الإخوان المسلمون رؤية ورواية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوان المسلمون رؤية ورواية

الإخوان المسلمون رؤية ورواية

القسم الأول الرؤية

جوهر الجماعة في كلمات محددة

أيها الإخوان: أنتم لستم جمعية خيرية ولا حزبا سياسيا ولا هيئه موضعية لأغراض محدودة المقاصد.

ولكنكم روح جديد يسرى في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مرددا دعوه الرسول (صلي الله عليه وسلم)

ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس .

فإذا، قيل لكم إلام تدعون ؟

فقولوا ندعو إلى الإسلام الذي جاء به (صلي الله علية وسلم) والحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه فإن قيل لكم هذه سياسة !

فقولوا هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الأقسام

وإن قيل لكم أنتم دعاة ثوة

فقولوا نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به، فإن ثرتم علينا ووفقتم في طريق دعوتنا فقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا وكنتم الثائرين الظالمين - .

وإن قيل لكم إنكم تستعينون بالأشخاص والهيئات فقولوا "آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين"

فإن لجوا في عدوانهم فقولوا : "سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين "

أيها الإخوان :

آمنوا بالله واعتزوا بمعرفته والاعتماد عليه والاستناد إليه فلا تخافوا غيره ولا ترهبوا سواه وأدوا فرائضه واجتنبوا نواهيه.

وتخلقوا بالفضائل وتمسكوا بالكمالات . وكونوا أقوياء بأخلاقكم أعزاء بما وهب الله لكم من عزة المؤمنين وكرامة الأتقياء الصالحين .

وأقبلوا عذ القرآن تتدارسونه وعلى السيرة المطهرة تتذاكرونها، وكونوا عمليين لا جدليين ؟ فإذا هدى الله قوما ألهمهم العمل ؟ وما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه الا أوتوا لجد ل.

وتحابوا فيما بينكم، واحرصوا كل الحرص على رابطتكم فهي سر قوتكم وعماد نجاحكم ط واثبتوا حتى يفتح الله بينكم وبين قومكم بالحق وهو خير الفاتحين.

واسمعوا وأطيعوا لقيادتكم في الصم س واليسر والمن!ط والمكره، فهي رمز فكرتكم وحلقة الاتصال فما بينكم .

وترقبوا بعد ذلك نصر الله وتأييده . والفرصة آتية لا ريب فيها " يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم " الروم .

وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وسلك بنا وبكم مسالك الأحبار المهتدين " وأحيانا حياة الأعزاء السعداء وأماتنا موت المجاهدين والشهداء إله نعم المولى ونعم النصير .


يذكر الإمام حسن البنا رحمه الله ـ في رسالة المؤتمر الخامس ـ أن فَهْمه الشامل للإسلام، وتألُّمه لحال المسلمين، ويقينه أن لا سعادة للناس إلا بالعودة إلى الإسلام كما أنزله الله...

جعلته يسعى بين من يتوسّم فيهم الخير ليتعاون وإياهم على معالجة أدواء الأمة من خلال وضع أول نواة تكوينية في الإسماعيلية، وظهور هيئة " الإخوان المسلمين" في ذي القعدة 1347هـ - نيسان ابريل 1928.

وكان عهد، وكان موثق، أن يعمل كلّ منا لهذه الغاية، حتّى يتحوّل العرف العام في الأمّة إلى وجهة إسلامية صالحة"..

ويُبيّن الإمام البنّا فهمه للإسلام، هذا الفهم الذي قامت عليه الجماعة، ويسمّى ذلك إسلام الإخوان المسلمين فيقول ما خُلاصته:

إسلام الإخوان المسلمين:

اسمحوا لي أيها الإخوان أن أستخدم هذا التعبير، ولست أعني به أن للإخوان المسلمين إسلاما جديدا غير الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه، وإنما أعني أن كثيرا من المسلمين في كثير من العصور خلعوا على الإسلام نعوتا وأوصافا وحدودا ورسوما من عند أنفسهم، واستخدموا مرونته وسعته استخداما ضارا - مع أنها لم تكن إلا للحكمة السامية - فاختلفوا في معنى الإسلام اختلافا عظيما، وانطبعت للإسلام في نفوس أبنائه صور عدة تقرب أو تبعد أو تنطبق على الإسلام الأول الذي مثله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه خير تمثيل.

فمن الناس من لا يرى الإسلام شيئا غير حدود العبادة الظاهرة فإن أداها أو رأى من يؤديها اطمأن إلى ذلك ورضي به وحسبه قد وصل إلى لب الإسلام، وذلك هو المعنى الشائع عند عامة المسلمين،

ومن الناس من لا يرى الإسلام إلا الخلق الفاضل والروحانية الفياضة، والغذاء الفلسفي الشهي للعقل والروح، والبعد بهما عن أدران المادة الطاغية الظالمة.

ومنهم من يقف إسلامه عند حد الإعجاب بهذه المعاني الحيوية العملية في الإسلام فلا يتطلب النظر إلى غيرها ولا يعجبه التفكير في سواها،

ومنهم من يرى الإسلام نوعا من العقائد الموروثة والأعمال التقليدية التي لا غناء فيها ولا تقدم معها، فهو متبرم بالإسلام وبكل ما يتصل بالإسلام، وتجد هذا المعنى واضحا في نفوس كثير من الذين ثقفوا ثقافة أجنبية ولم تتح لهم فرص حسن الاتصال بالحقائق الإسلامية فهم لم يعرفوا عن الإسلام شيئا أصلا، أو عرفوه صورة مشوهة بمخالطة من لم يحسنوا تمثيله من المسلمين.

وتحت هذه الأقسام جميعا تندرج أخرى يختلف نظر كل منها إلى الإسلام عن نظر الآخر قليلا أو كثيرا، وقليل من الناس أدرك الإسلام صورة كاملة واضحة تنتظم هذه المعاني جميعا.

ولهذا أحببت أن أتحدث لحضراتكم في إيجاز عن معنى الإسلام وصورته الماثلة في نفوس الإخوان المسلمين، حتى يكون الأساس الذي ندعو إليه ونعتز بالانتساب له والاستمداد منه واضحا جليا:

نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنتظم شؤون الناس في الدنيا وفي الآخرة، وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحي مخطئون في هذا الظن، فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف. والقرآن الكريم ينطق بذلك كله ويعتبره من لب الإسلام ومن صميمه ويوصي بالإحسان فيه جميعه، وإلى هذا تشير الاية الكريمة: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) (القصص).

واقرأ في القرآن وفي الصلاة إن شئت قول الله تبارك وتعالى في العقيدة والعبادة: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) (البينة).

وتقرأ قوله تعالى في الحكم والقضاء والسياسة: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم. ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (النساء)

وتقرأ قوله تعالى في الدين وفي التجارة: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا، فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها واشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد) (البقرة(.

وتقرأ قوله تعالى في الجهاد والمال والغزو: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم. ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة، ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم) (النساء) ...

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة البارعة في هذه الأغراض نفسها وفي غيرها من الآداب العامة وشؤون الاجتماع.

والصور المتعددة للإسلام الواحد في نفوس الناس – كما سبق الحديث عنها- جعلتهم يختلفون اختلافا بينا في فهم الإخوان المسلمين وتصور فكرتهم،

فمن الناس من تصور الإخوان المسلمين جماعة وعظية إرشادية كل همها أن تقدم للناس العظات فتزهدهم في الدنيا وتذكرهم الآخرة،

ومنهم من تصور الإخوان المسلمين طريقة صوفية تعنى بتعليم الناس ضروب الذكر وهون العبادة وما يتبع ذلك من تجرد وزهادة،

ومنهم من ظنهم جماعة نظرية فقهية كل همها أن تقف عند طائفة من الأحكام تجادل فيها وتناضل عنها وتحمل الناس عليها وتخاصم أو تسالم من لم يسلم بها معها،

وقليل من الناس خالطوا الإخوان المسلمين وامتزجوا بهم ولم يقفوا عند حدود السماع ولم يخلعوا على الإخوان المسلمين إسلاما يتصورونه هم، فعرفوا حقيقتهم وأدركوا كل شيء عن دعوتهم علما وعملا.

فقد اتصل الإخوان بكتاب الله واستلهموه واسترشدوه فأيقنوا أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل، وأنه يجب أن يهيمن على كل شؤون الحياة وأن تصطبغ جميعها به وأن تنزل على حكمه وأن تساير قواعده وتعاليمه وتستمد منها ما دامت الأمة تريد أن تكون مسلمة إسلاما صحيحا،

أما إذا أسلمت في عبادتها وقلدت غير المسلمين في بقية شؤونها، فهي أمة ناقصة الإسلام تضاهىء الذين قال الله تعالى فيهم: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) (البقرة).

إلى جانب هذا يعتقد الإخوان أن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها هو كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذان إن تمسكت بهما الأمة فلن تضل أبدا؟

وأن كثيرا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها.

ولهذا يجب أن تستقى النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي معين السهولة الأولى، وأن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية النبوية حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما يقيدنا الله به، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه، والإسلام دين البشرية جميعا.

وإلى جانب هذا أيضا يعتقد الإخوان المسلمون أن الإسلام كدين عام انتظم كل شؤون الحياة في كل الشعوب والأمم لكل الأعصار والأزمان، جاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة وخصوصا في الأمور الدنيوية البحتة، فهو إنما يضع القواعد الكلية في كل شأن من هذه الشؤون، ويرشد الناس إلى الطريق العملية للتطبيق عليها والسير في حدودها.

ولضمان الحق والصواب في هذا التطبيق أو تحريهما على الأقل، عني الإسلام عناية تامة بعلاج النفس الإنسانية وهي مصدر النظم ومادة التفكير والتصوير والتشكل، فوصف لها من الأدوية الناجعة ما يطهرها من الهوى ويغسلها من أدران الغرض والغاية ويهديها إلى الكمال والفضيلة، ويزجرها عن الجور والقصور والعدوان؟

وإذا استقامت النفس وصفت فقد أصبح كل ما يصدر عنها صالحا جميلا.

فكرة الإخوان المسلمين تضم كل المعاني الإصلاحية

كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الإصلاحية، وأصبح كل مصلح مخلص غيور يجد فيها أمنيته، والتقت عندما آمال محبي الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها، وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك، أن الإخوان المسلمين:

دعوة سلفية: لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.

وطريقة سنية: لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.

وحقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير.

وهيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج، وتربية الشعب على العزة والكرامة والحرص على قوميته إلى أبعد حد.

وجماعة رياضية: لأنهم يعنون بجسومهم، ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن لبدنك عليك حقا) .. وأن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تؤدى كاملة صحيحة إلا بالجسم القوي، فالصلاة والصوم والحج والزكاة لا بد لها من جسم يحتمل أعباء الكسب والعمل والكفاح في طلب الرزق، ولأنهم تبعا لذلك يعنون بتشكيلاتهم وفرقهم الرياضية عناية تضارع وربما فاقت كثيرا من الأندية المتخصصة بالرياضة البدنية وحدها.

ورابطة علمية ثقافية: لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، ولأن أندية الإخوان هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح.

وشركة اقتصادية: لأن الإسلام يعنى بتدبير المال وكسبه من وجهه وهو الذي يقول نبيه صلى الله عليه وسلم: (نعم المال الصالح للرجل الصالح) .. ويقول: (من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له) ... (إن الله يحب المؤمن المحترف).

وفكرة اجتماعية : لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها.

وهكذا نرى أنشمول معنى الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولا لكل مناحي الإصلاح، ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحي، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلى ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعا ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعا.

ومن هنا كان كثير من مظاهر أعمال الإخوان يبدو أمام الناس متناقضا وما هو بمتناقض.

فقد يرى الناس الأخ المسلم في المحراب خاشعا متبتلا يبكي ويتذلل، وبعد قليل يكون هو بعينه واعظا مدرسا يقرع الأذان بزواجر الوعظ، وبعد قليل تراه نفسه رياضيا أنيقا يرمي بالكرة أو يدرب على العدو أو يمارس السباحة، وبعد فترة يكون هو بعينه في متجره أو معمله يزاول صناعته في أمانة وفي إخلاص. هذه مظاهر قد يراها الناس متنافرة لا يلتئم بعضها ببعض، ولو علموا أنها جميعا يجمعها الإسلام ويأمر بها الإسلام ويحض عليها الإسلام لتحققوا فيها مظاهر الالتئام ومعاني الانسجام، ومع هذا الشمول فقد اجتنب الإخوان كل ما يؤخذ على هذه النواحي من المآخذ ومواطئ النقد والتقصير.

كما اجتنبوا التعصب للألقاب إذ جمعهم الإسلام الجامع حول لقب واحد هو "الإخوان المسلمون".

وبالإجمال يمكن القول أن دعوة دعوة الإخوان وفهمهم للإسلام يمكن تركيزها النقاط التالية:

1 – الشّمول

أحكام الإسلام تنتظم شؤون النّاس في الدنيا والآخرة.

فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف.

2 – الرّبانية

أساس أحكام الإسلام ومعينها كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولن تضلّ الأمة ما تمسّكت بالكتاب والسنّة، وإن كثيراً من الآراء والعلوم التي اتّصلت بالإسلام إنّما تلوّنت بلون العصر الذي نشأت فيه، ولهذا يجب أن نستقي النظم الإسلامية التي تُحمل عليها الأمة، من هذا المعين الصّافي، وأن نفهم الإسلام كما فهمه الصحابة والتابعون من السّلف الصالح رضي الله عنهم.

3 – الواقعيّة

الإسلام دين البشرية كلّها، في عصورها جميعاً، وفي جوانب الحياة كلّها، فمن واقعيّته أن يرسم القواعد الكليّة، ويدع كثيراً من التفصيلات والجزئيات، لا سيّما في شؤون الدّنيا. وأن يُعالج النفس الإنسانية من أمراضها، ويسمو بها في آفاق الكمال. فبالقواعد الكلية والتوجيهات العامة لشؤون الحياة المتطوّرة (مع ضبط مفصّل للشؤون الثابتة) ومع تهذيب للنفس البشرية وتطهير... تنطلق الحياة نظيفة في ظلّ الإسلام.

غاية الإخوان المسلمين وخصائص دعوتهم:

يتساءل الكثيرون عن غاية الإخوان المسلمين وأهدافهم، وهذا حق مشروع لهم، وواجب علينا أن نوضح ذلك لكل الناس، وأن نكون معهم صرحاء،

وفي ذلك يقول الإمام البنا: ( نحب أن نصارح الناس بغايتنا، وأن نجلي أمامهم منهجنا، وأن نوجه إليهم دعوتنا، في غير لبسٍ ولا غموضٍ، أضوأ من الشمس، وأوضح من فلق الصبح، وأبين من غرة النهار"

رسالة دعوتنا.

نستطيع أن نقول إن للإخوان المسلمين غاية قريبة يبدو هدفها، وتظهر ثمرتها منذ الوهلة الأولى لكل من يتصل بالإخوان المسلمين أو يعرفهم عن قربٍ أو بعدٍ، يقول عنها الإمام البنا:

" فأما الغاية الأولى فهي المساهمة في الخير العام أيَّاً كان لونه ونوعه، والخدمة الاجتماعية كلما سمحت بها الظروف"

رسالة المؤتمر السادس.

علاوة على ذلك فإن للإخوان المسلمين غاية أساسية، يهتفون بها، ويعملون من أجلها، وفي ذلك يقول الإمام المؤسس: ( أما غاية الإخوان الأساسية... أما هدف الإخوان الأسمى... أما الإصلاح الذي يريده الإخوان ويهيئون له أنفسهم: فهو إصلاح شامل كامل، تتعاون عليه قوي الأمة جميعاً، وتتجه نحوه الأمة جميعاً، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل)

رسالة المؤتمر السادس

ولذلك فالإخوان المسلمون عندما يهتفون ( الله غايتنا ) فإنهم يعنون أن غايتهم عبادة الخالق بهداية البشر إلى الحق، وإرشاد الناس جميعاً إلى الخير، وإنارة العلم بشمس الإسلام.

يقول الإمام البنا:

( إن القرآن حدد غايات الحياة ومقاصد الناس فيها فبيَّن أن قوماً غايتهم من الحياة: الأكل والمتعة، فقال تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) ... سورة محمد الآية ( 12 )

وبين أن قوماً مهمتهم في الحياة الزينة والعرض الزائل، فقال تبارك و تعالى: ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ... سورة آل عمران الآية ( 14 ).

وبين أن قوماً آخرين شأنهم في الحياة إيقاد الفتن وإحياء الشرور، أولئك الذين قال الله فيهم: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) ...( سورة البقرة).

