إطلالة على الانتخابات الأمريكية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إطلالة على الانتخابات الأمريكية


(28-11-2008)

بقلم: د. محمد مرسي

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: من الآية 13).

يمر العالم الآن بمرحلة تكتنفها الصراعات والاضطرابات وعدم الاستقرار, ونراه قد تأججت فيه الحروب وعمت الخلافات والبلوى حتى صار القويُّ سيدًا وإن كان ظالمًا، وأصبح الضعيفُ مستباحَ الحرمات يعتدي عليه أصحاب الجاه والسلطان والأساطيل والطائرات وبات مظلومًا وفريسةً للفقر والجوع والمرض (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي البَّرِ وَالَبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس...) (الروم: من الآية 41).

إن هذه الحالة من الفوضى وعدم التوازن وسوء التوزيع للثروات وضياع حقوق الإنسان وخاصة بعيدًا عن التشريع الإلهي العادل.. قد أوجدت الشكوكَ وأوغرت الصدورَ وكثُر العداء وتعمَّق بين البشر فكانت حروب عالمية وحروب كثيرة محلية وداخلية فأريقت الدماء واعتدى على الحرمات وهتكت الأعراض.

إن العدل أساس الملك والحق يطمئن القلوب ويبني جسور الثقة بين الشعوب والأمم, ويخطئ مَن يظن أنه يُمكنه السيطرة على العالم بالقوة والظلم, فلن يدوم له سلطان ولن يعلو له بنيان مهما بلغ في مرحلةٍ من المراحل من إمكانيات وثروات وأسلحة ومؤسسات.

إن أصحاب القرار في الولايات المتحدة الأمريكية الذين يزعمون أنهم دعاة الحضارة وحقوق الإنسان عليهم أن يبرهنوا على ذلك بالعمل على إعمال سياسة الحق وعدم الكيل بأكثر من مكيال كما هو واضح من مواقف الحكومات الأمريكية المتتالية من الكيان الصهيوني ودعمه بكل أنواع الدعم العسكري والمادي والمعنوي والسياسي وعدم الإقرار للشعب الفلسطيني بأي حقٍّ في العيش أو البقاء فضلاً عن حقه في المقاومة المشروعة ضد الغازي الدخيل من الصهاينة الذين جاءوا من شتات الأرض ومكَّنت لهم الأمم المتحدة بضغطٍ أمريكي وضغط من دول أخرى تابعة للسياسة الأمريكية من احتلال أرض فلسطين.

في ظل هذا الواقع المتردي جرت الانتخابات الأمريكية وحدث تغير لشخص الرئيس وحزبه وسوف تتغير تبعًا لذلك الإدارة والحكومة الأمريكية بشكلٍ جوهري وكبير, فهل تتغير تبعًا لذلك السياسات الأمريكية الخارجية، وخاصةً في المنطقة العربية والإسلامية؟؟.

لقد تنكَّرت السياسة الأمريكية خلال حكم معظم الرؤساء السابقين للمبادئ الإنسانية من إعلانات حقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب واختيار نظمها وحكامها بإرادة حرة وانتخابات نزيهة وإدانة العدوان والقهر والإرهاب على الأفراد والشعوب وعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة والقضاء على الاستغلال والاستعمار والتصدي للديكتاتوريات والدعوات العنصرية وحماية الأرض من أسلحة الدمار الشامل إلى غير ذلك من المبادئ التي تكفل سعادة البشرية وتحقق الاستقرار والسلام والأمن العالمي, ولقد كان العرب والمسلمون من أكثر مَن عانى من ظلم السياسات والممارسات الأمريكية وقهرها واستغلالها.

وفي هذا الصدد نودُّ أن نُلفت نظر الشعب الأمريكي إلى أن تلك السياسات الخاطئة من حكوماته المتتالية لم تعد عليه بفائدةٍ قط، بل على العكس تمامًا، عادت عليه بالضرر في كل المجالات فأهدرت أموال دافعي الضرائب في أمريكا في غزوات وحملات عسكرية وحروب ضد الأبرياء في دول أخرى كثيرة.

