الحادى عشر من سبتمبر و نظرية الصدمة ( 2- 2 )

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحادى عشر من سبتمبر و نظرية الصدمة ( 2- 2 )

بقلم: د/ ممدوح المنير


الحادى عشر من سبتمبر

تحدثنا فى المقال السابق عن نظرية الصدمة و التى تتحدث أنه تحت تأثير الصدمة يمكنك إملاء سياسات و فرض واقع يصعب فرضه إلا بحدوث ( كارثة ) تصبح هى المبرر لفرض هذه السياسات و فى طرحنا فى المقال السابق كانت أحداث الحادى عشر من سبتمبر هى ( الصدمة – الكارثة ) التى استغلتها الولايات المتحدة لفرض نظام عالمى جديد تحت سيطرتهاو لكن هل نجحت الولايات المتحدة فى تحقيق أهدافها بناءً على هذه النظرية ؟ ، هذا ما نحاول الإجابة عليه فى هذا المقال .

أولا :

فى أفغانستان خاضت حربها الأولى ضد طالبان من أجل نفط بحر قزوين كما قلنا سابقا ، و نجحت بالفعل فى إقصاء حكم طالبان و الإتيان بنظام موالى لها ( حامد كرزاى ) ، لكن ما نستطيع أن نقوله أنها فشلت فى تحقيق أى من أهدافها كيف ؟


بالفعل أقصت طالبان ، لكن الواقع أنها أقصتها من كابل العاصمة فقط ، فى حين ظلت طالبان مسيطرة على مجمل الأوضاع فى الكثير من الأراضى الأفغانية حتى اضطرت إلى طلب المساعدات العسكرية من دول الاتحاد الأوربى وزيادة ميزانية الحرب بشكل متصاعد و لولا التعميم الإعلامى الحاصل هناك لكانت خسائر الولايات المتحدة فضيحة أخرى تضاف لسجل فضائحها المتخم.


من ناحية النفط و جدت الولايات المتحدة صعوبات كبيرة فى حل معضلة نقل نفط بحر قزوين لأن أفضل الطرق و أرخصها و أسرعها يجب أن يمر عبر أنابيب داخل الدولة الإيرانية العدو اللدود و منها إلى موانىء التصدير بالخليج ، كما تزيد تكلفة الإستخراج و الإنتاج ثلاثة أضعاف عن نظيرتها فى دول الأوبك نظرا لوجود حقول قزوين فى المياه المفتوحة وعلى أعماق بعيدة و بذلك تكون الولايات المتحدة فشلت فى تحقيق مجمل أهدافها الاستراتيجية فى أفغانستان .


ثانياَ :

فى العراق نجحت الولايات المتحدة فى إزالة حكم صدام حسين بالفعل ، لكنها سقطت فى مستنقع العراق ، فقد تحدثت ( ليندا بيلميز ) الباحثة الاقتصادية في جامعةهارفارد والكاتبة المشاركة في كتاب "حرب الثلاثة تريليونات دولار" مع الاقتصاديالأميركي البارز الحائز على جائزة نوبل للسلام جوزيف ستيغليتز أن "التكاليف المباشرة و الغير مباشرة للحرب ترفع التكاليف إلى 25 مليار دولار في الشهر ( ، كل ذلك جعل الانسحاب من العراق مع عظم حجم الخسائر البشرية أيضا فى أولويات الحملات الانتخابية الأمريكية بل يذهب كثير من المحللين إلى اعتباره – الانسحاب من العراق - عامل النجاح الرئيسى لأوباما على نظيره الجمهورى .


بذلك تصبح هذه الحرب هى الفشل الأعظم فى التاريخ الأمريكى الحديث ، حيث فقدت بسببها – إضافة للخسائر المالية و البشرية - صورتها الأخلاقية ( سجن أبوغريب نموذجا ) ، هيبتها العسكرية ، مصداقيتها حين دخلت الحرب بدون غطاء من الشرعية الدولية و بأسباب عرف العالم أجمع مدى زيفها .


ثالثاَ :

أدركت الولايات المتحده مدى غبائها السياسى و الاستراتيجى باحتلال العراق و أفغانستان ، فقد كان أحد الأهداف الأساسية للحرب تطويق إيران و محاصرتها فطوقتها هى كيف ؟ كما قلنا فى المقال السابق أصبحت إيران فى مرمى النيران الأمريكية ، لكن القوات الأمريكية فى العراق و أفغانستان أصبحت هى الأخرى فى المرمى النيران الإيرانية كذلك !! بل بميزة إضافية لإيران كيف ؟!


حيث إن تكنولوجيا السلاح الإيرانية قاصرة عن الوصول للولايات المتحدة فى عقر دارها فى حين تستطيع تكنولوجيا السلاح الأمريكية ضرب إيران فى العمق و بذلك يعتبر و جود الجنود الأمريكيين فى العراق و أفغانستان داخل مرمى النيران الإيرانية ميزة يجب أن تتوجه بسببها إيران بخالص الشكر للولايات المتحدة !! .


هذا فضلا عن النفوذ الإيرانى الشيعى فى العراق و أفغانستان و الذى وجد متنفسا كبيرا له بعد احتلال الدولتين ، لذلك نستطيع القول باطمئنان أن الحرب الأمريكية فى العراق و أفغانستان كان خدمة للأهداف الإيرانية أكثر منها خدمة للأهداف الأمريكية !! .