تلك مقاصد من مقاصد الناس في الحياة نزه الله المؤمنين عنها، وبرأهم منها وكلفهم مهمة أرقى، وألقى على عاتقهم واجباً أسمى ذلك الواجب هو:

هداية الناس إلى الحق، وإرشاد الناس جميعاً إلى الخير، وإنارة العالم كله بشمس الإسلام، فذلك قوله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) ) ... سورة الحج.

ومن هنا أكد الإمام المؤسس أن: ( إن غاية الإخوان المسلمين تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية(صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ( البقرة)

رسالة المؤتمر الخامس.

وهده الغاية العظمي وتلك المهمة الجليلة كما أوشح الإمام المؤسس تتكلب ممن يحملها ويعمل من أجل تحقيقها إلى التضحيات العظيمة في سبيلها،

وفي هذا يقول الإم البنا: ( بيَّن الله- تبارك وتعالى- أن المؤمن في سبيل هذه الغاية قد باع نفسه لله وماله، فليس له فيها من شيءٌ، وإنما هي وقفٌ على نجاح هذه الدعوة وإيصالها إلى قلوب الناس، وذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ... سورة التوبة الآية ( 111 ).

ومن ذلك ترى أن المسلم يجعل دنياه وقفاً على دعوته؛ ليكسب آخرتـه جـزاء تضحيته) ...

رسالة إلى أي شيء ندعو الناس.

رسالة الإخوان المسلمين:

وفي ضوء هذه الغاية حرص الإمام المؤسس على تبيان والـاكيد على الرسالة التي يعمل لها الإخوان المسلمون في أكثر من موضع في الرسائل، فقال: ( إن مهمة المسلم الحق لخصها الله تبارك وتعالى في آية واحدة من كتابه، ورددها القرآن الكريم بعد ذلك في عدة آيات، فأما تلك الآية التي اشتملت على مهمة المسلمين في الحياة فهي قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الحج.......

1 - يأمر الله المسلمين أن يركعوا ويسجدوا وأن يقيموا الصلاة التي هي لب العبادة وعمود الإسلام وأظهر مظاهره، وأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأن يفعلوا الخير ما استطاعوا، وهو حين يأمرهم بفعل الخير ينهاهم بذلك عن الشر وإن من أول الخير أن تترك الشر، فما أوجز وما أبلغ ! ورتب لهم على ذلك النجاح والفلاح والفوز وتلك هي المهمة الفردية لكل مسلم التي يجب عليه أن يقوم بها بنفسه في خلوة أو جماعة.

2 - ثم أمرهم بعد ذلك أن يجاهدوا في الله حق جهاده بنشر هذه الدعوة وتعميمها بين الناس بالحجة و البرهان)

رسالة إلى أي شيء ندعو الناس.

وعلى هذا جعل الإخوان المسلمين من مهمتهم ورسالتهم كما يقول الإمام البنا:

1 – ( إرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الإنسان.

تلك هي الرسالة التي يريد الإخوان المسلمون أن يبلغوها للناس، وأن تفهمها الأمة الإسلامية حق الفهم، وتهبَّ لإنفاذها في عزم وفي مضاء، لم يبتدعها الإخوان ابتداعاً، ولم يختلقوها من أنفسهم، وإنما هي الرسالة التي تتجلى في كل آية من آيات القرآن الكريم، وتبدو في غاية الوضوح في كل حديث من أحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وتظهر في كل عمل من أعمال الصدر الأول، الذين هم المثل الأعلى لفهم الإسلام، وإنفاذ تعاليم الإسلام، فإن شاء المسلمون في أن يقبلوا هذه الرسالة كان ذلك دليل الإيمان والإسلام الصحيح، وإن رأوا فيها حرجاً أو غضاضة فبيننا وبينهم كتاب الله تبارك وتعالى، حكم عدل، وقول فصل، يحكم بيننا وبين إخواننا، ويظهر الحق لنا أو علينا: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) .. سورة الأعراف الآية ( 89 )

رسالة إلى أي شيء ندعو الناس.

2- تخليص الأمة من قيودها السياسية، وبناؤها من جديد لتسلك طريقها بين الأمم، وفي ذلك يقول الإمام البنا: ( ولقد كانت المهمة ذات شطرين:

أولهما: تخليص الأمة من قيودها السياسية حتى تنال حريتها، ويرجع إليها ما فقدت من استقلالها وسيادتها.

وثانيهما: بناؤها من جديد؛ لتسلك طريقها بين الأمم، وتنافس غيرها في درجات الكمال الاجتماعي) ...

رسالة نحو النور.

3 – الوقوف بوجه مدنية المادة، وفي ذلك يقول الإمام البنا: ( أما مهمتنا إجمالاً: فهي أن نقف في وجه هذه الموجة الطاغية من مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات، التي جرفت الشعوب الإسلامية، فأبعدتها عن زعامة النبي صلى الله عليه وسلم وهداية القرآن، وحرمت العالم من أنوار هديها، وأخرت تقدمه مئات السنين، حتى تنحسر عن أرضنا، ويبرأ من بلائها قومنا) .

رسالة تحت راية القرآن.

4 – إقامة النظام الإسلامي الشامل، وفي ذلك يقول الإمام البنا: ( أما مهمتنا تفصيلاً..

فهي أن يكون في مصر أولاً – بحكم أنها في المقدمة من دول الإسلام وشعوبه – ثم في غيرها كذلك:

( أ ) نظام داخلي للحكم، يتحقق به قول الله تبارك وتعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ( ... سورة المائدة

( ب ) ونظام للعلاقات الدولية، يتحقق به قول القرآن الكريم: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) سورة البقرة.

( ج ) ونظام عملي للقضاء يستمد من الآية الكريمة: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)... سورة النساء.

( د ) ونظام للدفاع والجندية، يحقق مرمى النفير العام: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ... سورة التوبة.

( هـ ) ونظام اقتصادي استقلالي للثروة والمال والدولة والأفراد، أساسه قوله تعالى: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) ... سورة النساء.

( و ) ونظام للثقافة والتعليم، يقضي على الجهالة والظلام، ويطابق جلال الوحي في أول آية من كتاب الله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)... سورة العلق.

( ز ) ونظام للأسرة والبيت، ينشئ الصبي المسلم، والفتاة المسلمة، والرجل المسلم، ويحقق قوله تعالى: ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) ... سورة التحريم.

( ح ) ونظام للفرد في سلوكه الخاص، يحقق الفلاح المقصود بقوه تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) ... سورة الشمس.

( ط ) وروح عام يهيمن على كل فرد في الأمة من حاكم ومحكوم، قوامه قول الله تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) ... سورة القصص.

( ك ) نحن نريد: الفرد المسلم، والبيت المسلم، والشعب المسلم، والحكومة المسلمة، والدولة التي تقود الدول الإسلامية، وتضم شتات المسلمين، وتستعيد مجدهم، وترد عليهم أرضهم المفقودة، وأوطانهم المسلوبة، وبلادهم المغصوبة، ثم تحمل لواء الدعوة إلى الله، حتى تسعد العالم بتعاليم الإسلام) ... رسالة تحت راية القرآن.

أهداف الإخوان المسلمين:

إن لهذه الرسالة والمهمة أهداف تنبثق عنها، يسعى الإخوان المسلمون لتحقيقها، ويقدمون في سبيلها الكثير من التضحيات والبذل والعطاء، ويوقنون أن هذه الأهداف مهمة عظيمة، وأمانة ثقيلة، تحتاج إلى همم الرجال، وصدق المخلصين، وعزائم المجاهدين والدعاة المصلحين من أبناء هذه الأمة.

وأهداف الإخوان المسلمين منها أهداف عامة، وأهداف تفصيلية:


أولاً: أهداف الإخوان العامة:

يقول الإمام البنا:

( أهدافنا العامة:

ماذا نريد أيها الإخوان ؟

أنريد جمع المال وهو ظل زائل ؟

أم سعة الجاه وهو عرض حائل ؟

أم نريد الجبروت في الأرض: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ... سورة الأعراف.

ونحن نقرأ قول الله تبارك وتعالي: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ... سورة القصص.

شهد الله أننا لا نريد شيئاً من هذا، وما لهذا عملنا، ولا إليه دعونا، ولكن اذكروا دائما أن لكم هدفين أساسيين:

1 - أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي وذلك حق طبيعي لكل إنسان، لا ينكره إلا ظالم جائر أو مستبد قاهر.

2 - أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة، تعمل بأحكام الإسلام، وتطبق نظامه الاجتماعي، وتعلن مبادئه القويمة، وتبلغ دعوته الحكيمة الناس، وما لم تقم هذه الدولة فإن المسلمين جميعاً آثمون مسؤولون بين يدي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها وقعودهم عن إيجادها. ومن العقوق للإنسانية في هذه الظروف الحائرة أن تقوم فيها دولة تهتف بالمبادئ الظالمة وتنادي بالدعوات الغاشمة ولا يكون في الناس من يعمل لتقوم دولة الحق والعدالة والسلام.

نريد تحقيق هذين الهدفين في وادي النيل، وفي بلاد العروبة، وفي كل أرض أسعدها الله بعقيدة الإسلام دين وجنسية، وعقيدة توحد بين جميع المسلمين) ... رسالة بين الأمس واليوم.


ثانياً: أهداف الإخوان الخاصة:


أما الأهداف الخاصة للإخوان المسلمين فمعروفة، ومنها:

أولاً: إعداد الفرد ( إعداد الرجال ):

يحدد الإمام البنا متطلبات الأخ الصادق فيقول: ( إصلاح نفسه حتى يكون: قوي الجسم، متينَ الخلق، مثقفَ الفكر، قادراً على الكسب، سليمَ العقيدة، صحيحَ العبادة، مجاهداً لنفسه، حريصاً على وقته، منظماً في شؤونه، نافعاً لغيره) ... رسالة التعاليم.

وقال الإمام البنا:( نريد أولا الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته، وفي خلقه وعاطفته، وفي عمله وتصرفه. فهذا هو تكويننا الفردي) ... رسالة إلى الشباب.

  • يقول الأستاذ البنا:( إن الرجل سر حياة الأمم، وإن تاريخ الأمم جميعا هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات ...

وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة ...

وإني أعتقد - والتاريخ يؤيدني- أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته، وفي وسعه أن يهدمها كذلك، إذا توجهت هذه الرجولة إلى ناحية الهدم لا ناحية البناء) ... رسالة هل نحن قوم عمليون.

ثانيا: بناء الأسرة:

قال الإمام البنا:( ونريد بعد ذلك البيت المسلم في تفكيره وعقيدته، وفي خلقه وعاطفته، وفي عمله وتصرفه، ونحن لهذا نعنى بالمرأة عنايتنا بالرجل، ونعنى بالطفولة عنايتنا بالشباب، وهذا هو تكويننا الأسري) ... رسالة إلى الشباب.

وقال الإمام البنا:( وتكوين بيت مسلم، بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في كل مظاهر الحياة المنزلية، وحسن اختيار الزوجة وتوقيفها على حقها وواجبها، وحسن تربية الأولاد والخدم وتنشئتهم على مبادئ الإسلام) ... رسالة التعاليم.

ثالثا: إرشاد المجتمع:

قال الإمام البنا:( ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أيضاً، ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت، وأن يسمع صوتنا في كل مكان، وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار، لا نألو في ذلك جهداً، ولا نترك وسيلة) ... رسالة إلى الشباب.

فهدف الإخوان بعد الفرد المسلم، والبيت المسلم كما يقرر الإمام البنا:( إرشاد المجتمع: بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائماً) ... رسالة التعاليم.

رابعا: إصلاح الحكومة وإقامة الدولة على أسس مرجعية الإسلام :

قال الإمام البنا:( وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وبذلك تؤدي مهمتها كخادم للأمة وأجير عندها، وعامل على مصلحتها، والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير مجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه

ومن صفاتها: الشعور بالتبعة، والشفقة على الرعية والعفة عن المال العام والاقتصاد فيه

ومن واجباتها: صيانة الأمن، وإنفاذ القانون، ونشر التعليم، وإعداد القوة، وحفظ الصحة ورعاية المنافع العامة، وتنمية الثروة، وحراسة المال، وتقوية الأخلاق، ونشر الدعوة.

ومن حقها - متى أدت ذلك: الولاء والطاعة، والمساعدة بالنفس والأموال.

فإذا قصرت: فالنصح والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ... رسالة التعاليم.

خامسا: إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية ( التمثيل الموحد للأمة الإسلامية ):

فإذا كان الأعداء يقيمون تكتلات متنوعة اقتصادياً، وسياسياً، ومالياً، وتجارياً، فأولى بالأمة الإسلامية أن تسعى إلى وجود كيان يوحدها، وهذا هدف من أهداف الإخوان المسلمون، يقول الإمام البنا:

( وإعادةُ الكيان الدولي للأمة الإسلامية، بتحرير أوطانها، وإحياء مجدها، وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها، حتى يؤدي ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة، والوحدة المنشودة) ... رسالة التعاليم.

ويفصل الأستاذ البنا هذا الهدف المحوري في رسالة أخرى، فيقول:

( الإخوان يعتقدون أن الخلافةَ رمزَ الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وإنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها، والاهتمام بشأنها، والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله، ولهذا قدم الصحابة - رضوان الله عليهم - النظر في شأنها على تجهيز النبي - صلى الله عليه وسلم - ودفنه، حتى فرغوا من تلك المهمة، واطمأنوا إلى إنجازها 000 والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم، وهم مع هذا يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات التي لابد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لابد أن تسبقها خطوات) ... رسالة المؤتمر الخامس.

سادسا: تحقيق السيادة والأستاذية:

يقول الإمام البنا: ( وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(سورة الأنفال )، ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) ... سورة التوبة... رسالة التعاليم .

وعندما ندقِّق النظر والرؤية في هذه الأهداف نخلص إلى الآتي:

1 - تكامل الأهداف: فبداية الإصلاح هو الفرد والبيت والمجتمع، ولا يمكن بناء مجتمع دون بيوت مسلمة، ولا نستطيع تكوين بيوت مسلمة إلا بوجود الفرد المسلم ( الزوج والزوجة ) أساسًا للبناء والنهضة والتغيير، وهذه المراتب الثلاثة تسير جنبًا إلى جنب بصورةٍ مترابطةٍ ومتكاملةٍ، كما أنها تسلِّم بعضها بعضًا.

2 - شمول الأهداف: فمراتب ركن العمل التي ذكرها الإمام البنا تناولت كل عناصر النهضة؛ فلم يكتفِ الإمام بمرتبة إصلاح الفرد وتكوين البيت وإرشاد المجتمع، بل كان حريصًا على تحرير الأوطان، وإصلاح الحكومة، وإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية وأستاذية العالم، فتصبح هذه الأهداف الشاملة لجميع جوانب الإصلاح المنشود تمثِّل الإطار العام لجهود المصلحين والدعاة والمخلصين من أبناء الأمة.

3 - واقعية الأهداف: لأن هذه الأهداف تسعى إلى إحداث تغيير تدريجي وليس فوريًّا.. تغيير جذري لا فوقي، وعميق لا سطحي، تشارك فيه الأمة ولا ننوب عنها

ولقد تحققت هذه الأهداف بنسبٍ متفاوتة، ولكن إجمالاً لا يمكن تحقيقُها وتطبيقُها، وليست خيالاً وآمالاً صعبةَ المنال.

4 - دقة الأهداف: فصياغة كل هدف مُحكَمةٌ ودقيقة ومُعبِّرة عن المقصود، فعندما تحدَّث الإمام عن مرتبة الفرد وصفها بـ" إصلاح الفرد نفسه "؛ لأن بناء الفرد وشخصيته تحتاج إلى إصلاح تنمية الجوانب الإيجابية وعلاج جوانب القصور والضعف.

5 - معيارية الأهداف: فنجد أن الإمام البنا يحدد لكل مرتبة أو هدف مظاهرَ تُحقِّقه والتي يمكن القياس عليها في مدى تحقق الهدف؛ ففي مرتبة الفرد المسلم يحدد صفات المسلم العشر- مثقف الفكر، متين الخلف...إلخ- كمظاهر تحقُّقٍ لها.

وهذه الأهداف والمراحل قد يراها الناس خيالاً ولكن المسلم الواثق بنصر الله ومدده يراها حقيقة ماثلة أمامه ﴿والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾. يوسف: 21 ﴿ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم ﴾ الرّوم: 4-5.

