الإصلاح الاجتماعي عند البنا (نظرات في التربية والتعليم- الحلقة الثانية)
إعداد: طارق عبد الرحمن
مقدمة
كان الحديث في الحلقة السابقة عن الإصلاح الاجتماعي عند الامامحسن البنا، وآرائه في إصلاح التربية والتعليم، ونتناول في هذه الحلقة أنجح الوسائل في تربية النشء تربيةً إسلاميةً. أنجع الوسائل في تربية النشء تربيةً إسلاميةً خالصة
أثر التربية في حياة الأفراد والأمم
أيها السادة، أرأيتم بقعةً من أديم الأرض أُهملت فأنبتت الشوك والسعدان وصارت قفرًا بورًا لا تنبت زرعًا ولا تُمسك ماءً، وأخرى تعهدها زارع ماهر بالإصلاح والحرث فإذا هي جنة يانعة تنبت من كلِّ زوجٍ بهيج.
ذلك مثل الأفراد والأمم إذا أهملها رجال التربية ولم يعنوا بوسائل إصلاحها ورقيها، وهذا مثلها إذا قاموا عليها بالرعاية وساروا بها إلى غاية.
فالتربية الصحيحة تهيئ الفرد للعيشة الكاملة، وتصل بجسمه وروحه إلى الكمال الإنساني، وترشده إلى حقوقه وواجباته، وهي لهذا أكبر مؤثرٍ في حياة الأمم، وعليها يتوقف مستقبلها، وعنها تنتج عظمتها وسقوطها.
في الكون كل وسائل السعادة للبشر أودعها الله فيه يوم أبدعه، ولا ينقص الناس إلا أن يتعرفوا هذه الوسائل، ويهتدوا إلى الطريق الموصل إلى استثمارها على وجهها ليحيوا حياةً طيبةً في الدنيا والآخرة.
علمت ذلك الأمم الحديثة، فكان أول ما تهتم له في مناهجها الإصلاحية "التربية" تحديد غايتها وتعرف أقرب الوسائل للوصول إلى هذه الغاية.
أراد فريدريك(2) الأكبر مصلح بروسيا العظيم أن يصل بأمته إلى أوج العظمة، فوجد أن أقرب الوسائل لذلك إصلاح التربية بإصلاح أهم وسائلها وهي "المدارس"، فأصدر قوانينه المدرسية العامة في سنة 1763 ميلادية، "وهنا يحسن أن أذكر حضراتكم بأن التربية أمرٌ يشمل كل المؤثرات في حياة الشخص، وأن التعليم وسيلة من وسائل التربية فقط، ولما كان أهم وسائلها كان مرادفًا لها في أذهان الكثيرين، فنحن حينما نقول "التربية" نقصد بها ذلك المعنى الأعم الذي يشمل التعليم وغيره من وسائلها".
وقد ذكر الباحثون في حياة الأمم أن السرَّ في نشاط الإنجليز وعظمتهم ما اختطوه لأنفسهم من طرق التربية الصحيحة بفضل رجالهم المربين أمثال سبنسر(3) وهكسلى(4) وتشارلس إليوت(5) وغيرهم من القدماء والمحدثين، وهذا إدمون ديمولان(6) العالم الاجتماعي الفرنسي العظيم يهيب بأمته أن تفكر في سبيل إصلاح التربية معتقدًا أن نقص التربية وفسادها هو السبب الأول في كلِّ ما يعرض للأمة من الآلام والأزمات، وإن في إصلاح التربية وتكميلها علاج كل ذلك.
وما أبعد نظر ذلك الطبيب الذي ترك الطب واشتغل بأمور التربية ومعالجة مسائلها، فلما سُئل عن ذلك كان جوابه: وجدتُ بالاستقراء الدقيق أن معظم أسباب العلل الإنسانية- الجسمية والنفسية- يرجع إلى نقصٍ في التربية فآثرت أن أستأصل الداء من جذوره باستئصال سببه الأول على أن أقضي الوقت في علاج ما ينجم عن هذا السبب، والوقاية خير من العلاج، ولا أشك أني بذلك أقوم بخدمة أعظم للإنسانية بقدر ما بين طب الأمم وطب الأفراد.
وقديمًا قال الإمام الغزالي(7): "وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً وإنما يكمل ويقوى بالنشوء والتربية بالغذاء، فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم.. والصبي مهما أهمل في ابتداء نشوئه خرج في الأغلب رديء الأخلاق كذابًا حسودًا سروقًا نمامًا لحوحًـا ذا فضول وضحك وكياد ومجانة، وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب"(8).
ومن ذلك- أيها السادة- ترون أن التبعة الملقاة على عاتق المربين عظيمة؛ إذ إن بيدهم تشكيل نفسية الأمة ورسم حياتها المستقبلة.
غاية التربية التي نرجوها لأمتنا
يجب أن نحدد غايتنا من تربية النشء تحديدًا دقيقًا واضحًا حتى يمكننا معرفة الوسائل المؤدية إلى هذه الغاية، وما لم نحدد غاية فإننا نسير بالأمة على غير هدى.
ويجب أن تكون هذه الغاية شاملةً مشتركةً مرضيةً حتى تتوجه إليها الأمة كتلة واحدة، فإن تعدد الغايات في الأمم الناشئة وبخاصة في بدء نهوضها يؤدي إلى تفريق القوى وتوزيع الجهود، فلا تصل الأمة إلى القصد إلا بعناء وبعد زمن.
