الإخوان المسلمين في سوريا الحلقة الثالثة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمين في سوريا (الحلقة الثالثة)


الإخوان المسلمين في سوريا وثقوب في جدران الجماعة (الحلقة الثالثة)


العسكر والإخوان

55شعار-الاخوان.jpg

يبدو أن العسكر والثقافة التي تربوا عليها لن تتوافق مع منهج وإستراتيجية الإخوان وفكرهم في أي بلد، ذلك لأن الجيش يعتبر نفسه في المقام الأول حامي العلمانية التي غرسها الغرب في نفوسهم، بالإضافة للمعتقدات التي تربى عليها من الخوف من كل ما هو ديني.

ولذا رأينا انقلاب العسكر على الإخوان مصر رغم وقوفهم بجانب ثورة يوليو، أيضا كان الوضع في سوريا، حيث كان موقف المؤسسة العسكرية في سورية من الإخوان المسلمين سلبياً ، فكان الجيش وأجهزة الأمن تناصب الإخوان العداء ، بل وتتدخل لصالح خصومهم في الانتخابات النيابية ، كالذي حدث في عام 1957م.

وكما سقت من أسباب ذلك حيث خدم معظم رجال الجيش في جيش الانتداب الفرنسي ونقل كل السلوكيات وكرهه لكل مظاهر الإسلام ومجموعة أخرى التحقت بالجيش وهي تحمل قناعة الأحزاب التي انتسبت لها خاصة الكارهين للإخوان.

لكن من الواضح أن الإخوان في كل بلد لم يتعلموا من الأخطاء السابقة فدائما ما يتناسون ما قام به الجيش ضدهم فسرعان من يرتمون في أحضان العسكر معتقدين بوطنية الجميع، – ولربما تدفعهم وطنيتهم في مثل هذه المواقف لأن الجيش جيش الوطن وليس جيش أحزاب أو جماعات – لكن المحصلة في النهاية هي الصدام المتكرر والمؤلم بين العسكر والإسلاميين (1).

ظل الصراع مع صعود اليساريين – خاصة أكرم الحوراني وحزبه – والذي كانوا يحملون الكره للإخوان، وقد تصادف في هذه الفترة قيام الوحدة بين مصر وسوريا في 22 فبراير / شباط 1958م – والتي باركها الإخوان وأيدوها بشدة - والتي لم تكن في صالح سوريا ولا الشعب السوري وسرعان ما تكشفت عوراتها، حتى أنهيت الوحدة بانقلاب عسكري في دمشق يوم 28 سبتمبر / أيلول 1961م قام به بعض قادة الجيش في الإقليم الشمالي، ثم جرى انقلاب أخر في 28/3 /1962م (2).

عمل الدكتور مصطفى السباعي على توحيد الصفوف وتنظيم الإخوان في سوريا حتى عام 1963م.

البعثيين والإخوان والصدام الأعظم

من الأخطاء التي يقع فيها الإسلاميين في كل بلد هو تعليق الفشل والأخطاء على المؤامرات الخارجية التي تتربص بهم، وكأن الغرب سينتظر الإسلاميين بالورود وقت بلوغهم السلطة.

وصل حكم الانفصال إلى درجة من الضعف والوهن جعله قابلاً للسقوط لأدنى هزة يتعرض لها، ولذا قفز حزب البعث إلى السّلطة من خلال انقلاب 8 مارس 1963 الذي شاركت فيه مجموعة اتجاهات سياسية اشتراكية وقوميّة، وقد استطاع رجال الحزب إقصاء شركائهم والاستئثار بالسّلطة (3).

انقلاب الثّامن من مارس 1963م

كان هذا الانقلاب نقطة انعطاف خطيرة في تاريخ سوريا الحديث. ومنذ ذلك التاريخ تعيش البلاد تحت ظلّ قانون الطوارئ الصّادر بالأمر العسكري رقم (2)، حيث استولى حزب البعث على السلطة فاتحًا بذلك الباب أمام الأقليّات الطائفية لتمسك بمفاصل القوّة والسّلطة في سوريا؛ لأن معظم أعضاء اللجنة العسكرية البعثية المشرفة على نشاطات التنظيم العسكري كانوا من الأقليّات الطائفية.

