الإخوان والصدام مع العسكر بعد ثورة يوليو

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان والصدام مع العسكر بعد ثورة يوليو


مظاهرة 28 فبراير 1954م ونتائجها

مركز الدراسات التاريخية (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)

تمهيد

حدثت أحداث غير التي دارت بخلد جمال عبد الناصر .. فقد أقال محمد نجيب من مناصبه في 25 فبراير .. وإذا به في أول مارس يواجه مظاهرة ضخمة ففي ذلك اليوم توجه جم غفير من طلبة الجامعة وأنا أكتب هذا ناقلاً من الصحف فقد كنت لا أزال في المعتقل إلي ميدان إلا بعد أن أطل عليهم محمد نجيب من شرفة قصر عابدين وبجانبه جمال عبد الناصر يضحك .. وخطب فيهم محمد نجيب خطبة طمأنهم فيها علي الحكم النيابي .

ولابد هنا من الاعتراف بأن هذه المظاهرة التي كانت من أكبر المظاهرات التي شهدتها العاصمة المصرية في تاريخها ، فقد كان ميدان الجمهورية وهو أوسع ميادين القاهرة بحرًا متلاطمًا بأمواج البشر كانت هذه المظاهرة بقيادة الإخوان المسلمين .

وقد أشارت الصحف إلي بعض شخصيات إخوانية كانت بارزة فيها ، ومن هذه الشخصيات إبراهيم كروم وكان من أشهر " فتوات " القاهرة ، وقد هداه الله وصار من أتقي الإخوان ، وكان ممتطيًا جوادًا يتقدم المتظاهرين ويطلق أعيرة نارية في الهواء . وعز الدين مالك كان يتزعم المتظاهرين راكبًا سيارة جيب مركبًا عليها ميكرفون يردد الهتافات ويوزع المنشورات .

ولابد أن جمال عبد الناصر تصور وهو ينظر إليهم من الشرفة بجانب نجيب أنهم قادرون لو شاءوا علي النفوذ إليه وإلقاء القبض عليه ، ولا تستطيع قوة أن توقف زحفهم .. ولذا فإنه أوعز إلي نجيب بعد أن أنهي كلمته أن يطلب إليهم الانصراف .. غير أنهم لم ينصرفوا .. فحاول نجيب ذلك مرات دون جدوى .

فأسعفته سرعة بديهته وقد رأي وسط المتظاهرين الأستاذ عبد القادر عودة فدعاه للوقوف معهما في الشرفة وطلب إليه أن يأمر المتظاهرين بالانصراف فما كاد يأمرهم حتى انصرفوا في التو واللحظة .

ومع أن تصرف عبد القادر عودة جاء إنقاذًا لجمال عبد الناصر وهو يعلم ذلك بيقين إلا أن جمال عبد الناصر نظر إلي الموضوع من ناحية أخري فتصور أن الذي استطاع فض هذه الجموع في لحظة هو قادر علي جمعها في لحظة .. إذن هو قوة يجب التخلص منها .

هذا ما علق به الكثيرون علي ما كان من أمر هذه المظاهرة ، ولكنني أري أن عزم عبد الناصر علي التخلص من عبد القادر عودة لم يكن وليد ما رآه من قدرته علي فض المظاهرة أو جمعها ، وإنما كان وليد تحول عبد القادر عودة من الولاء له والانحياز لجانبه إلي الولاء للمرشد العام ..

  • من نتائج هذه المظاهرة:
  1. رجوع محمد نجيب إلي جميع مناصبه.
  2. خضوع جمال عبد الناصر لمطلب الشعب في حكم دستوري.
  3. عملية إفراج واعتقال جزئية.
  4. تجاوب جميع المثقفين مع الاتجاه الجديد.
  5. الإفراج عن جميع الإخوان المسلمين.

ونتناول في هذا الفصل النتيجتين الأوليتين فنقول:

رجوع محمد نجيب إلي جميع مناصبه

صحيح أن أول نتائج هذه المظاهرة رجوع محمد نجيب إلي جميع مناصبه التي كان يباشرها فرجع إلي منصب رئيس الجمهورية ورجع إلي منصب رئيس مجلس الثورة والوزراء . سلم بذلك كله جمال عبد الناصر ولكنه حرص في أثناء تسليم السلطة إلي نجيب علي أن يحتفظ لنفسه بمنصب الحاكم العسكري ..

وقد نشرت الصحف في يومي 8 , 9 مارس 1954 الآتي:

يعود اللواء محمد نجيب رئيسًا للجمهورية والوزارة والثورة .

وأذيع المرسوم التالي:

" يخول للسيد البكباشي جمال عبد الناصر حسين السلطة في اتخاذ التدابير المنصوص عليها بدلاً من السيدات والسيد اللواء محمد نجيب ، ويرخص له علاوة علي ذلك باتخاذ إجراء آخر لازم للمحافظة علي الأمن والنظام العام في جميع نواحي جمهورية مصر أو في جهات معينة فيها " .