ولقد ابتُليت جماعةالإخوان المسلمين في كل الأقطار التي وجدت بها أشدّ الابتلاء على يد الطواغيت وأذناب الأجنبي والدخيل الطامع في ثروات المسلمين، ولكنّها صمدت وصبرت وبقيتْ وزال الطواغيت وما زادتها هذه المحن والمصائب إلا إيماناً بسلامة الطريق والنّهج، وإيماناً بوعد الله ونصره، فكانت بذلك الجماعة الإسلامية المرشّحة لأن تقود المسلمين إلى شاطئ العزّ والأمان والخير.

حديث في الوسائل


إذا كانت غاية الجماعة الكلية هي تكوين جيل من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل على صبغ الأمة بالصّبغة الإسلامية الكاملة في كلّ مظاهر حياتها.

فما هي الوسائل التي يتخذها الإخون في سبيل تحقيق ذلك :

يقول الإمام المؤسس :

"وسائلنا العامة : كيف نصل إلى هذه الأهداف ؟

إن الخطب والأقوال والمكاتبات والدروس المحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء كل ذلك وحده لا يجدي نفعا ولا يحقق غاية ولا يصل بالداعين إلى هدف من الأهداف ؟

ولكن للدعوات وسائل لا بد من الأخذ بها والعمل لها .

والوسائل العامة للدعوات لا تتغير ولا تتبدل ولا تعدو هذه الأمور الثلاثة :

1 - الإيمان العميق.

2- التكوين الدقيق .

3 - العمل المتواصل .

ويضيف الإمام البنا: " تلك هي وسائلكم العامة أيها الإخوان فآمنوا بفكرتكم وتجمعوا حولها واعملوا لها واثبتوا عليها".

د) وسائل إضافية :

قد تكون إلى جانب هذه الوسائل العامة وسائل إضافية لا بد من الأخذ بها وسلوك سبيلها، منها السلبي ومنها الإيجابي، ومنها ما يتفق مع عرف الناس ومنها ما يخرج على هذا العرف ويخالفه ويناقضه، ومنها ما فيه لين ومنها مأ فيه شدة، ولا بد أن نروض أنفسنا على تحمل ذلك كله والأعداد لهذا كله حتى نضمن النجاح .

قد يطلب إلينا أن نخالف عادات ومألوفات وأن نخرج على نظم وأوضاع ألفها الناس وتعارفوا عليها، وليست الدعوة في حقيقة أمرها إلا خروجا على المألوفات وتغييرا للعادات والأوضاع "..

في السياسات العامة للجماعة:

السياسات هي المبادئ الحاكمة للعمل وما يرتبط بها من قواعد، لتترجم المنطلقات والتوجهات إلى صيغ مرشدة لتوجيه مسيرة الحركة نحو الهداف المعتمدة.

- النضال الدستوري السلمي من أجل تحرير الأوطان:

لقد جعل الإخوان المسلمين النضال الدستوري السلمي من سياستهم واستراتيجياتهم العامة، يقول الإمام البنا: ( ثم النضال الدستوري حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية، وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية، وعلى هذا الأساس سيتقدم مرشحو الإخوان حين يجيء الوقت المناسب إلى الأمة ليمثلوها في الهيئات النيابية، ونحن واثقون بعون الله من النجاح ما دمنا نبتغي بذلك وجه الله (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (سورة الحج ) ...

رسالة المؤتمر السادس.


- البعد عن مواطن الخلاف الفقهي:


يقول الإمام البنا: ( ونحن نعتقد أن الخلاف في فروع الدين أمر لا بد منه ضرورة، ولا يمكن أن نتحد في هذه الفروع والآراء والمذاهب، لأسباب عدة منها:

  • اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه وإدراك الدلائل والجهل بها والغوص على أعماق المعاني، وارتباط الحقائق بعضها ببعض، ووالدين آيات وأحاديث ونصوص، يفسرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها، والناس في ذلك جد متفاوتين، فلابد من خلاف ..
  • ومنها سعة العلم وضيقة، وإن هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك، والآخر شأنه كذلك،

وقد قال الإمام مالك لأبي جعفر المنصور: إن أصحاب رسول الله قد تفرقوا في الأمصار وعند كل قوم علم، فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة.

  • ومنها اختلاف البيئات حتى أن التطبيق ليختلف باختلاف كل بيئة، وإنك لترى الإمام الشافعي رضي الله عنه يفتي بالقديم في العراق ويفتي بالجديد في مصر وهو في كليهما آخذ بما استبان له وما اتضح عنده، لا يعدو أن يتحرى الحق في كليهما ...
  • ومنها اختلاف الاطمئنان القلبي إلى الرواية عند التلقين لها، فبينما هذا الراوي ثقة عند هذا الإمام تطمئن إليه نفسه، وتطيب بالأخذ عنه، تراه مجروحاً عند غيره لما علم عن حاله ...
  • ومنها اختلاف تقدير الدلالات فهذا يعتبر عمل الناس مقدماً على خبر الآحاد مثلاً وذاك لا يقول معه به وهكذا ...
  • كل هذه أسباب جعلتنا نعتقد ـ نحن الإخوان المسلمين ـ أن الإجماع على واحد في فروع الدين مطلب مستحيل، بل يتنافى مع طبيعة الدين، وإنما يريد الله لهذا الدين أن يبقى ويخلد ويساير العصور ويماشي الأزمان، وهو لهذا سهل لين لا جمود وفيه و لا تشديد) ...
رسالة دعوتنا.


ويقول الإمام البنا: ( والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سبباً للتفرق في الدين، ولا يؤدي إلى خصومة أو بغضاء، ولكل مجتهد أجره، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقية، من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم أو التعصب) ... رسالة التعاليم.


- البعد عن هيمنة الكبراء والأعيان:


إن من السياسات العامة التي تميز الجماعة، البعد عن هيمنة الكبراء والأعيان، وفي ذلك يقول الإمام البنا:

( وأما البعد عن هيمنة الكبراء والأعيان فلانصرافهم عن هذه الدعوة الناشئة المجردة من الغايات والأهواء إلى الدعوات القائمة، التي تستتبع المغانم وتجر المنافع ولو في ظن الناس لا في حقيقة الحال، ولأننا معشر القائمين بدعوة الإخوان تعمدنا هذا لأول عهد الدعوة بالظهور؛ وحتى لا يطمس لونها الصافي لون آخر من ألوان الدعوات التي يروج لها هؤلاء الكبراء، وحتى لا يحاول أحد منهم أن يستغلها ويوجهها في غير الغاية التي تقصد إليها.....

وعلى هذا ظل هذا الصنف بعيداً عن الإخوان، اللهم إلا قليلاً من الأكرمين الفضلاء يفهم فكرتهم، ويعطف على غايتهم، ويشارك في أعمالهم، ويتمنى لهم السداد والنجاح) ... رسالة المؤتمر الخامس.

4 - التدرج في الخطوات واعتماد المرحليات:

يقول الإمام البنا موضحاً منهج التدرج في الخطوات: ( وأما التدرج والاعتماد على التربية ووضوح الخطوات في طريق الإخوان المسلمين، فذلك أنهم اعتقدوا أن كل دعوة لابد لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج، وكثيراً ما تسير هذه المراحل الثلاث جنباً إلى جنب نظراً لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعاً، فالداعي يدعو، وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك.

ولكن لاشك في أن الغاية الأخيرة أو النتيجة الكاملة لا تظهر إلا بعد عموم الدعاية وكثرة الأنصار، ومتانة التكوين. في حدود هذه المراحل سارت دعوتنا ولا تزال تسير) ... رسالة المؤتمر الخامس.

ثم بين الإمام البنا أن نجاح الدعوة لن يكون إلا بالتدرج وفق هذه الخطوات فقال: ( أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم: اسمعوها مني كلمةً عاليةً داويةً من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع: إن طريقكم هذا مرسومة خطواته، موضوعة حدوده، ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقاً طويلةً ولكن ليس هناك غيرها. إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرةً قبل نضجها، أو يقتطف زهرةً قبل أوانها، فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلي غيرها من الدعوات، ومن صبر معي حتى تنمو البذرة، وتنبت الشجرة، وتصلح الثمرة، ويحين القطاف، فأجره في ذلك علي الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين: إما النصر والسيادة، وإما الشهادة والسعادة) ... رسالة المؤتمر الخامس.


- إيثار الناحية العملية على الناحية الدعائية والإعلانية:'


قال الإمام البنا في مقدمة رسالة المؤتمر الخامس: ( كنت أود أن نظل دائما نعمل ولا نتكلم، وأن نكل الأعمال وحدها الحديث عن الإخوان وخطوات الإخوان، وكنت أحب أن تتصل خطواتكم اللاحقة بخطواتكم السابقة في هدوء وسكون) ... رسالة المؤتمر الخامس.

وقال رحمه الله في موضع آخر: ( وأما إيثار الناحية العملية على الدعاية والإعلانات، فقد أثارها في نفوس الإخوان ودعا إليها في منهاجهم أمور: منها ما جاء في الإسلام خاصا بهذه الناحية بالذات، ومخافة أن تشوب هذه الأعمال شوائب الرياء، فيسرع إليها التلف والفساد. والموازنة بين هذه النظرة وبين ما ورد في إذاعة الخير والأمر به والمسارعة إلى إعلانه ليتعدى نفسه، أمر دقيق قلما يتم إلا بتوفيق.

ومنها نفور الإخوان الطبيعي من اعتماد الناس على الدعايات الكاذبة والتهريج الذي ليس من ورائه عمل، وما أنتجه في هذه الأمة من أثر سيئ، وتضليل كبير، وفساد ملموس.

ومنها ما كان يخشاه الإخوان من معاجلة الدعوة بخصومة حادة، أو صداقة ضارة، ينتج عن كليهما تعويق في السير، أو تعطيل عن الغاية.

كل هذه أمور وضعها الإخوان في ميزانهم وآثروا أن يسيروا في دعوتهم بجد وإسراع وإن لم يشعر بهم إلا من حولهم، وإن لم يؤثر ذلك إلا في محيطهم.

قليل من الناس من يعرف أن الداعية من دعاة الإخوان قد يخرج من عمله المصلحي في عصر الخميس، فإذا هو في العشاء بالمنيا يحاضر الناس، و إذا هو في صلاة الجمعة يخطب بمنفلوط، فإذا هو في العصر يحاضر بأسيوط، وبعد العشاء يحاضر بسوهاج، ثم يعود أدراجه هادئ النفس مطمئن القلب يحمد الله على ما وفقه إليه و لا يشعر به إلا الذين استمعوه.

هذا مجهود لو قام به غير الإخوان لملأ الدنيا صياحا ودعاية، ولكن الإخوان ـ لما قدمت ـ يؤثرون ألا يراهم الناس إلا عاملين، فمن أقنعه العمل فبها، ومن لم يؤثر فيه العمل فلن يرشده القول) ... رسالة المؤتمر الخامس.

وعلى هذا الأساس تجد الإخوان يقومون بكثير من العمال لا يفصحون عنها، ولا يصرحون بها، ولو قام بها غيرهم لملأوا الدنيا صراخاً، ولأسمعوا بها من في الشرق والغرب.


- التوازن بين العقل والعاطفة، وبين الخيال والواقع:


لقد عمل الإخوان المسلمون على الوسطية والتوازن بين العقل والعاطفة، وفي ذلك يقول الإمام البنا: ( ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة.

ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها علي بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد) ... رسالة المؤتمر الخامس.

كما عملوا على التوازن بين الخيال والواقع، وفي ذلك يقول الإمام البنا: ( إن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ.

يسهل علي كثيرين أن يتخيلوا، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره أقوالاً باللسان، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا ولكن قليلاً من هذا الكثير يثبت عند العمل، وكثير من هذا القليل يستطيع أن يعمل، ولكن قليلاً منهم يقدر على حمل أعباء الجهاد الشاق والعمل المضني... فأعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل، العمل القوي البغيض لديها الشاق عليها، وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها) ... رسالة المؤتمر الخامس.


- عدم تجريح الهيئات والأشخاص:


لقد التزم الإخوان المسلمون بالخلق الإسلامي في التعامل مع الأشخاص والهيئات، فعفت ألسنتهم عن النيل من أحد أو تجريح أحد، فعفت ألسنتهم حتى عن ألد خصومهم، وعملوا بقاعدة ( إذا هوجم الإسلام انتفضنا، وإذا هوجم الأشخاص احتسبنا )،

فتراهم يحتسبون عند الله كل من يخوض في أشخاصهم وقيادتهم، عاملين بقول السلف: ( إن كان ما تقول فينا حقاً فيغفر الله لنا، وإن كان ما تقول فينا باطلاً فيغفر الله لك )،

وقد أوصى الإمام البنا في الوصية الثامنة من الوصايا العشر فقال: ( تجنب غيبة الأشخاص، وتجريح الهيئات، ولا تتكلم إلا بخير).

وكما قال الإمام المؤسسة يرحمه الله (كونوا كالشجر يرميهم الناس بالحجر فيرمونهم بأحسن الثمر).


- عدم الانجرار إلى معارك جانبية تعوق دون الوصول إلى الهدف:


لما كانت غاية الإخوان واضحة، وأهدافهم محددة، وطريقهم مرسومة، ومرجعيتهم معلومة لذا تجدهم يسيرون نحو أهدافهم، لا ينشغلون بأي شاغل يعطلهم في طريق سيرهم، يعلمون تماماً ( أن المتلفت لا يسير، والمتفلت يشوه المسير )،

وكثيراً ما تجد غيرهم يحاول أن يشغلهم بقضايا خلافية، أو مسائل جدلية، لا طائل من ورائها إلا الجدل العقيم والمراء المذموم، ولذلك تراهم يغضون الطرف عنها.

ولذلك تراهم لا ينشغلون إلا بما ينبني عليه عمل، كما قال الإمام البنا: ( وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعاً، ومن ذلك كثرة التفريعات للإحكام التي لم تقع، والخوض في معاني الآيات القرآنية التي لم يصل إليها العلم بعد، والكلام في المفاضلة بين الأصحاب – رضوان الله عليهم – وما شجر بينهم من خلاف)... رسالة التعاليم.

الإخوان وقضايا في الرؤية

جماعة الإخوان وعامة المسلمين

الحكم على جمهور المسلمين كان ومنذ أول خلاف نشأ بين الخليفة الرابع على بن أبى طالب وبين الخوارج، من أهم نقاط الخلاف بين العاملين للإسلام والتى من المفترض أن تحسم وفقا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وقد عانى المسلمون خلال مراحل مهمة فى تاريخهم من الخلاف حول أمر الحكم بالإسلام ام بخلاف ذلك، على عامة الناس من المسلمين، وفق بعض الشروط التى وضعتها بعض الجماعات إجتهادا منها فى فهم بعض النصوص، بخلاف ماإنتهى اليه إجماع الأمة .

وبالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فقد حرصت منذ قيامها على تحديد منهاجها، الذى تعتقد أنه المنهاج الصحيح، إتباعا لسنة السلف الصالح، وما أجمعت عليه الأمة، والذى يجب أن يؤمن به كل عضو فيها . فحسمت رسالة التعاليم عام 1942 هذا الأمر وبنص واضح، هو :

" لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض - برأى أو معصية - إلا ان أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله اساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر ".

الأصل العشرون من الأصول العشرين من رسالة " التعاليم "

وبرغم صنوف المحن والإبتلاءات، وخوفا من أن يتعرض هذا المنهاج للخروج عنه نتيجة لما لاقاه أفراد الجماعة من تعذيب وقتل وتشريد، فقد أعاد المرشد الثانى الأستاذ حسن الهضيبى الـتأكيد على هذا الحكم الشرعى وتأصيله فى كتابه " دعاة لا قضاة " والذى أصدره خلال سجنه عام 1969، وأصبح هذا الأمر - لخطورته - نقطة مفارقة بين الجماعة وبين من لا يؤمنون به .

الإخوان وقضايا السياسة والحكم والدولة

الإخوان والسياسة:

مابرح مناوئي الفكرة الإسلامية الشاملة يرددون أن الإخوان المسلمين يقحمون الدين في السياسة، وأنه يجب الفصل بين الدين والسياسة ( فلا دين في السياسة ولا سياسة في الدين )، وهؤلاء لا يرون العلاقة بين الدِّين والسياسة إلا علاقة التضاد والتصادم، وأن الدِّين شيء، والسياسة خصم له، وأنهما لا يلتقيان -على حد زعمهم -، فمصدرهما مختلف، وطبيعتهما مختلفة، وغايتهما مختلفة:

فالدِّين من الله، والسياسة من الإنسان، والدِّين نقاء واستقامة وطهر، والسياسة خبث والتواء وغدر،

كما أن الدين غايته الآخرة، والسياسة غايتها الدنيا.