حيث تحرك فصيل تاركا الحرب مع العدو الصهيوني ودخل دمشق فاستولى على كل شيء دون مقاومة، وتم تعيين مجلس لقيادة الثورة ، ضم عشرة ضباط ما بين عميد وعقيد ومقدم رفعوا رتبهم جميعا لرتبة لواء دون أي اعتبار – ومن الواضح أن التأثر بما جرى في مصر حينما تم ترفيع عبد الحكيم عامر من رتبة صاغ إلى رتبة مشير دفعة واحدة، كان هو سمة هذا الانقلاب.

كما أنه من الواضح أن بعض الدول العربية – وعلى رأسها سوريا – كانت من الدول القليلة التي شهدت كثيرا من الانقلابات العسكرية، حيث كان العسكر يتحكمون في مقدرات الحياة في البلاد، حتى أن إن سورية تحولت إلى حقل تجارب لدي المغامرين العسكريين.

وعندما وقع الانقلاب لم يكن لحزب البعث في المجتمع السوي حضور قوي، بل بقي لهم وجود رمزي بعد الذي أصابهم من تمزق وتشرذم، لكنهم أحكموا السيطرة على البلاد حتى أن الناصريين حينما أرادوا القيام بانقلاب جبهوا بالقوة (4).

وتكوّنت اللجنة العسكرية السرية من خمسة ضباط، من بينهم ثلاثة علويين، وهم: محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد، وإسماعيليّان هما: عبد الكريم الجندي وأحمد المير. وبعد انقلاب الثامن من مارس وسِّعت اللجنة، وبقيت العناصر الفعّالة فيها من النصيريين (العلويين)، ولذلك سُميت هذه اللجنة بلجنة الضّباط العلويين، حث عمدت لتدعم أركان البعثيين في الجيش (5).

وصارت اللجنة العسكرية مجلسا داخل المجلس ، تقرر سياستها قبل اجتماعاته ، وتضع أعوانها وأبناء عشائها وطائفتها في المواقع العسكرية المؤثرة، واستشرى خطر البعثيين وأعوانهم (6).

غير أن ممارسات البعثيين – التي لم يألفها الشعب السوري – حركت المظاهرات ضدهم في كل مكان – لكنهم واجهوها بالعنف والبطش، حتى أن بعض الطلبة والمدرسين وعلى رأسهم مروان حديد اعتصموا في مسجد السلطان مما دفع بالبعثيين لدك المسجد على من فيه، مما دفع الأهالي للصدام معهم فراح ضحيته ما يقرب من 50 شهيدا غير العسكريين، وهذا غير ما تم اعتقاله، على الرغم من تحذير الشيخ محمد الحامد للإسلاميين بالانصراف، ومن ثم شكل الشيخ وبعض العلماء وفدا قابلوا القادة العسكريين حيث استطاعوا أن يقتعوهم بالعفو عن المساجين، لكن سرعان ما جرت مذبحة أخرى في المسجد الاموي بدمشق، حركت الشجون إلا أن الخوف زرع في النفوس، وفي هذا الجو رحل مصطفى السباعي في 3/10/1964م (7).

عاشت سوريا جو من القلاقل وعدم الاستقرار لطائفية الجيش التي كانت سبابا وراء الكثير من الانقلابات في سوريا.

فبعد انقلاب 8 مارس /أذار تحرك البعثيين مرة أخرى بعمل انقلاب على أقرانهم البعثيين – وعلى رأسهم أمين الحافظ - الذين شاركوهم انقلاب 8 مارس وزجوا بهم في السجون.

تبع إزالة الحافظ تطهير الجيش والحزب والحكومة من بقايا السنة وأبناء المدن السورية الكبيرة، فأبعدوا 400 ضابط وموظف ، فكانت هذه الضربة القاضية لتحويل الجيش السوري الوطني إلى جيش أقليات كما كان في ظل الانتداب الفرنسي ، بل أكثر تطرفًا في سيطرة العلويين على مرافق الجيش ومفاصله (8).