وإذا علمنا أن محمد نجيب نتيجة هذه الأحداث كان أقوي رجل في مصر ، كما أن جمال عبد الناصر كان في نفس الوقت في أضعف مركز مر به .. تعجبنا بعدما فعله عبد الناصر بنجيب من أفاعيل كيف ينخدع نجيب ويجيب عبد الناصر إلي مطلبه فيتنازل له عن سلطة الحاكم العسكري بل يرخص له علاوة علي هذه السلطة في اتخاذ أي إجراء آخر لازم للمحافظة علي الأمن والنظام العام في ... ولا شك أن موافقة نجيب علي هذا التنازل كان خطأ فادحًا .

وكان كالذي اصطادوا له فهدا كاسرًا وقيدوه وسلموه له مقيدًا . فبكل سذاجة حرره من قيود وأطلقه فكان هو نفسه أول فريسة من فرائسه .. لقد منج نجيب عبد الناصر سلاح الحاكم العسكري فأشهر عبد الناصر هذا السلاح أول ما أشهر في وجه مانحه ..

خضوع عبد الناصر لمطلب الحكم الدستوري

كان إذعان عبد الناصر لمطلب الحكم الدستوري أمرًا لابد منه أمام الإجماع الشامل للأمة بحيث لم يعد مفر من الإذعان والخضوع .. أما إن هذا الإذعان كان عن اقتناع فهذا ما لم يكن في استطاعة أحد أن يفتح عن قلب عبد الناصر ليري فيه حقيقة هذا الأمر . ولكن التصرفات الظاهرية كانت تشعر بوجود هذا الإذعان إلي حد تحس معه الجدية

ففي نفس التاريخ 9/3/1954 سأل مندوب "المصري" البكباشي جمال عبد الناصر عن التطورات التي أعلنت أمس فقال:

" لقد بدأنا منذ شهرين نبحث الطريقة التي يمكن بها تكوين هيئة وطنية تمثل البلاد ، علي أن يكون هذا كفترة انتقال البلاد إلي الحكم النيابي السليم الذي نعتبره هدفاً أساسيًا من أهداف الثورة وقد كلف مجلس الثورة الأستاذ سليمان حافظ ليتصل بالشخصيات المختلفة للبحث معهم في الأسس التي ينفذ علي أساسها هذا المشروع .
وقد أعدت جملة مشروعات أحدها من الأستاذ سليمان حافظ وآخر من الدكتور أحمد فكري الأستاذ بجامعة الإسكندرية . وكانت هذه الموضوعات قيد البحث حتى يمكن الوصول إلي أصلح مشروع يوافق حال البلاد .
وكان السبب في هذا هو الشعور بالفراغ بعد تحطيم جميع الأمس القديمة التي بنيت عليها الحياة السياسية البائدة في هذه البلاد ، وكان الجميع يشعرون أنه لابد من القيام بعمل لملء هذا الفراغ " .

وفي غضون هذا التاريخ كتب أحمد أبو الفتوح في "المصري" كلمة جاء فيها:

" أعلن المسئولون عن إطلاق تراجع الدستور وتعتمده . وأعلن المسئولون أن أعضاء الجمعية التأسيسية سيختارون بالانتخاب الحر المباشر . وأعلنوا أن الأحزاب السياسية ستعود . وأعلن المسئولون أن رجال الجيش الذين سيعملون في الحقل السياسي سيستقيلون من الجيش ويعملون كمدنيين لا عسكريين .. وهذه بواكير الحرية هبت علي البلاد " .

وفي نفس التاريخ يعقد صلاح سالم عضو مجلس الثورة ووزير الإرشاد مؤتمرًا صحفيًا يعلن فيه:

" الرأي متفق علي اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية بالانتخاب لا بالتعيين لن يقوم حزب من الأحزاب قبل إقرار الدستور الجديد مجلس الثورة يمارس سلطة السيادة ولا يشترك في الحكم بعد قيام الجمعية التأسيسية فترة الانتقال بدأت في أول يناير 1953 وتنتهي بانتخاب الجمعية التأسيسية الإخوان كهيئة دينية سيفرح عن جميع المعتقلين وتلغي الأحكام العرفية عند إعلان الجمعية التأسيسية أعضاء مجلس الثورة لن يعودوا إلي مناصبهم في الجيش ، وسيخوضون المعركة السياسية كمواطنين مدنيين " .

تجاوب جميع المثقفين مع الاتجاه الجديد

وإذا طالعت الصحف الصادرة في هذا التاريخ وحوله شعرت بأن الشعب كله كان من وراء هذا الطلب فنقابة الصحفيين تؤيد هذا المطلب وتطالب بإلغاء الأحكام العرفية ، والصحفيون يدلون بآرائهم في تفاصيل الإجراءات التي تؤدي إلي الحكم الدستوري ، فبينما بعضهم يري البدء بتكوين جمعية تأسيسية تضع الدستور وتعتمده ، يري آخرون منهم رأيًا منهم آخر كالأستاذ إحسان عبد القدوس فقد كتب مقالاً بجريدة " المصري " تحت عنوان " برلمان .. لا جمعية تأسيسية " يطالب فيه بانتخاب برلمان تكون مهمته الأولي وضع الدستور .