رابعا :

فى سعيها للقضاء على المد الإسلامى المتمثل فى الحركات الإسلامية المتطرفة منها و المعتدلة ، حققت أيضا كذلك فشلا ذريعا ، كيف ؟

بالنسبة للحركات الإسلامية المتطرفة ، كان الهدف المعلن هو القضاء على تنظيم القاعدة و أسامة بن لادن زعيم التنظيم و حتى الآن لم تنجح الدولة العظمى الأولى فى العالم فى اعتقال بن لادن أو حتى قتله ، كما وفرت حربها القذرة أخلاقيا فى العراق و أفغانستان ، عامل جذب لأدبيات القاعدة و أصبح هناك العديد من جماعات العنف التى تتبنى النهج الفكرى للحركة و بالتالى كانت حرب الولايات المتحدة على القاعدة عامل ( تفريخ ) للعديد من الحركات االإرهابية الأخرى .


أما بالنسبة للحركات الإسلامية المعتدلة سواء التى تتبنى نهج المقاومة ضد الإحتلال ( حماس نموذجا ) أو المعارضة السياسية السلمية ( الإخوان المسلمون نموذجا ) فحاولت الولايات المتحدة تحجيمها بشتى الطرق لكن كان الفشل حليفها كذلك .


بالنسبة لحماس و أخواتها من حركات التحرر الوطنى ، أصبح الانحياز الأعمى لإسرائيل عامل دعم معنوى و مادى هائل لهذه الحركات لأن الشعوب لا تحتاج إلى كثير جهد لمعرفة الحق من الباطل و الغث من السمين ، كما كان الفشل الذريع فى حرب غزة الأخيرة التى كانت تستهدف إنهاء سيطرة حماس على قطاع غزة ، كل ذلك جعل الحركة تكسب تعاطف العديد من الشعوب فى العالم مع إزدياد رسوخ قدمها أيضا داخل القطاع ، كما اضطرت الولايات المتحدة و حلفائها الأوربيون للتعامل مع حماس بعد أن حاولوا حصارها سياسيا .


بالنسبة للإخوان المسلمين فى مصر فقد حققوا أكبر انتصاراتهم بالوصول إلى مجلس الشعب المصرى بعدد مقاعد هو الأكبر من نوعه منذ تأسيس الجماعة رغم حالات التزوير ! و كان الحادى العشر من سبتمبر هو سبب هذا الفوز كيف ؟


كان أحد النظريات التى تبنتها الإدارة الأمريكية السابقة بعد الحادى عشر من سبتمبر ، أن الاستبداد السياسى هو العامل الحفّاز لنمو الجماعات الراديكالية التى تتوجس منها شرا ، فضغطت أمريكا على بعض الأنظمة الديكتاتورية كمصر لتبنى الديمقراطية متوهمة أن الديمقراطية ستأتى بأنظمة موالية لها فكانت صدمة نتائج الإنتخابات الديمقراطية فى أولها سببا كافيا لتزويرها فى آخرها ، لكن بعد أن سبق السيف العزل و انتزع الإخوان 88 مقعد و تعزز و جودهم أكثر فى الحياه السياسية المصرية و حقق الإسلاميون مكاسب عديدة فى العديد من الدول العربية بل أصبحوا رقما صعبا يعمل له ألف حساب .


خامسا : حاولت الولايات المتحدة تقليم أظافر بعض الدولة المشاغبة بالنسبة لأمريكا كما قلنا فى المقال السابق و لكنها وصلت فى نهاية المطاف لنتيجة صفرية بل أصبح هناك تحالف استراتيجى فيما بينها لمواجهة أمريكا !!

( التحالف الإيرانى السورى نموذجا ) بل انضم إليهم دول أخرى غير عربية مثل فنزويلا .


سادسا :

نجحت الولايات المتحدة فى تغيير بعض المناهج الدراسية و الثقافية فى بعض الدول العربية و نزع أدبيات المقاومة و الجهاد منها ، لكنها لم تحقق النتائج المرجوة حيث قاومت الشعوب ذاتيا هذه الحملة فلجأت إلى وسائلها الخاصة بعيدا عن الأشكال الرسمية التى تتحكم فيها الأنظمة الموالية لأمريكا ، فانتشرت مواقع الإنترنت و القنوات الفضائية الخاصة و الجمعيات الأهلية و تتضاعف أعداد الدعاة ، فأصبح التأثير الأمريكى بلا قيمة حقيقية على أرض الواقع .


بل نتيجة الاهتمام الأمريكى بالحرب على الإسلام كما أعلن بوش فى بداية حربه على ( الإرهاب ) ازداد اهتمام الشعوب الغربية بمعرفة بالإسلام فسجل عصر ( نظرية الصدمة و الحرب على الإرهاب ) أعلى معدلات للدخول فى الإسلام فى أوربا و أمريكا بل أصبح الكتاب الإسلامى من أكثر الكتب مبيعا عالميا و بذلك تكون نظرية الصدمة سببا فى انتشار الإسلام فى الغرب !! .


فى النهاية أفضل ما يمكن أن يختم به هذا المقال قوله تعالى ( ويمكرون ويمكرالله والله خير الماكرين) (لأنفال:30)


موضوعات ذات صلة

الحادى عشر من سبتمبر و نظرية الصدمة ( 1- 2 )

المصدر : نافذة مصر