حدث انقلاب في 23/2/ 1966 بسبب تصاعد الصراع على السلطة بين الحرس القديم للحزب البعثي، ممثلا بميشيل عفلق، صلاح الدين البيطار، ومنيف الرزاز والفصائل الشابة التي تلتزم بموقف بعثي جديد بقيادة صلاح جديد (9).

تعرض الإسلاميين عامة والإخوان خاصة لأقسى أنواع التعذيب والاعتقال من السلطة الحاكمة الجديدة في سوريا، ناهيك عما تعرض له المظهر الإسلامي بل ما تعرض له الشعب السوري كله من جراء السلطة الجديدة – ورغم قلتها إلا أنه لم يستطع احد أزاحتها أو الانقلاب عليها واكتمل المشهد بالهزيمة في حرب حزيران/ يونيو 1967م، وكان من الواضح إن حركة 8 آذار/ مارس مهدت لنكبة حزيران/ يونيو (10).

سوريا تحت حكم الأسد

كان التّحول الكبير الذي شهدته سوريا هو انقضاض حافظ الأسد على السّلطة في 16 نوفمبر 1970.

وعندما لم يبق أمامه معاند أو معارض بعد انتحار الجندي أو نحره ، أجرى اقتراعًا شعبيًا لرئاسة الجمهورية كان فيها المرشح الوحيد ، فنال في استفتاء نزيه جدًا!! في 12- 3- 1971 ما يزيد عن 99% كأول رئيس جمهورية في تاريخ سورية ينتمي إلى الأقلية العلوية (11).

ومن المعروف أن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم حافظ الأسد باسمه مدّة 30 سنة، عمد منذ استلامه السلطة عام 1963م إلى مصادرة الحريّات العامة، فحلّ الأحزاب السياسية، وأغلق الصّحف وفرض الأحكام العرفيّة، وحجر على حريّة الفكر والتّعبير، واحتكر جميع وسائل الإعلام لنفسه، وألغى كل دور للمعارضة السياسية.

وعلى الرّغم من أنّ جماعة الإخوان المسلمين لم تبد خلال هذه الفترة أي معارضة عنيفة ضد النّظام، إلا أن السّجون لم تَخْلُ من معتقلين إسلاميين (وخاصة من الإخوان) وكانوا يتعرّضون لأقسى أنواع العذاب، وكانوا يُعتقلون في أسوأ الظروف التي تهدر فيها آدمية الإنسان.

إلا أنه ثارت ثائرة الجماهير السورية، وعلى رأسهم العلماء والإخوان المسلمون، والجمعيات الإسلامية ، والمنظمات النقابية والعمالية والطلابية معارضين لهذا الدستور الاستبدادي الذي يكرس الطائفية والدكتاتورية وطبائع الاستبداد الذي أصدر حافظ الأسد في نيسان من عام 1971م.

تحرك هؤلاء جميعًا بما يشبه الانتفاضة في 31/ 1/ 1973م ، إلا أن نظام الأسد قابلها بالقوة واعتقل الكثيرين وعلى رأسهم الشيخ سعيد حوى والدكتور حسن هويدي وغيرهم.

وعمد النّظام في هذه المرحلة إلى عمليات تصفية متعمّدة لبعض المعتقلين دون أن يُقدّموا لأيّ محكمة. نذكر منهم الشّهيد حسن عصفور، والشّهيد مروان حديد، والفتاة المسلمة غفران أنيس وغيرهم...

أن ما أصاب الإخوان المسلمين كان أشد مما وقع على الآخرين ، ولاسيما تنفيذ أحكام الإعدام بالعشرات والمئات، ثم الآلاف فيما بعد طبقًا للقانون 49 الذي يقضي بحكم الموت على كل من انتسب إلى الإخوان ، حتى بلغ عدد الذين رفعوا على أعواد المشانق بين عامي 1980- 1982 اثني عشر ألفًا من الشهداء عدا عن الذين قضوا تحت التعذيب ، وعدا النساء والأطفال الذين امتلأت بهم أقبية الاعتقال والتعذيب (12).