ويقول فيه:

إذا قيل إن البرلمان لا يقوم إلا بعد وضع الدستور ، فإننا في ظروف شاذة ولن يضيرنا بعد كل هذا الشذوذ الذي عشنا فيه أن ننتخب برلمانا يضع الدستور .

ثم يقول:

وأكتب هذا لأنني تبينت ترددًا من أغلبية المواطنين في التقدم للترشيح لجمعية لن تدوم مهمتها أكثر من شهر أو شهرين . ولأني أريد أن أتعجل الاستقرار لمصر وأتجنب المزيد من الشذوذ " .

وبمناسبة ذكر الأستاذ إحسان عبد القدوس أذكر إنه اعتقل وأودع السجن الحربي مع الإخوان بعد أن نقلت منه إلي معتقل العامرية . وأخبرني الإخوان الذين بقوا في السجن الحربي أن الأستاذ إحسان بعد أن فهم دعوة الإخوان أعلن توبته وعاهدهم علي أن يكون لسانًا لهذه الدعوة .

ثم إنك تقرأ في الصحف مثل هذه العناوين:

إن البلاد كلها بإعادة الحياة النيابية مجلس نقابة المحامين بطلب زوال كل القيود التي تحد من الحريات نقابة الصحفيين تشكر رجال الثورة علي إلغاء الرقابة علي الصحف هيئة التدريس بجامعة الإسكندرية ترحب بالقرارات الجديدة جامعة القاهرة تحذو حذو جامعة الإسكندرية.كانت البلاد في حالة نشوة أو صحوة علي حلم لذيذ وجدت في اليقظة بشائره فطارت فرحًا تتعجل له التمام .

عملية إفراج واعتقال جزئية

لم يكن منتظرًا أن يكون في أعقاب مظاهرة 28 فبراير 1954 اعتقالات ، ولكن جمال عبد الناصر قرر في نفسه الانتقام من أشخاص معينين بعضهم من الإخوان وبعض آخر من غير الإخوان من معارضيه . فسترًا للإجراء الذي انتواه من اعتقال هؤلاء الأشخاص ألحقه بالإفراج عن عدد من المعتقلين .

ففي 3 مارس 1954 اعتقل باعتباره حاكمًا عسكريًا 118 شخصًا بينهم 45 من الإخوان ، 20 من الاشتراكيين ، 50 وفديين ، 40 شيوعيين . وفي 7 مارس أفرج عن الإخوان الأساتذة البهي الخولي وعبد المنعم خلاف وإسماعيل الداعور وحلمي عبد المجيد وعبد العزيز الشابوري ومحمد محمد عصفور .

وكان المقصود من بين الخمسة والأربعين الذين اعتقلوا بعد مظاهرة ميدان الجمهورية اثنين بالذات هما الأستاذ عبد القادر عودة والأستاذ عمر التلمساني لأنه كان قد أبقي عليهما دون اعتقال في حركة يناير 1954 أملاً في أن يحتويهما فلما وجد أنه فشل في ذلك قرر الانتقام منهما فاعتقلهما ولما كان انقلاب الأستاذ عبد القادر عودة عليه انقلابًا مفاجئًا بعد أن كان بعده أقرب الإخوان إليه أراد أن يصب جام غضبه عليه فقد كلف من كلابه الآدميين من سامه هو والأستاذ عمر التلمساني ومجموعة معهما ألوان الإهانة والعذاب

ثم خص الأستاذ عبد القادر بلون آخر من القهر تمهيدًا لخطة شيطانية رتبها بينه وبين نفسه ، فقد لفق له قضية اتهمه فيها هو ومعه ثلاثة من الإخوان هم الأستاذ محمود الفوال وعز الدين مالك والشيخ وهبه الفرماوي بالعمل علي قلب نظام الحكم في حوادث مظاهرة 28 فبراير . أحداث صنعت، 3/ 277 وما بعدها".

ولقد مرت الأيام وتغيرت الظروف وأتاحت لنا أن نعرف حقيقة ما كان جمال عبد الناصر يعانيه فعلاًَ من جراء هذا الموقف من أزمة نفسية خانقة حملته علي ارتكاب حماقات وجرائم لا يكاد سامعها أن يصدقها لولا أن الذي يرويها أحد زملائه في مجلس الثورة وشهودها بقية هؤلاء الأعضاء ،

فقد جاء في مذكرات عبد اللطيف البغدادي في صفحة 119 من الجزء الأول

أنه في جلسة مجلس الثورة المنعقدة في 4 مارس 1954 اقترح جمال عبد الناصر حل المجلس وأن يعمل كل فرد من أعضائه علي تكوين فريق (Team) مكون من عشرة أفراد مهمته التخلص من العناصر الرجعية من الذين يناهضون الثورة وعلي رأسهم الإخوان المسلمون .

ويقول البغدادي في صفحة 98 من مذكراته في نفس الجزء:

" في اجتماع مشترك بين مجلس الثورة وأعضاء الوزارة في 20 مارس 1954 أبلغ جمال عبد الناصر الاجتماع بوقوع ستة انفجارات نسف في مبني السكة الحديد وفي الجامعة وفي محل جروبي في وقت واحد وعلل لهم ذلك بسياسة اللين في موقف الحكومة، وأن خطورة العودة إلي الحكم النيابي لا تصلح في هذا الوقت " .

