إستراتيجية المقاومة الفلسطينية (4)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إستراتيجية المقاومة الفلسطينية (4)


رؤية في إستراتيجية التحرير

شباب الإنتفاضة

تمثل انتفاضة الأقصى- وما رافقها من تفاعلات إقليمية ودولية ورأي عام عربي وإسلامي مُواتٍ- حدًا فاصلاً بين مرحلتين في تاريخ الشعب الفلسطيني:

  • مرحلة مرت وكانت أهم معالمها السلام خيارًا إستراتيجيًّا.
  • ومرحلة جديدة شديدة التعقيد تتسم بالتردد بين حدي المقاومة الشاملة واستمرار الانتفاضة، وبين السلام تحت شروط أقل إجحافًا بالحقوق الفلسطينية.

ومن الواضح أن الفلسطينيين يدركون مثل الصهاينة تمامًا الطابع الحاسم لهذه الحرب، التي ستقرر بالفعل مستقبل الشعب الفلسطيني، كما ستقرر طبيعية العلاقة بين الدولة الفلسطينية القادمة ودولة الكيان الصهيوني، ويؤكد ذلك الإجماع السريع الذي حصل على جانبي الجبهة، إجماع فلسطيني عبَّر عنه الانخراط الواسع لجميع التيارات والقوى الفلسطينية في القتال وإجماع صهيوني أزال أي تمايز يُذكر في مطالب وأقوال جماعات العمل والليكود والقوميين والدينيين والمستوطنين المتطرفين بل وأدعياء السلام، وكشف أوهام التقسيم التقليدي- الذي خُدِع به كثيرون في عالمنا العربي والإسلامي- في الكيان العنصري بين مَن تسموا بالحمائم ومَن أطلق عليهم الصقور.

وفي خلال أقل من شهر من بدء انتفاضة الأقصى أدرك الصهاينة أنهم أمام حركةٍ لن تتوقف سريعًا فأعلنوا استعدادهم لمواجهة طويلة الأمد.

وتبقى ومشكلة الكيان الصهيوني إزاء تجدد الانتفاضة إنها تتعامل مع حرب غير نظامية أشبه بحرب العصابات المقرونة بالعصيان المدني الواسع ولها أهداف سياسية وعسكرية يصعب إجهاضها، كما أن أساليب القتال المتبعة فيها تتسم بالمفاجأة من حيث التوقيت، كذلك شن العمليات في أكثر من اتجاه مما يشتت جهود القيادة السياسية والعسكرية في الكيان الصهيوني ويستنزف قواها.

ويبرز ضعف موقف الجيش العنصري من الانتفاضة الفلسطينية مساوئ استخدام القوة في حروب التحرير الوطني وعدم إدراك الفارق بينها وبين الحروب التقليدية، فالحرب من النوع الأخير غالبًا ما تكون نتيجتها صفرية، وذلك أن كل فريق من المتحاربين له قوة معينة ومحددة، وكل نقطة تفوق لطرف من المتحاربين هي بالضرورة نقطة خسارة للطرف الآخر.

لكن ثمة نقطة ضعف تُعاني منها الانتفاضة تتمثل في عدم توفر رؤية إستراتيجية فلسطينية توجهها وتحدد لها هدفها وتدير الصراع على أساس تقدير موقف صحيح يستطيع أن يلحظ عمق المأزق الصهيوني والأمريكي وأن يتحسس نقاط قوته هو، وأن يُدرك ما في المعادلة الدولية من اختلالات يمكنه الإفادة منها، فالانتفاضة بحاجة إلى أن يحدد لها هدف لا تراجع عنه وهو دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات واستنقاذ القدس على حد قول الأستاذ "منير شفيق".

وكما يقول الخبير الإستراتيجي "أمين هويدي": "فإنني أخشى على الانتفاضة من ظاهرة قاتلة، وهي إنها تكرر أساليبها وليس أخطر على صدام الإرادات من تكرار التكتيكات فلا بد من تغييرها بالخيال والإرادات".

إن استنزاف الكيان الصهيوني لا يحتاج إلى حرب شاملة من طرف الدول العربية بقدر ما يتطلب دعمًا كاملاً للمقاومة ضدها؛ وهو وضع يمكنه فرض الهزيمة الشاملة عليها وشطبها من معادلة المنطقة تمامًا، أما وأن الواقع القطري وأحلام الدولة لدى قيادة السلطة الفلسطينية ما زالت تتحكم بالوضع، فإن الحل الآخر هو حدود 1967م، ولتكون محطة باتجاه مزيد من حصار الدولة العبرية وإنهائها لاحقًا بدل فتح العواصم لغزوها السياسي والاقتصادي.