وقد اختلف المربون في غاية التربية الإنسانية اختلافًا كبيرًا، فمنهم من جعلها السعادة، ولكلِّ في السعادة نفسها مذهب خاص، ومنهم من جعلها الارتزاق، ومنهم من جعلها روحية محضة، ومنهم من جعلها الفضيلة والكمال، ومنهم من جعلها العيشة التامة، إلى غير ذلك من الغايات التي كان ينتزعها أصحابها من مستلزمات عصورهم، ومن روح التفكير التي تسود تلك العصور، واختلفت تبعًا لذلك الوسائل، وإن كان المربون قديمًا وحديثًا أجمعوا على وجوب العناية بالغاية الدينية، ولسنا بصدد مناقشة هذه الغايات وبيان الأولى منها بالعناية والرعاية، ولكن الذي يعنينا أن نحدد غايتنا نحن، تلك الغاية التي يجب أن تتوجه إليها جهود الأمم الإسلامية في هذا العصر بعد الإلمام بكل ما يحيط بها من الظروف السياسية والاجتماعية والفكرية وغيرها.
وكأننا برأس الموضوع نفسه يملي علينا هذه الغاية ويلخصها في أنها: حب الإسلام، والتمسك بآدابه، والغيرة عليه.
وبما أن هذا الدين يأمر بالعناية بالشئون الدنيوية، ويحث على السبق والتبريز فيها، مع عدم إغفال أمر الآخرة على حدِّ قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ (القصص: 77)، وعلى حدِّ قوله تعالى: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ (النحل: 97)، فليست التربية الإسلامية تربية دنيوية عملية كما كانت عند اليونان مثلاً، وليست دينية محضة كما كانت عند الإسرائيليين قديمًا، وإنما هي جماع بينهما، كما مدح جرير(9) عمر بن عبد العزيز(10):
فلا هو في الدنيا مضيعٌ نصيبه
- ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله(11)
ونزيد ذلك تفصيلاً فنقول: غاية التربية المقصودة:
1- تحبيب الإسلام إلى النفوس والغيرة عليه.
2- تهيئة السبيل للنجاح في الحياة.
3- الدفاع عن المصلحة الدينية والدنيوية وتنمية الشعور بالغيرة.
وإذن فما الوسائل التي تؤدينا إلى هذه الغاية؟
وسائل إصلاح التربية الإسلامية
يتأثر الناشئ في حياته بعوامل كثيرة، وإصلاح تربيته وقفٌ على إصلاح هذه المؤثرات وتوجيهها نحو الغاية الخاصة، وأهم هذه المؤثرات: المنزل، والمدرسة، والبيئة.
المنزل:
الطفل أول ما يرى من الوجود منزله وذويه فترتسم في ذهنه أول صور الحياة مما يراه من حالهم وطرق معيشتهم، فتتشكل نفسه المرنة القابلة لكل شيء المنفعلة بكل أثرٍ بشكل هذه البيئة الأولى، يقول الإمام الغزالي: "الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عُوِّد الشر وأُهمل إهمال البهائم شقى وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والولي له"(12).
ويقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهوّدانه، أو يمجسانه، أو ينصرانه"(13)، وإلى هذا أشار أبو العلاء(14) في قوله:
وينشـأ ناشئ الفتيان منا على مـا كان عوَّده أبوه
- وما دان الفتى بحجى ولكن يعوّده التدينَ أقربوه(15)
وإذا كان للمنزل كل هذا الأثر في حياة الطفل وجب- تحقيقًا للغاية السالفة- أن يُحاط بكل ما يغرس في نفسه رُوح الدين والفضيلة، وأهم الوسائل في إصلاح المنزل:
أولاً:
ترقية تعليم المرأة عندنا وتزويدها في المدارس بالقدر الوافر من الدين والخلق، وإفساح المجال في مناهج دراسة البنات للبحوث البيتية وتراجم فضليات النساء اللاتي كن مضرب المثل في الخلق الفاضل في زمنهن، كنسيبة بنت كعب، وأسماء بنت أبي بكر، وصفية بنت عبد المطلب، وخولة بنت الأزور، وسكينة بنت الحسين، وغيرهن الكثير.
فالأم مدرسة إذا هذبتها
- أخرجت شعبًا طيب الأعراق
أما أن تستمر مناهج تعليم البنات عندنا كما هي عليه الآن تعني بالكمالي والضار وتترك الضروري والنافع، فهذا مما لا يبشر بحياةٍ طيبةٍ للنشء الإسلامي.
تدرس البنت في مدارسنا الموسيقى واللغة الأجنبية والهندسة الفراغية والقانون الآن، ثم هي لا تعلم شيئًا عن تربية الطفل، ولا تدبير الصحة، ولا علم النفس، ولا الدين والخلق، ولا تدبير المنزل، فأي منهجٍ هذا وإلى أي غايةٍ يوصل؟
مَن لي بتربية البنات فإنها
- في الشرق علة ذلك الإخفاق
والأم إذا صلحت فانتظر من ابنها أن يكون رجلاً بكل معنى كلمة الرجولة، وأنت إذا استقرأت تاريخ العظماء وجدت أن السرَّ في عظمة الكثيرين منهم ما بثته فيه الأم من المبادئ الصالحة القويمة بحكم اللبان والتلقين.