ثم يقول البغدادي في صفحة 146 من نفس الجزء:

" إن جمال عبد الناصر اعترف بأنه هو الذي قام بهذه الانفجارات . وذلك في اليوم التالي لوقوعها . واعترف بذلك للبغدادي وحسن إبراهيم وكمال حسين . وعزا السبب في قيامه بهذه الحوادث إلي أنه كان يرغب في إثارة البلبلة في نفوس الناس ويجعلهم يشعرون بعدم الطمأنينة حتى يتذكروا الماضي أيام نسف السينمات ويشعروا أنهم في حاجة إلي من يحميهم " .
وهذه الأنباء المرعبة التي لم نعلم بها إلا بعد أن أتاحت الظروف لزملاء عبد الناصر هؤلاء أن يبوحوا بها . هذه الأنباء لفظاعة بشاعتها لا تملك تعليقًا عليها وندع ذلك للقراء الكرام .. ومع ذلك فتتناولها نحن من ناحية مدلولها فقط وهو أن عبد الناصر كان في أضعف موقف .. ولكن الشرفاء من الحكام مهما بلغ موقفهم من الضعف كل مبلغ وأحاطت بهم أحرج الظروف من كل جانب لا يفكرون مجرد تفكير في مثل ما فكر فيه جمال عبد الناصر وما فعله فعلاً . (أحداث صنعت، 3/ 285 وما بعدها)
" في خلال تلك الفترة كانت تتوالي إفراجات عن أعداد قليلة من الإخوان ، فبين يوم وآخر يأتي ضابط من المسئولين عن المعتقل وينادي علي عدة أسماء يطالب إلي أصحابها إعداد أنفسهم ومهماتهم للإفراج عنهم . ولما قرب شهر مارس علي الانتصاف رأينا دفع الإفراجات تكبر وتتقارب حتى صار في كل يوم إفراج مجموعة كبيرة .
وقد بلغنا ونحن في معتقل العامرية أن هناك وساطات يرسلها عبد الناصر للمرشد العام في السجن الحربي يعرضون عليه الصلح .. وكان المرشد في ذلك الوقت قد تمكن من تهريب خطاب وجهه إلي مجلس الثورة الذي أصدر بيان حل الإخوان طالبهم فيه بالمباهلة فيما نسبوه إلي الإخوان في هذا البيان من تهم ، والمباهلة أسلوب قرأني يتحدي المكذوب عليه الكاذب بأن يطلب الطرفان وقد جمع كل منهما أهله وذويه أن ينزل الله لعنته علي الكاذب ..
ولا يطلب المباهلة بطبيعة الحال إلا الطرف الواثق كل الثقة من براءته ولا يهرب منها إلا الكاذبون المفترون .. وتردد الوسطاء بين عبد الناصر والمرشد العام ، والمرشد مصمم علي أن لا يغادر السجن حتى تثبت براءة الإخوان مما نسب إليهم وأن يرد إليهم اعتبارهم ..
وقد بلغنا ونحن في العامرية حيث كنا آخر من غادرها أنه تم الاتفاق علي أن يخرج المرشد العام وجميع المعتقلين ، وأن يقوم جمال عبد الناصر ردًا لاعتبار الإخوان في نفس اليوم بزيارة المرشد العام في منزله .علي أن يكون للإخوان أن يزاولوا نشاطهم كاملاً وأن ترد إليهم ممتلكاتهم ودورهم وكل ما أخذ منهم .
وأن يصدر مجلس الثورة بيانًا يوضح فيه حقيقة الأسباب للحل علي أن يكون هذا البيان مسك الختام في هذه المعادلة . والذي أذكره يوم خرجت من المعتقل مع المجموعة التي كانت معي يوم 25 مارس 1954 ، وأركبنا سيارة نقل حكومية أننا طيلة الطريق كنا نهتف بهتافات الإخوان ونهتف للحرية وللحكم الدستوري والحكم بالشريعة الإسلامية وكان الناس الذين نمر بهم في مكان يصفقون لنا ويشيعوننا بعبارات التشجيع والتأييد .
يوم 25 مارس هذا الذي أفرج فيه عن آخر دفعة من المعتقلين هو نفس اليوم الذي اجتمع فيه مجلس الثورة اجتماعًا استمر خمس ساعات بحث خلالها الموقف الداخلي . وبعد انتهاء الاجتماع خرج الصاغ كمال الدين حسين إلي الصحفيين وأذاع عليهم القرار التاريخي وهذا نصه:
قرار مجلس الثورة بجلسته اليوم 25/3/1954:
أولاً : يسمح بقيام أحزاب .
ثانيًا : المجلس لا يؤلف حزبًا .
ثالثًا : لا حرمان من الحقوق السياسية حتى لا يكون هناك تأثير علي الانتخابات .
