الإخوان المسلمون بين عالم الجاسوسية والتخابر (الحلقة الأولي)
مقدمة
يقف الآن الرئيس محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في مصر أمام محكمة الجنايات ومعه العديدين من قيادات الإخوان بتهم التخابر مع حماس وقطر وغيرها، في مشهد لم تكن تتخيله جماعة الإخوان المسلمين بعد ما يقرب من تسعين عاما من النضال للوصول للسلطة وتحقيق أهدافها والتي لخصها مرشدهم الأول البنا في منهاج محدود المراحل، واضح الخطوات يبدأ بالفرد المسلم فالبيت المسلم فالشعب المسلم فالحكومة المسلمة فالوطن الإسلامي، ثم ختمها بقوله: "نريد بعد ذلك أن نعلن دعوتنا على العالم، وأن نبلغها الناس جميعًا". (1)
خلال هذه السنوات عمدت الجماعة على تنفيذ هذه الخطوات وقد تعرضت للكثير من الأزمات والمحن، وقد استخدمت وسائل كثير للوصول لأهدافها لم تكن في الحركات والأحزاب المتواجدة في ذلك الحين، وعمدت لتطويرها لمواكبة الأحداث، وغلفتها بجانب من السرية
ومن هذه الوسائل إيجاد جهاز عسكري يتكون من شباب الحركة لمواجهة الانجليز والصهاينة كما ذكر البنا وقادة الإخوان في أهداف نشأة النظام الخاص، كما عمدوا لإيجاد جهاز من المخابرات لدى جماعتهم لمراقبة الأحزاب وما يسمونهم خصوم الجماعة (2)، وذلك قبل أن توجه لهم التهم بالتخابر ويزج بهم في السجون بسببها في العقد الأخير، بعد الإطاحة بحكمهم عام 2013م.
تاريخ الجاسوسية
تُعدّ الجاسوسية مهنة من أقدم المهن التي مارسها الإنسان داخل مجتمعات البشرية المنظمة منذ فجر الخليقة .. وقد مثلت ممارستها بالنسبة له ضرورة ملحة تدفعه إليها غريزته الفطرية للحصول على المعرفة ومحاولة استقراء المجهول وكشف أسراره التي قد تشكل خطراً يترصد به في المستقبل .. ولذلك تنوعت طرق التجسس ووسائله بدءاً من الاعتماد على الحواس المجردة ، والحيل البدائية ، والتقديرات التخمينية ، والانتهاء بالثورة التكنولوجية في ميدان الاتصالات والمعلومات ..
وعلى مر العصور ظهر ملايين من الجواسيس ، لكن قلة منهم هم الذين استطاعوا أن يحفروا أسماءهم في ذاكرة التاريخ ، بما تمتعوا من سمات شخصية فريدة أهلتهم لأن يلعبوا أدواراً بالغة التأثير في حياة العديد من الأمم والشعوب، ويذكر التاريخ أن تحتمس الثالث أول من وضع هذا العلم حينما كان محاصرا ليافا واستعصت عليه.
فالجاسوسية أو المخابرات جهاز رسميّ يتولّى جمع الأخبار لصالح دولة معيّنة لحفظ أمنها ، والكشف عمّا يعرِّض أمنها الداخليّ والخارجيّ للاضطرابات. ويميز هذه المخابرات صفة السرية حتى أن تحتمس الثالث أطلق عليها اسم العلم السري، لأن نشاط المخابرات يجب أن يمارس في سرية تامة، كما أن يظل الجهاز طي الكتمان. (3)
الإسلام والمخابرات
لم تشهد المرحلة التأسيسية في الإسلام ظهور جهاز مخابرات مستقل، أو ما كان يعرف بديوان الخبر. إنما جرت العادة أن ينتدب الرسول بعضاً من الصحابة، لأداء مهمات استخبارية محددة، قبيل الغزوات أو لتنفيذ عمليات اغتيال، بحق من شكلوا خطراً على انتشار الدعوة، مثل عصماء بنت مروان، وأبي عفك وكعب بن الأشرف وغيرهم. توسعت مهمات العيون في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، لتشمل متابعة أداء الولاة وضبط الأمن داخل المجتمع المسلم الآخذ بالتوسع.
