أيها الحكام العرب: لا تتركوا الشعب الفلسطيني فريسةً للعدوان الصهيوني- الأمريكي
مقدمة
أيها الحكام العرب
لا تتركوا الشعب الفلسطيني فريسةً للعدوان الصهيوني- الأمريكي
بسم الله..، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم... وبعد،
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال:46،45) ويقول تعالى:
﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾ (الصافات:24) صدق الله العظيم.
ولا يخفَى على أحد اليوم ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من جرائم ضد الإنسانية؛ تهدف إلى تجويعه وتركيعه وإثارة الفتن داخل صفوفه، ويقتل الفلسطيني أخاه الفلسطيني.
ويقف الشعب الفلسطيني الصامد المجاهد وحيدًا في المعركة، وتنادي فصائله المجاهدة- من كل التيارات- حكام العرب والمسلمين والشعوب المسلمة؛ كي تساند شعبنا المقاوم، الذي يتعرض للظلم منذ أكثر من نصف قرن، ولكن لا حياة لمن تنادي في ظل ممارسة أمريكا لضغوطها وتهديداتها، خاصةً بعد أن أسفر التحالف الصهيوني- الأمريكي عن وجهه القبيح وبات واضحًا أن هناك التزامًا من أعداء الأمة بانتصار الجيش الهمجي الصهيوني على الشعب الأعزل، وهو التزام توراتي ديني، بعد أن سيطر على السياسة الأمريكية متطرفون من أتباع المسيحية الصهيونية؛ ليفتحوا جبهات متتالية في حرب ظالمة ضد الإسلام والعرب والمسلمين تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وأضحى في عرفهم أن كل مقاوم هو إرهابي، وأن كل جهاد هو إرهاب,
وجرى خلط الأوراق ومُورس الضغط على بقية دول العالم- خاصةً أوربا-؛ كي تساير هذا التوجه الخطير وتحاربه، وهو توجه يُنذر بمواجهة لا يريدها المسلمون ولا يحبذونها؛ لأن دينهم لا يدعو إليها، ولكن يدعو إلى العدل والإنصاف والمساواة والتزام القيم والمُثُل والسعي لخير البشرية ونفعها، ودعا إلى الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، والاستجابة لنداء التعاون بين الحضارات، والتكامل فيما بينها، والاستفادة من كل الجهود البشرية لإنقاذ الإنسانية من الخطر الذي تسعى إليه، ولكن القوم صمّوا الآذان عن كل نداءات المخلصين الساعين لتجنيب البشرية أخطار وأهوال مواجهة لا يعلم إلا الله كيف تنتهي، وإلى أي مدى تطول!! ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية21)، ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (الأنفال: من الآية30).
لقد شهدت المنطقة العربية والإسلامية في الأيام القليلة الماضية تطورات بالغة الخطورة ربما تمتد آثارها إلى السنين المقبلة، وواجبنا اليوم أن نستفيد من الدرس الأساسي من هذه التطورات، وهو أن نمتلك إرادتنا الحرة المستقلة، وأن نقول- بملء أفواهنا- "لا" قويةً لسياسة العدوان المساندة للعدوان الصهيوني، بتحصين جبهتها الداخلية بالوحدة وجمع الشمل، ونبذ الفرقة والخلاف في امتثالٍ لقول الحق تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء:92)، وقوله ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: من الآية103)؛ لتحرير شعوبنا من الاستبداد والتخلف والفساد؛ لتقف حكوماتنا وشعوبنا بحق وصدق في إيمان إلى جنب الشعبَين الفلسطيني والعراقي؛ لنهزم المشروع الصهيوني- الأمريكي الرامي إلى إخضاع المنطقة كلها- حكامًا، وأرضًا، وديارًا، وشعوبًا، وهويةً، وحضارةً، ثروات ومقدرات- لهيمنة صهيونية برعاية أمريكية، تسعى لا تكلّ من أجل نزع أهم أسلحة المقاومة، وهو الإيمان بالعقيدة الإسلامية التي تحث على رفض الظلم، وتحث على الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا.