فينبغي أن يترك الدِّين لأهله، وتترك السياسـة لأهلها، ورفعوا شعار ( الدين لله، والوطن للجميع ).

ولأول وهلة يمكن القول بأن هذه المقالة تصادم إجماع الأمة الثابت بأن الإسلام عقيدة وعبادة، دين ودولة، أخلاق وشريعة، اجتماع واقتصاد، صلاة وجهاد، سياسة وقانون، علم وقضاء.

فراحوا ينكرون فكرة الشمول والتكامل في الإسلام، الذي تبناه كل الدعاة والمُصلحين الإسلاميين في عصرنا؛ فهم يريدونه عقيدة بلا شريعة، وعبادة بلا معاملة، وديناً بلا دنيا، ودعوة بلا دولة، وحقاً بلا قوة، اقتصاداً بلا أخلاق، واجتماعاً بلا قيم ومبادئ.

بل غالى البعض منهم فأخذوا يهاجمون من يعتقد هذا الفهم الشامل للإسلام، ويسمونهم أصحاب الإسلام السياسي، وكأن هناك أنواعاً من الإسلام: إسلاماً روحياً، وإسلاماً أخلاقياً، وإسلاماً فكرياً، وإسلاماً اجتماعياً، وإسلاماً اقتصادياً، وإسلاماً تربوياً، وإسلاماً قانونياً، وإسلاماً سياسياً.

كما شرعوا يُفهِمون المسلمين أن الإسلام شيء، والاقتصاد شيء آخر، وأن الإسلام شيء والاجتماع شيء آخر، وأن الإسلام شيء والقانون شيء آخر، وأن الإسلام شيء والثقافة والتربية شيء آخر، وهكذا.

ومن فضل الله علينا وعلى الناس أن قيض الله لهذه الأمة رجال مصلحون شرعوا في دحض مثل هذه الدعاوى ذات المنبت الغريب، فأبانوا الفهم الإسلامي الصحيح تجاه مثل هذه المفاهيم المغلوطة .. وكان على رأس هؤلاء مجدد للأمة أمر دينها الغمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله -.

يقول الإمام البنا: ( إن غير المسلمين حينما جهلوا هذا الإسلام، أو حينما أعياهم أمره وثباته في نفوس أتباعه، ورسوخه في قلوب المؤمنين به، واستعداد كل مسلم لتفديته بالنفس والمال، لم يحاولوا أن يجرحوا في نفوس المسلمين اسم الإسلام ولا مظاهره وشكلياته، ولكنهم حاولوا يحصروا معناه في دائرة ضيقة تذهب بكل ما فيه من نواح قوية عملية، وان تركت للمسلمين بعد ذلك قشور من الألقاب والأشكال والمظهريات لا تسمن ولا تغنى من جوع....

فأفهموا المسلمين أن الإسلام شيء والاجتماع شيء أخر، وان الإسلام شيء والقانون شيء غيره، وان الإسلام شيء ومسائل الاقتصاد لا تتصل به، وان الإسلام شيء والثقافة العامة سواه، وان الإسلام شيء يجب أن يكون بعيداً عن السياسة) ... رسالة إلى الطلاب.

فالإسلام – في نظرهم – مجرد رسالة روحية؛ لا تتعدى العلاقة بين المرء وربه، ساحتها: ضمير الفرد، أو نفسه التي بين جنبيه، ولا صلة لها بإصلاح المجتمع، أو بتوجيه الدولة، أو بمعاقبة الجريمة، أو بتنظيم المال، أو بغير ذلك من شؤون الحياة.

  • فإذا قرأت عليهم قول الله تبارك وتعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ... سورة آل عمران الآية ( 130 )

قالوا: ما للإسلام وهذا، فهذا شأن اقتصادي.

  • فإذا قرأت عليهم: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ... سورة البقرة الآية ( 229)،

قالوا: هذا شأن قوانين الأحوال الشخصية.

  • وإذا قرأت عليهم قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ... سورة النور الآية ( 2)،

قالوا: هذا شأن مدني جنائي.

  • وإذا قرأت عليهم قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى) ... سورة البقرة الآية ( 178 )،

قالوا: هذا حق مدني قانوني جنائي.

  • وإذا قرأت عليهم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ... سورة الحجرات الآية ( 12)،

قالوا: هذا شأن أخلاقي.

  • وإذا قرأت عليهم قوله تعالى: ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) ... سورة البقرة الآية ( 282)،

قالوا: هذا شأن قوانين المعاملات.

  • وإذا قرأت عليهم قوله تعالى: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ... سورة البقرة الآية ( 216)،

قالوا: هذا جهاد.

  • وإذا قرأت عليهم قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )... سورة الحجرات الآية ( 6)،

قالوا: هذا شأن قانون العلاقات الدولية.

  • وإذا قرأت عليهم قوله تعالى: ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ... سورة الممتحنة الآية ( 8)،

قالوا: هذا شأن قانون الأقليات.

  • وإذا قرأت عليهم قوله تعالى: و( َأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )... سورة المائدة،

قالوا: هذا شأن سياسي.

  • وإذا قرأت عليهم قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ) ... سورة النور، وقوله تعالى: ( أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .... سورة البقرة، وقوله تعالى: ( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) ... سورة آل عمران.

قالوا: هذا هو الإسلام فقط.

وللأسف الشديد فقد خُدع الكثير من المسلمين بأقوالهم، وراحوا يحطبون في حبلهم في وقت من الأوقات.

يقول الإمام البنا: ( فالمسلمون الأولون لم يعرفوا الإسلام بهذه الصورة، ولم يؤمنوا به على هذا النحو ؟

ولكنهم آمنوا به عقيدة وعبادة، ووطناً وجنسية، وخلقاً ومادة، وثقافة وقانوناً، وسماحة وقوة.

واعتقدوه نظاماً كاملاً يفرض نفسه على كل مظاهر الحياة، وينظم أمر الدنيا كما ينظم الآخرة.

اعتقدوه نظاماً عملياً وروحياً معاً، فهو عندهم دين ودولة، ومصحف وسيف) ... رسالة إلى الشباب.

وقال: ( وأعتقد أن أسلافنا - رضوان الله عليهم - ما فهموا للإسلام معنى غير هذا، فبه كانوا يحكمون، وله كانوا يجاهدون، وعلى قواعده كانوا يتعلمون، وفى حدوده كانوا يسيرون في كل شأن من شؤون الحياة الدنيا العملية قبل شؤون الآخرة الروحية، ورحم الله الخليفة الأول إذ يقول: ( لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله) ... رسالة الطلاب.

لقد آمنوا بالإسلام كله، ملتزمين ومذعنين لأمر الله لهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ... سورة البقرة الآية 208.

إن الإسلام الذي جاء به القرآن والسنة، وعرفته الأمة سلفاً وخلفاً، إسلام شامل متكامل، لا يقبل التجزئة أبداً.

قال الإمام البنا: ( أنا أعلن أيها الإخوان من فوق المنبر بكل صراحة ووضوح وقوة، أن الإسلام شيء غير هذا المعنى الذي أراد خصومة والأعداء من أبنائه أن يحصرون فيه ويقيدون به، وأن الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وسماحة وقوه، وخلق ومادة، وثقافة وقانون، وأن المسلم مطالب بحكم إسلامه أن يعني بكل شؤون أمته، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) ... رسالة الطلاب.

إن الدعوة إلى شمول الإسلام ليس من ابتكار الحركات الإسلامية ومؤسسيها ودعاتها، فهو ليس من اختراع الإخوان المسلمين، وليس من وحي عقولهم، بل هو ما تنطق به نصوص القرآن الكريم، ووقائع تاريخ المسلمين.

فالإخوان المسلمون ( لم يبتدعوا ذلك ابتداعاً... ولكنهم يستمدون ذلك من القانون الأعظم، والبحر الخضم، والدستور المحكم، والمرجع الأعلى، ذلك هو كتاب الله تبارك وتعالى ) ... رسالة إلى أي شيء ندعو الناس.

فقد اتصل الإخوان بكل بكتاب الله واستلهموه واسترشدوه، فأيقنوا أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل، وأنه يجب أن يهيمن على كل شؤون الحياة وأن تصطبغ جميعها به، وأن تنزل على حكمه، وأن تساير قواعده وتعاليمه وتستمد منها ما دامت الأمة تريد أن تكون مسلمة إسلاماً صحيحاً، أ

ما إذا أسلمت في عباداتها وقلدت غير المسلمين في بقية شؤونها، فهي أمة ناقصة الإسلام تضاهئ الذين قال تعالى فيهم: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) ... سزرة البقرة.

رسالة المؤتمر الخامس

فالذي يفصل بين الدين والسياسة، والدين والاقتصاد، والدين والاجتماع مخطئ خطئاَ جسيماً، يقول الإمام البنا: ( فمن ظن أن الدين – أو بعبارة أدق الإسلام – لا يعرض للسياسة، أو أن السياسة ليست من مباحثه، فقد ظلم نفسه، وظلم علمه بهذا الإسلام ولا أقول ظلم الإسلام، فإن الإسلام شريعة الله لا يأتيها الباطل من بين يده ولا من خلفه..

وجميل قول الإمام الغزالي رضى الله عنه: ( اعلم أن الشريعة أصل، والملك حارس، وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع ) فلا تقوم الدولة الإسلامية إلا على أساس الدعوة، حتى تكون دولة رسالة لا تشكيل إدارة، ولا حكومة مادة جامدة صماء لا روح فيها، كما لا تقوم الدعوة إلا في حماية تحفظها وتنشرها وتبلغها وتقويها.

وأول خطئنا أننا نسينا هذا الأصل ففصلنا الدين عن السياسة عملياً، وإن كنا لن نستطيع أن نتنكر له نظرياً، فنصصنا في دستورنا على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، ولكن هذا النص لم يمنع رجال السياسة وزعماء الهيئات السياسية أن يفسدوا الذوق الإسلامي في الرؤوس، والنظرة الإسلامية في النفوس، والجمال الإسلامي في الأوضاع، باعتقادهم وإعلانهم وعملهم على أن يباعدوا دائما بين توجيه الدين ومقتضيات السياسة، وهذا أول الوهم وأصل الفساد) ... رسالة نظام الحكم.

بهذا الفهم الشامل عرف الإخوان المسلمون الإسلام، به يؤمنون، وإليه يدعون، يقول الإمام البنا: ( يا قومنا: إننا نناديكم والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا، وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمة قدوتنا، وندعوكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وأحكام الإسلام، فإن كان هذا من السياسة عندكم فهذه سياستنا، وإن كان من يدعوكم إلى هذه المبادئ سياسياً فنحن أعرق الناس والحمد لله في السياسة، وإن شئتم أن تسموا ذلك سياسة فقولوا ما شئتم، فلن تضرنا الأسماء متى وضحت المسميات وانكشفت الغايات.

يا قومنا: لا تحجبكم الألفاظ عن الحقائق والأسماء عن الغايات، ولا الأعراض عن الجوهر، وإن للإسلام لسياسة في طيها سعادة الدنيا وصلاح الآخرة، وتلك هي سياستنا لا نبغي بها بديلاً، فسوسوا بها أنفسكم، واحملوا عليها غيركم تظفروا بالعزة الأخروية، ولتعلمن نبأه بعد حين) ... رسالة إلى أي شيء ندعو الناس.

وقد حرص الإمام البنا على توضيح معنى السياسة كما يفهمها الإخوان المسلمون، فقال رحمه الله: ( قد يقول بعض الناس: وما للإخوان والبرلمان والإخوان جماعة دينية وهذه سبيل الهيئات السياسية؟

أليس هذا يؤيد ما يقول الناس من أن الإخوان المسلمين قوم سياسيون لا يقفون عند حد الدعوة للإسلام كما يدعون؟

وأقول لهذا القائل في صراحة ووضوح:

أيها الأخ.. أما أنا سياسيون حزبيون نناصر حزباً ونناهض آخر فلسنا كذلك ولن نكونه، ولا يستطيع أحد أن يأتي على هذا بدليل أو شبه دليل.

وأما أننا سياسيون بمعنى أننا نهتم بشئون أمتنا، ونعتقد أن القوة التنفيذية جزء من تعاليم الإسلام تدخل في نطاقه وتندرج تحت أحكامه، وأن الحرية السياسية والعزة القومية ركن من أركانه وفريضة من فرائضه، وأننا نعمل جاهدين لاستكمال الحرية ولإصلاح الأداة التنفيذية فنحن كذلك، ونعتقد أننا لم نأت فيه بشيء جديد، فهذا المعروف عن كل مسلم درس الإسلام دراسة صحيحة ونحن لا نعلم دعوتنا ولا نتصور معنى لوجودنا إلا تحقيق هذه الأهداف.

ولم نخرج بذلك قيد شعرة عن الدعوة إلى الإسلام، والإسلام لا يكتفي من المسلم بالوعظ والإرشاد ولكنه يحدوه دائماً إلى الكفاح والجهاد وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ... سورة العنكبوت الآية ( 69 ) .

وقال في موضع آخر: ( بعد هذا التحديد العام لمعنى الإسلام الشامل ولمعنى السياسة المجردة عن الحزبية، أستطيع أن أجهر في صراحة بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسياً، يعيد النظر في شؤون أمته، مهتما بها غيور عليها. وأستطيع كذلك أن أقول أن هذا التحديد والتجريد أمر لا يقره الإسلام، وأن على كل جمعية إسلامية أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بشؤون أمتها السياسية وإلا كانت تحتاج هي نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام) ... رسالة الطلاب.

ومن هنا فالإخوان لم ولن يفرقوا يوماً بين الدين والسياسة، مهما كانت شدة الدعاوى الزائفة

وفي ذلك يقول الإمام البنا: ( دعوني أيها الإخوة استرسل معكم قليلاً في تقرير هذا المعنى الذي قد يبدو مفاجأة غريبة على قوم تعودوا أن يسمعوا دائماً نغمة التفريق بين الإسلام والسياسة، والذي قد يدع بعض الناس يقولون بعد انصرافنا من هذا الحفل: إن جماعة الإخوان المسلمين قد تركت مبادئها، وخرجت علي صفتها، وصارت جماعة سياسية بعد أن كانت جمعية دينية، ثم يذهب كل متأول في ناحية من نواحي التأويل ملتمساً أسباب هذا الانقلاب في نظره، وعلم الله أيها السادة أن الإخوان ما كانوا يوماً من الأيام غير سياسيين، ولن يكونوا يوماً من الأيام غير مسلمين، وما فرقت دعوتهم أبداً بين السياسة والدين ) ... رسالة الطلاب.

وقد أوضح الإمام البنا في مواضع كثيرة صنوف السياسة التي يعني بها الإخوان في عملهم .. فقال يرحمه الله:

( إن كان يراد بالسياسة معناها الداخلي من حيث تنظيم أمر الحكومة وبيان مهماتها وتفصيل حقوقها وواجباتها، ومراقبة الحاكمين والإشراف عليهم ليطاعوا إذا أحسنوا وينقدوا إذا أساءوا... فالإسلام قد عني بهذه الناحية، ووضع لها القواعد والأصول، وفصلَّ حقوق الحاكم والمحكوم، وبين مواقف الظالم والمظلوم، ووضع لكل حداً لا يحدوه ولا يتجاوزه.

فالدساتير والقوانين المدنية والجنائية بفروعها المختلفة عرض لها الإسلام، ووضع نفسه منها بالموضع الذي يجعله أول مصادرها وأقدس منابعها. وهو حين فعل هذا إنما وضع الأصول الكلية، والقواعد العامة، والمقاصد الجامعة، وفرض علي الناس تحقيقها، وترك لهم الجزئيات والتفاصيل يطبقونها بحسب ظروفهم وعصورهم، ويجتهدون في ذلك ما وسعتهم المصلحة وواتاهم الاجتهاد.

وقد قرر الإسلام سلطة الأمة وأكدها، وأوصي بأن يكون كل مسلم مشرفاً تمام الإشراف علي تصرفات حكومته، يقدم لها النصح والمعونة ويناقشها الحساب، وهو كما فرض علي الحاكم أن يعمل لمصلحة المحكومين بإحقاق الحق وإبطال الباطل فرض علي المحكومين كذلك أن يسمعوا ويطيعوا للحاكم ما كان كذلك، فإذا انحرف فقد وجب عليهم أن يقوموه علي الحق ويلزموه حدود القانون ويعيدوه إلي نصاب العدالة، هذه تعاليم كلها من كتاب الله: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ... سورة المائدة، إلي عشر من الآيات الكريمة التي تناولت كل ما ذكرنا بالبيان والتفصيل.

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقرير سلطة الأمة، وتقرير الرأي العام فيها: ( الدين النصيحة ).

قالوا: لمن يا رسول الله ؟

قال: ( لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم )..

ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: ( إن من أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)،

ويقول صلى الله عليه وسلم كذلك: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلي إمام جائر فأمره ونهاه فقتله).. وإلي مئات الأحاديث التي تفصل هذا المعني وتوضحه، وتوجب علي المسلمين أن يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر، وأن يراقبوا حكامهم ويشرفوا علي مبلغ احترامهم للحق وإنفاذهم لأحكام الله.

فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يأمر بهذا التدخل، أو الإشراف أو التناصح، أو سمه ما شئت، وحين يحض عليه، ويبين أنه الجهاد الأكبر، وأن جزاءه الشهادة العظمي.. يخالف تعاليم الإسلام فيخلط السياسة بالدين ؟!

أم أن هذه هي طبيعة الإسلام الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، وأننا في الوقت الذي نعدل فيه بالإسلام عن هذا المعني نصور لأنفسنا إسلاماً خاصاً غير الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه.

لقد تقرر هذا المعني الفسيح للإسلام الصحيح في نفوس السلف الصالح لهذه الأمة، وخالط أرواحهم وعقولهم، وظهر في كل أدوار حياتهم الاستقلالية قبل ظهور هذا الإسلام الاستعماري الخانع الذليل.

ومن هنا أيها الإخوان كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلمون في نظم الحكم، ويجاهدون في مناصرة الحق، ويحتملون عبء سياسة الأمة، ويظهرون علي الصفة التي وصفوا أنفسهم بها ( رهبان بالليل فرسان بالنهار) حتى كانت أم المؤمنين عائشة الصدِّيقة – رضي الله عنها - تخطب الناس في دقائق السياسة، وتصور لهم مواقف الحكومات في بيان رائع وحجة قوية، ومن هنا كانت الكتيبة التي شقت عصا الطاعة على الحجاج وحاربته وأنكرت عليه بقيادة ابن الأشعث تسمي كتيبة الفقهاء، إذ كان فيها سعيد بن جبير وعامر الشعبي وأضرابهما من فقهاء التابعين وجلة علمائهم.

ومن هنا رأينا من مواقف الأئمة - رضوان الله عليهم - في مناصحة الملوك ومواجهة الأمراء والحكام بالحق ما يضيق بذكر بعضه فضلاً عن كله المقام.

ومن هنا كذلك كانت كتب الفقه الإسلامي قديماً وحديثاً فياضة بأحكام الأمارة والقضاء والشهادة والدعاوى والبيوع والمعاملات والحدود والتعزيزات، ذلك إلي أن الإسلام أحكام عملية وروحية، إن قررتها السلطة التشريعية فإنما تقوم علي حراستها وإنفاذ السلطة التنفيذية والقضائية، ولا قيمة لقول الخطيب كل جمعة علي المنبر إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (سورة المائدة)، في الوقت الذي يجيز فيه القانون السكر وتحمي الشرطة السكيرين وتقودهم إلي بيوتهم آمنين مطمئنين، ولهذا كانت تعاليم القرآن لا تنفك عن سطوة السلطان، ولهذا كانت السياسة جزءاً من الدين، وكان من واجبات المسلم أن يعني بعلاج الناحية الحكومية كما يعني بعلاج الناحية الروحية.

وذلك موقف الإسلام من السياسة الداخلية ) ... رسالة الطلاب.

أما موقف لإسلام حول مفهوم وقضايا السياسة الخارجية، فقد تناوله الإمام البنا بالقول: ( فإن أريد بالسياسة معناها الخارجي، وهو المحافظة علي استقلال الأمة وحريتها، وإشعارها كرامتها وعزتها، والسير بها إلي الأهداف المجيدة التي تحتل بها مكانتها بين الأمم، ومنزلتها الكريمة في الشعوب والدول، وتخليصها من استبداد غيرها بها وتدخله في شؤونها، مع تحديد الصلة بينها وبين سواها تحديداً يفصل حقوقها جميعاً، ويوجه الدول كلها إلي السلام العالمي العام، وهو ما يسمونه ( القانون الدولي )..

فإن الإسلام قد عني بذلك كل العناية، وأفتي فيه بوضوح وجلاء، وألزم المسلمين أن يأخذوا بهذه الأحكام في السلم والحرب علي السواء، ومن قصر في ذلك وأهمله فقد جهل الإسلام...

لقد قرر الإسلام سيادة الأمة الإسلامية وأستاذيتها للأمم في آيات كثيرة من القرآن ومنها قوله تعالى: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) سورة آل عمران، الآية ( 110 ) ... وقوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) سورة البقرة، الآية ( 143 ) ... وقوله تعالى: ( يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) سورة المنافقون الآية ( 8 )،

وأكد قوامتها وأرشدها إلي طريق صيانتها، وإلي ضرر تدخل غيرها في شؤونها بمثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ... سورة آل عمران

وأشار إلي مضار الاستعمار وسوء أثره في الشعوب فقال تبارك وتعالى: قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ) سورة النمل، الآية ( 34 ).

ثم أوجب علي الأمة المحافظة علي هذه السيادة، وأمرها باستعداد العدة و استكمال القوة، حتى يسير الحق محفوظاً بجلال السلطة كما هو مشرق بأنوار الهداية: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) سورة الأنفال الآية ( 60 )،

ولم يغفل التحذير من صورة النصر ونشوة الاعتزاز وما تجلبه من مجانبة للعدالة وهضم للحقوق، فحذر المسلمين العدوان علي أية حال في قوله تعالى: ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) سورة المائدة الآية ( 8 )، مع قوله تعالى: ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) ... سورة الحج الآية ( 41 ) .

ومن هنا أيها الإخوة رأينا أخلَّاء المسجد، وأنضاء العبادة، وحفظة الكتاب الكريم، بل وأبناء الروابط والزوايا من السلف رضوان الله عليهم، لا يقنعون باستقلال بلادهم، ولا بعزة قومهم، ولا بتحرير شعوبهم، ولكنهم ينسابون في الأرض، ويسيحون في آفاق البلاد فاتحين معلمين، يحررون الأمم كما تحرروا، ويهدونها بنور الله الذي اهتدوا به، ويرشدونها إلي سعادة الدنيا والآخرة، لا يغلون ولا يغدرون، ولا يظلمون ولا يعتدون، ولا يستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.

ومن هنا رأينا عقبة بن نافع يخوض الأطلسي بلبة جواده قائلاً: ( اللهم لو علمت وراء هذا البحر أرضاً لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك )، في الوقت الذي يكون فيه أبناء العباس الأشقاء قد دفن أحدهم بالطائف إلي جوار مكة، والثاني بأرض الترك من أقصي الشرق، والثالث بأفريقيا من أقصي المغرب، جهاداً في سبيل الله وابتغاء لمرضاته. وهكذا فهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان أن السياسة الخارجية من صميم الإسلام) .. رسالة الطلاب.

وفي ضوء هذا الفهم الشامل، كان تأصيل الإمام المؤسس لقضية الغسلام ةالسياسة فيما قرره رحمه الله:

( إن هذا التفريق بين الدين والسياسة ليس من تعاليم الإسلام الحنيف، ولا يعرفه المسلمون الصادقون في دينهم، الفاهمون لروحه وتعاليمه، فليهجرنا من يريد تحويلنا عن هذا المنهاج؛ فإنه خصم للإسلام أو جاهل به، وليس له سبيل إلا أحد هذين الوضعين ) ... رسالة إلى الشباب.

هكذا يفهم الإخوان المسلمون الإسلام، الذي لا ينفصل فيه الدين عن الدنيا، ولا تنفصل فيه الدنيا عن الدين، ولم يعرف قرآنه ولا سنته ولا تاريخه ديناً بلا دولة، ولا دولة بلا دين.

الإخوان والدولة الدينية

إن الإخوان المسلمون يفهمون الدولة في الإسلام على أنها دولة مدنية مرجعيتها الإسلام، استخلصوا ذلك من وثيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، والتي عقدها بين المسلمين وأهل يثرب،

هذه الوثيقة التي قبلت بتعدد الانتماء أو الهوية لدى مواطني الدولة، وصهرت المجتمع المدني في أمة واحدة على الرغم من التنوع العقدي والثقافي، حيث شملت ( المسلمين، واليهود، والوثنيين الذين لم يؤمنوا من الأوس والخزرج )،

والتنوع العرقي حيث شملت ( المهاجرين من مكة وهم من قبائل عدنانية، والأنصار وهم قبائل قحطانية، واليهود وهم قبائل سامية ).

كما أن الإخوان المسلمون يرفضون الدولة الدينية ( الثيوقراطية ) التي تحكم باسم الحق الإلهي، والتي يدعي فيها الحاكم انه إله أو يحكم باسم الإله، أو أنه وكيل عن الإله، فالذي يقرأ القرآن ويفهم الإسلام يدرك أننا نرفض الحاكم الذي يدعي الإلوهية كفرعون الذي قال: فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ... سورة النازعات الآية ( 24 )

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِين) ... سورة القصص الآية ( 38 )،

وأن ما يراه هو الحق والهدى قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَاد) ... سورة غافر الآية ( 29 ).

كما أن الإخوان المسلمون يرفضون دولة الكهنة ( رجال الدين ) الذين يزعمون زوراً أنهم يمثلون إرادة الخالق في دنيا الخلق، أو مشيئة السماء في أهل الأرض، فما يحلونه في الأرض فهو حلال في السماء، وما يعقدونه في الأرض فهو معقود في السماء، يحلون ويحرمون حسب الأهواء ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) ... سورة الأعراف الآية ( 28 ) .

والحاكم في الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية كما يفهما الإخوان المسلمون:

1 - تختاره الأمة: وفق شروط الاختيار وضوابطه، ( القوي الأمين )، و( الحفيظ العليم ) الذي يجمع بين الكفاءة في التخطيط والكفاءة في التنفيذ ( بسطة في العلم والجسم )، أنه الحاكم المؤهل للقيادة، الجامع لشروطها، تختاره الأمة بكل حرية وفق آليات الشورى التي أمر بها الإسلام.

2 - إن الإمام أو الحاكم في ظل دولة الإسلام مجرد فرد عادي من الناس، ليس له عصمة ولا قداسة، وكما قال الخليفة الأول: ( إني وليت عليكم ولست بخيركم )، وكما قال عمر بن عبد العزيز: ( إنما أنا واحد منكم، غير أن الله تعالى جعلني أثقلكم حملاً) .

3 - والحاكم في الإسلام مقيد غير مطلق: هناك شريعة تحكمه، وقيم توجهه، وأحكام تقيده، وهي أحكام لم يضعها هو ولا حزبه أو حاشيته، بل وضعها رب العالمين، له ولغيره من المكلَّفين، وضعها رب الناس، مَلِك الناس، إله الناس.

ولا يستطيع هو ولا غيره من الناس أن يلغوا هذه الأحكام، ولا أن يُجمِّدوها، ولا أن يأخذوا منها ما يوافق رغباتهم، ويدعوا منها ما يخالف أهواءهم ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) ... سورة الأحزاب الآية ( 36 ).

4 – الحاكم مسئول أمام الله ومسئول أمام الأمة:

  • فالحاكم مسئول أمام الله،( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته)

روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال:( ما من أمير عشرة إلا ويؤتي به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه لا يفكه إلا العدل، ولا يوبقه إلا الجور)

  • وكما أن الحاكم في ظل دولة الإسلام مسئول أمام الله، فهو مسئول أمام الأمة، وهي التي تحاسبه، وتقومه إذا اعوج، ولم نر أحداً من الخلفاء في تاريخ الإسلام، أضفى على نفسه قداسة، أو أضفى عليه المسلمون نوعاً من القداسة، بحيث لا ينتقد ولا يُقَوَّم، ولا يؤمر ولا ينهى.

بل تراهم جرَّأوا الناس على أن ينصحوهم ويقوّموهم، كما قال أبو بكر في أول خطبة له: ( إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم ).

  • والأمة في ظل دولة الإسلام تحاسب الحاكم على ثرواته، كما وقف عمر يوماً يقول: أيها الناس، اسمعوا وأطيعوا، فيقول سلمان والله لا سمع لك ولا طاعة، لأنك فضلن نفسك علينا في امر من امور الدنيا، أخذت لنفسك ثوبين، وأعطيت لكل مسلم ثوباً واحداً.... القصة.
  • والأمة في ظل دولة الإسلام تنصح للحاكم، وتأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، قال رجل لعمر: اتق الله يا عمر، فقال: ( لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها ).

5 - والحكام أجراء عند الأمة: كما قال أبو مسلم الخولاني لمعاوية، فقد دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان، وقال: ( السلام عليك أيها الأجير، فقال الناس: الأمير يا أبا مسلم.

ثم قال: السلام عليك أيها الأجير، فقال الناس: الأمير،

فقال معاوية: دعوا أبا مسلم فهو أعلم بما يقول) ... حلية الأولياء جـ 2 ص 125.

  • والحاكم في ظل دولة الإسلام أجير عند الأمة يتساوى أبناؤه مع أبنا الأمة: ( عمر بن الخطاب يدخل على أحد أولاده يأكل لحماً في عام المجاعة، فيقول له عمر: ما هذا ؟

فيقول: لحماً اشتهيته فاشتريته، فيقول عمر: أو كلما اشتهيت اشتريت )،

( وقصته عندما خرج على السوق فوجد إبلاً سماناً، امتلأ لحمها، فقال: إبل من هذه؟

فقالوا إبل عبد الله بن عمر، فانتفض عمر كأنما قامت القيامة، واستدعى عبد الله ابن عمر، وسأله عن الإبل، فقال: إنها إبل أنضاء – هزيلة – اشتريتها بمالي، وأرسلتها إلى الحمى – المرعى – أتاجر فيها.

فقال عمر في تهكم: ويقول الناس: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين.

أتمثل هذه الدولة - وهذا نظامها ومنهاجها، وهؤلاء حكامها وعلماؤها - دولة دينية تحكم بالحق الإلهي ؟!

أم هي دولة مدنية يحكمها بشر غير معصومين، تقيُّدهم شريعة الله، وتراقبهم الأمة، وتحاسبهم.

إن العلمانيين يحاولون إرهاب الناس من الإسلام باسم الدولة الدينية، يستخدمون فزاعة الدولة الدينية ليصدوا المسلمين عن دينهم، يصورون لهم الإسلام وكأنه وحش كاسر له مخالب وأظافر وأنياب مخضبة بالدماء.

  • كما أنها دولة تقوم على أساس الشورى، قال تعالى: ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) .. آل عمران.
  • وهي دولة مدنية تحترم الشرعية الدستورية، ويتساوى فيها الجميع أمام القانون،

يقول الإمام البنا: ( إن لكل أمة من أمم الإسلام دستوراً عاماً فيجب أن تستمد مواد دستورها العام من أحكام القرآن الكريم، وإن الأمم التي تقول في أول مادة من مواد دستورها: إن دينها الرسمي الإسلام، يجب أن تضع بقية المواد على أساس هذه القاعدة، وكل مادة لا يسيغها الإسلام، ولا تجيزها أحكامه يجب أن تحذف من حتى لا يظهر التناقض في القانون الأساسي للدولة.

وإن لكل أمة قانوناً يتحاكم إليه أبناؤها، وهذا القانون يجب أن يكون مستمداً من أحكام الشريعة الإسلامية، مأخوذاً عن القرآن الكريم، متفقاً مع أصول الفقه الإسلامي) ... رسالة " إلى أي شيء ندعو الناس".

الإخوان والإصلاح

يري " الإخوان المسلمون " أن الاصلاح السياسي هو المدخل الحقيقي والأساسي لكافة أنواع الاصلاح الأخري "، ويتلخص هذا الاصلاح في ضرورة إجراء انتخابات تشريعية تكفل لها كافة ضمانات الحيدة والنزاهة وتشرف عليها السلطة القضائية اشرافا كاملا بدءا بإعداد كشوف جديدة للناحبين ومرورا بتوقيع كل ناخب قرين اسمه في كشوف الادلاء بالاصوات وانتهاء بفرز واعلان نتائج الفائزين .

إن الإخوان يؤملون كثيرا من وراء إيجاد مجالس نيابية يعبر بحق وصدق عن توجهات الشعوب وآمالها وطموحاتها لتكون قادرا علي الرقابة الحقة دون تراخ او قيود . ولكي تصدر في تشريعاتها ايضا عن هوية هذه الامة وقيمها وتراثها الخالد ويعبر عن إرادة الشعب ومصالحة الحقيقية .

ويطالب الإخوان المسلمون بضرورة إيقاف العمل بلا؛كام العرفية والغاء كافة القوانين الاستثنائية المقيدة للحريات حتي تستطيع الشعوب أن تمارس دورها المنوط به، ولكي تخرج من عزلتها للمساهمة في صنع حاضرها وبناء مستقبلها بشكل لائق .