وما كان علي بن أبي طالب- كرَّم الله وجهه- في حُبِّه للحق وغيرته عليه ومناصرته للرسول- صلى الله عليه وسلم-، ولا معاوية في حلمه ودهائه، ولا عبد الله بن الزبير في شجاعة نفسه، ولا الزبير نفسه في ذلك إلا سرًّا من أسرار فاطمة بنت أسد(16)، وصفية ابنة عبد المطلب(17)، وأسماء بنت أبي بكر(18)، وهند بنت عتبة(19).
ولئن كان الولد سر أبيه، فكل إناءٍ ينضح بما فيه(20).
وحري بمَن يسمع في مهده- لأول عهده بالحياة- ترنيمة أمه:
ثكـلت نفسي وثكـلت بـكري
- إن لم يسـد فهرًا وغير فهر
بالحسب العد(21) وبذل الوفر
- حتى يواري في ضريح القبر(22)
أن يكون سيدًا تتفجر الحكمة من جنبه، وتنطوى السيادة في برديه، كما كان عبد الله بن عباس بتأثير أمه "أم الفضل بنت الحارث الهلالية".
وحري بمَن يطرق سمعه لأول مرة تلك الأغاني الخليعة والترنيمات الغثة التي يُداعب بها أمهات هذا العصر أبناءهن أن ينشأ ماجنًا خليعًا فاتر الهمة ضعيف النفس.
الأم أستاذ العالم والمرأة التي تهزُّ المهد بيمينها تهزُّ العالمَ بشمالها، فلأجل أن نصلح المنزل يجب أن نُصلح الأم التي هي رُوحه وقوامه.
ثانيًا:
أن يحرص الأبوان على أن يكونا خير قدوةٍ لابنهما في احترام شعائر الدين، والمسارعة في أداء فرائضه وبخاصة أمامه وعند حضوره يؤدون الصلاة ويقصون عليه من نبأ الصالحين، فأيقظ غرائزه في هذه السن غريزة التقليد، والمثل الأعلى أمامه أبواه ومن يحيط به من ذويه، فعليهم أن يكونوا كما كتب عمر بن عتبة لمؤدب ولده: "ليكن أول إصلاحك لولدى إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت"(23).
ثالثًا:
أن يضع الوالدان نصب أعينهما، أن يشبعوا أبناءهم بروح الدين والشعور الإسلامي في كلِّ الفرص المناسبة، يتحدث إليهم عن عظمته ورجاله وفائدته وأسراره، ويصطحبهم إلى المساجد والمنتديات الدينية، ويشعرهم المخافة من الله تعالى وهيبته باستخلاص العبر من الحوادث، وأن يعنى بتحفيظهم شيئًا من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رابعًا:
أن يحول الأبوان دون تسرب الكتب الهازلة والصحف الماجنة إلى ابنهما لا بالمنع والتهديد؛ فإن ذلك مما يزيد شغفه بها وإقباله عليها، ولكن بصرفه إلى كتبٍ نافعةٍ مغرية وإثارة الميل فيه إلى هذه الناحية الصالحة.
وهنا أذكر شدة حاجتنا إلى كتبٍ في القصص العام الإسلامي للأطفال، تجمع بين تشويقهم إلى المطالعة وملاءمتها لمداركهم وقواهم العقلية، وتزويدهم بالشعور الإسلامي، والقصص الإسلامي غني بذلك من سير الصحابة والتابعين وأمثالهم رضوان الله عليهم.
وأذكر كذلك ضرورة احتواء المنزل على مكتبةٍ مهما كانت يسيرة، إلا أن كتبها تُختار من كتب التاريخ الإسلامى، وتراجم السلف، وكتب الأخلاق والحكم، والرحلات الإسلامية والفتوح ونحوها.
ولئن كانت صيدلية المنزل ضرورية لدواء الأجسام، فالمكتبة الإسلامية في المنزل ضروريةً لإصلاح العقول.
وما أجمل أن أذكر هنا قول سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه-: "إننا لنروي أبناءنا مغازي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما نرويهم السورة من القرآن".
أما واجب جمعيات الشبان المسلمين في ذلك، فهو إيجاد هذه الروح في الشعوب الإسلامية وتشجيعها بكلِّ وسائل الإمكان، ومن هذه الوسائل:
1- درس نظام المنازل والأسر الإسلامية لتعرف أوجه النقص وأسبابه، وأوجه الكمال ووسائلها؛ وذلك من برنامج اللجنة الاجتماعية التي نصَّت عليها اللائحة الداخلية.
2- حمل الأعضاء أولاً على ذلك وإقناعهم بأن هذا من أهم الأغراض التي ترمي إليها الجمعية، والتي تؤدي إلى تكوين نشء إسلامي فاضل، ثم هم بعد ذلك يقومون بدعوة غيرهم.
3- الإكثار من المحاضرات في شئون الأسرة والطفل، وتوزيع النشرات لترويج هذه الدعاية.
4- تأليف اللجان لتصنيف الكتب القصصية اللازمة لخلق هذه الروح في نفوس الأطفال، وفي الجمعيات بحمد الله مَن يُمكنهم ذلك بسهولةٍ لو وجهوا له شيئًا من عناياتهم، ووهبوا له جزءًا من أوقاتهم، وهو من واجب اللجنة العلمية المذكورة في اللائحة.