تطورات الأحداث
لقد أقدم العدو الصهيوني على محاولة اغتيال أحد أبرز رموز الإسلام المجاهد في عصرنا الحديث، الشيخ الجليل القعيد "أحمد ياسين"- رمز الجهاد والمقاومة في فلسطين-، فقُتل العديد من النساء والأطفال ومَن تصادَف تواجُده، ولكن خاب سعيُه، وباء بالخسران المبين، فنجى الله تعالى الشيخ المجاهد وصحبه الأطهار- وعلى رأسهم المجاهد"إسماعيل هنية"- من العدوان الأثيم، الذي ألهب مشاعر الغضب والثورة عند أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق فاندفعوا بالآلاف يدينونه ويستنكرونه، معلنين رفضهم الخضوع أو الاستسلام أو التفريط في الأرض والديار، أو التراجع عن إصرارهم على المقاومة لتحقيق الحرية والأمن.
ومما شجع العدو على ذلك العدوان الهمجي ما أقدم عليه الاتحاد الأوربي من الخضوع لابتزاز الصهاينة والأمريكيون وإدراجه لحركتي (حماس) و(الجهاد الإسلامي) في زمرة ما سُمي بجماعات الإرهاب، وهذا وفر غطاء للجرائم المستمرة من جانب الصهاينة، ولقد واصل العدو الصهيوني همجيته وإجرامه في مسلسله الإرهابي الأثيم بقذف منزل الأخ الدكتور "محمود الزهار" مستهدفًا شخصه وأسرته؛ مما أدى إلى إصابته واستشهاد ابنه البِكر واثنين من رفاقه، وهذا آخر ما يدلل على خسة وإرهاب هذا العدو.
يجري هذا والسلطة الفلسطينية تشهد ارتباكًا شديدًا في صفوفها باستقالة السيد "محمود عباس" (أبو مازن)، وكان- ومازال بالود- أن تغض السلطة الفلسطينية الطرف عن مشروعات السلام المزيف، ومنها خارطة الطريق، بعد أن وضح للكافة أنها لا تحمل للشعب الفلسطيني إلا الوهم والوعود الجوفاء، ولا تسعى إلا لتصفية القضية وإغلاق ملفها، وأن تكرس السلطة الجهود لتوحيد الصف الفلسطيني، خاصةً وأن مشروع (أوسلو) الذي حذر منه المخلصون من قبل لم يصل بعد سنوات بالحال الفلسطيني إلا إلى الحصار الخانق، وتجريف الأرض وهدم الديار وقصف الأبرياء بكافة أسلحة الإبادة،
ومن ثم فإن كافة المخلصين المهمومين بهموم القضية لا يرون خيارًا إلا خيار إعلان الرفض لكافة أشكال الإذلال والامتهان، وأن يكون انحياز الجميع للمقاومة فهي خيار الشعب، وأن تضع السلطة الفلسطينية الحكومات الشعوب العربية والإسلامية أمام مسئوليتها الشرعية، وتطالبها بدعمها بكافة أنماط الدعم لتحقيق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، وليست هزيمة المشروع الصهيوني الأمريكي ببعيدة ولا عجيبة، بل هي قريبة المنال، وقد بدت بوادرها في العراق وفي أفغانستان، وحين تصفو النوايا، وتصدق وتشحذ العزائم، وتستقيم الوجهة إلى الله- عز وجل-، وتجتمع كلمة الأمة وتتوحَّد على نصرة ربها... يكون استحقاقها لنصر الله القائل- وهو أصدق القائلين-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد:7).
إن الحكام العرب والمسلمين عندما يقدمون الدعم للشعب الفلسطيني ويمدونه بالعتاد والسلاح، والغذاء والدواء، وعندما يرفضون الحظر والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، كما يرفضون الضغط الأمريكي بكافة أشكاله، مع إفساح المجال للشعوب للتعبير عن رغبتها في الجهاد ودعم الجهاد، ويفتحون الحدود للمجاهدين الذين يريدون الانضمام للصف المجاهد في فلسطين....
إنما ينتهجون السبيل الذي يرضي الله- عز وجل- في الدفاع عن شعوبهم وعن أنفسهم وعقيدتهم، ويخوضون المرحلة الأولى من الحرب التي أعلنتها عليهم الإدارة الأمريكية؛ من أجل الإطاحة بهم، وتجزيء أقطارهم ونهب ومصادرة ثروات شعوبهم.
إنهم بذلك ينحازون إلى خيار الحق والعدل والسلام والأمن والاستقرار، ويغلقون الأبواب في وجه فوضى يمكن أن تعم المنطقة كلها، ولن يبقى فيها حجر على حجر.