لقد هيأ الإخوان أنفسهم وأعلنوا استعدادهم الالتزام بقواعد الديمقراطية .

ومن بين الاتهامات العجيبة التي تثيرها بعض الاقلام ضد الإخوان المسلمين اتهامهم بالحض علي كراهية النظام العام للدولة او نظم الحكم .

وبداية يقرر الإخوان المسلمون أنهم يفرقون بين النظام العام للدولة وما يرتكز عليه من دستور وقوانين، وبين ما يقع من ممارسات بعض الافراد والرموز والهيئات التابعة للسلطة الحاكمة والتي تتعارض مع النظام العام للدولة نفسه .

فمن منطلق المواد المتواجدة في دساتير الدول المختلفة التي تنص علي ان الاسلام دين الدولة، واللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، والشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، يسقط علي الفور إدعاء إتهام الإخوان بالحض علي كراهية الاساس الذي يقوم عليه النظام العام . هذا فضلا عن أن الإخوان المسلمين يقدرون أن تكون للدولة مؤسساتها، وأن يكون هناك فصل واضح بين السلطات، وأن النظام السياسي القائم علي التعددية يقي الشعوب من أخطار الدكتاتورية والاستبداد .

صحيح أن هناك مواد في الدساتير المختلفة تحتاج الي تعديل، وأن هناك أيضا قوانين يجب ان تتواءم مع الدساتير، لكن الإخوان يوقنون أن هذه التعديلات يحب أن تكون بالوسائل السلمية ومن خلال المؤسسات الدستورية، وعبر صناديق الانتخاب حيث يقول الشعب كلمته وتحترم ارادته، وهذا ما مارسه الإخوان خلال وجودهم في المجالس النيابية المختلفة . وكيف يستقيم القول بالحض علي كراهية النظام العام وتعطيل أحكام الدستور مع المشاركة الواسعة في كل انتخابات عامة !?

من ناحية اخري لا يتواني الإخوان المسلمون عن القيام بفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالاسلوب الذي يتفق وطبيعة هذا الدين وهو الحكمة والموعظة الحسنة تجاه كل ما يخالف الاسلام من ممارسات .

الشورى والتعددية السياسية فى فكر جماعة الإخوان المسلمين

مع عدم الخوض فى التعريف المستقر لكلمة " الديموقراطية " والتى تعارف الناس الآن على أنها تعبير عن حق الشعب فى حكم نفسه وإختيار حكامه واسلوب الحكم الذى يحكم به، فإن جماعة الإخوان المسلمين - تأكيدا لهذا المبدأ - تحرص على إعلان التزامها أمر الله عز وجل والذى ورد فى سورة الشورى " والذين استجابوا لربهم، وأقاموا الصلاة، وأمرهم شورى بينهم وممارزقناهم ينفقون "، وتعلن أنها تحرص على إطلاق مسمى الشورى من جديد ليكون التعبير الاسلامى لأسس العلاقة فى المجتمع المسلم بإعتباره مسمى قرأنيا خالداً :

وتوقن جماعة الإخوان المسلمين أن الامة هى مصدر السلطات - فى إطار شرع الله وضوابطه - وأن الشعب هو الذى له الحق أن يولى بإختياره الصحيح من يرتضى دينه وأمانته وعلمه وكفاءته ليقوم على مايحدده له من أمور الدولة .

والجماعة ترى - مع التسليم بأن القرآن الكريم والسنة المطهرة هما الدستور الأسمى لحكم المسلمين، ولا يعتد ولا يقبل مايخالف ايهما - فإن الأمة لابد أن يكون لها دستور مكتوب، تضعه وتتفق عليه، تأخذه من نصوص الشريعة الغراء ثم من مراميها وغاياتها وقواعدها الكلية، فيتضمن ما يحقق توازنا بين إختصاصات مختلف المؤسسات التى تدير الدولة، كما يتضمن من القواعد والأحكام مايصوب ويحفظ الحريات العامة والخاصة لكل الناس من مسلمين وغير مسلمين، ويجعل الحكم شورى إستمدادا من سلطة الأمة ويحدد مسئولية الحكام أمام الشعب، وكيفية محاسبتهم، وتصويبهم وتقويم إعوجاجهم بطريقة سليمة ناجحة إذا ماقصروا، وأبدالهم إذا لزم الأمر، وهذا يقتضى وجود مجلس نيابى له سلطات تشريعية ورقابية ذات فعالية تتمثل فيه الإرادة الشعبية الحقيقية نتيجة إنتخابات حرة نزيهة وتكون قراراته ملزمة .

كما ان الجماعة ترى - بإعتبار ان رئيس الدولة ما هو إلا وكيل عن الشعب - انه يجب أن تكون رئاسة الدولة لمدة محددة ولا يجوز تجديدها إلا لأمد محدد، وذلك ضمانا لعدم الطغيان

كما أن الجماعة تؤمن بتعدد الأحزاب فى المجتمع الإسلامى، وأنه لا حاجة لأن تضع السلطة قيودا من جانبها على تكوين ونشاط الجماعات والأحزاب السياسية، وإنما يترك لكل فئة ان تعلن ماتدعو اليه وتوضح منهجها مادامت الشريعة الإسلامية هى الدستور الأسمى وهى القانون الذى يطبقه القضاء المستقل المحصن بعيدا عن أى سلطة أو جهة - والمؤهل فكريا وعلميا وثقافيا - فإن فى ذلك ما يكفى لضمان سلامة المجتمع واستقامته على الطريق السوى، وإتخاذ الإجراء الشرعى المناسب تجاه من يخرج عن المبادىء الأساسية التى لا خلاف فيها بين علماء وفقهاء المسلمين والتى تعتبر المقومات الأساسية للمجتمع .

وعلى هذا الأساس فان الجماعة ترى أن قبول تعدد الأحزاب فى المجتمع الإسلامى على النحو السالف يتضمن قبول تدوال السلطة بين الجماعات والأحزاب السياسية وذلك عن طريق انتخابات دورية

بيان الجماعة بتاريخ 18 يونيو 1994، بيان للناس 30 أبريل 1995

موقف الإخوان من القوة والثورة ؟

القوة شعار الإسلام في كلّ نظمه وتشريعاته، يأمر المسلمين بأن يعدّوا لعدوهم ما استطاعوا من قوّة، ويقرر أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف،

ويُعَلّم المسلم أن يستعيذ من ألوان الضعف جميعاً: "اللهم إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزَن، وأعوذ بك من العجز والكسل...".

ولكن الإخوان ينظرون بعمقٍ، فيعلمون أن أول درجة من درجات القوة؛ قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثمّ بعدها قوّة الساعد والسلاح.

ولا يصحّ لجماعة أن تستخدم السلاح وهي مفككة الأوصال، أو ضعيفة العقيدة.

ثم: هل أوصى الإسلام باستخدام القوّة في كل الأحوال، أم حدّد لذلك حدوداً، واشترط شروطاً.

وهل جعل القوّة أول علاج أم أن آخر الدواء الكيّ؟

أو ليس من الواجب أن يوازن الإنسان بين النتائج الضّارة والنتائج النافعة أم أنه يستخدم القوّة غير عابئ بالنتائج؟... فهذه نظرات يلقيها الإخوان على استخدام القوّة قبل أن يُقدموا عليه.

أما الثورة فهي أعنف مظاهر القوّة، فنظر الإخوان إليها أدقّ وأعمق.

إن الإخوان سيستخدمون القوة حيث لا يُجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدّة الإيمان والوحدة، وسيكونون شرفاء وصرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يُقدمون في عزّة وكرامة، ويتحمّلون نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح.

وأما الثورة فلا يفكّرون بها، وإن كانوا يُصارحون الحكومة بأن الحال إذا بقيت على هذا المنوال فستقوم ثورة، ليست من صنع الإخوان، ولكن من مقتضيات الظروف.

الإخوان والحكم:

من الناس من يحلو له أن يُرهب أفكار الناس تجاه الإخوان المسلمين، لينفضوا من حولهم، فيتَّهم الإخوان بأن غايتهم السعي إلى الحكم، والسيطرة عليه، والجري وراء السلطة.

وللرد على هذا الفرية، فغننا في السكور التالية نعرض لرؤية الإخوان المسلمون" تجاه هذه القضية، وهي المستمدة من والقائمة على فهم الإخوان للإسلام بأنه نظاما شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو دولة ووطن، وحكومة وأمة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء،

ومن هنا فـ " الحكومة فى فكر الإخوان المسلمين ركناً من أركان هذا الدين، فالإسلام حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، وهو قانون وقضاء .

وقد جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم " الحكم " عروة من عرى الإسلام، وعدّه الفقهاء من العقائد والأصول لا من الفروع والفقهيات .

رسالة " المؤتمر الخامس "

والحكم معدود في الكتب الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع، وقديماً قال فقهاؤنا:( الدنيا مزرعة الآخرة، ولا يتم الدين إلا بالدنيا، والمُلك والدين توءمان، فالدين أصل، والسلطان حارس، وما لا أصل له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع، ولا يتم الملك والضبط إلا بالسلطان) ... إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي ج 1 ص ( 71 ) باب العلم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها) ... مجموع الفتاوى ج 28 ص ( 390 – 391 ).

ولذلك يفهم الإخوان المسلمون أن الحكم جزء من منهج الإسلام، حيث يقول الإمام البنا:( يفترض الإسلام الحنيف الحكومة قاعدة من قواعد النظام الاجتماعي الذي جاء به للناس، فهو لا يقر الفوضى، ولا يدع الجماعة المسلمة بغير إمام، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه: إذا نزلت ببلد وليس فيه سلطان فارحل عنه) ... نظام الحكم في الإسلام .

وقد حرص الإمام الشهيد على تحديد موقف الجماعة في هذه القضية الحساسة والهامة بكل جلاء ووضوح، حيث يقول رحمه الله:

( يتساءل فريق آخر من الناس: هل في منهاج الإخوان المسلمين أن يكونوا حكومة وأن يطالبوا بالحكم ؟

وما وسيلتهم إلى ذلك ؟...

ولا أدع هؤلاء المتسائلين أيضاً في حيرة، ولا نبخل عليهم بالجواب.

فالإخوان المسلمون يسيرون في جميع خطواتهم وآمالهم وأعمالهم علي هدي الإسلام الحنيف كما فهموه، وكما أبانوا عن فهمهم هذا في أول هذه الكلمة.

وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنا من أركانه، ويعتمد علي التنفيذ كما يعتمد علي الإرشاد، وقديماً قال الخليفة الثالث رضي الله عنه: ( إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ).

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الحكم عروة من عري الإسلام .

والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع، فالإسلام حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، كما هو قانون وقضاء، لا ينفك واحد منها عن الآخر.

والمصلح الإسلامي إن رضي لنفسه أن يكون فقيهاً مرشداً يقرر الأحكام ويرتل التعاليم ويسرد الفروع والأصول، وترك أهل التنفيذ يشرعون للأمة ما لم يأذن به الله، ويحملونها بقوة التنفيذ علي مخالفة أوامره، فان النتيجة الطبيعية أن صوت هذا المصلح سيكون صرخة في واد، ونفخة في رماد كما يقولون.

قد يكون مفهوماً أن يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ و الإرشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ إصغاء لأوامر الله وتنفيذاً لأحكامه وإيصالاً لآياته ولأحاديث نبيه، وأما الحال كما نرى: التشريع الإسلامي في واد والتشريع الفعلي في واد آخر) ... رسالة المؤتمر الخامس.

كما أن الإخوان المسلمين يعتقدون أن التمكين للشريعة واجب، وأن سكوت المصلحين عن ذلك إثم، يقول الإمام البنا:( إن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية، لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف، هذا كلام واضح لم نأت به من عند أنفسنا، ولكننا نقرر به أحكام الإسلام الحنيف) ... رسالة المؤتمر الخامس.

وإذا كانت غاية الإخوان المسلمين تحكيم شرع الله في حياة الأمم والمجتمعات، لا الحكم في حد ذاته، فإنهم لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء، وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامى قرآنى، فهم جنوده وأنصاره وأعوانه .

يقول الإمام البنا: ( وعلى هذا فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء، وأداء هذه الأمانة، والحكم بمنهاج إسلامي قرآني، فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم ) .... رسالة المؤتمر الخامس.

ويعتقد الإخوان أن مبادىء نظام الحكم الدستورى التى تتلخص فى :

1 - المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها .

2 - الشورى .

3 - إستمداد السلطة من ألأمة .

4 مسئولية الحاكم أمام شعبة وضرورة محاسبته على مايعمل من أعمال .

5 - ضرورة بيان حدود كل سلطة من السلطات

هو أقرب نظم الحكم القائمة فى العالم كله الى الإسلام .

مشكلاتنا الداخلية فى ضوء النظام الإسلامى

وهم يقفون من الحكومات على إختلاف ألوانها من هذا الشأن وغيره، موقف الناصح الشفيق الذى يتمنى لها السداد والتوفيق وأن يصلح الله بها مظاهر الإبتعاد عن هذا المطلب والإنحراف عنه .

لأنهم يعتبرون أنفسهم دعاة الي الله تعالي بالحكمة والموعظة الحسنة، ويستهدفون من خلال دعوتهم تطبيق شرع الله كما أمر، وذلك من خلال الوسائل السلمية المتاحة وعبر المؤسسات الدستورية القائمة، ولا يسعي الإخوان الي الحكم طلبا له وأملا فيه كما يفعل الكثير من الناس هذه الايام .

وليس الحكم ولن يكون هدفا للاخوان المسلمين، غير أنه اذا جاءهم عن طريق صناديق الاقتراع الحر النزيه فإنهم لا يرفضونه من منطلق أنهم أصحاب برنامح إصلاحي ذي مرجعية إسلامية، ويعتبرون ذلك مسئولية كلفوا بها من قبل الشعب والمسئولية في فهمهم أمانة وتكليف وليست وجاهة وتشريفا .

ويرى الإخوان، إن المخاوف والشكوك التي يثيرها البعض - بقصد أو بغير قصد - حول الحكومة الدينية بالشكل الذي عرفه العالم عن الكنيسة في العصور الوسطي، ليس لها وجود في الاسلام ولا في فكر الإخوان المسلمين كما أوضحوا ذلك في كثير من كتبهم ورسائلهم .

فالحكومة التي تلتزم تطبيق شرع الله تعالي بكماله وشموله هي حكومة مدنية ذات مرجعية اسلامية، بمعني ان نظامها السياسي يعتمد الشوري الملزمة، ولا يتحكم فيها رجال دين، وتقيم العدل وتصون الحريات العامة، وتقر التعددية السياسية، وللشعب حق مساءلتها وتعيينها وعزلها .

بيان الإخوان بتاريخ 18 يونيو 1994

وقد أفصح الإخوان المسلمون مرارا عن موقفهم من الحكومات المتعاقبة على الحكم في مصر باعتبارها مهد الدعوة وموطنها الذي انطلقت منه، حيث قال الإمام البنا: ( فأما موقفنا من الحكومات المصرية على اختلاف ألوانها فهو موقف الناصح الشفيق، الذي يتمنى لها السداد والتوفيق، وأن يصلح الله بها الفساد، وإن كانت التجارب الكثيرة كلها تقنعنا بأننا في واد وهي في واد، ويا ويح الشجيّ من الخليّ. لقد رسمنا للحكومات المصرية المتعاقبة كثيراً من مناهج الإصلاح، وتقدمنا لكثير منها بمذكرات إضافية في كثير من الشؤون التي تمس صميم الحياة المصرية) ... رسالة المؤتمر السادس.

وقال في رسالة النظام الاقتصادي: ( الحكومة ولا شك قلب الإصلاح الاجتماعي كله، فإذا فسدت أوضاعها فسد الأمر كله، وإذا صلحت صلح الأمر كله، وقد أهبت بالقائمين أن يبادروا بالإصلاح، وأن يعودوا إلى الإسلام الحنيف، جماع الخير؛ ليهتدوا بهديه، ويسيروا على ضوئه، وبغير ذلك لا يمكن أن نظفر بالإصلاح الحقيقي المنشود) ... رسالة النظام الاقتصادي.

الإخوان المسلون وفكرة الخلافة

والإخوان المسلمون يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها فى رأس مناهجه، وإن كان ذلك فى نظرهم يحتاج الى كثير من التمهيدات الضرورية من قبيل التعاون الثقافى والإجتماعى والإقتصادى بين الشعوب الإسلامية، ثم يلى ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات، وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد، ثم يلى ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية، حتى إذا تم ذلك للمسلمين نتج عنها الإجتماع على " الإمام " واسطة العقد، ومجمع الشمل، ومهوى الأفئدة، وظل الله فى الأرض .