5- مطالبة الوزارة بإصلاح مناهج تعليم البنات ومدارس المعلمات، والإكثار من التعليم الديني، وتراجم شهيرات النساء المسلمات ونحو ذلك مما يتصل به، والاهتمام بهذا الأمر اهتمامًا يتناسب مع جليل خطره.
6- إنشاء مدارس لتعليم البنات، وهذا يكون طبعًا بعد أن يشتد ساعد الجمعيات ويقوى، وتجد المعونة من أغنياء الأمة وسراتهم.
وأراني هنا مضطرًا إلى القول بأن جمعيات الشبان المسلمين لم تحقق هذه الغاية إلى الحدِّ المأمول منها، وقد يرجع ذلك إلى أنها في بدء التكوين، وإلى أن ماليتها محدودة لا تتسع لذلك، إلا أن الواجب أن تهتم بكل وسيلةٍ ممكنةٍ حتى تتمكن في النهاية من كل الوسائل، والله ولى التوفيق.
أنجع الوسائل في تربية النشء تربية إسلامية خالصة
أثر التربية في حياة الأفراد والأمم
المدرسة: وهي العامل الثاني من عوامل التربية، وهو أهمها وأبلغها أثرًا في حياة الطفل؛ إذ تقوم بالقسم الأعظم من تربيته وهو التعليم والثقافة العقلية، فيجب أن نُوجه إليها العناية بالإصلاح حتى تؤدي إلى الغاية المنشودة.
وإذا قلنا: المدرسة، فإنما نعني أمرين مهمين لا يفترق أحدهما عن الآخر: أولهما: مناهج التعليم التي هي بمثابة الغذاء العقلي للتلميذ. والثاني: المعلم الذي يقوم بتوصيل هذا الغذاء إلى العقل، ولإصلاح المدرسة يجب العناية التامة بإصلاح هذين.
ولإصلاح المعلم عدة وسائل:
أيسرها وأقربها إلى التحقيق مطالبة الوزارة بإصلاح مناهج مدارس المعلمين بأنواعها، وجعلها غنية بالتعليم الديني والتاريخ الإسلامي وفلسفة العقائد وأسرار التشريع ونحو ذلك، يلي هذه الوسيلة أن تقوم جمعيات الشبان المسلمين بفتح فصول ليلية، وفي الإجازات الطويلة كإجازة الصيف- مثلاً- لمَن يحب من المعلمين وطلبة مدارس المعلمين من الأعضاء وغيرهم أن يدرس فيها هذه المواد على أيدي كبار حضرات الأعضاء المستطيعين لذلك.
يلي هذه الوسيلة وسيلة أخرى تحول دونها عقبات كثيرة وتغني عنها الوسيلة الأولى إذا تحققت؛ ذلك أن تقوم جمعيات الشبان المسلمين بإنشاء مدارس لتخريج معلمي الدين والأخلاق واللغة العربية، والعقبات التي تحول دون ذلك قلة المال، وعدم اعتراف الحكومة بإجازات هذه المدارس وشهاداتها، وحينئذٍ يكون هذا النوع من المعلمين قاصرًا على مدارس جمعيات الشبان على اختلاف أنوعها.
ويذكرني ذلك نظام اليسوعيين في مبدأ أمرهم، فقد تألفَّت جمعياتهم لنصرة البابا وبث الكثلكة في النفوس، ورأوا أن خير وسيلةٍ لذلك هي إصلاح التعليم فأنشأوا مدارسهم على طبقاتٍ مختلفة، منها الابتدائي والثانوي والعالي، وبهذين كان جل اعتنائهم، وانفصلوا عن كل نظامٍ للتعليم إذ ذاك منفردين بنظمٍ إداريةٍ وفنيةٍ خاصة، واضطرهم ذلك إلى تكوين معلمي هذه المدارس تكوينًا خاصًّا ينتج ما ترمي إليه جماعاتهم من الغايات.
وقد لاقوا في مبدأ أمرهم نجاحًا عظيمًا، وكانت مدارسهم تعد بالمئين، ولا تزال آثارهم في الجهاد لدعوتهم باقية إلى الآن.
فإذا لم توافق الحكومة على العناية بالتعليم الديني في مدارسها طبق ما تريد جمعيات الشبان وطبق ما ينتج الغاية الإسلامية المطلوبة، وتمكنت جمعيات الشبان من سلوك هذا الطريق الاستقلالي في شئون التعليم، فإنها تكون أبرك وأنفع خطوةً يمتنَّ بها العالم الإسلامي، ويرجو من ورائها الفتح والظفر والرجوع إلى حظيرة دينه القويم.
وقريب من هذه الفكرة ما كان من إنشاء جماعة المصلحين في عهد الأستاذ الإمام(25)- رحمه الله- لمدرسة دار الدعوة والإرشاد، فقد كانت الغاية منها تخريج معلمين يعظون الشعب ويرشدونه مستقلين عن سلطة الحكومة والقيود الرسمية، فأماتها البخل من ناحيةٍ وخمود الهمم وضعف الثبات من ناحيةٍ أخرى، ولسنا نريد بذلك أن نتعرَّض لأنها حققت الغاية أو لم تحقق فليس هذا من قصدنا، على أنها لم تطل مدتها حتى يتمكَّن الباحث من الحكم، ولكن الذي نريد أن نصل إليه أن فكرة الاستقلال بالتعليم عن النظام الحكومي فكرة خامرت الكثيرين من زعماء الإصلاح، فليس بدعًا أن نعرض بها اليوم وقد تكون الظروف الآن أشد ملاءمةً لهذه الغاية من ذي قبل.