الصدام العنيف

في عام 1976م وبعد التدخل السوري في لبنان، وبعد مقتل الشهيدين حسن عصفور ومروان حديد رحمهما الله، بدأ النظام يحصد نتائج سياسته القمعية، حيث بدأت عمليات الاغتيال التي تقوم بها جماعات إسلامية مستقلّة، ضد رموز النظام الذين كان لهم دور في ممارسة أساليب الاستفزاز ضد المواطنين.

ولم يكن لجماعة الإخوان المسلمين يومها علاقة بعمليات الاغتيال، والنظام السوري يعلم ذلك جيّدًا، لكنه بدلًا من تطويق الأزمة ومحاولة حلّها، عمد في ربيع عام 1979م إلى شنّ حملة اعتقالات واسعة شملت عددًا من رموز الإخوان تحت ذريعة ملاحقة الذين يقومون بعمليات الاغتيال، وكان لهذه الحملة دور كبير في تسريع الأحداث وتفجيرها، ثم جاءت حادثة المدفعيّة التي وقعت في السادس عشر من حزيران 1979م، وذلك عندما قُتل ما لا يقلّ عن 35 طالبّا عسكريًّا وأصيب 54 آخرون بجراح (حسب البيانات الرّسميّة للدّولة).

فكانت حادثة المدفعية عملا كارثيا بالنسبة لتنظيم الإخوان المسلمين ، لأنها كانت السبب في تعطيل برامج الجماعة وعرقلة مسيرتها الدعوية.

و سارعت الجماعة إلى الإعلان عن عدم علمها بحادثة المدفعية وبمن قام بتنفيذها، لأنها تتعارض تفكير الجماعة، وكان من الواضح أن النظام الحكام قد استطاع أن يحكم قبضته بل ويخترق بعض الحركات بما فيهم الإخوان المسلمين.

حتى صدر القانون (49) وذلك في 7 من يوليو عام 1980م والذي تنصّ مادّته الأولى على ما يلي: «يُعتبر مجرمًا ويُعاقب بالإعدام كلّ منتسب لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين» (13).

وكانت إجراءات السّلطة الهوجاء الظّالمة هذه أكبر مفجّر لبركان الغضب الشّعبي الدّفين. فالممارسات الطّائفيّة، ونشر ألوان الفساد الخُلقي، وتهجّم النّظام على النّساء المسلمات في الشّوارع، ونزع الحجاب من رءوسهنّ، ومنع الحجاب في المدارس، ونقل المدرّسين ذوي الصّبغة الإسلاميّة إلى قطاعات أخرى خارج نطاق التّعليم.

نتج عن ذلك كله أن خرج عن الجماعة بعض الجماعات المسلحة التي وجدت أن النظام السوري بما يقوم لن يوقفه إلا القوة – منهم مروان حديد والذي شاهد أيضا ما حدث للإخوان في مصر- وإن كان هذا المنهج تم دون علم قيادة الجماعة والتي سارعت بحله حينما نمى لعلمها ما يحدث، إلا أن ذلك ترك شرخا ايضا واختلافا في صفوف الجماعة السورية تحت ظل الضربات الشديدة التي لاقاها من نظام الأسد. وفي 22/6/ 1979م أعلن وزير الداخلية السوري الحرب على الجماعة واستباحة دماء أبنائها، بل واعتقال نسائهم وبناتهم (14).

في هذه الأجواء الإرهابية وجدت جماعة الإخوان المسلمين نفسها في مأزق حرج، فشبابها خاصّة، والإسلاميون عامة، أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يُصفَّوا في المعتقلات دون أن يدري بهم أحد، أو أن يَدفعوا موجات الظلم التي وقعت عليهم وعلى الشعب السوري بكامله. وفي أجواء الرعب والخوف تلك لم تُجْدِ صيحات العقلاء ووساطاتهم في احتواء الأزمة ووقف شلال الدم الذي آثر النظام أن يخوضه تحت شعار العنف الثوري.

