التعديلات الدستورية: «جهاز مدعي عام الإرهاب»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التعديلات الدستورية: «جهاز مدعي عام الإرهاب»


بقلم:أ. ضياء رشوان


لا تتوقف المخاطر السياسية والدستورية التي سوف تتسبب فيها التعديلات الدستورية المقترحة من رئيس الجمهورية ورئيس الحزب الوطني الحاكم عندما ذكرناه في المقالات الثلاثة السابقة، من إيجاد تعارضات جذرية بين بعضها وبين مواد أخري قائمة في الدستور، وتمهيد الطريق «دستورياً» أمام اغتصاب السلطتين التنفيذية والتشريعية بتزوير الانتخابات وتوريث مقعد الرئاسة، وتخريب الحياة الحزبية وإفسادها بعقد صفقات أقل ما توصف به أنها "غير مبدئية" بين الحزب الحاكم وبعض أحزاب المعارضة الرئيسية من أجل تمرير تلك التعديلات، بل إن تلك المخاطر تمتد إلي تهديد حرية وأمن كل المواطنين المصريين بما تقترحه من نص دستوري جديد يختص بمكافحة الإرهاب.

فقد ورد في رسالة الرئيس للبرلمان حرفياً:

إن إقامة نظام قانوني يختص بمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه ليكون بديلا تشريعيا لمكافحة هذا الخطر دون حاجة لتطبيق قانون الطوارئ، تتطلب حماية دستورية تستظل بها الإجراءات التي يتطلبها ذلك النظام، وهو ما يقوم سبباً لكي يتضمن الدستور بين مواده ما يسمح للمشروع بفرض إجراءات خاصة بمكافحة الإرهاب علي نحو يسترشد بما استقرت عليه دول العالم في قوانين أفردتها لذلك. ولذلك أطالب بوضع عنوان بديل للفصل السادس وبإحلال نص جديد بدلا من نص المادة ١٧٩ التي طلبت إلغاءها، يسمح للمشرع بفرض الأحكام الكفيلة بحماية المجتمع من الإرهاب، وبحيث لا تحول الأحكام الواردة في المواد ٤١ الفقرة الأولي و ٤٤ و٤٥ الفقرة الثانية، دون قدرة إجراءات مكافحة الإرهاب علي التصدي لأخطاره وآثاره الجسيمة، مع التأكيد علي أن يكفل القانون تحديد رقابة قضائية علي تلك الإجراءات وذلك بما يضمن التصدي بحزم لخطر الإرهاب ويدفع أي عدوان أو مساس غير مبرر بحقوق الإنسان، مع إتاحة سبيل لسرعة الفصل في قضايا الإرهاب.

ويبدو واضحاً من تلك الرسالة أن ذلك التعديل يستهدف، من حيث المبدأ، الإطاحة لصالح مادة مكافحة الإرهاب المقترحة ببعض من أبرز الحريات الأساسية القائمة للمواطن اليوم في المواد الثلاث المشار إليها، والذي يعطي المادة الجديدة المقترحة الأولوية عليها.

وحتي لا يتحول الأمر إلي مجرد اجتهاد أو تأويل في تفسير النصوص، فإن تلك المواد المراد إيقاف العمل بها لصالح المادة الجديدة تنص علي التالي:

أولاً الفقرة الأولي من المادة ٤١:

«الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض علي أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقا لأحكام القانون».

أما المادة ٤٤ فتنص علي أن: «للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقا لأحكام القانون».

وتنص الفقرة الثانية من المادة ٤٥ علي أن: «للمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقا لأحكام القانون».

ولا يتوقف الخطر عند تلك الإطاحة بكل هذه الحقوق الإنسانية والدستورية الأساسية لعموم المصريين، بل يمتد لأبعد من ذلك حسب نصوص رسالة الرئيس إلي «إقامة نظام قانوني يختص بمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه»، يحمل عنواناً بديلاً للفصل السادس من الباب الخامس للدستور بدلاً من عنوانه الحالي المدعي العام الاشتراكي، بما يضمن إتاحة سبيل لسرعة الفصل في قضايا الإرهاب.

وتؤدي تلك المؤشرات الواضحة إلي الاستنتاج بأن النية تتجه إلي إقامة نظام قانوني كامل قد يحمل في الدستور عنوان «مدعي عام الإرهاب» ويمهد نص المادة المقترحة له لتشريع قانوني يصدر بعد ذلك، لينشئ جهازاً قضائياً كاملاً علي غرار جهاز المدعي العام الاشتراكي بما في ذلك جهات التحقيق والمحاكم الخاصة اللتان تضمنان حسب كلمات الرئيس «سرعة الفصل في قضايا الإرهاب».

أي ببساطة سنكون أمام نظام قانوني استثنائي كامل مواز للنظم القانونية الطبيعة القائمة بما يعصف بصورة دائمة بالحق المقرر في المادة ٦٨ من الدستور التي تنص علي أن: «لكل مواطن حق الالتجاء إلي قاضيه الطبيعي»، ويخلق تعارضاً إضافياً بين المواد المقترحة والمواد القائمة في الدستور.

وقبل أن يطرح الحزب الحاكم حججه في شأن نص المادة ١٧٩ وتفاصيل ذلك الجهاز القضائي الاستثنائي، نبادر منذ الآن بالقول إن أبرز تلك الحجج سيكون القول بأن فرنسا وبعض الدول الغربية تعرف نظام القاضي المختص بالتحقيق في قضايا الإرهاب، متناسية أن الأمر هناك يقتصر علي التحقيق في حين تتم جميع إجراءات ومراحل المحاكمة والتقاضي أمام القضاء الطبيعي المنوط به حسب اختصاصه، النظر في الدعاوي المختلفة المرتبطة بالاتهام بالإرهاب.

ولن تقف المخاطر والمآسي عند ذلك، فسوف يظل قانون الطوارئ الصادر عام ١٩٥٨ قائماً إلي جانب قانون الإرهاب وجهازه القضائي الجديد، ينتظر أي قرار من أي رئيس للجمهورية أو من أي مجلس للشعب بإعلان حالة الطوارئ وتطبيقها إلي جانب قانون الإرهاب، وعندها سيكون للسلطة التنفيذية أن تختار المحاكم التي تحيل إليها المواطنين في أي اتهام: محاكم الإرهاب أو محاكم أمن الدولة أو المحاكم العسكرية.

فأبشروا يا أبناء مصر بهذه الحرية الواسعة في اختيار قاضيكم!!!