فهل تتمكَّن جمعيات الشبان المسلمين من سلوك هذا السبيل؟ وإذا عجزت أَلاَ تحاول فكرة تخصيص المعلمين وطلبة المعلمين، والوعاظ بفصولٍ يتزودون فيها بالعلوم الإسلامية التي تعينهم على تحقيق الغاية؟ وهل تعجز مع ذلك عن السعي لدى ولاة الأمور في إصلاح مناهج التعليم وبخاصة في مصر لما فيها من حركة الإصلاح العلمي السانحة؟
نظنها لا تعجز عن هذين، ونأمل أن نراها في سبيل تحقيقها قريبًا.
كل ما تقدَّم سقناه بمناسبة وجوب إصلاح المعلم الذي هو نصف المدرسة.
أما إصلاح المنهج وهو النصف الثاني، فيجب أن يكون بتوفير الحصص الكافية لفروع الدين من الفقه وأسراره، والعقائد وأدلتها، والتاريخ الإسلامي والسيرة واللغة العربية؛ إذ هي وسيلة فهم القرآن وتدبره، وهو أساس هذا الدين ورُوحه، وإظهار العناية بهذه المادة عنايةً ظاهرةً وجعلها مادةً أساسية.
فإذا كانت المدارس مستقلة عن المدارس الحكومية أُضيف إلى هذه المواد مواد المنهج الحكومي حتى تحقق بذلك أمل التلميذ في التقدم إلى الشهادات الرسمية، ويكون مثلها في ذلك مثل مدارس التبشير التي تباري مدارس الحكومة في العلوم الرسمية بعد حذف ما لا لزوم له منها، وتحقق مع هذا غايتها الدينية بإجبار التلاميذ على دراسة الدين والقيام بشعائره.
ولما كان للروح العام أبلغ الأثر في نفس الطفل وتكوينه الخلقي ولا سيما في المدارس الابتدائية والسنوات الأولى من الثانوي؛ حيث يغلب عن(26) الناشئ التقليد، وجب أن يكون هذا الروح دينيًا فاضلاً، ووسائل ذلك: أن يكون الاهتمام بالدين واحترامه وتشجيع مَن يبدو عليهم حبه والعمل به شعار كل موظفي المدرسة من إداريين وفنيين، وإشعار التلاميذ بذلك وإلزامهم أداء الفروض بدار المدرسة، وإعداد مسجدٍ خاص بها تقام به الشعائر كالأذان والإقامة، يقوم بها التلاميذ أنفسهم، ويقابلها أساتذتهم بالامتثال والاحترام والخشوع، فيشب التلميذ على ذلك ويقلدهم فيه.
بعد هذا يمكننا أن نتصور المدرسة التي ننشدها في التعليم الأولي أو الابتدائي مدرسة كاملة المعدات على طراز أبنية المدارس الأميرية، يُلحَق بها مسجد يتناسب مع عددها وأهميتها وظروفها الخاصة، تدرس فيها المواد الرسمية زائدًا عليها الدين وتوابعه، يقوم بتدريس ذلك معلم ومدير على قدمٍ في الدين والأخلاق، وضلاعةٍ في علومها والتمسك بآدابها، يسودها روحٌ عام ديني فاضل.
ومثل ذلك قل في المدارس الثانوية والعالية والفنية والصناعية ونحوها، مع مراعاة الغاية الأخرى في كلٍّ.
أما الذي يقوم بالإشراف العام على هذه المدارس فهو جمعيات الشبان المسلمين طبعًا، والحذر من أن تتحول الغاية تدريجيًّا ويتغلب العرف والتيار العادي على هذه المدارس المنشأة لغايةٍ خاصةٍ فتجاري غيرها ويضيع المقصد من إنشائها.
فهذه الجمعية الخيرية الإسلامية كان القصد الأول من إنشاء مدارسها تحقيق هذه الغاية بنصها، وبتوالي الأزمان والإدارات أصبحت الآن ولا فرق بينها وبين المدارس الحكومية، واندثر ذلك المقصد الشريف الذي من أجله أُنشئت هذه المدارس وله ألفت الجمعية وعليه أسست، والزمن قُلَّب(27)، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين(28).
وأما إذا لم تتمكن الجمعية من هذا فلا أقل من أن تبذل الجهد لدى الحكومات وجمعيات التعليم في تحقيق هذه الوسائل بعضها أو كلها على قدر الممكن، ويكون ذلك جهد المقل وحيلة العاجز، والأمر بيد الله.
ويسرنا أن نرى فرع الإسكندرية يُعلن عن فتح فصولٍ جديدةٍ للتلاميذ في عطلة الصيف، ونرجو أن يكون المهم لديه انتهاز هذه الفرصة في تشجيع الروح الدينية.
وكذلك أنشأ بعض فروع فلسطين مكاتب ومدارس للتعليم الديني فكانت خطوةً نرجو أن تستمر في طريق الرقي والكثرة والتشجيع.