وبالفعل كان تحول انتفاضة الأقصى إلى بعض أشكال العمل المسلح ونقل عملياتها الهجومية إلى المناطق الفلسطينية التي تخضع للسيطرة الصهيونية الكاملة وسقوط عدد من الجنود المستوطنين، عملاً في اتجاه إستراتيجية التحرير الكامل، وذلك في إطار "توسيع الانتفاضة جغرافيًّا وتعقيدها عسكريًّا" وكما يقول أحد المشاركين في انتفاضة الأقصى: "ليس أمامنا إلا خيار واحد، ونحن نعمل على قاعدة حساب التكلفة ولنريهم أن تكلفة الاحتلال باهظة جدًا بحيث لا يستطيعون تحملها"، ولعل ذلك ما جعل كثير من المستوطنين يعيشون حالة خوف أكثر عمقًا وتأثيرًا لكونها تستدعي مشهد الجنوب اللبناني والنعوش العائدة منه إلى الأمهات اللواتي تحولن إلى حزب فاعل في الساحة السياسية الصهيونية حتى وصل الأمر بمحلل عسكري معروف مثل "زئيف شيف" حد اعتبار "الأمة" الصهيونية في (حالة حرب)، محذرًا من أن "أمة في حالة حرب" لا يمكنها أن تُدار من قبل "منظمات الأمهات" في تحذير واضح من تكرار تجربة لبنان.

ولعل أهم معالم هذه الرؤية التي نحاول تقديمها هو:

  • العمل على تطوير الانتفاضة باعتبارها إذانًا باندلاع معركة تقرير مصير الدولة الفلسطينية، والعمل على أساس الاندفاع بها بصرف النظر عن إي شيء آخر لتكون بالفعل حرب الاستقلال الفلسطينية.
  • وهذا يعني أن تفكر بالاستمرارية والوحدة والتنسيق وتكثيف العمليات التي تستهدف ضرب معنويات جيش الاحتلال حتى تفرض انسحابه من الأراضي الفلسطينية تمامًا كما حصل في جنوب لبنان.

ومن الواضح تمامًا لكل مَن يتابع أنباء فلسطين أن الشعب الفلسطيني لا يريد العودة إلى محنة المفاوضات، وهو مستعد لتحمل نتائج اختياراته بل هو سعيد بأن يقنع الصهاينة في فلسطين بأن لديه هو أيضًا إرادة لا تلين وأن تمسكه بحقوقه التاريخية ليس أقل قوة من تمسك الصهاينة بأوهامهم الاستيطانية والتوراتية، وإستراتيجية التحرير هذه أكثر واقعيةً وأينع ثمارًا من سنوات التسوية العجاف.

أما كونها أكثر واقعية فلتبنيها النموذج الانتفاضي الشعبي؛ حيث إن المشاركة النضالية تتسع للكل وليس فقط للتنظيمات (سواء فتح أو حماس أو الجهاد) بل هو مشروع كل فلسطيني بصرف النظر عن انتمائه الفكري إضافةً إلى توسيع دوائر الانتفاض أما كونها أينع ثمارًا؛ حيث إن ثمرة المقاومة والواقعة في قلب ميزان قوى مختل بشكل فاضح تنبع بالضبط من هذا الميزان؛ حيث لم يعد هناك عمليًّا ما يمكن أن يخسره الفلسطينيون جراء أي ثورة أو انتفاضة يقومون بها بل إن الخسارة في الطرف الآخر تكون أكثر إيلامًا معنويًّا وسياسيًّا حتى لو أظهرت الأرقام بونًا شاسعًا في الناتج الإحصائي لخسارة الطرفين، وبالتالي فهي أدعى للضغط عليه لانتزاع الحقوق.


خاتمة

  • إن تحرير فلسطين أكثر واقعيةً من الاعتراف بإسرائيل (الكيان الصهيوني).
  • لا يصلح مع الاحتلال الاستيطاني إلا العمليات الاستشهادية.
  • إن منطق المقاومة هو أن الدم قادر على أن يهزم السيف.
  • إذا كان الأقصى بالنسبة للصراع العربي الصهيوني هو البؤرة فإن الاستقلال هو الأفق.
  • إن المقاومة تمتلك ضمن معطياتها قوة خلاقة على استعادة الثوابت المفاهيم، التي ضيعتها متاهات السياسة على موائد المفاوضات.

أما الحلول الاستسلامية مثل (مدريد) و(أسلو)، وآخرها في (جنيف) فهي كما عبر عن ذلك "إدوارد سعيد":

"ليست أداة لإزالة الاستعمار، ولا آلية لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وإنما إطار يهدف إلى تغيير أساس السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة من أجل إدامتها، وعلى هذا، فإن العملية السلمية غير قادرة من الناحية البنيوية على إنتاج تسوية قابلة للحياة، أو تدوم طويلاً، وستؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من الصراع".