رابعًا : تنتخب الجمعية التأسيسية انتخابًا حرًا مباشرًا بدون أن يعين أب فرد وتكون لها السيادة الكاملة والسلطة الكاملة ، وتكون لها سلطة البرلمان كاملة ، وتكون الانتخابات حرة .
خامسًا : حل مجلس الثورة في 24 يوليو المقبل باعتبار الثورة قد انتهت وتسلم البلاد للمثلي الأمة .
سادسًا : تنتخب الجمعية التأسيسية رئيس الجمهورية بمجرد انعقادها .
ملحوظة : يقول صاحب المذكرات: في الصحف التي نشرت هذه القرارات صورة واضحة لجمال عبد الناصر وبجانبه صلاح سالم ، يبدو فيها عبد الناصر في هيئة المغلوب علي أمره والذي يفكر في مخرج من هذا المأزق الذي وضع فيه .
وبعد أن نشرت الصحف هذه القرارات نشرت ما يأتي:
" تم الإفراج أمس عن الأستاذ الهضيبي من السجن الحربي كما أفرج عن باقي أعضاء جماعة الإخوان المعتقلين . وقد تم اتصال أمس بين المسئولين وبين السيد الهضيبي المرشد العام قبل الإفراج عنه بشأن عودة جماعة الإخوان المسلمين إلي نشاطها السابق .
وقد تم الاتفاق معهم علي ثلاث نقاط:
أولاً : أن تعود الجماعة إلي سابق نشاطها وكيانها بدون أي حد من حرياتها ، وإعادة أموالها المصادرة وشعبها ومركزها العام .
ثانيًا: الإفراج فورًا عن جميع الإخوان مدنيين وعسكريين مع إعادة من فصل منهم إلي الخدمة العسكرية .
ثالثًا: أن يصدر مجلس الثورة بيانًا يوضح فيه حقيقة الأسباب التي اعتبرها داعية إلي حل الإخوان.ويكون هذا البيان بمثابة الختام في هذه المسألة المؤسفة .
وقد صرح السيد الهضيبي بأن الإخوان سيكونون بعد عودتهم عونًا للحكومة علي طرد الإنجليز من منطقة قناة السويس ورد اعتداءاتهم الوحشية وفي منتصف ليلة أمس توجه البكباشي جمال عبد الناصر إلي منزل الأستاذ الهضيبي حيث اجتمع به في منزله . (أحداث صنعت، 3/ 288 وما بعدها)
بعد الإفراج عن الإخوان انشغلوا في تلقي التهاني،ولم يمهلهم عبد الناصر للاستراحة،يقول عبد الحليم محمود:
"في اليوم التاسع والعشرين من مارس 1954 بينما كنت أباشر عملي بمحلج القناطر الخيرية ويقع هذا المحلج علي الطريق الرئيسي الموصل إلي القاهرة والمحاذي لشاطئ النيل فوجئت بهتافات متواصلة،وبأصوات مرتفعة .
فخرجت إلي بوابة المحلج فرأيت سيارات نقل ممتلئة بعمال ، تبين لي أنهم من عمال وزارة الزراعة جاءهم أمر الوزارة بترك أعمالهم وركوب هذه السيارات الحكومية سيارات نقل ومع كل سيارة شخص يحسن القراءة والكتابة .
يقرأ الهتافات المكتوبة في ورقة ويرددها خلفه ركاب السيارة دون أن يعرفوا معناها . وكانت هذه الهتافات متعددة ، ولكن أبرزها وأكثرها ترديدًا قولهم : " لا أحزاب ولا حزبية ولا جمعية تأسيسية " .ثم بلغني أن جميع وسائل المواصلات معطلة في شبه إضراب .
ولقد أدت هذه المظاهرات إلي تعطل جميع وسائل النقل في مختلف أنحاء العاصمة ، فتوقفت سيارات الأتوبيس ومركبات الترام والمترو ولم تقف موجة المظاهرات عند هذا الحد ، فقد ظلت " جماعاتها " تطوف بدواوين الحكومة مطالبين موظفيها بترك أعمالهم . وهكذا تعطلت العاصمة وشلت حركتها تمامًا ، وانعدمت فيها كل مظاهر الحياة .
وقد تجمعت بعض هذه " الفرق " أمام دار جريدة " المصري " في حوالي الساعة الثانية والنصف بعد ظهر أمس وهي تردد هتافات " تسقط المصري العاهرة وتعيش الجمهورية الحرة " . وقد هاجمت هذه " الفرق " مجلس الدولة . واعتدوا علي الدكتور عبد الرزاق السنهوري رئيس المجلس الذي أصيب بجراح ، وقد استغاث بجمال عبد الناصر فأرسل إليه صلاح سالم وصحبه إلي منزله .