وإذا كانت خطوة الاتحاد الأوروبي الخطيرة إيذانًا بفتح جبهة جديدة على العرب والمسلمين، فإن علينا أن ندرك أن الهدف ليس حركات المقاومة ولا المجاهدين الأبرار، بل هو الإسلام العقيدة والحضارة.
إن أوربا- التي استجابت للضغط الأمريكي الصهيوني- عليها أن تراجع نفسها، وأن تعلم أن الإدارة الأمريكية تجرُّها إلى حرب طويلة مفتوحة لا نهاية لها، وهي التي تحاول من زمن قريب حل مشكلاتها الداخلية والتعايش مع الجاليات الإسلامية الكبيرة في أوروبا.
مأزق العدوان
لقد وضح اليوم أن السياسة الأمريكية تعيش مأزقًا كبيرًا، وتخوض أوحال مستنقع أغرقت فيه نفسها، وفتحت فيه المجال لتثخن جنودها بالقتل والجراح، وها هو الرئيس الأمريكي "بوش" يُخاطب أوروبا لتناسي الخلافات السابقة حول قرار الحرب، وأن تُسارع لإنقاذ الجنود الذين يقتلون كل يوم بمعدلات متزايدة، وأن تساهم في نفقات حرب بنيت على الأباطيل والأكاذيب، وإعادة إعمار العراق الذي دمرته الطائرات الأمريكية، والحصار الظالم الذي فرضته الأمم المتحدة بضغوط أمريكية لمدة 12 سنةً على الشعب العراقي المظلوم، فهل تستجيب أوروبا لهذا النداء، وهل تنضم إلى احتلال ظالم غاشم وحرب جديدة ضد المقاومة والشعب العراقي هذه المرة وليس ضد نظام مستبد، كما ادَّعت أمريكا في السابق؟!
أما عن العراق وجامعة الدول العربية، فإنه يجب أن يوزن هذا الأمر بميزانه الحقيقي وبمضمونه الصحيح، فالحقيقة أن العراق دولة عربية وعضو مؤسس لجامعة الدول العربية، وهذا ما لم ينكره أحد، ولا يجوز أن يكون موضع تساؤل، ولكن التلبيس والخداع أن يكون "بريمر" أو من يتكلم باسمه هو الممثل للعراق في جامعة الدول العربية أو في أي اجتماع من اجتماعاتها، فـ"بريمر" الأمريكي أو من يقوم مقامه إنما يمثل سلطة الاحتلال الغاشم والعدوان الذي يجب مقاومته وإخراجه من العراق، ومن الخداع والغش أن يُقال إن العراق العربي المسلم يكون ممثلاً بحضوره أو بحضور من لا يستطيع أن يتكلم أو يتصرف إلا بأمره وبتوجيهه.
إننا نحذر مرةً أخرى من الاستدراج إلى تحالف دولي تحركه أصابع الصهيونية ضد الإسلام والمسلمين، وها هي مساعي الصهاينة تصل إلى الهند التي تضم أكبر جالية إسلامية (150 مليونًا أو يزيد) لتشركها أيضًا في هذا التحالف الشيطاني الذي يسعى الصهاينة فيه إلى إيقاد الشرور وإشعال الفتن في العالم كله، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (المائدة: من الآية64)
إن واجب الحكام والشعوب في العالم العربي والإسلامي هو الصمود أمام الضغوط والمخططات العدوانية، ودعم مقاومة الشعبين الفلسطيني والعراقي، ولن يتم ذلك إلا إذا تحققت المصالحة الحقيقية بين الحكام وبين الشعوب؛ لنكون جميعًا جبهةً واحدة تقول "لا" للسياسة الأمريكية، ونعم للمقاومة والإسلام.
وهنا يجب أن نؤكد على أهمية مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، ورفض الضغوط والإغراءات الرامية إلى إعادة ما انقطع أو قطع بين الكيان الصهيوني وحكومات عربية من علاقات، إضافةً إلى تصعيد حملة مقاطعة البضائع الأمريكية والصهيونية، ودعم اللُّحمة الإسلامية بين كل فئات الشعب العراقي، والحذر من المؤامرات التي ترمي إلى بث الفتن في صفوف العرب والمسلمين، التزامًا بمنهج النصر الذي رسمه الله لنا، بالثبات والوحدة والصبر ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال: 45،46).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..