ورأت الجماعة أنها أمام معركة حقيقيّة مفروضة عليها لا مناص من خوضها واستكمال عدّتها، فاتخذ مجلس شورى الجماعة الذي اجتمع خارج سوريا في سبتمبر 1979م قرارًا بالمواجهة وتعبئة القوى وحشد الطاقات لهذه المعركة. ولبّى الكثير من أبناء الجماعة نداء الواجب، واختار طريق الدفاع المشروع عن النفس والعقيدة ومقاومة الظلم الذي وقع على البلاد والعباد؛ تلك المقاومة التي لقيت تأييدًا وتعاطفًا شعبيًّا كبيرًا مما أسهم في انتشارها وتوسّعها لتمتدّ إلى جميع أرجاء سوريا.

وبدل أن يلجأ النظام إلى الاستجابة لمطالب الشعب بأكمله، مارس سياسة الأرض المحروقة في المحافظات السورية، فكانت مذابح سجن تدمر وجسر الشّغور وجبل الزّاوية وحلب وسرمدا، وكانت كبرى هذه المجازر مجزرة حماة المروّعة عام 1982م والتي ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء.

وأصبحت الأعوام ما بين 1977 حتى 1983 أشد سنوات الصدام مع النظام الحاكم والتي جرت فيها مذابح ضد الإخوان والشعب السوري، إذا هجر كثير من الإخوان وغيرهم وطنهم سوريا وفروا خارجها لسنوات (15).

وعاشوا حياة الشتات لكن لم تصاب الحركة بما أصيبت به من قبل من اختلاف على القيادة، حيث أصبح اختيار المراقب العام يتم دون جدل، إلا ان تأثير الجماعة ضعف داخليا وخارجيا.

حتى حدث أن اختير الشيخ منير الغضبان في 5 أغسطس 1985م مراقبا عاما لسوريا، في نفس الوقت الذي تم فيه تجميد المجلس الشورى السوري، وعلى إثره استقالة القيادة السابقة (16).

وحدثت ثقوب أخرى في جدار الإخوان واختلافات، وكانت المناوءات بين الأطراف مما زاد من ضعف وتشتت الجماعة، حتى استقال الغضبان وتم اختيار عبد الفتاح أبو غدة واحتد الخلاف وسط الجماعة.

بعد إنتخاب علي صدر الدين البيانوني كمراقب عام للإخوان المسلمين في سورية في العام 1996، بدأت الجماعة مفاوضات سرية مع الحكومة. وعقب تولي بشار الأسد السلطة، أفرج عن المئات من أعضاء الجماعة من السجن. إلا أن الأسد رفض مطالب البيانوني الأساسية التي تتمحور حول الإفراج عن كل أعضاء الجماعة المسجونين، والسماح بعودة كل المنفيين إلى سورية، ورفع الحظر الذي فرضته الحكومة على الإخوان.

في هذه الفترة، استمرت الجماعة في التواصل مع أطراف المعارضة الأخرى، وأعلنت في أيار/مايو 2001 عن مشروع "ميثاق شرف وطني للعمل السياسي في سورية" عُرض خلال مؤتمر المعارضة السورية في آب / أغسطس 2002 في لندن. لقي البيان ترحيبًا في أوساط المعارضة السورية، لكن الحكومة السورية لم ترحب به كل الترحيب. وفي العام 2005، أيدت الجماعة إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي، الذي ضم مجموعة من القوى والشخصيات السورية المعارضة، الإسلامية والقومية والكردية واليسارية، الذي حدد المبادئ العامة للمعارضة السورية. ثم ساهمت الجماعة في العام 2006 في تشكيل "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة في المنفى مع نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام قبل أن يتركوا التحالف لخلاف مع خدام.

وفي تموز / يوليو 2010، اجتمع المجلس العام للإخوان المسلمين في اسطنبول، وانتخب محمد رياض الشقفة لخلافة البيانوني كمراقب عام للجماعة.