ولقد قلت حين رأيت هذه المفاجأة .. لقد سبقنا جمال عبد الناصر ، وبقدر ما منحه سبقه من فرثة يعمل فيها ويدبر ، سلبنا تخلفنا الفرصة للتفكير والتدبير . ولم يعد أمامنا بعد ذلك إلا أن نحاول أن نكف عن وجوهنا ما يوجهه إليها جمال عبد الناصر من لطمات .
فليس لجمال عدو إلا نحن ، وليس له منافسون سوانا ، فلقد اختفت الأحزاب كأن لم تكن ، ودار أكثر رجالها واستداروا ورضوا أن يكونوا أذنابًا له في هيئة التحرير رجل ائتمنته الأمة علي أموالها فيأخذ من هذا المال ويرشو به رئيس اتحاد نقابات عمال النقل المشترك واسمه " الصاوي " ليعلن إضرابًا شاملاً لمطالب خاصة .. ثم يسخر وسائل الإعلام من إذاعة وصحافة لإذاعة أنباء هذا الإضراب ..
ثم يوعز إلي الوزراء بإرسال العمال التابعين لوزارتهم بسيارات الحكومة إلي القاهرة هاتفين ضد الحياة النيابية ، ونظرًا لعدم وجود نصير له في الجيش يلجأ إلي الحرس الوطني التابع لكمال الدين حسين فيسخر السكة الحديد لنقل شباب الحرس الوطني من الإسكندرية والصعيد إلي القاهرة لتأييد حركة العمال المفتعلة المرشوة من خزانة الدولة ..
ثم يسلط هؤلاء وهؤلاء علي الجريدة الحرة الوحيدة في مصر ليحطموا زجاجها ولولا دفاع البوليس الحربي عنها لحطموها وقتلوا من فيها ثم يسلطهم علي حرم القضاء فيهاجموا رئيس مجلس الدولة وكادوا يفتكون به" (أحداث صنعت، 3/ 297 وما بعدها)
"صفحات من التاريخ " للأستاذ صلاح شادي ، فقرأت فيه في صفحة 326 ما يأتي:
" حتى بعد وضوح غدرته بنا في سنة 1954 ، ودخولنا السجن وخروجنا منه ، وزيارته (جمال عبد الناصر) للمرشد في منزله علي سبيل الاعتذار ، حيث طلب من المرشد أن لا نهدده بإخراج مظاهرات تنادي بشجيه ووعده المرشد بذلك .
ودعا المرشد في بيان عام جموع الشعب إلي الإخلاد إلي الهدوء بغرض تهيئة الجو للإصلاح بين نجيب وعبد الناصر فلما خرجت مظاهرات مارس المزيفة توجه الإخوان هارون المجددي وتوفيق الشاوي إلي المرشد الهضيبي وطالباه بإخراج مظاهرات مضادة ، فأبي أن يجيبهما إلي ما سبق أن دعا الشعب إلي نقيضه فلا ينسق سره وعلانيته " .
ثم قرأت في مذكرات معدة للنشر إن شاء الله للأخ الأستاذ عبد الحفيظ الصيفي ما يلي:
" عندما اضطر جمال عبد الناصر إلي إخراج الإخوان من المعتقل الأول كانت هناك لجنة وساطة من الأستاذ فؤاد جلال والدكتور عبد القادر سرور . ووضع الطرفان شروطًا : أن يزور جمال المرشد في بيته معتذرًا وأما من جانب جمال فاشترط أن يلتزم الإخوان الصمت لفترة معينة " .
في خلال هذه الفترة تحركت المظاهرات العمالية المدفوعة الأجر ويقول الأخ هارون المجددي إنه توجه مع الأخ الدكتور توفيق الشاوي كما توجه غيرهما لمقابلة الأستاذ الهضيبي يطلبون منه أن تتحرك الجماعة لمواجهة ما يجري في البلد ، والعمل علي إيقاف هذه المهزلة فكانت إجابته : لقد أعطيت كلمة ولمدة ثلاثة أيام ويجب أن أكون عند كلمتي . لكن ،وبعد صحوة من الغفوة ..
يقول الأخ الدكتور كمال خليفة:
إن الأستاذ الهضيبي اتصل به ، وطلب منه الاتصال بجمال ليحدد موعدًا معه للمقابلة . وتم ذلك بالفعل ، وتوجه المرشد مع الدكتور كمال وتحدث فضيلته مع جمال عن هذا الذي يجري في شوارع القاهرة ، وطلب منه العمل علي إيقافه لأنه يعرض البلاد إلي عدم الاستقرار ولكن عبد الناصر لم يأبه لهذا القول .
بل نظر إلي المرشد غير مكترث بما يسمع ويقول الدكتور كمال إنه نظر إليهما نظرات ذات معني واحد ، أنه نجح في تحقيق ما يريد ولا يهمه بعد ذلك ما يقال " . (أحداث صنعت، 3/ 305 وما بعدها)