والإخوان المسلمون يرون فى الهيئات الإسلامية على إختلاف ميادينها، أنها تعمل لنصرة الإسلام، ويتمنون لها النجاح، ويجعلون من منهاجهم التقرب منها والعمل على جمعها وتوحيدها حول فكرة الإسلام العامة، لا يباعد بينهم وبين هذه الهيئات رأى فقهى أو خلاف مذهبى، فدين الله يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه .

رسالة " المؤتمر الخامس "

والإخوان المسلمون حريصون دائما على توضيح فكرهم، ومصارحة الناس بغاياتهم، وتجلية منهاجهم فى غير لبس ولا غموض، لثقتهم فى الله أولا ثم فى سمودعوتهم وبراءتها ونزاهتها وتجاوزها المطامع الشخصية والأهواء والأغراض، فهم لا يسألون الناس شيئا ويلتمسون الأجر والثواب من الذى فطرنا وفطر الناس جميعاً . يحدوهم فى ذلك عاطفة حب خالصة لقومهم - وكل المسلمين قومهم - ولله الفضل والمنة .

الإخوان والنظام العالمى الجديد

فى سنة 1940 وقبل أن تضع الحرب العالمية أوزارها، كان لكل طرف فى هذه الحرب رؤاه وتصوره للحياة على هذه الأرض بعد إنتهاء هذه المأساة البشرية، وأيضا كان لجماعة الإخوان المسلمين رؤاها الخاصة وتصورها، الذى حدده الإمام الشهيد حسن البنا فى رسالة المؤتمر السادس ( يناير 1941 ) .

وفى هذه الأيام وبعد إنهيار المعسكر الإشتراكي، وتفرد أمريكا والغرب بالقوة العالمية، فإن نفس الرؤى تتكرر مرة ثانية دون تبديل أو نقصان، ومن المفيد أن نورد هنا تصور جماعة الإخوان المسلمين - القديم .... الجديد - للنظام العالمى الجديد، ورأيها فى التعامل معه .

تقول رسالة المؤتمر السادس :

" لقد ردد الساسة جميعا كلمة " النظام الجديد " ... فهتلر يريد أن يتقدم للناس بنظام جديد، وتشرشل يقول إن إنجلترا المنتصرة ستحمل الناس على نظام جديد، وروزفلت يتنبأ ويشيد بهذا النظام الجديد، والجميع يشيرون الى أن هذا النظام الجديد سينظم أوروبا ويعيد اليها الأمن والطمأنينة والسلام، فأين حظ الشرق والمسلمين من هذا النظام المنشود ؟

نريد هنا أن نلفت أنظار الساسة الغربيين الى أن الفكرة الاستعمارية إن كانت قد أفلست فى الماضى مرة، فهى فى المستقبل أشد فشلاً لا محالة، وقد تنبهت المشاعر وتيقظت حواس الشعوب، وان سياسة القهر والضغط والجبروت لم تات فى الماضى إلا بعكس المقصود منه، وقد عجزت عن قيادة القلوب والشعوب، وهى فى المستقبل أشد عجزاً .

وأن سياسة الخداع والدهاء والمرونة السياسية إن هدأ بها الجو حينا فلا تلبث أن تهب العاصفة قوية عنيفة . وقد تكشفت هذه السياسة عن كثير من الأخطاء والمشكلات والمنازعات، وهى فى المستقبل أضعف من أن توصل الى المقصود .

وإذن فلا بد من سياسة جديدة، وهى سياسة التعاون والتحالف الصادق البرىء، المبنى على التآخى والتقدير، وتبادل المنافع والمصالح المادية والأدبية بين أفراد الأسرة الإنسانية فى الشرق والغرب، لابين دول أوروبا فقط، وبهذه السياسة وحدها يستقر النظام الجديد وينتشر فى ظله الأمن والسلام .

ان حكم الجبروت والقهر قد فات، ولن تستطيع أوروبا بعد اليوم أن تحكم الشرق بالحديد والنار . وأن هذه النظريات السياسية البالية لن تتفق مع تطور الحوادث ورقى الشعوب ونهضة الأمم الإسلامية، ولا مع المبادىء والمشاعر التى ستطلع بها هذه الحرب الضروس على الناس .

ولسنا وحدنا الذين نقول هذا، بل هم الساسة الأوروبيون أنفسهم، ونحن نضع هذه النظريات أمام أعين الساسة البريطانيين والساسة الفرنسيين وغيرهم من ساسة الدول الاستعمارية، على أنها نصائح تنفعهم أكثر مما هى مطالب تنفعنا، فليأخذوا أو ليدعوا، وقد وطَنًا أنفسنا على ان نعيش أحراراً عظماء أو نموت أطهاراً كرماء .

ونحن لا نطمع فى حق سوانا، ولا يستطيع أحد أن ينكر علينا حقنا. وان خيراً لكل أمة أن تعيش متعاونة مع غيرها، من أن تعيش متنافسة مع سواها حينا من الدهر، يندلع بعده لهيب الثورة فى البلاد المغصوبة، وجحيم الحرب بين الدول المتنافسة "

الإخوان والوحدة الوطنية

أباحت الشريعة الاسلامية لغير المسلمين حرية العقيدة والعبادة وإقامة الشعائر، وحرية الاحوال الشخصية وعملت علي صيانة ذلك الي ابعد مدي .

وتؤكد رسائل الامام البنا وكتابات الإخوان عامة علي هذا المفهوم كما تعمل علي تعميقه بين الناس من منطلق القاعدة التي اتفق عليها الفقهاء قديما: لهم مالنا وعليهم ما علينا .

وقال الإمام البنا في رسالة نحو النور:( يظن الناس أن التمسك بالإسلام وجعله أساساً لنظام الحياة ينافي وجود أقليات غير مسلمة في الأمة المسلمة، وينافي الوحدة بين عناصر الأمة، وهي دعامة قوية من دعائم النهوض في هذا العصر، ولكن الحق غير ذلك تماماً، فإن الإسلام الذي وضعه الحكيم الخبير الذي يعلم ماضي الأمم وحاضرها ومستقبلها قد احتاط لتلك العقبة وذللها من قبل، فلم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الذي لا يحتمل لبساً ولا غموضاً في حماية الأقليات، وهل يريد الناس أصرح من هذا النص: ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ... سورة الممتحنة الآية ( 8 ) .

فهذا نص لم يشتمل على الحماية فقط، بل أوصى بالبر والإحسان إليهم، وأن الإسلام الذي قدّس الوحدة الإنسانية العامة في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) ... سورة الحجرات الآية ( 13 ).

ثم قدس الوحدة الدينية العامة كذلك، فقضى على التعصب، وفرض على أبنائه الإيمان بالرسالات السماوية جميعا في قوله: ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) ... سورة البقرة الآية ( 136 – 138 ).

ثم قدس بعد ذلك الوحدة الدينية الخاصة في غير صلف ولا عدوان فقال تبارك وتعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ... سورة الحجرات الآية ( 10 ).

هذا الإسلام الذي بني على هذا المزاج المعتدل، والإنصاف البالغ، لا يمكن أن يكون أتباعه سبباً في تمزيق وحدة متصلة، بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدني فقط.

وقد حدد الإسلام تحديداً دقيقاً من يحق لنا أن نناوئهم ونقاطعهم ولا نتصل بهم، فقال تعالى بعد الآية السابقة: ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ... سورة الممتحنة الآية ( 9) .

وليس في الدنيا منصف واحد يكره أمة من الأمم على ترضى بهذا الصنف دخيلا فيها وفسادا كبيرا بين أبنائها ونقضا لنظام شؤونها.

ذلك موقف الإسلام من الأقليات غير مسلمة، واضح لا غموض فيه ولا ظلم معه، وموقفه من الأجانب موقف سلم ورفق ما استقاموا وأخلصوا، فإن فسدت ضمائرهم وكثرت جرائمهم فقد حدد القرآن موقفنا منهم بقولهيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور) ... سورة آل عمران الآية ( 118 – 119 ) .

وبذلك يكون الإسلام قد عالج هذه النواحي جميعاً أدق العلاج وأنجحه وأصفاه) ... رسالة نحو النور.

وقال الإمام البنا في رسالة إلى الشباب:

( ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين دعاة تفريق عنصري بين طبقات الأمة فنحن نعلم أن الإسلام عني أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بني الإنسان في مثل قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) ... سورة البقرة الآية ( 285 ) .

وقد حرم الإسلام الاعتداء حتى في حالات الغضب والخصومة، فقال تعالى: ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ... سورة المائدة الآية ( 8 ).

وأوصى بالبر والإحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدهم وأديانهم ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ... سورة الممتحنة الآية ( 8 ) .

كما أوصى بإنصاف الذميين وحسن معاملتهم: ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا ).

نعلم كل هذا فلا ندعو إلى فرقة عنصرية، ولا إلى عصبية طائفية.

ولكننا إلى جانب هذا لا نشتري هذه الوحدة بإيماننا، ولا نساوم في سبيلها على عقيدتنا، ولا نهدر من أجلها مصالح المسلمين، وإنما نشتريها بالحق والإنصاف والعدالة وكفى، فمن حاول غير ذلك أوقفناه عند حده، وأبنَّا له خطأ ما ذهب إليه، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) ... رسالة إلى الشباب.

وقال الإمام البنا: (يقول الناس: وما تفعلون بالأجانب، وبغير المسلمين من المواطنين،

فنقول: يا سبحان الله، لقد حل الإسلام هذا الإشكال، وصان وحدة الأمة عن التشقق والانقسام، وقرر حرية العقيدة والتعبد وما يلحق بهما، فقال القرآن الكريم: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، كما كان شعار التعامل بين المواطنين في أرض الإسلام دائماً: ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا )، وليس وراء ذلك من التسامح زيادة لمستزيد) ... رسالة إلى رؤساء المناطق والشعب.

وقال الإمام البنا: ( وهذا الشعب – شعب وادي النيل كله في الشمال والجنوب – يدين بهذا الدين الحنيف، والأقلية غير المسلمة من أبناء هذا الوطن تعلم تمام العلم كيف تجد الطمأنينة والأمن والعدالة والمساواة التامة في كل تعاليمه وأحكامه، هذا الذى يقول كتابه: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ... سورة الممتحنة الآية ( 8 )

والكلام في هذا المعنى مفروغ منه، وهذا التاريخ الطويل العريض للصلة الطيبة الكريمة بين أبناء هذا الوطن جميعاً – مسلمين وغير مسلمين – يكفينا مؤونة الإفاضة والإسراف، فإن من الجميل حقاً أن نسجل لهؤلاء المواطنين الكرام أنهم يقدرون هذه المعاني في كل المناسبات، ويعتبرون الإسلام معنى من معاني قوميتهم وإن لم تكن أحكامه وتعاليمه من عقيدتهم) ... رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي.

وقال الإمام البنا: ( وأحب قبل أن أختم هذا الاسترسال أن أؤكد لحضراتكم تأكيداً قاطعاً أن سياسة الإسلام داخلية أو خارجية تكفل تمام الكفالة حقوق غير المسلمين، سواء أكانت حقوق دولية أم كانت حقوق وطنية للأقليات غير المسلمة، وذلك لأن شرف الإسلام الدولي أقدس شرف عرفه التاريخ، والله تبارك وتعالى يقول: ( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) ... سورة الأنفال الآية ( 58 )

ويقول: ( إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) ... سورة التوبة الآية ( 4 ) ،

ويقول تعالى: ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ... سورة الأنفال الآية ( 61 ).

.... وقد كفل الإسلام حقوق الأقليات بنص قرآني، هو قول الله تبارك وتعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ... سورة الممتحنة الآية ( 8 ).

رسالة إلى الطلاب .

وتعتبر علاقة الإخوان بغير المسلمين قديما وحديثا نموذجا فريدا وطرازا متميزا يدل علي الصلة القوية بينهم.

فقد سار الإخوان المسلمون على منهج الإسلام كما حدده القرآن والسنة، وبينه الإمام المؤسس، فأكدوا: ( موقفنا من إخواننا المسيحيين في العالم العربي موقف واضح وقديم ومعروف، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وهم شركاء في الوطن، وأخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر بهم والتعاون معهم على الخير فرائض إسلامية، لا يمتلك المسلم أو يستخف بها، أو يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها، ومن قال غير ذلك أو فعل غير ذلك فنحن براء منه، ومما يقول ومما يفعل) ... بيان للناس.

كما يرى الإخوان المسلمون أن حماية غير المسلمين في عقائدهم وعبادتهم جزء من وظائف الدولة، ( فالدولة يكون عليها حماية غير المسلم في عقيدته وعبادته ودور عبادته وغيرها ) ...

وقد أكدوا على ذلك في برنامج حزب الحرية والعدالة الذي نص على: ( أقرت الشريعة الإسلامية حق غير المسلمين في الاحتكام إلى دياناتهم في أمور العقيدة والشعائر الدينية والأحوال الشخصية المتعلقة بالأسرة، وهي الأحكام التي يوجد فيها اختلاف عن أحكام الشريعة الإسلامية، أما غير ذلك من أمور الحياة الدنيوية بكل أنواعها، والنظام العام والآداب فتحكمها القاعدة الإسلامية التي تقرر أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وهو ما يمثل أسمى قواعد العدل والإنصاف والمساواة بين المواطنين جميعاً دون استثناء) .

برنامج حزب الحرية والعدالة ، الباب الأول ، الفصل الثالث : السياسات والاستراتيجيات ، فقرة رقم ( 3 )

ويري الإخوان ان المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم ( أهل الذمة )، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات، مع بقاء مسألة الاحوال الشخصية من " زواج وطلاق ومواريث ..." طبقا لعقيدة كل مواطن .

وبمقتضي هذه المواطنة وحتي لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده - يري الإخوان ان للنصاري مثلا، حق في أن يتولوا - باستثناء منصب رئيس الدولة - كافة المناصب الاخري من مستشارين ومدراء ووزراء .

والإخوان المسلمون يعلنون موقفهم في صراحة ووضوح لا لبث فيه، ولا غموض معه، وهم لا يخالفون الإسلام في موقفهم هذا قيد أنملة؛ فهم يرون المساوة بين البشر، واحترام عقائدهم وحرياتهم وخصوصياتهم، ( فرب الناس واحد، ومصدر الدين واحد، والأنبياء جميعاً مقدسون، والكتب السماوية كلها من عند الله، والغاية المنشودة اجتماع القلوب (ىشَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) ... سورة الشورى الآية ( 13 ) .

رسالة دعوتنا في طور جديد .

الإخوان ... وقضية العنف والارهاب

سبق أن أوضح الإخوان موقفهم من هذه القضية بكل الصراحة والوضوح وهو :

أنهم يدينون العنف ويستنكرونه ويرفضون كل اشكاله وصوره وايا كانت مصادره وبواعثه، وذلك علي اساس فهمهم لقيم الاسلام ومبادئه وتعاليمه . كما سبق وأكد الإخوان مرارا علي ضرورة إيقاف أعمال العنف والعنف المضاد من منطلق وقاية البلاد من نزيف الدم الذي حرمه الله والحفاظ علي المجتمع من الإنهيار الإجتماعي والخراب الاقتصادي والذي لن يستفيد من ورائه إلا أعداء الإسلام وخصوم المسلمين .

من ناحية أخري فقد أثرت حلقات العنف والعنف المضاد علي الدعوة الإسلامية وأضرت بها ضرراً بالغاً، حيث أنه من المعلوم أن الدعوة لا تنمو في ظل مناخ يسيطر عليه الهلع والفزع ولا يقبل عليها الشباب في جو يسوده التوتر . كما فتحت أعمال العنف المضاد أبوابا من المفاسد والفتن والشرور، وأتاحت الفرصة لأجهزة الإستخبار الإحنبية لمحاولات إتمام مخططاتها في إشاعة البلبلة، وضرب الوحدة الوطنية وتعريض السلام الاحتماعي للخطر . كما استغلت بعض فصائل العلمانية أعمال العنف في تسديد نيران مدافعها وقذائفها صوب الإسلام وأهله بزعم مكافحة وتحت ستار محاربة التطرف.