البيئة: وهي العامل الثالث من عوامل التربية، ويجب أن نعنى بشأنها لما لها من عظيم الأثر في نفس الطفل وخلقه كذلك، وتشمل البيئة:
الإخوان والأصدقاء: يجب أن نرشد الناشئ إلى مصاحبة الأخيار، ونُبين له فضيلة ذلك، ونزعه ونحول بينه وبين مخالطة الأشرار، مع شرح ما يستهدف له من الخطر إذا صاحبهم وعرف بصداقتهم، وعلينا أن نُفهم الآباء ذلك بالنشرات والمحاضرات والإرشادات وبكل وسيلةٍ ممكنة.
وقد أرشد الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك بحديثه المشهور: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما أن تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحًا خبيثة"(29).
كما أرشد إليها القرآن الكريم في قول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِى يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ (الكهف: 28).
الأندية والمحال العمومية: وهذه لها عظيم الأثر في نفس الناشئ، فيجب أن يعرف منها بكل خلق ديني، ويبعد عن كل ما يضم مفاسد الدين والخلق كالمسارح الهازلة والمراقص الخليعة والقهاوي الموبوءة، ويرشد إلى أمثال أندية الجمعيات الإسلامية.
ولنادي جمعية الشبان في ذلك أثر يُذكر فيشكر بما أنه يحول بين الشبان وبين مجالس السوء، ويزودهم بما يسمعون من عظاتٍ نافعة، ومحاضرات قيمة، ومذاكرات دقيقة، ومسامرات رقيقة.
الاحتفالات الدينية: يجب أن يصحب الناشئ ولي أمره إلى محال هذه الاحتفالات البريئة التي تتجلى فيها مشاهد جلال الإسلام وروعته كالجمعة، والعيدين، وحفل رأس السنة، وذكرى الهجرة، والمولد بدور الجمعيات الإسلامية لا بتلك المهازل التي تمثل باسم الدين في الموالد ونحوها.
وبعد- يا ساداتي- فهذه عوامل التربية أو أكثرها وأهمها عالجت في هذه الكلمة بعض وجوه إصلاحها، وقد رأينا أن جمعياتنا المحبوبة قد قامت ببعض الواجب في سلوك هذا الطريق، إلا أن المهمة شاقة، وفي حاجة إلى جهودٍ متواصلة، وإلى تضحية وثبات وتقدير لما يُحيط بنا من ظروفٍ تفرض علينا الدأب في العمل، فأتقدم إلى حضراتكم بالرجاء الكبير أن نكون جميعًا أعوانًا عاملين على تحقيق هذه الفكرة النبيلة السامية، فكرة تهذيب النشء وتربيته تربية إسلامية، وأن ننفذ ذلك في كل مَن لنا عليهم ولاية.
والله حسبنا وهو نعم الوكيل.
وعن وسائل المحافظة على القرآن الكريم، يكون حديثنا في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.
المراجع
(1) مجلة الشبان المسلمين الشهرية، السنة الثانية، المجلد الثاني، الجزء الثاني، جمادى الآخرة 1349ه/ نوفمبر 1930م، ص(89- 97).
(2) فردريك الأكبر ملك بروسيا مؤسس ألمانيا الحديث، عاش في القرن الثامن عشر، من أعظم الملوك في أوروبا، درس الكتاب "الأمير" لميكافيللي في شبابه وعارضه في كتابه المشهور "أنا ضد مكيافيللي"، يعد عصر فردريك الأكبر عصر الفتوحات والانتصارات العسكرية والإنجازات الكبرى.
(3) هربرت سبنسر فيلسوف بريطاني (27 أبريل 1820-8 ديسمبر 1903). في كتابه السياسي "الرجل ضد الدولة" قدم رؤية فلسفية متطرفة في ليبراليتها. كان سبنسر، وليس داروين، هو الذي أوجد مصطلح "البقاء للأصلح". رغم أن القول ينسب عادةً لداروين. وقد ساهم سبنسر في ترسيخ مفهوم الارتقاء، وأعطى له أبعادًا اجتماعية فيما عرف لاحقًا بالدارونية الاجتماعية. وهكذا يعد سبنسر واحدًا من مؤسسي علم الاجتماع الحديث. ولد سبنسر في ديربي، وتلقى معظم تعليمه في المنزل، عمل كمهندس مدني، لكن كتاباته المبكرة 1848م شهدت اهتمامًا بالأمور الاقتصادية؛ حيث عمل كمحررٍ في جريدة الأيكونومست "الاقتصادي"، والتي كانت- كما هي الآن- جريدة اقتصادية مؤثرة ومهمة. عام 1851 انضم إلى مجموعة جون تشابمان، التي كانت ترعى الفكر الحر والإصلاح، وبالذات تروج لفكرة التطور والارتقاء. طلب تشابمان من سبنسر أن يبحث نظرية توماس مالتوس ويعرضها في العدد الأول من مجلة أشرف على إصدارها، ورأى سبنسر في نظرية مالتوس قانونًا عامًّا يصلح للبشر كما للحيوانات؛ حيث تعمل الحروب والكوارث والأوبئة على تصحيح الزيادة السكانية. من هذه اللحظة فصاعدًا اعتبر سبنسر كاتبًا مهمًّا، ووجد تعبير "البقاء للأصلح" رواجًا كبيرًا، وتوالت كتبه التي شملت مواضيع مختلفة، وكانت ترى مسألة التطور والارتقاء في شتى الجوانب الاجتماعية، حيث لا مكان للضعيف في سباق الأقوياء. كانت الداروينية الاجتماعية في تلك الفترة بمثابة كفارة لضمير الإنسانية المتعب؛ حيث قدمت على أنها قانون الطبيعة الذي لا حيادَ عنه. كان سبنسر يمتلك علاقات وثيقة مع كبار الرأسماليين في عصره، الذين تلقفوا أفكاره ورحبوا بها، وكان سبنسر قد أخبر كارينجي، واحد من أهم رأسماليي عصره: أن صعود شخص مثله، لم يكن نتيجة حتمية فحسب، بل كان حقيقة علمية. كان سبنسر معجبًا جدًّا بداروين، ومن أجله فقط، حنث بيمينه بعدم دخول أي كنيسة؛ حيث حضر القداس على روحه في كنيسة وستمنستر! (موسوعة ويكيبيديا).