وعلى الرغم من ذلك استطاع الإخوان التغلب على سياسة التكميم هذه عن طريقين:

أولاً: اللقاءات التي ينتقل فيها أحد القادة إلى عواصم المحافظات ليجد ممثلا عن كل شعبة من المحافظة فيتناقشون الآراء، وينقلها الممثل بدوره إلى أفراد شعبته، وهي طريقة فعالة لكنها بطيئة وتستنزف وقتًا وجهدًا كبيرين.
ثانيًا: النشرات التي تكتب وتطبع وتوزع على الأفراد تحمل رؤية الإخوان، وهي سرية في نطاق محدود يقوم عليها أفراد النظام الخاص بعد تعطيله، ورغم ضيق نطاق نشرها، ورداءة طباعتها إلا أنها كانت تطير النوم من أعين عبد الناصر، وتزيده رهبة بعد فشله في العثور على ناشريها بكل الوسائل.
"وظهرت بوادر الأزمة علنًا مع استقالة نجيب في 23 فبراير وقبول مجلس قيادة الثورة للاستقالة في 24 فبراير، وفي تلك الليلة تمت محاصرة منزل نجيب، وفي 25 فبراير حملت الصحف أنباء البوادر الأولى للانقسام داخل مجلس قيادة الثورة؛
وفي 21 فبراير وفي الخامسة مساء بعد وقوع عصيان مسلح تأبيدًا لنجيب وبعد الانتفاضة الشعبية التلقائية، اضطر مجلس قيادة الثورة أن يعلن إعادة تقليد محمد نجيب الشعبية التلقائية، اضطر مجلس قيادة الثورة أن يعلن إعادة تقليد محمد نجيب منصب الرئاسة وبد الوقت موانيا تماما في نظر هؤلاء الذين كان يحدوهم الأمل وما أكثرهم في حدوث انقسام ي صفوف المجموعة العسكرية الحاكمة، والذين صلوا لوقوع مثل هذا الانقسام الذي يصيح ممكنا بعده الإطاحة بنظام حكمها.
وجنبا إلى جنب مع كل ضحايا مجلس قيادة الثورة وأولئك الذين ينتظرون بدورهم نفس المصير كانت جماعة الإخوان تشحذ قواها. وفي صباح السابع والعشرين من فبراير الموافق الأحد، وهو اليوم التالي لعودة نجيب المثيرة لتولي منصبه اندفعت جماهير غفيرة إلى الشوارع مختلفة بانتصار بطلها، وكان للطلاب مظاهراتهم الخاصة.
وكما كان متوقعا، أصبح الاحتفال بعودة نجيب فرصة للمظاهرات المناهضة لعبد الناصر ومجلس قيادة الثورة، ولم يكن نجيب يمثل بالنسبة لمعظم العناصر التي تحركت سوى رمزًا لمعارضة عبد الناصر وفي بعض الدوائر المحدودة كانت نجيب يوصف بأنه مؤسس الثورة المضادة، وساعد موقفه على تهيئة الجو للمعارضة التي سارعت إلى استغلال الموقف لتحقيق مصالحها المعادية للثورة.
وعند كوبري الخديوي إسماعيل أوقفت قوات الأمن أكبر المجموعات الطلابية وحاولت دفعها للخلف إلى الجيزة عبر النهر وتصاعد التوتر ومع الفوضي التي حدثت أصدر أحد الضباط أمر باطلاق النار، وأصاب وأبل النيران العشرات (يؤدي تعدد الأرقام المعطاة إلى صعوبة التحديد الدقيق لعدد المصابين).
وتحولت الجمهرة المتظاهرة إلى حشد هائج رغم ما أصابه من ذعر، وتفرق جانب من الجمهرة في اتجاه الجامعة عبر النهر، وتوجهت مجموعة أخرى في الاتجاه المضاد إلى القصر الجمهوري (قصر عابدين سابقًا) حيث انضموا إلى الجماهير الحمنشدة هناك تتلقي تحيات الرئيس نجيب من شرفه القصر.
وجلب القادمون الجدد معهم عددًا من المناديل تقطر منها دماء الضحايا الذين أسقطهم رصاص البوليس، وأخذوا يلوحون بها على نحو مثيروهم يطالبون نجيب التحقيق والعقاب الفورى للسفاحين. وكان القائد البارز لهذه الجماعة الثائرة على سفاكي الدماء وصوتها المتميز، هو عبد القادر عودة الذي ظل حتى ذلك الحين معدودًا كواحد من مؤيدي مجلس قيادة الثورة البارزين.
ودعاه نجيب للصعود إلى الشرفة وهدأ من ثورته ووافقه على إجراء تحقيق، عندئذ صدر الأمر إلى الجمهور المحنشد بالتفرق، وخلال الفترة الباقية من اليوم القي عودة عددًا من الخطب ووزع منشورات معادية للنظام ودفاعا عن الهضيبي وكل من اختلف مع النظام في العام الأخير.
ومثل العديد من المصريين خلال تلك الفترة، أساء عودة فهم الموقف القائم وأخطأ في حساباته لقدرة ناصر ومجلس قيادة الثورة على الصمود، وبالنسبة له بالذات كان خطأ مصيريا، وفي ذلك المساء تم اعتقال 118 فردًا، من بينهم 45 من الإخوان المسلمين، بما فيهم «عودة»، أما بقية المعتقلين فكانوا من أعضاء الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي وحزب الوفد، كما تم اعتقا ستة من الإخوان المسلمين بسبب حادثة الكوبري" (ميتشل، ص 267 وما بعدها)
