التوسط في الولاء

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

التوسط في الولاء

الوسطية.jpg

تعتبر الوسطية من أهم المعالم التي ميز الله بها دينه عن الأديان الأخرى، فهذا الدين دين العدل، وأمته أمة العدل والتوسط، لذا جاءت النصوص في النهي عن الغلو، والتنطع في الدين منها: قوله تعالى " قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم " وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من قبلكم بالغلو في الدين ".


ومن الأمور التي يجب التوسط بها قضية الولاء. فإذا كان الإسلام قد أمرنا بالولاء، كذلك نهانا عن الغلو فيه بمجاوزة حد الحق في المناصرة والتأييد، ويكون الغلو في الولاء لشخص أو جماعة أو حزب بالمناصرة بالباطل مع أن الإسلام ينهى عن ذلك ويأمر بالعدل، ولو كانت الجهة التي يمنحها الولاء من أحب الناس إليه، وكانت الجهة المخالفة ألد الأعداء له فالله سبحانه وتعالى يقول: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ". فالعدل و لو مع الأعداء لا ينافي التقوى بل هو أقرب للتقوى.


وكم يقع أصحاب الولاء للأشخاص والجماعات والأحزاب من المسلمين في هذا الغلو الشنيع الذي حذر الله منه تحذيرًا شديداً حتى من أعداء الله فكيف بالمؤمنين المخالفين في الرأي أو في التنظيم أو التكتل. إنه من الأمراض الشائعة التي يحجب الله بها نصره عن الذين يرون أنهم ينصرونه وينصرون دينه، وهم في منهج ولائهم لله ولرسوله وللمؤمنين يعصون أوامر الله ونواهيه. ويتولد عن الغلو في الولاء التعصب الذميم والمناصر ة بالباطل وتبرير أعمال الشخص أو الجماعة أو الحزب دون وجه حق ولو كانت هذه الأعمال من المعاصي والآثام.


ويتولد عن الغلو في الولاء العَمى الحزبي والمذهبي الذي يجعل صاحبه لا يرى عيوب حزبه وتنظيمه الذي ينتمي إليه فيندفع لمناصرته بالثقة العمياء دون تحرٍّ لوجه الحق وإن رأى العيوب بنفسه أو كشفها له أحد الناصحين أسرع إلى تبريرها بالباطل.


والغلو في الولاء الحزبي المذهبي يجعل صاحبه يعمد إلى شطب الآخرين ومحوهم ممن لا ينتمون إلى حزبه أو جماعته ومحاولة إلصاق النقائص والعيوب فيهم وتعويق أعمالهم وإيقاف نشاطهم ودفن كل حسناتهم ونشر قبائحهم واتهامهم بالباطل وتشويه سمعتهم بين الناس وتحقير أعمالهم وتوهين شأنهم. وهذا كله يرجع إلى الأنانية والفردية والحزبية والحسد الذميم وهي التي نهى الله عنها.


إن نصرة المسلم لأخيه المسلم واجبة ولكنه حين يكون مبطلا أو ظالما فإن نصرته تكون بردعه عن الظلم ورده إلى الصراط المستقيم، ذلك هو الولاء الحق له و لدين الله. فالولاءات الشخصية أو التجمعية أو الحزبية لا يجوز فيها الغلو ولا الانتصار بالباطل ضد الحق وكل ما يقدمه أصحاب الولاء من مبررات لتأييد الانتصار بالباطل ضد أصحاب الحق لا تنفع عند الله شيئا ولا تعفيهم من المسئولية لأنها من قضايا الظلم لعباد الله وظلم الناس للناس لا يتركه الله من دون قصاص بالعدل.


إن الولاء الحزبي المناصر بالباطل يميت في جماعة الحزب وفي أفراده ركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويجعل الحزبي ينصر الحزب ورفيق الحزب فوق نصرته للحق وقد يعلل ذلك تعليلاً دينيًا في فتوى غير شرعية بأن الغرض من نصرة الحزب بوجه عام نصرة الدين أو نصر ة الحق الكلي الأكبر فلا مانع من التجاوز في الجزئيات من أجل هذا الهدف، لذلك فهو يسكت ويداري، أو يدافع ويبرر، وهنا تنزل عقوبة الله وفق سنته الدائمة، فيضرب قلوب بعض أفراد الحزب ببعض، فيخلطهم خلطا ويمزقهم إرباً ويُلبسهم شيعا.


وهذا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: " إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ".


إن داء الغلو في الولاء الشخصي والحزبي له أثاره السيئة و التي تتمثل في:

أ) التعصب المذهبي الذي أفسد أخلاق أتباع المذاهب الفقهية وجعلهم ينتصرون لرأي أئمتهم أو فقهاء مذاهبهم أكثر من انتصارهم لكتاب الله وسنة نبيه.


ب) التعصب للشيوخ سواء كانوا علماء أو مربيين وهذا التعصب أفسد أحوال الشيوخ والتلاميذ معًا، فجعل التلاميذ يعمون عن عيوب شيوخهم حتى يروهم قدِّيسين ويكرهون نظرائهم، وجعل الشيوخ يستغلون ثقة تلاميذهم بهم ثقة عمياء لتحقيق مصالح شخصية وسلب إرادة المريد سلبا كاملاً وذلك على قاعدة تعارفوا عليها وهي " ينبغي للمريد أن يكون بين يدي شيخه كالميت على خشبة الغسل ".

ج) التعصب الحزبي: وهذا التعصب قد جعل الحزبيين يعمون عن عيوب قادة الحزب والمنتسبين إليه مهما كانت شنيعة وخطيرة وقد يكون بعض المنتسبين إلى الحزب منافقين أصحاب مصالح وربما يعمل بعضهم إلى هدم الحزب من الداخل. كما أن التعصب للحزب جعل أصحابه يحاربون من لم ينتمي لحزبهم مهما كان صالحا تقيا عاملاً للإسلام، كما أن التعصب للحزب جعل الحزبيين يتعلمون وسائل المكر والحيل الخفية لضرب الآخرين ولو كانوا من المؤمنين المتقين. والتعصب للحزب جعل الحزبيين يفضلون كلمة الانتماء إلى حزبهم ولو نفاقا على قناطير العمل الإسلامي الصالح الذي يرضي الله عز وجل ممن لا ينتمي إلى حزبهم وجعلهم يؤثرون هذا المنتمي لمجرد انتمائه على غيره مهما كان ذلك عالماً مخلصاً يبتغي رضوان الله فعيبه الأكبر أنه لم ينتم إليهم.


إن الغلو في الولاء داء يعاني منه الكثيرون من أبناء الصحوة الإسلامية، ولا نجاة من هذا الداء الذي جلبه الغلو إلا بمعالجته بالدواء الإسلامي الذي تقاس فيه الأمور بمقياس الحق والعدل، أين كان الحق، وحيث استقام ميزان العدل.


مواضيع ذات صلة