(4) ولد جوليان هكسلي في المملكة المتحدة في عام 1887. ومع أنه كان أخصائيًّا في علم الحيوان، فإنه كان أيضًا فيلسوفًا ومربيًا وكاتبًا، وأدى دورًا عظيمًا في تأسيس اليونسكو. وقد أثارت الوثيقة التي أصدرها عندئذٍ بعنوان "اليونسكو، أهدافها وفلسفتها"، مجادلات ثرية وحامية، وفي فترةٍ لاحقةٍ أصبح نائبًا لرئيس اللجنة الدولية المعنية بتاريخ التطور العلمي والثقافي للبشرية؛ وذلك طوال ما يقرب من عشرين عامًا (1950-1969). وكان نشطًا في إنشاء منظمات مهمة غير حكومية. وتُوفي في عام 1975م. (موقع اليونسكو).
(5) تشارلس إليوت نورتون (1827-1908): أحد أساتذة هارفارد البارزين، شغل منصب رئيس جامعة هارفارد لمدة أربعين سنة.
(6) لإدمون ديمولان كتاب عن (سر تقدم الإنجليز السكسونيين) ترجمه أحمد فتحي زغلول (1862-1914)، وصدَّره بمقدمة مستفيضة عن سرِّ تخلف المصريين. وقد طُبع الكتاب في مطبعة المعارف بالقاهرة سنة 1899م.
(7) الغزالي (450-505ه= 1058-1111م): محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، أبو حامد، حجة الإسلام: فيلسوف، متصوف، له نحو مائتي مصنف. مولده ووفاته في الطابران (قصبة طوس، بخراسان)، رحل إلى نيسابور، ثم إلى بغداد، فالحجاز، فبلاد الشام، فمصر، وعاد إلى بلدته. نسبته إلى صناعة الغزل (عند من يقوله بتشديد الزاي)، أو إلى غزالة (من قرى طوس) لمَن قال بالتخفيف. له كتب كثيرة أشهرها (إحياء علوم الدين). (انظر: الأعلام، (7/22-23)).
(8) إحياء علوم الدين، (2/261، 272).
(9) جَرير (28-110ه/ 648-728م): جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي، أبو حزرة، من تميم. أشعر أهل عصره، ولد ومات في اليمامة، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم فلم يثبت أمامه غير الفردق والأخطل. (انظر: الأعلام، (2/119)، الموسوعة الشعرية).
(10) خامس الخلفاء الراشدين، ولد في المدينة المنورة، وعندما شب وليها، وعندما حضرت سليمان بن عبد الملك الوفاة عهد بالخلافة إلى عمر، بقى في الخلافة ثلاثين شهرًا، تُوفي في 24 رجب 101ه.
(11) البيت من الطويل، وهو من قصيدته التي مطلعها:
إِلَيكَ كَلِفنا كُلَّ يَومِ هَجيرَةٍ صَدٍ مَعمَعانِى تَلَظّى أَعابِلُه
(12) الإحياء، (2/272).
(13) أخرجه البخاري في "الجنائز"، باب: "ما قيل في أولاد المشركين"، ح(1296).
(14) أَبو العَلاء المَعَرِي (363-449ه/ 973-1057م): أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخي المعري. شاعر وفيلسوف، وُلد ومات في معرة النعمان، كان نحيف الجسم، أُصيب بالجدري صغيرًا فعمى في السنة الرابعة من عمره. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ورحل إلى بغداد سنة 398ه فأقام بها سنة وسبعة أشهر، وهو من بيت كبير في بلده، ولما مات وقف على قبره 84 شاعرًا يرثونه، وكان يلعب بالشطرنج والنرد، وإذا أراد التأليف أملى على كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم، وكان يحرم إيلام الحيوان، ولم يأكل اللحم خمسًا وأربعين سنة، وكان يلبس خشن الثياب، أما شعره وهو ديوان حكمته وفلسفته، فثلاثة أقسام: (لزوم ما لا يلزم- ط) ويعرف باللزوميات، و(سقط الزند- ط)، و(ضوء السقط- خ)، وقد ترجم كثير من شعره إلى غير العربية، وأما كتبه فكثيرة وفهرسها في معجم الأدباء. وقال ابن خلكان: ولكثيرٍ من الباحثين تصانيف في آراء المعري وفلسفته. من تصانيفه كتاب (الأيك والغصون) في الأدب يربو على مائة جزء، (تاج الحرة) في النساء وأخلاقهن وعظاتهن، أربعمائة كراس، و(عبث الوليد- ط) شرح به ونقد ديوان البحتري، و(رسالة الملائكة- ط) صغيرة، و(رسالة الغفران- ط)، و(الفصول والغايات- ط)، و(رسالة الصاهل والشاحج). (الأعلام، (1/157)).
(15) البيتان من الوافر، وهما من قصيدته التي مطلعها:
قَد اِختَلَّ الأَنامُ بِغَيرِ شَكٍّ فَجَدّوا في الزَمانِ وَأَلعَبوهُ
(16) فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية (000 - نحو 5ه= 000 - نحو 626م): أول هاشمية ولدت خليفة. وهي أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وإخوته. نشأت في الجاهلية بمكة. وتزوجت بأبي طالب (عبد مناف ابن عبد المطلب)، وأسلمت بعد وفاته، فكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يزورها ويقيل في بيتها. ثم هاجرت مع أبنائها إلى المدينة وماتت بها، فكفنها النبي- صلى الله عليه وسلم- بقميصه واضطجع في قبرها، وقال: لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها. وقبرها في البقيع، كان تحت قبة عثمان ابن عفان. (الأعلام، (5/130).
(17) صفية بنت عبد المطلب بن هاشم (صفية القرشية) (...- 20ه=...- 641م): سيدة قرشية، شاعرة باسلة، وهي عمة النبي- صلى الله عليه وسلم-. أسلمت قبل الهجرة، وهاجرت إلى المدينة. لها مواقف مشهودة. ولها مراث رقيقة. وفي شعرها جودة. ماتت في المدينة. (السابق، (3/206) بتصرف).
(18) أسماء بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر، من قريش (ذات النطاقين) (000 - 73ه= 000 - 692م): صحابية، من الفضليات. آخر المهاجرين والمهاجرات وفاة. وهي أخت عائشة لأبيها، وأم عبد الله بن الزبير. تزوجها الزبير بن العوام فولدت له عدة أبناء بينهم عبد الله. ثم طلَّقها الزبير فعاشت بمكة مع ابنها عبد الله، إلى أن قُتل. فعميت بعد مقتله وتُوفيت بمكة. وهي وابنها وأبوها وجدها صحابيون. شهدت اليرموك مع ابنها عبد الله وزوجها. وكانت فصيحة حاضرة القلب واللب، تقول الشعر. وخبرها مع الحجاج بعد مقتل ابنها عبد الله مشهور. عاشت مائة سنة وهي محتفظة بعقلها. وسميت (ذات النطاقين)؛ لأنها صنعت للنبي- صلي عليه وسلم- طعامًا حين هاجر إلى المدينة، فلم تجد ما تشده به، فشقت نطاقها وشدت به الطعام. لها 56 حديثًا. (السابق، (1/305).
(19) هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف (..- 14ه=..- 635م): صحابية، قرشية، عالية الشهرة. وهي أم الخليفة الأموي "معاوية" بن أبي سفيان. تزوجت أباه بعد مفارقتها لزوجها الأول "الفاكه بن المغيرة" المخزومي، وكانت فصيحة جريئة، صاحبة رأي وحزم ونفس وأنفة، تقول الشعر الجيد وأكثر ما عُرف من شعرها مراثيها لقتلى "بدر" من مشركي قريش، قبل أن تسلم. ووقفت بعد وقعة بدر (في وقعة أحد) ومعها بعض النسوة، يمثلن بقتلى المسلمين، ويجدعن آذانهم وأنوفهم، وتجعلها هند قلائد وخلاخيل. وترتجز في تحريض المشركين، والنساء من حولها يضربن الدفوف، ثم كانت ممن أهدر النبي- صلى الله عليه وسلم- دماءهم يوم فتح مكة، وأمر بقتلهم ولو وجدوا تحت أستار الكعبة، فجاءته مع بعض النسوة في الأبطح، فأعلنت إسلامها، ورحَّب بها. وأخذ البيعة عليهن. شهدت اليرموك وحرضت على قتال الروم. وأخبارها كثيرة. (السابق، (8/98)).
(20) "كل إناء يترشح بما فيه: يضرب في إفصاح الرجل بما يطبع به إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر". (الزمخشري، المستقصي في أمثال العرب).
(21) في الديوان: الواقي.
(22) البيتان من الرجز، وهما لأم الفضل بنت الحارث الهلالية.
(23) ابن عبد ربه: العقد الفريد، (1/234) (المكتبة الشاملة).
(24) مجلة الشبان المسلمين الشهرية، السنة الثانية، المجلد الثاني، الجزء الثالث، شعبان 1349ه/ ديسمبر 1930م، ص(188-194).
(25) يقصد الإمام محمد عبده.
(26) كذا بالأصل، والصواب: يغلب على.
(27) أي: كثير التقلب.
(28) هذا إشارة للحديث الذي أخرجه البخاري في "الأدب"، باب: "لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين"، ح (5668)، ومسلم في "الزهد والرقائق"، باب: "لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين"، ح(5317).
(29) أخرجه البخاري في "البيوع"، باب: "في العطار وبيع المسك"، ح(1959)، ومسلم في "البر والآداب والصلة"، باب: "استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء"، ح(4762).