الحوار الفلسطيني : ضرورة التوافق وكارثية الفشل
بقلم : عبد الرحيم محمود جاموس
إنطلق الحوار الفلسطيني بين كافة الفرقاء الفلسطينيين كما كان مقرراً له في العاشر من آذار / 2009م في القاهرة برعاية مصرية ودعم عربي كامل في وقت لم يعد فيه مجال للتأخير أو التسويف، وقد أصبح التوافق الفلسطيني متطلب ضروري ومصلحة وطنية فلسطينية قبل أن يكون متطلباً ضرورياً ومصلحة عربية أو غيرها، وقد أدرك كافة الفرقاء ما حل بهم وبشعبهم وبقضيتهم الوطنية من مأساة ارتقت إلى درجة الكارثة على كافة الصعد المعنوية والمادية لم يسبق أن تعرض لها الشعب الفلسطيني في تاريخ معاناته الطويل إلا عند وقوع الكارثة الكبرى سنة 1948م وما نتج عنها !!!
فالانقسام السياسي الذي نتج عن إنقلاب حركة حماس في قطاع غزة في 14/06/2007 م وما نتج عنه من أزمة سياسية عميقة الجذور تقتضي من كافة الفرقاء نبذ حالة الانقسام والارتقاء عنها إلى مستوى المسؤولية القاضية بإنهاء كافة نواتجها الوخيمة على مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته الواحدة في كافة أماكن تواجده، والغير قابلة للتجزئة تحت أي اعتبار جغرافي أو سياسي.
نكتب هذه السطور وقلوبنا مشدودة نحو قاهرة المعز نرقب ما سينتج عن لجان الحوار الفلسطينية الخمسة من نتائج يستبشر بها شعبنا الفلسطيني لتعيد له وحدته ووحدة قضيته ومكانتها اللائقة والتي اهتزت وتراجعت كثيراً خلال العامين المنصرمين عما كانت عليه فيما مضى، مهما حاول أن يصور البعض أن في الانقسام فوائد فإنه لا يعدو عن فوائد عطور الجنائز التي لا تغير من واقع الموت شيئاً، فعلى أرضية الانقسام تضيع الأهداف وتسقط الأحلام وتضيق الرؤى إلى درجة متدنية لا يستطيع معها الواحد أن يرى إلا نفسه ونفسه فقط.
وهكذا أصبحنا على مدى سنتين لا همّ للبعض سوى تثبيت الذات وأن يدعي كل واحد منهم أنه العنوان وأنه صاحب الأهلية والمشروعية وأنه القادر على الوفاء بالالتزامات تجاه الآخرين أكثر من غيره، إنه العجز بعينه، فغابت الأهداف وسقطت وحدة الشعب والقضية ووحدة البرنامج وتعددت المشاريع والهويات والولاءات، فلا مفاوضة نجحت ولا مقاومة أثمرت وأصبح الحال (( كحال مصيفة الغور )) وقد نجح العدو في خوض معاركه السياسية والعسكرية والاستيطانية، ضد الشعب الفلسطيني وأهدافه الوطنية في الحرية والاستقلال وبناء الدولة المستقلة
وعاصمتها القدس الشريف، نجاحاً كبيراً من خلال ما أتاحته له حالة الانقسام والتشرذم التي سادت الواقع الفلسطيني والقومي في مواجهة مخططات العدو القائمة على استراتيجية التوسع الاستيطاني وطمس الهوية الوطنية والقومية للشعب الفلسطيني وإضعافها إلى درجة استمرار التغييب بعد أن تمكن النضال الوطني للفلسطينيين على امتداد عدة عقود من إعادتها كحقيقة سياسية لا بد من ترجمتها كواقع سياسي وقانوني يعترف به العالم أجمع، فانتهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة والتوحد على كل المستويات الكفاحية للشعب الفلسطيني باتت ضرورة لا تعلو عليها أية غاية أو أية راية مهما إدعت من طهر وقدسية،
فالحوار الذي يمثل السبيل الوحيد لعلاج حالة التشرذم والانقسام أمامه ضرورة واحدة لا غير وهي ضرورة التوافق في كل ما هو محل اختلاف كي تستعيد القضية مكانتها في نفوس أبناءها الفلسطينيين ومن بعدهم أشقاءهم وأصدقاءهم، فلا يجوز لهذا الحوار أن يحتمل الفشل لأنه لم يعد هناك وقت كاف للهدر فآلة الحرب الإسرائيلية لا توفر أحداً كما آلة الاستيطان تستهدف الأراضي الفلسطينية سواء من خلال جدار الفصل العنصري أو التوسع الاستيطاني في القدس ومحيطها وبقية أراضي الضفة الفلسطينية التي تقطع أوصالها بالحواجز وغيرها على طريق تنفيذ أهدافه العنصرية في تبديد الوطن الفلسطيني وخلق وقائع تحول دون تحقيق هدف الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة، فنجاح الحوار مكسب لجميع القوى المتحاورة وللشعب الفلسطيني وقضيته، أما الفشل فسيعني كارثة بكل المقاييس لن يوازيها سوى كارثة 1948 م، وستبقى عيوننا وقلوبنا مشدودة نحو قاهرة المعز تنتظر نتائج مبشرة للحوار الذي تضع مصر العروبة ثقلها لإنجاحه مدعومة بكل الأشقاء العرب من المحيط إلى الخليج.
مدير عام مكاتب اللجنة الشعبية الفلسطينية
المصدر
- مقال:الحوار الفلسطيني : ضرورة التوافق وكارثية الفشلالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات