأكيد على ضخامة التبعة الملقاة على عاتق جماعة الإخوان المسلمين ، جماعة وأفرادا بالنسبة للإسلام وبالنسبة للمسلمين. وأن على الإخوان المسلمين أن يشعروا بضخامة هذه التبعة وأن يولوها من العمل والتجرد ما هى أهل له.
  3. التأكيد على أهمية الانتماء للجماعة لما فى هذا الانتماء من فائدة الفرد، وللإسلام بالعمل من أجله.
  4. أن على كل واحد من الإخوان أن يتجرد من أى انتماء لحزب من الأحزاب السياسية، والتأكيد على أن الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين هو التميز الإسلامى لأفراد الجماعة فى أخلاقهم وسلوكهم.
  5. على كل أخ منتمي للجماعة أن يتميز فى سلوكه ، وأخلاقه عن سائر الناس ، تميزا يتخذ فيه أدب الإسلام وأخلاقه شعارا ودثارا له.
  6. التأكيد على أن أول العادات المخالفة لأدب الإسلام هى التدخين كما يمتنع تماما عن صاحبه وعلى الأمة الإسلامية من ضرر، وأن على كل واحد من الإخوان المسلمين أن يقلع تماما عن التدخين ، كما يمتنع تماما عن أى كيوف حتى لايكون أسير عادة من العادات . وقد كان هذا المؤتمر دعوة صريحة من قيادة الجماعة بجملة معان ورموز تميزالجماعة وأفرادها عن سواهم وتقدم فى طريق العمل الإسلامى معالم جديدة .

هذه المعانى والرموز هى:

  1. الاعتزاز بالإسلام وبالجماعة.
  2. الالتزام بالجماعة وتبعات الإسلام .
  3. الانتماء للإسلام والجماعة والتجرد من أى اتتماء اخر .
  4. الانضباط أخلاقيا وسلوكيا مع اداب الإسلام .
  5. الإقلاع عن الكيوف وأولها التدخين وتحرير الإنسان من الكيوف والعادات الضارة به وبدينه. (3)

مؤتمر أسيوط

حضره الإمام البنا كذلك في مارس 1938م ودعى إليه الإخوان من مختلف الشعب فى الوجه القبلى كله ، واختيرت أسيوط مقرا له لتوسطها بين عواصم أقاليم الوجه القبلى.

وبعد انعقاد المؤتمر وإتمام أعماله أصدر توصيات واتخذ قرارات هى نفس ما اتخذ فى مؤتمر المنصورة ، وكان المعنى من توحيد موضوع المؤتمرين وتوصياتهما واضحا ، وهو أن يلتزم الإخوان فى الوجهين البحرى والقبلى بهذه القرارات أو تتميز لهم شخصية إسلامية يعرفون بها فى المجتمع.

أثر المؤتمر على الإخوان

يقول محمود عبد الحليم:

اقتناعا بمقررات مؤتمرات المنصورة وأسيوط والمؤتمر العام الخامس بالقاهرة - أخذوا ينحازون إلى دعوتهم بكل قلوبهم وعقولهم وبكل ما يملكون ، وتبين فيما بعد أن هذا الانحياز قد اعتبر من جانب بعض الأحزاب والهيئات اعتداء عليها وانتقاصا من أرضها ، مع أن دعوة الإخوان لم ترغم هؤلاء الذين انحازوا إليها على هذا الانحياز كما أنها لم تغرهم بأي نوع من أنواع الإغراء ، ذلك أنها لا تملك القليل ولا الكثير من وسائل الإرغام ولا وسائل الإغراء ، وإنما هو الإيمان والاقتناع .
والجهات التي آذتها المقررات الايجابية لمؤتمرات الإخوان جهات ثلاث : الأحزاب السياسية التقليدية والأحزاب السياسية الناشئة والهيئات الدينية. (4)

المراجع

  1. مجلة البنان: السنة الثامنة – العدد 352– 20 ذو الحجة 1356هـ - 21 فبراير 1938م– صـ2.
  2. محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة، الإسكندرية، 1998.
  3. علي عبد الحليم محمود: وسائل التربية عند الإخوان المسلمين دراسة تحليلية تاريخية، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة، 1998م.
  4. محمود عبد الحليم: مرجع سابق.