وسالت أيضًا دماء الجنود الأمريكان, كما سالت دماء أكثر من أبناء الشعوب التي غزاها ساسة البيت الأبيض بالحروب والدمار.. فماذا جنى الشعب الأمريكي غير الكراهية والضغينة والحقد وعدم الثقة في أمريكا من قِبل شعوب وأمم كثيرة على هذا الكوكب؟.

إن تقدُّم الأمم وتحضر الشعوب لا يُقاس بقوتها التي تعتدي بها على غيرها ولا بظلمها وقهرها للإنسان والأوطان, إنما تُقاس بمنظومة قيمية يأتي على قمتها العدل والحق.

إننا ونحن ننظر إلى التغيير الذي يجري الآن في الإدارة الأمريكية بترقب وحذر نُعلن:-

  1. نحن لا نقف موقف العداء من الأمم والشعوب التي تعيش في أمنٍ وسلامٍ في أوطانها وتتواصل مع باقي الشعوب على أساس قيم الإنسانية والعدل والحرية والمساواة.
  2. إن الإسلام يفرضُ على المسلمين أن يقفوا ضد الظلمِ والعدوانِ والقهرِ والإرهابِ الذي يقع على الأفراد أو المؤسسات أو الشعوب أيًّا كان مصدره من الأفراد أو الدول والحكومات أو المؤسسات والجماعات.
  3. إن التاريخ والعالم يشهدان أن الأمة الإسلامية كانت دائمًا وما زالت ضد الاحتلال وضد الاستعمار وضد تدخل الأجنبي في شئون الدول والأوطان العربية والإسلامية وغيرها من الدول، وقد كانت دائمًا وما زالت نصيرًا لكل مقاومة ضد كل هذه الأعمال العدوانية على الشعوب مهما كان دافعها ومن أي مكان أتت!! وما زلنا على ذات المبدأ.. فنحن نريد الحرية لأوطاننا كما نريدها لغيرنا في باقي البلاد سواءً بسواء
  4. إن الاستقرارَ والأمنَ الدوليين لا يمكن أن يتحقق شيءٌ منهما باستمرار السياسة الأمريكية الحالية؛ ولذلك فإن المستقبل– ولمصلحة العالم والشعب الأمريكي- يجب أن يشهد تغييرًا في هذه السياسة تجاه تحقيق العدل والمواقف المتوازنة في كل القضايا والنزاعات الدولية.
  5. نحن نعتبر أن انتخاب رئيسٍ أمريكي جديد هو من صميم حق الشعب الأمريكي في ممارسة الحرية والديمقراطية على أرضه، ولكن ما ينتظره العالم من هذا الشعب هو أن يكون القادم الجديد للبيت الأبيض يحمل أجندةً في السياسة الخارجية- ويطبقها- تحقق المصلحة لشعبه وتقلل الكراهية تجاه هذا الشعب وتُعيد الثقة بين شعوب العالم والشعب الأمريكي، فإذا رأى الناس ذلك ولمسوه في المستقبل فسوف يكون مدعاةً للتواصل والتعاون مع الشعب الأمريكي.
  6. نحن نُعلن بكل صراحةٍ ووضوحٍ وبكل فخرٍ واعتزاز أننا بفضل الله دعاة سلام وأصحاب دعوة ربانية تعمل في دنيا الناس كما كان دعاة الإسلام دائمًا بإذن ربنا حسبةً لله وعلى هدي رسولنا صلى الله عليه وسلم.. وفي ذات الوقت نحن لا نرضى بالظلم ولا نسكت عليه، وندافع عن الحق ونقف مع مَن يدافع عن حقه، نعاونه ونسانده بكل ما نملك والمقاومة ضد المحتل الباغي في فلسطين وضد الاحتلال الظالم في العراق وغيرهما من البلاد الذي يعتدي عليها أصحاب المشروع الصهيوني الأمريكي حق مشروع وواجب علينا أن نكون معه، وكذلك بفضل الله نفعل.
  7. رسالتنا إلى الحكومة الأمريكية الجديدة برئيسها وكل عناصرها: أعيدوا إلى وطنكم صورته العادلة المتحضرة النافعة لغيره يَعُدْ تقدير الناس لهذا الشعب واحترامهم له ولإنجازاته, وإن لم تفعلوا فأنتم الخاسرون.

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (يوسف: من الآية 21).

...........

المصدر