وفي 25 آذار/ مارس 2012م أصدرت الجماعة وثيقة "عهد وميثاق" حددت فيها الأطر العريضة لمفهومها لسورية ما بعد سقوط النظام، داعيةً إلى بناء دولة مدنية حديثة ديمقراطية تعددية. واعتبرتها "أساساً لعقدٍ اجتماعي جديد، يؤسس لعلاقة وطنية معاصرة وآمنة بين مكونات المجتمع السوري". ودعت الوثيقة أن تتبع سورية في المستقبل نظاماً جمهورياً نيابياً يختار فيه الشعب الممثلين والحكام عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. وطالبت بقيام دولة يتساوى فيها المواطنون جميعاً على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم، تقوم على مبدأ المواطنة، ويحق لأي مواطن فيها الوصول إلى أعلى المناصب. كما دعت الوثيقة إلى قيام "دولة تلتزم بحقوق الإنسان كما أقرتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية من الكرامة والمساواة وحرية التفكير والتعبير لا يُضام فيها مواطن في عقيدته ولا في عبادته (17).

ثقوب في جدار الإخوان السوري

على الرغم مما يتعرض له الإخوان لسياستهم المختلفة عن الأنظمة الحاكمة إلا أنهم – بالرغم من ذلك - كانت جدران بيوتهم مليئة بالثقوب. فبعدما اشتدد المرض بالشيخ السباعي عهد بالمسئولية للأستاذ عصام العطار إلا أن البعض رفض ذلك، وحاولوا إبعاده والإتيان بغيره وحدث خلف بين المؤيدين والمعارضين وكان الشيخ عبد الفتاح أبو غدة على رأس المعارضين، وكان يضم مركز حلب واللاذقية وبعض الإخوان في المراكز الأخرى.

يقول عدنان سعد الدين: (وضم الفريق المؤيد للشيخ عصام : مركز دمشق وحمص وبعض الإخوان في المراكز الأخرى ، ثم ظهرت كتلة ثالثة ضمن مراكز الدير وإدلب وحماة ، أعلنت حيادها ريثما ينجلي الموقف والخلاف عن حل يقدمه مكتب الإرشاد لهذا الانشقاق النكد في تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في سورية ، وبعد أن تمخضت الوساطة التي طال أمدها والجدل حولها عن اختيار كاتب هذه الأحرف مراقبًا عامًا رفض إخوان دمشق هذا الحل ، وأعلنوا عدم التزامهم به ، فتكرس الخلاف ، وانضم مركز دير الزور برئاسة الدكتور حسن هويدي إلى فريق دمشق ، وانضم مركز حماة إلى فريق حلب ، وكان الشيخ سعيد حوى رحمه الله ناشطًا في قرار مركز حماة ، أما مركز إدلب فقد تريث حتى أقر مكتب الإرشاد فيما بعد انتخاب الفقير إلى رحمة ربه ، فانضم إلى التنظيم الذي أقره مكتب الإرشاد ، كما انحازت أكثرية مركز حمص برئاسة الشهيد الشيخ محمود سويد إلى التنظيم الذي حظي بموافقة مكتب الإرشاد ، غير أن قسمًا كبيرًا برئاسة الشيخ محمد علي مشعل ظل مواليًا للإخوة في دمشق ، وبعد انتهاء كتلة الحياد صار معظم الإخوان في حلب وحماة واللاذقية وجزء كبير من حمص ودرعا ، وشطر من التنظيم الفلسطيني الإخواني في سورية ، وبعض فروع الفرات والجزيرة مع التنظيم الدولي المدعوم من مكتب الإرشاد ، وذهب الفقير إلى عفو ربه إلى القاهرة لإعطاء البيعة للمرشد العام الذي كان انتخابه سريًا، لا يعلم به إلا رؤساء الإخوان المصريين في المحافظات، والمراقبون العاملون في الأقطار العربية الأخرى ، فأديت البيعة وعدت أدراجي إلى سورية التي ظللت أدخلها سرًا لمدة ثلاث سنوات ( 1976 و 1977 و 1978) (18).