وبرغم هذا فقد أدي الإخوان المسلمون دورهم بالنسبة لهذه القضية علي أكمل وجه ممكن، وبما تتيحه طاقاتهم وامكاناتهم، فعقدوا لذلك العديد من الندوات والمحاضرات والمؤتمرات واللقاءات العامة، واصدروا البيانات والنشرات والكتيبات لتوعية المواطنين ( وبخاصة الشباب ) وتنبيه الرأي العام لمخاطر العنف والعنف المضاد وأثره السلبي علي أمن واستقرار البلاد الإسلامية المختلفة، فضلا عن دورها الريادي تجاه امتها العربية والإسلامية، كما أن الإخوان حالوا - من خلال التربية المستمرة والتوجيه المباشر للشباب - دون وقوع عشرات الآلاف منهم في براثن أعمال العنف، وكم لهذا آثاره وانعكاساته البعيدة المدي علي تحجيم هذه الاعمال وعدم تناميها وانتشارها .

وقد ظهر للعالم كله في شتي بقاع الارض ما تحمله دعوة الإخوان المسلمين من حكمة واعتدال وبعد نظر وحرص علي إسعاد البشر، كل البشر، ولم يحدث خلال الأزمات الماضية والحالية علي كثرتها - والتي كان من الممكن أن تعصف بأمن الأوطان وإستقرارهه - أن استغل الإخوان اية فرصة لتصفية حسابات، أو ممارسة أي عمل من أعمال العنف ( ولو علي المستوي الفردي )، أو عقد اتفاقات أو تشجيع ممارسات من شأنها أن تضر بالصالح العام، بل كانوا حريصين كل الحرص علي أمن وسلامة أوطانهم وهدوء واستقرار مجتمعهم، وذلك من منطلق إيمانهم بربهم، وحبهم لإسلامهم والتزامهم بأصول دعوتهم .

بيان الإخوان بتاريخ 18 يونيو 1994

وقد تعددت البيانات الصادرة عن الجماعة والتى تدين العنف وتعبر فيها عن رأيها فى هذا الخصوص . وقد قامت كل الصحف فى البلاد الإسلامية المختلفة، بنشرها فى حينها إما كاملة أو مقتطفات منها، بحيث لم يعد أحد يجهل رأى الإخوان فى هذه القضية . وكان من ابرز البيانات التى صدرت، ذلك البيان الجامع الصادر فى 30 من ذى القعددة 1415 هـ /30 من ابريل 1995مـ، والذى جاء فيه :

" لقد أعلن الإخوان المسلمون عشرات المرات خلال السنوات الماضية أنهم يخوضون الحياة السياسية ملتزمين بالوسائل الشرعية والأساليب السلمية وحدها، مسلحين بالكلمة الحرة الصادقة، والبذل السخى فىجميع ميادين العمل الاجتماعى ...مؤمنين بأن ضمير الأمة ووعى ابنائها هما فى نهاية الامر الحكم العادل بين التيارات الفكرية والسياسية التى تتنافس تنافسا شريفا فى ظل الدستور والقانون، وهم لذلك يجددون الإعلان عن رفضهم لأساليب العنف والقسر لجميع صور العمل الإنقلابى الذى يمزق وحدة الأمة، والذى قد يتيح لأصحابه فرصة القفز على الحقائق السياسية والمجتمعية، ولكنه لا يتيح لهم أبداً فرصة التوافق مع الإرادة الحرة لجماهير الأمة ... كما أنه يمثل شرخا هائلا فى جدار الاستقرار السياسى، وإنقضاضا غير مقبول على الشرعية الحقيقية فى المجتمع .

وإذا كان جو الكبت والقلق والإضطراب الذى يسيطر على الأمة قد ورط فريقا من أبنائها فى ممارسة إرهابية روعت الأبرياء وهزت امن البلاد، وهددت مسيرتها الاقتصادية والسلمية، فإن الإخوان المسلمين يعلنون - فى غير تردد ولا مداراه - أنهم برءاء من شتى أشكال ومصادر العنف، مستنكرون لشتى أشكال ومصادر الإرهاب، وأن الذين يسفكون الدم الحرام أو يعينون على سفكه شركاء فى الاثم، واقعون فى المعصية، وأنهم مطالبون فى غير حزم وبغير إبطاء أن يفيئوا الى الحق، فإن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وليذكروا - وهم فى غمرة ماهم فيه - وصية الرسول صلى الله عليه وسلم فى حجة وداعه " أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم الى يوم القيامة كحرمة يومكم هذا فى عامكم هذا فى بلدكم هذا " .

أما الذين يخلطون الأوراق عامدين، ويتهمون الاخون ظالمين، بالمشاركة فى هذا العنف والتورط فى ذلك الارهاب، متعللين فى ذلك، بإصرار الإخوان على مطالبة الحكومة بألا تقابل العنف بالعنف، وأن تلتزم بأحكام القانون والقضاء، وأن تستوعب دراستها ومعالجتها لظاهرة العنف جميع الأسباب والملابسات ولا تكتفى بالمواجهة الأمنية - فإن إدعاءاتهم مردودة عليهم بسجل الإخوان الناصع كرابعة النهار على إمتداد سنين طويلة شارك الإخوان خلال بعضها فى المجالس والنيابية والانتخابات التشريعية، واستبعدوا خلال بعضها الآخر عن تلك المشاركة، ولكنهم ظلوا على الدوام ملتزمين بأحكام الدستور والقانون، حريصين على أن تظل الكلمة الحرة الصادقة سلاحهم الذى لا سلاح غيره، يجاهدون به فى سبيل الله ( لا يخافون لومة لائم ) .

والأمر فى ذلك كله ليس أمر سياسة أو مناورة، ولكنه أمر دين وعقيدة، يلقى الإخوان المسلمون عليهما ربهم ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم "

الإخوان المسلمون - 30 من ذى القعدة 1415 ه / 30 من أبريل 1995 .

الإخوان والعلم

تؤمن جماعة الإخوان المسلمين أن الإستخلاف فى الأرض الذى أوكله الله سبحانه وتعالى لآدم وذريته، يقتضى أن يبذل المؤمن كل الجهد لإعمار هذا الكون، وأن من أولويات هذا الجهد، التعرف على ماأودع الله هذا الكون من علوم وطاقات وتسخيرها عن طريق العلم والعلماء لإتمام مهمة الإستخلاف وإعتبار هذه المهمة عبادة

ولم يغفل الامام الشهيد حسن البنا رحمه الله هذا الجانب، بل عد إهمال العلوم المعملية والمعارف الكونية وصرف الأوقات وتضييع الجهود فى فلسفات نظرية عقيمة وعلوم خيالية سقيمة - فى حين أن الإسلام يحث المسلمين على النظر فى الكون وإكتناه أسرارالخلق والسير فى الأرض ويأمرهم أن يتفكروا فى ملكوت الله : " قل انظروا فى ملكوت الله " - من عوامل التحلل الذى تسرب الى كيان الدولة الإسلامية .

رسالة " بين الأمس واليوم "

وقد عنى الإمام الشهيد بتأكيد هذا المعنى فى أكثر من موضع من منهاج الجماعة، حيث قال :

" كما تحتاج الأمم الى القوة تحتاج كذلك الى العلم الذى يؤازر هذه القوة ويوجهها أفضل توجيه، ويمدها بما تحتاج اليه من مخترعات ومكتشفات، والإسلام لا يأبى العلم، بل يجعله فريضة من فرائضه كالقوة ويناصره، وحسبك أن أول آية نزلت من كتاب الله تعالى :

" اقرأ باسم ربك الذى خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم "

ولم يفرق القرأن بين علم الدنيا وعلم الدين، بل أوصى بهما جميعاَ، وجمع علوم الكون فى آية واحدة، وحث عليها وجعل العلم بها سبيل خشيته وطريق معرفته، فذلك قول الله تعالى :

" الم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلف ألونها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف الوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء " فاطر

رسالة " نحو النور "

ويقول الإمام الشهيد :" نحن نلمس أن هذا المجتمع الإنسانى لن يصلحه إلا إعتقاد روحى يبعث فى النفوس مراقبة الله عز وجل والتعزى بمعرفته، ومن هنا كان لزاماً على الناس أن يعودوا الى الإيمان بالله وبالنبوات وبالروح وبالحياة الآخرة، وبالجزاء فيها على ألأعمال " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " . كل هذا فى الوقت الذى يجب عليهم فيه أن يطلقوا لعقولهم العنان، لتعلم وتعرف وتخترع وتكتشف وتسخر هذه المادة الصماء وتنفع باقى الوجود من خيرات وميزات : " وقل ربى زدنى علما " والى هذا اللون من التفكير الذى يجمع بين العقليتين الغيبية والعلمية ندعو الناس ".

رسالة " دعوتنا فى طور جديد "

ويقول : " الاسلام يحرر العقل، ويحث على النظر فى الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح والنافع من كل شىء . و " الحكمة ضالة المؤمن أنَى وجدها فهو أحق الناس بها " .

ثم يضع قاعدة ذهبية لتكون ميزانا للعلم والإيمان

" وقد يتناول كل من النظر الشرعى والنظر العقلى مالا يدخل فى دائرة الآخر، ولكنهما لن يختلفا فى القطعى . فلن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة، ويؤول الظنى منهما ليتفق مع القطعى، فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعى أولى بالإتباع حتى يثبت العقلى أو ينهار " .

الأصلين الثامن عشر والتاسع عشر من الإصول العشرين

الإخوان .... والمرأة

مكانة المرأة :

المرأة فى فهم الإخوان المسلمين هى الأم التى ورد فى شأنها الأثر الكريم أن الجنة تحت أقدام الأمهات .

وهى الأبنة والاخت التى تولد كما يولد أخوها الذكر من ذات الصلب ومن نفس الرحم

وهى الزوجة التى هى سكن للرجل والرجل سكن لها

وهى نصف المجتمع ونصف الأمة والقائمة على تنشئة كل الجيل اللاحق من الرجال والنساء وتوجيهه وإصلاحه وغرس المبادىء والعقائد فى النفوس .

ومسئولية المرأة الإيمانية كالرجل سواء بسواء، فهى مسئولة عن تصديقها وإيمانها بالله والرسول، وإن خالفها أقرب الناس من أب أو أخ أو زوج فى ذلك .

وهى مأمورة كالرجل بالايمان بالله واليوم الآخر والكتاب النبيين والملائكة ...، ومأمورة بإقامة الصلاة وأيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله إنا استطاعت الى ذلك سبيلاً، ويقع عليها واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعليها واجب الولاية العامة لجماعة المسالمين .

وعلى المرأة ماعلى الرجل من التفقه فى أحكام الدين، لما تحتاج اليه فى شئون حياتها وللنذارة والتبليغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم .

والحدود المنصوص عليها فى الشريعة الغراء واحدة بالنسبة للرجل والمرأة فالسارق كالسارقة .... والمحارب لله ورسوله كالمحاربه .

ونفس المرأة فى القصاص كنفس الرجل، والمرأة القاتلة كالرجل القاتل، والمرأة القتيل كالرجل القتيل .....

ولا يصح زواج فى شريعة الله الا بموافقة المرأة ورضاها وإجازتها، ولا يجوز شرعا إجبارها على الزواج ممن لا ترضاه

وللمرأة ذمة مالية كاملة لا تنقص شيئا عن ذمة الرجل المالية ....

فالأصل هو المساواة بين الرجل والمرأة والإستثناءات ترد من لدن العليم الخبير الذى هو الخالق والأعلم بمن خلق .....

حق المرأة فى المشاركة فى إنتخاب أعضاء المجالس النيابية وما ماثلها

ترى جماعة الإخوان المسلمين أنه ليس ثمة نص فى الشريعة الغراء يحجب ان تشارك المرأة فى هذا الأمر، بل إن قوله تبارك وتعالى " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " - وغيره من الآيات الكريمة المشابهة - يتضمن تكليفا للمرأة هى تؤديه فى إختيار أهل الحل والعقد على وجه شرعى .

تولى المرأة مهام عضوية المجالس النيابية ومايماثلها

ترى الجماعة أن ليس فى النصوص المعتمدة مايمنع من تولى المرأة مهام عضوية المجالس النيابية، وما ورد من نصوص تؤيد مشاركتها فى الإنتخاب ينطبق على إنتخابها عضوأً .

تولى المرأة الوظائف العامة

الولاية العامة المتفق على عدم جواز أن تليها المرأة هى الإمامة الكبرى، ويقاس على ذلك رئاسة الدولة فى أوضاعنا الحالية

أما القضاء فقد اختلف الفقهاء بشأن تولى النساء له، فمنهم من أجازه على ألإطلاق ( الطبرى وابن حزم ) ومنهم من توسط فأجازه فى أنواع من القضايا ومنعه فى أخرى ( الامام أبو حنيفة رضى الله عنه )، ومادام الأمر موضع إجتهاد فالترجيح طبقا للأصول الشرعية أمر وارد، ثم إبتغاء مصلحة المسلمين طبق ضوابطها الشرعية وطبقا لظروف المجتمع وأحواله امر وارد أيضاً .

أما ماعدا ذلك من الوظائف العامة، فمادام أن للمراة شرعا أن تعمل فيماهو حلال لم يرد به نص بتحريمه، ومادام ان الوظيفة العامة هى نوع من العمل، فليس ثمة مايمنع من أن تليها . كأن تكون المرأة : طبيبة أو مدرسة أو ممرضة، الى غير ذلك مماقد تحتاجه هى أو يحتاجه المجتمع.

ومما يجب الإشارة اليه وبإلحاح أن المثال الغربى لمعاملة المرأة ووضعها الإجتماعى والاستهانة بحياتها وعرضها، هذا المثل من هذه النواحى مرفوض جملة وتفصيلاً وهو يقوم على فلسفة إباحية تناقض مبادىء الشريعة الغراء وأخلاقها وقيمها .

رسالة " المرأة " الصادرة عن الجماعة فى شوال 1414 هـ / مارس 1994 مـ

وبعـــــــــــــــد

فلعلنا بهذه السطور نكون قد القينا الضوء على بعض الجوانب الفكرية والعملية لجماعة الإخوان المسلمين، التى تتعرض لحملة إقصاء وتشويه لا تخدم الدين ولا تخدم الوطن، آملين أن يدرك الجميع حقيقة المواقف بعيداً عن الحملات الإعلامية غير الصادقة .

أخي القارئ الكريم

بعد أن عرفت من نحن، وما غايتنا ورسالتنا ومهمتنا وأهدافنا، وتعرفت على خصائص دعوة الإخوان، وسياستها العامة، فإننا ندعو الله لنا ولك أن نكون جميعا ممن آمن بدعوتنا وصـدق بقـــولنا وأعجب بمبادئنا، ورأى فيهــا خيراً اطمأنت إليه نفسه، وسكن له فؤاده.

وندعوك أن تبادر بالانضمام إلينا والعمل معنا حتى يكثر بك عدد المجاهدين ويعلوا بصوتك صوت الداعين. ولا معنى لإيمان لا يتبعه عمل.. ولا فائدة في عقيدة لا تدفع صاحبها إلى تحقيقها والتضحية في سبيلها..

فكذلك كان السابقون الأولون ممن شرح الله صدورهم لهدايته فاتبعوا أنبيائه وآمنوا برسالاته وجاهدوا فيه حق جهاده،

ولهؤلاء من الله أجزل الأجر وأن يكون لهم مثل ثواب من اتبعوهم لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا

فإنه ( إذا كان الإخوان المسلمون يعتقدون ذلك فهم يطالبون الناس بأن يعملوا على أن تكون قواعد الإسلام هي الأصول التي تبنى عليها نهضة الشرق الحديث في كل شأن من شؤون الحياة ، ويعتقدون أن كل مظهر من مظاهر النهضة يتنافى مع قواعد الإسلام، ويصطدم بأحكام القرآن فهو تجربة فاسدة فاشلة ، ستخرج منها الأمم بتضحيات كبيرة في غير فائدة ، فخير للأمم التي تريد النهوض أن تسلك إليه أخصر الطريق باتباعها أحكام الإسلام ) ...

رسالة إلى أي شيء ندعو الناس.

فـإن (الله بعث لكم إماماً، ووضع لكم نظاماً، وفصَّل أحكاماً، وأنزل كتاباً، وأحل حلالاً، وحرم حراماً، وأرشدكم إلى ما فيه خيركم وسعادتكم، وهداكم سواء السبيل؛ فهل اتبعتم إمامه، واحترمتم نظامه، وأنفذتم أحكامه، وقدستم كتابه، وأحللتم حلاله، وحرمتم حرامه ؟ كونوا صرحاء في الجواب، وسترون الحقيقة واضحة أمامكم) ... رسالة تحت راية القرآن.

وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وسلك بكم وبنا مسلك الأخيار المهتدين، وأحيانا حياة الأعزاء السعداء، وأماتنا موت المجاهدين والشهداء، إنه نعم المولى ونعم النصير.


والله أكبر ولله الحمد

يتبع إن شاء الله

الإخوان المسلمون ... رواية