" ففي الثامن والعشرين من مارس وبعد ثلاثة أيام من الحرية الكاملة وغير المحدودة المعارضة، تحرك ناصر وامتلأت الشوارع في ذلك اليوم بالمظاهرات الشعبية، والتي تطالب بالحفاظ على الثورة وأهدافها؛
وباستمرار إلغاء الأحزاب السياسية واندفعت حشود ضخمة من أعضاء اتحادات العمل والنقل التي تسيطر عليها الحكومة، والشبان المنتمين للتشكيلات شبه العسكرية الحكومية، يحفزهم وبوجههم «أفنديات» هيئة التحرير من مكان لمكان في المدينة، تحملهم في أغلب الأحوال عربات نقل تابعة للدولة وكانوا يعربون عن وجهة نظرهم استخدام العنف في أحوال عديدة في أن الثورة قد جاءت لتبقي؛
ومن بين أبرز الصور التي بيت من أحداث ذلك اليوم الهجوم على مبني الصحيفة الوفدية (المصري)، والمسيرة الأكثر خطورة إلى مجلس الدولة حيث اعتدي المتظاهرون أمام أعين ألجنود ورجال البوليس المسلحين على المبني وطردوا منه القانوني الشهير دكتور عبد الرزاق السنهوري، الذي أبد علنا رغبة نجيب في إعادة تشكيل حكومة برلمانية، وظل الجنود ورحال البوليس يقفون موقف المتفرج السلبي إلى أن حضر صلاح سالم وزير الدولة وفرق المتظاهرين.
وفي ذات المساء أصدرت الحكومة أوامر بحظر التظاهر منذ الآن فصاعدا، وفي اليوم التالي، واستجابة «للإرادة الشعبية التي عبرت عن نفسها بوضوح»، قرر مجلس قيادة الثورة مرة أخرى بأن يأخذ على عاتقه مسئولية الحكم كاملة، ومن جديد ألغيت كافة الأحزاب السياسية، باستثناء جماعة الإخوان، الذين وعد قادتهم بحسن التصرف، على حد قول نجيب، وهكذا عاد الهدوء من جديد، في ظل احتلال عسكري فعلي لشوارع القاهرة...
وفي أبريل قدمت الحكومة للمحاكمة بعض الضباط الذين أشتبه في تورطهم في قلاقل الشهرين الماضيين، ومن بين هؤلاء كان هناك من ينتمون إلى الإخوان المسلمين والذين كان على الحكومة، طبقًا لا تفاق 26 مارس لا أن تفرج عنهم فحسب بل أن تعيدهم أيضًا إلى أعمالهم.
وفشلت المحادثات بين الهضيبي والحكومة حول هذا الوعد الذي لم تف به، وكان أول ضابط قد للمحاكم هو عبد المنعم عبد الرؤوف العضو القديم في كل من مجلس الثورة والجماعة، وقد فاجأ عبد الرءوف هيئة المحكمة العسكرية بطلبه الموافقة على استدعاء محمد نجيب وعبد الناصر كشهود دفاع، وبعد أن رفضت المحكمة هذا الطلب، نقذ عبد الرءوف خطة ناجحة للهرب من سجنه، وكانت تلك بداية مشئومة لعهد جديد من التعاون.
وليس معروفًا أين تنقل عبد الرءوف أو إلى أي مكان ذهب بعد هروبه، إلا أنه أصبح شخصية هامة ومخططًا بارزًا من مخططي الجهاز السري الذي أعيد تشكيله حديثًا.
ولم تكن محاكمة الضباط سوى البداية لتلك السلسلة من الوعود التي عسكت بها. فقد عجزت الحكومة أيضًا عن إصدار التوضيح الذي وعدت به بخصوص الأسباب التي دعتها إلى حل الجماعة، كما أهملت مطلبات قادة الجماعة بتوضيح رسمي لموضوع الأبطال القانوني لقرار يناير.
واستجابة من الهضيبي للضغوط العنيفة التي حاصرته بعث بخطاب لرئيس الوزراء في الرابع من مايو، وجد طريقه للشارع من خلال آلة نسخ الرسائل.
وفي الخطاب أعرب الهضيبي عن شعوره بخيبة الأمل بسبب فشل مجلس قيادة الثورة في الوفاء بوعوده، فيما يتعلق بقرار الحل والإفراج عن المحتجزين، كما أضاف بعض الملاحظات حول الموقف الراهن في البلاد واقترح بعض الإجراءات التي يمكن أن تؤدي إلى استقرار، وفي البداية أوصى (بإعادة الحياة البرلمانية)، ذلك أن «البلدان الحديثة»، يجب أن نحكم بهذا الأسلوب على حد قوله، وفشلنا في الماضي ليس عذرًا كافيا للتخلي عن المبدأ؛

وأضاف

أن «التعلم هو نتيجة للممارسة الفعلية للحياة البرلمانية».
وفي ملاحظته الثانية طلب بإلغاء الأحكام العرفية والإجراءات الاستثنائية، التي يري أنها تحلق جوا من الذعر، ودعا ثالثًا إلى إعادة الحريات، وخاصة حرية الصحافة،

وفي ذلك خاطب ناصر قائلا:

ولسوف تستفيد من المعارضة في الصحافة.
ولم يكن خطأ الهضيبي الأساسي أنه وجه للمجلس مثل هذه الملاحظات بل كان الخطأ في نشرها على الملأ، وكان ظهور الخطأ في صورة (منشورة) بمثابة تلميح رسمي إلى عودة الصراع من الجديد" (ميتشل، ص 274 وما بعدها).