ويعبر الشيخ منير الغضبان عن ذلك الخلاف بقوله: لقد غادرت سوريا والجماعة منقسمة على نفسها، وكنت من جماعة عصام العطار، والتقيت في السعودية مع مجموعة من الشباب الناقم على الانقسام في الصف الإخواني والذي يرى نفسه البديل عن القيادة القائمة فلا سبيل إلى الإصلاح إلا من خلال حركة شبابية، وكونا تنظيما جديدا لكنه لم ينجح وانضم أخيرا للجماعة الأم حتى تم اختياره مراقبا عاما (19).

لقد استمر هذا الخلاف ما يقرب من ستة سنوات أضعفت الجماعة وتدخلت أطراف إخوانية من خارج سوريا لحل الخلاف الذي أحدث شرخا شديد في جدران الجماعة وأضعف شوكتها في وقت كان نظام الأسد يتربص بها ويوجه لها الضربات المتتالية واغتيال شبابها، وبلغت الجماعة حالة من الضعف أصبحت لا تستطيع فعل أي شيء حيال ما يحدث لها أو لوطنها.

ولقد أفرزت هذه الانشقاقات جماعات كبيرة على الساحة الآن مثل السرورية والتي تنسب محمد ابن سرور زين العابدين، وهو سوري الجنسية من "حوران"، انتمى في بداياته إلى تنظيم "الإخوان المسلمين" إلا أنه انشق عنهم، بعدما وقعت خلافات بينه وبين قيادات الجماعة في سوريا وقتذاك، خاصة بعدما انتقل للعيش في السعودية (20).

الإخوان والثورة

تُعتَبَر جماعة الإخوان المسلمين في سورية الحركة الأقوى والأكثر تنظيمًا من بين قوى المعارضة السورية، على الرغم من نفي قادتها من البلاد في عهد حافظ الأسد.

فبعد حوالي ثمانية عشر شهراً على اندلاع الثورة، ساهمت الجماعة في تأسيس المجلس الوطني السوري، وهى تُعتبر المكون الرئيس في المجلس. تمثل جماعة الإخوان المسلمين حوالي ربع أعضاء المجلس الوطني السوري البالغ عددهم 310 عضوًا.

وقد حظيت بهذا الموقع الذي يتجاوز - بحسب المعارضين السوريين - حجمها الفعلي على الأرض وفي الثورة، بفضل تعدد الهيئات التي أقامتها في المنافي، وخبرتها في العمل السياسي. وقد أعلن المراقب العام للجماعة في سورية محمد رياض الشقفة أن الجماعة تؤيد الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بإسقاط النظام السوري مؤكدًا مشاركة الإخوان فيها بفاعلية ومشدداً على استمرار الاحتجاجات حتى إسقاط النظام.

ويخشى معارضون من أن تتحول البلاد من «سوريا الأسد» إلى «سوريا الشقفة»، أو إلى نموذجي مصر وتونس ما بعد ثوراتهما. لكن الواقع مختلف في سوريا، إذ ليس لدى «إخوانها» قاعدة شعبية حقيقية يستندون اليها. يضاف إلى ذلك اختلاف طبيعة المجتمع السوري والحجم الكبير والانتشار الملحوظ للأقليات، ما يجعل من تحقيق الجماعة لنوع من الهيمنة أمراً صعباً (21).

غير أنه على أرض الواقع تعتبر الثورة السورية ليست ذات قوة أمام النظام السوري والجيش الروسي والإيراني بسبب حالة عدم الوفاق والتخوين بين المعارضة بعضها البعض.

فالجيش الحر لا يتوافق مع الإخوان، فقد جدد فهد المصري مسؤول إدارة الإعلام المركزي في القيادة المشتركة للجيش السوري الحر انتقاده لسيطرة جماعة الإخوان المسلمين على ائتلاف المعارضة السورية ، وقال: إنها تحاول الركوب والسطو على الثورة.

كما حمَّلت القيادة المشتركة للجيش السوري الحر، أمس السبت، جماعة "الإخوان المسلمين" بسوريا مسؤولية تأخر انتصار الثورة وتشرذم المعارضة (22).