ولقد مارسها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه بصحبة رفيقه أبو بكر في غزوة بدر حينما خرج لاستطلاع عدد قريش وتقابل مع رجل وسأله عن مكان وعدد قريش، واستخدم معه أدوات الاستخبار حينما عمى عليه الخبر فسأله أيضا عن مكان محمد وجيشه، وحينما سأله الرجل كان جوابه عليه أنني من ماء، وتركه قبل أن يفطن لهذا الجواب. (4)
لكن لم يشهد العصر الراشدي ظهور مؤسسات العسس والحسبة وديوان الخبر، فبقيت حينها الإدارة الأمنية عفوية، وخاضعة لرأي الخليفة ومَن حوله. الأرجح أن تلك الأنظمة تبلورت وتأسست في العصور اللاحقة، خصوصاً أيام العباسيين.
وذكر عن محمد بن سالم الخوارزمي قال سمعت أبا الفرج خال عبد الله بن جبلة الطالقاني يقول سمعت أبا جعفر المنصور يقول: يقول ما كان أحوجني إلى أن يكون على بابي أربعة نفر لا يكون على بابي أعف منهم قيل له يا أمير المؤمنين من هم قال هم أركان الملك ولا يصلح الملك إلا بهم كما أن السرير لا يصلح إلا بأربع قوائم إن نقصت واحدة وهي
أما أحدهم فقاض لا تأخذه في الله لومة لائم والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي والثالث صاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعية فإني عن ظلمها غني والرابع ثم عض على أصبعه السبابة ثلاث مرات يقول في كل مرة آه آه قيل له ومن هو يا أمير المؤمنين قال صاحب بريد يكتب بخبر هؤلاء على الصحة. (5)
ثم تتابعت هذه الحركة بهدف حفظ كينونة الوطن من الأخطار التي تحيط به سواء من الخارج أو الداخل. وبخصوص الجماعات والحركات امتلئ التاريخ بالعديد من هذه النماذج التي شكلت جهاز تكون مهامه معرفة أخبار الخصم، لكنها تسلك الطرق الغير شرعية ولا يمثل جهازها صفة رسمية ولا يتعاون بصفة رسمية مع أجهزة المخابرات الرسمية إلا إذا عمل لصالح هذا البلد فتستفيد المخابرات منه ومن المعلومات التي تقع تحت يديه.
العسكرية المتعددة
لم يكن النظام الخاص التابع للإخوان هو التشكيل الوحيد العسكري التابع للجماعات والأحزاب لكن معظم الأحزاب كان لها تشكيلا عسكريا مثل القمصان الزرقاء في حزب الوفد والقمصان الخضراء في حزب مصر الفتاة، والقمصان البنية في الحزب الوطني، وقمصان الكاكي في جوالة الإخوان.
كما وجدت جماعة أبناء عنايت ومجموعة حسين توفيق التي قامت باغتيال وزير المالية الوفدي أمين عثمان، كما كانت وجدة جماعة اليد السوداء التابعة للوفد وهي جماعة سرية وقامت باغتيال السيرلى ستاك البريطاني، وغيرها من الحركات والجماعات المسلحة التي قامت للتصدي للمحتل ومن عاونه. (6)
ظهرت تنظيمات أخرى فى مصر منها تنظيم القمصان الخضراء الذى أطلقه حزب مصر الفتاة فى عام 1933 والذى أخذ حزب الوفد منه الفكرة سريعاً لينشىء تنظيم القمصان الزرقاء من شباب الوفد ذى صبغة شبه عسكرية بطريقة علنية وقام الوفد بتمويل جماعته، وأصبح لها صحيفة ناطقة خاصة بها تسمى "الجهاد"، مستغلاً شعبيته الواسعة فى هذا الوقت.
المراجع
- رسالة إلى الشباب عامة وإلى الطلبة خاصة مجموعة رسائل الإمام حسن البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2007م، تقديم أ. مهدي عاكف، صـ 464.
- كمال، أحمد عادل: النقط فوق الحروف، الزهراء للإعلام العربي، طــ 1، 1986م، صـ 149.
- موقع المجد: مقال بعنوان تاريخ الجاسوسية، 21 مارس 2008م.
- الصلابي، علي محمد: السيرة النبوية، طـ 7، دار المعرفة; 1429هـ - 2008م
- الطبري، محمد بن جرير: تاريخ الأمم والملوك، دار الكتب العلمية – جـ 4- بيروت، الطبعة الأولى ، 1407هـ،.
- الرافعي، عبدالرحمن: فى أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919 - الجزء الثاني- دار المعارف- 1987م.