ولا تجد المعارضة على قلب رجل واحد مما سهل على الجيش السوري والروسي والإيراني توجيه الضربات المتتالية للأراضي السورية والتي يسيطر على بعضها المعارضة وفي الغالب يقع الضرر الأكبر على المدنين الأبرياء، ومن ثم لن تنتصر الثورة السورية إلا بتغليب المصلحة العامة دون التفكير في ساعة الحسم والمناصب.

من الواضح أن الحركات الإسلامية من السهل لها التغلغل وسط الشعوب والتأثير فيها، وطرح مبادئها إلا أنها دائما تصطدم مع الأنظمة الحاكمة والتي في مجملها تخرج من بوتقة الأنظمة العسكرية، وهذا ما يجعل الحركات الإسلامية تتقوقع على نفسها وقت اشتداد الضربات عليها، لكن بعدما تترك فيها شروخ وثقوب لا تعالج بسهولة


الهامش

  1. عدنان سعد الدين: من رحيل الشيشكلي إلى الانفصال، الجزء الثاني، صـ 50
  2. تاريخ سورية السياسي المعاصر: مرجع سابق، صـ 453 وما بعدها.
  3. جابر رزق: الإخوان المسلمون والمؤامرة على سوريا، طـ1(القاهرة، دار الاعتصام، 1980م) صـ115.
  4. غسان محمد رشاد حداد: أوراق شامية من تاريخ سورية المعاصر، 1946-1966م، طـ1( القاهرة، مكتبة مدبولي،, 2007م)صـ 153-155.
  5. الإخوان المسلمون والمؤامرة على سوريا: مرجع سابق، صـ 115.
  6. باتريك سيل، سمير عبده: الصراع على سوريا 1945 1958، ترجمة محمود فلاحة، طـ 1(سوريا، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، 2010م) صـ131.
  7. الإخوان المسلمون في سورية: مرجع سابق، الجزء الثالث (الحكم البعثي ( العلوي )، صـ 40.
  8. نيكولاس فان دام: الصراع على السّلطة في سوريا، طـ1(القاهرة، مكتبة مدبولي، 1995م) صـ115.
  9. المرجع السابق صـ88
  10. خليل مصطفى: سقوط الجولان، طـ 1(القاهرة، دار النصر للطباعة الإسلامية، 1980م) صـ24.
  11. باتريك سيل: الصراع على الشرق الأوسط، الطبعة الثانية عشر (مصر، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2015م)صـ 278.
  12. محمود صادق: حوار حول سوريا (جدة السعودية، دار عكاظ للطباعة والنشر، 1993م) صـ170.
  13. نص القانون 49: اللجنة السورية لحقوق الإنسان، http://www.shrc.org/?p=7449
  14. تقرير منظمة رقيب الشرق الأوسط عن انتهاكات حقوق الإنسان في سورية لعام 1990 في هامش صفحة 25.
  15. آلن جورج: سورية لا خبز ولا حرية، تعريب حصيف عبد الغني (بيروت، دار الشرق، 2006م)، صـ37.
  16. منير الغضبان: كشف المستور، ط1(حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، 1427هـ/ 2006م) صـ 289
  17. مركز كارنيغي للشرق الوسط: جماعة الإخوان المسلمين في سورية، http://cutt.us/YrJhd
  18. الإخوان المسلمون في سورية: مرجع سابق، الجزء الثالث (الحكم البعثي ( العلوي )، صـ 170.
  19. كشف المستور، مرجع سابق صـ 247
  20. محمد أبو رمان، الصراع على السلفية، ط 1 (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر،2016 )، صـ 44.
  21. يوسف شيخو: «موسم الهجوم» على إخوان سوريا، الأربعاء 10 نيسان 2013م، http://cutt.us/4mXpj
  22. الجيش الحر يُحمِّل الإخوان المسلمين مسؤولية تأخر انتصار الثورة: أورينت نت، http://cutt.us/5oVh5